نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 154

عند المعارضة، وقد وضع الرشيد العطار كتابا على الأحاديث المقطوعة وبينها الشيخ محي الدين في أول شرح مسلم، وما يقوله الناس: إن من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضا من التجاهل والتساهل، فقد روى مسلم في كتابه عن الليث عن أبي مسلم وغيره من الضعفاء فيقولون: إنما روى عنهم في كتابه للاعتبار والشواهد والمتابعات، وهذه الاعتبارات لا تقوى، لأن الحفاظ قالوا: الاعتبار أمور يتعرفون بها حال الحديث. وكتاب مسلم التزم فيه الصحة فكيف يتعرف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة؟! وقال الحافظ: أبو الزبير محمد بن مسلم المكي يدلس في حديث جابر فما يصف بالعنعنة لا يقبل. وقد ذكر ابن حزم وعبد الحق عن الليث بن سعد أنه قال لأبي الزبير: علم لي على أحاديث سمعتها من جابر، حتى أسمعها منك، فعلم لي أحاديث أظن أنها سبعة عشر حديثا فسمعتها منه. قال الحافظ: فما كان من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر فصحيح. وفي مسلم، عن غير طريق الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، بالعنعنة أحاديث. وقد روى أيضا في كتابه عن جابر، عن ابن عمر، في حجة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم توجه إلى مكة يوم النحر فطاف طواف الافاضة، ثم صلى الظهر بمكة ثم رجع إلى منى. وفي الرواية الأخرى: إنه طاف طواف الافاضة، ثم رجع فصلى الظهر بمنى، فيوجهون ويقولون أعادها لبيان الجواز. وغير ذلك من التأويلات، ولهذا قال ابن حزم في هاتين الروايتين: إحداهما كذب بلا شك. وروى مسلم أيضا حديث الاسراء. وفيه: وذلك قبل أن يوحى إليه وقد تكلم الحفاظ في هذه اللفظة وبينوا ضعفها. وقد روى مسلم أيضا: خلق الله التربة يوم السبت . واتفق الناس على أن السبت لم يقع فيه خلق، وأن ابتداء الخلق يوم الأحد. وقد روى مسلم عن أبي سفيان أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم

ص 155

يا رسول الله! أعطني ثلاثا: تزوج ابنتي أم حبيبة، وابني معاوية أجعله كاتبا، وأمرني أن أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ما سأله . والحديث معروف مشهور، وفي هذا من الوهم ما لا يخفى، فأم حبيبة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بالحبشة، وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار وحضر وخطب وأطعم، والقصة مشهورة. وأبو سفيان وابنه معاوية إنما أسلما عام الفتح سنة ثمان من الهجرة. وأما إمارة أبي سفيان، فقد قال الحافظ: إنهم لا يعرفونها. فيجيبون بأجوبة غير طائلة، فيقولون في نكاح ابنته: اعتقد أن نكاحها بغير إذنه لا يجوز وهو حديث عهد بالكفر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم تجديد النكاح، فيذكرون عن الزبير بن بكار بأسانيد ضعيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره في بعض الغزوات، وهذا لا يعرفه الاثبات. وقد قال الحافظ: إن مسلما لما وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة فأنكر عليه وتغيظ وقال: سميته الصحيح وجعلته سلما لأهل البدع وغيرهم؟! .

3) الأدفوي الشافعي

 ولأبي الفضل الأدفوي الشافعي تحقيق في هذا الباب، ذكره في رد كلام لابن الصلاح ننقله بنصه: ثم أقول: إن الأمة تلقت كل حديث صحيح وحسن بالقبول وعملت به عند عدم المعارض، وحينئذ لا يختص بالصحيحين، وقد تلقت الأمة الكتب الخمسة أو الستة بالقبول وأطلق عليها جماعة اسم الصحيح ورجح بعضهم بعضها على كتاب مسلم وغيره، قال أبو سفيان أحمد الخطابي: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق من الناس القبول كافة، فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وكتاب السنن أحسن وضعا وأكثر فقها من كتب البخاري ومسلم. وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: سمعت الإمام أبا الفضل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة يقول - وقد جرى بين يديه ذكر أبي

ص 156

عيسى الترمذي وكتابه - فقال: كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم. وقال الإمام أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن النسائي شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. وقال أبو زرعة الرازي لما عرض عليه ابن ماجة السنن كتابه: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع كلها، أو قال: أكثرها. ووراء هذا بحث آخر وهو: إن قول الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح: إن الأمة تلقت الكتابين بالقبول، إن أراد كل الأمة فلا يخفى فساد ذلك، إذ الكتابان إنما صنفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وأئمة المذاهب المتبعة، ورؤوس حفاظ الأخبار ونقاد الآثار المتكلمين في الطرق والرجال المميزين بين الصحيح والسقيم، وإن أراد بالأمة الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الأمة، فلا يستقيم له دليله الذي قرره من تلقي الأمة وثبوت العصمة لهم، والظاهرية إنما يعتنون بإجماع الصحابة خاصة، والشيعة لا تعتد بالكتابين وطعنت فيهما، وقد اختلف في اعتبار قولهم في الإجماع والانعقاد. ثم إن أراد كل حديث فيهما تلقي بالقبول من الناس كافة فغير مستقيم، فقد تكلم جماعة من الحفاظ في أحاديث فيهما، فتكلم الدارقطني في أحاديث وعللها، وتكلم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الاسراء، قال: إنه خلط. ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، والقطع لا يقطع التعارض فيه. وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث محمد بن بشار بندار وأكثرا من الاحتجاج بحديثه، وتكلم فيه غير واحد من الحفاظ، أئمة الجرح والتعديل ونسب إلى الكذب، وحلف عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري أن بندار يكذب في حديثه عن يحيى، وتكلم فيه أبو موسى، وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السجود: هذا كذب، وكان يحيي لا يعبأ به ويستضعفه وكان القواريري لا يرضاه.

ص 157

وأكثرا من حديث عبد الرزاق والاحتجاج به، وتكلم فيه ونسب إلى الكذب. وأخرج مسلم عن أسباط بن نصر وتكلم فيه أبو زرعة وغيره. وأخرج أيضا عن سماك بن حرب وأكثر عنه، وتكلم فيه غير واحد، وقال الإمام أحمد بن حنبل: هو مضطرب الحديث، وضعفه أمير المؤمنين في الحديث شعبة، وسفيان الثوري، وقال يعقوب بن شعبة: لم يكن من المتثبتين وقال النسائي: في حديثه ضعف، قال شعبة: كان سماك يقول في التفسير عكرمة ولو شئت لقلت له ابن عباس لقاله، وقال ابن المبارك، سماك ضعيف في الحديث وضعفه ابن حزم، قال: وكان يلقن فيتلقن. وكان أبو زرعة يذم وضع كتاب مسلم ويقول: كيف تسميه الصحيح وفيه فلان وفلان؟ وذكر جماعة. وأمثال ذلك يستغرق أوراقا، فتلك الأحاديث عندهما ولم يتلقوها بالقبول. وإن أراد: غالب ما فيهما سالم من ذلك، لم يبق له حجة (1).

 ترجمة الأدفوي

 قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة الأدفوي: جعفر بن ثعلب بن جعفر بن علي، أبو الفضل الأدفوي، الأديب الفقيه الشافعي، ولد بعد سنة ثمانين وستمائة وقرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان يسمى وعد الله. قال الصفدي: إشتغل في بلاده فمهر في الفنون، ولازم ابن دقيق العيد وتأدب بجماعة منهم أبو حيان وحمل عنه كثيرا، وكان يقيم في بستان له ببلده، وصنف الإمتاع في أحكام السماع، والطالع السعيد في تاريخ الصعيد، والبدر السافر في تحفة المسافر، وكل مجاميعه جيدة، وله النظم والنثر الحسن...

(هامش)

(1) الإمتاع في أحكام السماع لأبي الفضل الأدفوي: الفصل العاشر. مخطوط. (*)

ص 158

ومن خط البدر النابلسي: كان عالما فاضلا، متقللا من الدنيا، ومع ذلك فكان لا يخلو من المآكل الطيبة. مات في أوائل سنة 748... (1). وقال جمال الدين الأسنوي بترجمته: كان فاضلا مشاركا في علوم متعددة أديبا شاعرا، ذكيا كريما، طارحا للتكلف، ذا مروة كبيرة، صنف في أحكام السماع كتابا نفيسا سماه بالامتاع، أنبأ فيه عن اطلاع كثير، فإنه كان يميل إلى ذلك ميلا كبيرا ويحضره، سمع وحدث ودرس قبل موته بأيام يسيرة بمدرس الحديث الذي أنشأه الأمير حبكلي بن البابا بمسجده، وأعاد بالمدرسة الصالحية من القاهرة وكان مقيما به... (2). وقال أبو بكر ابن قاضي شهبة الأسدي: جعفر بن ثعلب بن علي، الإمام العلامة، الأديب البارع، ذو الفنون، كمال الدين أبو الفضل الأدفوي... وقال أبو الفضل العراقي: كان من فضلاء أهل العلم، صنف تاريخا للصعيد، ومصنفا في أحكام السماع سماه كشف القناع، وغير ذلك (3).

4) أبو زرعة الرازي

 أ - أبو زرعة ومسلم. لقد علمنا من كلام الأفودي وغيره: أن أبا زرعة الرازي كان يذم وضع كتاب مسلم ويعترض على مسلم صنعه ويقول له: كيف تسميه الصحيح وفيه فلان وفلان؟... وقد ذكر الذهبي بترجمة أحمد بن عيسى المصري: قال: سعيد البرذعي:

(هامش)

(1) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 2 / 72. (2) طبقات الشافعية 1 / 170. (3) طبقات الشافعية 3 / 172، وتوجد ترجمة الأدفوي في: النجوم الزاهرة 10 / 237 حوادث سنة 748، البدر الطالع 1 / 182، حسن الحاضرة 1 / 320 شذرات الذهب 6 / 153، حوادث سنة 748. (*)

ص 159

شهدت أبا زرعة ذكر صحيح مسلم فقال: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شيئا يتسوقون به. وأتاه رجل - وأنا شاهد - بكتاب مسلم، فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر قال: ما أبعده هذا عن الصحيح، ثم رأى قطن ابن نسير فقال لي: وهذا أطم من الأول، قطن بن نسير يصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس، ثم نظر فقال: يروي عن أحمد بن عيسى في الصحيح! ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه - وأشار إلى لسانه -. (1). وقال بترجمة محمد بن يحيى الذهلي: قال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة فجاء مسلم بن الحجاج فسلم عليه وجلس ساعة، وتذاكرا، فلما أن قام قلت له: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح، قال: فلمن ترك الباقي؟ ثم قال: هذا ليس له عقل، لو داري محمد بن يحيى لصار رجلا (2). ب - أبو زرعة والبخاري. ولم يسكت أبو زرعة عن ممد بن إسماعيل البخاري وكتابه المعروف ب‍ (الصحيح) بل تناوله بالقدح والجرح كذلك، قال الذهبي: علي بن عبد الله ابن جعفر بن الحسن الحافظ، أحد الأعلام الأثبات وحافظ العصر، ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع، فقال: جنح إلى ابن أبي داود والجهمية وحديثه مستقيم إن شاء الله، قال لي عبد الله بن أحمد: كان أبي حدثنا عنه ثم أمسك عن اسمه، وكان يقول: حدثنا رجل، ثم ترك حديثه بعد ذلك. قلت: بل حديثه عنه في مسنده، وقد تركه إبراهيم الحربي وذلك لميله. إلى أحمد بن أبي داود فقد كان محسنا إليه. وكذا امتنع مسلم عن الرواية عنه في صحيحه لهذا المعنى، كما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم من الرواية عن تلميذه محمد لأجل مسألة اللفظ. وقال

(هامش)

(1) تذهيب التهذيب، مخطوط. وانظر ميزان الاعتدال 1 / 125. (2) سير أعلام النبلاء 12 / 70. (*)

ص 160

عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان أبو زرعة ترك الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنة... (1). والمراد من محمد تلميذ علي بن المديني هو: محمد بن إسماعيل البخاري . ومن طرائف الأمور: أن مسلم بن الحجاج - وهو تلميذ البخاري - قد امتنع من الرواية عن علي بن المديني لميله إلى أحمد بن أبي داود... فالاستدلال بإعراض البخاري ومسلم عن رواية حديث الغدير في غير محله لأنهما وشيخهما كلهم مقدوحون مجروحون... وقال الذهبي: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري قدم بغداد طالب حديث على رأس الخمسمائة وكتب عن الموجودين. قال ابن الجوزي وغيره كان كذابا. فأما محمد بن إسماعيل مولى الجعفيين فحجة إمام، ولا عبرة بترك أبي زرعة وأبي حاتم له من أجل اللفظ (2). أقول: ولكن تركهما له نافع لنا على كلا التقديرين. وقد نص آخرون على تركهما له مع استعظامه واستنكاره، فقال الشيخ عبد الوهاب السبكي في طبقاته: ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه بذلك، وإليه أشار الرافعي بقوله: وينبغي أن يكون المزكون برآء من الشحناء والعصبية في المذهب، خوفا من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق، وقد وقع هذا لكثير من الأئمة جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب.

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 / 138. (2) المغني في الضعفاء 2 / 557. (*)

ص 161

وقد أشار شيخ الإسلام سيد المتأخرين، تقي الدين ابن دقيق العيد، في كتابه الاقتراح إلى هذا وقال: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام. قلت: ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري: تركه أبو زرعة وأو حاتم من أجل مسألة اللفظ، فيا لله والمسلمين أيجوز لأحد أن يقول: البخاري متروك وهو حامل لواء الصناعة ومقدم أهل السنة والجماعة؟ يا لله والمسلمين أيجعل ممادحه مذام؟ فإن الحق في مسألة اللفظ معه، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أن تلفظه من الأفعال الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى، وإنما أنكرها الإمام أحمد وابن صالح لبشاعة لفظها . والظاهر أنه يقصد من بعضهم الحافظ الذهبي وهو شيخه، ولذلك آثر عدم التصريح باسمه. وقال الشيخ عبد الرؤف المناوي بترجمة البخاري: زين الأئمة صاحب أصح الكتب بعد القرآن، ساحب ذيل الفضل على ممر الزمان، الذي قال فيه إمام الأئمة ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم منه. وقال بعضهم: إنه آية من آيات الله يمشي على وجه الأرض. قال الذهبي: كان من أفراد العالم مع الدين والورع والمتانة. هذا كلامه في الكاشف. ومع ذلك غلب عليه الغرض من أهل السنة، فقال في كتاب الضعفاء والمتروكين: ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ، تركه لأجلها الرازيان. هذه عبارته وأستغفر الله تعالى، نسأل الله السلامة ونعوذ به من الخذلان (1). والرازيان هما: أبو زرعة وأبو حاتم. ثم اعلم أن الحافظ الذهبي وإن اكتفى بنقل طعن هذين الإمامين في كتابيه

(هامش)

(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1 / 24. (*)

ص 162

(الميزان) و(المغني)، إلا أنه ذكر في سائر كتبه قدح الذهلي وابن أعين وغيرهما كذلك، والظاهر أن السبكي والمناوي لم يقفا على ذلك وإلا لزاد تألمهما وعويلهما...

ترجمة أبي زرعة الرازي

 وترجم الذهبي لأبي زرعة ترجمة حافلة نذكر منها جملا، قال: أبو زرعة الرازي الإمام سيد الحفاظ محدث الري. وقال أبو بكر الخطيب: كان إماما، ربانيا، حافظا متقنا مكثرا، جالس أحمد ابن حنبل وذاكره، وحدث عنه أهل بغداد. قال أبو عبد الله ابن بطة: سمعت النجار سمعت عبد الله بن أحمد يقول: لما ورد علينا أبو زرعة نزل عندنا فقال لي أبي: يا بني قد اعتضت بنوافلي مذاكرة هذا الشيخ. وقال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة. ابن المقري: أنبأ عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، سمعت محمد بن إسحاق الصاغاني يقول: أبو زرعة يشبه بأحمد بن حنبل. وقال علي بن الحسين بن الجنيد: ما رأيت أحدا أعلم بحديث مالك من أبي زرعة وكذلك سائر العلوم. قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن أبي زرعة، فقال: إمام. قال عمر بن محمد بن إسحاق القطان: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: ما جاوز الجسر أحد أفقه من إسحاق بن راهويه ولا أحفظ من أبي زرعة. ابن عدي: سمعت أبا يعلى الموصلي يقول ما سمعنا يذكر أحد في الحفاظ إلا كان اسمه أكبر من رؤيته، إلا أبو زرعة الرازي فإن مشاهدته كانت أعظم من اسمه، وكان قد جمع حفظ الأبواب والشيوخ والتفسير، كتبنا بإملائه بواسطة ستة

ص 163

آلاف حديث. ابن عدي: سمعت الحسن بن عثمان، سمعت ابن رواه، سمعت إسحاق ابن راهويه، يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي، فليس له أصل. قال ابن أبي حاتم: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: ما رأيت أكثر تواضعا من أبي زرعة، هو وأبو حاتم إماما خراسان. وقال يوسف الميانجي: سمعت عبد الله بن محمد القزويني القاضي، يقول: حدثنا يونس بن عبد الأعلى يوما فقال: حدثني أبو زرعة، فقيل له: من هذا؟ فقال: إن أبا زرعة أشهر في الدنيا من ابن أبي حاتم، ثنا الحسن بن أحمد سمعت أحمد بن حنبل يدعو الله لأبي زرعة، وسمعت عبد الواحد بن غياث يقول: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه. قال النسائي: أبو زرعة الرازي ثقة. وقال إسحاق بن إبراهيم بن عبد الحميد القرشي: سمعت عبد الله بن أحمد يقول: ذاكرت أبي ليلة الحفاظ فقال: يا بني! قد كان الحفظ عندنا، ثم تحول إلى خراسان إلى هؤلاء الشباب الأربعة، قلت: من هم؟ قال: أبو زرعة ذاك الرازي، ومحمد بن إسماعيل ذاك البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي، والحسن بن شجاع ذاك البلخي. قلت: يعجبني كثيرا كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل، يبين عليه الورع والخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنه جراح (1). وترجم له الحافظ ابن حجر ترجمة مفصلة أيضا، نقل فيها الكلمات الواردة في حق أبي زرعة من كبار الأئمة والحفاظ، هذا ملخصها: أبو زرعة الرازي أحد الأئمة الحفاظ، قال النسائي ثقة، وقال أبو حاتم حدثني أبو زرعة - وما خلف بعده مثله علما وفقها وصيانة وصدقا، ولا أعلم في

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 13 / 65. (*)

ص 164

المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، قال: وإذا رأيت الرازي ينتقص أبا زرعة فاعلم أنه مبتدع. وقال ابن حبان في الثقات: كان أحد أئمة الدنيا في الحديث مع الدين والورع والمواظبة على الحفظ والمذاكرة، وترك الدنيا وما فيه الناس (1). وقال الذهبي أيضا: أبو زرعة الحافظ، أحد الأعلام (2). وقال أيضا: عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي، الحافظ أحد الأعلام، عن أبي نعيم والقعنبي وقبيصة وطبقتهم في الآفاق. عنه: م ت س ق وأبو عوانة ومحمد بن الحسين والقطان وأمم. قال ابن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل. مناقبه تطول. ولد سنة 190. ومات سنة 264 في آخر يوم من السنة (3). وقال الحافظ: إمام حافظ ثقة مشهور، من الحادية عشر (4). وقال اليافعي: أبو زرعة الرازي الحافظ أحد الأئمة الأعلام... (5). وقال السمعاني: كان إماما ربانيا، حافظا مكثرا صادقا، وقدم بغداد غير مرة، وجالس أحمد بن حنبل وذاكره وكثرت الفوائد في مجلسهما... (6). وقال السيوطي: أحد أئمة الأعلام وحفاظ الإسلام (7). وقال عبد الغني المقدسي: الإمام، أحد حفاظ الإسلام (8).

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 7 / 30. (2) العبر - حوادث 264. (3) الكاشف 2 / 230. (4) تقريب التهذيب 1 / 536. (5) مرآة الجنان، حوادث 264. (6) الأنساب - الرازي (7) طبقات الحفاظ: 249. (8) الكمال في معرفة الرجال - مخطوط، لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي الحافظ المتوفى سنة 600. توجد ترجمته في العبر ومرآة الجنان في حوادث السنة المذكورة. (*)

ص 165

وروى النووي عن أحمد قوله: إنتهى الحفظ إلى الأربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن الرحمن السمرقندي - يعني الدارمي - والحسين بن الشجاع البلخي . ثم روى عن الحافظ أبي علي صالح بن محمد بن جزرة قوله: أعلمهم بالحديث البخاري، وأحفظهم أبو زرعة وهو أكثرهم حديثا . وعن محمد بن بشار شيخ البخاري ومسلم قوله: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بن الحجاج بنيسابور، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى (1). وروى أبو بكر الخطيب عن أبي جعفر الطحاوي قوله: ثلاثة من علماء الزمان بالحديث إتفقوا بالري، لم يكن في الأرض في وقتهم أمثالهم، فذكر أبا زرعة ومحمد بن مسلم بن وارة وأبا حاتم الرازي (2). هذا، ولقد وصف (الدهلوي) أبا زرعة ب‍ رئيس المحدثين وترجم له ترجمة حافلة (3)، لكنه زعم في فصل الكلام على المتعة: أن كتاب مسلم بن الحجاج أصح الكتب (4)، مع علمه برأي رئيس المحدثين في مسلم وكتابه...

 5) أبو حاتم الرازي

 لقد ترك الإمام أبو حاتم الرازي البخاري كرفيقه أبي زرعة الرازي... كما علم من الكلمات المتقدمة.

 ترجمة أبي حاتم

 وتدل جملة من الكلمات المتقدمة في ترجمة أبي زرعة الرازي، على عظمة

(هامش)

(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 68. بترجمة البخاري. (2) تاريخ بغداد 3 / 256 بترجمة محمد بن مسلم بن وارة. (3) بستان المحدثين: 9. (4) التحفة الاثنا عشرية، باب المطاعن: 302. (*)

ص 166

شأن أبي حاتم وجلالة قدره، وقد أفادت أنه من أمثال البخاري وأبي زرعة...

6) ابن أبي حاتم

 وابن أبي حاتم ذكر البخاري في كتاب (الجرح والتعديل)، فقد قال الحافظ الذهبي: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في الجرح والتعديل: قدم محمد بن إسماعيل الري سنة خمسين ومائتين، وسمع منه أبي وأبو زرعة، وتركا حديثه عند ما كتب إليهما محمد بن يحيى أنه أظهر عندهم بنيسابور أن لفظه بالقرآن مخلوق... (1).

 ترجمة ابن أبي حاتم

ترجم له الحافظ الذهبي بما هذا ملخصه: عبد الرحمن العلامة الحافظ قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب في ترجمة عملها لابن أبي حاتم: كان - رحمه الله - قد كساه الله نورا وبهاء يسر من نظر إليه. قلت: وكان بحرا لا تدركه الدلاء، روى عنه ابن عدي وحسن بن علي التميمي، والقاضي يوسف الميانجي، وأبو الشيخ ابن حيان، وأبو أحمد الحاكم، وعلي بن عبد العزيز بن مردك، وأحمد بن محمد البصير الرازي، وعبد الله بن محمد ابن يزداذ، وأخواه أحمد وإبراهيم بن محمد النصر آبادي، وأبو سعيد عبد الوهاب الرازي، وعلي بن محمد القصار وخلق سواهم. قال أبو يعلى الخليلي: أخذ أبو محمد علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، قال: وكان زاهدا يعد من الأبدال. قلت: له كتاب نفيس في الجرح والتعديل أربع مجلدات، وكتاب الرد على

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 12 / 391. (*)

ص 167

الجهمية مجلد ضخم انتخبت منه، ولد تفسير كبير في عدة مجلدات عامته آثار بأسانيد، من أحسن التفاسير. وقال الرازي المذكور في ترجمة عبد الرحمن: سمعت علي بن محمد المصري - ونحن في حارة ابن أبي حاتم - يقول: قلنسوة عبد الرحمن من السماء وما هو بعجب، رجل منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة لم ينحرف عن الطريق. وسمعت علي بن أحمد الفرضي يقول: ما رأيت أحدا ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط. قال الإمام أبو الوليد الباجي: عبد الرحمن بن أبي حاتم ثقة حافظ (1). وقال صلاح الدين الكتبي: الإمام ابن الإمام الحافظ ابن الحافظ، سمع أباه وغيره، قال ابن مندة... له الجرح والتعديل في عدة مجلدات تدل على سعة حفظه وإمامته... قال أبو يعلى الخليلي: كان يعد من الأبدال. وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام، والعلم والعمل، وتوفي في المحرم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى (2). ووصفه الذهبي ب‍ الحافظ الجامع (3)، واليافعي ب‍ الحافظ العالم (4). ونقلا كلمة الخليلي المتقدمة.

 7) محمد بن يحيى الذهلي

 وأما تكلم محمد بن يحيى الذهلي في البخاري فمصرح به في عبارات الحفاظ، قال الذهبي: قال أبو حامد ابن الشرقي: سمعت محمد بن يحيى الذهلي، يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته وحيث يصرف، فمن

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 13 / 263. (2) فوات الوفيات 2 / 287. (3) العبر - حوادث 327. (4) مرآة الجنان - حوادث 327. (*)

ص 168

لزم هذا استغنى عن اللفظ وعما سواه من الكلام في القرآن. ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأته، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وجعل ماله فيئا بين المسلمين، لم يدفن في مقابرهم. ومن وقف فقال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، فقد ضاهى الكفر. ومن زعم: أن لفظي بالقرآن مخلوق فهذا مبتدع لا يجالس ولا يكلم. ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فاتهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه (1). ولقد أورد الحافظ ابن حجر هذا الكلام في مقدمة شرح البخاري (2). وقال الذهبي: قال الحاكم: ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم سمعت ابن علي المخلدي، سمعت محمد بن يحيى، يقول: قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية، واللفظية عندي شر من الجهمية (3).

 كفر الجهمية

 وقد نص أئمة أهل السنة وكبار حفاظهم على كفر الجهمية وهلاكهم وضلالهم، فقد قال الذهبي بترجمة علي بن المديني: قال ابن عمار الموصلي في تاريخه: قال لي علي بن المديني: ما يمنعك أن تكفر الجهمية؟ وكنت أنا أولا لا أكفرهم. فلما أجاب علي إلى المحنة، كتبت إليه أذكره ما قال لي وأذكره الله، فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي، ثم رأيته بعد، فقال لي: ما في قلبي مما قلت وأجبت من شيء، ولكني خفت أن أقتل وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطا واحدا لمت، أو نحو هذا (4).

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 12 / 455. (2) هدي الساري 2 / 263. (3) سير أعلام النبلاء 12 / 455. (4) سير أعلام النبلاء 11 / 41. (*)

ص 169

وقال الذهبي أيضا: جهم بن صفوان أبو محمد السمرقندي، الضال المبتدع، رأس الجهمية، هالك في زمان صغار التابعين، وعلمته روى شيئا، لكنه زرع شرا عظيما (1).

 بين الذهلي والشيخين

 وقال الحافظ الذهبي: قال - يعني الحاكم -: وسمعت محمد بن يعقوب الحافظ يقول: لما استوطن البخاري نيسابور أكثر مسلم بن الحجاج الاختلاف إليه. فلما وقع بين الذهلي وبين البخاري ما وقع في مسألة اللفظ، ونادى عليه ومنع الناس عنه، انقطع عنه أكثر الناس غير مسلم، فقال الذهلي يوما: ألا من قال باللفظ، فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم ردائه فوق عمامته وقام على رؤوس الناس، وبعث إلى الذهلي ما كتب عنه على ظهر حمال، وكان مسلم يظهر القول باللفظ ولا يكتمه. قال: وسمعت محمد بن يوسف المؤذن، سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول: حضرت مجلس محمد بن يحيى، فقال: ألا من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فلا يحضر مجلسنا، فقام مسلم بن الحجاج عن المجلس، رواها أحمد بن منصور الشيرازي، عن محمد بن يعقوب، فزاد: وتبعه أحمد بن سلمة. قال أحمد بن منصور الشيرازي: سمعت محمد بن يعقوب الأخرم، سمعت أصحابنا يقولون لما قام مسلم وأحمد بن سلمة من مجلس الذهلي، قال: لا يساكنني هذا الرجل في البلد، فخشي البخاري وسافر (2). وقال الحافظ ابن حجر: وقال الحاكم أيضا عن الحافظ أبي عبد الله ابن الأخرم، قال: لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة من مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري، قال الذهلي: لا يساكنني هذا الرجل في البلد. فخشي البخاري

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال 1 / 426. (2) سير أعلام النبلاء 12 / 456. (*)

ص 170

وسافر (1). ترجمة محمد بن يحيى الذهلي ترجم له الحافظ أبو بكر الخطيب ترجمة ضافية جدا، هذا ملخصها: وكان أحد الأئمة العارفين والحفاظ المتقنين والثقات المأمونين، صنف حديث الزهري وجوده، وقدم بغداد وجالس شيوخها، وحدث بها. وكان الإمام أحمد بن حنبل يثني عليه وينشر فضله. وقد حدث عنه جماعة من الكبراء، كسعيد بن أبي مريم المصري وأبي صالح كاتب الليث بن سعد ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين وأبي داود السجستاني. أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرني محمد بن عبد الله الضبي في كتابه: قال: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت خالي عبد الله بن علي بن الجارود يقول: سمعت محمد بن سهل بن عسكر يقول: كنا عند الإمام أحمد بن حنبل، فدخل محمد بن يحيى - يعني الدهلي - فقام إليه أحمد وتعجب منه الناس. ثم قال لبنيه وأصحابه: إذهبوا إلى أبي عبد الله فاكتبوا منه. وأخبرنا ابن زرق، أخبرنا دعلج بن أحمد، حدثنا أبو محمد ابن الجارود قال: سمعت أبا عبد الرحيم محمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني يقول: دخلت على الإمام أحمد بن حنبل. فقال لي: تريد البصرة؟ قلت: نعم، قال: فإذا أتيتها فالزم محمد بن يحيى وليكن سماعك منه، فإني ما رأيت خراسانيا - أو قال: ما رأيت أحدا - أعلم بحديث الزهري منه ولا أصح كتابا منه. أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي، قال: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ - وسأله أبو عمر الاصبهاني عن محمد بن يحيى وعباس بن عبد العظيم العنبري، أيهما أحفظ؟ قال أبو علي: عباس بن

(هامش)

(1) هدي الساري 2 / 264. (*)

ص 171

عبد العظيم حافظ إلا أن محمد بن يحيى أجل، حدثني فضلك الرازي أنه قال: حدثني من لم يخطئ في حديث قط محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري. وقال أبو علي بن المديني: كفانا محمد بن يحيى جمع حديث الزهري. أخبرنا هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، قال: سمعت العلاء بن محمد الروياني ومحمد بن الحسين الرازي، يقولان: سمعنا عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت أبي يقول: محمد بن يحيى الذهلي إمام أهل زمانه. أخبرني محمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبيد الله بن القاسم الهمداني بطرابلس، أخبرنا أبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل العروضي بمصر، حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي إملاء قال: محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري ثقة مأمون. أخبرنا محمد بن علي المقري قال: قرأنا على الحسين بن هارون، عن أبي سعيد، قال: سمعت عبد الرحمن بن يوسف - يعني ابن خراش - يقول: كان محمد بن يحيى من أئمة أهل العلم. أخبرني الحسين بن محمد الخلال، حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري وكان أمير المؤمنين في الحديث (1). وقال الحافظ الذهبي

 بترجمة الذهلي

 الحافظ أحد الأعلام، عن أحمد بن حنبل قال: ما رأيت خراسانيا أعلم بحديث الزهري منه، ولا أصح كتابا منه. وقال سعيد بن منصور لابن معيلم، لم تجمع حديث الزهري؟ قال: قد كفانا محمد بن يحيى جمع حديث الزهري. وقال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة فجاء مسلم، فجلس ساعة وتذاكرا، فلما أن قام قلت: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح، قال: فلم ترك الباقي؟ ثم قال: ليس لهذا عقل، لو دارى محمد بن يحيى لصار رجلا.

(هامش)

(1) تاريخ بغداد 3 / 415 - 420. (*)

ص 172

قال أبو حاتم الرازي: محمد بن يحيى الذهلي إمام أهل عصره، أسكنه الله جنته مع جبته. وقال السلمي عن الدارقطني: قال: من أحب أن يعرف قصور علمه عن علم السلف، فلينظر في علم حديث الزهري لمحمد بن يحيى (1). وقال الذهبي أيضا بترجمته: الإمام العلامة الحافظ البارع، شيخ الإسلام وعالم أهل المشرق وإمام الحديث بخراسان، وكان بحرا لا تدركه الدلاء، جمع علم الزهري وصنفه وجوده، من أجل ذلك يقال له: الزهري، ويقال له: الذهلي، فانتهت إليه رئاسة العلم والعظمة والسؤدد ببلده، كانت له جلالة عجيبة بنيسابور من نوع جلالة الإمام أحمد ببغداد ومالك بالمدينة. روى عنه خلائق منهم: الأئمة سعيد بن أبي مريم، وأبو جعفر النفيلي، وعبد الله بن صالح، وعمرو بن خالد - وهؤلاء من شيوخه - ومحمود بن غيلان، ومحمد بن سهل بن عسكر، ومحمد بن إسماعيل البخاري - ويدلسه كثيرا، لا يقول محمد بن يحيى، بل يقول: محمد فقط، أو محمد بن خالد، أو محمد بن عبد الله، ينسبه إلى الجد ويعمى اسمه لمكان الواقع بينهما - غفر الله لهما. وممن روى عنه: سعيد بن منصور صاحب السنن - وهو أكبر منه -، ومحمد ابن إسحاق الصاغاني، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ومحمد بن عوف الطائي، وأبو داود السجزي، وأبو عيسى الترمذي، وابن ماجة، والنسائي في سننهم، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وأبو عوانة، وأكثر عنه مسلم، ثم فسد ما بينهما فامتنع من الرواية عنه، فما ضره ذلك عند الله. وقد سئل صالح بن جزرة عن محمد بن يحيى فقال: ما في الدنيا أحمق ممن يسأل عن محمد بن يحيى (2).

(هامش)

(1) تذهيب التهذيب - مخطوط. (2) سير أعلام النبلاء 12 / 273. (*)

ص 173

ووصفه في موضع آخر ب‍ أحد الأئمة الأعلام (1). وفي آخر ب‍ الحافظ (2). وقال السمعاني في الزهري : أما الإمام أبو عبد الله محمد بن يحيى بن خالد الذهلي إمام أهل نيسابور في عصره ورئيس العلماء ومقدمهم، لقب بالزهري لجمعه الزهريات، وهي أحاديث محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (3). وقال البدخشاني: وهو من كبار الحفاظ الثقات الاثبات، وأجلة شيوخ البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة... (4). وقال اليافعي: الإمام الحافظ أحد الأعلام... (5). وترجم له الحافظ السيوطي في طبقات الحفاظ (6).

 8) أبو بكر ابن الأعين والبخاري

 قال الحافظ الذهبي بترجمة علي بن حجر: قال الحافظ أبو بكر ابن الأعين: مشايخ خراسان ثلاثة: قتيبة، وعلي بن حجر، ومحمد بن مهران الرازي. ورجالها أربعة: عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، ومحمد بن إسماعيل البخاري (قبل أن يظهر)، ومحمد بن يحيى، وأبو زرعة (7). فقوله: قبل أن يظهر يفيد الطعن كما لا يخفى.

(هامش)

(1) العبر في خبر من غبر - حوادث سنة 258. (2) الكاشف 3 / 107. (3) الأنساب - الزهري. (4) تراجم الحفاظ - مخطوط. (5) مرآة الجنان - حوادث سنة 258. (6) طبقات الحفاظ / 234. (7) سير أعلام النبلاء 11 / 507. (*)

ص 174

الإمام أحمد واللفظية

 ثم قال الحافظ الذهبي: قلت: هذه دقة من الأعين، الذي ظهر من محمد أمر خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن، وتسمى مسألة أفعال التالين. فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وبهذا ندين الله تعالى وندعو من خالف ذلك. وذهب الجهمية والمعتزلة والمأمون وأحمد بن أبي داود القاضي وخلق من المتكلمين والرافضة، إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق، وقالوا: الله خالق كل شيء، والقرآن شيء، وقالوا: الله تعالى أن يوصف بأنه متكلم، وجرت محنة القرآن وعظم البلاء، فضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك، نسأل الله تعالى السلامة في الدين. ثم نشأت طائفة فقالوا: كلام الله تعالى منزل غير مخلوق ولكن ألفاظنا به مخلوقة، يعنون لفظهم وأصواتهم به، وكتابهم له ونحو ذلك، وهم حسين الكرابيسي ومن تبعه، فأنكر ذلك الإمام أحمد وأئمة الحديث. وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم وثبت عنه أنه قال: اللفظية جهمية، وقال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وقال: من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، وسد باب الخوض في هذا. وقال أيضا: من قال لفظي بالقرآن مخلوق - يريد القرآن - فهو جهمي. وقالت طائفة: القرآن محدث، كداود الظاهري ومن تبعه، فبدعهم الإمام أحمد فأنكر ذلك وأثبت علم الجزم بأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وأنه من علم الله تعالى، وكفر من قال بخلقه، وبدع من قال بحدوثه، وبدع من قال: لفظي بالقرآن قديم، ولم يأت عنه ولا عن السلف القول بأن القرآن قديم، ما تفوه به أحد منهم بهذا، فقولنا قديم من العبارات المحدثة المبدعة، كما أن قولنا محدث

ص 175

بدعة. وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو المكتوب في المصاحف كلام الله تعالى غير مخلوق، وصنف في ذلك أفعال العباد مجلد، فأنكر عليه طائفة ما فهموا مرامه، كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي بكر ابن الأعين وغيرهم. ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلامية والأشعرية، وقالوا: القرآن معنى قائم بالنفس، وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه. وقالوا: هذا المتلو معدود متعاقب، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب والتعدد، بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة. واتسع المقال في ذلك ولزم منه أمور وألوان، تركها - والله - من حسن الإيمان، وبالله تعالى نتأيد (1). أقول: وإذا ثبت أن الإمام أحمد قال: اللفظية جهمية وأنه أنكر على الكرابيسي ومن تبعه مقالتهم، وبالغ في الحط عليهم، وثبت أيضا أن البخاري كان من اللفظية - كما علم من سير أعلام النبلاء في ما سبق - فإنا نستنتج من ذلك شمول طعن الإمام أحمد وإنكاره للبخاري أيضا، فهو من الجهمية والجهمية كفرة كما سبق. بل في (ميزان الاعتدال) و(سير أعلام النبلاء)، بترجمة الحسين الكرابيسي: إن الإمام أحمد أنكر عقيدته وعده متجهما ومقت الناس الكرابيسي وتركوه (2). ومقتضي الاتحاد بين الكرابيسي والبخاري في العقيدة في هذه المسألة، كون البخاري كذلك عند أحمد. بل جاء بترجمة أحمد بن حنبل من (سير أعلام النبلاء) ما نصه:

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 11 / 510. (2) ميزان الاعتدال 1 / 544، سير أعلام النبلاء 12 / 79. (*)

ص 176

قال إسماعيل بن الحسن السراج: سألت أحمد عمن يقول: القرآن مخلوق، قال: كافر. وعمن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق فقال: فهو جهمي (1). فلا بد لهم من الاعتراف بجهمية البخاري وإن تجهموا وتعبسوا، ولا محيص لهم من الاذعان بضلاله وإن تغيروا وتربدوا.

 الإمام أحمد بن صالح واللفظية

 وقال الإمام الحافظ أحمد بن صالح: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر... نقله الحافظ الذهبي عنه بترجمته، حيث قال: قال محمد بن موسى المصري: سألت أحمد بن صالح، فقلت له: إن قوما يقولون: إن لفظنا بالقرآن غير الملفوظ، فقال: لفظنا بالقرآن هو الملفوظ والحكاية هي المحكي، وهو كلام الله غير مخلوق. ومن قال: لفظي به مخلوق فهو كافر .

 موجز ترجمة أحمد بن صالح

 وقد عنون الحافظ الذهبي أحمد بن صالح المذكور بقوله: أحمد بن صالح الإمام الكبير حافظ زمانه بالديار المصرية، أبو جعفر المصروي المعروف بابن الطبري، كان أبوه جنديا من أهل طبرستان، وكان أبو جعفر رأسا في هذا الشأن، قل أن ترى العيون مثله، مع الثقة والبراعة... (2).

مع الذهبي

 ولنا هنا وقفة قصيرة مع الحافظ الذهبي... فإن الملاحظ أن الذهبي يتلون عند ما ينقل كلمات الأئمة: الذهلي وأحمد بن حنبل وأحمد بن صالح وغيرهم في هذا المقام...

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 11 / 177. (2) سير أعلام النبلاء 12 / 160. (*)

ص 177

فمرة: يصوب كلام أحمد بن حنبل في الكرابيسي ولا يستعظم تكفيره إياه... وأخرى: يؤيد الكرابيسي ويحاول توجيه طعن الإمام أحمد وتكفيره له، فيقول: ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرره في مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق، لكن أباه الإمام أحمد، لئلا يتذرع به إلى القول بخلق القرآن، فسد الباب، لأنك لا تقدر أن تفرز المتلفظ من الملفوظ الذي هو كلام الله تعالى إلا في ذهنك (1). ولكن هذا العذر لا يكفي لتصحيح تكفير الرجل... لا سيما وأن الكرابيسي كان قد أوضح مقالته وحرر مرامه... على أن المفهوم من كلام الذهبي هو أن الإمام أحمد كان يوافق الكرابيسي في هذا الاعتقاد ويصوبه، فهل يجوز دفع الباطل بإبطال الحق وإنكاره؟ ولو كانت الغاية في الواقع ما ذكره الذهبي، فلتجز التقية ومجاملة أهل الباطل مطلقا... ومرة ثالثة: يجوز احتمالين في كلام الكرابيسي، فيؤيده على معنى ويحمل إنكار الإمام أحمد على المعنى الآخر، فيقول: وكان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق ولفظي به مخلوق، فإن عني التلفظ، فهذا جيد، فإن أفعالنا مخلوقة. وإن قصد الملفوظ وأنه مخلوق، فهذا الذي أنكره الإمام أحمد والسلف، وعدوه تجهما، ومقت الناس حسينا لكونه تكلم في أحمد . وهذا ينافي ما تقدم من أنه لا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي... هو حق، لكن أباه الإمام أحمد لئلا... . ثم لو سلمنا تحمل كلامه للاحتمالين، فما وجه تكفير الإمام أحمد إياه، وحمله كلامه على المحمل الباطل فحسب؟! وعلى أي حال فلا جدوى لاعتذار الذهبي، لوجود التنافي البين والتناقض

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 12 / 79. (*)

ص 178

الواضح في كلماته... وبهذا يندفع ما ذكره بترجمة أحمد بن صالح بعد كلامه المتقدم نقله: قلت: إن قال: لفظي، وعنى به القرآن، فنعم، وإن قال: لفظي وقصد به تلفظي وصوتي وفعلي أنه مخلوق، فهذا مصيب . وأما قول الذهبي بترجمة علي بن حجر في الدفاع عن البخاري: وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء... فغريب جدا، لأن معناه: أن البخاري لم يقل بأن ألفاظنا مخلوقة بالقرآن، بل قال: إن حركاتنا وأصواتنا وأفعالنا مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ هو كلام الله تعالى وهو غير مخلوق، فالبخاري إذا لا يقول بخلق القرآن. والحال أنه يناقضه ما ذكره عن البخاري سابقا، ومع غض النظر عن ذلك فإن هذا التفريق لا يتفوه به عاقل ذو فهم أبدا، وهذا من أوضح البراهين على جمود عقول هؤلاء، فإنهم تارة يفرقون بين اللفظ والملفوظ ويحكمون بكونه مخلوقا، وأخرى يفرقون بين الألفاظ وبين الأصوات والحركات... ولما كان هذا التفريق باطلا فإن الذهبي لما تنبه إلى فساده، أيد الكرابيسي في قوله بخلق القرآن، من غير التفات إلى تأويل البخاري، فقال: لا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرره في مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق... . فالعجب من الذهبي، لماذا يضطرب هذا الاضطراب؟ ويتلون هذا التلون؟ وكيف يزعم أن الذهلي وأبا زرعة وأبا حاتم وابن الأعين وغيرهم لم يفهموا مغزى كلام البخاري؟ بل كلام الذهبي بترجمة هشام بن عمار صريح في اتحاد حكم اللفظ والأصوات، وفي أنهما مخلوقان، وهذا نص كلامه: قلت: كان الإمام أحمد يسد الكلام في هذا الباب ولا يجوزه، ولذلك كان يبدع من يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق، ويضلل من يقول: لفظي بالقرآن قديم، ويكفر من يقول: القرآن مخلوق. بل يقول: القرآن كلام الله منزل غير

ص 179

مخلوق، وينهى عن الخوض في مسألة اللفظ. ولا ريب أن تلفظنا بالقرآن من كسبنا، والقرآن الملفوظ المتلو كلام الله تعالى غير مخلوق، والتلاوة واللفظ والكتابة والصوت من أفعالنا، وهي مخلوقة، والله سبحانه وتعالى أعلم (1). هذا، وقد قال الذهبي بترجمة محمد بن يحيى الذهلي: كان الذهلي شديد التمسك بالسنة، قام على محمد بن إسماعيل لكونه أشار في مسألة خلق أفعال العباد إلى أن تلفظ القارئ بالقرآن مخلوق، فلوح وما صرح والحق أوضح، ولكن أبى البحث في ذلك أحمد بن حنبل وأبو زرعة والذهلي، والتوسع في عبارات المتكلمين سد للذريعة، فأحسنوا أحسن الله تعالى جزاهم. وسافر ابن إسماعيل مختفيا من نيسابور، وتألم من فعل محمد بن يحيى. وما زال كلام الكبار المتعاصرين بعضهم في بعض لا يلوى عليه بمفرده، وقد سبقت ذلك في ترجمة ابن إسماعيل، رحم الله تعالى الجميع وغفر لهم ولنا آمين (2). أقول: وإذا كانت شدة تمسك الذهلي بالسنة هي السبب في قيامه علي البخاري، فإن قول الذهبي: وما زال... غريب جدا، أفهل يقال: إن قيامه على البخاري كان حسدا منه له؟ أو عنادا؟ أم ماذا؟ وعلى كل حال نقول: إذا لم يكن تكلم الذهلي وغيره من كبار الأئمة وقيامهم على البخاري وتركهم له قادحا في وثاقته، فإن إعراض البخاري ومسلم عن حديث الغدير وتركهم روايته غير قادح في صحته وثبوته بالأولوية. وأيضا: لا يكون قدح أبي داود وأبي حاتم قابلا للاعتماد بعد سقوط كلام شيخهما الذهلي عن درجة الاعتبار، كما لا يبقى بعد ذلك أي وزن واعتبار لقدح الجاحظ... فسقط تمسك الفخر الرازي بذلك كله... والحمد لله.

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 11 / 420. (2) المصدر نفسه 12 / 273. (*)

ص 180

9) عبد العلي الأنصاري الهندي(المولوي السهالي)

 وممن تكلم في الكتابين المولوي عبد العلي الأنصاري السهالي * المعروف في بلاد الهند ب‍ بحر العلوم وقد أثنى عليه واعتمد على تحقيقاته كبار العلماء * فإنه قال: فرع - ابن الصلاح وطائفة من الملقبين بأهل الحديث زعموا أن رواية الشيخين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج صاحبي الصحيح، يفيد العلم النظري، للاجماع على أن للصحيحين مزية على غيرهما، وتلقت الأمة بقبولها، والاجماع قطعي. وهذا بهت، فإن من راجع إلى وجدانه، يعلم بالضرورة أن مجرد روايتهما لا يوجب اليقين ألبتة، وقد روي فيهما أخبار متناقضة، فلو أفاد روايتهما علما لزم تحقق النقيضين في الواقع، وهذا - أي ما ذهب إليه ابن الصلاح وأتباعه - يخالف ما قالت الجمهور من الفقهاء والمحدثين، فإن انعقاد الإجماع على المزية على غيرهما من مرويات ثقات آخرين ممنوع. والاجماع على مزيتهما في أنفسهما لا يفيد، ولأن جلالة شأنهما وتلقي الأمة بكتابيهما لو سلم لا يستلزم ذلك القطع والعلم، فإن القدر المسلم المتلقى بين الأمة، ليس إلا أن رجال مروياتهما جامعة للشروط التي اشترطها الجمهور لقبول روايتهم، وهذا لا يفيد إلا الظن. وأما أن مروياتهما ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا إجماع عليه أصلا، فكيف ولا إجماع على صحة جميع ما في كتابيهما، لأن رواتهما منهم قدريون وغيرهم من أهل البدع، وقبول رواية أهل البدع مختلف فيه، فأين الإجماع على صحة مرويات القدرية؟ غاية ما يلزم أن أحاديثهما أصح الصحيح، يعني أنها مشتملة على الشروط المعتبرة عند الجمهور على الكمال، وهذا لا يفيد إلا الظن. هذا هو الحق المتبع، ولنعم ما قال الشيخ ابن الهمام: إن قولهم بتقديم

ص 181

مروياتهما على مرويات الأئمة الآخرين، قول لا يعتد به ولا يقتدى، بل هو من تحكماتهم الصرفة، كيف لا وأن الأصحية من تلقاء عدالة الرواة وقوة ضبطهم، وإذا كان رواة غيرهم عادلين ضابطين، فهما وغيرهما على السواء، لا سبيل للحكم بمزيتهما على غيرهما، إلا تحكما، والتحكم لا يلتفت إليه. فافهم (1).

(هامش)

(1) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2 / 123 هامش المستصفى. (*)

ص 182

أحاديث من الصحيحين في الميزان

 هذا، وإن في كتابي البخاري ومسلم، أحاديث كثيرة تكلم فيها أئمة الحديث وكبار الحفاظ الثقات... ونحن ننقل هنا نصوص طائفة من تلك الأحاديث بأسانيدها، وكلمات أعلام الحديث المحققين حولها، على سبيل التمثيل... لا الحصر... لنقف على حقيقة ما اشتهر بينهم من تلقي أهل السنة أحاديث الكتابين بالقبول، وما قيل من تقديم مروياتهما على مرويات غيرهما... ونرى أن ذلك - في الحقيقة - ليس إلا تحكما صرفا، وبهتا واضحا، ودعوى فارغة...

الحديث الأول

 أخرج البخاري في كتاب الطب قائلا: حدثنا سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلي قال: حدثنا أبو معشر يوسف بن يزيد البراء، قال: حدثني عبيد الله ابن الأخنس أبو مالك، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: إن نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مروا بماء [و] فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل السماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغا أو سليما.

ص 183

فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك [و] قالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله! أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله (1).

 ابن الجوزي وهذا الحديث

 وقد أورده الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات قائلا: قال ابن عدي: روى عمرو بن المحرم البصري، عن ثابت الحفار، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسب المعلمين فقال: إن أحق ما أخذ عليه الأجر كتاب الله. قال ابن عدي: لعمرو أحاديث مناكير، وثابت لا يعرف، والحديث منكر (2).

 ترجمة ابن الجوزي

 وقد ترجم ابن خلكان لابن الجوزي بقوله: الفقيه الحنبلي الواعظ، الملقب جمال الدين الحافظ، كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الحفظ، صنف في فنون عديدة، منها: زاد المسير في علم التفسير، أربعة أجزاء أتى فيه بأشياء غريبة، وله في الحديث تصانيف كثيرة، وله المنتظم في التاريخ وهو كبير، وله الموضوعات في أربعة أجزاء ذكر فيها كل حديث موضوع، وله تلقيح فهوم الأثر على وضع كتاب المعارف لابن قتيبة (3). وترجم له الحافظ الذهبي بقوله: وأبو الفرج ابن الجوزي، الحافظ الكبير

(هامش)

(1) صحيح البخاري 7 / 170. (2) الموضوعات 1 / 229. (3) وفيات الأعيان 2 / 321. (*)

ص 184

جمال الدين الحنبلي الواعظ المتقن، صاحب التصانيف الكبيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك (1). وقال الحافظ السيوطي ما ملخصه: ابن الجوزي الإمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف السائرة في فنون، قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه (2). ووصفه الخوارزمي ب‍: إمام أئمة التحقيق (3). واليافعي عند الذب عن أحمد بن حنبل ب‍ الإمام (4). كما اعتمده كبار علمائهم في الحديث والكلام، فقد اعتمده ابن تيمية في مواضع في كتابه، منها في رد حديث رد الشمس، وحديث: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني. وابن روزبهان في رد حديث النور. وابن حجر المكي في تكلمه على حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها. و(الدهلوي) في رد حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها. والمولوي حيدر علي في (إزالة الغين) معبرا عنه ب‍ سند المحدثين والمنقدين .

 الحديث الثاني

 وهو الحديث الذي أورده الحافظ ابن حزم عن البخاري، وأبطله سندا

(هامش)

(1) العبر - حوادث سنة 597. (2) طبقات الحفاظ / 477. (3) جامع مسانيد أبي حنيفة: 28. (4) مرآة الجنان، حوادث سنة 597. (*)

ص 185

ودلالة، وهذا نص كلامه في كتابه (المحلى): ومن طريق البخاري: قال هشام بن عمار، نا صدقة بن خالد نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، نا عطية بن قيس الكابلي، نا عبد الرحمن بن غنم الأشعري، حدثني أبو عامر وأبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول: ليكونن من أمتي قوم يستحلون الخز والخنزير والخمر والمعازف. وهذا منقطع، لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد، ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا، وكل ما فيه موضوع .

 ترجمة الحافظ ابن حزم

 والحافظ ابن حزم - وإن كان ممقوتا لدى كثير من علمائهم ولا سيما المعاصرين له منهم - مذكور في معاجم التراجم وكتب الرجال مع التعظيم والاجلال... فقد ذكره الحافظ الذهبي بقوله: وأبو محمد ابن حزم، العلامة، صاحب المصنفات، مات مشردا عن بلده من قبل الدولة، ببادية بقرية له، ليومين بقيا من شعبان عن اثنتين وسبعين سنة. وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن، وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والآداب والمنطق والشعر، مع الصدق والأمانة والديانة والحشمة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب. قال الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتابا لأبي محمد بن حزم، يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال ابن صاعد في تاريخه: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة، مع توسعه في علم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار، أخبرني ابنه الفضل أنه اجتمع عنده من تأليفه نحو أربعمائة مجلد (1). وقال السيوطي: ابن حزم، الإمامة العلامة، الحافظ الفقيه، أبو محمد،

(هامش)

(1) العبر في خبر من غبر، حوادث سنة 456. (*)

ص 186

كان أولا شافعيا، ثم تحول ظاهريا، وكان صاحب فنون وورع وزهد، وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة، مع توسعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار... (1). وقال الشيخ محي الدين ابن عربي: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عانق أبا محمد ابن حزم المحدث، فغاب الواحد في الآخر، فلم يزالا واحدا هو ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا غاية الوصلة وهو المعبر عنه بالاتحاد (2). وقد وصفه الأدفوي ب‍ الحافظ واعتمده في مسألة ضرب العود (3). وذكر (الدهلوي): إن ابن حزم من علماء أهل السنة الذين يدفعون المطاعن عن أمير المؤمنين - عليه السلام - (4). وسيأتي: أن ابن تيمية يعتمد على كلام ابن حزم في حصر فضائل الإمام - عليه السلام - في الأحاديث التالية: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. و: سأعطين الراية غدا رجلا... و: إن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق. وسيأتي أيضا: أن ابن حزم يذهب إلى القول بوضع سائر الأحاديث التي يتمسك بها الإمامية في إثبات إمامة علي - عليه السلام -،... كما نقل عنه ابن تيمية القدح في حديث الغدير. فابن حزم عندهم، من كبار الحفاظ الذين يعتمدون على كلامهم في

(هامش)

(1) طبقات الحفاظ / 436. (2) الفتوحات، الباب 223: 2 / 519. (3) الإمتاع في أحكام السماع، في مسألة ضرب العود. (4) التحفة الاثنا عشرية، باب الإمامة: 173. (*)

ص 187

كتبهم، إلا أن كثيرا منهم مقتوه لآراء له بعيدة عن الصواب ومخالفة للمشهورين جمهور العلماء، ولذلك نهوا الناس عن اتباعه وتقليده والأخذ بأقواله...

 الحديث الثالث

 ما أخرجه البخاري قائلا: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، عن يزيد، عن عراك، عن عروة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك. فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال (1).

مغلطاي وهذا الحديث

وقد تكلم الحافظ مغلطاي بن قليج في صحة هذا الحديث، قال الحافظ ابن حجر ما نصه: وقال مغلطاي: في صحة هذا الحديث نظر، لأن الخلة لأبي بكر إنما كانت بالمدينة، وخطبة عائشة كانت بمكة، فكيف يلتئم قول: إنما أنا أخوك؟ وأيضا: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ما باشر الخطبة بنفسه، كما أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة، فقال لها أبو بكر: هل تصلح له، إنما هي بنت أخيه؟ فرجعت فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ارجعي فقولي له: أنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي، فأتت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: ادعي رسول الله، فجاء فأنكحه (2).

(هامش)

(1) صحيح البخاري 7 / 6. (2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 11 / 26. (*)

ص 188

ترجمة الحافظ مغلطاي

 وقد ذكر الحافظ السيوطي الحافظ مغلطاي وترجم له قائلا: مغلطاي بن قليج بن عبد الله، الحنفي الإمام الحافظ علاء الدين، ولد سنة 689، وسمع من الدبوسي والختني [وخلائق]، وولي تدريس الحديث بالظاهرية بعد ابن سيد الناس وغيرها، وله مآخذ على المحدثين وأهل اللغة. قال العراقي: كان عارفا بالأنساب معرفة جيدة، وأما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة. وتصانيفه أكثر من مائة، منها شرح البخاري وشرح ابن ماجة لم يكمل، وقد شرعت في إتمامه، وشرح ابن أبي داود لم يتم، وجمع أوهام التهذيب وأوهام الأطراف، وذيل على التهذيب، وذيل على المؤتلف والمختلف لابن نقطة، والزهر الباسم في السيرة، ورتب المبهمات على الأبواب، ورتب بيان الواهي [الوهم] لابن القطان، وخرج رواية [زوائد] ابن حبان على الصحيحين. مات في رابع عشر في شعبان سنة 762 (1). وقال أيضا: مغلطاي بن قليج الحنفي الإمام الحافظ علاء الدين، ولد سنة 689، وكان حافظا عارفا بفنون الحديث علامة في الأنساب، وله أكثر من مائة تصنيف... (2). وكذا قال الزرقاني المالكي حيث ذكره (3). وقال ابن قطلوبغا بترجمته: مغلطاي بن قليج علاء الدين البكحري، إمام وقته وحافظ عصره... (4). أقول: ورد الحافظ ابن حجر كلام الحافظ مغلطاي بقوله: قلت:

(هامش)

(1) طبقات الحفاظ: 534. (2) حسن المحاضرة 1 / 359. (3) شرح المواهب اللدنية 1 / 127. (4) طبقات الحنفية - تاج التراجم: 77. (*)

ص 189

اعتراضه الثاني يرد اعتراضه الأول... لو سلم لا يضر بما نحن بصدده، كما لا يخفى.

 الحديث الرابع

ما أخرجه البخاري حول شفاعة الخليل إبراهيم - عليه السلام - لأبيه من كتاب التفسير، قائلا: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا أخي، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين (1).

الحافظ الاسماعيلي وهذا الحديث

 وقد طعن الحافظ الاسماعيلي في صحة هذا الحديث... قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بشرحه: وقد استشكل الاسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته، فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحته نظر، من جهة أن إبراهيم عالم [علم] أن الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما يأتيه [صار لأبيه] خزيا [له] مع علمه بذلك؟ وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى: *(وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرء منه)*. ثم جعل ابن حجر يرد على هذا الاشكال مصححا الحديث (2)، ولكن ذلك

(هامش)

(1) صحيح البخاري 6 / 139. (2) فتح الباري - شرح صحيح البخاري 8 / 406. (*)

ص 190

لا ينافي ما نحن بصدده، كما تقدم.

 ترجمة الحافظ الاسماعيلي

 وقد ترجم السمعاني للحافظ الاسماعيلي، فقال ما ملخصه: إمام أهل جرجان والمرجوع إليه في الحديث والفقه، رحل إلى العراق والحجاز وصنف التصانيف، وهو أشهر من أن يذكر، وكذلك أولاده وأحفاده، وله وجوه في المذهب مذكورة منظورة، وروى عنه الأئمة والحفاظ. ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور فقال: الإمام أبو بكر الاسماعيلي، واحد عصره، وشيخ الفقهاء والمحدثين، وأجلهم في الرئاسة والمروءة والسخاء، بلا خلاف بين عقلاء الفريقين من أهل العلم فيه، وقد كان أقام بنيسابور لسماع الحديث غير مرة، وقدمها وهو رئيس جرجان. وحكى حمزة بن يوسف السهمي، عن أبي الحسن الدارقطني، قال: كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الاسماعيلي فلم أرزق، وكان الحسن بن علي الحافظ المعروف بابن غلام الزهري بالبصرة يقول: كان الواجب للشيخ أبي بكر أن يصنف سننا ويختار على حسب اجتهاده، فإنه كان يقدر عليه، لكثرة ما كان كتبه ولغزارة علمه وفهمه وجلالته، وما كان له أن يتبع كتاب البخاري، فإنه كان أجل من أن يتبع غيره. قال السهمي: وكان أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ يحكي جودة قرائته وقال: كان مقدما في جميع المجالس، وكان إذا حضر مجلسا لا يقرأ غيره. وكان أبو القاسم البغوي يقول: ما رأيت أقرأ من أبي بكر الجرجاني (1). وقال اليافعي: وفيها الإمام الجامع الحبر النافع، ذو التصانيف الكبار في الفقه والأخبار، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني، الحافظ الفقيه

(هامش)

(1) الأنساب - الاسماعيلي. (*)

ص 191

الشافعي المعروف بالجرجاني. وكان حجة كثير العلم حسن الدين (1). وبمثله قال الحافظ الذهبي (2).

 الحديث الخامس

وهو ما أخرجه البخاري في كتاب الصلح، حيث قال: حدثنا مسدد، ثنا معتمر، قال: سمعت أبي أن أنسا قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وركب حمارا، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها نزلت: *(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)*. [قال أبو عبد الله: هذا مما انتخبت من مسدد قبل أن يجلس ويحدث] (3).

 ابن بطال وهذا الحديث

 وقد أبطل الإمام ابن بطال هذا الحديث، فقد قال البدر الزركشي ما نصه: فبلغنا أنها نزلت: وإن طائفتان. قال ابن بطال: يستحيل نزولها في قصة عبد الله بن أبي والصحابة، لأن أصحاب عبد الله ليسوا بمؤمنين وقد تعصبوا بعد الإسلام في قصة الإفك، وقد رواه البخاري في كتاب الاستيذان عن أسامة بن

(هامش)

(1) مرآة الجنان، حوادث سنة 371. (2) العبر، حوادث سنة 371. (3) صحيح البخاري 3 / 239. (*)

ص 192

زيد - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين، وعبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي، وذكر الحديث. فدل على أن الآية لم تنزل فيه، وإنما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حق فاقتتلوا بالعصي والنعال (1).

 ترجمة الزركشي

 وقد ترجم الحافظ ابن حجر للبدر الزركشي بقوله: هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، بتقديم المهملة على الموحدة كما رأيت بخطه في الحديث. وقرأ على جمال الدين الأسنوي وتخرج به في الفقه، وسمع من ابن كثير، وأخذ عن الأذرعي وغيره، وأقبل على التصنيف، فكتب بخطه ما لا يحصى لنفسه ولغيره. ومن تصانيفه: تخريج أحاديث الرافعي في خمس مجلدات، وخادم الرافعي في عشرين مجلدا، والتنقيح، وشرع في شرح كبير على البخاري لخصه من شرح ابن الملقن وزاد فيه كثيرا، وشرح جمع الجوامع في مجلدين، وشرح ابن الملقن وزاد فيه كثيرا، وشرح جمع الجوامع في مجلدين، وشرح المنهاج في عشرة، ومختصره في مجلدين، والتجريد في أصول الفقه في ثلاث مجلدات، وغير ذلك. وتخرج به جماعة. وكان مقبلا على شأنه، منجمعا عن الناس، وكان يقول الشعر الوسط. مات في ثلاث رجب سنة أربعين وتسعين بتقديم المثناة الفوقية وسبعمائة، رحمة الله تعالى عليه. إنتهى (2). وهكذا ترجم له مخاطبنا (الدهلوي) (3).

(هامش)

(1) التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح: 133. (2) أنباء الغمر 3 / 138. (3) بستان المحدثين: 99. (*)

ص 193

الحديث السادس

 وهو ما أخرجه البخاري في كتاب التفسير، حيث قال: حدثنا عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه. فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله، فقال: يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما خيرني الله فقال: *(إستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة)* وسأزيده على السبعين. قال: إنه منافق. قال: فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [قال:] فأنزل الله: *(ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره (1). فأخرجه البخاري في الباب مرة أخرى عن ابن عباس (2). وأخرجه في باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين بإسناد آخر، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمر (3).

كبار الأئمة وهذا الحديث

 ولقد طعن في صحة هذا الحديث، جماعة من أئمة علماء أهل السنة، وهم:

(هامش)

(1) صحيح البخاري 6 / 85. (2) نفس المصدر 6 / 85. (3) نفس المصدر 2 / 121. (*)

ص 194

الإمام أبو بكر الباقلاني. الإمام إمام الحرمين الجويني. الإمام أبو حامد الغزالي الطوسي. الإمام الداودي. وقد ذكر طعن هؤلاء الأئمة - في صحة هذا الحديث المخرج في البخاري ثلاث مرات - الحافظ ابن حجر في شرحه، حيث قال ما نصه: واستشكل فهم التخيير من الآية، حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث، مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرجوا الصحيح على تصحيحه، وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الاطلاع على طرقه. قال ابن المنير: مفهوم الآية زلت فيه الأقدام، حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصلح أن الرسول قاله. إنتهى. ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب: هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها. وقال إمام الحرمين في مختصره: هذا الحديث غير مخرج في صحيح. وقال في البرهان: لا يصححه أهل الحديث. وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أن هذا الحديث غير صحيح. وقال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ. والسبب في إنكارهم صحته، ما تقرر عندهم مما قدمناه، وهو الذي فهمه عمر - رضي الله عنه - من حمل أو على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة... (1). وقال شهاب الدين القسطلاني، بعد أن نقل كلمات الأئمة المذكورين:

(هامش)

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 271. (*)

ص 195

وهذا عجيب من هؤلاء الأئمة، كيف باحوا بذلك وطعنوا فيه مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين على تصحيحه، بل وسائر الذين خرجوا في الصحيح وأخرجه النسائي وابن ماجة (1). أقول: وقد صرح الغزالي في مبحث المفهوم بعد كلام طويل، بأن هذا الحديث كذب قطعا، وإليك نص ما قال: وأما الشافعي فلم ير التخصيص باللقب مفهوما، ولكنه قال بمفهوم التخصيص بالصفة والزمان والمكان والعدد، وأمثلته لا تخفى، وضبط القاضي مذهبه بالتخصيص بالصفة وادعى اندراج جميع الأقسام تحته، إذ الفعل لا يناسب المكان والزمان إلا لوقوعه فيه وهو كالصفة له. وتمسك أصحابنا في نصرة مذهب الشافعي بطريقتين مزيفتين... الثانية: قولهم: لا بعد في اقتباس العلم من أمور توافرت الصور فيها على التطابق، وإن كان نقلة الصور آحادا انحطوا عن مبلغ التواتر، كالقطع بشجاعة علي وسماحة حاتم، وآحاد وقائعها لم ينقلها إلينا إلا آحاد الرجال، وادعوا مثل ذلك من الصحابة في المفهوم، وعدوا وقائع... وقوله عليه السلام في قوله تعالى: إن تستغفر لهم سبعين مرة، لأزيدن على السبعين. وهذا مزيف... على أن ما نقل في آية الاستغفار كذب قطعا، إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة، فلا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم الذهول عنه... (2).

 الحديث السابع

 وهو ما رواه البخاري بعد حديث عن ابن مسعود، وهذا نصه: حدثنا محمد بن كثير، عن سفيان، قال حدثنا منصور والأعمش، عن ابن

(هامش)

(1) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 7 / 148. (2) المنخول في علم الأصول 209 - 212. (*)

ص 196

أبي الضحى، عن مسروق، قال: أتيت ابن مسعود فقال: إن قريشا أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، إن قومك قد هلكوا فادع الله، فقرأ: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين. الآية. ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله تعالى: *(يوم تأتي السماء بدخان مبين)* الآية. ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى: *(يوم نبطش البطشة الكبرى)* يوم بدر. قال: وزاد أسباط عن منصور: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعا، وشكا الناس كثرة المطر. فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقوا الناس حولهم (1).

 كبار الأئمة وهذا الحديث

 وقد أبطل وغلط جماعة من كبار أئمتهم هذه الزيادة عن أسباط وهم: الإمام العلامة قاضي القضاة بدر الدين العيني شارح البخاري. والإمام الداودي والإمام أبو عبد الملك والإمام الدمياطي. والإمام الكرماني. فقد قال العيني بشرح هذا الحديث: هذا تعليق - يعني زاد أسباط بن نصر، عن ابن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود - قد وصله البيهقي من رواية علي بن ثابت، عن أسباط بن نصر، عن ابن أبي الضحى، عن مسروق عن ابن مسعود، قال: لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الناس

(هامش)

(1) صحيح البخاري 2 / 137. (*)

ص 197

إدبارا، فذكر نحو الذي قبله، وزاد: فجاءه أبو سفيان وأناس من أهل مكة، فقالوا: يا محمد إنك تزعم أنك بعثت رحمة، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم. فدعا رسول الله - عليه السلام - فسقوا الغيث. الحديث. وأسباط - بفتح الهمزة وسكون السين المهملة بعدها الباء الموحدة وفي آخره الطاء المهملة - قال صاحب التوضيح: أسباط هذا هو: ابن محمد بن عبد الرحمن القاص أبو محمد القرشي مولاهم الكوفي، ضعفه الكوفيون، وقال النسائي، ليس به بأس، وثقه ابن معين. وقيل: هو ابن نصر وهو الصحيح، وهو أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف، ويقال: أبو نصر الكوفي، وثقه ابن معين، وتوقف فيه أحمد، وقال النسائي: ليس بالقوي. واعترض على البخاري زيادة أسباط هذا، فقال الداودي: أدخل قصة المدينة في قصة قريش وهو غلط. وقال أبو عبد الملك: الذي زاده أسباط وهم واختلاط، لأنه ركب سند عبد الله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله: فدعا رسول الله - عليه السلام - فسقوا الغيث... إلى آخره. وكذا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي وقال: هذا حديث عبد الله بن مسعود وكان بمكة، وليس فيه هذا. والعجب من البخاري كيف أورد هذا وكان مخالفا لما رواه الثقات. وقد ساعد بعضهم البخاري بقوله: لا مانع أن يقع ذلك مرتين. وفيه نظر لا يخفى. وقال الكرماني: قلت: قصة قريش والتماس أبي سفيان كان في مكة، لا في المدينة. قلت: القصة مكية إلا القدر الذي زاد أسباط، فإنه وقع في المدينة (1).

(هامش)

(1) عمدة القاري - شرح صحيح البخاري 7 / 46. (*)

ص 198

ترجمة العيني

 ونكتفي بترجمة الحافظ جلال الدين السيوطي للبدر العيني، حيث قال: محمود بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود الغساني، الحنفي العلامة، قاضي القضاة بدر الدين العيني، ولد في رمضان سنة ثلاثين وستين وسبعمائة بعين تاب، ونشأ بها وتفقه واشتغل بالفنون وبرع ومهر وانتفع في النحو وأصول الفقه والمعاني وغيرها بالعلامة جبريل بن صالح البغدادي، وأخذ عن الجمال يوسف الملطي والعلاء السيرافي، ودخل معه القاهرة، وسمع مسند أبي حنيفة للحارثي على الشرف بن الكويك، وولي نظر الحسبة بالقاهرة مرارا، ثم نظر الأحباس، ثم قضاء الحنفية، ودرس الحديث بالمؤيدية، وتقدم عند السلطان الأشرف برسياي. وكان إماما عالما علامة، عارفا بالعربية والتصريف، وغيرهما، حافظا للغة كثير الاستعمال لحواشيها، سريع الكتابة، عمر مدرسة بقرب الجامع الأزهر ووقف بها كتبه.. (1).

عمدة القاري

 وذكر الكاتب الجلبي كتابه بقوله: ومن الشروح المشهورة أيضا: شرح العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهو شرح كبير أيضا في عشرة أجزاء وأزيد، وسماه عمدة القاري... وقد استمد فيه من فتح الباري بحيث ينقل منه الورقة بكمالها، وكان يستعيره من البرهان ابن خضر بإذن مصنفه له، وتعقبه في مواضع وطوله بما تعمد

(هامش)

(1) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 2 / 275. وتوجد ترجمته في: الضوء اللامع 10 / 131 - 135، البدر الطالع 2 / 294، حسن المحاضرة 1 / 770، شذرات الذهب 7 / 287، نظم العقيان / 174 - 175، وغيرها، توفي سنة 855. (*)

ص 199

الحافظ ابن حجر حذفه من سياق الحديث بتمامه، وإفراد كل من تراجم الرواة بكلام وتباين الأنساب واللغات والاعراب والمعاني والبيان، واستنباط الفوائد من الحديث والأسئلة والأجوبة. وحكى أن بعض الفضلاء ذكر لابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره، فقال بديهة: هذا شيء نقله من شرح ركن الدين، وقد كنت وقفت عليه قبله، ولكن تركت النقل منه لكونه لم يتم... وبالجملة، فإن شرحه حافل كامل في معناه، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلفه وهلم جرا (1).

 الحافظ ابن حجر وهذا الحديث

 أقول: وبالرغم من كثرة محاولة الحافظ ابن حجر العسقلاني الدفاع عن مرويات صحيح البخاري ومساعدة مؤلفه، فإنه لم يجد بدا هنا من الاعتراف بأن هذا الحديث منكر، وإنكار الحديث يساوق القدح فيه كما ذكر (الدهلوي) في كلامه على حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها ... أما إنكار الحافظ ابن حجر هذه الزيادة، فقد جاء بترجمة أسباط بن نصر الهمداني: أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف... قال حرب: قلت لأحمد كيف حديثه؟ قال: ما أدري، وكأنه ضعفه. وقال أبو حاتم: سمعت أبا نعيم يضعفه وقال: أحاديثه علمتها سقط مقلوب الأسانيد، وقال النسائي: ليس بالقوي. قلت: علق له البخاري حديثا في الاستسقاء، وقد وصله الإمام أحمد والبيهقي في السنن الكبير، وهو حديث منكر أوضحته في التعليق. وقال البخاري في تاريخه الأوسط: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات.

(هامش)

(1) كشف الظنون 1 / 548. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب