ص 3
بسم الله الرحمن الرحيم
ص 5
دحض القدح في سند حديث الثقلين

ص 7
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
ص 9
وبعد أن اطلعت على رواية أعلام الحديث لحديث الثقلين، فلا بد من ذكر كلام من قدح
وطعن فيه، من بعض أسلاف العامة المتعصبين، وبيان وهنه وسقوطه. وبالله التوفيق:
*(1)* قدح البخاري

قال البخاري في (التاريخ الصغير) ما نصه: قال أحمد في حديث عبد
الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم الثقلين :
أحاديث الكوفيين هذه مناكير 1. الجواب: إن هذا الكلام غريب جدا، إذ قد ثبت فيما
تقدم بحيث لا يشك
(هامش)
1. التاريخ الصغير 1 / 302. (*)
ص 10
المتتبع فيه: أن أحمد قد روى هذا الحديث بطرق عديدة وأسانيد سديدة، وروايات متكثرة
في (المسند) عن زيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وأبي سعيد الخدري. فنسبة الجرح في هذا
الحديث إلى الإمام أحمد غريبة جدا، ولا يمكن توجيهها أو تأويلها بنحو من الأنحاء،
ورواية أحمد للحديث في (المسند) أكبر حجة على بطلان هذه الشبهة، إذ لا يصح روايته
إياه فيه مع إنكاره له، لأنه يستلزم التدليس والتلبيس، مع العلم بأنه يحتاط في
رواياته ولا سيما في (مسنده)، فقد قال قاضي القضاة تاج الدين السبكي بترجمة أحمد:
قلت: وألف مسنده، وهو أصل من أصول هذه الأمة، قال الإمام الحافظ أبو موسى محمد بن
أبي بكر المديني رحمه الله: هذا الكتاب - يعني مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن
محمد بن حنبل الشيباني قدس الله روحه - أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، إنتقي
من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة فجعل إماما ومعتمدا، وعند التنازع ملجأ ومستندا،
على ما أخبرنا والدي وغيره أن المبارك بن عبد الجبار أبا الحسين كتب إليهما من
بغداد قال: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قراءة عليه، أنا أبو عبد
الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن عمر بن بطة قراءة عليه، ثنا أبو حفص
عمير [عمر] بن محمد بن رجا، ثنا موسى بن حمدون البزاز، قال: قال لنا حنبل بن إسحاق:
جمعنا عمي - يعني الإمام أحمد - لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند، وما سمعه
معنا - يعني تاما - غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من
سبعمائة وخمسين ألفا، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا ليس بحجة. وقال عبد الله بن أحمد رحمه الله: كتب
أبي عشرة ألف ألف حديث، لم يكتب سوادا في بياض إلا حفظه. وقال عبد الله أيضا: قلت
لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت
ص 11
المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماما إذا اختلف الناس في سنة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجع إليه. وقال أيضا: خرج أبي المسند من سبعمائة ألف حديث. قال أبو موسى
المديني: ولم يخرج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته. ثم ذكر
بإسناده إلى عبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله قال: سألت أبي عن عبد العزيز بن
أبان قال: لم أخرج عنه في المسند شيئا، لما حدث بحديث المواقيت تركته. قال أبو
موسى: فأما عدد أحاديث المسند فلم أزل أسمع من أفواه الناس أنها أربعون ألفا، إلى
أن قرأت على أبي منصور بن زريق ببغداد قال: أنا أبو بكر الخطيب، قال قال ابن
المنادي: لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه - يعني عبد الله بن الإمام أحمد بن
حنبل - لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفا. والتفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفا، سمع
منها ثلاثين ألفا والباقي وجادة. فلا أدري هذا الذي ذكر ابن المنادي أراد به ما لا
مكرر فيه أو أراد غيره مع المكرر، فيصح القولان جميعا، والاعتماد على قول ابن
المنادي دون غيره. قال: ولو وجدنا فراغا لعددناه إنشاء الله تعالى. فأما عدد
الصحابة رضي الله عنهم فنحو من سبعمائة رجل. قال أبو موسى: ومن الدليل على أن ما
أودعه الإمام أحمد رحمه الله مسنده قد احتاط فيه اسنادا ومتنا، ولم يورد فيه إلا ما
صح سنده، ما أخبرناه [به] أبو علي الحداد، قال أنا أبو نعيم [و] أنا ابن الحصين [و]
أنا ابن المذهب، قال أنا القطيعي، ثنا عبد الله، قال حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر،
ثنا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: يهلك أمتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟
قال: لو أن الناس اعتزلوهم. قال عبد الله: قال أبي في مرضه الذي مات فيه: إضرب على
هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي
ص 12
صلى الله عليه وسلم. يعني قوله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا. وهذا مع ثقة
رجال إسناده حين شذ لفظه مع الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه فكان دليلا على ما
قلناه 1. فإذا كان (مسند) أحمد بهذه المثابة من الدقة، وكانت أسانيده صحيحة، وقد
احتاط فيه الاحتياط التام، وجعله المرجع عند الاختلاف، كيف يدخل فيه حديث الثقلين،
ويرويه فيه بأكثر من لفظ وطريق، وهو يعتقد بأنه منكر من الأحاديث المناكير؟! وقال
عمر بن محمد عارف النهرواني المدني في (مناقب) أحمد بن حنبل: قال ابن عساكر: أما
بعد، فإن حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم به يعرف سبل السلام والهدى، ويبنى عليه
أكثر الأحكام، ويؤخذ منه معرفة الحلال والحرام. وقد دون جماعة من الأئمة ما وقع
إليهم من حديثه، وكان أكبر الكتب التي جمعت فيه هو المسند العظيم الشأن والقدر
(مسند) الإمام أحمد، وهو كتاب نفيس يرغب في سماعه وتحصيله ويرحل إليه، إذ كان مصنفه
الإمام أحمد المقدم في معرفة هذا الشأن، والكتاب كبير القدر والحجم، مشهور عند
أرباب العلم، يبلغ أحاديثه ثلاثين ألف سوى المعاد، وسوى ما ألحق به ابنه عبد الله
من أعالي الاسناد، وكان مقصود الإمام في جمعه أن يرجع إليه في اعتبار من بلغه أو
رواه... فكيف يدخل الإمام أحمد في هكذا كتاب - موصوف بهذه الصفات - حديثا منكرا
مع علمه بكونه منكرا من الأحاديث المناكير؟ * [ذلك ظن الذين لا يوقنون] *. وقال
الشيخ عبد الحق الدهلوي في (أسماء رجال المشكاة) بترجمة أحمد: ومسند الإمام أحمد
معروف بين الناس، جمع فيه أكثر من ثلاثين
(هامش)
1. طبقات الشافعية 2 / 31 - 33. (*)
ص 13
ألف حديث، وكان كتابه في زمانه أعلى وأرفع وأجمع الكتب . وقال الشيخ ولي الله
الدهلوي: الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها، كان
مصنفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحر في فنون الحديث، ولم يرضوا في
كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، فتلقاها من بعدهم بالقبول، واعتنى بها
المحدثون والفقهاء طبقة بعد طبقة، واشتهرت فيما بين الناس، وتعلق بها القوم شرحا
لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباطا لفقهها، وعلى تلك الأحاديث بناء عامة العلوم،
كسنن أبي داود، وجامع الترمذي، ومجتبى النسائي، وهذه الكتب مع الطبقة الأولى اعتنى
بأحاديثها رزين في تجريد الصحاح وابن الأثير في جامع الأصول. وكاد مسند أحمد يكون
من جملة هذه الطبقة، فإن الإمام أحمد جعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم، قال: ما
ليس فيه فلا تقبلوه 1. فإذا كان أحمد لا يتساهل في مسنده، وكان كتابه هذا بهذه
المثابة من القبول والشهرة والاعتبار، كيف يعقل أن يتساهل أحمد ويخرج فيه حديثا
منكرا مع علمه بكونه كذلك؟! وقال ولي الله أيضا في (الانصاف): وجعل - أي أحمد -
مسنده ميزانا يعرف به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما وجد فيه ولو بطريق
واحد من طرقه فله أصل، وما لا فلا أصل له . ولو صح كونه معتقدا بسقم حديث الثقلين
- قد رواه في المسند الذي جعل ميزانا بين الصحيح والسقيم - فهو إذا كاذب مدلس. وقال
أبو مهدي الثعالبي في (مقاليد الأسانيد) بترجمة أحمد نقلا عن ابن خلكان: وألف
مسنده وهو أصل من أصول هذه الأمة، جمع من الحديث ما لم يتفق لغيره .
(هامش)
1. حجة الله البالغة 134. (*)
ص 14
وقال فيه: وله التصانيف الفائقة، فمنها (المسند)، وهو ثلاثون ألفا، وبزيادة ابنه
عبد الله أربعون ألف حديث، وقال فيه - وقد جمع أولاده وقرأ عليهم هذا الكتاب - قد
جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألفا، فما اختلف فيه المسلمون
من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارجعوا إليه، فإن وجدتموه وإلا ليس بحجة .
وقال (الدهلوي) في (بستان المحدثين) بترجمة أحمد - وقد ذكر مسنده وما تقدم نقله فيه
-: يقول راقم هذه الحروف: إن مراده الحديث الذي لم يبلغ درجة الشهرة أو التواتر
المعنوي، وإلا فإن الأحاديث الصحيحة المشهورة التي لم تكن في المسند كثيرة . فقد
نقل (الدهلوي) كلام أحمد لأولاده، ثم خصص مراده بحسب فهمه، فهل يبقى بعد ذلك مجال
لتوجيه كلام البخاري؟! وقال الحافظ الجلال السيوطي بشرح قول النووي وأما مسند
أحمد ابن حنبل وأبي داود الطيالسي وغيرهما من المسانيد، فلا تلتحق بالأصول الخمسة
وما أشبهها، في الاحتجاج بها والركون إلى ما فيها قال: تنبيهات - الأول: اعترض
على التمثيل بمسند أحمد بأنه شرط في مسنده الصحيح. قال العراقي: ولا نسلم ذلك،
والذي رواه عنه أبو موسى المديني أنه سئل عن حديث فقال: أنظروه فإن كان في المسند
وإلا فليس بحجة، فهذا ليس بصريح في أن كل ما فيه حجة، بل [فيه أن] ما ليس فيه ليس
بحجة. قال: على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست فيه، منها حديث عائشة في
قصة أم زرع. قال: وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق، بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في
جزء، ولعبد الله ابنه فيه زيادات فيها الضعيف والموضوع انتهى. وقد ألف شيخ الإسلام
كتابا في ذلك أسماه (القول المسدد في الذب عن المسند) قال في خطبته: وقد ذكرت في
هذه الأوراق ما حضرني من الكلام على الأحاديث التي زعم بعض أهل الحديث أنها موضوعة
وهي في
ص 15
مسند أحمد، ذبا عن هذا التصنيف العظيم الذي تلقته الأمة بالقبول والتكريم، وجعله
إمامهم حجة يرجع إليه ويعول عند الاختلاف عليه. ثم سرد الأحاديث التي جمعها العراقي
وهي تسعة وأضاف إليها خمسة عشر حديثا أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي فيه،
وأجاب عنها حديثا حديثا. قلت: وقد فاته أحاديث أخر أوردها ابن الجوزي وهي فيه،
وجمعتها في جزء سميته الدليل [الذيل] الممهد مع الذب عنها، وعدتها أربعة وعشرون
حديثا 1. ولا أظن - بعد الاستماع إلى هذه الكلمة القيمة - أن أحدا يقدم على جرح
حديث الثقلين المروي في (المسند) لأحمد بن حنبل، فكيف بنسبة القدح إلى أحمد نفسه،
أو يقيم وزنا لنقل البخاري الذي لا شك في بطلانه. ولو توقف أحد في ذلك فإننا ننقل
هنا كلاما لتقي الدين ابن الصلاح يرفع الشك ويقطع الألسن، وهذا نص كلامه الذي جاء
في (علوم الحديث): ثم إن الغريب ينقسم إلى صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيح، وإلى
غير صحيح، وذلك هو الغالب على الغرائب، روينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال
غير مرة: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها من الضعفاء . فمن
منع من كتابة المناكير فضلا عن العمل بها، وحذر من نقلها فضلا عن الاستناد إليها،
لا ينقل حديثا مع علمه بكونه منكرا، ولا يجوز أن يخرجه في (المسند) العظيم، وكتاب
(مناقب أمير المؤمنين)، وإلا لتوجه إليه الذم والتأنيف واللوم والتوبيخ، وقد قال
الله تعالى: * [يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن
تقولوا ما لا تفعلون] * وقال: * [أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون
الكتاب أفلا تعقلون] *.
(هامش)
1. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1 / 171 - 172. (*)
ص 16
وعلى الجملة: فقد ظهر لكل ذي تتبع وفطنة أن نسبة كون حديث الثقلين من الأحاديث
المناكير إلى الإمام أحمد بن حنبل كذب منكر وبهتان عظيم.. والله الموفق والمستعان.
ص 17
*(2)* قدح ابن الجوزي

قال ابن الجوزي في كتابه (العلل المتناهية) ما نصه: حديث في
الوصية لعترته: أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، قال أخبرنا محمد بن المظفر، قال نا
أحمد بن محمد العتيقي، قال حدثنا يوسف بن الدخيل، قال حدثنا أبو جعفر العقيلي، قال
نا أحمد بن يحيى الحلواني، قال نا عبد الله بن داهر، قال نا عبد الله بن عبد
القدوس، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، وأنهما لن يفترقا جميعا حتى يردا علي
الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قال المصنف: هذا حديث لا يصح، أما عطية فقد ضعفه
أحمد ويحيى وغيرهما، وأما ابن عبد القدوس فقال يحيى ليس بشيء رافضي خبيث، وأما عبد
الله بن داهر فقال أحمد ويحيى ليس بشيء، ما يكتب منه إنسان فيه
ص 18
خير 1. الجواب: يظهر فساد هذا الكلام وشناعته، وبطلان هذا الزعم وفظاعته، بوجوه
عديدة وبراهين سديدة: 1 - الحديث في صحيح مسلم إن هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم
بطرق عديدة، وغير خفي أن وجود حديث - ولو بطريق واحد - في هذا الصحيح يدل على صحته
عند مسلم فكيف لو كان بطرق عديدة؟ 2 - تصريح مسلم بصحة ما أخرجه إجماعا لقد صرح
مسلم بأن جميع ما في صحيحه مجمع على صحته فضلا عن كونه صحيحا عنده - كما قال الحافظ
السيوطي قال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا، وإنما وضعت ما أجمعوا عليه
2. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في (أسماء رجال المشكاة) بترجمة مسلم بن الحجاج:
وقال في كتابه: أوردت في هذا الكتاب ما صح وأجمع عليه العلماء . وعلى هذا، فإدخال
مسلم حديث الثقلين في صحيحه دليل واضح على إجماع العلماء على صحته، فالقول بعدمها
معارضة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع لسبيل غير المؤمنين. وقد صرح
ولي الله الدهلوي بأن أهل الحديث مجمعون على صحة
(هامش)
1. العلل المتناهية في الأحاديث الواهية 1 / 268. 2. تدريب الراوي 1 / 98. (*)
ص 19
صحيح مسلم حيث قال عند الكلام على آية التطهير: وقال قوم إنه لم تقع قصة دعائه
صلى الله عليه وسلم للمرتضى والزهراء والحسنين رضي الله عنهم وهذا أيضا كذب، لأن
الحديث مذكور في (صحيح) مسلم، وأهل الحديث مجمعون على صحته 1. هذا، وقد فصلنا
الكلام في مجلد (حديث المنزلة) على روايات الصحيحين، وذكرنا هناك قطع ابن الصلاح،
وأبي إسحاق، وأبي حامد الأسفراييني، والقاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي
وأبي عبد الله الحميدي، وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق، والسرخسي الحنفي،
والقاضي عبد الوهاب المالكي، وأبي يعلى الحنبلي، وابن الزاغوني الحنبلي، وابن فورك،
وأكثر أهل الكلام الأشاعرة، وأهل الحديث قاطبة، على صحة أحاديث (صحيح) البخاري
و(صحيح) مسلم، وأنه مذهب السلف من أهل السنة، ومحمد بن طاهر المقدسي. بل ذكرنا هناك
قولهم بصحة ما كان على شرطهما فضلا عن أحاديثهما، وأنه قال به البلقيني شيخ
العسقلاني، وابن تيمية، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، والكوراني،
والكردي، والنخلي، والشيخ عبد الحق الدهلوي وولي الله الدهلوي. ولما كان حديث
الثقلين موجودا في (صحيح) مسلم، فإن معنى ذلك أن جميع هؤلاء وغيرهم قائلون بصحته.
وبعد درك هذا المعنى والوقوف على هذه الحقيقة لا يبقى ريب في بطلان ما ادعاه ابن
الجوزي. بل لقد نص الطيبي على أن الإجماع على صحة روايات الصحاح قائم بين الشرق
والغرب، وهذا نص كلامه: فإن قلت ما وثوقك أنك على الصراط المستقيم، فإن كل فرقة
تدعي أنها عليه؟ قلت: بالنقل عن الثقات المحدثين الذين جمعوا صحاح الأحاديث في
أموره صلى الله عليه وسلم، وأحواله
(هامش)
1. قرة العينين 119. (*)
ص 20
وأفعاله وفي أحوال الصحابة، مثل (الصحاح الستة) التي اتفق الشرق والغرب على صحتها،
وشراحها كالخطابي والبغوي والنووي اتفقوا عليه، فبعد ملاحظته ينظر من الذي تمسك
بهديهم واقتفى أثرهم 1. وهذا المقدار كاف لاثبات فساد ما زعمه ابن الجوزي. 3 -
رأي أبي علي في صحيح مسلم قال أبو مهدي الثعالبي في (مقاليد الأسانيد) بترجمة مسلم:
وكان الحافظ أبو علي النيسابوري يقدم صحيحه على سائر التصانيف وقال: ما تحت أديم
السماء أصح من كتاب مسلم. وإليه جنح بعض المغاربة، ومستندهم أنه شرط ألا يكتب في
صحيحه إلا ما رواه تابعيان ثقتان عن صحابيين، وكذا وقع في تبع التابعين وسائر
الطبقات إلى أن ينتهى إليه، مراعيا في ذلك ما لزم في الشهادة، وليس هذا من شرط
البخاري . وكذا قال (الدهلوي) في (بستان المحدثين) بترجمة مسلم، ثم قال بعد كلام
له: وبالجملة فإنه قد انتخب صحيحه هذا من بين ثلاثين ألف حديث مسموع، محتاطا
متورعا فيه غاية الاحتياط والورع . ترجمة أبي علي النيسابوري 1 - السمعاني:
وذكرت من حفاظ الحديث واحدا عرف به، وهو أبو علي الحافظ النيسابوري. واحد عصره في
الحفظ والاتقان والورع والرحلة ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في (تاريخ نيسابور)
فقال: أبو علي الحافظ النيسابوري، ذكره في الشرق كذكره بالغرب، تقدم في مذاكرة
الأئمة وكثرة التصنيف، وكان مع تقدمه في هذه العلوم أحد المعدلين المقبولين في
البلد 3.
(هامش)
1. شرح المشكاة للطيبي - مخطوط -. 2. الأنساب - الحافظ. (*)
ص 21
2 - الذهبي: قال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ: ما رأيت ابن عقدة يتواضع لأحد من
الحفاظ كتواضعه لأبي علي النيسابوري. قال الحاكم: وسمعت أبا علي يقول: اجتمعت
ببغداد مع أبي أحمد العسال، وأبي إسحاق ابن حمزة، وأبي طالب بن نصر، وأبي بكر
الجعابي، فقالوا: أمل من حديث نيسابور مجلسا، فامتنعت، فما زالوا بي حتى أمليت
عليهم ثلاثين حديثا ما أجاب واحد منهم في حديث منها سوى أبي حمزة في حديث واحد. قال
أبو عبد الرحمن السلمي: سألت أبا الحسن الدارقطني عن أبي علي النيسابوري، فقال:
إمام مهذب. أنبأني المسلم بن محمد، عن القاسم بن علي، أنا أبي، أنا أخي أبو الحسن
سمعت أبا طاهر السلفي، سمعت غانم بن أحمد، سمعت أحمد بن الفضل الباطرقاني، سمعت ابن
مندة يقول: سمعت أبا علي النيسابوري - ما رأيت أحفظ منه - قال: وما تحت أديم السماء
أصح من كتاب مسلم. قال عبد الرحمن بن مندة، سمعت أبي يقول: وما رأيت في اختلاف
الحديث والاتقان أحفظ من أبي علي النيسابوري. قال القاضي أبو بكر الأبهري: سمعت أبا
بكر بن داود يقول لأبي علي النيسابوري: من إبراهيم عن إبراهيم عن إبراهيم؟ فقال:
إبراهيم بن طهمان عن إبراهيم بن عامر البجلي عن إبراهيم النخعي. قال: أحسنت يا أبا
علي. قال الحاكم: كان أبو علي يقول: ما رأيت في أصحابنا مثل الجعابي حيرني حفظه.
قال: فحكيت هذا لأبي بكر فقال: يقول هذا أبو علي وهو أستاذي على الحقيقة. قال
الحاكم توفي في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. 1. 3 - السبكي كما تقدم
2.
(هامش)
1. تذكرة الحفاظ 3 / 902. 2. طبقات الشافعية 3 / 276. (*)
ص 22
فهذا أبو علي النيسابوري الذي قدم صحيح مسلم على غيره من الصحاح والكتب. وقال
الدهلوي في كتابه (التحفة) في جواب الطعن في عمر لتحريمه المتعتين: والجواب عن
هذا الطعن هو أن أصح الكتب عند أهل السنة هو (صحيح) مسلم وقد ورد فيه برواية سلمة
بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وجاء في غيره من الصحاح برواية أبي هريرة: أنه صلى
الله عليه وسلم هو بنفسه قد حرم المتعة بعد الرخصة بها ثلاثة أيام، ثم أبد التحريم
إلى يوم القيامة في حرب الأوطاس . فالدهلوي أيضا ممن يرى بأن (صحيح) مسلم أصح
الكتب، بل زاد أنه الأصح عند أهل السنة عامة. فزعم ابن الجوزي باطل عند أهل السنة
عامة، وعند الحافظ أبي علي النيسابوري و(الدهلوي) خاصة. 4 - مدح العلماء لصحيح مسلم
قال النووي في ترجمة مسلم: وصنف مسلم في علم الحديث كتبا كثيرة منها هذا الكتاب
الصحيح الذي من الله الكريم - وله الحمد والنعمة والفضل والمنة - به على المسلمين،
وأبقى لمسلم به ذكرا جميلا وثناءا حسنا إلى يوم القيامة، مع ما أعد له من الأجر
الجزيل في دار القرار، وعم نفعه للمسلمين قاطبة 1. وبمثله قال الحافظ ابن حجر
العسقلاني في (فهرست مروياته) على ما نقل عنه الثعالبي في (مقاليد الأسانيد). وقال
الذهبي بترجمة مسلم عند ذكر صحيحه: وهو كتاب نفيس كامل في معناه، فلما رآه الحفاظ
أعجبوا به ولم يسمعوه لنزوله، وتعمدوا إلى
(هامش)
1. تهذيب الأسماء واللغات 2 / 91. (*)
ص 23
أحاديث الكتاب فساقوها من مروياتهم عالية بدرجة وبدرجتين ونحو ذلك، حتى أتوا على
الجميع هكذا، وسموه (المستخرج على صحيح مسلم)، فعل ذلك عدة من فرسان الحديث منهم:
أبو بكر محمد بن محمد بن رجا، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفراييني - وزاد في
كتابه متونا معروفة بعضها لين - والزاهد أبو جعفر أحمد بن حمدان الحيري، وأبو
الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبو حامد أحمد بن محمد الشاذلي الهروي، وأبو بكر محمد
بن عبد الله بن زكريا الجوزقي، والإمام أبو الحسن الماسرخسي، وأبو نعيم أحمد بن عبد
الله بن أحمد الاصبهاني، وآخرون لا يحضرني ذكرهم الآن 1. هذا، ولو كان كلام ابن
الجوزي حقا لما جاز وصف مسلم وكتابه الصحيح بهذه الأوصاف البالغة النهاية في
التعظيم والتكريم، وذلك لروايته حديث الثقلين غير الصحيح - في زعم ابن الجوزي - في
كتابه المعروف بالصحيح. 5 - تقديم بعضهم مسلما على المشايخ نقل النووي والشيخ عبد
الحق الدهلوي عن أحمد بن سلمة قوله: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن
الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما 2. وقال النووي بترجمته أيضا: واعلم
أن مسلما رحمه الله أحد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه، وأهل الحفظ
والاتقان والرحالين في طلبه إلى أئمة الأقطار والبلدان، والمعترف له بالتقدم فيه
بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان، والمرجوع إلى كتابه والمعتمد عليه في كل الأزمان
.
(هامش)
1. سير أعلام النبلاء 12 / 557. 2. تهذيب الأسماء واللغات 2 / 91. أسماء رجال
المشكاة. (*)
ص 24
وقال ابن حجر العسقلاني في (فهرست مروياته) على ما نقل عنه الثعالبي في (مقاليد
الأسانيد) في ذكر مسلم: كان أحد أعلام هذا الشأن وكبار المبرزين فيه والرحالين في
طلبه، والمجمع على تقدمه فيه أهل عصره، كما شهد له بذلك إماما وقتهما وحافظا عصرهما
أبو زرعة وأبو حاتم . وإذا حكم هكذا إمام في الحديث مجمع على تقدمه وتورعه بصحة
حديث الثقلين، وخرجه في صحيحه المقبول لدى الجميع، فهل يبقى للشك في صحة هذا الحديث
مجال؟ أم هل تبقى قيمة لإنكار ابن الجوزي صحته؟ كلا ثم كلا. 6 - ورع مسلم واحتياطه
في صحيحه قال النووي: سلك مسلم في صحيحه طرقا بالغة في الاحتياط والاتقان والورع
والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علمه [علومه] وشدة تحقيقه
بحفظه وتقعدده في هذا الشأن، وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته، وعلو محله
في التمييز بين دقائق علومه [التي لا يهتدي إليها إلا أفراد في الأعصار]، فرحمه
الله ورضي عنه 1. وقال بترجمته: ومن أكبر الدلائل على جلالته وورعه وحذقه
وتقعدده في علوم الحديث واضطلاعه منها، وتفننه فيها وتنبيهه على ما في ألفاظ الرواة
من اختلاف، بين متن وإسناد ولو في حرف واعتنائه بالتنبيه على الروايات المصرحة
لسماع المدلسين وغير ذلك مما هو معروف في كتابه، وقد ذكرت في مقدمة شرحي لصحيح مسلم
جملا من التنبيه على هذه الأشياء وشبهها مبسوطة واضحة، ثم نبهت على تلك الدقائق
والمحاسن في أثناء الشرح في مواطنها، وعلى الجملة لا نظير لكتابه في هذه الدقائق
وصحة الاسناد، وهذا عندنا من المحققات التي لا شك فيها، للدلائل المتظافرة
(هامش)
1. المنهاج في شرح مسلم 1 / 30 - 31. (*)
ص 25
عليها 1. وقال فيه أيضا: ومن حقق نظره في (صحيح) مسلم رحمه الله واطلع على ما
أودعه في أسانيد وترتيبه، وحسن سياقته وبديع طريقه من نفائس التحقيق وجواهر
التدقيق، وأنواع الورع والاحتياط والتحري في الروايات، وتلخيص الطرق واختصارها،
وضبط متفرقها وانتشارها، وكثرة اطلاعه واتساع روايته، وغير ذلك مما فيه من المحاسن
والأعجوبات، واللطائف الظاهرات والخفيات، علم أنه إمام لا يلحقه من بعد عصره، وقل
من يساويه بل يدانيه من أهل عصره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل
العظيم 2. كل هذه الكلمات تفيد كمال ورع مسلم ونهاية احتياطه في الرواية، ومن ثم
عرض مسلم كتابه على أبي زرعة الرازي، ثم أسقط الأحاديث التي أشار عليها كما ستقف
عليه إن شاء الله. فكيف يجوز أحد من أهل السنة وهن حديث الثقلين - فضلا عن وضعه -
وقد رواه هذا الرجل العظيم في كتابه العظيم؟ 7 - الحديث في صحيح الترمذي لقد روى
هذا الحديث الشريف الترمذي في (صحيحه) وهو أحد الصحاح الستة، رواه بطرق عديدة عن
جابر، وزيد بن أرقم، وأبي ذر، وأبي سعيد، وحذيفة. ولجامع الترمذي هذا مكانة مرفوعة
ومرتبة جليلة، حتى قال جامعه الترمذي في شأنه: من كان في بيته هذا الكتاب فكأنما
في بيته نبي يتكلم نقل عنه هذه الكلمة جماعة كابن الأثير، والذهبي، وولي الدين
الخطيب،
(هامش)
1. تهذيب الأسماء واللغات 2 / 90. 2. تهذيب الأسماء 2 / 91. (*)
ص 26
والشيخ عبد الحق الدهلوي، والثعالبي، والكاتب الجلبي، و(الدهلوي) نفسه. 1 فكيف يقال
في حديث الثقلين المروي في هكذا كتاب - بطرق عديدة - إنه غير صحيح؟! 8 - رضى علماء
الأقطار بصحيح الترمذي قال الترمذي في حق (جامعه الصحيح) على ما نقل عنه ابن الأثير
في صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق
فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في
بيته نبي يتكلم 2. وقد نقل قوله هذا أيضا الذهبي 3 وولي الدين الخطيب في (رجال
المشكاة) وعبد الحق الدهلوي في (أسماء رجال المشكاة) والثعالبي في (مقاليد
الأسانيد) وغيرهم. فالتفوه بالقدح في شيء منه مخالفة لهؤلاء الأعيان. ولقد ظهر من
كلام الطيبى المنقول آنفا، أنه قد اتفق أهل الشرق والغرب على صحة ما في (الصحاح
الستة)، فإذا ثبت أن حديث الثقلين صحيح لرواية الترمذي إياه في صحيحه، وهو أحد
الصحاح الستة، باتفاق أهل المشرق، فهل يشك أحد في بطلان زعم ابن الجوزي؟ وصرح بوقوع
إجماعهم على صحة الصحاح الستة ابن روزبهان في كتابه (الباطل) الذي رد به على الشيعة
حيث قال: وليس أخبار الصحاح الستة مثل أخبار الروافض، فقد وقع إجماع الأئمة على
صحتها .
(هامش)
1. جامع الأصول 1 / 114، تذكرة الحفاظ 2 / 634، الاكمال في أسماء الرجال 3 / 803،
أسماء رجال المشكاة، مقاليد الأسانيد، كشف الظنون، بستان المحدثين. 2. جامع الأصول
1 / 114. 3. تذكره الحفاظ 2 / 634. (*)
ص 27
وقال أيضا: وأما صحاحنا فقد اتفق العلماء أن كل ما عد من الصحاح - سوى التعليقات
في الصحاح الستة - لو حلف الطلاق أنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من
فعله وتقريره لم يقع الطلاق ولم يحنث . فكيف خرج ابن الجوزي على هذا الإجماع
الثابت؟ 9 - الحديث في مسند أحمد وروى الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث في (مسنده)
بطرق عديدة كما عرفت في قسم السند. 10 - فتوى جماعة بصحة أخبار المسند وقد علمت
أيضا أن أبا موسى المديني قد صرح بصحة جميع ما في هذا المسند، وستعلم قريبا أن
الحافظ المديني قد صنف كتابا خاصا في إثبات ما ذهب إليه. ترجمة المديني وقد ذكرنا
فيما تقدم طرفا من مفاخر المديني، وترجمنا له في مجلد (حديث الولاية) أيضا. وأفتى
الحافظ أبو العلاء الهمداني بصحة جميع ما في (مسند أحمد) من الأخبار، وستقف على ذلك
من كلام ابن رجب الحنبلي. ترجمة أبي العلاء الهمداني قال الذهبي: أبو العلاء
الهمداني الحافظ العلامة المقرئ، شيخ الإسلام، شيخ همدان، مولده سنة ثمان وثمانين
وأربعمائة، قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن مقرئ فاضل، حسن السيرة مرضي الطريقة،
عزيز النفس سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف القراءات
ص 28
والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه. وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء
أشهر من أن يعرف، بل يعز مثله في أعصار كثيرة على ما بلغنا من السير، أربى على أهل
زمانه في كثرة السماعات مع تحصيل أصول ما سمع وجودة النسخ واتقان ما كتبه بخطه، ما
كان يكتب شيئا إلا منقطا معربا، وأول سماعه من عبد الرحمن بن الدوني في سنة خمس
وتسعين وأربعمائة، برع على حفاظ عصره من حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ
والأسماء والكنى والقصص والسير. ولقد كان يوما في مجلسه فجاءته فتوى في عثمان رضي
الله عنه، فكتب من حفظه ونحن جلوس درجا طويلا في أخباره. وله تصانيف منها (زاد
المسافر) في خمسين مجلدا، وكان إماما في القرآن وعلومه، وحصل من القرآن ما إنه صنف
فيه العشرة والمقروات، وصنف في الوقف والابتداء وفي التجويد والماءات والعدد،
ومعرفة القراء وهو نحو من عشر مجلدات.. وكان إماما في النحو واللغة.. سمعت من أثق
به عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء لما دخل
نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك، وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول - وذكر
رجلا من أصحابه رحل - إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته. مات أبو العلاء
في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة 1. وإلى صحة جميع ما في (مسند أحمد) ذهب
الحافظ عبد المغيث الحربي، فقد قال ابن رجب بترجمته: وصنف عبد المغيث (الانتصار
لمسند الإمام أحمد)، أظنه ذكر فيه أن أحاديث المسند كلها صحيحة، وقد صنف في ذلك
قبله أبو موسى، وبذلك أفتى أبو العلاء الهمداني، وخالفهم الشيخ أبو الفرج ابن
الجوزي .
(هامش)
1. تذكرة الحفاظ 4 / 1324 وأنظر طبقات الحفاظ 473. (*)
ص 29
ترجمة عبد المغيث 1 - الذهبي في (العبر 4 / 249). 2 - اليافعي في (مرآة الجنان 3 /
426). 3 - ابن رجب في (ذيل طبقات الحنبلية). 4 - القنوجي في (التاج المكلل 210).
فقد ترجم في هذه المصادر وغيرها بكل اطراء وتبجيل - فراجعها. 11 - كلام ابن الجوزي
في وصف المسند قال عمر بن محمد عارف النهرواني في (مناقب أحمد بن حنبل): قال ابن
الجوزي: صح عند الإمام أحمد من الأحاديث سبع مائة ألف وخمسين ألفا، والمراد بهذه
الأعداد الطرق لا المتون، أخرج منها (مسنده) المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول
والتكريم، وجعلوه حجة يرجع إليه ويعول عند الاختلاف عليه، قال حنبل بن إسحاق: جمعنا
عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه تاما غيرنا، ثم قال لنا:
هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف
المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه فذاك وإلا فليس بحجة
وكان يكره وضع الكتب، فقيل له في ذلك فقال: قد عملت هذا المسند إماما إذا اختلف
الناس في سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إليه . هذا كلام ابن
الجوزي وفيه فوائد، وهي: أولا: إنه صرح بانتخاب أحمد مسنده من الأحاديث الصحيحة.
ثانيا: وصف المسند بالشهرة. ثالثا: ذكر تلقي الأمة للمسند بالقبول والتكريم. رابعا:
جعلت الأمة المسند حجة. خامسا: جعلت الأمة المسند مرجعا يعولون عليه عند الاختلاف.
ص 30
سادسا: إن أحمد انتخبه من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا من الحديث. سابعا: إن
أحمد أمر بالرجوع إليه عند الاختلاف. ثامنا: ذكر قول أحمد فإن وجدتموه فيه فذاك
وإلا فليس بحجة . تاسعا: ذكر أن أحمد جعل المسند إماما للناس. عاشرا: أمره ثانية
بالرجوع إليه عند الاختلاف. فالعجب من ابن الجوزي: يذكر هذه الأوصاف العظيمة لمسند
الإمام أحمد ويقدح في الحديث الشريف - حديث الثقلين - المروي فيه، وهل هذا إلا
تهافت وتناقض؟ 12 - ابن الجوزي: المسند من دواوين الإسلام وقال ابن الجوزي في
(الموضوعات) ما نصه: فمتى رأيت حديثا خارجا عن دواوين الإسلام (كالموطأ) و(مسند)
أحمد و(الصحيحين) و(سنن) أبي داود والترمذي ونحوها فانظر فيه، فإن كان له نظير في
الصحاح والحسان فرتب [قرب] أمره، وإن ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمل رجال
إسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمى بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح
فيه 1. لا أدرى كيف الجمع بين هذا الذي ذكره قواعد عامة لمعرفة الحديث، وبين قوله
بالنسبة إلى حديث الثقلين أنه لا يصح! إن حديث الثقلين مخرج في دواوين إسلام، في
(صحيح) مسلم و(صحيح) الترمذي و(مسند أحمد) وفي (سنن) أبي داود كما قال سبطه في
تذكرة الخواص!.
(هامش)
1. الموضوعات 1 / 99. (*)
ص 31
13 - مسلم: أخرجت ما صححه أبو زرعة قال الذهبي بترجمة مسلم: وقال مكي بن عبدان:
سمعت مسلما يقول: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة، فكل ما أشار علي في هذا
الكتاب أن له علة وسببا تركته، وكل ما قال إنه صحيح ليس له علة فهو الذي أخرجت، ولو
أن أهل الحديث يكتبون الحديث مائتي سنة فمدارهم على هذا المسند 1. وكذا نقل عن
مكي قوله هذا النووي في (المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج 1 / 21). فإذا عرفت ذلك،
فإنه يلزم أن يكون حديث الثقلين المخرج في (صحيح) مسلم بطرق عديدة عاريا عن كل علة
وسبب، وبعد هذا فلا يتردد عاقل في إبطال كلام ابن الجوزي. ترجمة أبي زرعة: 1 -
السمعاني: وكان إماما ربانيا متقنا حافظا مكثرا صدوقا. قدم بغداد غير مرة وجالس
أحمد بن حنبل وذاكره وكثرت الفوائد في مجلسهما، روى عنه: مسلم بن الحجاج، وأبو
إبراهيم إسحاق الحربي، وعبد الله بن أحمد ابن حنبل، وقاسم بن زكريا المطرز، وأبو
بكر محمد بن الحسين القطان، وابن أخيه، وابن أخته أبو محمد عبد الرحمن بن أبي خليفة
الرازي. وحكى عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال: لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، وكان
كثير المذاكرة له، سمعت أبي يوما يقول: لما صليت الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة
على نوافلي. وذكر عبد الله بن أحمد قال: قلت لأبي: يا أبة من الحفاظ قال: يا بني
شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا. قلت: من هم يا أبة؟ قال: محمد بن
إسماعيل ذاك البخاري، وعبيد الله بن
(هامش)
1. سير أعلام النبلاء 12 / 557. (*)
ص 32
عبد الكريم ذاك الرازي، وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي، والحسن ابن الشجاع
ذاك البلخي. وحكي عن أبي زرعة الرازي أنه قال: كتبت عن رجلين مائة ألف حديث، كتبت
عن إبراهيم الفراء مائة ألف حديث، وعن أبي شيبة عبد الله مائة ألف حديث. ذكر أبو
عبد الله محمد بن مسلم بن وارة قال: كنت عند إسحاق بن إبراهيم بنيسابور، فقال رجل
من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وأكثر، هذا
الفتى - يعني أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف حديث، وكان إسحاق بن راهويه يقول: كل
حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل 1. 2 - الذهبي: أبو زرعة الإمام حافظ
العصر.. كان من أفراد الدهر حفظا وذكاءا ودينا وإخلاصا وعلما وعملا، حدث عنه من
شيوخه: حرملة، وأبو حفص الفلاس، وجماعة، ومسلم وابن خالته الحافظ أبو حاتم،
والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وابن أبي داود، وأبو عوانة.. وعن أبي زرعة أن رجلا
استفتاه أنه حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: تمسك بامرأتك. ابن عقدة:
نامطين عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة. وعن الصغاني: أبو
زرعة عندنا يشبه بأحمد بن حنبل. وقال علي بن الجنيد: ما رأيت أعلم من أبي زرعة.
وقال أبو يعلى الموصلي: كان أبو زرعة مشاهدته أكبر من اسمه، يحفظ الأبواب والشيوخ
والتفسير. وقال صالح جزرة: سمعت أبا زرعة يقول: أحفظ من القراءات عشرة آلاف حديث.
(هامش)
1. الأنساب - الرازي. (*)
ص 33
وقال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أكثر تواضعا من أبي زرعة. وقال عبد الواحد بن
غياث: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه. وقال أبو حاتم: ما خلف أبو زرعة بعده مثله، ولا
أعلم من كان يفهم هذا الشأن من مثله، وقل من رأيت في زهده. مات أبو زرعة في آخر يوم
من سنة أربع وستين ومائة 1. 14 - تصحيح محمد بن إسحاق ومن تبعه لقد صحح محمد بن
إسحاق هذا الحديث مؤيدا لذلك بتعدد رواته، فقد قال الأزهري في (التهذيب) بعد أن ذكر
الحديث برواية زيد بن ثابت: قال محمد بن إسحاق: وهذا حديث صحيح ورفعه، ونحوه زيد
بن أرقم وأبو سعيد الخدري . ونقل الأزهري تصحيح ابن إسحاق تقريرا له وتصحيحا
للحديث، وهكذا ابن منظور نقل كلام الأزهري المشتمل على تصحيح ابن إسحاق في (لسان
العرب) وهو أيضا يفيد التصحيح. فتصحيح هؤلاء جميعا يفيد بطلان ما زعمه ابن الجوزي
من أنه حديث لا يصح. 15 - الحديث في صحيح ابن خزيمة لقد خرج الحافظ ابن خزيمة هذا
الحديث في (صحيحه) كما نقل عنه السخاوي في (استجلاب ارتقاء الغرف)، فهو صحيح لدى
ابن خزيمة والسخاوي معا، لأن نقله تقرير لتصحيحه. قال السيوطي: ثم إن الزيادة في
الصحيح عليها تعرف من كتب السنن المعتمدة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن
خزيمة والدارقطني
(هامش)
1. تذكرة الحفاظ 2 / 557. (*)
ص 34
والحاكم والبيهقي وغيرها، منصوصا على صحته فيها، ولا يكفي وجوده فيها، إلا في كتاب
من شرط الاقتصار على الصحيح، فيكفي وجوده فيها كابن خزيمة وأصحاب المستخرجات 1.
وقال فيه أيضا: صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان، لشدة تحريه حتى أنه
يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الاسناد، فيقول إن صح الخبر، وإن ثبت كذا، ونحو ذلك
2. وقال فيه أيضا: قد علم مما تقدم [تقرر] أن أصح من صنف في الصحيح ابن خزيمة،
ثم ابن حبان ثم الحاكم، فينبغي أن يقال: أصحها بعد مسلم ما اتفق عليه الثلاثة، ثم
ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ثم ابن حبان والحاكم ثم ابن خزيمة فقط، ثم ابن حبان
فقط، ثم الحاكم فقط، إن لم يكن الحديث على شرط الشيخين، ولم أر من تعرض لذلك،
فليتأمل 3. هذا، فلما علم وجود حديث الثقلين في (صحيح) ابن خزيمة وهو بهذه
المثابة من الصحة والتقديم على غيره من الصحاح، فإنه لا قيمة لطعن ابن الجوزي فيه.
16 - الحديث في صحيح أبي عوانة لقد أخرج الحافظ أبو عوانة الأسفراييني هذا الحديث
في (المسند الصحيح) المستخرج من (صحيح) مسلم... كما علمت في محله. أقوال العلماء في
صحيح أبي عوانة قال السمعاني في (الأنساب) بترجمته: صنف المسند الصحيح على
(هامش)
1. تدريب الراوي 1 / 104 - 105. 2. نفس المصدر 1 / 109. 3. تدريب الراوي 1 / 124.
(*)
ص 35
صحيح مسلم بن الحجاج القشيري وأحسن . وقال ابن خلكان في (وفيات الأعيان) والذهبي
في (التذكرة) والسبكي في (طبقات الشافعية) والأسدي في (طبقات الشافعية) قالوا جميعا
بترجمته: صاحب الصحيح المخرج على صحيح مسلم . وقال اليافعي في (مرآة الجنان)
بترجمته: صاحب المسند الصحيح . وقال السخاوي في مرويات نفسه: واجتمع له من
المرويات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف، وهي تتنوع أنواعا: أحدها ما رتب على
الأبواب الفقهية ونحوها، وهي كثيرة جدا، منها ما تقيد فيه بالصحيح، كالصحيحين
للبخاري ولمسلم، ولابن خزيمة - ولم يوجد بتمامه -، ولأبي عوانة الأسفراييني وهو وإن
كان مستخرجا على ثاني الصحيحين فقد أتى فيه بزيادات طرق، بل وأحاديث كثيرة 1.
وقال الثعالبي في (مقاليد الأسانيد): صحيح أبي عوانة الأسفراييني وهو مستخرج على
صحيح مسلم، وزاد فيه طرقا في الإشارة وقليلا من المتون . وقال الدهلوي في (بستان
المحدثين): صحيح أبي عوانة وهو مستخرج على صحيح مسلم، ويقال المستخرج في اصطلاح
المحدثين على الكتاب الذي صنف لاثبات كتاب آخر، على ترتيبه ومتونه وطرق إسناده،
ويذكر سنده بحيث يتصل بمصنف ذلك الكتاب ثم شيخه ثم شيخ شيخه وهلم جرا، وإذا ثبت
بطرق أخرى كثر الاعتماد عليه والوثوق به، ولكن هذا المستخرج إنما يسمى صحيحا
لإتيانه فيه بزيادة طرق وقليل من المتون، ولهذا قد يقال إنه كتاب مستقل، ولقد كتب
الذهبي منه منتخبا اشتهر كثيرا، سماه (منتقى الذهبي)، وفيه ثلاثون ومائة حديث .
(هامش)
1. الضوء اللامع 8 / 10. (*)
ص 36
17 - الحديث في كتب الأخبار الصحيحة وأخرجه كبار الحفاظ المصنفين في أحاديث
الصحيحين أو الصحاح الست: كالحاكم في (المستدرك على الصحيحين) بأسانيد على شرط
الشيخين. والحميدي في (الجمع بين الصحيحين). ورزين في (تجريد الصحاح). والمجد ابن
الأثير في (جامع الأصول). 18 - تصحيح المحاملي وأخرجه المحاملي في (الأمالي) مصححا
إياه. 19 - الحديث في غرر الأخبار للفرغاني وأخرجه سراج الدين الفرغاني في كتابه
(نصاب الأخبار) الذي ذكره (كاشف الظنون) قائلا: وقد اختصره من كتاب غرر الأخبار
ودرر الأشعار، وهذا الذي وعد بجمعه مقتصرا على إيراد ألف حديث صحيح، وهو كثير
الأبواب . فرواية هؤلاء لحديث الثقلين وتصحيحهم إياه دليل ظاهر على بطلان ما ادعاه
ابن الجوزي. 20 - تصحيح البغوي وأخرجه البغوي في (المصابيح) عن مسلم والترمذي. 21 -
الحديث في المختارة وأخرج ضياء الدين المقدسي هذا الحديث في (المختارة) كما ذكر ذلك
ص 37
السخاوي في كتاب (استجلاب ارتقاء الغرف) والسمهودي في (جواهر العقدين) وأحمد بن فضل
بن محمد باكثير المكي في (وسيلة المآل) والمناوي في (فيض القدير) وحسن زمان في
(القول المستحسن). ولقد التزم المقدسي في كتابه هذا بالصحة كما يظهر من كلمات
العلماء. كلمات العلماء في المختارة للضياء قال الحافظ الزين العراقي: وممن صحح
أيضا من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، جمع كتابا
سماه (المختارة) والتزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها فيما أعلم
1. ونقل السيوطي كلام العراقي هذا 2. وقال السخاوي مترجما نفسه عند ذكر أقسام
مروياته: نعم مما رتب فيه على الحروف من المسانيد مع تقييده بالمحتج به
(المختارة) للضياء المقدسي 3. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في مقدمة (شرح
المشكاة) الفارسي بعد أن ذكر المستدرك: ولقد صنف سائر الأئمة أيضا في الصحاح مثل
صحيح ابن خزيمة.. والمختارة للحافظ ضياء الدين المقدسي: وهو أيضا جمع الصحاح التي
لم توجد في الصحيحين، قيل إنه أحسن من المستدرك . 22 - تنصيص العلماء على صحته
ونقل حديث الثقلين جماعة من كبار الحفاظ وأئمة الحديث، معتمدين
(هامش)
1. التقييد والايضاح: 24. 2. تدريب الراوي 1 / 144. 3. الضوء اللامع 8 / 11. (*)
ص 38
عليه، مصرحين بصحته، وموثقين رجاله. فقد رواه المحب ابن النجار بسنده عن مسلم.
والرضي الصغاني في (مشارق الأنوار) عن صحيح مسلم، وقد صرح في مقدمة كتابه (المشارق)
بأنه جمع فيه الصحاح وجعله حجة بينه وبين الله. وابن طلحة في (مطالب السؤل) عن صحيح
مسلم. والحافظ الكنجي في (كفاية الطالب) عن مسلم. والنووي في (تهذيب الأسماء).
والمحب الطبري في (ذخائر العقبى) عنه أيضا. والخازن في (تفسيره) عن مسلم. والمزي في
(تحفة الأشراف) عن مسلم والترمذي والنسائي. وولي الدين الخطيب عن مسلم والترمذي في
(مشكاة المصابيح). والطيبي في (الكاشف) عن مسلم. والخلخالي في (المفاتيح في شرح
المفاتيح). وصحح الذهبي لفظ أبي عوانة كما مر في (الصراط السوي). وأثبته الكازروني
في (المنتقى في سيرة المصطفى) وأضاف: إن من تفوه بما يخالف حديث الثقلين - وهو في
بلاد علماء الدين - كاد أن يكون كافرا. وصححه ابن كثير في (التفسير) كما نقله أيضا
عن مسلم. ووثق الهيثمي في (مجمع الزوائد) رجال سنده كما مر عن (فيض القدير)
للمناوي. ونقله الخواجة بارسا عن (جامع الأصول) برواية مسلم في (فصل الخطاب). ورواه
الدولت آبادي ملك العلماء في (هداية السعداء) عن عدة من الكتب منها (المصابيح)
برواية مسلم، وأضاف في شرح الحديث وذكر نكاته: قول أمر أن يجمع رحال الإبل كي
يسمعه كل الصحابة ويكون
ص 39
مجمعا عليه، ولئلا يختلف فيه أحد، لأنه أمر عظيم للهداية . وقال في كتابه (شرح
سنت): اتفق على صحته المحدثون السلف والخلف . وقد نقل حديث الثقلين السخاوي في
(استجلاب ارتقاء الغرف) عن صحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة، والمستدرك للحاكم
والمختارة. والسيوطي في (الجامع الصغير) و(الأساس) و(إحياء الميت) و(نهاية الافضال)
عن صحيح مسلم، والمستدرك للحاكم. والسمهودي في (جواهر العقدين) عن مسلم والحاكم
بطرقه والمختارة. وابن روزبهان في (شرح رسالة عقائده). والقسطلاني عن صحيح مسلم في
(المواهب اللدنية). والعلقمي في (الكوكب المنير) عن صحيح مسلم. وابن حجر في مواضع
من (الصواعق) عن مسلم وغيره. والمرزا مخدوم الجرجاني في (النواقص) عن مسلم. والقاري
في (شرح الشفاء) و(المرقاة) عن صحيح مسلم. والمناوي في (فيض القدير) عن مسلم وغيره،
وفي (التيسير) أيضا، وجزم فيه بوثوق رجاله، كما نقل في فيض القدير توثيق الهيثمي
رجال سنده. وأحمد بن با كثير في (وسيلة المآل). والقادري في (الصراط السوي) ناصا
على صحته، كما نقله أيضا عن صحيح مسلم. والشيخ عبد الحق الدهلوي في (اللمعات) عن
صحيح مسلم. والخفاجي في (نسيم الرياض) عن مسلم. والعزيزي عن مسلم في (السراج
المنير). وأثبته المقبلي في (ملحقات الأبحاث المسددة). والزرقاني في (شرح المواهب
اللدنية). ونقله السهارنپوري في (المرافض) عن صحيح مسلم والطبراني. والبدخشاني في
(مفتاح النجا) عن صحيح مسلم والحاكم والطبراني،
ص 40
وكذا في (نزل الأبرار) عنهم وعن الترمذي، ثم أوضح صحته. وأثبته محمد صدر عالم في
(معارج العلى) عن الحاكم والترمذي والطبراني بسند صحيح. وولي الله الدهلوي في
(إزالة الخفا) عن صحيح مسلم، ونص على أن لفظه أصح ألفاظ هذا الحديث، وعن الحاكم.
ونقل محمد أمين السندي في (دراسات اللبيب) ومحمد بن إسماعيل في (الروضة الندية) عن
صحيح مسلم وغيره، والصبان في (إسعاف الراغبين) عنه وعن غيره. وصرح العجيلي في
(ذخيرة المآل) بحصة حديث الثقلين. ونقل المولوي مبين السهالي الحديث عن صحيح مسلم
والمستدرك. والجمال المحدث في (تفريح الأحباب) عن صحيح مسلم. وولي الدين السهالي في
(مرآة المؤمنين) عن صحيح مسلم والصواعق. والفاضل الرشيد الدهلوي في (الحق المبين)
عن صحيح مسلم والصواعق. والحمزاوي في (مشارق الأنوار) عن مسلم والنسائي وأحمد.
والقندوزي في (ينابيع المودة) عن صحيح مسلم والمستدرك والمعجم الكبير للطبراني
والصواعق، ونقل تصريح ابن حجر بصحة الحديث. ونقل الحديث حسن زمان في (القول
المستحسن). وأورد الصديق حسن القنوجي عن المناوي تصريح الهيثمي بوثوق رجال سنده،
وأثبت في (السراج الوهاج) صحة الحديث... وروايات هؤلاء دليل قوي على صحة الحديث،
وبطلان دعوى ابن الجوزي. 23 - جواب طعن ابن الجوزي في عطية إن قدح ابن الجوزي في
عطية الراوي لهذا الحديث الذي أورده
ص 41
- عن أبي سعيد، مردود بتوثيق ابن سعد له، فقد قال ابن حجر العسقلاني: قال ابن
سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي،
فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط وأحلق لحيته فاستدعاه، فأبى أن يسب، فأمضى حكم
الحجاج فيه، ثم خرج إلى خراسان فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فقدمها
فلم يزل بها إلى أن توفي سنة 110، وكان ثقة إنشاء الله تعالى، وله أحاديث صالحة،
ومن الناس من لا يحتج به 1. وليعلم أن توثيق ابن سعد - مع عداوته الكثيرة وبغضه
الشديد لأهل البيت عليهم السلام إلى حد ضعف الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ووصف
روايته بالاختلاف والاضطراب، إلى غير ذلك من آيات إعراضه عن أهل البيت والأئمة
الطاهرين منهم - لعطية هذا دليل قاطع على صحة روايته، ومن لم يحتج به فأولئك أشد
حرورية واعوجاجا من ابن سعد. 24 - عطية من رجال أحمد إن عطية هذا من رجال أحمد بن
حنبل في (مسنده) - كما ستعرف - وأحمد لا يروي إلا عن ثقة، كما قال التقي السبكي في
مقام توثيق رجال سند حديث: من زار قبري وجبت له شفاعتي وهو الحديث الأول من
الباب الأول من كتابه، قال بعد كلام له: وأحمد رحمه الله لم يكن يروي إلا عن ثقة،
وقد صرح الخصم [يعني ابن تيمية] بذلك في الكتاب الذي صنفه في الرد على البكري بعد
عشر كراريس منه، قال: ابن القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من
لم يرو إلا عن ثقة عنده كمالك.. وأحمد بن حنبل.. وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مؤنة
تبيين أن أحمد لا يروي إلا عن ثقة، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه 2.
(هامش)
1. تهذيب التهذيب 7 / 226. 2. شفاء الأسقام 10 - 11. (*)
ص 42
وبعد الاطلاع على ذلك لا يبقى ريب في كون عطية ثقة، لأن عدم رواية أحمد عن غير
الثقة لا يخلو إما أنه لا يروي عنه سواء بواسطة أو بلا واسطة، وذلك هو الظاهر بل
المتعين كما ستعرفه عن قريب، فلا شك في وثوق عطية، وأما أنه لا يروي عنه بلا واسطة،
لكن المانع من الرواية عنه مباشرة موجود في هذه الصورة أيضا، فلا شك في ثقته على
الصورتين. 25 - إكثار أحمد الرواية عن عطية لقد أخرج أحمد في (مسنده) عن عطية
روايات كثيرة، كما لا يخفى على من طالعه، بل إنه أخرج حديث الثقلين بالخصوص عنه عن
أبي سعيد الخدري، وظاهر أن أحمد لم يرو إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، كما ذكر عبد
الوهاب السبكي في (طبقات الشافعية) حيث قال بترجمته: وقال أبو موسى المديني لم
يخرج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته . وبهذا كله ظهر أن
نسبة تضعيف عطية إلى أحمد إفك عظيم وظلم كبير، فالعجب من ابن الجوزي كيف خاض في
غمار جحود فضائل أهل البيت حتى أنكر الحقائق ونفى البديهيات، وكيف صدرت منه هذه
المجازفة بحق أحمد ومسنده وهو حنبلي المذهب؟ 26 - وثاقة عطية عند سبط ابن الجوزي
لقد صرح الحافظ سبط ابن الجوزي بوثاقة عطية، ورد تضعيفه حيث قال 1 بعد أن أورد قول
النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد
غيري وغيرك فإن قيل: فعطية ضعيف، قالوا والدليل على ضعف الحديث أن الترمذي قال:
وحدثت بهذا الحديث أو
(هامش)
1. تذكرة خواص الأمة: 42. (*)
ص 43
سمع مني هذا الحديث محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - فاستطرفه. والجواب: إن عطية
العوفي قد روى عن ابن عباس والصحابة وكان ثقة، وأما قول الترمذي عن البخاري فإنما
استطرفه لقوله صلى الله عليه وسلم لا أحله إلا لطاهر لا لحائض ولا جنب ، وعند
الشافعي يباح للجنب العبور في المسجد وعند أبي حنيفة لا يباح حتى يغتسل للنص، ويحمل
حديث علي على أنه كان بذلك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصا بأشياء .
27 - قال ابن معين: صالح إن نسبة تضعيف عطية إلى يحيى بن معين مردودة بنقل الدوري -
وهو من كبار العلماء الثقات - عن ابن معين بأنه صالح، فقد قال الحافظ ابن حجر
بترجمة عطية ما نصه: قال الدوري عن ابن معين صالح 1. فسقط ما نسبه ابن الجوزي
إلى ابن معين. 28 - عطية من رجال بعض الصحاح إن عطية من رجال (الأدب المفرد)
للبخاري و(صحيح الترمذي) و(صحيح أبي داود)، وهذان الأخيران من (الصحاح الستة)
عندهم، بل إن الترمذي روى حديث الثقلين بالذات عن عطية في صحيحه. وعظمة مرويات
(الصحاح الستة) وجلالة رواتها عند أبناء السنة قديما وحديثا واضحة لا تحتاج إلى
بيان، فإن أفاد قدح ابن الجوزي في عطية شيئا فإنما يفيد إسقاط الصحاح لا غير. 29 -
لم يتفرد عطية عن أبي سعيد به إن إقدام ابن الجوزي على القدح في عطية - كمحاولة
يائسة
(هامش)
1. تهذيب التهذيب 7 / 225. (*)
ص 44
لتضعيف حديث الثقلين - دليل واضح على عدم اطلاعه في الحديث، وذلك: أن عطية على فرض
كونه ضعيفا غير متفرد بنقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، فلا يضر في حديث الثقلين في
رواية أبي سعيد فضلا عن مطلق الحديث الوارد بالأسانيد والطرق والألفاظ المتكثرة.
نعم لم يتفرد عطية في نقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، بل رواه عنه أبو الطفيل أيضا -
وهو من طبقة الصحابة - وذلك واضح كل الوضوح لمن راجع (استجلاب ارتقاء الغرف)
للسخاوي، و(جواهر العقدين) للسمهودي، و(وسيلة المآل) لابن باكثير و(الصراط السوي)
للشيخاني القادري. 30 - ثبوت الحديث غير متوقف على رواية أبي سعيد ثم إنه لو سلمنا
كون عطية ضعيفا، وسلمنا تفرده برواية الحديث عن أبي سعيد، فلا ضرر على صحة حديث
الثقلين كذلك، لعدم توقف صحته على رواية أبي سعيد، فقد وقفت - بحمد الله تعالى ومنه
- على تنصيص جماعة من أعلام المحققين على رواية أكثر من عشرين من الصحابة حديث
الثقلين عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا العدد أكثر من عدد التواتر بمراتب
عديدة، كما فصلناه في مجلد حديث الولاية. 31 - توثيق ابن الطباع عبد الله بن عبد
القدوس وأما قدح ابن الجوزي في عبد الله بن عبد القدوس فهو مردود بتوثيق الحافظ
محمد بن عيسى بن الطباع إياه، كما قال الحافظ المقدسي بترجمة عبد الله المذكور:
وحكى ابن عدي عن محمد بن عيسى أنه قال: هو ثقة 1.
(هامش)
1. الكمال في أسماء الرجال - مخطوط. (*)
ص 45
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وحكي عن محمد بن عيسى أنه قال: هو ثقة 1. ترجمة
محمد بن عيسى بن الطباع قال الذهبي بترجمته: ابن الطباع، محمد بن عيسى بن الطباع
الحافظ الكبير، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، ما رأيت من المحدثين أحفظ للأبواب منه،
وقال أبو داود: ثقة. قلت: توفي سنة أربع وعشرين مائتين، وهو في عشر الثمانين، وله
تصانيف ومعارف رحمه الله... قال الأثرم: قال أحمد بن حنبل: إن ابن الطباع لبيب كيس
- يعني محمد بن عيسى - وقال البخاري: سمعت عليا قال: سمعت عبد الرحمن ويحيى يسألان
ابن الطباع عن حديث هشيم وما أعلم به منه، وقال أبو حاتم: سمعت محمد بن عيسى يقول:
اختلف ابن مهدي وأبو داود في حديث لهشيم هل سمعه أو دلسه؟ فتراضيا بي فأخبرتهما
2. وترجم له أيضا بقوله: وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى ابن الطباع الحافظ نزيل
الثغر بأذنة، سمع مالكا وطبقته، قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للأبواب منه، وقال أبو
داود: كان يتفقه ويحفظ نحوا من أربعين ألف حديث 3. 32 - توثيق ابن حبان عبد الله
بن عبد القدوس وعبد الله بن عبد القدوس موثوق عند ابن حبان أيضا، فقد أورده في
الثقات قائلا: عبد الله بن عبد القدوس التميمي الرازي من أهل الري،
(هامش)
1. تهذيب التهذيب 5 / 303. 2. تذكرة الحفاظ 1 / 411. 3. العبر 1 / 293. (*)
ص 46
يروي عن الأعمش وابن أبي خالد، روى عنه سعيد بن سليمان و[محمد] ابن حميد، [ربما
أغرب] 1. وقال ابن حجر بترجمته: ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أغرب 2.
ثم إن لتوثيق ابن حبان قيمة كبيرة ودرجة من الاعتبار عظيمة، ذلك لأن ابن حبان ممن
يعادي أهل البيت عليهم السلام ويسئ إليهم، فقد زعم بالنسبة إلى الإمام علي بن موسى
الرضا عليه السلام بأنه آت بالعجائب وواهم ومخطئ كما لا يخفى على من راجع (الميزان
للذهبي 3 / 158) و(تهذيب التهذيب 7 / 388) لابن حجر العسقلاني. وظاهر أن هكذا ناصبي
عنيد لا يوثق الرافضي أبدا. 33 - توثيق البخاري عبد الله بن عبد القدوس ولقد وثق
البخاري - مع ما هو عليه من التعصب والتعسف - عبد الله بن عبد القدوس على ما نقل
عنه الهيثمي في (مجمع الزوائد) إذ قال: وثقه البخاري وابن حبان . وقال العسقلاني
بترجمته: قال البخاري: هو في الأصل صدوق، إلا أنه يروي من أقوام ضعاف 3. ولا
يخفى أن الرواية عن الضعاف أمر قلما سلم منه أسلافهم، كما لا يخفى على من راجع
(المنهاج) لابن تيمية وغيره، فلو كان هذا - على تقدير تسليمه - قدحا في عبد الله بن
عبد القدوس لتوجه إلى جمهور علمائهم، ولا تسع الخرق على الراقع. هذا كله مع أن عبد
الله بن عبد القدوس قد روى حديث الثقلين
(هامش)
1. الثقات 7 / 48. 2. تهذيب التهذيب 5 / 303. 3. تهذيب التهذيب 5 / 303. (*)
ص 47
- الذي أورده ابن الجوزي - عن الأعمش وهو ثقة، فلا كلام حينئذ أصلا... 34 - عبد
الله بن عبد القدوس من رجال البخاري وعبد الله بن عبد القدوس من رجال (صحيح
البخاري) في تعليقاته، كما في رمز خت الموضوع له في (الكاشف 2 / 105) و(تهذيب
التهذيب 5 / 303) و(تقريب التهذيب 1 / 430) وغيرها. ولما ثبت من كلمات علمائهم
المحققين أن تخريج البخاري عن رجل دليل على عدالته وإن كان في تعليقاته، فلا قيمة
لطعن أي طاعن. قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري في
مقام الجواب عن الطعن في رجال البخاري: وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن
تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته. ولا سيما
ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى
لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة إجماع الجمهور على تعديل من ذكر
فيهما هذا إذا خرج له في الأصول. فأما إن أخرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق
فهذا يتفاوت درجاته من إخراج له فيهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم،
وحينئذ إذا وجدنا لغيره من أحد منهم طعنا، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام، فلا
يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي أو في ضبطه مطلقا أو في
ضبطه لخبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح
ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في
الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه. قال الشيخ أبو
الفتح القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة،
ص 48
وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين
على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما 1. وبما ذكره صرح
الشيخ ملا علي القاري في شرح المشكاة عندما ذكر الصحيحين 2. فعلى فرض ثبوت طعن يحيى
بن معين في عبد الله بن عبد القدوس، فإن الوقوف على هذين النصين وأمثالهما يكفي
للاعراض عنه وعدم الالتفات إليه واغترار ابن الجوزي به كاشف عن عدم خبرته ومجازفته.
35 - عبد الله بن عبد القدوس من رجال الترمذي وإن عبد الله بن عبد القدوس من رجال
(صحيح الترمذي) أيضا، كما يعلم من رمز ت المعين له في (الكاشف 2 / 105) و(تهذيب
التهذيب 5 / 303) وغيرهما. 36 - جرح عبد الله بن عبد القدوس لا يقدح في الحديث ولو
تنزلنا، وفرضنا عبد الله بن عبد القدوس رجلا مقدوحا، فإن ذلك لا يخل بثبوت أصل حديث
الثقلين، بل لا يضر فيه حتى برواية الأعمش عن عطية عن أبي سعيد، لعدم تفرد عبد الله
بن عبد القدوس بروايته عن الأعمش، فلقد رواه عن الأعمش: محمد بن طلحة بن مصرف
اليامي، ومحمد بن فضيل ابن غزوان الضبي، ما لا يخفى على من راجع ما تقدم عن (مسند
أحمد) و(صحيح الترمذي). فما ادعاه ابن الجوزي لا يفيده بحال، بل لو تأملت جيدا لظهر
لك أن
(هامش)
1. هدى الساري 2 / 142 - 144. 2. المرقاة في شرح المشكاة 1 / 16. (*)
ص 49
رواية عبد الله لهذا الحديث عن الأعمش مؤيدة لصدق سائر رواته عنه، ويظهر أيضا لك
صدقه في روايته عن الأعمش. أضف إلى هذا أنه كما لم يتفرد عبد الله في رواية حديث
الثقلين عن الأعمش، كذلك الأعمش لم يتفرد في روايته عن عطية، فقد رواه عنه أيضا:
عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العزرمي، وأبو إسرائيل إسماعيل بن خليفة العبسي
الملائي، وهارون بن سعد العجلي، وكثير بن إسماعيل التيمي النواء، كما هو غير خاف
على ناظر أحاديث (مسند) أحمد و(معاجم) الطبراني في الباب. 37 - ما أورده في جرح ابن
داهر مجمل وأما قول ابن الجوزي في الطعن في عبد الله بن داهر: وأما ابن داهر فقال
أحمد ويحيى ليس بشيء، ما يكتب منه إنسان فيه خبر فهو مردود بأن الطعن هذا - على
تقدير ثبوت صدوره عنهما - مبهم، كما لا يخفى على من راجع (التدريب) للسيوطي وغيره،
ويتضح لكل متتبع لأقوال الفحول والمحققين من القوم: إن الطعن المبهم لا يقبل من أي
كائنا من كان، وقد جاء بيان ذلك بالتفصيل في مجلد حديث الولاية. ثم إن السبب في
إساءة ظنهما - على تقدير الثبوت - بعبد الله بن داهر إنما هو إكثاره رواية فضائل
أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما قال الذهبي: قال ابن عدي: عامة ما يرويه
في فضائل علي، وهو متهم في ذلك 1. ولا شك في أن الطعن في هكذا رجال لمثل هذه
الأسباب غير مسموع، لأنه ناشئ عن كمال بغضهم وانحرافهم عن أهل البيت عليهم السلام.
(هامش)
1. ميزان الاعتدال 2 / 417. (*)
ص 50
38 - عبد الله بن داهر غير واقع في طرق الحديث وذكر ابن الجوزي لعبد الله بن داهر
بصدد الطعن في حديث الثقلين عجيب جدا، لأنه لم يقع في سند من أسانيد هذا الحديث
الشريف، وهذه أسانيده وطرقه مذكورة في كتب أعاظم الحفاظ وكبار أعلام أهل السنة، بل
وكذلك عبد الله بن عبد القدوس، فإن وقوعهما في سند هذا الحديث يختص بهذا السند
الطريف الذي ذكره ابن الجوزي تمهيدا للطعن فيه، وكأنه غافل عن أن المرا جعة الواحدة
لمسند أحمد وصحيح مسلم وصحيح الترمذي يظهر تلبيسه ويكشف سوء نيته. 39 - استنكار
المحققين قدح ابن الجوزي في الحديث ولما ذكرنا وغيره استنكر جماعة من أكابر محققيهم
وأعاظم محدثيهم إيراد ابن الجوزي حديث الثقلين في كتا به (العلل المتناهية) ومنهم:
1 - سبطه، حيث قال في (التذكرة) بعد أن نقل الحديث عن مسند أحمد: فإن قيل: فقد
قال جدك في كتاب (الواهية): أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، عن محمد بن المظفر، عن
محمد العتيقي، عن يوسف بن الدخيل عن أبي جعفر العقيلي، عن أحمد الحلواني، عن عبد
الله بن داهر، ثنا عبد الله ابن عبد القدوس، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، عن
النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. ثم قال جدك: عطية ضعيف، وابن عبد القدوس رافضي،
وابن داهر ليس بشيء. قلت: الحديث الذي رويناه أخرجه أحمد في (الفضائل)، وليس في
إسناده أحد ممن ضعفه جدي، وقد أخرجه أبو داود في سننه والترمذي أيضا وعامة
المحدثين، وذكره رزين في الجمع بين الصحاح. والعجب كيف خفى عن جدي ما روى مسلم في
صحيحه من حديث زيد بن أرقم: قام فينا رسول لله صلى الله عليه وسلم - إلى آخر ما سبق
. 2 - السخاوي حيث قال بعد إيراد الحديث وتأييده وتعجبت من
ص 51
إيراد ابن الجوزي له في (العلل المتناهية)، بل أعجب من ذلك قوله إنه حديث لا يصح
مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في (صحيح) مسلم 1. 3 - السمهودي بعد إثبات
الحديث وروايته عن الصحاح والمسانيد، قال: ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في
(العلل المتناهية)، فإياك أن تغتر به، وكأنه لم يستحضره حينئذ 2. ولا يخفى أن هذا
الكلام حسن ظن به، وكيف يصدق عاقل ذلك ويذعن أن يكون ابن الجوزي - مع ما هو عليه من
سعة النظر وكثرة الاطلاع كما يقول مترجموه - غافلا عن طرق حديث الثقلين المتكاثرة
المروية في الصحاح والمسانيد والمعاجم، أمثال مسند ابن راهويه، ومسند أحمد، ومسند
عبد بن حميد، ومسند الدارمي، وصحيح مسلم، وصحيح الترمذي، وفضائل القرآن لابن أبي
الدنيا، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي، وكتاب السنة لابن أبي عاصم، ومسند البزار،
والخصائص للنسائي، ومسند أبي يعلى، والذرية الطاهرة للدولابي، وصحيح ابن خزيمة،
وصحيح أبي عوانة، والمصاحف لابن الأنباري، والأمالي للمحاملي، والولاية لابن عقدة،
والطالبيين للخفاجي، والمعاجم الثلاثة للطبراني، والمستدرك للحاكم، وشرف النبوة
للخركوشي، ومنقبة المطهرين، وحلية الأولياء لأبي نعيم، وكتاب طرق حديث الثقلين لابن
طاهر المقدسي وغيرها. ألم يكن في هذه الكتب غير الطريق الذي ذكره ابن الجوزي؟ نعم
كان، إلا أنه شاء أن يخدع ناظر كتابه بأن روايته منحصرة بهذا الطريق، وبما أن رجاله
ضعفاء بزعمه فالحديث إذا لا يصح. هكذا شاء إلا إن الله كشف سره وهتك ستره بأيدي أهل
نحلته. والحمد لله رب العالمين. 4 - ابن حجر في (الصواعق المحرقة) و(تتمة الصواعق)،
فقال بعد أن
(هامش)
1. استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط. 2. جواهر العقدين - مخطوط. (*)
ص 52
روى الحديث عن بعض المصادر المعتبرة: وذكر ابن الجوزي لذلك في (العلل المتناهية)
وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه، بل في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه صلى الله
عليه وسلم قال ذلك يوم غدير خم . ثم جعل يؤيد الحديث ويثبته بأقوال العلماء
ورواياته الكثيرة. وقال في (تتمة الصواعق): ولم يصب ابن الجوزي في إيراده في
(العلل المتناهية) . 5 - المناوي: قال الهيثمي: رجاله موثقون، ورواه أبو يعلى
بسند لا بأس به، والحافظ عبد العزيز ابن الأخضر. ووهم من زعم ضعفه كابن الجوزي 1.
6 - حسن زمان في (القول المستحسن) عن المناوي بلفظه. 7 - الشيخاني القادري في
(الصراط السوي) بعد أن ذكر الحديث قال: وقد أخطأ ابن الجوزي حيث ذكر هذا في
(واهياته) على عادته في ذلك، غافلا عما ذكر مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم . 40 -
رواية ابن الجوزي حديث الثقلين لقد عثرنا على رواية ابن الجوزي حديث الثقلين في
(كتاب المسلسلات) 2 في سياق يدل على اعتقاده بصحته، وأما إيراده إياه في (العلل
المتناهية في الأحاديث الواهية) فلعله كان قبل روايته إياه بهذا الطريق، أو أنه
يقدح في طريقه المذكور هناك فقط، إن لم يكن غفلة أو تعصبا... وعلى كل حال فهذا نص
ما جاء في المسلسلات:
(هامش)
1. فيض القدير 3 / 14 - 15. 2. نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي نسخة قديمة كتبت في
حياة المؤلف سنة 581 كتبها علي بن ملكداد الجنزي وفي آخرها قراآت وسماعات أهمها ما
هو بخط المؤلف. وهي ضمن المجموع رقم 37 ق 6 - 27، انظر فهرس مخطوطات دار الكتب
الظاهرية (فهرس حديث ص 40) وهذا الحديث في الورقة 8 أ - ب. (*)