نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

الصفحة السابقة

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 404

الدنيا مبطل، إذ لا يأتي أحد منكرا إلا وقد أهب له عذرا، وهؤلاء عبدة الأوثان قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى... (1). أقول: فظهر أن القدح في حديث الغدير الصحيح المتواتر، ليس إلا من التعصب المقيت والنصب الشديد والجحد للفضائل العلوية والسعي وراء إخفائها وإطفاء نورها... ودعوى أن ذلك منهم من باب النقد والتحقيق لا التعصب والبغض واضحة البطلان. فإن مثل من ينكر فضائل علي الصحيحة كمثل من ينكر فضائل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحيحة ومعاجزه الثابتة، ويعين اليهود والنصارى على إنكارها ويستند إلى خرافاتهم وهفواتهم في ردها فهل يقال: هذا محقق ناقد، أو يقال: إنه كافر ملحد؟ وكيف لا يكون الرازي وأمثاله نواصب والحال أنهم يقدحون في حديث الغدير الثابت الصحيح، ويشاركون النواصب ويساعدونهم في إبطاله وينقلون كلماتهم في كتبهم مستدلين بها ومستندين إليها؟ والواقع أن هؤلاء كلهم نواصب معادون لأمير المؤمنين - عليه السلام - وإن تستروا بستار التسنن... وكيف لا يكونون كذلك، والحال أن بعضهم يقدح في فضائل على كلها - على كثرتها حتى قال أحمد بن حنبل كما في (الصواعق) وغيره: إنه لم يرد في أحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الحسان ما ورد في حقه - وهم يثبتون لغيره من الفضائل ما أدرجه أئمتهم في الموضوعات ونصوا على بطلانها؟ وهذا ابن تيمية، ينقل كلاما لابن حزم ويقرره في أنه لم يصح من فضائل علي إلا ثلاثة أحاديث، وهذا نص كلامه:

(هامش)

(1) الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: 118. (*)

ص 405

قال أبو محمد ابن حزم: الذي صح في فضائل علي فهو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وقوله: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. وهذه صفة واجبة لكل مسلم مؤمن وفاضل. وعهده - صلى الله عليه وسلم -: إن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق. وقد صح مثل هذا في الأنصار - رضي الله عنهم - أنه لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر. وأما من كنت مولاه لعلي مولاه، فلا يصح من طريق الثقات أصلا. وأما سائر الأحاديث التي تتعلق بها الروافض، فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها. فإن قيل: فلم لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله: إنك مني وأنا منك. وحديث المباهلة والكساء؟ قيل: مقصود ابن حزم الذي في الصحيحين من الحديث الذي لا يذكر فيه إلا علي، وأما تلك ففيها ذكر غيره (1). فهذا كلامه لكنهم يناقشون في دلالة حديث المنزلة، بل زعم يوسف الأعور دلالته على الذم دون المدح والفضل، والعياذ بالله. وأما حديث خيبر، فقد رأيت ما يدعيه ابن حزم حوله في الكلام المذكور. وأما الحديث الثالث، فقد زعم عدم اختصاص تلك المنزلة بالامام - عليه السلام - وأنه قد صح مثله في الأنصار. فأي عناد أبلغ من هذا يا منصفون؟!

التشنيع على رد الأحاديث

 هذا، وغير خفي على من له أدنى علم بالأحاديث والآثار وكلمات العلماء

(هامش)

(1) منهاج السنة 4 / 86. (*)

ص 406

الأعلام، شناعة رد الأحاديث النبوية وفضاعة إنكارها وجحدها... قال نور الدين السمهودي: أخرج البيهقي عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل. فقال معاوية: ما أرى بأسا، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها. قال البيهقي: قال الشافعي: فرأى أبو الدرداء الحجة تقوم بخبره، ولما لم ير معاوية ذلك، فارق أبو الدرداء الأرض التي هو بها إعظاما، لأنه ترك خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشافعي: وأخبرنا أن أبا سعيد الخدري لقي رجلا فأخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فخالفه. فقال أبو سعيد: والله لا آواني وإياك سقف بيت أبدا (1). أقول: فإذا كان رد خبر واحد بهذه المثابة من الشناعة، فإن شناعة إنكار الحديث المتواتر أكثر وأشد كما هو واضح. وقال الذهبي: قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي: ثنا الفضل بن زياد، سمعت أحمد بن حنبل يقول: من رد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة (2). أقول: فظهر بحمد الله أن المنكرين لحديث الغدير الذي أخرجه جمع من المشاهير - ومنهم هذا الإمام النحرير - من الهلاك على شفير. وقال السيوطي: قال أبو معاوية الضرير، ما ذكرت النبي - صلى الله عليه

(هامش)

(1) جواهر العقدين - مخطوط. (2) سير أعلام النبلاء 11 / 297. (*)

ص 407

وسلم - بين يدي الرشيد إلا قال: صلى الله على سيدي. وحدثته بحديثه - صلى الله عليه وسلم -: وددت أني أقاتل في سبيل الله، فأقتل ثم أحيى فأقتل: فبكى حتى انتحب. وحدثته يوما حديث: إحتج آدم وموسى. وعنده رجل من وجوه قريش فقال القرشي: فأين لقيه؟ فغضب الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -!! قال أبو معاوية: فما زلت أسكنه وأقول يا أمير المؤمنين كانت منه بادرة، حتى سكن (1). أقول: وإذا كان قول الرجل في حديث احتجاج آدم وموسى فأين لقيه دليل الكفر واستحقاق القتل والعقاب، فإن إنكار الرازي واهتمامه في إبطال حديث الغدير يستوجب ذلك بالأولوية القطعية. وقال الذهبي: وقال الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل، قال: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لا يأخذ بحديث البيعان بالخيار، فقال: يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. قال أحمد: ومالك لم يرد الحديث لكن تأوله (2). أقول: وظاهر كلام أحمد في هذا المقام، استحقاق مالك القتل إن كان قد رده رد إنكار ولم يتب، وإذا كان هذا حكم رد حديث من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ولو كان الراد مالك بن أنس على جلالته وعظمته، فإن منكر حديث الغدير، وهو أجل من حديث البيعان بالخيار من جميع الجهات، يستحق الحكم المذكور - إن لم يتب - بالأولوية القطعية. وقال ابن قيم الجوزية - بعد حديث طويل رواه عن عبد الله بن أحمد بن حنبل في ذكر قدوم وفد بني المنتفق -: هذا حديث كبير جليل ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة لا يعرف إلا من حديث

(هامش)

(1) تاريخ الخلفاء 1 / 111. (2) تذهيب التهذيب - مخطوط. (*)

ص 408

عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، رواه عنه إبراهيم بن ضمرة الزبيري، وهما من كبار أهل المدينة ثقتان محتج بهما في الصحيح، إحتج بهما إمام الحديث محمد بن إسماعيل البخاري... وقال ابن مندة: روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصغاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما، وقد رواه بالعراق بمجمع من العلماء وأهل الدين جماعة من الأئمة، مهم أبو زرعة الرازي، وأبو حاتم، وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل، ولم ينكره أحد ولم يتكلم في إسناده، بل رووه على سبيل القبول والتسليم، ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد جاهل أو مخالف للكتاب والسنة. هذا كلام أبي عبد الله ابن مندة - رحمه الله - (1). أقول: فإذا كان هذا حال منكر هذا الحديث - مع أنه لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة، كما نص عليه ابن القيم - فلا ريب في ثبوته لمن أنكر حديث الغدير المتواتر بالأولوية القطعية. وقال أبو طالب محمد بن علي المكي * المترجم له في مرآة الجنان حوادث سنة 386 وغيره * في كتابه (قوت القلوب): وفي رد أخبار الصفات بطلان شرائع الإسلام من قبل أن الناقلين إلينا ذلك هم ناقلوا شرائع الدين وأحكام الإيمان، فإن كانوا عدولا فيما نقلوه من الشريعة، فالعدل مقبول القول في كل ما يقوله، وإن كانوا كذبوا فيما نقلوا من أخبار الصفات فالكذاب مردود القول في كل ما جاء، والكذب على الله تعالى كفر، فكيف تقبل شهادة كافر! وإذا جاز أن يجترأوا على الله سبحانه بأن يزيدوا في صفاته ما لم يسمعوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم أن يكذبوا على الرسول فيما نقلوا من الأحكام أولى. ففي ذلك إبطال الشرع وتكفير النقلة من الصحابة والتابعين بإحسان، فذلك كفر أهل الحديث من نفى أخبار الصفات .

(هامش)

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 3 / 56. (*)

ص 409

أقول: وبهذا الأسلوب من الاستدلال نستدل في المقام، لأن حديث الغدير ليس أدنى مرتبة من أخبار الصفات... وقال أبو سعد السمعاني: البترية بفتح الباء الموحدة وسكون التاء ثالث الحروف وفي آخرها الراء. هذه النسبة لجماعة من الشيعة من الفرقة الزيدية، وهي إحدى الفرق الثلاث من الزيدية وهي الجارودية والسليمانية والبترية. وأما البترية فهم أصحاب كثير النوا والحسن بن صالح بن حي، وقولهم كقول سليمان، غير أنهم توقفوا في عثمان - رضي الله عنه - وأمره وحاله. وأظللنا هذه الطائفة لأنهم شكوا في إيمان عثمان - رضي الله عنه - وأجازوا كونه كافرا من أهل النار، ومن شك في إيمان من أخبر النبي - عليه السلام - أنه من أهل الجنة فقد شك في صحة خبره. والشاك في خبره كافر. وهذه الفرق الثلاثة من الزيدية يكفر بعضهم بعضا، لأن الجارودية أكفرت أبا بكر وعمر، والسليمانية والبترية أكفرت من أكفرهما (1). أقول: وإذا كان الشاك في خبر النبي - صلى الله عليه وآله - كافرا ، فإن منكره - ولا سيما مثل حديث الغدير - كافر بالأولوية القطعية. ومن العجيب أن يحكم بكفر الشاك في إيمان عثمان مع احتمال أن لا يكون حديث إخبار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه من أهل الجنة صحيحا عنده وعند أتباعه فضلا عن أن يكون متواترا - ولا يحكم بكفر من ينكر حديث الغدير الذي رواه أهل مذهبه - خلفا عن سلف في جميع الطبقات وصرح أئمة علمائهم بتواتره؟ بل ولا ينسب إلى التعصب ولا يوصف بالتعسف؟ وقال ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي: وفي المضمرات في كتاب الشهادات: من أنكر الخبر الواحد والقياس وقال: إنه ليس بحجة، فإنه يصير

(هامش)

(1) الأنساب - البترية. (*)

ص 410

كافرا. ولو قال: هذا الخبر غير صحيح وهذا القياس غير ثابت، لا يصير كافرا ولكن يصير فاسقا (1). أقول: فمن أنكر الخبر المتواتر يصير كافرا بالأولوية القطعية. وقال المولوي عبد الحليم في (نظم الدرر في سلك شق القمر): إعلم أنه تقدم أن حديث شق القمر خبر مشهور أو متواتر، فعلى الأول منكره يضلل وعلى الثاني يكفر... فإن الأخبار المروية عنه - صلى الله عليه وسلم - على ثلاث مراتب كما بينته في شرح النخبة، ونخبته ههنا، أنه إما متواتر وهو ما رواه جماعة عن جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب، فمن أنكره كفر. أو مشهور، وهو ما رواه واحد ثم جمع عن جمع لا يتصور توافقهم على الكذب، فمن أنكره كفر عند الكل إلا عيسى بن أبان، فإن عنده يضلل ولا يكفر وهو الصحيح. أو خبر الواحد وهو أن يرويه واحد عن واحد، فلا يكفر جاحده غير أنه يأثم بترك القبول، إذا كان صحيحا أو حسنا. وفي الخلاصة: من رد حديثا قال بعض مشايخنا يكفر، وقال المتأخرون: إن كان متواترا كفر. أقول: هذا هو الصحيح إلا إذا كان رد حديث الآحاد من الأخبار على وجه الاستخفاف والانكار . أقول: وبناء عليه أيضا يكفر منكر حديث الغدير، لما تقدم من ثبوت تواتره حسب كلمات فحول العلماء الأعيان. ولو تنزلنا عن ذلك، فلا ريب في شهرته، فمنكره يضلل. وقال علي بن سلطان القاري، في رسالته في الرد على إمام الحرمين الجويني: ومنها قوله: إن من توضأ بنبيذ التمر، فقد جعل نفسه شهرة للعالمين وأنكالا للخلق أجمعين، ونسب مثل هذا القول إلى القفال، زعما منه أنه من العاقلين

(هامش)

(1) هداية السعداء - مخطوط. (*)

ص 411

الكاملين، مع أن هذا موجب لكفر الطاعنين والقائلين، فإن الإمام أبا حنيفة - رضي الله عنه - لم يذهب إلى هذه القول برأيه، بل بما ثبت عنده من الأحاديث المروية عن سيد المرسلين بواسطة أجلاء أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين - وليس منفردا به أيضا بين المجتهدين، إذ ذهب إليه سفيان الثوري وعكرمة أيضا من التابعين... . أقول: فإذا كان طعن الطاعنين على القول بجواز التوضي بنبيذ التمر موجبا لكفرهم، لثبوت هذا الحكم بالأحاديث المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حسب زعمه، فكيف لا يكفر الطاعن في حديث الغدير يا منصفون؟ وإذا كان قد وافق سفيان وعكرمة أبا حنيفة في هذه الفتوى، فإن حديث الغدير متواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مشهور لدى جميع المحدثين، ورواه كلهم خلفا عن سلف في جميع الطبقات، واعتنوا به وجمعوا طرقه وألفاظه في كتبهم المختلفة وأسفارهم المعتبرة... وقال الشاه ولي الله الدهلوي في (التفهيمات الإلهية): تفهيم - من كان مقلدا لواحد من الأئمة وبلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف قوله في مسألة وغلب على ظنه أن ذلك نقل صحيح فليس له عذر في أن يترك حديثه - عليه السلام - إلى قول غيره، وما ذلك شأن المسلمين ويخشى عليه النفاق إن فعل ذلك . أقول: فإذا لم يكن من شأن المسلمين ترك حديث غلب على ظنه أن ذلك نقل صحيح، وأنه يخشى على فاعله النفاق، فإن رد مثل حديث الغدير الصحيح المتواتر، يوجب الخروج من عداد المسلمين والدخول في زمرة المنافقين قطعا... وقال الفضل بن روزبهان - في الجواب عن قول العلامة الحلي - رحمه الله - روى الجمهور أنه - عليه السلام - لما برز إلى عمرو بن عبدود العامري في غزاة الخندق، وقد عجز عنه المسلمون، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم برز الإيمان كله إلى الكفر كله - قال الفضل:

ص 412

أقول: إنه صح هذا أيضا في الخبر، وهذا أيضا من مناقبه وفضائله التي لا ينكرها إلا سقيم الرأي ضعيف الإيمان، ولكن الكلام في إثبات النص وهذا لا يثبته . أقول: فمنكر حديث الغدير سقيم الرأي ضعيف الإيمان بالأولوية القطعية...

 لم يتكلم في صحة حديث الغدير إلا متعصب جاحد

 هذا كله... بالاضافة إلى أن جماعة من كبار علماء أهل السنة نصوا بالنسبة إلى خصوص حديث الغدير على أنه لم يتكلم في صحته إلا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله... فقد قال الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشي: هذا حديث صحيح مشهور، ولم يتكلم في صحته إلا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله، فإن الحديث كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وقد نص الذهبي على كثير من طرقه بالصحة، ورواه من الصحابة عدد (1). أقول: فتبين أن البخاري وأبا حاتم الرازي وابن أبي داود وإبراهيم الحربي وابن حزم والفخر الرازي وأمثالهم، متعصبون جاحدون لا اعتبار بقولهم... ولله الحمد على ذلك. وقال شمس الدين ابن الجزري بعد أن صرح بتواتر حديث الغدير: ولا عبرة بمن حاوله تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم (2). وقال (الدهلوي) في الجواب عن حديث الغدير: قالت النواصب - خذلهم الله -: هذا الخبر على تقدير صحته، منسوخ بما صح عندكم في الصحاح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما

(هامش)

(1) نزل الأبرار: 21. (2) أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 3. (*)

ص 413

ولي الله وصالح المؤمنين. وأجاب أهل السنة: إن اسم أبي طالب ليس في صحاحنا وإنما لفظ الحديث: إن آل أبي فلان فلعله أراد أبا لهب وهو مذهب أكثر أهل السنة، حيث خصصوا لخمس بما عدا أولاده، وإن ذكره، بعض النواصب في روايته فلا يكون حجة علينا: قالوا: قد صح عن عمرو بن العاص أنه ذكر أبا طالب. قلنا لم يصح عندنا وإنما صح عندكم، ولو فرض صحته فالمراد من آله من لم يكن حينئذ مؤمنا كأبي طالب وبنيه، لا سيدنا ومولانا علي وأخواه جعفر وعقيل حتى يصح دعوى نسخ قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأيضا: دعوى النسخ إنما يمكن إذا علم التاريخ. وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبرين من باب الأخبار، والأخبار لا يحتمل النسخ. ورده النواصب: إن الخبر متى تضمن حكما قوله: *(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الوصية للوالدين والأقربين)* ونحوه، صح نسخه. وقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، على تقدير صحته من هذا القبيل، فإنه يتضمن إيجاب محبته (1). أقول: فظهر أن رد هذا الحديث من صنيع النواصب، لكن الرازي ومن تبعه أسوء حالا من النواصب، لأنهم اعتقدوا بطلان حديث الغدير وحاولوا رده بكل جهدهم، أما النواصب فإنهم ناقشوا فيه وأجابوا عنه على تقدير صحته فإنهم غير جازمين ببطلانه...

محمد محسن الكشميري

 وجاء محمد محسن الكشميري، ففاق من سبقه في الوقاحة وسبقهم في التعصب والعناد، فقال في الجواب عن حديث الغدير: وأما عن الحديث فبوجوه: أما أولا فبأن المهرة كأبي داود وأبي حاتم الرازي قد ضعفوا هذا الحديث، وما أخرجه إلا أحمد بن حنبل في مسنده، وهو مشتمل على الصحيح والضعيف وليس من الصحاح، كما صرح به مهرة فن الحديث، فهو

(هامش)

(1) حاشية التحفة. (*)

ص 414

خبر واحد ضعيف، فلا يصح للحجية في الأصول سيما في أصل الدين، ولم يخرج غيره من الثقات إلا الجزء الأخير من قوله: اللهم وال من والاه (1).

 وجوه الجواب عن كلام الكشميري

 وهذا الكلام يشتمل على هفوات وأكاذيب، فالجواب عنه بوجوه: 1) نسبة التضعيف إلى أبي داود كذب. لقد علمت فيما سبق مرارا أن نسبة تضعيف حديث الغدير إلى أبي داود كذب محض وبهتان بحت. نعم ضعفه ابنه - الكذاب - لكن الكشميري نسب ذلك إلى الأب بدلا عن الابن، تقليدا لبعض أسلافه المغفلين المتعصبين... 2) بطلان التمسك بتضعيف أبي حاتم. وعلمت فيما سبق بطلان مزاعم أبي حاتم وأمثاله حول حديث الغدير وسخافة الخرافات التي تمسكوا بها لتضعيفه.. وهل المهارة في الحديث تختص بهذين الرجلين؟ وهل تختص بمن يقدح في فضائل أمير المؤمنين - عليه السلام -؟ ولكن لا عجب من صدور هذه الترهات من هذا الرجل بعد صدورها من الرازي والتفتازاني وغيرهما... 3) قوله: ما أخرجه إلا أحمد. وقوله: ما أخرجه إلا أحمد بن حنبل في مسنده، كذب صريح وتعصب فضيح، يكشف عن شدة عداء الرجل، وكثرة جهله وجحده، حتى أن أسلافه المتعصبين الجاحدين أبوا عن التفوه بهذه الدعوى الكاذبة. 4) قوله: وهو مشتمل على الصحيح والضعيف.

(هامش)

(1) نجاة المؤمنين - مخطوط. (*)

ص 415

وقد وصف الكشميري كتاب المسند لأحمد بن حنبل بأنه مشتمل على الصحيح والضعيف، ولكن هذه الدعوى مردودة لدى جماعة من المحققين كالسبكي وغيره. 5) قوله: وليس من الصحاح... ثم قال حول حديث الغدير: وليس من الصحاح كما صرح به مهرة فن الحديث، وهذه أكذوبة أخرى، فإن كثيرا من طرق حديث الغدير صحيح حسب تصريح أئمة فن الحديث كما سمعت سابقا. 6) قوله: فهو خبر واحد ضعيف... ثم قال: فهو خبر واحد ضعيف فلا يصح للحجية... وهذا كذب واه وكلام سخيف، فقد عرفت صحة هذا الحديث وتواتره بحمد الله تعالى حسب نصوص عبارات الأئمة المحققين وأساطين الحديث. 7) قوله: ولم يخرج غيره... ثم قال: ولم يخرج غيره - يعني أحمد بن حنبل - من الثقات إلا الجزء الأخير من قوله: اللهم وال من والاه. أقول: وهذه الدعوى الكاذبة يجل عن التفوه بها أدنى المنتسبين إلى الدين الإسلامي، ولو باللسان، لأن كذبها واضح حتى على العوام فضلا عن الخواص. وبالرغم من ثبوت تواتر هذا الحديث في جميع الطبقات حتى العدة الكثيرة والجم الغفير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وآله - من الفصول المتقدمة في الكتاب، فإنا نذكر هنا أسماء جماعة من مهرة فن الحديث وكبار الأئمة والحفاظ والرواة في القرون المختلفة، ثم نصوص رواياتهم وأسانيدهم إلى الصحابة في نقل حديث الغدير، مزيدا لتوضيح المرام وزيادة تقبيح وتفضيح للكشميري وأسلافه اللئام، والله الموفق في البدء والختام. (قال الميلاني): إلى هنا تم هذا الجزء من الكتاب، الذي جعلنا عنوانه (المدخل). وسنشرع من الجزء الذي يليه في البحث حول (حديث الغدير) سندا

ص 416

ودلالة. والله الموفق والمعين، وله الحمد أولا وآخرا.

 

الصفحة السابقة

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب