نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 105

يوسف بن يعقوب الشيباني، أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الإمام أبو بكر ابن ثابت الحافظ، أخبرنا محمد بن عمر بن بكير أبو عمر الأخباري، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي، حدثنا الأشج، حدثنا العلاء بن سالم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عليا - رضي الله عنه - بالرحبة ينشد الناس: من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح عن وجوه كثيرة، متواتر عن أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وهو متواتر أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم. فقد ورد مرفوعا عن: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وحبشي بن جنادة، وعبد الله بن مسعود، وعمران بن حصين، وعبد الله ابن عمر، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وسعد بن زرارة، وخزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك وغيرهم من الصحابة، رضوان الله عليهم. وصح عن جماعة ممن يحصل القطع بخبرهم. وثبت أيضا أن هذا القول كان منه صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم (1).

(هامش)

(1) أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 3 - 4. (*)

ص 106

ترجمة ابن الجزري

 وقد ترجم الحافظ السيوطي لابن الجزري بقوله: ابن الجزري الحافظ المقري شيخ الأقراء في زمانه شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي الشافعي، ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وسمع من أصحاب الفخر ابن البخاري وبرع في القراءات، ودخل الروم فاتصل بملكها [أبي] يزيد بن عثمان، فأكرمه وانتفع به أهل الروم، فلما دخل تيمورلنك إلى الروم وقتل ملكها، اتصل ابن الجزري بتيمور ودخل (معه) بلاد العجم، وولي قضاء شيراز وانتفع به أهلها في القراءات والحديث، وكان إماما في القراءات لا نظير له في عصره في الدنيا، حافظا للحديث، وغيره أتقن منه، ولم يكن له في الفقه معرفة. ألف: النشر في القراءات العشر، لم يصنف مثله، وله أشياء أخر وتخاريج في الحديث وعمل [وقد] وصفه ابن حجر بالحفظ في مواضع عديدة من الدرر الكامنة، مات سنة 833 (1). وفي (مفتاح كنز دراية المجموع) بعد رواية كتاب عقود اللآلي في الأحاديث المسلسلة والعوالي عن مؤلفه ابن الجزري ما نصه: إعلام - قال العلامة أبو القاسم عمر بن فهد في معجم شيوخ والده الحافظ تقي الدين ابن فهد: هو الإمام العلامة أستاذ القراء أبو الخير قاضي القضاة شمس الدين... كان والده تاجرا وبقي مدة من العمر لم يرزق ولدا، فلما حج شرب ماء زمزم وسأل الله أن يرزقه ولدا عالما، فولد له شيخنا هذا بعد صلاة التراويح، من ليلة السبت الخامس والعشرين من رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة بدمشق، ونشأ بها وتفقه بها على العماد ابن كثير، ولع بطلب الحديث والقراءات فسمع من ابن الرميلة الصلاح ابن أبي عمرو وابن كثير في

(هامش)

(1) طبقات الحفاظ 543 - 544. (*)

ص 107

آخرين... وله المؤلفات العديدة الجامعة المفيدة، من عيونها: النشر في القراءات العشر... وأسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب... . وممن ترجم له هو (الدهلوي) نفسه، فقد ترجم له وأثنى عليه في (بستان المحدثين) الذي انتحله من (مفتاح كنز الدراية)، فعبارته عين العبارات المتقدمة، فلا حاجة إلى تكرارها (1).

 إعتماد العلماء عليه

 ومما يدل على جلالة الحافظ ابن الجزري ووثاقته: إعتماد كبار علمائهم على كتبه، ونقلهم لأقواله وآرائه مذعنين بها، فمن ذلك: نقل السيوطي في كتابه (حسن المقصد بعمل المولد) عن التعريف بالمولد الشريف لابن الجزري، معبرا عنه ب‍ إمام القراء الحافظ . وأيضا: نقله في (ميزان المعدلة في شأن البسملة) عن كتاب (النشر) لابن الجزري معبرا عنه ب‍ أستاذ القراء الإمام . كما قال السيوطي في كتاب (الاتقان في علوم القرآن) في تقسيم القراءات: وأحسن من تكلم في هذا النوع: إمام القراء في زمانه، شيخ شيوخنا، أبو الخير ابن الجزري... ثم قال: بعد كلام له -: قلت: أتقن الإمام ابن الجزري هذا الفصل جدا (2). بل إن جماعة من كبار علمائهم، كابن حجر المكي والبرزنجي والسهارنفوري وغيرهم... اعتمدوا على روايته لحديث الغدير وهم بصدد رده معبرين عنه ب‍ الحافظ . كما تمسك (الدهلوي) في رد حديث أنا مدينة العلم بحكم ابن الجزري

(هامش)

(1) وتوجد ترجمة ابن الجزري في الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل 2 / 109 والبدر الطالع 2 / 257 والضوء اللامع 9 / 255 وطبقات الداودي 2 / 59 وشذرات الذهب 7 / 402 وطبقات القراء 2 / 247. (2) الاتقان في علوم القرآن 1 / 77. (*)

ص 108

بوضعه - حسب زعم الدهلوي -.

 روايتهم لكتبه

ولقد اعتنى علماؤهم بمؤلفات الحافظ ابن الجزري فرووها بأسانيدهم، ويتجلي ذلك بمراجعة رسالة (أصول الحديث) و(كفاية المتطلع) و(حصر الشارد) وغيرها... وقد عبروا عنه في أسانيدهم وطرقهم ب‍ الحافظ . وقال الكاتب الجلبي - حيث ذكر الحصن الحصين لابن الجزري -: وهو من الكتب الجامعة للأدعية والأوراد والأذكار الواردة في الأحاديث والآثار، ذكر فيه أنه أخرجه من الأحاديث الصحيحة، وأبرزه عدة عند كل شدة. ولما أكمل ترتيبه طلبه عدوه وهو تيمور، فهرب منه مختفيا تحصن بهذا الحصن، فرأى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم جالسا على يمينه وكأنه - عليه الصلاة والسلام - يقول له: ما تريد؟ فقال: يا رسول الله! أدع لي وللمسلمين، فرفع يديه ثم مسح بهما وجهه الكريم، وكان ذلك ليلة الخميس فهرب العدو ليلة الأحد، وفرج الله سبحانه وتعالى عنه وعن المسلمين، ببركة ما في هذا الكتاب (1).

3. الحافظ السيوطي

* الذي بالغ الشعراني في (لواقح الأنوار) في تعظيمه، ووصفه المناوي ب‍ الحافظ الكبير والإمام الشهير والعزيزي ب‍ الإمام العلامة مجتهد عصره وشيخ الحديث والشامي صاحب السيرة ب‍ شيخنا حافظ الإسلام بقية المجتهدين الأعلام ، وهو ممن يفتخر شاه ولي الله باتصال أسانيده إليه، وبذلك يتباهى (الدهلوي) أيضا ويثني عليه في رسالة (أصول الحديث)* فإنه قال ما هذا لفظه: حديث من كنت مولاه فعلي مولاه أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم،

(هامش)

(1) كشف الظنون 1 / 669. (*)

ص 109

وأحمد عن علي وأبي أيوب الأنصاري، والبزار عن أبي هريرة وطلحة وعمارة وابن عباس وبريدة، والطبراني عن ابن عمر ومالك بن الحويرث وحبشي بن جنادة وحوشب وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري وأنس، وأبو نعيم عن خديج الأنصاري. وأخرجه ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز، قال: حدثني عدة أنهم سمعوا رسول الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأخرج ابن عقدة في كتاب الموالاة عن ابن حبيش، قال: قال علي: من ههنا من أصحاب محمد؟ فقام اثنا عشر رجلا منهم قيس بن ثابت وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأخرجه أيضا عن يعلى بن مرة قال: لما قدم علي الكوفة، نشد الناس: من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فانتدب بضعة عشر رجلا، منهم يزيد أو زيد بن شرحبيل الأنصاري (1). أقول: واقتصار الحافظ السيوطي في كتابه هذا، على الأحاديث المتواترة والتزامه بعدم إيراد غيرها فيه، ظاهر من اسمه، ولا بأس بنقل خطبة الكتاب لمزيد الوضوح: وبعد، فإني جمعت كتابا سميته (الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة)، أوردنا فيه ما رواه من الصحابة عشرة فصاعدا مستوعبا طرق كل حديث وألفاظه، فجاء كتابا حافلا لم أسبق إلى مثله، إلا أنه لكثرة ما فيه من الأسانيد إنما يرغب فيه من له عناية بعلم الحديث، واهتمام عال، وقليل ما هم. فرأيت تجريد مقاصده في هذه الكراسة ليعم نفعه، بأن أذكر الحديث وعدة من الصحابة مقرونا بالعز وإلى من خرجه من الأئمة المشهورين، وفي ذلك مقنع للمستفيدين، وسميته: الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة .

(هامش)

(1) الأزهار المتناثرة: 1. (*)

ص 110

أقول: فالحافظ السيوطي قد حكم بتواتر هذا الحديث وأدرجه في اثنين من مؤلفاته أعدهما لهذا الموضوع، وهما: (الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة) و(الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة)، وسيأتي حكمه بذلك في كتاب ثالث له وهو: (قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة).

 ذكر كتب السيوطي في الأحاديث المتواترة

 هذا، ولا ريب في ثبوت هذه الكتب للحافظ السيوطي، وهي من مؤلفاته المشهورة، وقد أورد الكتابين المذكورين في كشف الظنون، حيث قال: الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي، وهو كتاب أورد فيه ما رواه من الصحابة عشرة فصاعدا مستوعبا فيه، فجاء كتابا حافلا، ثم جرد مقاصده وسماه: الأزهار المتناثرة (1). وقال: الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة، رسالة للسيوطي المذكور، جردها من كتابه المسمى بالفوائد المتكاثرة (2). كما ذكره السيوطي الكتاب الثاني في قائمة مؤلفاته، وقد علمت تصريحه في خطبته بأنه مختصر من الفوائد المتكاثرة. وأما كتابه الثالث، فقد ذكره العلامة المتقي، وسيأتي نص كلامه قريبا.

نقل حكمه بتواتر الحديث

وقد نقل حكم الحافظ السيوطي بتواتر حديث الغدير بعض العلماء مرتضين له، منهم: العلامة المناوي * وستأتي ترجمته * حيث قال بشرح الحديث: قال:

(هامش)

(1) كشف الظنون 2 / 1301. (2) المصدر نفسه 1 / 73. (*)

ص 111

حديث متواتر (1). والعلامة العزيزي، حيث قال بشرحه كذلك: قال المؤلف: حديث متواتر (2). 4

. الشيخ علي المتقي

 * توجد ترجمته في (أخبار الأخيار) لعبد الحق الدهلوي، وقد جاء فيه: قال الشيخ أبو الحسن البكري: للسيوطي منة على العالمين وللمتقي منة عليه . وفي (سبحة المرجان في تراجم علماء هندوستان) بترجمته: وكان الشيخ ابن حجر المكي أستاذ المتقي، وقد صار أخيرا تلميذه . وتوجد ترجمته أيضا في: (النور السافر في أخبار القرن العاشر / 315) و(لواقح الأنوار في طبقات الأخيار، للشعراني) و(شذرات الذهب 8 / 379) وغيرها * إذ أورد حديث الغدير مع حديث المنزلة في كتاب (مختصر قطف الأزهار)، وقد قال في خطبة هذا الكتاب: هذه أحاديث متواترة نحو اثنين وثمانين حديثا التي جمعها العلامة السيوطي - رحمة الله تعالى عليه - وسماها (قطف الأزهار المتناثرة) وذكر فيها رواتها من الصحابة عشرة فصاعدا، لكني حذفت الرواة وذكرت متن الأحاديث ليسهل حفظها... .

5. الميرزا مخدوم

 * صاحب كتاب النواقض على الروافض، وهو حفيد الشريف الجرجاني وقد ذكره البرزنجي في نواقض الروافض واصفا إياه ب‍ السيد العلامة القاضي بالحرمين المحترمين معين الدين أشرف، الشهير بميرزا مخدوم الحسيني الحسني حفيد السيد السند المحقق العلامة نور الدين علي الجرجاني شارح المواقف وغيرها

(هامش)

(1) التيسير في شرح الجامع الصغير 2 / 442. (2) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 3 / 360. (*)

ص 112

- صاحب المؤلفات العديدة والتحقيقات المفيدة... وذكر كتابه (النواقض) في (كشف الظنون) واعتمد عليه: رشيد الدين الدهلوي، وحيدر علي الفيض آبادي، والسهارنبوري، في ردودهم على الإمامية * فإنه قال في كتابه المذكور الذي تفوح منه رائحة التعصب الشديد. ما نصه: ومن هفواتهم القول بوجوب عصمة الأنبياء والأئمة، بمعنى أنه يجب على الله تعالى حفظهم من جميع الصغائر والكبائر وخلاف المروءة عمدا وسهوا وخطا، من المهد إلى اللحد، مع أن القرآن وكتب الأحاديث والتواريخ مشحونة بخلاف ذلك.. أفلا تنظرون إلى هذه الجماعة التي تأول أمثال هذه النصوص الجلية بما لا يقبله عقل عاقل، بل لا يحسنه طبع جاهل؟! ومع ذلك يشنعون علينا تجويزنا عدم دلالة حديث الغدير على نفي خلافة أبي بكر وثبوت خلافة علي بلا فصل، بل يقولون: إنه نص جلي منكره كافر، فإن تسألني عن حديث الغدير المتواتر أذكر لك الملخص الذي ذكره مفيدهم... (1). ألا تراه بينما يطعن في الاعتقاد بعصمة الأنبياء والأئمة عليهم السلام يعترف بتواتر حديث الغدير... ولقد أجاد صاحب (مصائب النواصب في الرد على النواقض على الروافض) حيث قال في جوابه: وأما رابعا: فلأن قوله: فإن تسألني عن حديث الغدير أذكر لك... متضمن الاعتراف بنقيض ما هو بصدده من تضييع الحق وترويج المحال، حيث أجرى الله تعالى على لسان قلمه ما هو الحق، فوصف حديث الغدير بالتواتر من غير أن يكون سياق كلامه مقتضيا لذكر هذا الوصف بوجه من الوجوه (2).

(هامش)

(1) النواقض على الروافض - مخطوط. (2) مصائب النواصب للسيد التستري. (*)

ص 113

6. جمال الدين المحدث

 * وهو من مشايخ إجازة (الدهلوي) ووالده. وفي (المرقاة في شرح المشكاة): إن المحدث من المشايخ الكبار. ولقد اعتمد المؤرخون والمحدثون على سيرته (روضة الأحباب) معتبرين إياه من التواريخ المعتبرة * فإنه قال: الحديث الثالث عشر من جعفر بن محمد، عن آبائه الكرام عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار. وفي رواية: اللهم أعنه وأعن به وارحمه وارحم به وانصره وانصر به. فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له، فنزل بالابطح عن ناقته وأناخها، فقال: يا محمد! أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه منك وأمرتنا أن نصوم فقبلناه منك، ثم أمرتنا بالحج فقبلناه منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله عز وجل؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي لا إله إلا الله إن هذا من الله. فولى الحارث بن النعمان وهو يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله عز وجل بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله عز وجل: *(سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع)*. أقول: أصل هذا الحديث سوى قصة الحارث، تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله أيضا رواه جمع كثير وجم

ص 114

غفير من الصحابة (1).

7. الملا علي القاري

 * توجد ترجمته في (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 3 / 185) وغيره، وقد أثنوا عليه واعتمدوا على تصانيفه لا سيما (المرقاة في شرح المشكاة)* قال بشرح قول صاحب المشكاة: وعن زيد بن أرقم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، رواه أحمد والترمذي . قال: وفي الجامع: رواه أحمد وابن ماجة عن البراء، وأحمد بن بريدة، والترمذي والنسائي والضياء عن زيد بن أرقم، ففي إسناد المصنف الحديث عن زيد بن أرقم إلى أحمد والترمذي مسامحة لا تخفى. وفي رواية لأحمد والنسائي والحاكم عن بريدة، بلفظ: من كنت وليه فعلي وليه. وروى المحاملي في أماليه عن ابن عباس ولفظه: علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه. والحاصل: إن هذا حديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عده متواترا، إذ في رواية لأحمد: أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابيا، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته. وسيأتي زيادة تحقيق في الفصل الثالث عند حديث البراء (2).

8. ضياء الدين المقبلي

 * المترجم له في (البدر الطالع 1 / 288) و(التاج المكلل: 376) وغيرهما، ووصفه الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير في ذيل الأبحاث المسددة بقوله: فإن

(هامش)

(1) الأربعين - مخطوط. (2) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 568. (*)

ص 115

الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة، تأليف العلامة التقي صالح بن مهدي - رحم الله مثواه وبل بوابل رحمته ثراه - قد رزقت القبول، وهي به حقيقة، وكاد أن لا يخلو عنها بيت عالم، لما اشتملت عليه من فوائد أنيقة، إلا أنها تدق عبارته عن الايضاح وتكثر إشارته إلى مسائل طال فيها اللجاج والكفاح، فرأيت إيضاح معانيها وشرح المشار إليه في غصون مبانيها، بذيل سميته (ذيل الأبحاث المسددة وحل مسائلها المعقدة)... كما عده السندي في (حصر الشارد) والشوكاني في (إتحاف الإكابر) من الكتب المعتبرة، وذكرا طريقهما إلى مؤلفه في رواية الكتاب * فإنه قال في ذكر الأحاديث النبوية الواردة في فضل أهل البيت عليهم الصلاة والسلام: ومن شواهد ذلك ما ورد في حق علي - كرم الله وجهه في الجنة - وهو على حدته متواتر معنى، ومن أوضحه معنى وأشهره رواية حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، وفي بعض رواياته زيادة: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وفي بعض زيادة: وانصر من نصره واخذل من خذله. وطرقه كثيرة جدا، ولذا ذهب بعضهم إلى أنه متواتر لفظا فضلا عن المعنى، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى أحمد بن حنبل والحاكم وابن أبي شيبة والطبراني وابن ماجة والترمذي والنسائي وابن أبي عاصم والشيرازي وأبي نعيم وابن عقدة وابن حبان، بعضهم من رواية صحابي، وبعضهم من رواية اثنين، وبعضهم من رواية أكثر من ذلك. وذلك من حديث: ابن عباس، وبريدة بن الحصيب، والبراء بن عازب، وجرير البجلي، وجندب الأنصاري، وحبشي بن الجنادة، وأبي الطفيل، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد ابن شراحيل الأنصاري، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وأبي هريرة، وطلحة وأنس بن مالك، وعمرو بن مرة. وفي بعض روايات أحمد: عن علي وثلاثة عشر رجلا، وفي رواية له وللضياء المقدسي، عن أبي أيوب وجمع من الصحابة. وفي رواية لابن أبي شيبة وفيها: اللهم وال من والاه... الخ، عن أبي هريرة واثني

ص 116

عشر من الصحابة. وفي رواية أحمد والطبراني والمقدسي: عن علي وزيد ابن أرقم وثلاثين رجلا من الصحابة. نعم، فإن كان مثل هذا معلوما وإلا فما في الدنيا معلوم (1).

 9. محمد بن إسماعيل الأمير

 * وهو من شيوخ القاضي الشوكاني كما في (إتحاف الأكابر) وقد ترجم له وأثنى عليه في (البدر الطالع 2 / 133)* قال: وحديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث، قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة من كنت مولاه: ألف محمد بن جرير فيه كتابا - قال الذهبي: - وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه. إنتهى. وقال الذهبي في ترجمة الحاكم أبي عبد الله ابن البيع: فأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فله طرق جيدة أفردتها بمصنف. قلت: عده الشيخ المجتهد نزيل حرم الله ضياء الدين صالح بن مهدي المقبلي في الأحاديث المتواترة التي جمعها في أبحاث عن لفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه، وهو من أئمة العلم والتقوى والانصاف. ومع إنصاف الأئمة بتواتره فلا نميل بإيراد طرقه بل نتبرك ببعض منها... (2).

 10. محمد صدر العالم

 * وهو من أكابر علماء الهند ترجم له وأثنى عليه الكنوي في (نزهة الخواطر 6 / 113)* قال: ثم اعلم أن حديث الموالاة متواتر عند السيوطي - رحمه الله - كما ذكره في قطف الأزهار، فأردت أن أسوق طرقه ليتضح التواتر، فأقول:

(هامش)

(1) الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة: 122 في ذكر الأحاديث النبوية. (2) الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: 67. (*)

ص 117

أخرج أحمد والحاكم عن ابن عباس، وابن أبي شيبة وأحمد عنه عن بريدة، وأحمد وابن ماجة عن البراء، والطبراني عن جرير، وأبو نعيم عن جندب الأنصاري، وابن قانع عن حبشي بن جنادة، والترمذي - وقال: حسن غريب - والنسائي والطبراني والضياء المقدسي عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وابن أبي شيبة والطبراني، عن أبي أيوب، وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم، والضياء، عن سعد بن أبي وقاص، والشيرازي في الألقاب عن عمر، والطبراني عن مالك بن الحويرث، وأبو نعيم في فضائل الصحابة. عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، وابن عدي في كتاب الموالاة عن حبيب بن بديل بن ورقاء، وقيس بن ثابت وزيد بن شراحيل الأنصاري، وأحمد عن علي وثلاثة عشر رجلا، وابن أبي شيبة عن جابر، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. إلى آخر ما أفادوا وأجادوا (2).

11. باني بتي

* وهو القاضي ثناء الله باني بتي، من كبار علماء الهند ترجم له البغدادي في (إيضاح المكنون 1 / 310) وغيره وتوفي سنة 1216. * قال ما هذا تعريبه: الأول - ما رواه بريدة بن حصيب وجماعة غيره من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غدير خم - وهو موضع بين مكة والمدينة -: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - يعني عليا -. وهذا حديث صحيح بل متواتر، رواه ثلاثون صحابيا. منهم: علي بن أبي طالب وأبو أيوب وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وعمرو بن مرة وأبو هريرة وابن

(هامش)

(1) معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط. (*)

ص 118

عباس وعمارة بن بريدة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأنس وجرير بن عبد الله البجلي ومالك بن الحويرث وأبو سعيد الخدري وطلحة وأبو الطفيل وحذيفة بن أسيد وغيرهم. وذكره جمهور المحدثين في الصحاح والسنن والمسانيد. وجاء في بعض الروايات: من كنت أولى الناس به من نفسه فعلي وليه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وتمسك به الروافض على أنه نص جلي على استخلاف علي ويزعمون أن مولى بمعنى الأولى بالتصرف فهو الإمام، ويزيدون على ألفاظ هذا الحديث المتواتر: وهو الخليفة من بعدي وهو وليكم بعدي وهي زيادة موضوعة.... (1).

 12. محمد مبين اللكهنوي

 * وهو من أكابر علماء أهل السنة في بلاد الهند ترجم له في (نزهة الخواطر 7 / 403) وأرخ وفاته بسنة 1225 * قال بعد ذكر بعض طرقه في فضائل الإمام عليه السلام: وأكثر الأحاديث المذكورة في هذا الباب من المتواترات، كحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى . وحديث أنا من علي وعلي مني، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وحديث لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله وغيرها (2).

(هامش)

(1) السيف المسلول: 108. (2) وسيلة النجاة في فضائل السادات: 104. (*)

ص 119

خلاصة البحث

 وخلاصة هذا البحث الطويل هو: أن حديث الغدير حديث متواتر ثابت لدى كبار علماء أهل السنة من حفاظهم ومفسريهم وعلمائهم في الكلام والأصول... متواتر عند أعاظم أساطينهم وأعيان علمائهم الفطاحل، من المتقدمين والمتأخرين. وقد ظهر ذلك جليا بتصريح جماعة منهم... ولنذكر هنا كلاما للشريف المرتضى - رحمه الله - نختم به هذا الفصل من البحث، قال: أما الدلالة على صحة الخبر فما يطالب بها إلا متعنت، لظهوره وانتشاره وحصول العلم لكل من سمع الأخبار به، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير والدلالة عليه، إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي الظاهرة المنشورة وأحواله المعروفة وحجة الوداع نفسها، لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة. وبعد، فإن الشيعة قاطبة تنقله وتواتر به، وأكثر رواة أصحاب الحديث ترويه بالأسانيد المتصلة وأصحاب السير ينقلونه عن أسلافهم خلفا عن سلف، نقلا بغير إسناد مخصوص، كما نقلوا الوقائع والحوادث الظاهرة. وقد أورده مصنفوا الحديث في جملة الصحيح، وقد استبد هذا الخبر بما لا

ص 120

يشركه فيه سائر الأخبار، لأن الأخبار على ضربين: أحدهما: لا يعتبر في نقله الأسانيد المتصلة كالخبر عن وقعة بدر وخيبر والجمل وصفين وما جرى مجرى ذلك من الأمور الظاهرة، التي يعلمها الناس قرنا بعد قرن بغير إسناد وطريق مخصوص، والضرب الآخر: يعتبر فيه اتصال الأسانيد، كأخبار الشريعة. وقد اجتمع في خبر الغدير الطريقان مع تفرقهما في غيره من الأخبار، على أن ما اعتبر في نقله في أخبار الشريعة اتصال الأسانيد لو فتشت عن جميعه لم تجد رواته إلا آحادا، وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة المتصلة الجمع الكثير... فمزيته ظاهرة (1).

(هامش)

(1) الشافي في الإمامة: 132 ط القديم. (*)

ص 121

مع الرازي في كلامه حول حديث الغدير وفقهه

ص 123

لقد أوقفك البحث المتقدم على أن جماعات من علماء أهل السنة رووا حديث الغدير حاكمين بصحته وتواتره، مصرحين بطرقه الجمة وأسانيده الكثيرة، حتى أن جماعة من كبار حفاظهم أفردوا كتبا لجمع ألفاظه وطرقه المعتبرة. ولكن العصبية المقيتة والانحياز عن أمير المؤمنين عليه السلام وحب الخلاف وإنكار الضروريات... كل ذلك حدى بالفخر الرازي إلى دعوى عدم صحة الحديث وإنكار تواتره، معللا ذلك بأمور تافهة وأخرى كاذبة... وهذا نص كلامه حول هذا الحديث الشريف في (نهاية العقول): لا نسلم صحة الحديث، أما دعواهم العلم الضروري بصحته فهي مكابرة، لأنا نعلم أنه ليس العلم بصحته كالعلم بوجود محمد عليه السلام وغزواته مع الكفار وفتح مكة وغيره ذلك من المتواترات، بل العلم بصحة الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة أقوى من العلم بصحة هذا الحديث، مع أنهم يقدحون بها، وإذا كان كذلك فكيف يمكنهم القطع بصحة هذا الحديث؟ وأيضا: فلأن كثيرا من أصحاب الحديث لم ينقلوا هذا الحديث، كالبخاري ومسلم والواقدي وابن إسحاق، بل الجاحظ وابن أبي داود السجستاني وأبو حاتم الرازي وغيرهم من أئمة الحديث قدحوا فيه.

ص 124

واستدلوا على فساده بقوله عليه السلام: قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار موالي دون الناس كلهم، ليس لهم موالي دون الله ورسوله. والثاني - وهو أن الشيعة يزعمون أنه عليه السلام إنما قال هذا الكلام بغدير خم في منصرفه من الحج، ولم يكن علي مع النبي في ذلك الوقت، فإنه كان باليمن . هذا الكلام الرازي الملقب عندهم ب‍ الإمام في رد حديث الغدير، وقد رأينا من الضروري إثباته، ثم الإشارة إلى ما فيه من أكاذيب وأغلاط وإنكار للحقائق الراهنة والقضايا الثابتة تاريخيا، ليتبين للملأ مدى سوءة نفس الرجل، وليكون ردا حاسما لكل أولئك الذين تقودهم الأغراض إلى الافتراء، وتدعوهم الأهواء إلى الافتعال، وكأنهم نسوا قول الله عز وجل: *(وقد خاب من افترى)*!

ص 125

 مقدمة الرد

 إن الرازي لم يكتف بالقدح في هذا الحديث الصحيح المروي بالطرق العديدة بالتواتر عن أكثر من مائة نفس من الصحابة، بل زعم أن الأحاديث الواردة عندهم في فضائل الصحابة - مع العلم بأن كثيرا منها موضوع باعتراف أهل العلم والانصاف - أقوى من حديث الغدير!! وتفيد عبارته - حيث جاء لفظ الأحاديث فيها معرفا باللام - كون جميع تلك الأحاديث - في رأيه - أقوى من هذا الحديث. ولو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من حمل الأحاديث على الأكثر، فكأنه قال: إن العلم بصحة أكثر الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة أقوى من العلم بصحة حديث الغدير الوارد في فضل علي. ولكن هذا الزعم على إطلاقه باطل، إذ ليس في أحاديث فضائل الصحابة حديث واحد يجئ بمثابة حديث الغدير سندا ودلالة فضلا عن تلك الكثرة من الخرافات الواهية الموضوعة! وعلى من ادعى مثل ذلك أن يورد أولا بعض تلك الأحاديث المزعومة، مع تصحيح أسانيدها من كبار أئمة الحديث وعلماء الجرح والتعديل - كما هو الثابت والحاصل بالنسبة إلى حديث الغدير - عن جماعة من

ص 126

الصحابة مطلقا، ثم يبين مدى العلم الحاصل بصحتها، ومدى دلالتها على مطلوبهم... ثم إن ذلك إنما يتم فيما إذا جاءت تلك الأحاديث - كلها أو بعضها - عن طرق الشيعة الإمامية متواترة أو قوية بأسانيد متكثرة، كما هو الشأن في حديث الغدير عند الفريقين. بل إنا نوسع المجال للرازي ومن لف لفه، فنتحداهم في إثبات مساواة أحاديث معدودة من أحاديث فضائل الصحابة لحديث الغدير، في قوة العلم بالصحة، فضلا عن إثبات كونها أقوى من هذا الحديث الشريف. وباختصار: إن قوله: وأما دعواهم العلم الضروري بصحته فهي مكابرة . مكابرة، إذ ما من شيء يدعي أهل السنة التواتر فيه والعلم الضروري بصحته إلا وحديث الغدير أقوى منه وأعظم... والمنع المحض غير مجد وغير مسموع في مثل هذا الأمور، وإلا لصح لمانع أن يمنع وجود مكة والمدينة والنبي محمد صلى الله عليه وآله. اللهم إلا أن يذكروا فارقا بين هذا الحديث الشريف وسائر المتواترات والضروريات... وأنى لهم ذلك... ولنعم ما أفاد الإمام المولى السيد محمد قلي حيث قال: لا شك في أن كل من تأمل وأنصف في كثرة طرق الحديث واشتهاره بين الخاصة والعامة، مع وفور الدواعي إلى الكتمان وكثرة الصوارف عن النقل، يحصل له العلم الضروري بصحة هذا الحديث، وكيف وقد يحصل للمسلمين القطع واليقين في كثير من الأمور الدينية التي هي أدون مرتبة في باب التواتر من هذا الحديث، كآيات التحدي والتحدي بها على رؤوس الاشهاد من الكفار وأعداء الدين، مع وجود الدواعي إلى المعارضة وعدم وجود موانع، وهكذا صدور المعجزات ونحو ذلك، مع أن الكفار كافة ينكرون ذلك كله، ويدعون أن أهل الإسلام كلهم تواطئوا على الكذب واختراع هذه الأخبار، لأن كلهم من أرباب الأغراض والدواعي إلى وضع تلك الأخبار، كما أن أهل الإسلام يدعون

ص 127

كذلك في باب الأخبار المخصوصة بأهل المذاهب الفاسدة، من اليهود والنصارى والصابئين وعبدة النيران والأوثان وسائر المشركين، فكيف يسوغ لمسلم منصف أن ينكر التفاوت بين البديهيين، فإنه قد يكون أحدهما أجلى من الآخر، كيف، ولو لم يكن الأمر كذلك يلزم إهمال الكثير من المتواترات (1). وبعد، فلننظر بماذا تشبث الرازي في رد هذا الحديث: لقد زعم الرازي عدم نقل كثير من أصحاب الحديث لحديث الغدير، ولكن هذا مردود بما سننقله في الكتاب من أسماء مخرجي حديث الغدير ورواته وناقليه، بحيث يتجلى لمن يقف على تلك القائمة من أسماء أعاظم علماء أهل السنة أن الكثير منهم يروون هذا الحديث مع التنويه بعظمته وصحته وتواتره، والتصريح بحصول العلم الضروري لهم بصدوره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والغريب من الرازي حيث يقول: إن كثيرا من أصحاب الحديث لم ينقلوا هذا الحديث، ثم يعد من أسماء تلك الكثرة المزعومة أسماء أربعة فقط، وليته ذكر ثلاثين أو عشرين من أعيان المحدثين حتى يناسب دعواه، لأن عدم نقل أربعة بل عشرة لا يعارض نقل هذا الجم الغفير والجمع الكبير لحديث الغدير... ولو سلمنا أن كثيرا من أصحاب الحديث لم ينقلوه، فإن عدم نقلهم لحديث الغدير المشهور المتواتر إنما هو لانحيازهم عن أمير المؤمنين عليه السلام وكتمانهم فضائله الشريفة لأغراضهم الفاسدة، بدليل أنهم في نفس الوقت يروون الخرافات الغريبة في فضائل خلفائهم وأئمتهم... ومتى كان النافي بصراحة لا يعبأ بقوله، لوجود المثبت، فالساكت والمعرض أولى بعدم الاعتناء... هذا، ولنتكلم على تشبث الرازي بعدم نقل البخاري ومسلم والواقدي وابن إسحاق.

(هامش)

(1) عماد الإسلام في الإمامة 4 / 217. (*)

ص 129

(1) عدم رواية البخاري ومسلم حديث الغدير

ص 131

لنا في رد تشبث الرازي بعدم إخراج البخاري ومسلم حديث الغدير في كتابيهما وجوه:

 1. إنه دليل التعصب

 إن عدم إخراجهما حديث الغدير - على تواتره وشهرته - يدل على تعصبهما المقيت وإعراضهما عن أهل البيت - عليهم الصلاة والسلام -، ولو لم يكونا كذلك لما تمسك الجاهلون بمجرد ذلك بالنسبة إلى حديث من الأحاديث... ومن ذلك حديث الغدير...

 2. المثبت مقدم على النافي

 إن من القواعد المسلمة لدى جميع أهل العلم - ولا سيما علماء الأصول - هي القاعدة المعروفة ب‍ تقدم المثبت على النافي ... وبناءا على هذه القاعدة: لا يعبأ بنفي النافي صريحا - مع وجود المثبت - فكيف يكون السكوت المحض عن حديث قادحا؟. ولقد كثر استناد كبار العلماء إلى هذه القاعدة وهذا الأصل المسلم، واستدلوا به في مختلف بحوثهم كما لا يخفى على الخبير، ولا بأس بذكر شواهد على ذلك:

ص 132

1) قال الحلبي في ذكر دخول الرسول صلى الله عليه وآله الكعبة المشرفة بعد الفتح: قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالا فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وذهب عني أن أسأله كم صلى. وهذا يدل على أن قول بلال - رضي الله عنه - أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالصلاة المعهودة، لا الدعاء ما ادعاه بعضهم. وفي كلام السهيلي في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنه صلى فيها ركعتين. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أخبرني أسامة بن زيد: أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين، أي بين الباب والحجر الذي هو الملتزم وقال: هذه القبلة. فبلال - رضي الله عنه - مثبت للصلاة في الكعبة، وأسامة - رضي الله عنه - ناف، والمثبت مقدم على النافي... (1). 2) قال ابن القيم: وذكر النسائي عن ابن عمر قال: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى، ولم يحفظ عنه في هذا الموضوع جلسة غير هذه، وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل حد مرفقه على فخذه وطرف يده على ركبتيه، وقبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقه ثم رفع إصبعه يدعو بها ويحركها، هكذا قال وائل بن حجر عنه. وأما حديث أبي داود، عن عبد الله بن الزبير، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا لا يحركها هكذا. فهذه الزيادة في صحتها نظر. وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في صحيحه عنه ولم يذكر الزيادة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة، جعل قدمه اليسرى بين فخذيه وساقه،

(هامش)

(1) إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون 3 / 31. (*)

ص 133

وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه. وأيضا: فليس في حديث أبي داود أن هذا كان في الصلاة، فلو كان في الصلاة لكان نافيا وحديث وائل مثبتا وهو مقدم، وهو حديث ذكره أبو حاتم في صحيحه (1). 3) قال المنيني: المشورة - بضم الشين لا غير كذا صححه الحريري في درة الغواص، قال البجاتي. وفي المصباح المنير: وفيها لغتان: سكون الشين وفتح الواو، والثانية: ضم الشين وسكون الواو وزان معونة، والمثبت مقدم على النافي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ (2). ترجمة المنيني وقد ترجم المرادي الشيخ أحمد المنيني المذكور بقوله: أحمد بن علي، الشيخ العالم العلم العلامة الفهامة، المفيد الكبير المحدث الإمام الحبر البحر، الفاضل المتقن المحرر المؤلف المصنف. كان ألمعيا لغويا أديبا أريبا حاذقا، لطيف الطبع حسن الخلال عشورا، متضلعا متطلعا متمكنا خصوصا في الأدب وفنونه، حسن النظم والنثر. ولد سنة 1098، طلب العلم بعد أن تأهل له، فقرأ على سادات أجلاء ذكرهم في ثبته، ومن تآليفه: شرح تاريخ العتبي في نحو أربعين كراسا، ألفه في رحلته الرومية بطلب من مفتي الدولة العثمانية في ذلك الوقت، وهو كتاب مفيد. تزاحمت عليه الأفاضل من الطلاب وكثر نفعه واشتهر فضله وعقدت عليه خناصر الأنام. وكانت وفاته يوم السبت تاسع عشر جمادى الثانية سنة 1172 (3).

(هامش)

(1) زاد المعاد 1 / 60. (2) الفتح الوهبي - شرح تاريخ أبي نصر العتبي 1 / 8. (3) سلك الدرر 1 / 133 - 145، ملخصا بلفظه. (*)

ص 134

4) قال ابن الوزير الصنعاني: المضعف للحديث، إذا لم يبين سبب التضعيف ناف، والمثبت أولى من النافي (1). أقول - وبالاضافة إلى ما تقدم -: تفيد بعض الكلمات أن عدم سماع أحد من أصحاب الحديث حديثا من الأحاديث وعدم تسليمه بصحته لا يكون قادحا بذاك الحديث... قال ابن القيم: قال أبو عمرو ابن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمة واحدة من حديث عائشة ومن حديث أنس، إلا أنها معلولة لا يصححها أهل العلم بالحديث، ثم ذكر علة حديث سعد: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة، وقال: هذا وهم وغلط، وإنما الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره، ثم ساقه من طريق ابن المبارك عن معصب بن ثابت، وعن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن شماله كأني أنظر إلى صفحة خده. قال الزهري: ما سمعنا هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له إسماعيل بن محمد: أكل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمعته؟ قال: لا؟ قال: فنصفه؟ قال: لا، قال: فاجعل هذا في النصف الذي لم تسمع (2). أقول: وإذا كان إنكار الزهري غير وارد، فإعراض البخاري ومسلم - المجرد عن كل إنكار - لحديث الغدير غير قادح بطريق أولى.

 3. الشهادة على النفي غير مسموعة

 إن الشهادة على النفي غير مسموعة لدى أهل العلم، قال (الدهلوي) في

(هامش)

(1) الروض الباسم في الذب عن أبي القاسم 1 / 79. (2) زاد المعاد 1 / 66. (*)

ص 135

(تحفته) ما هذا تعريبه: فإن أنكر الزجاج جر (جوار) مع وجود العاطف فلا يعبأ بإنكاره، لأن أئمة علماء العربية ومهرة الفن يجوزونه، ولأنه واقع في القرآن الكريم وكلام البلغاء من العرب. فشهادة الزجاج سببها قصور التتبع، وهي شهادة على النفي، والشهادة على النفي غير مقبولة . فإذا كان إنكار أحد العلماء - مهما كان جليلا وإماما في العلم - لا يقاوم إثبات المحققين، فإن الإعراض المحض عن ذكر حديث وعدم إخراجه لا يكون قادحا في ثبوته وصحته قطعا.

4. عدم النقل لا يدل على العدم

إن عدم النقل لا يدل على العدم، لا سيما إذا كان العلم بالأمر ضروريا بين الناس كافة. ويشهد بما ذكرنا قول الفاضل حيدر علي الفيض آبادي في كلام له: وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن الفاروق ونظرائه ناظروا الصديق الأكبر حول عزمه الواقع بالإلهام الإلهي على قتال مانعي الزكاة، فقالوا: إن مفاد الحديث النبوي ومقتضاه هو: أن من قال لا إله إلا الله فقد حقن دمه وماله، وأنت تريد قتال هؤلاء؟ فقال أبو بكر: هلا حفظتم ذيل الحديث إذ قال: إلا أن يكون القتال من أجل الكلمة؟ والزكاة من أركانها، والله لو فرق أحد بين الصلاة والزكاة لقاتلته. فقبل الأصحاب منه ذلك وهبوا للقتال طائعين. فلو فرضنا أنهم نصبوا قائدا لهم وأرسلوا - وغرضهم من ذلك ردع المرتدين - ثم لم يتذاكروا معهم على ذلك، وكفوا عن القتال عند الأذان - عملا بالسنة - فإن ذلك لا يدل على أن أحدا من المرتدين لم ينكر أداء الزكاة، بشيء من الدلالات الثلاث، فإن عدم الذكر ليس دليل العدم، ولا سيما عدم ذكر ما ثبت من قبل مكررا وكان حصول العلم به عند الناس ضروريا، بل إن اختفاء واستتار

ص 136

أمثال هذه الأمور المذكورة في مجاميع السنة، والجارية على ألسن الأصاغر والأكابر، من المحالات العادية... (1).

 5. عدم استيعاب الكتابين للصحاح

 ومن القائل بانحصار الأحاديث الصحيحة في الكتابين؟ البخاري ومسلم أم غيرهما؟ ومتى ثبت ذلك؟ وكيف؟ وما الدليل عليه؟ وهل يصح القول بأن كان حديث لم يخرجاه فهو ضعيف؟ إنا لا يسعنا إلا أن ننقل بعض النصوص الصريحة في الموضوع: 1) قال النووي - بعد ذكر إلزام الدارقطني وغيره الشيخين إخراج أحاديث تركا إخراجها، قائلين: إن جماعة من الصحابة رووا عن رسول الله، ورويت أحاديثهم من وجوه صحاح لا مطعن في ناقليها، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئا فيلزمهما إخراجها -: وصنف الدارقطني وأبو ذر الهروي في هذا النوع الذي ألزموهما، وهذا الالزام ليس بلازم في الحقيقة، فإنهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد [المصنف] في الفقه جمع جملة من مسائله (2). 2) قال القاضي الكتاني: لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما، وإلزام الدارقطني وغيره لهما أحاديث على شرطيهما لم يخرجاها، ليس بلازم في الحقيقة، لأنهما لم يلتزما استيعاب الصحيح بل جملة منه أو ما يسد مسده من غيره منه. قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول. وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، وإنما وضعت ما

(هامش)

(1) منتهى الكلام / 93 - 94. (2) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 1 / 37. (*)

ص 137

أجمعوا عليه. ولعل مراده ما فيه شرائط الصحيح المجمع عليه عنده، لا إجماعهم على وجودها في كل حديث منه، أو أراد ما أجمعوا عليه في علمه متنا أو اسنادا، وإن اختلفوا في توثيق بعض رواته، فإن فيه جملة أحاديث مختلف فيها متنا أو إسنادا، ثم قيل: لم يفتهما منه إلا القليل. وقيل: بل فاتهما كثير منه، وإنما لم يفت الأصول الخمسة: كتاب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي. ويعرف الزائد عليهما بالنص على صحته من إمام معتمد في السنن المعتمدة، لا بمجرد وجوده فيها، إلا إذا شرط فيها مؤلفها الصحيح ككتاب ابن خزيمة وأبي بكر البرقاني ونحوهما... (1). 3) قال عبد الحق الدهلوي: ليس الأحاديث الصحاح محصورة في كتابي البخاري ومسلم، فإنما لم يستوعبا الصحيح، بل إنهما لم يخرجا كل الأحاديث الواجدة لشرائط الصحة عندهما فكيف بمطلق الصحاح؟ قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول. وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، وإنما وضعت ما أجمعوا عليه (2). 4) قال الشمس العلقمي بشرح حديث: ما من غازية... ردا على من قدح فيه: وأما قولهم: إنه ليس في الصحيحين. فليس بلازم في صحة الحديث كونه في الصحيحين ولا في أحدهما (3). 5) قال ابن القيم - حول حديث أبي الصهباء في باب الطلاق -: فصل: وأما تلك المسالك الوعرة التي سلكتموها في حديث أبي الصهباء فلا يصح شيء منها: أما المسلك الأول - وهو انفراد مسلم بروايته وإعراض البخاري عنه -

(هامش)

(1) المنهل الروي في علم أصول حديث النبي: 6. (2) ترجمة المشكاة لعبد الحق الدهلوي. (3) الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير. حرف الميم - مخطوط. (*)

ص 138

فتلك شكاة ظاهر عنك عارها، وما ضر ذلك الحديث انفراد مسلم به شيئا، ثم هل تقبلون أنتم أو أحد مثل هذا في كل حديث ينفرد به مسلم عن البخاري؟ وهل قال البخاري قط: إن كل حديث لم أدخله في كتابي فهو باطل، أو ليس بحجة أو ضعيف؟ وكم قد احتج البخاري بأحاديث خارج الصحيح وليس لها ذكر في صحيحه؟ وكم صحح من حديث خارج عن صحيحه؟ (1). 6) قال حيدر علي الفيض آبادي: وبالجملة فإني في حيرة من جهة الاعتراض على الحنيفة بما يخالف أصولهم المقررة - من تلقاء النفس الأمارة والحكم بفساد مذهبهم، مع تصريح البخاري ومسلم بأنه لا ينبغي الاعتقاد بحصر الأحاديث الصحاح في كتابيهما . وبمثل هذا صرح في موضع آخر من كتابه أيضا (2).

نقد ورد

 وإذا عرفت عدم التزام البخاري ومسلم إخراج كافة الصحاح في كتابيهما وعرفت عدم استيعابهما الصحيح في مصنفيهما... فهلم معي وتعجب من أولئك الذي يقدحون في الأحاديث النبوية الشريفة بمجرد عدم وجودها في كتابي البخاري ومسلم... فهذا ابن تيمية الحراني يرد قول النبي صلى الله عليه وآله في حق أبي ذر - رضي الله عنه -: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، فيقول: والحديث المذكور بهذا اللفظ الذي ذكره الرافضي ضعيف بل موضوع وليس له إسناده يقوم به (3).

(هامش)

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 4 / 60. (2) منتهى الكلام / 27. (3) منهاج السنة 3 / 199. (*)

ص 139

ويرد قوله صلى الله عليه وآله: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة... بقوله: الوجه الرابع أن يقال أولا: أنتم قوم لا تحتجون بمثل هذه الأحاديث، إنما يروونه أهل السنة بأسانيد أهل السنة، والحديث نفسه ليس في الصحيحين، بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم وغيره، ولكن قد أورده أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجة، ورواه أهل المسانيد كالإمام أحمد وغيره... (2). وهذا شاه سلامة الله يطعن في الحديث المشهور وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الراية: كرار غير فرار ، فيقول: إن هذه الزيادة غير مذكورة في الصحيحين (3). وهذا الفاضل حيدر علي يرد على ما أخرجه الحافظ الزرندي عن عائشة: إنه قيل لها لما حضرتها الوفاة: ندفنك مع رسول الله؟ فقالت: أدفنوني مع أخواتي بالبقيع، فإني قد أحدثت أمورا بعده ، فيقول: لا نسلم صحة لفظ الأحداث عن أم المؤمنين، وسند المنع رواية البخاري، فإنها عارية منه وهي هذه: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - إنها أوصت إلى عبد الله بن الزبير لا تدفني معهما وادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكى به أبدا. فلا يدل الحديث على صدور الأحداث عن أم المؤمنين. وأما رواية صاحب الأعلام في الباب الثالث عشر في مرسلة (1). أقول: يكفي لدفع توهمات ابن تيمية وشاه سلامة الله وصاحب المنتهى ما قدمنا نقله من كلمات كبار علماء الحديث، وقد كرر الفاضل حيدر علي نفسه القول بعد التزام البخاري ومسلم باستيعاب الصحاح في كتابيهما. وأما زعم حيدر علي الفيض آبادي إرسال رواية (الأعلام) فظاهر البطلان،

(هامش)

(1) منهاج السنة 2 / 101. (2) معركة الآراء لشاه سلامة الله الهندي: 89. (3) منتهى الكلام لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: 126. (*)

ص 140

لأنه صاحبه أخرجها بكل جزم وقطع، وهذا نص عبارته: ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - وهي بنت ست سنين بمكة، في شوال قبل الهجرة بسنتين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين بالمدينة بعد الهجرة بسبعة أشهر في شوال، ولم ينكح بكرا غيرها، ومكثت عنده تسع سنين، ومات عنها صلى الله عليه وسلم فقالت: إدفنوني مع أخواتي بالبقيع فإني قد أحدثت أمورا بعده، وأوصت إلى عبد الله بن الزبير ابن أختها - رضي الله عنهما - (1). فالحافظ الزرندي، صاحب الأعلام، إنما لم يذكر الحديث بسنده لكونه جازما بصحته مسلما بثبوته... ومن قبله ابن قتيبة، حيث قال ما نصه: قال أبو محمد: ثم تزوج [النبي صلى الله عليه وسلم] عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بكرا ولم يتزوج بكرا غيرها، وكان تزوجه بها [إياها] بمكة وهي بنت ست سنين ودخل بها بالمدينة وهي بنت سبع سنين بعد سبعة أشهر من مقدمة المدينة، وقبض [رسول الله صلى الله عليه وسلم] وهي بنت ثماني عشرة سنة، وتكنى أم عبد الله قال ابن قتيبة: وحدثني أبو الخطاب، قال: حدثني مالك بن سعيد، قال: حدثني الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة [رضي الله عنها] قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت تسع سنين - تريد دخل بي - كنت عنده تسعا، وبقيت إلى خلافة معاوية، وتوفيت سنة ثمان وخمسين وقد قاربت السبعين، وقيل لها: ندفنك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إني قد أحدثت أمورا بعده، فادفنوني مع أخواتي، فدفنت بالبقيع وأوصت إلى عبد الله بن الزبير (2). وإن أبي الخصم إلا الحديث المسند. فهذه رواية الحاكم أبي عبد الله على شرط البخاري ومسلم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أبو البختري

(هامش)

(1) الأعلام بسيرة النبي عليه السلام - مخطوط. (2) المعارف / 134. (*)

ص 141

عبد الله بن محمد بن بشر العبدي، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: قالت عائشة - رضي الله عنها - وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا إدفنوني مع أزواجه، فدفنت بالبقيع. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1).

 6. لو أخرجاه لأنكره المتعنتون

 ولو أن البخاري ومسلما قد أخرجا حديث الغدير في كتابيهما، لأنكر المتعصبون المتعنتون الحديث ونفوا صحته وقدحوا فيه وأبطلوه:

 نماذج مما أخرجاه وأنكروه

 أليس قد أبطل أبو الحسن الآمدي حديث المنزلة (2) وهو من أحاديث الكتابين وتبعه في ذلك: ابن حجر المكي، وعضد الدين الإيجي، وأبو الثناء الاصفهاني شارح المطالع، وأشعر بذلك علاء الدين القوشجي، وأسقطه سعد الدين التفتازاني من درجة الاعتبار؟! أليس قد أبطل السهارنفوري في مرافضه، و(الدهلوي) في تحفته حديث هجر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما وآلهما وسلم أبا بكر بن أبي قحافة حتى توفيت، مع أنه في الصحيحين؟! وهذا نصه عند البخاري في باب فرض الخمس: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح، عن

(هامش)

(1) المستدرك على الصحيحين 4 / 6. (2) وهو قوله - صلى الله عليه وآله -: علي مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي . وهذا الحديث متواتر سندا، ومن أقوى الأحاديث وأوضحها دلالة على إمامة أمير المؤمنين - عليه السلام - بعد رسول الله - صلى الله عليهما وآلهما - بلا فصل. وهو من الأحاديث التي بحث عنها في هذه الموسوعة، وفقنا الله تعالى لنشره بمحمد وآله الطاهرين. (*)

ص 142

ابن شهاب [قال]: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن فاطمة [عليها السلام] بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت... (1). وقال البخاري في باب قوله صلى الله عليه وآله: لا نورث... عروة، عن عائشة: إن فاطمة والعباس [عليهما السلام] أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يومئذ [حينئذ] يطلبان أرضيهما من فدك وسهمه [سهمهما] من خيبر، فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركناه صدقه، إنما يأكل آل محمد من هذا المال، قال أبو بكر: والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته. قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت (2). وأخرج البخاري هذا الخبر بالتفصيل في باب غزوة خيبر من كتاب المغازي كما ستطلع عليه. وأخرجه مسلم أيضا في باب حكم الفئ من كتاب الجهاد. فالعجب من أهل السنة يسقطون أحاديث الكتابين الصريحة في غضب الصديقة الطاهرة عليها الصلاة والسلام على أبي بكر حتى وفاتها، متشبثين بروايات هذا وذاك، وهم مع ذلك يقدحون بحديث الغدير المتواتر بدليل عدم إخراج البخاري ومسلم إياه!! وهكذا طعن بعضهم في حديث امتناع أمير المؤمنين عليه السلام عن بيعة أبي بكر مدة ستة أشهر، بالرغم من أنه من أحاديث الكتابين، وذلك لأنه حديث

(هامش)

(1) صحيح البخاري 4 / 96. (2) صحيح البخاري 8 / 185. (*)

ص 143

يهدم أسا؟؟؟؟؟؟ الخلافة التي يزعمون قيامها بإجماع المسلمين....؟؟؟؟؟؟ ى الفاضل حيدر علي الفيض آبادي كيف يحاول الحصول على مطعن ف‍؟؟؟؟؟؟ الحديث متنا وسندا، وهو في نفس الوقت ممن يحترم الشيخين ويعظم؟؟ حيحين!. إنه يقول: نعم يمكن أن يفهم من ظاهر رواية الصحيحين قصة فدك - من حديث الصديقة أم المؤمنين - أنه قد أبى عن بيعة الصديق مدة حياة فاطمة الزهراء، فكما لا يكون هذا التباطؤ دليلا واضحا على عدم لياقة الصديق للخلافة، كذلك لا يكون دليلا واضحا على التخلف عن البيعة، لما روى الفريقان من: أنه قد أقسم أن لا يرتدي بعد رسول الله حتى يجمع القرآن - سوره وآياته - حفظا أو كتابة... وقد روي الحديث في الاستيعاب والصواعق من كتب أصحابنا، وفي الاحتجاج للفاضل الطبرسي وغيره من كتب الإمامية... . ثم قال المولوي حيدر علي بعد ذكر وجوه في توجيه تخلفه عليه السلام عن البيعة: فقد علم أن هذا التباطؤ المخرج في الصحيحين، غير قادح في الإجماع . قال: بقي كلام يتعلق بسند هذه الأحاديث، فأقول - أسوة بالبيهقي وغيره، كما هو غير خفي على من نظر في شروح البخاري مثل إرشاد الساري - إن هذا الحديث الدال على التأخر عن البيعة، يرويه أبو سعيد، وهو ضعيف وغير معتمد، لعدم إسناد الزهري، ورواية أبي سعيد التي مفادها بيعة أمير المؤمنين والزبير - رضي الله عنهما - في اليوم الأول مسندة وموصولة، فتكون هذه أصح ألبتة.. (1). أقول: إذا أردنا محاسبة هذا الكلام ومناقشته من جميع جوانبه، لخرجنا عن المقصود، غير أنا نكتفي بالقول بأن دعوى عدم إسناد الزهري الحديث كذب

(هامش)

(1) منتهى الكلام لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: 127. (*)

ص 144

محض، ففي الكتابين أن الزهري يروي هذه الأحاديث عن عروة، عن عائشة، قال البخاري في باب غزوة خيبر من كتاب المغازي: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة [عليها السلام] بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاءه الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا. فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر. فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي في الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية أن يحضر [لمحضر] عمر، فقال عمر: لا والله، لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي، والله لآتينهم. فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا، حتى فاضت عينا أبي بكر. فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهل [من أن أصل] قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم في هذه الأموال، فإني لم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته، فقال علي لأبي بكر: موعدكم العشية للبيعة.

ص 145

فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استعفر وتشهد علي فعظم حق أبي بكر، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضله الله به، ولكنا [كنا] نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا. فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت. وكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف (1). وفي مسلم: حدثني محمد بن رافع، قال: نا حجين، قال ليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة... الحديث (2). فظهر أن رواية الزهري موصولة، وأن دعوى القطع وعدم الاسناد فيها كذب صريح. وكذا نسبة هذه الرواية إلى أبي سعيد، فإنه قد روى الشيخان الخبر عن عائشة لا عن أبي سعيد... ومن العجيب في المقام أن المولوي حيدر علي يعزو نسبة هذا الحديث إلى أبي سعيد، إلى كتاب (إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري) والحال أنه لا أثر لذلك في الكتاب المذكور، وهذا نص كلام القسطلاني فيه: وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: إن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر، وأما ما في مسلم عن الزهري أن رجلا قال له: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة - رضي الله عنه - قال: ولا أحد من بني هاشم، فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح (3). هذا نص ما جاء في هذا الكتاب، فأين هذا من ذاك؟

(هامش)

(1) صحيح البخاري 5 / 177 - 178. (2) صحيح مسلم 5 / 153 - 154. (3) إرشاد الساري لصحيح البخاري 6 / 363. (*)

ص 146

والظاهر أن المولوي الفيض آبادي وجد هذه النسبة في كلام ابن حجر المكي، فحسبها مطابقة للواقع ونقلها - من دون مراجعة كتاب مسلم وكلمات المحدثين - مع غزوها إلى القسطلاني، وهذا نص كلام ابن حجر المكي بعد نقل الحديث: ثم هذا الحديث فيه التصريح بتأخير بيعة علي إلى موت فاطمة - رضي الله عنها -، فينافي ما تقدم عن أبي سعيد أن عليا والزبير بايعا من أول الأمر، ولكن هذا الذي مر عن أبي سعيد هو الذي صححه ابن حبان وغيره. وقال البيهقي: وأما ما وقع في صحيح مسلم عن أبي سعيد من تأخر بيعته هو وغيره من بني هاشم إلى موت فاطمة - رضي الله عنها - فضعيف، فإن الزهري لم يسنده. وأيضا: فالرواية الأولى عن أبي سعيد هي الموصولة فتكون أصح. إنتهى. وعليه فبينه وبين خبر البخاري المار عن عائشة - رضي الله عنها - تناف (1). فعلم أن ابن حجر احتج برواية عائشة الواردة مسندة في كتابي البخاري ومسلم، لإثبات فضيلة لأبي بكر، ثم ناقض نفسه بترجيح رواية أبي سعيد الخدري عليها، متمسكا بتصحيح ابن حبان لها وناقلا كلام البيهقي في تضعيف رواية مسلم، ولكن نسبة رواية مسلم إلى أبي سعيد الخدري خطأ فضيع، إما من البيهقي وإما من ابن حجر المكي نفسه. وعلى كل حال فإن تضعيف البيهقي لا مساس له بأصل الحديث، بل إنه متوجه إلى الفقرة التي جاءت مصرحة بتخلف جميع بني هاشم عن البيعة مع الإمام عليه السلام، وقد انفرد مسلم بروايتها كما يظهر من كتاب (جامع الأصول). فهو إذا لا مساس له بأصل الحديث الوارد مسندا عن عائشة في الكتابين، فإرجاعه إليه كما في كلام صاحب (المنتهى) باطل.

(هامش)

(1) الصواعق المحرقة: 90. (*)

ص 147

وبما ذكرنا يتضح أنه متى كان الحديث مؤيدا للإمامية، وجهوا إليه أنواع القدح، وتكلفوا في رده حتى مع كونه من أحاديث الكتابين. ولقد اضطرب المولوي حيدر علي، تجاه الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب المغازي، والذي تضمن قصة فدك وهجر الزهراء عليها السلام أبا بكر، وامتناع أمير المؤمنين عليه السلام عن البيعة مدة ستة أشهر، فجاء يقدم رجلا ويؤخر أخرى حيران لا يدري ما يصنع... لكنه بالتالي لم يجد بدا من إبطاله، فبالغ في ذلك، وكد كيده في رد هذا الحديث الصحيح، ونفي تلك الحقيقة الراهنة، فجعل يقول: وأنت إذا أحطت خبرا بما مر وما سيأتي من أقوال المخالفين... علمت أن جميع تلك الاشكالات إنما تتوجه على تقدير صحة الحديث، لكن المستفاد من كتب المحدثين - بعد التمحيص والتحقيق - وقوع الشك في صحة أحاديث للبخاري ومسلم، إلا أن تلك الأحاديث قليلة جدا، وهي في الكتاب الثاني أكثر منه في الأول. وعلاوة على هذا، فإن لابن الأثير - رحمه الله - كلاما في جامع الأصول، في الفرع الثالث المختص بطبقات المجروحين، يدل على إقرار بعض الوضاعين بوضع حديث فدك، وهذا نص كلامه: ومنهم قوم وضعوا الحديث لهوى يدعون الناس إليه، فمنهم من تاب عنه وأقر على نفسه، قال شيخ من شيوخ الخوارج - بعد أن تاب -: إن هذه الأحاديث دين، فانظروا ممن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا. وقال أبو العينا: وضعت أنا والجاحظ حديث فدك، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي، فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله، وأبى أن يقبله إلى آخره بلفظه.

ص 148

ويمكن الوقوف بعد التتبع اليسير لكتب الحديث والكلام، من تصانيف أهل الحق والامامية، على مفتريات الشيعة ومطاعنهم في الخلفاء الراشدين، ولا سيما الأحاديث المتعلقة بقصة فدك، وذلك بوصف التسنن والاعتزال، وقد سبق أن معرفة هؤلاء وإخراجهم من بين أهل السنة أمر عسير... (1). فإذا كان هذا الحديث المخرج في مواضع من كتاب البخاري موضوعا فأي قيمة تبقى لهذا الصحيح وللبخاري!؟ وبأي دليل يقال: إن كل حديث لم يخرجاه فهو غير صحيح؟ ثم إن المولوي حيدر علي عاد في كتابه مرة أخرى ليثبت بصراحة وجود أحاديث موضوعة في صحيح البخاري وغيره، قد دسها فيه الشيعة، فقال: ... وبما أن هذه الرواية تخالف الدراية والروايات الأخرى، فإنه لا يمكن الاعتماد عليها، أفهل يصدق عاقل دين بعدم مبايعة أمير كل أمير، المصداق ل‍ علي مع الحق والحق مع علي مدة ستة أشهر ليكون - والعياذ بالله - من مصاديق قوله صلى الله عليه وسلم: من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية على ما سنحققه، إن شاء الله تعالى (2). * * * وتصدى هذا الفاضل لرد حديث القرطاس - المخرج في سبعة مواضع من البخاري، وبثلاثة طرق عند مسلم - زاعما أنه من مفتعلات الشيعة نظير حديث فدك على حد زعمه... فقال: كما نقل ناقضوا هفوات المشهدي عن الآمدي أنه قال في مسنده بأن قصة إيتوني بقرطاس لا أساس لها من الصحة، وأنهم نقلوا عن شيوخ المحدثين أنه قد ظهر بعد التحقيق وجود مائتين وعشرة أحاديث ضعيفة في الصحيحين، تفرد

(هامش)

(1) إزالة الغين لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: 582. (2) إزالة الغين لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: 589. (*)

ص 149

منها البخاري بثمانين، ويبلغ ما تفرد به مسلم المائة، وقد اشتركا في إخراج ثلاثين. إنتهى. فحال حديث القرطاس عند أحقر الناس كحديث فدك (1). أقول: وعلى هذا الأساس يسقط الاستدلال بعدم إخراجهما حديثا من الأحاديث لغرض القدح فيه... * * * وقال في الجواب على ما ألزم به من أن الحنفية يخالفون أحاديث البخاري: المغالطة الأولى: إن أصحاب أبي حنيفة قد ذهبوا إلى الملازمة بين صحة حديث البخاري ووجوب العمل به، ثم وقعوا في ورطة فقالوا: إما أن تكون أعمال الحنفية مخالفة للأحكام الإلهية، وإما أن يكون أكثر أحاديث البخاري غير صحيح. ولكن هذا التقرير إنما جاء نتيجة غلبة الشهوة على العقل، وإلا فكون العلم بكل حديث ورد في البخاري واجبا، يخالف صريح كلمات العلماء الأعلام، قال شيخ الإسلام أبو زكريا النووي في التقريب ما حاصله: ليس كل حديث صحيح يجوز العمل به فضلا عن أن يكون العمل به واجبا، ويمكن الوقوف على أدلة هذه المسألة من شروحه كالتهذيب وغيره بالتفصيل، بل إن كلام قدوة المحدثين والفقهاء المتبحرين، كمال الدين ابن همام، يتلخص في: أنه لا يلزم قبول كل أحاديث البخاري ومسلم وأمثالهما، إذ أن هناك خلافا في عدالة بعض الرواة، فيمكن أن يكون الراوي مجروحا عند الإمام أبي حنيفة وموثقا عند الشيخين، وهكذا أن يقول في حديث وصف بالضعف أو رمي بالوضع على الإطلاق: إنه غير ضعيف أو غير موضوع عندنا. إنتهى. بل يتضح من كتب الثقات: أن علماء الشافعية ربما يرجحون في بعض

(هامش)

(1) إزالة الغين لحيدر علي الفيض آبادي الهندي: 593. (*)

ص 150

الموارد روايات الآخرين على روايات البخاري، بل ذكر علي الجيلاني الشيعي في فتح السبل - والعهدة عليه -: أن الإمام فخر الدين الرازي قد طعن في بعض أحاديث البخاري في رسالته في تفضيل مذهب الشافعي. إنتهى. ولكن ما ذكرناه كله لا ينافي القول بأصحية صحيح البخاري من حيث المجموع، وأنه يجوز عقلا ونقلا توفر صفة كمال في المفضول دون الفاضل، كما لا يخفى . قال: إنه يظهر من تتبع الكتب وتفحص المقالات أن الشأن الذي خص به الصحيحان من قبل أهل الحديث، وتقديمهم الكتابين على غيرهما من الكتب، إنما هو اتباع وتقليد لمجتهدين سبقوهم، إذ لم ينقل شيء هذا القبيل عن الأئمة الأئمة الأربعة، وكيف يتصور ذلك، وعلم الغيب يختص بالله، أو أنه من خصائص الإمامة على زعم الشيعة... (1).

 7. رأي الأئمة في الكتابين ومؤلفيهم

 لقد رأينا كيف يطعن علماء أهل السنة في أحاديث الكتابين عند تحرجهم أمام إلزام الشيعة. ولنذكر فيما يلي كلمات جماعة من كبار الأئمة والحفاظ في الحط من شأن الكتابين ومؤلفيهما من غير اضطرار يلجئهم إلى ذلك، بل إنها الحقيقة التي تجري على ألسنتهم، فإليك بعض تلك الكلمات على سبيل التمثيل لا الحصر:

 1) محي الدين عبد القادر القرشي الحنفي

 قال الشيخ محي الدين عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي ما نصه: فائدة - حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسلم وغيره، يشتمل على أنواع منها التورك في الجلسة الثانية،

(هامش)

(1) منتهى الكلام / 27. (*)

ص 151

ضعفه الطحاوي لمجيئه في بعض الطرق عن رجل، عن أبي حميد، قال الطحاوي: فهذا منقطع على أصل مخالفينا وهم يروون الحديث بأقل من هذا. قلت: ولا يحنق علينا لمجيئه في مسلم، وقد وقع في مسلم أشياء لا تقوى عند الاصطلاح، فقد وضع الحافظ الرشيد العطار على الأحاديث المقطوعة المخرجة في مسلم كتابا سماه ب‍ غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة سمعته على شيخنا أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله الطاهري سنة اثنتي عشر وسبعمائة، بسماعه من مصنفه الحافظ رشيد الدين، بقراءة الشيخ فخر الدين أبي عمرو عثمان المقابلي، وبينها الشيخ محي الدين في أول شرح مسلم. وما يقوله الناس: إن من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضا من التحنق ولا يقوى، فقد روى مسلم في كتابه عن ليث بن أبي مسلم وغيره من الضعفاء، فيقولون: إنما روى في كتابه للاعتبار والشواهد والمتابعات، وهذا لا يقوى، لأن الحفاظ قالوا: الاعتبار والشواهد والمتابعات والاعتبارات، أمور يتعرفون بها حال الحديث، وكتاب مسلم التزم فيه الصحة، فكيف يتعرف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة. واعلم أن عن مقتضية للانقطاع عند أهل الحديث، ووقع في مسلم والبخاري من هذا النوع شيء كثير، فيقولون على سبيل التحنق: ما كان من هذا النوع في غير الصحيحين فمنقطع، وما كان في الصحيحين فمحمول على الاتصال. وروى مسلم في كتابه، عن أبي الزبير، عن جابر، أحاديث كثيرة بالعنعنة وقال الحافظ: أبو الزبير محمد بن مسلم بن مسلم بن تدرس المكي يدلس في حديث جابر، فما كان يصفه بالعنعنة لا يقبل، وقد ذكر ابن حزم وعبد الحق عن الليث بن سعد أنه قال لأبي الزبير: علم لي أحاديث سمعتها من جابر حتى أسمعها منك، فعلم لي أحاديث أظن أنها سبعة عشر حديث فسمعتها منه، قال

ص 152

الحافظ: فما كان من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر، صحيح. وقد روى مسلم في كتابه أيضا، عن جابر وابن عمر، في حجة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم توجه إلى مكة يوم النحر، وطاف طواف الافاضة ثم رجع فصلى الظهر بمنى، فيتحنقون ويقولون: أعادها لبيان الجواز وغير ذلك من التأويلات، ولهذا قال ابن حزم في هاتين الروايتين: إحداهما كذب بلا شك. وروى مسلم أيضا حديث الإسراء وفيه: وذلك قبل أن يوحى إليه وقد تكلم الحافظ في هذه اللفظة وبينوا ضعفها. وروى مسلم أيضا: خلق الله التربة يوم السبت . واتفق الناس على أن يوم السبت لم يقع فيه خلق. وروى مسلم عن أبي سفيان أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم: يا رسول الله! أعطني ثلاثا، تزوج ابنتي أم حبيبة، وابني معاوية اجعله كاتبا وأمرني أن أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم والحديث معروف مشهور، وفي هذا من الوهم ما لا يخفى، فأم حبيبة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بالحبشة وأصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار، وحضر وخطب وأطعم، والقصة مشهورة، وأبو سفيان إنما أسلم عام الفتح وبين الهجرة والحبشة والفتح عدة سنين، ومعاوية كان كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم من قبل، وأما إمارة أبي سفيان فقد قال الحافظ: إنهم لا يعرفونها. فيجيبون على سبيل التحنق بأجوبة غير طائلة، فيقولون في نكاح ابنته: إعتقد أن نكاحها بغير إذنه لا يجوز وهو حديث عهد بكفر، فأراد من النبي صلى الله عليه وسلم تجديد النكاح، ويذكرون عن الزبير بن بكار بأسانيد ضعيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره في بعض الغزوات، وهذا لا يعرف. وما حملهم على هذا كله، إلا بعض التعصب، وقد قال الحافظ: إن مسلما لما وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي، فأنكر عليه وقال: سميته الصحيح فجعلت سلما لأهل البدع وغيرهم، فإذا روى لهم المخالف حديثا

ص 153

يقولون هذا ليس في صحيح مسلم. فرحم الله تعالى أبا زرعة فقد نطق بالصواب، فقد وقع هذا. وما ذكرت ذلك كله إلا أنه وقع بيني وبين بعض المخالفين بحث في مسألة التورك فذكر لي حديث أبي حميد المذكور أولا، فأجبته بتضعيف الطحاوي، فما تلفظ وقال: مسلم يصحح والطحاوي يضعف، والله تعالى يغفر لنا وله، آمين (1). ترجمة عبد القادر القرشي ترجم له الحافظ السيوطي بقوله: عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم، محيي الدين أبو محمد بن أبي الوفا القرشي، درس [وأفتى] وصنف: شرح معاني الآثار، وطبقات الحنفية، وشرح الخلاصة، وتخريج أحاديث الهداية، وغير ذلك. ولد سنة ست وسبعين وستمائة، ومات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة (2). وقال محمود بن سليمان الكفوي بترجمته: المولى الفاضل والنحرير الكامل عبد القادر، كان عالما فاضلا، جامعا للعلوم، له مجموعات وتصانيف وتواريخ ومحاضرات وتواليف... (3).

 2) علي القاري

 وذكر الملا علي بن سلطان القاري الفوائد التي ذكرها القرشي المذكور، وبالغ في هذا المرام بعبارات تشبه عباراته، فقد قال في كتاب الرجال على ما نقل صاحب النزهة - طاب ثراه -: وقد وقع منه (مسلم بن الحجاج) أشياء لا تقوى

(هامش)

(1) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2 / 428 - 430. (2) حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة 1 / 471. (3) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار للكفوي، وله ترجمة الدرر الكامنة 2 / 392 وشذرات الذهب 6 / 238، وتاج التراجم / 28، وغيرها. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب