نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 353

ه‍ - كان يلقي نفسه بين الصبيان: قال ابن قتيبة: روى عفان، عن حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حمارا قد شد عليه برذعه وفي رأسه حبل من ليف، فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق الطريق، قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب، فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيتفرقون [فيفرون]. وربما دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: [أ] دع العراق للأمير، فأنظر فإذا هو ثريد بزيت (1). وقال ابن كثير: وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب الحمار ويلقى الرجل فيقول: الطريق، قد جاء الأمير - يعني نفسه -، وكان يمر بالصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب وهو أمير، فلا يشعرون إلا وقد ألقى نفسه بينهم ويضرب برجليه، كأنه مجنون، يريد بذلك أن يضحكهم، فيفزع الصبيان منه ويفرون عنه ههنا وههنا يتضاحكون (2). و- كان يعجبه أكل المضيرة عند معاوية: قال جار الله محمود الزمخشري: أبو رافع: كان أبا هريرة ربما دعاني إلى عشائه فيقول: أدع العراق للأمير، فأنظر فإذا هو ثريد، وكان يقول: التمر أمان من القولنج، وشرب العسل على الريق أمان من الفالج، وأكل السفرجل يحسن اللون والولد، وأكل الرمان يصلح الكبد، والزبيب يشد العصب ويذهب الوصب والنصب، والكرفس يقوي المعدة ويطيب النكهة، والعدس يرق القلب ويذرف الدمعة، والقرع يزيد في اللب ويرق البشر، وأطيب اللحم الكتف وحواشي فقار الظهر.

(هامش)

(1) المعارف 278. (2) تاريخ ابن كثير 8 / 113. (*)

ص 354

وكان يديم الهريسة والفالوذجة ويقول: هما مادة الولد. وكان تعجبه المضيرة كثيرا فيأكلها مع معاوية. وإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي - رضي الله عنه - فإذا قيل له قال: مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل، فكان يقال له: شيخ المضيرة (1). وقال الزمخشري أيضا: كان أبو هريرة يقول: أللهم ارزقني ضرسا طحونا ومعدة هضوما ودبرا نثورا (2). أقول: وكل هذا يدل على شره أبي هريرة وجشعه وميله إلى الدنيا وأهلها ولذاتها، وهذه الخصال لا تجتمع مع الزهادة والورع والعدالة. ز - كان يعادي عليا ويوالي عدوه: والشواهد على ذلك كثيرة جدا...

 7. نظرات في سند الحديث

 وبعد، فإن من شرط المعارضة صلاحية الحديث الذي يقصد جعله معارضا من جميع الجهات لهذا الغرض. ومع الغض عن الوجوه المذكورة حول هذا الحديث المزعوم، فإن هذا الحديث مخدوش في نفسه من حيث السند، ونحن نوضح ذلك فيما يلي:

 1 - في طريق الحديث: سفيان الثوري

 إن في طريق هذا الحديث سفيان الثوري ، قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع موالي. ليس لهم مولى دون الله ورسوله (3).

(هامش)

(1) ربيع الأبرار 2 / 700. (2) نفس المصدر 2 / 680. (3) صحيح البخاري 4 / 220. (*)

ص 355

وقال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة... (1).

اعتراض سفيان على الامام الصادق عليه السلام

 إعتراض الثوري على إمام أهل البيت ولم تكن بين الثوري و الإمام الصادق عليه السلام أية صلة من صلات المودة والمحبة، بل لقد اعترض على الإمام عليه السلام في أبسط الأشياء وهو الإمام المعصوم من الزلل والمأمون من الفتن، هو من أهل بيت دل الكتاب والسنة على عصمتهم ووجوب متابعتهم ومحبتهم... وقد روي اعتراض الثوري على سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام إذ دخل عليه فرأى عليه جبة من خز فقال: ليس هذا من لباسك ، ولم يعلم المسكين أن الإمام عليه السلام كان قد لبس تحته ثوبا من شعر خشن. أما الإمام فكان يعلم أن الثوري كان قد لبس تحت جبته الخشنة قميصا أرق من بياض البيض فخجل سفيان ثم قال له: يا ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرنا ونضرك . هذا هو الثوري الصوفي الزاهد!؟ وهذه سيرته مع إمام أئمة الدنيا علما وعملا... ونحن لا نعتمد على رواية هكذا إنسان ولا نستدل بحديثه إلا من باب الالزام... وقد روى قصته مع الإمام الصادق عليه السلام جمع من علماء أهل السنة الأعلام، قال الشعراني بترجمة الإمام: ودخل عليه الثوري - رضي الله عنه - فرأى عليه جبة من خز، فقال له: إنكم من بيت النبوة تلبسون هذا؟ فقال: ما تدري؟ أدخل يدك، فإذا تحته مسح من شعر خشن. ثم قال: يا ثوري أرني ما تحت جبتك، فوجد تحتها قميصا أرق من بياض البيض. فخجل سفيان. ثم قال: يا

(هامش)

(1) صحيح مسلم 7 / 178. (*)

ص 356

ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرنا ونضرك (1). وروى أبو نعيم الحافظ والحافظ الذهبي (2) وابن طلحة (3) - واللفظ للأول -: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، ثنا محمد بن أحمد بن مكرم الضبي، ثنا علي بن عبد الحميد، ثنا موسى بن مسعود، ثنا سفيان الثوري، قال: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز [دكناء] وكساء خز أندجاني [أيراجاني]، فجعلت أنظر إليه تعجبا [معجبا] فقال لي: يا ثوري مالك تنظر إلينا، لعلك تعجبت مما ترى [رأيت]؟ قال: قلت: يا ابن رسول الله! ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك. فقال لي: يا ثوري كان ذلك زمانا مقفرا مقترا، وكانوا يعملون على قدر إقفاره وإقتاره. وهذا زمان قد أسبل [أقبل] كل شيء فيه عز إليه. ثم حسر عن ردن جبته فإذا تحتها [جبة] صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن. فقال لي: يا ثوري لبسنا هذا لله، وهذا لكم. فما كان لله [تعالى] أخفيناه وما كان لكم أبديناه (4). وروى أبو نعيم أيضا: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن العباس، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، حدثني مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، قال: لما قال سفيان الثوري: لا أقوم حتى تحدثني. قال جعفر [قال له]: أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان... (5). وروى سبط ابن الجوزي: أخبرنا أبو اليمن اللغوي، أنبأ القزاز، أنبأ

(هامش)

(1) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار 1 / 32. (2) تذهيب التهذيب - مخطوط. (3) مطالب السئول: 56. (4) حلية الأولياء 3 / 193. (5) المصدر 3 / 193. (*)

ص 357

الخطيب، أنبأ أبو بكر البرقاني، أنبأ أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي، عن محمد بن أبي القاسم السمناني، عن الخليل بن محمد الثقفي، عن عيسى بن جعفر القاضي، عن أبي حازم المدني، قال: كنت عند جعفر بن محمد، فجاء سفيان الثوري، فقال له جعفر: أنت رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان. فقال سفيان: حدثني حتى أقوم... (1). وروى ابن الصباغ المالكي (2) والعيدروس (3) - واللفظ للأول -: قال ابن أبي حازم: كنت عند جعفر الصادق إذ جاء الآذن فقال: سفيان الثوري بالباب. فقال: ائذن له. فدخل فقال له جعفر: يا سفيان! إنك رجل يطلبك السلطان في أكثر الأحيان وتحضر عنده، وأنا أتقي السلطان، فاخرج عني غير مطرود... .

 كان الثوري يدلس

 ومما ذكروا عن الثوري أنه كان يدلس عن الضعفاء، قال الذهبي بترجمته: سفيان بن سعيد الحجة الثبت المتفق عليه، مع أنه كان يدلس عن الضعفاء، ولكن كان له نقد وذوق، ولا عبرة بقول من قال: كان يدلس ويكتب عن الكذابين (4). وقال ابن حجر الحافظ: وقال ابن المبارك: حدثته - يعني الثوري - بحديث، فجئته وهو يدلسه، فلما رآني استحيا وقال: نرويه عنك (5).

(هامش)

(1) تذكرة خواص الأمة: 342. (2) الفصول المهمة في معرفة الأئمة: 223. (3) العقد النبوي والسر المصطفوي: 72. (4) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 2 / 169. (5) تهذيب التهذيب: ترجمته 4 / 115. (*)

ص 358

وقال: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس. مات سنة إحدى وستين وله أربع وستون (1). وذكره إبراهيم بن محمد سبط ابن العجمي المكي في المدلسين قائلا: سفيان الثوري مشهور به (2). وقال السيوطي بشرح قول النووي: النوع الثامن عشر - في التدليس. وهو قسمان، الأول تدليس الاسناد، يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه قائلا: قال فلان أو عن فلان. ونحوه. وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث . قال السيوطي بشرح قوله: وربما لم يسقط ... وهذا من زوائد المصنف على ابن الصلاح وهو قسم آخر من التدليس يسمى تدليس التسوية، سماه بذلك ابن القطان، وهو شر أقسامه، لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على المسند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة، فيحكم له بالصحة وفيه غرور شديد... قال الخطيب: وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا. قال العلائي: وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وأشرها، قال العراقي: وهو قادح فيمن تعمد فعله، وقال شيخ الإسلام: لا شك أنه جرح وإن وصف به الثوري والأعمش، فالاعتذار أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفا عند غيرهما (3).

(هامش)

(1) تقريب التهذيب 1 / 311. (2) التبيين لأسماء المدلسين. (3) تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي 1 / 224. (*)

ص 359

وقال علي القاري في (نزهة النظر): قال الشيخ شمس الدين محمد الجزري... وربما لم يسقط المدلس شيخه، لكن يسقط من بعده رجلا ضعيفا وصغير السن يحسن الحديث بذلك، وكان الأعمش والثوري وابن عيينة وابن إسحاق وغيرهم يفعلون هذا النوع... .

حرمة التدليس وشناعته

 ولقد علم مما سلف أن التدليس قادح في من تعمد فعله و أنه جرح . وقال القاري بعد كلامه المتقدم نقله: وهذا القسم من التدليس مكروه جدا، فاعله مذموم عند أكثر العلماء، ومن عرف به فهو مجروح عند جماعة لا تقبل روايته، بين السماع أو لم يبينه . وكذا قال ابن جماعة الكناني... وقال السيوطي بعد تقسيم التدليس: أما القسم الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء، وبالغ شعبة في ذمه فقال: لئن أزني أحب إلي من أن أدلس. وقال: التدليس أخو الكذب (1). وقال السيوطي أيضا: (ثم قال فريق منهم) من أهل الحديث والفقهاء (من عرف به) يعني بتدليس الاسناد (صار مجروحا) مردود الرواية (مطلقا) وإن بين السماع (2). أقول: فيجب التوقف في روايات الثوري، بل مفاد بعض الكلمات سقوطها مطلقا.

 2 - نسبة البخاري الحديث إلى يعقوب بن إبراهيم

 واعلم أن البخاري نسب رواية هذا الحديث إلى يعقوب بن إبراهيم أيضا،

(هامش)

(1) تدريب الراوي 1 / 228. (2) المصدر نفسه 1 / 229. (*)

ص 360

فإنه قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن سعد. أبو عبد الله: وقال يعقوب بن إبراهيم: حدثنا أبي، عن أبيه، قال: حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله (1). ولكن أبا مسعود الدمشقي كذب هذه النسبة، وأفاد بأن رواية يعقوب تخالف رواية سفيان، لأن يعقوب إنما رواه عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الأعرج، عن أبي هريرة بلفظ: غفار وأسلم ومزينة ومن كان من جهينة خير عند الله من أسد وطي وغطفان، كذا أخرجه مسلم (2). هذا بالاضافة إلى ما جاء بترجمة إبراهيم بن سعد - والد يعقوب - من تكلم جماعة فيه، فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وذكر ابن عدي في الكامل عن عبد الله بن أحمد، سمعت أبي يقول: ذكر عند يحيى بن سعيد عقيل وإبراهيم بن سعد، فجعل كأنه يضعفهما. يقول: عقيل وإبراهيم! ثم قال أبي: إيش ينفع هذا، هؤلاء ثقات لم يجدهما [يخبرهما] يحيى. وعن أبي داود السجستاني: سمعت أحمد، سئل عن حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن أنس مرفوعا: الأئمة من قريش، فقال: ليس هذا في كتب إبراهيم ابن سعد، لا ينبغي أن يكون له أصل. قلت: رواه جماعة عن إبراهيم. ونقل الخطيب: أن إبراهيم كان يجيز الغناء بالعود وولي قضاء المدينة.

(هامش)

(1) صحيح البخاري 4 / 218. (2) أطراف الصحيحين - مخطوط. وأبو مسعود الدمشقي: إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ. توجد ترجمته في طبقات الحفاظ / 426. (*)

ص 361

وقال ابن عيينة: كنت عند ابن شهاب، فجاء إبراهيم بن سعد فرفعه وأكرمه وقال: إن سعدا وصاني بابنه سعد، وسعد سعد. وقال ابن عدي: هو من ثقات المسلمين حدث عنه جماعة من الأئمة ولم يختلف أحد في الكتابة عنه، وقول من تكلم فيه تحامل، وله أحاديث صالحة مستقيمة عن الزهري وغيره (1).

 3 - في طريقه سعد بن إبراهيم

وفي طريق الحديث الذي استدل به الفخر الرازي سعد بن إبراهيم وقد ذكر علماء الرجال ترك مالك بن أنس الرواية عن سعد... قال الحافظ ابن حجر: وقال الساجي: ثقة أجمع أهل العلم على صدقه والرواية عنه إلا مالك، وقد روى مالك عن عبيد الله بن إدريس، عن سعيد، عن سعد بن إبراهيم، فصح باتفاقهم أنه حجة. ويقال: إن سعدا وعظ مالكا فوجد عليه فلم يرو عنه. حدثني أحمد بن محمد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: سعد ثقة، فقيل له: إن مالكا لا يحدث عنه، فقال: من يلتفت إلى هذا؟ سعد ثقة رجل صالح. ثنا أحمد بن محمد، سمعت المطيعي يقول لابن معين: كان مالك يتكلم في سعد سيد من سادات قريش، ويروي عن ثور وداود بن الحصين خارجيين خسيسين [خبيثين]. قال الساجي: ومالك إنما ترك الرواية عنه، فإما أن يكون يتكلم فيه فلا أحفظه، وقد روى عنه الثقات والله [والأئمة و] كان دينا عفيفا. وقال أحمد بن البرقي: سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد أنه كان يرى القدر وترك مالك الرواية عنه، فقال: لم يكن يرى القدر، وإنما ترك مالك

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 1 / 122 - 123. (*)

ص 362

الرواية عنه، لأنه تكلم في نسب مالك، فكان مالك لا يروي عنه، وهو ثبت لا شك فيه (1).

8. هذا الحديث مروي بالمعنى

 والظاهر - على تقدير صحة الحديث - أن أبا هريرة قد نقله بالمعنى، فأضاف إليه لفظتي ليس و دون الدالين على الحصر، نظير ما زعمه ابن حجر المكي في (صواعقه) بالنسبة إلى حديث الغدير، والكابلي في (صواقعه) و(الدهلوي) في (تحفته) بالنسبة إلى حديث ابن عباس في معنى آية المودة. ويؤكد ما ذكرنا من عدم وجود اللفظين في أصل الحديث، ما أخرجه مسلم بطريق آخر، حيث قال: حدثني زهير بن حرب، نا يزيد - هو ابن هارون - أنا أبو مالك الأشجعي، عن موسى بن طلحة، عن أبي أيوب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الأنصار ومزينة وجهينة وغفار وأشجع ومن كان من بني عبد الله موالي دون الناس، والله ورسوله مولاهم (2).

 9. قيل: إنما قد لا تدل على الحصر

 لقد زعم غير واحد من علماء أهل السنة ومحققيهم كالتفتازاني في (شرح المقاصد) والقوشجي في (شرح التجريد) و(الدهلوي) في (التحفة) في الجواب عن الاستدلال الشيعة بآية الولاية: *(إنما وليكم الله...)*... زعموا أن أداة الحصر إنما يكون نفيا لما وقع فيه تردد ونزاع... فنقول: وهل كان في ولاية الله ورسوله لهذه القبائل تردد ونزاع حتى يحتاج إلى أداة الحصر؟ كلا اللهم كلا...

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 3 / 446 - 465. (2) صحيح مسلم 7 / 178. (*)

ص 363

وهذا أدل دليلا على بطلان الحديث الذي تمسك به الفخر الرازي، وعلى بطلان استدلاله به على فرض صحته... بل زعم الرازي نفسه أن أداة الحصر قد لا تدل على الحصر، فقد قال في تفسير آية الولاية الدالة على إمامة علي - عليه السلام -: أما الوجه [الأول] الذي عولوا عليه وهو: إن الولاية المذكورة في الآية غير عامة، والولاية بمعنى النصرة عامة، فجوابه من وجهين: الأول: لا نسلم أن الولاية المذكورة في الآية غير عامة، ولا نسلم أن كلمة إنما للحصر، والدليل عليه قوله تعالى: *(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء)* ولا شك أن الحياة الدنيا لها أمثال أخرى سوى هذا المثل... (1). أقول: ولو تم ما ذكره الرازي حول هذه الآية، لأمكننا القول بعدم دلالة ليس و دون المذكورين في الحديث المزعوم على الحصر، وحينئذ يمتنع معارضة حديث الغدير المتواتر بهذا الحديث.

10. لا تنافي بين الحديثين

 ومع التنزل عن جميع ما تقدم من وجوه الجواب عن حديث أبي هريرة نقول: كيف يعارض حديث الغدير بهذا الحديث ولا تنافي بينهما!؟ وبيان ذلك: إن الفقرة الأولى من الحديث تفيد كون هذه القبائل موالي لرسول الله صلى الله عليه وآله - بأي معنى كان من المعاني - وذلك لا ينافي ولاية أمير المؤمنين، عليه الصلاة والسلام. وأما الفقرة الثانية - والظاهر أنها محل الاستدلال لوجود أداة الحصر - فكالفقرة الأولى، لأن المراد من ولاية الله ورسوله إن كان ما عدا التصرف في الأمور فلا تناقض بين حديث أبي هريرة وحديث الغدير، إذ أن معنى مولى في

(هامش)

(1) التفسير الكبير 12 / 30. (*)

ص 364

حديث الغدير ليس إلا الأولى بالتصرف أو المتصرف في الأمور وليس هذا المعنى في حديث أبي هريرة. وإن كان المراد: الأولوية في التصرف، فهي محصورة في الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - دون غيرهما، فالحديث يعارض حديث الغدير، فنقول: إنه - بالاضافة إلى الاعتراف الضمني بكون مولى في حديث الغدير بمعنى الأولى بالتصرف وهو المطلوب - يستلزم بمقتضى الحصر عدم كون أمير المؤمنين - عليه السلام - وليا وإماما في وقت من الأوقات، وهذا يخالف إجماع المسلمين، بل يستلزم بطلان خلافة الخلفاء أيضا، ولكنهم لا يرتضون بذلك. فالحديث إذا لا ينافي حديث الغدير في مدلوله. والحل التحقيقي لحديث أبي هريرة - على فرض صحته باللفظ المذكور - هو: احتمال أن يكون المراد نفي ولاية غير الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - على هذه القبائل في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأما حديث الغدير، فيدل على استقرار ولاية علي - عليه السلام - بعد رسول الله - صلى الله عليهما وآلهما - مباشرة... كما سيأتي شرح ذلك فيما بعد، إن شاء الله تعالى.

ص 365

8 _ الرد على أنه لم يكن علي مع النبي

ص 367

احاديث القوم في قدوم علي عليه السلام من اليمن

وقول الفخر الرازي: ولم يكن علي مع النبي في ذلك الوقت فإنه كان باليمن . من أعاجيب الأكاذيب، يترفع عن التفوه به أقل الطلبة فضلا عن أكابر أهل العلم... فإن رجوع الإمام أمير المؤمنين من اليمن وموافاته النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حجة الوداع، مما ثبت بالأحاديث الصحيحة وتحقق في التواريخ المعتبرة والآثار المشهورة: قال البخاري: حدثنا الحسن بن علي الخلال الهذلي، قال: حدثنا سليم ابن حيان قال: سمعت مروان الأصغر، عن أنس بن مالك، قال: قدم علي على النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليمن، فقال: بم أحللت؟ قال بما حل به النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا أن معي الهدي لأحللت (1). وقال مسلم: وقدم علي من اليمن ببدن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت إن أبي أمرني بهذا... (2).

(هامش)

(1) صحيح البخاري 2 / 172. (2) صحيح مسلم 4 / 40. (*)

ص 368

وقال ابن ماجة: وقدم علي ببدن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا... (1). وقال أبو داود: وقدم علي من اليمن ببدن النبي - صلى الله عليه وسلم -... (2). وقال الترمذي: عن أنس بن مالك: إن عليا قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن، فقال: بما أحللت... (3). وقال النسائي: أخبرني أحمد بن محمد بن جعفر، قال: حدثني يحيى بن معين، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنت مع علي حين أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليمن فأصبت عليه [معه] أواقي. فلما قدم علي على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [علي]: وجدت فاطمة قد نضحت البيت... (4). هذا، وقال ابن حجر المكي حول حديث الغدير: ولا التفات لمن قدح في صحته، ولا لمن رده بأن عليا كان باليمن، لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.... (5). وقال القاري: وأبعد من رده بأن عليا كان باليمن، لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم... (6). ولا يخفى أنه لو فرضنا عدم رجوعه عليه السلام من اليمن عند خطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بغدير خم، فإنه غير قادح في صحة حديث الغدير

(هامش)

(1) سنن ابن ماجة 2 / 1024. (2) سنن أبي داود 2 / 158. (3) سنن الترمذي 2 / 216. (4) سنن النسائي 5 / 157. (5) الصواعق المحرقة 25. (6) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 574. (*)

ص 369

وثبوته... نعم إن ذلك يقدح في الأحاديث التي اشتملت على حضوره عنده - صلى الله عليه وآله - وأخذ بيده، وقد صرح بهذا المعنى الشريف الجرجاني في (شرح المواقف) (1). * * *

التشكيك في حديث الغدير من جهة اخرى ورده

وجاء بعضهم وأراد التشكيك في صحة هذا الحديث بنحو آخر ذكره العلامة الأمير وقد أجاد في رده، حيث قال: تنبيه - اعترض بعض من قصر نظره عن بلوغ مرتبة التحقيق في حديث الغدير الذي رواه زيد بن أرقم - رضي الله عنه - مشككا ذلك المعترض بقوله: إن في الرواية أنه صلى الله عليه وسلم خطب بالجحفة يوم ثامن عشر في شهر ذي الحجة، وأنه لا يمكن بلوغ الجحفة لمن خرج بعد الحج من مكة في ذلك اليوم، وجعله قادحا في الحديث. وأقول: هذا تشكيك بلا دليل وخبط جبان خال عن عدة الأدلة ذليل. فقد ثبت أنه عليه السلام خرج من مكة يوم الخميس خامس عشر ذي الحجة، راجعا إلى المدينة، وثبت أن الجحفة على اثنين وثمانين ميلا من مكة كما صرح به مجد الدين في القاموس رحمه الله. وثبت أن المرحلة العربية أربعة برد كمن جدة إلى مكة، كما أخرجه البخاري تعليقا من حديث ابن عباس وابن عمر أنهما كانا يقصران من مكة إلى العرفات، وثبت تقدير الأربعة البرد بالمرحلة بما رواه الشافعي بسند صحيح: أنه قيل لابن عباس أتقصر من مكة إلى العرفات؟ قال: لا، ولكن إلى عرفات وإلى جدة وإلى الطائف، وكل جهة من هذه مرحلة إلى مكة. فإذا كانت المرحلة أربعة برد، والبريد اثني عشر ميلا، يكون المرحلة ثمانية وأربعين ميلا.

(هامش)

(1) شرح المواقف 8 / 360. (*)

ص 370

وإذا عرفت هذا، عرفت أن من مكة إلى الجحفة لا يكون إلا دون المرحلتين الكاملتين، لأنهما اثنان وثمانين ميلا. وإذا عرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة يوم خامس عشر من ذي الحجة فيوم ثامن عشر رابع أيام سفره، فعلم أنه بات ليلة ثامن عشر في الجحفة وصلى بها الظهر وخطب بعد الصلاة. فيا للعجب ممن قصر نظره عن البحث، كيف يقدح فيما صح باتفاق الكل بأمر يرجع إلى المحسوس المشاهد. لقد نادى على نفسه بالبلاهة وسوء الظن وعدم الدراية. ولا يقال: إنه باعتبار هذه الأزمنة لا يمكن. لأنا نقول: إن أريد أسفار أهل الرفاهة والمترفين والمرضى والزمناء فلا اعتبار به. وإن أريد في أسفار العرب، ففي هذا الزمن يبلغ من مكة إلى المدينة على الركاب في أربع، وأهل المدينة يسافرون الحج في زماننا هذا يوم خامس أو رابع ذي الحجة، ويوافون عرفات. وأما أهل الرفاهة فلا اعتبار بهم. وقد كان - صلى الله عليه وسلم على نهج العرب، وقد كان بلغ في دخوله بمكة في تلك الحجة في سبعة أيام أو ثمانية على اختلاف الرواية. وبالجملة فالتشكيك بهذا نوع من الهذيان، فقد عرفت بما قدمنا أن الحديث متواتر والأسفار تختلف وليس محالا عادة ولا عرفا. ثم حديث الموالاة قد ثبت باتفاق الفريقين، فلا يسمع هذا التشكيك من قائله، والله الموفق (1).

(هامش)

(1) الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: 78. (*)

ص 371

الخاتمة ــ  فيها كلمات في ذم الفخر الرازي

 ومن المناسب - في خاتمة الرد على الفخر الرازي ودحض مزاعمه - أن نورد طرفا من كلمات بعض علماء الرجال والحديث في الفخر الرازي: قال الذهبي: الفخر ابن الخطيب صاحب تصنيف، رأس في الذكاء والتعليقات، لكنه عري من الآثار، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة، نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا. وله كتاب: السر المكتوم في مخاطبة النجوم، سحر صريح، فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله (1). وقال ابن تيمية في الكلام على الصفات بعد كلام له: وأما الجبرية، فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها كالرازي والآمدي وغيرهم، ونفاة الصفات من الجبرية منهم من يتأول نصوصها ومنهم من يفوض معناها إلى الله تعالى (2).

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال 3 / 340. (2) منهاج السنة. مبحث صفات الباري 1 / 111. (*)

ص 372

وهذا الكلام صريح في كون الرازي من الجبرية. وقال الشعراني في (إرشاد الطالبين): وقد طلب الشيخ فخر الدين الرازي الطريق إلى الله، فقال له الشيخ نجم الدين البكري: لا تطيق مفارقة صنمك الذي هو علمك، فقال: يا سيدي، لا بد إن شاء الله تعالى. فأدخله الشيخ خلوة وسلبه جميع ما معه من العلوم، فصاح في الخلوة بأعلى صوته: لا تطيق، فأخرجه وقال: أعجبني صدقك وعدم نفاقك . وقال المولوي عبد العلي في مبحث الإجماع: واستدل ثانيا بقوله صلى الله عليه وسلم: لا تجتمع أمتي على الضلالة، فإنه يفيد عصمة الأمة عن الخطأ فإنه متواتر المعنى، فإنه قد ورد بألفاظ مختلفة يفيد كلها العصمة، وبلغت رواة تلك الألفاظ حد التواتر... [واستحسنه ابن الحاجب] فإنه دليل لا خفاء فيه بوجه ولا مساق للارتياب فيه. [واستبعد الإمام الرازي] صاحب المحصول، كما هو دأبه من التشكيكات في الأمور الظاهرية [التواتر المعنوي على حجيته]... وهذا الاستبعاد في بعد بعيد كبرت كلمة خرجت من فيه... (1). وقال الحافظ ابن حجر بترجمته بعد كلام الذهبي المتقدم ما ملخصه: وقد عاب التاج السبكي على المصنف، ذكره هذا الرجل في هذا الكتاب، وقال: إنه ليس من الرواة، وقد تبرأ المصنف من الهوى والعصبية في هذا الكتاب. والفخر كان من أئمة الأصول وكتبه في الأصلين شهيرة، وله ما يقبل وما يرد، وقد ترجم له جماعة من الكبار بما ملخصه: إن مولده سنة 533 واشتغل على والده، وكان من تلامذة البغوي. ثم

(هامش)

(1) فواتح الرحموت 2 / 215. (*)

ص 373

اشتغل على الكمال السمناني وتمهر في عدة علوم، وأقبل على التصنيف. فصنف التفسير الكبير، والمحصول في أصول الفقه، والمعالم، والمطالب العالية، والأربعين، والخمسين، والملخص، والمباحث المشرقية، وطريقه في الخلاف، ومناقب الشافعي. قال ابن الربيب: وكان مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو فائز، وكان يعاب بإيراد الشبه الشديدة ويقصر في حلها، قال بعض المغاربة: يورد الشبهة نقدا ويحلها نسيئة. وقد ذكره ابن دحية فمدح وذم. وذكره ابن شامة فحكى عنه أشياء ردية. وكانت وفاته بهراة سنة 656. ورأيت في الأكسير في علم التفسير للنجم الطوخي ما ملخصه: ما رأيت في التفاسير أجمع لغالب علم التفسير من القرطبي ومن تفسير الإمام فخر الدين إلا أنه كثير العيوب. فحدثني شرف الدين النصيبي عن شيخه سراج الدين السرمساجي المغربي أنه صنف كتاب المآخذ في مجلدين، بين فيهما ما في تفسير الفخر من الزيف والبهرج، وكان ينقم عليه كثيرا. قال الطوخي: ولعمري هذا دأبه في الكتب الكلامية حتى اتهمه بعض الناس. وذكر ابن خليل السكوني في كتاب الرد على الكشاف: إن ابن الخطيب قال في كتبه في الأصول إن مذهب الجبر هو المذهب الصحيح، وقال بصحة بقاء الأعراض وبنفي صفات الله الحقيقية، وزعم أنها مجرد نسب وإضافات كقول الفلاسفة، وسلك طريق أرسطو في دليل التمانع. ونقل عن تلميذه التاج الأرموي: إنه نظر كلامه فهجره إلى مصر وهموا به فاستتر، ونقلوا عنه أنه قال: عندي كذا وكذا مائة شبهة على القول بحدوث العالم.

ص 374

ثم أسند عن ابن الطباخ: إن الفخر كان شيعيا يقدم محبة أهل البيت كمحبة الشيعة، حتى قال في بعض تصانيفه: وكان علي شجاعا بخلاف غيره، وعاب عليه تسميته لتفسيره مفاتيح الغيب. وقد مات الفخر يوم الاثنين سنة ست وخمسين وستمائة بمدينة هراة، واسمه محمد بن عمر بن الحسين، وأوصى بوصية تدل على حسن اعتقاده (1).

(هامش)

(1) لسان الميزان 4 / 426. (*)

ص 375

وقفة مع من أنكر تواتر حديث الغدير

ص 377

وأما دعوى عدم تواتر حديث الغدير فمن العجائب المضحكة، خصوصا دعوى عدم تواتره لدى الشيعة كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا وكيف يتفوه بهذه الهفوة الباطلة عاقل بالنسبة إلى حديث رواه أكثر من مائة صحابي، وجمع طرقه جمع من كبار الحفاظ في مصنفات عديدة!؟ وقد علمت أنه ليس متواترا عند الشيعة فحسب، بل صرح بتواتره كبار حفاظ أهل السنة، كالحافظ الذهبي الذي تمسك ابن حجر المكي بتصحيحه طرق حديث الغدير حيث قال: فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها (1). فمن العجيب تمسكه بتصحيح الذهبي بعض طرق الحديث وإعراضه عن تصريحه وتنصيصه على تواتره. ومن الطريف دعوى ابن حجر تواتر حديث صلاة أبي بكر لرواية ثمانية من الصحابة إياه - مع العلم ببطلانه لدى الشيعة - وهو ينكر تواتر حديث الغدير المروي عن أكثر من مائة نفس من الصحابة، ولا أقل من الثلاثين، العدد الذي اعترف ابن حجر نفسه به، وهل هذا إلا تناقض قبيح وتحكم لا يعتضد بشيء من

(هامش)

(1) الصواعق المحرقة / 25. (*)

ص 378

الترجيح؟ نور الدين الحلبي وقد نسج نور الدين الحلبي على منوال ابن حجر الهيتمي - المكي، فقال في جواب حديث الغدير: وقد رد عليهم في ذلك بما بسطته في كتابي المسمى بالقول المطاع في الرد على أهل الابتداع، لخصت فيه الصواعق للعلامة ابن حجر الهيتمي، وذكرت أن الرد عليهم في ذلك من وجوه: أحدها: إن هؤلاء الشيعة والرافضة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون به على الإمامة من الأحاديث، وهذا الحديث مع كونه أحادا طعن في صحته جماعة من أئمة الحديث كأبي داود وأبي حاتم الرازي كما تقدم، فهذا منهم مناقضة (1). وهذا الكلام مردود من وجوه: أحدها: إن نفي تواتر حديث الغدير مصادمة مع الواقع وإنكار للحقيقة الراهنة، وقد صرح بتواتره كبار أئمة أهل السنة كما سبق. الثاني: إنه يكفي ثبوت تواتره لدى الشيعة. الثالث: إنه يكفي في الالزام في باب الإمامة الاستدلال بالحديث الوارد من طرق أهل السنة ولو أحادا، ولا ضرورة لأن يكون متواترا حتى يجوز الاحتجاج به والزامهم به. الرابع: إن ذكر طعن بعض أئمة الحديث في صحة حديث الغدير، هو في الحقيقة إثبات للطعن في هؤلاء الأئمة المتعصبين. الخامس: نسبة الطعن في صحته إلى أبي داود، كذب صريح وبهتان مبين كما دريت سابقا.

(هامش)

(1) إنسان العيون 3 / 337 - 338. (*)

ص 379

علي القاري ولقد ناقض الشيخ نور الدين علي بن سلطان الهروي القاري نفسه وجاء بكلمات متهافتة حول حديث الغدير، فقال مرة: ثم هذا الحديث مع كونه أحادا مختلف في صحته، فكيف ساغ للشيعة أن يخالفوا ما اتفقوا عليه اشتراط التواتر في أحاديث الإمامة، ما هذا إلا تناقض صريح وتعارض قبيح؟! (1). فهو هنا يزعم كونه أحادا وأنه مختلف في صحته لدى العلماء، والحال أنه قد ذكر قبل هذا الكلام بقليل: والحاصل أن هذا حديث لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عده متواترا، إذ في رواية لأحمد أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثون صحابيا وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته (2). فهل من الانصاف دعوى كونه أحادا مختلفا في صحته مع الاعتراف بأنه صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عده متواترا..؟ وقال في موضع آخر: رواه أحمد في مسنده، وأقل مرتبته أن يكون حسنا، فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا الحديث (3). فأي تحقيق هذا؟ وأي إنصاف هذا؟ وأي ضبط هذا؟ أن يتلون الرجل في كتاب واحد حول حديث واحد، ما هذا إلا تناقض صريح وتعارض قبيح!! ولو فرض عدم تواتر هذا الحديث عند أهل السنة، لصح استدلال الشيعة به بلا ريب لوجهين: الأول: لكونه متواترا لدى الشيعة، واعتضاده بروايات المخالفين يفيد القطع واليقين.

(هامش)

(1) المرقاة 5 / 574. (2) نفس المصدر 5 / 568. (3) نفس المصدر 5 / 574. (*)

ص 380

والثاني: لجواز الاستدلال بالآحاد عند أهل السنة، فالالزام بحديث الغدير والاحتجاج به صحيح على كل تقدير. الميرزا مخدوم بن عبد الباقي وقال الميرزا مخدوم بن عبد الباقي: وما أدري ما الذي يورث في طبائعهم المنحرفة الجزم بدلالة ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير الكتب الصحاح أنه قال بغدير خم: من كنت مولاه، على إمامة المرتضى (1). ولقد كذب في مقالته هذه الكذب الصريح، فإن الحديث مخرج في الكتب الصحاح كما نص عليه ابن روزبهان كما سيجئ. ويوضح ذلك مراجعة صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجه والمستدرك على الصحيحين وصحيح ابن حبان والمختارة للضياء المقدسي وما ماثلها. وفوق ذلك كله: تصريح هذا الرجل بتواتر حديث الغدير في مقام آخر من كتابه بعد هذا الكلام... وقد ذكرنا نص عبارته سابقا فراجع. إسحاق الهروي وقال إسحاق الهروي سبط صاحب النواقض لمذكور في (سهامه) في جواب حديث الغدير: قلنا: أولا لا نسلم تواتر الخبر، وكيف ولم يذكره الثقات من المحدثين كالبخاري ومسلم والواقدي، وقد قدح في صحة الحديث كثير من أئمة الحديث كأبي داود والواقدي وابن خزيمة وغيرهم من الثقات، ومن رواه لم يرو أول الحديث أي قوله: ألست أولى بكم من أنفسكم، وهو القرينة على كون المولى بمعنى أولى . وهذا الكلام عجيب للغاية، فإنه يقتضي أن لا يكون هذا الجم الغفير من

(هامش)

(1) نواقض الروافض - مخطوط. (*)

ص 381

رواة حديث الغدير من الأئمة الثقات، وفيهم أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة ونظراؤهم... ولقد زاد الهروي هذا في الطنبور نغمة أخرى، فزاد على من زعم قدحه في حديث الغدير الواقدي وابن خزيمة، والحال أن أسلافه الذين أخذ منهم هذه المزاعم لم يذكروهما فيمن نسب إليهم القدح في هذا الحديث الشريف... هذا ويكفي في الرد على هذه المكابرات تصريح جده صاحب النواقض بتواتر حديث الغدير. عبد الحق الدهلوي وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في (شرح المشكاة): وهذا الحديث صحيح بلا ريب، رواه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وله طرق كثيرة، رووه عن ستة عشر نفس من الصحابة، وفي رواية لأحمد: أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثون صحابيا وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وكثير من أسانيده صحاح أو حسان، ولا التفات بقول من تكلم في صحته ولا بقول بعضهم القائل بأن: اللهم وال من والاه، موضوع. لوروده من طرق متعددة صحح أكثرها الذهبي، كذا قال الشيخ ابن حجر في الصواعق المحرقة. ولكنا نقول للشيعة على طريق الالزام - حيث اتفقوا على لزوم أن يكون دليل الإمامة متواترا، وأنه متى لم يكن الحديث متواترا لم يجز الاستدلال به على الإمامة - بأن هذا الحديث غير متواتر يقينا، على أنه مختلف فيه - وإن كان هذا الاختلاف في بعض الخصوصيات - وقد طعن في صحته بعض أئمة الحديث وعدولهم المرجوع إليهم في هذا الشأن، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم، وقد تركه أهل الحفظ والاتقان الذين طافوا البلاد وساروا إلى الأمصار في طلب الحديث، كالبخاري ومسلم والواقدي وغيرهم من أكابر أهل الحديث، وهذا وإن كان غير مخل بصحة الحديث إلا أن دعوى التواتر في مثله من

ص 382

العجائب . فهو وإن بالغ في الرد على من أنكر صحة الحديث وخدش في ثبوته، إلا أنه حاول إنكار تواتره، فسلك طرقا ملتوية وأتى بكلمات متهافتة سعيا وراء ذلك، ولكن لا تخفى حقيقة الأمر على الناظر في كلامه، لأنه ينكر تواتر هذا الحديث في حين أنه يذعن بكثرة طرقه، وأنه رواه ستة عشر شخص من الصحابة وأن أكثر طرقه صحاح أو حسان. فأي كلام في ثبوت تواتر حديث هذا شأنه!؟ مع أنهم يعتقدون بحصول التواتر بالأقل من هذا العدد، ويرون تحققه لما رواه ثمانية من الصحابة كما في (الصواعق). بل ذكر هذا الشيخ أن في رواية لأحمد أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثلاثون من الصحابة، وشهدوا به لأمير المؤمنين عليه السلام. وهذا بناءا على ما ذكره هذا الرجل، وإلا فقد علمت أن رواته من الصحابة يزيدون على المائة... وقد نص أبو محمد علي بن أحمد بن حزم على تواتر حديث رواه أربعة من الصحابة، حيث قال في (المحلى) في مسألة عدم جواز بيع الماء بعد أن نقل رواية المنع عن أربعة من الصحابة: فهؤلاء أربعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته ، فمن العجيب أن يكون ما رواه الأربعة متواترا ولا يكون ما رواه الستة عشر أو الثلاثون أو الأكثر بمتواتر، وهل هذا إلا تحكم قبيح وتعصب فضيح؟! هذا بالاضافة إلى ما تقدم من تصريح الأئمة المحققين من أهل السنة ومنهم الذهبي الذي استند إليه ابن حجر، كما ذكره عبد الحق في هذه العبارة، بتواتر حديث الغدير... ومن العجائب أيضا نفيه تواتر حديث الغدير تمسكا بوجود الاختلاف فيه، وهذا واضح البطلان جدا، لاعترافه هو في هذا الكلام ببطلان هذا الخلاف، وإذا كان الخلاف في الحديث مردودا كان التمسك بهذا الخلاف مردودا كذلك.

ص 383

والحاصل إن هذا الكلام مختل الأركان ضعيف البنيان واضح البطلان، فهو من جهة يتمسك بقدح القادحين في هذا الحديث للقدح في تواتره، ومن جهة أخرى ينص على أن الخلاف في هذا الحديث مردود، ومن جهة ثالثة يعود ليمدح القادحين فيه ويصفهم بالامامة في هذا الشأن ليشيد بالتالي بقدحهم في الحديث ويسقطه بذلك عن الاعتبار. وإذا كانت هذه التناقضات والتعصبات - التي يأباها أتباع القادحين ومقلديهم - قادحة في الأحاديث المتواترة، كان مكابرة المخالفين للاسلام وقدحهم في تواتر معاجز النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جديرة بالإذعان ومؤثرة في الطعن في الدين الحنيف. وذلك لأن هذه المكابرات وتلك التعصبات من باب واحد. والفرق بأن القادحين هنا أئمة عدول بخلافهم هناك فإنهم ملحدون لا يسمن ولا يغني من جوع. أما أولا: فلأنهم لدى الشيعة في مرتبة واحدة، وأما ثانيا: فمع التسليم بالفرق فإن كلام الطرفين في البابين في البطلان على حد سواء. على أن الملاك في التواتر حصول شروطه، فمتى تحققت في مورد حكم بتواتره، وليس من شروطه عدم وجود قادح فيه أبدا، بل إذا توفرت شروط التواتر، كان قدح القادحين موجبا للطعن فيهم لا في الحديث وإن كانوا من كبار الأئمة، فلو قدح أبو حاتم وأمثاله في وجوب الصوم مثلا كان ذلك موجبا للقدح في أنفسهم لا في وجوب الصوم كما لا يخفى. ثم إن نسبة القدح في حديث الغدير إلى أبي داود أكذوبة أخرى، لما عرفت سابقا من أنه قد روى هذا الحديث. فهذه النسبة باطلة لا أصل لها ألبتة. ومن التعصب الفاحش أن ينسب إلى أبي داود هذا البهتان ويتهم بهذا الأمر الفظيع، ثم يتمسك بهذا القدح المزعوم - مع الاعتراف بكونه مردودا - في نفي تواتر الحديث خلافا للمحققين من الأئمة، وبالرغم من الاذعان بكثرة طرقه!!

ص 384

النقض بموقف ابن مسعود من الفاتحة والمعوذتين

 ثم إن التمسك بقدح أبي حاتم وجماعته لإنكار تواتر حديث الغدير، منقوض بإنكار ابن مسعود كون الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وإسقاطه إياهما من مصحفه، مع قيام الإجماع من المسلمين على تواترهما وأنهما من القرآن، وإن من جحد ذلك كافر، قال السيوطي: قال النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئا كفر . وأما موقف ابن مسعود من هذه السور، فهو مما اشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار. قال الراغب: وأسقط ابن مسعود من مصحفه أم القرآن والمعوذتين (1). وقال السيوطي: أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، وابن الأنباري في المصاحف، عن محمد بن سيرين أن أبي بن كعب كان يكتب فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إياك نعبد، واللهم إنا نستعينك، ولم يكتب ابن مسعود شيئا من هذا، وكتب عثمان بن عفان فاتحة الكتاب والمعوذتين (2). وقال السيوطي: أخرج عبد بن حميد، عن إبراهيم، قال: كان عبد الله لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال: لو كتبتها، لكتبت في أول كل شيء (3). وقال أيضا: أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

(هامش)

(1) المحاضرات 2 / 189. (2) الدر المنثور 1 / 2. (3) نفس المصدر 1 / 2. (*)

ص 385

قراءتهما في الصلاة وأثبتهما في المصحف (1). وقال: أخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن حبان وابن مردويه عن زر بن حبيش، قال: أتيت المدينة، فلقيت أبي بن كعب، فقلت له: يا أبا المنذر، إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمدا بالحق، لقد سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما، وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك، قال: قيل لي: قل: فقلت: فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (2). وقال السيوطي: أخرج أبو عبيدة عن ابن سيرين، قال: كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد، وتركهن ابن مسعود، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين (3). وقال محب الدين الطبري الشافعي في ذكر مطاعن عثمان: و[أما] الخامسة عشرة وهي إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك مما يعتذر عنه، بل هو من أكبر المصالح، فإنه لو بقي في أيدي الناس لكان أدى ذلك إلى الفتنة الكبيرة في الدين، لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن، ولحذفه المعوذتين، من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة إنهما من القرآن، وقال عثمان لما عوتب في ذلك: خشيت الفتنة في القرآن (4). وقال حسين الديار بكري المؤرخ: أما إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك مما يعتذر عنه، بل هو من أكبر المصالح، فإنه لو بقي في أيدي الناس لأدى ذلك إلى فتنة كبيرة في الدين، لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكر عند أهل العلم بالقرآن، ولحذفه المعوذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة أنهما من

(هامش)

(1) الدر المنثور 6 / 416. (2) نفس المصدر 6 / 416. (3) الاتقان في علوم القرآن 1 / 67. (4) الرياض النضرة 2 / 198، مع اختلاف. (*)

ص 386

القرآن (1). وقال المولوي محسن الكشميري: وأسقط، أي ابن مسعود، عنه، أي عن

المصحف، المعوذتين وبالغ في أنهما ليست من القرآن مع أن الفاتحة أمه (2). وروى أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى (3). وأخرج رواية زر بن حبيش المتقدمة: قلت لأبي: إن أخاك يحكهما من المصحف فلم ينكر. قيل لسفيان: ابن مسعود؟ قال: نعم، وليسا في مصحف ابن مسعود، كان يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرأ بهما [يقرأهما] في شيء من صلاته، فظن أنهما عوذتان وأصر على ظنه... (4). وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عبدة بن أبي لبابة، عن زر، قال: سألت أبي بن كعب، قلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال أبي: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: قل، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (5). وقال ابن حجر العسقلاني بشرح هذا الحديث: قوله: يقول كذا وكذا، هكذا وقع هذا اللفظ مبهما، وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاما له، وأظن ذلك من سفيان، فإن الاسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الابهام، وكنت أظن أولا أن الذي

(هامش)

(1) الخميس 2 / 273. (2) نجاة المؤمنين - مخطوط. (3) المسند 5 / 129 - 130. (4) مسند أحمد 5 / 130. (5) صحيح البخاري بشرح ابن حجر 8 / 603 - 604. (*)

ص 387

أبهمه البخاري، لأنني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان، ولفظه: قلت لأبي: إن أخاك يحكهما [يحكها] من المصحف. وكذا أخرجه الحميدي، عن سفيان، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، وكان سفيان تارة يصرح بذلك وتارة يبهمه، وقد أخرجه أحمد أيضا وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ: إن [عبد الله] ابن مسعود كان لا يثبت [يكتب] المعوذتين في مصحفه، وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، بلفظ: إن عبد الله يقول في المعوذتين، وهذا أيضا فيه إبهام. وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد [زيد] النخعي، قال: كان ابن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، قال الأعمش: و[قد] حدثنا عاصم عن زر عن أبي بن كعب، فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب الماضي، وقد أخرجه البزاز وفي آخره [و] يقول: إنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نتعوذ بهما. قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأها في الصلاة. قلت: هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر، وزاد فيه ابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر، فإن استطعت أن لا تفوتك قرائتهما [في صلاة] فافعل. وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير، عن رجل من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه المعوذتين وقال له: إذا أنت صليت فاقرأ بهما. وإسناده صحيح. ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح فقرأ فيها بالمعوذتين. وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الانتصار، وتبعه عياض وغيره، ما حكى عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا إلا أن

ص 388

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في كتابته فيه وكأنه لم يبلغه الأذن في ذلك قال: فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا، وهو تأويل حسن، إلا أن الرواية [الصحيحة] الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور. وقال غير القاضي: لم يكن اختلاف ابن مسعود مع غيره في قرآنيتهما، وإنما كان في صفة من صفاتهما [صفتهما] انتهى. وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بينه القاضي. ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع. وأما قول النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وإن من جحد شيئا منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر، وقد سبقه لذلك أبو محمد بن حزم، قال في أوائل المحلى: ما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين، فهو كذب باطل، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره: الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل، والطعن في الروايات الصحيحة بغير سند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والاجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإن أراد استقراره فهو مقبول. وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة: وإنما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة، ولم يقل أنهم كفروا بذلك، وإنما لم يكفر لأن الإجماع لم يكن استقر، قال: ونحن الآن نكفر من جحدها، قال: وكذلك ما نقل عن ابن مسعود في المعوذتين يعني أنه لم يثبت عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك. وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي، فقال: إن قلنا أن كونهما من القرآن كان متواترا في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإن قلنا أنه لم يكن متواترا لزم أن بعض القرآن لم يتواتر. قال: وهذه عقدة صعبة، وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود، ولكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلت العقدة

ص 389

بعون الله تعالى (1). وقال السيوطي بعد أن ذكر أحاديث في مسألة جزئية البسملة من كل سورة: فهذه الأحاديث تعطي التواتر المعنوي بكونها قرآنا منزلا في أوائل السور، ومن المشكل على هذا الأصل ما ذكره الإمام فخر الدين، قال: نقل في بعض الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنا إن قلنا أن النقل المتواتر كان حاصلا في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإن قلنا لم يكن حاصلا في ذلك الزمان، فيلزم أن القرآن ليس بمتواتر في الأصل. قال: والأغلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة، وكذا قال القاضي أبو بكر لم يصح عنه أنها ليست بقرآن ولا حفظ عنه، إنما حكها وأسقطها من مصحفه إنكارا لكتابتها لا جحدا لكونها قرآنا، لأنه كانت السنة عنده أن لا يكتب في المصحف إلا ما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإثباته فيه ولم يجده كتب ذلك ولا سمعه أمر به. وقال النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح. وقال ابن حزم في المحلى: هذا كذب على ابن مسعود، موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عنه، وفيه المعوذتان والفاتحة. وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، فأخرج أحمد وابن حبان عنه أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: كان عبد الله بن مسعود يحك

(هامش)

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 603 - 604. (*)

ص 390

المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، وأخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول إنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نتعوذ بهما، وكان عبد الله لا يقرأ بهما أسانيدها صحيحة، قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأهما في الصلاة. قال ابن حجر: فقول من قال إنه كذب مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، قال: وقد أوله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق، قال: وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله. قال: ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف، فيتم التأويل المذكور، قال: لكن من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع، قال: وقد أجاب ابن الصباغ بأنه لم يستقر عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك، وحاصله أنهما كانتا متواترتين في عصره، لكن لم يتواترا عنده، إنتهى. وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن: ظن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ بهما الحسن والحسين فأقام على ظنه، ولا نقل أنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار. قال: وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد. قلت: وإسقاطه الفاتحة من مصحفه أخرجه أبو عبيد بسند صحيح كما تقدم في أوائل النوع التاسع عشر (1).

(هامش)

(1) الاتقان في علوم القرآن 1 / 81 - 82. (*)

ص 391

أقول: فإذا لم يكن إنكار ابن مسعود المعوذتين قادحا في تواترهما وقرآنيتهما، فإن قدح مثل أبي حاتم وغيره في حديث الغدير، لا يكون قادحا في تواتره قطعا، كيف والحال أن أبا حاتم وأمثاله لا يبلغون في الشرف والكرامة مرتبة تراب أقدام ابن مسعود! بل إن غبار أنف فرس ابن مسعود مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل من أبي حاتم وأمثاله، حسب ما نقله ابن حجر المكي في تفضيل معاوية على عمر بن عبد العزيز.

 النقض بموقف بعضهم من حديث انشقاق القمر

 وأيضا: فإن كان إنكار أبي حاتم ومن حذا حذوه حديث الغدير يضر في تواتره، كان إنكار بعضهم حديث انشقاق القمر موجبا للقدح في تواتر هذه المعجزة العظيمة والكرامة الباهرة الثابتة - لرسول الله - صلى الله عليه وآله فقد جاء في (نهاية العقول) للرازي أن الحليمي قد منع وقوع انشقاق القمر. و الحليمي من أكابر علماء أهل السنة ومن فطاحل أئمتهم، كما لا يخفى على من راجع تراجمه في معاجم التراجم المعتبرة (1). لكن حديث انشقاق القمر متواتر قطعا: قال الشهاب القسطلاني: وقال ابن عبد البر: قد روي هذا الحديث - يعني حديث انشقاق القمر - على جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا وتأيد بالآية الكريمة. إنتهى.

(هامش)

(1) الأنساب. الحليمي، وفيات الأعيان 2 / 137، مرآة الجنان - حوادث سنة 403 طبقات الأسنوي 1 / 404. (*)

ص 392

وقال العلامة ابن السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب: الصحيح عندي أن انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن، مروي في الصحيحين وغيرهما، من طرق من حديث شعبة، عن سليمان عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود. ثم قال: وله طرق أخر شتى بحيث لا يمترى في تواتره انتهى (1). وقال السيوطي في كلام له في معنى التواتر: ... فقد وصف جماعة من المتقدمين والمتأخرين أحاديث كثيرة بالتواتر، منها: حديث نزل القرآن على سبعة أحرف، وحديث الحوض، وانشقاق القمر، وأحاديث الهرج والفتن في آخر الزمان... (2). فإذا لم يؤثر إنكار الحليمي ومنعه وقوع انشقاق القمر في تواتر هذا الحديث، كان إنكار بعض المتعصبين حديث الغدير غير مؤثر في تواتره كذلك. ومن الغرائب إنكار الشاه ولي الله الدهلوي هذا الحديث كذلك، وقد قال ما نصه: أما شق القمر، فعندنا ليس من المعجزات، إنما هو من آيات القيامة، كما قال الله تعالى: *(اقتربت الساعة وانشق القمر)*، ولكنه أخبر عنه قبل وجوده، فكان معجزة من هذا السبيل (3). عود إلى النظر في كلام عبد الحق الدهلوي وأما استناد الشيخ عبد الحق بترك البخاري ومسلم والواقدي رواية حديث الغدير، فقد تقدم الجواب عنه بالتفصيل في الرد على كلام الفخر الرازي. على أن ترك هؤلاء روايته، غير قادح في صحة الحديث، كما اعترف هو بذلك، وإذ ليس قادحا في صحته، فكيف يكون قادحا في تواتره؟ وبالجملة، فإن دعوى عدم تواتر حديث الغدير، بالاستناد إلى هذه

(هامش)

(1) المواهب اللدنية 15 / 356. (2) إتمام الدراية / 55، هامش مفتاح العلوم. (3) راجع: التفهيمات الإلهية 3 / 65. (*)

ص 393

الهفوات والأباطيل، من أعجب العجائب. ولنعم ما قال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث انشقاق القمر: فأما من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه، فجوابه: أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه نفاه وهذا كاف، فإن الحجة فيمن أثبت لا فيمن لم يوجد منه صريح النفي، حتى أن من وجد منه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح الاثبات (1).

محمد البرزنجي

 وممن وقع في هذه الورطة، محمد بن عبد الرسول البرزنجي، فإنه مع دعوى انسابه إلى الدوحة العلوية، وبالرغم من تصريحه بصحة حديث الغدير سلك سبيل مشايخه المتعصبين، فتطرق إلى الخلاف في صحته وأثنى على من نسب إليهم القدح فيه، وعد فيهم أبا داود السجستاني - كذبا وبهتانا - فقال: والخلاف في صحته ينفي تواتره، بل يخرجه عن كونه صحيحا متفقا عليه، والطاعنون جمع من أئمة الحديث أجلاء، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم وغيرهما... (2). حسام الدين السهارنبوري وقال حسام الدين ابن الشيخ محمد بايزيد السهارنبوري: ولا نسلم أن الأمة تلقت هذا الحديث بالقبول، لأن جماعة من الأئمة العدول وثقات المحدثين المرجوع إليهم في هذا الشأن كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهما، طعنوا فيه، وتكلموا في صحته، على ما صرح بذلك الشيخ ابن حجر - رحمه الله - في الصواعق، وعلي القوشجي - رحمه الله - في شرح التجريد، وإن جماعة من أهل الحق والإيقان وأكابر المحدثين كالإمام البخاري

(هامش)

(1) فتح الباري 7 / 147. (2) نواقض الروافض - مخطوط. (*)

ص 394

ومسلم والواقدي وغيرهم لم يرووه، كما ذكر الشيخ عبد الحق، وهؤلاء من أعاظم علماء السنة والجماعة وأكابر أصحاب الحديث وأخبار خير البرية - عليه الصلاة والتحية - وقد طافوا البلاد وساروا في الأمصار في طلب الأحاديث والآثار، وبلغوا في هذا العلم الشريف أقصى الغاية وارتقوا فيه على أعلى الدرجات. فدعوى تلقي جميع الأمة حديثا طعن فيه رؤساء المحدثين وتركه ثقاتهم بالقبول باطلة... وإثبات تواتره مع طعن أئمة المحدثين وعدولهم فيه مشكل جدا (1). أقول: لقد تبع هذا الرجل ابن حجر المكي وعبد الحق الدهلوي وأخذ عنهما هذه الخرافات، لكن لا يخفى من كلامه أنه أكثر منهما تعصبا وأشد انحرافا عن الحق، لأن ابن حجر وعبد الحق قد شهدا قبل القدح في حديث الغدير بصحته وكثرة طرقه، وأنه قد رواه ستة عشر من الصحابة وشهد به ثلاثون منهم على ما أخرجه أحمد، وأن كثيرا من طرقه صحيح أو حسن، وقد أضاف عبد الحق أن القدح فيه مردود غير مسموع. لكن صاحب المرافض لم يتعرض لهذه الكلمات الحقة، واقتصر على أخذ الخرافات وآيات التعصب والعناد منهما، فذكر كلماتهما الباطلة ونسج على منوالهما في تلك الدعاوي الكاذبة... وعلى كل حال، فلا يخفى بطلان هذه المناقشات وسقوطها عن درجة الاعتبار، ولا سيما دعوى قدح جماعة من الأئمة العدول المرجوع إليهم في حديث الغدير، فإنها دعوى كاذبة باطلة، كما ذكرنا مرارا، ويشهد بذلك نسبة القدح إلى أبي داود - تبعا لغيره - وقد علمت أن أبا داود من رواة هذا الحديث الشريف. ومن الجدير بالذكر أن صاحب المرافض قد نقل حديث الغدير عن أحمد ابن حنبل في فضائل أمير المؤمنين - عليه السلام - من ذي قبل.

(هامش)

(1) مرافض الروافض - مخطوط. (*)

ص 395

ابن تيمية وقال ابن تيمية: أما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، فليس [هو] في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته. ونقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث، أنهم طعنوا فيه وضعفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسنه كما حسنه الترمذي. وقد صنف أبو العباس ابن عقدة مصنفا في جمع طرقه (1). أقول: أما قوله: فليس في الصحاح فيكفي في رده كلام القاضي سناء الله في (السيف المسلول) حيث صرح فيه برواية الجمهور هذا الحديث في الصحاح السنن والمسانيد، وقد سبق نص كلامه فيما مضى. وأيضا يتضح بطلانه من مراجعه: صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجة وصحيح ابن حبان والمستدرك والمختارة للضياء المقدسي - وهي كلها من الكتب الصحاح لدى أهل السنة - فإنها قد أخرجت حديث الغدير. ولقد اعترف ابن روزبهان - مع تعصبه - بكون هذا الحديث مخرجا في الصحاح كما سيجئ إن شاء الله. وأما: أن البخاري طعن فيه، فنقول: لقد كان أهل الحق في حيرة وعجب من ترك البخاري حديث الغدير، مع توفر شروط التواتر فيه بأضعاف مضاعفة، فهو مؤاخذ على تركه رواية هذا الحديث، حتى جاء ابن تيمية فادعى طعن البخاري فيه، وهذا أعجب من ذلك بكثير! وهل من الجائز الاعتماد على هكذا أناس في نقل السنة النبوية؟

(هامش)

(1) منهاج السنة 4 / 86. (*)

ص 396

ولقد وقفت على طرف من قوادح البخاري وكتابه فيما سبق نقلا عن أكابر القوم وستقف على طرف آخر منها فيما سيأتي إن شاء الله تعالى. وإن من أفحش قوادحه وأقبح مساويه استرابته في بعض أحاديث الإمام الصادق - عليه السلام - تبعا ليحيى القطان جعله الله قاطنا في دركات النيران، على ما ذكر ابن تيمية حيث قال: وبالجملة، فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر من قواعد الفقه، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة، وقد استراب البخاري في بعض أحاديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام، فلم يخرج له، ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري (1). وأما: أن إبراهيم الحربي طعن فيه، فإن طعنه مردود بالوجوه التي ذكرناها في رد قدح ابن أبي داود... على أن هذا الرجل مقدوح لما ذكروا في ترجمته من أنه كان يستحسن الابتلاء بعشق الصبي المليح... قال صلاح الدين الكتبي: وقال ياقوت: حدثني صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود ابن النجار، قال: حدثني أحمد بن سعيد الصباغ، يرفعه إلى أبي نعيم، قال: كان يحضر مجلس إبراهيم الحربي جماعة من الشبان للقراءة عليه، ففقد أحدهم، فسأل عنه من حضر، فقالوا: هو مشغول، ثم سأل يوما آخر فقالوا: هو مشغول وكان قد ابتلي بمحبة شخص شغله عن الحضور، وعظموا إبراهيم الحربي أن يخبروه بجلية الحال. فلما تكرر السؤال عنه - وهم لا يزيدونه على أنه مشغول - قال: يا قوم، إن كان مريضا قوموا بنا لنعوده، وإن كان مديونا اجتهدنا في مساعدته

(هامش)

(1) منهاج السنة 2 / 86. (*)

ص 397

أو محبوسا سعينا في خلاصه، فخبروني عن جلية حاله. فقالوا: نجلك عن ذلك فقال: لا بد أن تخبروني، فقالوا: إنه ابتلي بعشق صبي. فاحتشم إبراهيم ثم قال: هذا الصبي الذي أبلي بعشقه هو مليح أو قبيح؟ فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم، وقالوا: أيها الشيخ مثلك يسأل عن مثل هذا؟ فقال: إنه بلغني أن الانسان إذا ابتلي بمحبة صورة قبيحة، كان بلاء يجب الاستعاذة من مثله، وإن كان مليحا كان ابتلاء يجب الصبر عليه واحتمال المشقة فيه. قال: فعجبنا مما أتى به (1). أقول: وكيف لا يتعجبون مما أتى به؟ وعشق الصبي في غاية القبح والشناعة والفظاعة، وقد كتب الشيخ محمد حياة السندي - وهو من أكابر العلماء المتبحرين - رسالة في النهي عن عشق صور المرد والنسوان قال فيها على ما نقل عنها معاصره القنوجي في (إتحاف النبلاء) بترجمته: تلك لعمر الله الفتنة الكبرى والبلية العظمى استعبدت النفوس لغير خلاقها، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد - إلى قوله -: إنما حكى الله العشق عن الكفرة قوم لوط وامرأة العزيز، وكانت إذ ذاك مشركة، والفتنة بعشق الصور تنافي أن يكون دين العبد كله لله، بل ينقص من دينه بحسب ما حصل له من فتنة العشق، وربما أخرجت صاحبه من أن يبقى معه شيء من الدين، والمفتون بالصور مخالف لقوله: *(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم)* والمبتلى بها ليس بغاض بصره بل يلتذ بالنظر الحرام وربما يقع به في الزنا. - إلى قوله: - فإن تعبد القلب للمعشوق شرك وقد أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم التعبد على المحبة لغير الله تعالى في قوله في الصحيح: تعس عبد الدينار وعبد الدراهم الخ . وقال الذهبي بترجمة إبراهيم الحربي: قال المسعودي: كانت وفاة الحربي

(هامش)

(1) فوات الوفيات 1 / 16. (*)

ص 398

المحدث الفقيه في الجانب الغربي وله نيف وثمانون سنة، وكان صدوقا عالما فصيحا جوادا عفيفا زاهدا عابدا ناسكا، وكان مع ذلك ضاحك السن ظريف الطبع ولم يكن معه تكبر ولا تجبر، يمازح مع أصدقائه بما يستحيى منه ويستقبح من غيره (1). قال: ويروى أن إبراهيم لما صنف غريب الحديث وهو كتاب نفيس كامل في معناه، قال ثعلب: ما لإبراهيم وغرائب الحديث، رجل محدث، ثم حضر مجلسه فلما حضر المجلس سجد ثعلب وقال: ما ظننت أن على وجه الأرض مثل هذا الرجل (2). هذا، ولم ينقل الذهبي عن الحربي أنه أنكر على ثعلب سجوده له، فهو إذا يجوز السجود لغير الله تعالى، وهذا أيضا من مساويه وقبائحه. ومن مساويه طعنه في علي بن المديني - شيخ البخاري - إذ قال الذهبي: قال أبو بكر الشافعي: سمعت إبراهيم الحربي يقول: عندي عن علي بن المديني قمطر ولا أحدث عنه بشيء، لأنه رأيته في المغرب وبيده نعله مبادرا، فقلت: إلى أين؟ قال: ألحق الصلاة مع أبي عبد الله، فظننته يعني أحمد بن حنبل، ثم قلت: من أبو عبد الله؟ قال: ابن أبي داود (3). وهذا لا يكون إلا من التعنت... ولا بأس بنقل كلمات أساطين أهل السنة في الثناء على ابن المديني ليتضح سقوط كلام الحربي ومدى انهماكه في التعصب المقيت: قال النووي: علي بن المديني الإمام.. أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث. صنف فيه مائتي مصنف لم يسبق إلى معظمها ولم يلحق في كثير منها، سمع أباه وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة ويحيى القطان وخلائق. روى عنه معاذ ابن معاذ وأحمد بن حنبل والبخاري وخلائق من الأئمة، وأجمعوا على جلالته وإمامته

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 13 / 364. (2) سير أعلام النبلاء 13 / 361. (3) سير أعلام النبلاء 13 / 369. (*)

ص 399

وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره.

قال عبد الغني بن سعيد المصري: أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن مروان في وقته، والدارقطني في وقته. وقال سفيان بن عيينة - وهو أحد شيوخ علي بن المديني -: حدثني علي بن المديني - وتلومونني على حب علي، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني -. وكان سفيان يسميه حية الوادي، وكان إذا سئل عن شيء يقول: لو كان حية الوادي. وقال حفص بن محبوب: كنت عند ابن عيينة، ومعنا علي بن المديني وابن الشاذكوني، فلما قام ابن المديني، قال السفيان: إذا قامت الخيل لم نجلس مع رجالة. وقال محمد بن يحيى: رأيت لعلي بن المديني كتابا على ظهره مكتوب المائة والنيف والستون من علل الحديث. وقال عباس العنبري: كانوا يكتبون قيام ابن المديني وقعوده ولباسه وكل شيء يقول ويفعل أو نحو هذا، وكان ابن المديني إذا قدم بغداد تصدر بالحلقة وجاء أحمد ويحيى والمعيطي والناس يتناظرون، فإذا اختلفوا في شيء تكلم فيه. وقال الأعين: رأيت ابن المديني مستلقيا، وأحمد بن حنبل عن يمينه ويحيى ابن معين عن يساره، وهو يملي عليهما. وقال البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد قط إلا عند علي بن المديني. وقال يحيى القطان: نحن نستفيد من ابن المديني أكثر مما يستفيد منا. وقال عبد الرحمن بن المهدي: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاصة بحديث ابن عيينة. وقال أبو حاتم: كان ابن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل وكان أحمد بن حنبل لا يسميه بل يكنيه أبا الحسن تبجيلا، وما سمعت أحمد سماه

ص 400

قط. قال البخاري: توفي ابن المديني ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين بالعسكر (1). ابن حزم وقال ابن حزم الأندلسي - فيما نقل عنه ابن تيمية -: وأما من كنت مولاه فعلي مولاه، فلا يصح من طريق الثقات أصلا (2). أقول: أعوذ بالله من الكذب والبهتان والتفوه بمثل هذا الهذر والهذيان... ولكن ابن حزم مشهور بالتعصب لبني أمية ماضيهم وباقيهم، وباعتقاده بصحة إمامتهم، حتى نسب إلى النصب لأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين - عليهم الصلاة والسلام - إلى غير ذلك من مساويه وصفاته حتى أجمع فقهاء عصره على تضليله... ولا بد من نقل نصوص عبارات مشاهير علمائهم المحققين في ترجمته في هذا المقام: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: ... ولد بقرطبة سنة 384، ونشأ في نعمة ورئاسة، وكان أبوه من الوزراء وولي هو وزارة بعض الخلفاء من بني أمية بالأندلس، ثم ترك واشتغل في صباه بالأدب والمنطق والعربية وقال الشعر وترسل ثم أقبل على العلم فقرأ الموطأ وغيره. ثم تحول شافعيا فمضى على ذلك وقت ثم انتقل إلى مذهب الظاهر وصنف فيه ورد على مخالفيه. وكان واسع الحفظ إلا أنه لثقته بحافظته، كان يهجم على القول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة، وقد تتبع كثيرا منها الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري م المحلى خاصة، وسأذكر منها أشياء.

(هامش)

(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 350 - 351. (2) منهاج السنة 4 / 86. (*)

ص 401

... وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان ابن حيان: كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه ونسب وأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، وكان لا يخلو في فنونه من غلط لجرأته على التسور على كل فن، ومال أولا إلى قول الشافعي وناضل عنه حتى نسب إلى الشذوذ، واستهدف لكثير من فقهاء عصره ثم عدل إلى الظاهر فجادل عنه ولم يكن يلطف في صدعه بما عنده بتعريض ولا تدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل وينشقه في أنفه إنشاق الخردل، فتمالأ عليه فقهاء عصره وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا أكابرهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الاقتراب منه. فطفقوا يغضونه وهو مصر على طريقته حتى كمل له من تصانيفه وقر بعير لم يتجاوز أكثرها عتبة بابه لزهد العلماء فيها، حتى أحرق بعضها بأشبيلية ومزقت علانية، ولم يكن مع ذلك سالما من اضطراب رأيه، وكان لا يظهر عليه أثر علمه حتى يسئل فينفجر منه علم لا تكدره الدلاء. وكان مما يزيد في بغض الناس تعصبه لبني أمية ماضيهم وباقيهم، واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب... وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: ابتدأ ابن حزم أولا فتعلق بمذهب الشافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكل واستقل وزعم أنه إمام الأئمة يضع ويرفع ويحكم ويشرع، واتفق كونه بين أقوام لا بصر لهم إلا بالمسائل فيطالبهم بالدليل ويتضاحك لهم، وذكر بقية الحط عليه في كتاب العواصم والقواصم. ومما يعاب بن ابن حزم وقوعه في الأئمة الكبار بأفحش عبارة وأشنع رد وقد وقعت بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرات ومنافرات. وقال أبو العباس ابن العريف الصالح الزاهد: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان... ثم ذكر ابن حجر نبذة من أغلاط ابن حزم في وصف الرواة... (1).

(هامش)

(1) لسان الميزان 4 / 201. (*)

ص 402

وذكر الذهبي كلام أبي مروان ابن حيان المذكور بترجمة ابن حزم وقد جاء في آخره: وكان مما يزيد في شنآنه، تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم، حتى نسب إلى النصب . قال الذهبي: قلت: ومن تواليفه كتاب تبديل اليهود والنصارى للتوراة والانجيل. وقد أخذ المنطق - أبعده الله من علم - عن محمد بن الحسن المذحجي الزبيدي، وأمعن فيه فزلزله في أشياء (1). أقول: ومما يشهد بنصب ابن حزم العداوة لأمير المؤمنين - عليه السلام - دعواه أن ابن ملجم - لعنه الله - مجتهد في قتله لعلي - عليه السلام -، فألجمه الله بلجام من نار وجزاه شر جزاء الأشرار... قال ذلك في كتابه (المحلى) حيث قال: مسألة - مقتول كان في أوليائه غائب أو صغير أو مجنون، اختلف الناس في هذا... فنظرنا قول أبي حنيفة، فوجدناه ظاهر التناقض، إذ فرق بين الغائب والصغير، ووجدنا حجتهم في هذا أن الغائب لا يولى عليه. قالوا: وكما كان أحد الأولياء يزوج آخر إذا كان صغيرا من الأولياء فكذلك يقتل، وقالوا: قد قتل الحسن ابن علي - رضي الله عنهما - عبد الرحمن بن ملجم ولعلي بنون صغار وهم بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - من دون خالف يعرف له منهم... وكان من اعتراف الشافعيين أن قالوا: إن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - كان إماما فنظر في ذلك بحق الإمامة وقتله بالمحاربة لا قودا. وهذا ليس بشيء، لأن عبد الرحمن بن ملجم لم يحارب ولا أخاف السبيل، وليس للإمام عند الشافعيين ولا للوصي أن يأخذ القود بصغير حتى يبلغ، فبطل شغبهم. وهذه القصة عائدة على الحنفيين بمثل ما شنعوا على الشافعيين سواء

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 18 / 184. (*)

ص 403

بسواء، لأنهم والمالكيين لا يختلفون في أن من قتل آخر على تأويل فلا قود في ذلك. ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليا - رضي الله عنه - إلا متأولا مجتهدا مقدرا على أنه صواب، وفي هذا يقول عمران بن حطان شاعر الصفرية: يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حبأ فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا فقد حصل الحنفيون في خلاف الحسن بن علي على مثل ما شغبوا به على الشافعيين، وما ينفكون أبدا من رجوع سهامهم عليهم ومن الوقوع فيما حفروه، فظهر تناقض الحنفيين والمالكيين في الفرق بين الغائب والصغير (1). وقد ذكر العلامة محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير دعوى ابن حزم هذه، حيث قال: قال النواصب: قد أخطأ معاوية في الاجتهاد * وأخطأ فيه صاحبه والعفو في ذاك مرجو لفاعله * وفي أعالي جنان الخلد راكبه قال: كذبتم فلم قال النبي لنا * في النار قاتل عمار وسالبه؟ وما دعوى الاجتهاد لمعاوية في قتاله، إلا كدعوى ابن حزم أن ابن ملجم أشقى الآخرين مجتهد في قتله لعلي - عليه السلام - كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في تلخيصه. وإذا كان من ارتكب هواه ولفق باطلا يروج به ما يراه اجتهادا لم يبق في

(هامش)

(1) المحلى 10 / 584 - 586. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب