بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين. ص
5
(7) مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام
الصحابة عن حديث الغدير
ص 7
ومن الأدلة على دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة: مناشدة أمير المؤمنين عليه
السلام صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حديث الغدير وقوله: (من كنت
مولاه فعلي مولاه).
ذكر من روى ذلك
وقد روى حديث المناشدة جمع كبير من كبار أعلام
أهل السنة: 1 - إسرائيل بن يونس السبيعي. 2 - محمد بن جعفر الهذلي. 3 - عبد الله بن
نمير أبو هاشم الخارفي الكوفي. 4 - محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري الكوفي
الحبال. 5 - يحيى بن آدم بن سليمان القرشي الأموي. 6 - أسود بن عامر شاذان أبو عبد
الرحمن الشامي. 7 - عبد الرزاق بن همام الصنعاني. 8 - حسين بن محمد بن بهرام
التميمي أبو أحمد. ص 8
9 - عبيد الله بن عمر القواريري. 10 - أحمد بن حنبل الشيباني. 11 - محمد بن المثنى
العنزي. 12 - حسن بن علي بن عفان العامري. 13 - أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني.
14 - عبد الله بن أحمد بن حنبل. 15 - علي بن محمد بن أبي المضا المصيصي. 16 - أحمد
بن عمرو بن عبد الخالق البزار. 17 - أبو عبد الرحمن النسائي. 18 - أبو يعلى أحمد بن
علي الموصلي. 19 - أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة. 20 - أبو
بكر محمد بن عبد الله البزاز الشافعي. 21 - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. 22
- عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين. 23 - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب
البغدادي. 24 - أبو الحسن علي بن محمد الجلابي المعروف بابن المغازلي. 25 - علي بن
حسن بن حسين الخلعي. 26 - أحمد بن محمد العاصمي. 27 - الموفق بن أحمد المعروف بأخطب
خوارزم. 28 - علي بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير. 29 - محمد بن طلحة القرشي
الشافعي. 30 - يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي. 31 - محب الدين أحمد بن عبد الله
الطبري. 32 - إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني. ص 9
33 - إسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي. 34 - أبو حفص عمر بن حسن المراغي.
35 - شمس الدين محمد بن محمد الجزري. 36 - نور الدين علي بن عبد الله السمهودي. 37
- جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. 38 - محمود بن محمد الشيخاني القادري. 39 - نور
الدين علي بن إبراهيم الحلبي. 40 - أحمد بن الفضل بن محمد باكثير المكي. 41 - محمد
بن معتمد خان البدخشاني. 42 - محمد صدر العالم. 43 - محمد بن إسماعيل بن صلاح
الأمير. 44 - المولوي ولي الله الكهنوي. ولقد تقدم ذكر نصوص روايات أكثر هؤلاء،
وإليك نصوص بعض رواياتهم: رواية أبي بكر الشافعي لقد روى أبو بكر محمد بن عبد الله
البزاز الشافعي مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام بسنده في (فوائده) (1) حيث قال:
(حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو إسرائيل الملائي
عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم: أن عليا أنشد الناس من سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول
(هامش)
(1) نقل هذا عن نسخة (الفوائد) الموجودة في مكتبة الحرم بمكة المكرمة، وهي منقولة
عن نسخة للخطيب البغدادي وعليها صورة إجازة يوسف بن محمد بن مقلد الشافعي لأبي
المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة. (*)
ص 10
من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام ستة عشر رجلا
فشهدوا بذلك وكنت فيهم).
ترجمة أبي بكر الشافعي

1 - السمعاني: (أبو بكر محمد بن عبد
الله بن إبراهيم بن عبدويه بن موسى ابن بنان الجبلي الشافعي، من أهل بغداد، شيخ ثقة
صدوق ثبت كثير الحديث حسن التصنيف في عصره، أملى وحدث عن عامة شيوخ بغداد... كتب
عنه أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدار قطني، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله
الحافظ... ولما منعت الديلم ببغداد الناس أن يذكروا فضائل الصحابة وكتبت سب السلف
على المساجد كان أبو بكر الشافعي يتعمد في ذلك الوقت إملاء الفضائل في جامع المدينة
وفي مسجده بباب الشام، ويفعل ذلك حسبة ويعده قربة. وكان الدار قطني يقول: أبو بكر
الشافعي ثقة مأمون ما كان في ذلك الزمان أوثق منه، ما رأيت له إلا أصولا صحيحة
متقنة، وقد ضبط سماعه فيها أحسن الضبط. ولد في جمادى سنة 260 بجبل ومات في ذي الحجة
سنة 354 ببغداد) (1). 2 - الذهبي: (أبو بكر الشافعي الإمام الحجة المفيد محدث
العراق... قال الخطيب: كان ثقة ثبتا حسن التصانيف جمع أبوابا وشيوخا. حدثني ابن
نحلة أنه رأى مجلسا قد كتب عن الشافعي في حياة ابن صاعد. وقال حمزة السهمي: سئل
الدار قطني عن أبي بكر الشافعي فقال: ثقة مأمون جبل ما كان في ذلك الوقت أحد أوثق
منه. وقال الدار قطني: هو الثقة المأمون الذي لم يغمز. قلت: مات في ذي الحجة سنة
354...) (2).
(هامش)
(1) الأنساب - الشافعي. (2) تذكرة الحفاظ 3 / 880. (*)
ص 11
3 - الذهبي: أيضا: (وفيها أبو بكر الشافعي... قال الخطيب: كان ثقة ثبتا حسن التصنيف
جمع أبوابا وشيوخا. قال: ولما منعت الديلم الناس من ذكر فضائل الصحابة وكتبوا السب
على أبواب المساجد كان يتعمد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع) (1).
رواية ابن
المغازلي

وروى أبو الحسن الجلابي المعروف بابن المغازلي حديث المناشدة حيث قال:
(حدثني أبو القاسم الفضل بن محمد بن عبد الله الاصفهاني - قدم علينا بواسط إملاءا
من كتابه لعشر بقين من شهر رمضان سنة 434 - قال حدثني محمد ابن علي بن عمر بن مهدي
قال: حدثني سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن كيسان
الثقفي الاصفهاني، قال: حدثني إسماعيل بن عمر البجلي قال حدثني مسعر بن كدام عن
طلحة بن مصرف عن عمير بن سعد قال: سمعت عليا على المنبر ناشد أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم: من سمع رسول الله يوم غدير خم يقول ما قال فليشهد. فقام اثنا عشر
رجلا - منهم: أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك - فشهدوا أنهم سمعوا رسول
الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال أبو
الحسن ابن المغازلي قال أبو القاسم الفضل بن محمد: هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم. وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى
حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو مائة نفس منهم العشرة. وهو حديث
ثابت لا أعرف له علة.
(هامش)
(1) العبر حوادث سنة 354. (*)
ص 12
تفرد علي بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد) (1).
رواية الخطيب الخوارزمي

ورواه أخطب
خطباء خوارزم حيث قال: (وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا قال أخبرنا أبو محمد
عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد، قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار،
قال حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا إسرائيل عن أبي
إسحاق قال: حدثني سعيد بن وهب وعبد خير: أنهما سمعا عليا برحبة الكوفة يقول: أنشد
بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فإن عليا مولاه.
فقام عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول ذلك. يقال: نشدتك الله وناشدتك الله وأنشدتك الله، أي سألتك بالله
وطلبت إليك، وهو مجاز قولهم: نشد الضالة ينشدها إذا طلبها، وأنشدها إذا عرفها قال:
يصيخ للنباء أسماعه * إصاخة الناشد للمنشد (2)
رواية أبي الحسن ابن الأثير

ورواه
أبو الحسن علي بن محمد ابن الأثير الجزري حيث قال: (زيد بن شراحيل، وقيل يزيد بن
شراحيل الأنصاري، أخبرنا أبو موسى كتابة أخبرنا حمزة ابن العباس العلوي أبو محمد
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الفضل الباطرقاني أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن
إبراهيم بن شهدل المديني، أخبرنا أبو العباس أحمد
(هامش)
(1) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: 27. (2) مناقب علي بن أبي طالب
للخوارزمي: 95. (*)
ص 13
ابن محمد بن سعيد بن عقدة، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، أخبرنا الحسن ابن
زياد بن عمر، أخبرنا عمر بن سعيد البصري عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه
عن جده يعلى بن مرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي
مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فلما قدم علي رضي الله عنه الكوفة
نشد الناس من سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتشد له بضعة عشر رجلا
منهم يزيد أو زيد بن شراحيل الأنصاري. أخرجه أبو موسى) (1). وقال ابن الأثير بترجمة
أمير المؤمنين عليه السلام: (أنبأنا أبو الفضل بن أبي عبيد الله الفقيه بإسناده إلى
أبي يعلى أحمد بن علي، أنبأنا القواريري، حدثنا يونس ابن أرقم، حدثنا يزيد بن أبي
زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس انشد الناس
من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه
لما قام. قال عبد الرحمن فقام اثنا عشر بدريا كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل
فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. فقال: من كنت مولاه
فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقد روى مثل هذا عن البراء بن عازب.
وزاد: فقال عمر بن الخطاب يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن) (2). وقال
بترجمة ناجية بن عمرو: (أخبرنا أبو موسى أيضا إجازة أخبرنا الشريف أبو محمد بن حمزة
بن العباس العلوي، أخبرنا أحمد بن الفضل المقري حدثنا أبو مسلم ابن شهدل، حدثنا أبو
العباس ابن عقدة، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، حدثنا حسن بن زياد عن عمرو
بن سعد البصري عن عمر
(هامش)
(1) أسد الغابة 2 / 233. (2) أسد الغابة 4 / 28. (*)
ص 14
ابن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده يعلى قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلما
قدم علي الكوفة نشد الناس، فانتشد له بضعة عشر رجلا فيهم أبو أيوب صاحب منزل رسول
الله صلى الله عليه وسلم وناجية بن عمرو الخزاعي. أخرجه أبو. نعيم وأبو موسى) (1).
وقال ابن الأثير: (أبو زينب بن عوف الأنصاري. روى الأصبغ بن نباتة قال: نشد علي
الناس من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام؟ "
فقام بضعة عشر فيهم أبو أيوب الأنصاري وأبو زينب فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأخذ بيدك يوم غدير خم فرفعها فقال: ألستم تشهدون أني قد بلغت
ونصحت؟ قال: ألا إن الله عز وجل وليي وأنا ولي المؤمنين فمن كنت مولاه فهذا علي
مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأعن من أعانه وابغض من
أبغضه. أخرجه أبو موسى) (2). وقال: (أبو قدامة الأنصاري. أورده ابن عقدة. أخبرنا
أبو موسى إذنا أخبرنا الشريف أبو محمد حمزة بن العباس العلوي، أخبرنا أحمد بن الفضل
الباطرقاني، أخبرنا أبو مسلم بن شهدل، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد،
حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم الأشعري، أخبرنا رجا بن عبد الله أخبرنا محمد بن
كثير عن فطر وابن الجارود عن أبي الطفيل قال: كنا عند علي رضي الله عنه فقال: أنشد
الله تعالى من شهد يوم غدير خم إلا قام. فقام سبعة عشر رجلا منهم أبو قدامة
الأنصاري فقالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع،
حتى إذا كان الظهر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر
(هامش)
(1) أسد الغابة 5 / 5 - 6. (2) أسد الغابة 5 / 205.
ص 15
بشجرات فشددن وألقي عليهن. ثوب ثم نادى الصلاة، فخرجنا فصلينا ثم قام فحمد الله
تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى
المؤمنين وأني أولى بكم من أنفسكم يقول ذلك مرارا؟ قلنا: نعم وهو آخذ بيدك يقول من
كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثلاث مرات. قال العدوي:
أبو قدامة بن الحارث شهد أحدا وله فيها أثر حسن وبقي حتى قتل بصفين مع علي... أخرجه
أبو موسى) (1).
رواية ابن حجر العسقلاني

ورواه ابن حجر العسقلاني حيث قال: (عبد
الرحمن بن مدلج. ذكره أبو العباس ابن عقدة في كتاب الموالاة وأخرج من طريق موسى بن
النصر الربيع الحمصي حدثني سعد بن طالب أبو غيلان، حدثني أبو إسحاق حدثني من لا
أحصي: إن عليا أنشد الناس في الرحبة من سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من
كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال نفر - منهم عبد الرحمن بن مدلج - فشهدوا أنهم سمعوا إذ
ذاك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه ابن شاهين عن ابن عقدة واستدركه) (2).
وقال ابن حجر أيضا: (أبو قدامة الأنصاري ذكره أبو العباس ابن عقدة في كتاب
الموالاة، الذي جمع فيه طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فأخرج فيه من طريق محمد
بن كثير عن فطر عن أبي الطفيل قال: كنا عند علي فقال: أنشد الله من شهد يوم غدير
خم؟ فقام سبعة عشر رجلا منهم أبو قدامة الأنصاري فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال ذلك. واستدركه أبو موسى.
(هامش)
(1) أسد الغابة 5 / 275. (2) الإصابة 2 / 421. (*)
ص 16
وسيأتي في الذي بعد ما يؤخذ منه اسم أبيه وتمام نسبه) (1).
رواية الوصابي اليمني

وروى إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي الشافعي حديث المناشدة: (عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى رضي الله عنه قال: سمعت عليا في الرحبة ينشد الناس: أنشد الله من سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد:
فقام اثنا عشر بدريا فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم
غدير خم ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا: بلى. فقال: من كنت
مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد
في زوائد المسند، وأبو يعلى في المسند، وابن جرير في تهذيب الآثار، والخطيب في
تاريخه، والضياء في المختارة) (2). وفيه: (وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: نشد
علي الناس من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: ألستم تعلمون أني
أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه. فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بذلك. أخرجه الطبراني في الكبير.
وعن عمير بن سعد قال: شهدت عليا على المنبر ناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال. فقام اثنا عشر
رجلا - منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك - فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه
(هامش)
(1) الإصابة 4 / 159. (2) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط. (*)
ص 17
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. أخرجه الطبراني في الأوسط. وعنه رضي الله عنه
قال: جمع علي الناس في الرحبة وأنا شاهد فقال: انشد الله رجلا سمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقام ثمانية عشر رجلا شهدوا أنهم
سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. أخرجه الطبراني في الأوسط) (1).
رواية
نور الدين السمهودي

وروى نور الدين علي بن عبد الله السمهودي: (عن أبي الطفيل رضي
الله تعالى عنه إن عليا رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: انشد الله
من شهد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول: إني نبئت أو بلغني إلا رجلا سمعت
أذناه ووعاه قلبه، فقام سبعة عشر رجلا - منهم: خزيمة بن ثابت وسهل ابن سعد وعدي بن
حاتم وعقبة بن عامر وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو شريح الخزاعي وأبو
قدامة الأنصاري وأبو ليلى وأبو الهيثم بن التيهان ورجال من قريش - فقال علي رضي
الله عنه وعنهم: هاتوا ما سمعتم. فقالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم من حجة الوداع، حتى إذا كان الظهر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر
بشجرات فشذبن وألقي عليهن ثوب ثم نادى بالصلاة، فخرجنا فصلينا ثم قام فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا: قد بلغت قال: اللهم اشهد -
ثلاث مرات - قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني مسئول وأنتم مسئولون. ثم قال: ألا إن
دمائكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم وحرمة شهركم هذا. أوصيكم بالنساء أوصيكم بالجار،
أوصيكم بالمماليك، أوصيكم بالعدل والاحسان. ثم قال: أيها الناس إني تارك فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترق
(هامش)
(1) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط. (*)
ص 18
حتى يردا علي الحوض. نبأني بذلك اللطيف الخبير. وذكر الحديث في قوله صلى الله عليه
وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علي: صدقتم وأنا على ذلكم من الشاهدين. أخرجه
ابن عقدة من طريق محمد بن كثير عن فطر وأبي الجارود وكلاهما عن أبي الطفيل) (1).
دعاء الإمام على كتم الشهادة بالغدير

هذا، ومن الواضح جدا دلالة واقعة المناشدة على
أن حديث الغدير يدل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته دلالة تامة، إذ لو
كان المراد من حديث الغدير كون علي عليه السلام ناصرا أو محبا أو محبوبا أو نحو ذلك
فإن هذه الأوصاف حاصلة لغيره عليه السلام من الصحابة أيضا، ولا حاجة إلى المناشدة
لأجل إثباتها، بل لم يكن أحد من الناس ينكر حصول هذه الصفات له حتى يحتاج إلى
المناشدة والاستشهاد على ثبوتها... بخلاف مسألة الإمامة والخلافة، ولذا نجد في
أحاديث وأخبار أهل السنة أن جماعة من الصحابة كتموا تلك الحقيقة الراهنة ولم يدلوا
بشهادتهم لها، فلذا دعا الإمام عليه السلام عليهم وقد أجيبت دعوته في حقهم، ولو كان
المراد من حديث الغدير غير الإمامة والخلاف لما كتموها قطعا...؟ فقد جاء في (أسد
الغابة) ما نصه: (عبد الرحمن بن مدلج. أورده ابن عقدة وروى بإسناده عن أبي غيلان
سعد بن طالب عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مرة ويزيد بن بثيع وسعيد بن وهب وهاني بن
هاني. قال أبو إسحاق: وحدثني من لا أحصي أن عليا نشد الناس في الرحبة من سمع قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه. فقام نفر فشهدوا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(هامش)
(1) جواهر العقدين - مخطوط. (*)
ص 19
وكتم قوم فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وأصابتهم آفة، منهم يزيد بن وديعة وعبد
الرحمن بن مدلج. أخرجه أبو موسى) (1). وجاء في (مسند أحمد): (حدثنا أحمد بن عمر
الوكيعي قال حدثنا زيد ابن الحباب قال حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي قال
حدثني سماك بن عبيد ابن الوليد العبسي، قال دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني
أنه شهد عليا في الرحبة قال أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد
يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من رآه. فقام اثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه
وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل
من خذله. فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته) (2). وقد روى ابن
كثير الدمشقي هذا الحديث عن المسند (3). وفي (كنز العمال): (عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى قال: خطب علي فقال أنشد الله امرءا نشدة الإسلام سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم غدير خم أخذ بيدي يقول: ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ قالوا:
بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
وانصر من نصره واخذل من خذله إلا قام فشهد. فقام بضعة عشر رجلا فشهدوا، وكتم قوم
فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا. قط في الإفراد) (4).
من أسماء الذين كتمو

لقد
عرفت من الروايات المتقدمة أن جماعة كتموا تلك الشهادة، وقد جاء فيها اسم (عبد
الرحمن بن مدلج) و(يزيد بن وديعة).
(هامش)
(1) أسد الغابة 4 / 321. (2) مسند أحمد 1 / 119. (3) تاريخ ابن كثير 5 / 211. (4)
كنز العمال 15 / 115. (*)
ص 20
ثم إن من جملة هؤلاء: (زيد بن أرقم) و(أنس بن مالك) و(البراء بن عازب) وهم من أجلاء
الصحابة: قال الحلبي (وقول بعضهم: إن زيادة اللهم وال من والاه إلى آخره موضوعة
مردود. فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها، وقد جاء أن عليا رضي الله عنه
قام خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أنشد الله من شهد غدير خم إلا قام
ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني إلا رجل سمعت أذناه ووعى قلبه. فقام سبعة عشر
صحابيا وفي رواية ثلاثون صحابيا، وفي المعجم الكبير ستة عشر صحابيا وفي رواية اثنا
عشر صحابيا. فقال هاتوا ما سمعتم، فذكروا الحديث ومن جملته: من كنت مولاه فعلي
مولاه، وفي رواية: فهذا مولاه، وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه: وكنت ممن كتم فذهب
الله ببصري وكان علي كرم الله وجهه دعى على من كتم) (1). وقال ابن المغازلي:
(أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الله بن شوذب قال: حدثني أحمد بن يحيى بن عبد
الحميد، حدثني إسرائيل الملائي عن الحكم ابن أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال:
نشد علي الناس في المسجد أنشد رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت
مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فكنت أنا فيمن كتم فذهب بصري)
(2). وقال جمال الدين عطاء الله الشيرازي: (ورواه زر بن حبيش فقال: خرج علي من
القصر فاستقبله ركبان متقلدي السيوف، عليهم العمائم حديثي عهد بسفر. فقالوا: السلام
عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. السلام عليك يا مولانا. فقال علي - بعد
ما رد السلام - من ههنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقام اثنا عشر رجلا
- منهم: خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وثابت بن قيس
بن شماس، وعمار بن ياسر، وأبو
(هامش)
(1) السيرة الحلبية 3 / 336 - 337. (2) المناقب لابن المغازلي: 23. (*)
ص 21
الهيثم بن التيهان، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وحبيب بن بديل بن ورقاء - فشهدوا
أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فعلي
مولاه. الحديث. فقال علي لأنس بن مالك والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا
فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال: اللهم إن كانا كتماها معاندة فابلهما، فأما البراء
فعمي، فكان يسأل عن منزله فيقول: كيف يرشد من أدركته الدعوة؟ وأما أنس فقد برصت
قدماه، وقيل: لما استشهد علي عليه السلام قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت
مولاه فعلي مولاه اعتذر بالنسيان فقال: اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض لا تواريه
العمامة، فبرص وجهه فسدل بعد ذلك برقعا على وجهه...) (1). وفي رواية البلاذري: (قال
علي على المنبر: انشد [نشدت] الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم
غدير خم: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه إلا قام فشهد وتحت المنبر أنس بن مالك
والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله [البجلي] فأعادها فلم يجبه أحد. فقال: اللهم من
كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها. قال:
فبرص أنس وعمي البراء ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته فأتى السراة فمات في بيت أمه
بالسراة) (2). وذكر الحافظ أبو نعيم بترجمة أبي محمد طلحة بن مصرف - الذي وصفه
بالورع الكلف القاري الدنف أبو محمد طلحة بن مصرف كان ذا صدق ووفاء وخلق وصفاء -:
(حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن إبراهيم بن كيسان، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي،
ثنا مسعر بن كدام عن طلحة بن مصرف عن عميرة ابن سعد قال: شهدت عليا على المنبر
ناشدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وأنس بن مالك
وهم حول المنبر وعلي على المنبر
(هامش)
(1) الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط. (2) أنساب الأشراف: 156 - 157. (*)
ص 22
وحول المنبر اثنا عشر رجلا هؤلاء منهم. فقال علي نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقاموا كلهم فقالوا: اللهم نعم،
وقعد رجل، فقال: ما منعك أن تقوم؟ قال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت. فقال: اللهم
إن كان كاذبا فاضربه ببلاء حسن. قال: فما مات حتى رأينا بين عينيه نكتة بيضاء لا
تواريه العمامة...) (1).
نتائج البحث

فهذه روايات القوم حول قضية المناشدة، وكتم
جماعة من الصحابة الشهادة بحديث الغدير ودعاء الإمام عليه السلام عليهم، فخلاصة
البحث ونتائجه أمور: 1 - إن الإمام عليه السلام ناشد الصحابة من شهد منهم يوم غدير
خم بعينه وحضره بنفسه وسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بكل اهتمام
وإصرار على أن يدلوا بشهادتهم. وقد روى المناشدة هذه كبار الأئمة والعلماء من أهل
السنة. 2 - إن هذه المناشدة - بهذه الكيفية ومع هذه الأحوال والقرائن - تدل على
مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) هو
الإمامة والخلافة، إذ لو كان المراد من (المولى) هو المحب أو المحبوب أو الناصر أو
نحو ذلك لما كان للمناشدة معنى، فإن هذه الأوصاف ثابتة له باعتراف الجميع ولا
ينكرها منكر أبدا، بل هي ثابتة لغيره من الصحابة. 3 - لقد كتم جماعة من الصحابة هذه
الشهادة معاندة للإمام عليه السلام، وذلك أيضا مما يشهد بدلالة حديث الغدير على
الإمامة، إذ لو كان المراد غيرها من المعاني لما كان للكتمان مورد أبدا.
(هامش)
(1) حلية الأولياء 5 / 26 - 27. (*)
ص 23
4 - لقد دعا الإمام عليه السلام على من كتم تلك الشهادة وقد أصابتهم دعوته، ولو لم
يكن معنى حديث الغدير هو الإمامة والخلافة لما دعا عليهم ألبتة. 5 - إن أخبار
المناشدة وكتم بعض الصحابة للشهادة تهدم أساس اعتقاد أهل السنة بعدالة جميع
الصحابة، لأن كتمان الشهادة من المعاصي الكبائر، ومرتكب الكبيرة فاسق بلا ريب. 6 -
لقد دلت تلك الأخبار على عداء جماعة من الأصحاب لأمير المؤمنين عليه السلام، وقد
بلغ عداؤهم له إلى حد كتمان الشهادة وارتكاب هذه المعصية الكبيرة. وهذا المورد من
الموارد التي تبطل دعوى (الدهلوي) بأن جميع الصحابة كانوا يوالونه عليه الصلاة
والسلام. 7 - إن هذه الأخبار تدل على بطلان ما ذكره بعض أهل السنة من أن من الممتنع
كتمان الصحابة النص على خلافة الإمام عليه السلام، لأن حديث الغدير إن كان نصا على
خلافته - كما هو الواقع - فقد ثبت ما قلنا، لأنهم قد حاولوا كتم هذا النص الصريح
الذي صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المشهد العظيم، حتى احتاج الإمام
عليه السلام إلى استشهاد الصحابة ومناشدتهم عليه، وإن لم يكن نصا في الإمامة
والخلافة بل كان مراد النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب محبته عليه السلام فقد
خالفوا. فثبت ما قلناه، لأن من يخفي ما يدل على وجوب محبته - حسب هذا الفرض - يخفي
ما يدل على إمامته وخلافته بالأولوية.
وجوه بطلان دعوى ابن روزبهان وضع حديث
المناشدة

ومن ملاحظة هذه الأحاديث والأخبار يتضح تعصب ابن روزبهان وعناده مع الحق،
وبطلان هفوته حول حديث المناشدة، إذ ادعى كونه من موضوعات الروافض!! وهذا نص كلامه:
(وأما ما ذكر أن أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك فاعتذر بالنسيان فدعا عليه
فالظاهر أن هذا من موضوعات الروافض، لأن ص 24
خبر من كنت مولاه فعلي مولاه كان في غدير خم، وكان لكثرة سماع السامعين كالمستفيض،
فأي حاجة إلى الاستشهاد من أنس؟ وإن فرضناه أنه استشهد ولم يشهد أنس لم يكن من
أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خدمه عشر
سنين بالبرص، ووضع الحديث ظاهر) (1). وهذا الكلام باطل من وجوه:
1 - مناشدة أنس
وغيره متواترة

إن نفيه الحاجة إلى الاستشهاد من أنس بسبب استفاضة حديث الغدير باطل،
لأن استشهاد الإمام عليه السلام أنس بن مالك أمر ثابت مشهور بل متواتر، فتكذيب هكذا
حديث بهذا التوهم أمر عجيب.
2 - حديث الغدير متواتر لا كالمستفيض

إن حديث الغدير
الذي سمعه تلك الكثرة من السامعين حديث متواتر وفي أعلى درجات التواتر، فجعله
(كالمستفيض) مجانبة للإنصاف ومعاندة للحق.
3 - من أمثلة دعاء النبي على المخالفين

وقول ابن روزبهان: (لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على...) كلام باطل، لأنه
في الحقيقة طعن على الأنبياء والأوصياء، لأن الدعاء على المخالفين سنة من سنن
الأوصياء والمرسلين في بعض الأحايين، ومن راجع سيرة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم
وقف على موارد عديدة من هذا القبيل، ونحن ننقل هنا بعض أمثلة ذلك: فمن ذلك دعاؤه
صلى الله عليه وآله وسلم على المنافقين الذين أرادوا به
(هامش)
(1) إبطال نهج الباطل - مخطوط. (*)
ص 25
سوءا في ليلة العقبة، قال الحلبي: (فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء
إليه أسيد بن حضير فقال: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي، فقد كان
أسهل من سلوك العقبة، فقال: أتدري ما أراد المنافقون! وذكر له القصة، فقال: يا رسول
الله قد نزل الناس واجتمعوا، فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي هم بهذا، فإن أحببت بين
بأسمائهم، والذي بعثك بالحق لا أبرح حتى آتيك برؤوسهم، فقال صلى الله عليه وسلم:
إني أكره أن يقول الناس أن محمدا قاتل بقوم حتى أظهر الله تعالى بهم أقبل عليهم
يقتلهم، فقال: يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أليس يظهرون الشهادة! ثم جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بما قالوه وما
أجمعوا عليه، فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر فأنزل الله تعالى *(يحلفون
بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر)* الآية. وأنزل الله تعالى: *(وهموا بما لم
ينالوا)*. ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: اللهم ارمهم بالدبيلة
وهي سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم انتهى. أي: وفي لفظ شهاب من
نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلكه) (1). ومن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم
على من قطع صلاته. قال الحلبي: (وفي الإمتاع أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك
صلى إلى نخلة، فجاء شخص فمر بينه وبين تلك النخلة بنفسه، وفي رواية وهو على حمار،
فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره. فصار مقعدا) (2).
ومن ذلك: دعاؤه على من كان يحاكيه في مشيه صلى الله عليه وسلم. قال السيوطي: (أخرج
أبو الشيخ عن قتادة وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رجل خلف النبي
صلى الله عليه وسلم يحاكيه ويلبطه، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذلك فكن.
فرجع إلى أهله فلبط به مغشيا شهرا، ثم أفاق
(هامش)
(1) السيرة الحلبية 3 / 121 في غزوة تبوك. (2) السيرة الحلبية 3 / 121. (*)
ص 26
- حين أفاق - وهو كما حاكى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1).
4 - من أمثلة دعاء
أمير المؤمنين عليه السلام

ومن أمثلة دعاء أمير المؤمنين علي عليه السلام: ما ذكره
خواجه بارسا بقوله: (روى الإمام المستغفري رحمه الله بإسناده: أن أمير المؤمنين
عليا رضي الله عنه سأل رجلا عن حديث في الرحبة فكذبه، فقال: إنك كذبتني. قال: ما
كذبتك. قال: فأدعو الله سبحانه عليك إن كنت كاذبا أن يعمي بصرك. قال: فادع الله عز
وجل. فدعا عليه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فعمي بصره، فلم يخرج من الرحبة إلا
وهو أعمي) (2). ورواه عبد الرحمن الجامي عن المستغفري كذلك (3). و(المستغفري) راوي
هذه القصة من مشاهير علمائهم، ترجم له عبد القادر القرشي بقوله: (جعفر بن محمد بن
المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي المستغفري خطيب نسف، كان فقيها فاضلا ومحدثا
مكثرا صدوقا حافظا، لم يكن بما وراء النهر في عصره مثله، وله تصانيف أحسن فيها. سمع
أبا عبد الله محمد بن أحمد غنجار الحافظ، وزاهر بن أحمد السرخسي. روى عنه أبو منصور
السمعاني. مولده سنة 350 ومات في سلخ جمادى الأولى سنة 432 بنسف) (4). وترجم له
محمود بن سليمان الكفوي بقوله: (الشيخ الإمام الخطيب الحافظ أبو العباس جعفر بن
محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر بن الفتح المستغفري النسفي. كان رحمه الله
فقيها فاضلا محدثا صدوقا يرجع إلى معرفة وفهم وإمعان، جمع الجموع وصنف التصانيف
وأحسن فيهما، لم يكن بما وراء النهر في عصره من
(هامش)
(1) الدر المنثور 4 / 108. (2) فصل الخطاب لمحمد خواجه بارسا الحافظي. (3) نفحات
الأنس: 25. (4) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1 / 180 - 181. (*)
ص 27
يجري مجراه في الجمع والتصنيف وفهم الحديث... ولد سنة 350. ومات سنة 432...) (1).
وقال جمال الدين الأسنوي بترجمته: (جعفر بن محمد... الحافظ المعروف بالمستغفري صاحب
التصانيف الكثيرة ومحدث ما وراء النهر في زمانه...) (2). ومن ذلك: ما رواه أخطب
خطباء خوارزم: (أخبرني سيد الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي...
عن زاذان أبي عمر إن عليا سأل رجلا في الرحبة عن حديث فكذبه فقال علي: إنك قد
كذبتني، فقال: ما كذبتك. فقال: أدعو الله عليك إن كنت كذبتني أن يعمي بصرك. قال:
ادع الله فدعا عليه، فلم يخرج من الرحبة حتى قبض بصره) (3). ورواه الوصابي عن عمر
ملا في سيرته (4). وفي (الصواعق): (ومن كراماته أيضا: إنه حدث بحديث فكذبه رجل،
فقال له: ادعو عليك إن كنت كاذبا. قال: ادع. فدعا عليه، فلم يبرح حتى ذهب بصره)
(5). وقال محمد صدر العالم في (معارج العلى في مناقب المرتضى): (ومنها: إنه رضي
الله عنه حدث بحديث فكذبه رجل فقال له: أدعو عليك إن كنت كاذبا. قال: أدع. فدعا
عليه فلم يبرح حتى ذهب بصره) (6). وقال ولي الله الدهلوي: (عن علي بن زاذان: أن
عليا حدث حديثا فكذبه رجل، فقال علي رضي الله عنه: أدعو عليك إن كنت صادقا؟ قال:
نعم. فدع
(هامش)
(1) كتائب أعلام الأخبار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط. (2) طبقات
الشافعية 2 / 403. (3) المناقب للخوارزمي: 273. (4) الاكتفاء في فضائل الخلفاء
الأربعة - مخطوط. (5) الصواعق المحرقة: 77. (6) معارج العلى في مناقب المرتضى -
مخطوط. (*)
ص 28
عليه، فلم ينصرف حتى ذهب بصره) (1). وقال ابن كثير: (وقال هيثم عن يسار عن عمار قال
حدث رجل عليا بحديث فكذبه، فما قام حتى عمي. وقال ابن أبي الدنيا حدثني سريح بن
يونس ثنا هيثم بن إسماعيل عن سالم بن عمار الحضرمي عن زاذان أبي عمر: إن رجلا حدث
عليا بحديث، فقال علي: ما أراك إلا قد كذبتني. قال: لم أفعل. قال: أدعو عليك إن كنت
كذبت؟ قال: ادع. فدعا فما برح حتى عمي) (2). ونحوه ما رواه عبد الرحمن الجامي في
(شواهد النبوة) من دعاء الإمام عليه السلام على من كان يكتب بأخباره إلى معاوية
فعمي (3).
5 - أمثلة من دعاء الصحابة

وروى أحمد بن عطاء الله الاسكندري كرامة لسعد
بن أبي وقاص، إذ قال بعد ذكر حكاية في دعاء إبراهيم بن أدهم: (قال الشيخ أبو
العباس: ليس هذا عين الكمال، وما فعله سعد أحد العشرة هو عين الكمال، ادعت عليه
امرأة أنه احتاز شيئا من بستانها، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعمها وأمتها في
مكانها، فعميت وجاءت تمشي يوما في بستانها فوقعت في بئر فماتت، فلو كان ما فعله
إبراهيم عين الكمال لكان الصحابي أولى به، ولكنه كان سعد أمينا من أمناء الله نفسه
ونفس غيره عنده سواء، فما دعا عليها لأنها آذته، ولكن دعا عليها لأنها آذت صاحب
رسول الله...) (4). وقال أبو يوسف: (حدثني الليث بن سعد عن حبيب بن أبي ثابت: أن
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين أرادوا عمر بن الخطاب أن
(هامش)
(1) إزالة الخفا في سيرة الخلفا 2 / 112. (2) تاريخ ابن كثير 8 / 5. (3) شواهد
النبوة: 167. (4) لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن - هامش
لطائف المنن للشعراني 1 / 143 - 144. (*)
ص 29
يقسم الشام كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وأنه كان أشد الناس عليه في
ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح. فقال عمر: إذا أترك من بعدكم من المسلمين لا
شيء لهم، ثم قال: اللهم اكفني بلالا وأصحابه. قال: ورأى المسلمون أن الطاعون الذي
أصابهم بعمواس كان عن دعوة عمر. قال: وتركهم عمر ذمة يودون الخراج إلى المسلمين)
(1). وقال ولي الله الدهلوي: (وعن حبيب بن أبي ثابت: أن أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وجماعة من المسلمين أرادوا من عمر بن الخطاب أن يقسم الشام كما قسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وأنه كان أشد الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام
وبلال بن رباح. فقال عمر: إذا أترك من بعدكم من المسلمين لا شيء لهم!! ثم قال:
اللهم اكفني بلالا وأصحابه. قال: ورأى المسلمون أن الطاعون الذي أصابهم بعمواس كان
عن دعوة عمر. قال: وتركهم عمر ذمة يؤدون الخراج إلى المسلمين. أخرجه أبو يوسف) (2).
وفي كتاب (الروض الآنف): (ولما سار عمر إلى الشام وكان بالجابية شاور فيما افتتح من
الشام أيقسمها؟ فقال له معاذ: إن قسمتها لم يكن لمن يأتي بعد من المسلمين شيء. أو
نحو هذا. فأخذ بقول معاذ. فألح عليه بلال في جماعة من أصحابه وطلبوا القسم، فلما
أكثروا قال: أللهم اكفني بلالا وذويه فلم يأت الحول ومنهم على الأرض عين تطرف) (3).
وقال فخر الدين الزيلعي: (ثم أرض السواد مملوكة لأهلها عنوة. وقال الشافعي: ليست
بمملوكة وإنما هي وقف على المسلمين، وأهلها مستأجرون لها، لأن عمر استطاب قلوب
الغانمين فآجرها. وقال أبو بكر الرازي: هذا غلط بوجوه: أحدها أن عمر لم يستطب
قلوبهم
(هامش)
(1) الخراج: 26. (2) قرة العينين: 71. (3) الروض الآنف 6 / 581. (*)
ص 30
فيه، بل ناظرهم عليه وشاور الصحابة على وضع الخراج، فامتنع بلال وأصحابه فدعا
عليهم. فأين الاسترضاء؟) (1).
فائدتان من كلام ابن روزبهان

لقد ظهر بالوجوه
المذكورة بطلان كلام ابن روزبهان، ولنعم ما قال في (إحقاق الحق) في جوابه: (وأما
استبعاده من أخلاق أمير المؤمنين عليه السلام أن يدعو على صاحب رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وخادمه بظهور البرص عليه فهو تصوف بارد، لأنه إذا لم يشهد أنس
لإظهار حق قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما علم يقينا فقد أخل بما وجب عليه
من محبتهم بنص القرآن المجيد، وخلع ربقة متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
وأحبط الله عمله وخدمته، فأقل مرتبة جزائه في الدنيا الدعاء عليه بالأمراض الساخرة
وسيذوق وبال أمره في الآخرة). ولكن في كلامه فائدتان: (فالأولى) لقد استنكر ابن
روزبهان الاستشهاد على ما كثر سامعوه وكان (كالمستفيض) فنقول بناءا عليه: إن وجوب
محبة علي عليه السلام أمر ثابت مستفيض فالاستشهاد عليه باطل، لكن الإمام عليه
السلام قد استشهد على حديث الغدير - حسب روايات القوم كما عرفت - فظهر أنه لم يكن
المراد من حديث الغدير إيجاب المحبة والمودة له، بل كان المراد أمرا جليلا عظيما
وقد أنكره أكثر الأصحاب الذين سمعوه ووعوه، فاحتاج عليه الصلاة والسلام إلى
الاستشهاد عليه. (والثانية) لقد اعترف ابن روزبهان في كلامه بكثرة سامعي خبر
الحديث، فلا ريب في وقوع تلك الواقعة وثبوت هذا الخبر الشريف، وفي هذا رد على من
أنكر الحديث وكذبه من أهل العصبية والعناد.
(هامش)
(1) شرح كنز الدقائق للزيلعي 3 / 282. (*)
ص 31 .
اعتراف الحلبي بدلالة الاستشهاد

فثبت
إلى الآن: استشهاد الإمام عليه السلام جماعة من الصحابة على حديث الغدير، فمنهم من
شهد ومنهم من كتم - وبهذا بطلت مناقشات ابن روزبهان والفخر الرازي في نهاية العقول
-، وثبت أن هذا الاستشهاد كان على أمر عظيم جليل أنكره أكثر الصحابة وهو ليس إلا
الخلافة، إذ لو كان غيرها لما أنكروه ولما كتم الشهادة به من كتم. ويشهد بما ذكرنا:
اعتراف الحلبي بأن الإمام عليه السلام قد احتج بحديث الغدير ردا على من نازعه في
الخلافة، وهذا نص كلامه: (وعلى تسليم أن المراد أنه أولى بالإمامة، فالمراد في
المآل لا في الحال، وإلا لكان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وسلم، والمال لم
يعين له وقت، فمن أين أنه عقب وفاته صلى الله عليه وسلم؟ جاز أن يكون بعد أن تنعقد
له البيعة ويصير خليفة. ويدل لذلك أنه لم يحتج بذلك إلا بعد أن آلت إليه الخلافة
ردا على من نازعه فيها كما تقدم، فسكوته عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته قاض على
كل من له أدنى عقل فضلا عن فهم بأنه لا نص في ذلك على إمامته) (1).
مناشدة الإمام
أبا بكر وأصحاب الشورى

وكلام الحلبي - وإن كان يتضمن اعترافا بالحق كما ذكرنا -
يشتمل على مزاعم واضحة البطلان: (فالأولى) قوله: (فالمراد في المآل لا في الحال
وإلا لكان هو الإمام مع وجوده......) وهذا باطل لعدم وجود قيد في الحديث يقتضي ذلك،
بل الحديث الشريف مطلق، فالمعنى: من كنت مولاه فعلي أولى منه بالامامة. وهذ
(هامش)
(1) السيرة الحلبية 3 / 338. (*)
ص 32
ما يثبته الشيعة الإمامية قديما وحديثا، ويعانده المعاندون من أهل السنة كذلك.
(والثانية) قوله: (جاز أن يكون بعد أن تنعقد له البيعة ويصير خليفة) معناه حمل
(الأولوية بالامامة) على زمان بعد عثمان بن عفان، وهذا الحمل فاسد جدا، لأن تهنئة
الشيخين - كما في الصواعق وغيرها - يقلع أساسه الواهي من الجذور، لأنهما قد اعترفا
بكونه عليه السلام (مولى) كل مؤمن، فهو عليه السلام مولاهما باعترافهما سوء كانا من
المؤمنين أم لا، فهو (أولى) منهما بالامامة، فتقييدها بما بعد عثمان باطل حسب فهم
الشيخين واعترافهما أيضا. وأيضا: فإنه لا ريب في دلالة هذا الحديث - بناءا على حمل
(المولى) على الأولى بالامامة على الإمامة المطلقة لأمير المؤمنين عليه السلام،
وبما أنه لا نص على إمامة الثلاثة - وخلافتهم كما هو الثابت والمعترف به لدى القوم
حتى لقد اعترف بذلك (الدهلوي) نفسه - فإن مطلق النص على خلافة الإمام عليه السلام
يثبت خلافته بلا فصل، لقبح تقديم غير المنصوص عليه على المنصوص عليه. (والثالثة)
قوله: (ويدل لذلك أنه لم يحتج بذلك... فسكوته عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته)
مردود بعدم تسليم الشيعة بسكوته عليه الصلاة والسلام، بل إنهما يكذبون هذه الدعوى
ويستنكرونها، فدعوى الحلبي ذلك في مقابلة الشيعة الإمامية لا تنفعه بحال ولا يسقط
حديث الغدير عن الاحتجاج والاستدلال. وإليك بعض روايات الشيعة الإمامية المتضمنة
لمناشدة الإمام عليه السلام أبا بكر وأصحاب الشورى بحديث الغدير: 1 - روى الشيخ أبو
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي: أن أمير المؤمنين عليه السلام قال
لأبي بكر بن أبي قحافة: (ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه. فقال أبو
بكر: بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة والمحاباة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم
بالكتاب وفصل الخطاب مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وإنصاف المظلوم من الظالم
للقريب والبعيد ثم سكت. ص 33
فقال علي عليه السلام: أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في؟ قال
أبو بكر: بل فيك يا أبا الحسن. قال: أنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قبل ذكران المسلمين أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنا
الأذان لأهل الموسم ولجميع الأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك
بالله أنا وقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسي يوم الغار أم أنت؟ قال: بل
أنت. قال: أنشدك بالله لي الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم أم
لك؟ قال: بل لك. قال: أنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي يوم الغدير
أم أنت؟ قال: بل أنت) (1). 2 - وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ما
نصه: (جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن علي بن مهدي إملاءا من كتابه عن أبيه عن أبي
الحسن الرضا عن آبائه عليهم السلام، قال: لما أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير
المؤمنين عليه السلام وخاطباه في أمر البيعة وخرجا من عنده خرج أمير المؤمنين
(هامش)
(1) الخصال 2 / 549. (*)
ص 34
عليه السلام إلى المسجد، فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت، إذ بعث
فيهم رسولا منهم وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ثم قال: إن فلانا وفلانا أتياني
وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عم النبي وأبو بنيه والصديق الأكبر
وأخو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقولها أحد غيري إلا كاذب، وأسلمت وصليت قبل
كل أحد، وأنا وصيه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد، وأبو حسن وحسين
سبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم وبنا
استنقذكم من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح، وفي نزلت سورة من القرآن، وأنا الوصي
على الأموات من أهل بيته، وأنا ثقته على الأحياء من أمته، فاتقوا الله يثبت أقدامكم
ويتم نعمته عليكم. ثم رجع إلى بيته) (1). 3 - وروى الشيخ حسن بن محمد الديلمي ما
نصه: (روى عن الصادق عليه السلام: إن أبا بكر لقي أمير المؤمنين عليه السلام في سكة
بني النجار، فسلم عليه وصافحه وقال له: يا أبا الحسن أفي نفسك شيء من استخلاف الناس
إياي وما كان يوم السقيفة وكراهتك البيعة؟ والله ما كان ذلك من إرادتي، إلا أن
المسلمين اجتمعوا على أمر لم يك لي أن أخالف عليهم فيه... فقال له أمير المؤمنين:
يا أبا بكر فهل تعلم أحدا أوثق من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخذ
بيعتي عليك في أربعة مواطن، وعلى جماعة معك وفيهم عمر وعثمان: في يوم الدار، وفي
بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه في بيت أم سلمة، وفي يوم الغدير بعد رجوعه من
حجة الوداع. فقلتم بأجمعكم: سمعنا وأطعنا الله ورسوله. فقال لكم: الله ورسوله عليكم
من الشاهدين. فقلتم بأجمعكم: الله ورسوله علينا من الشاهدين. فقال لكم: فليشهد
بعضكم لبعض وليبلغ شاهدكم غائبكم، ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع. فقلت: نعم يا
رسول الله، وقلتم بأجمعكم تهنئون رسول الله وتهنئوني بكرامة الله لنا، فدنى عمر
(هامش)
(1) بحار الأنوار عن الأمالي للشيخ الطوسي 28 / 247. (*)
ص 35
وضرب على كتفي وقال بحضرتكم: بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى المؤمنين.
لقد ذكرتني يا أمير المؤمنين أمرا لو يكون رسول الله شاهدا فاسمعه منه) (1). ولو أن
أهل السنة أبوا عن قبول هذه الروايات فإنا نورد استدلال أمير المؤمنين بالنص على
إمامته في أيام أبي بكر من روايتهم، فقد روى أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي
الحنبلي في (أربعينه) عن أستاذه عمر بن الحسن المعروف بابن دحية - الذي ترجم له ابن
خلكان بما ملخصه: (أبو الخطاب عمر ابن الحسن - الأندلسي البلنسي الحافظ، كان من
أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقنا لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به، عارفا
بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها، أكثر بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس
الإسلامية ولقي بها علمائها ومشايخها، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه ويستفاد منه.) (2)
ما نصه: (الحديث الثالث: يرويه الثوري عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: حضرت
أنس ابن مالك وهو مكفوف البصر وفيه وضح، فقام إليه رجل - وكأنه كان بينه وبينه أحنة
- وقال: يا صاحب رسول الله ما هذه السمة التي أراها بك وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم: إن البرص والجذام ما يبتلي بها مؤمن؟ فأطرق أنس وعيناه تذرفان وقال: أما
الوضح فإنه دعوة دعاها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فسأله جماعة أن يحدثهم
بالحديث. فقال: لما أنزلت سورة الكهف سأل بعض الصحابة أن يريهم أهل الكهف فوعدهم
ذلك، فأهدي بساط له وذكره الصحابة وعده، فقال: أحضروا عليا، فلما حضر قال لي: يا
أنس أبسط البساط، فبسطته وأمر الصحابة أن يجلسوا عليه، فلما جلسوا رفع البساط وسار
في الهواء إلى الظهر، فوقف البساط ثم قمن
(هامش)
(1) إرشاد القلوب للديلمي: 246. (2) وفيات الأعيان 3 / 121. (*)
ص 36
نمشي على الأرض حتى شاهدنا الكهف، ورأينا قوما نياما تضئ وجوههم كالقناديل وعليهم
ثياب بيض وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد، فملئنا رعبا، فتقدم أمير المؤمنين وقال:
السلام عليكم، فردوا عليه السلام، وتقدم القوم وسلموا، فلم يردوا عليهم السلام،
فقال لهم علي: لم لا تردون على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أحدهم: سل
ابن عمك ونبيك. ثم قال علي للجماعة: خذوا مجالسكم، فلما أخذوا قال علي: يا ملائكة
الله ارفعوا البساط، فرفع وسرنا في الهواء ما شاء الله. ثم قال: ضعونا لنصلي الظهر،
فإذا نحن في أرض ليس فيها ماء نشرب ولا نتوضأ، فوكز الأرض برجله فنبع الماء العذب،
فتوضأنا وصلينا وشربنا. فقال: ستدركون صلاة العصر مع رسول الله وسار بنا البساط إلى
العصر، وإذا نحن على باب المسجد، فلما رآنا قال: تحدثوني أو أحدثكم؟ وجعل يحدثنا
كأنه كان معنا، فقال له علي: لم ردوا علي السلام ولم يردوا على أصحابي؟ فقال: إنهم
لا يردون السلام إلا على نبي أو وصي نبي. ثم قال: إشهد لعلي يا أنس. فلما كان بعد
يوم السقيفة استشهدني علي بيوم البساط فقلت: إني نسيت. قال: إن كنت كتمتها بعد وصية
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرماك الله ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمى في بصرك.
فبرصت وتلظى جوفي وعميت. وكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا في غيره من
حرارة بطنه. ومات بالبصرة، وكان يطعم كل يوم مسكينا عن يوم يفطر من رمضان) (1).
وأما عدم نقل أهل السنة احتجاج الإمام عليه السلام بحديث الغدير في أيام أبي بكر
ونحوها، فلا يكون حجة على الشيعة أبدا، كما أن نقل أحد الفريقين لا يكون حجة على
الفريق الآخر. هذا، وقد ذكر الفخر الرازي في (نهاية العقول) في وجه الاستدلال بحديث
الغدير: (الثاني: إن عليا رضي الله عنه ذكره في الشورى عندما حاول ذكر
(هامش)
(1) نهاية العقول - مخطوط. (*)
ص 37
فضائله، ولم ينكره أحد، فعدم إنكارهم لذلك مع توفر الدواعي على القدح فيما يفتخر به
الانسان على غيره دليل صحته) ثم أجاب عن هذا الاستدلال بقوله: (وأما الوجه الثاني
وهو المناشدة في الشورى فهو ضعيف، لأن الحاجة إلى تصحيح هذه المناشدة كالحاجة إلى
تصحيح أصل الحديث، بل ذلك أولى، لأن أكثر المحدثين ينكرون تلك المناشدة، وبتقدير
صحتها، فلا نسلم انتهائها إلى جميع الصحابة، وبتقدير انتهائها إلى كلهم فلا نسلم
أنه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك...). وفيه: كيف لا نسلم أنه لم يوجد فيهم من أنكر
ذلك؟ مع توفر الدواعي على نقل مثل هذا الانكار من أشياع المنحرفين عن أمير
المؤمنين، والحال أنه لم ينقله أحدا أبدا. وإذا لم يكن عدم النقل دليلا على العدم
في مثل هذا الأمر الذي توفرت الدواعي على نقله فكيف يكون عدم نقل استدلال الإمام
واحتجاجه بحديث الغدير في زمان أبي بكر وغيره دليلا على العدم، مع توفر الدواعي على
عدم نقله؟! على أنك قد علمت فيما تقدم رواية الواحدي الأشعار التي أنشدها في حضور
أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وضمنها جملة من فضائله وخصائصه ومنها حديث الغدير.
فدعوى سكوته في زمنهم كذب. * * * ص 39
(8) إستنكار أبي الطفيل لحديث الغدير

ص 41
وإن استنكار أبي الطفيل واستبعاده لحديث الغدير من أقوى الأدلة على دلالة حديث
الغدير على الإمامة والخلافة، إذ لو كان لهذا الحديث معنى غير الإمامة بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن للاستنكار والشك وجه فلقد جاء في رواية أحمد
عن أبي الطفيل قوله: (فخرجت وكأن في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني
سمعت عليا يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر! قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يقول ذلك له) (1). وفي رواية النسائي: (فخرجت وفي نفسي منه شيء، فلقيت زيد بن
أرقم وأخبرته، فقال: ما تشك! أنا سمعته) (2). وفي رواية ابن كثير: (فخرجت وكان في
نفسي شيء، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت عليا يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر!
لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك له. رواه النسائي من حديث
حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عنه أتم من
(هامش)
(1) مسند أحمد 4 / 370. (2) الخصائص: 100. (*)
ص 42
ذلك) (1). وفي (زين الفتى) عنه: (فقمت وكان في نفسي شيء، فلقيت زيد بن أرقم فأخبرته
بما قال علي. فقال: وما تنكر! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله) (2). وفي
(الرياض النضرة) بطريق ابن حبان: (فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء، فلقيت زيد بن أرقم
فذكرت له ذلك. فقال: قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ذلك) (3).
فهل ترى أن يكون أبو الطفيل في شك من وجوب محبة علي عليه السلام، وأن يكون في نفسه
شيء من كونه عليه السلام ناصرا ومحبا...؟! إن هذا لا يجوزه عاقل في حق أبي الطفيل
الذي يعد من أجلة الصحابة وعلمائهم:
ترجمة أبي الطفيل

فقد ترجم له ابن عبد البر
بقوله: (أبو الطفيل عامر بن واثلة، ولد يوم أحد، وأدرك من هجرة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثمان سنين، نزل الكوفة، صحب عليا كرم الله وجهه في مشاهده كلها، فلما قتل
علي رضي الله عنه انصرف إلى مكة فأقام بها حتى مات سنة مائة. وكان فاضلا عالما،
حاضر الجواب، فصيحا، وكان يتشيع في علي كرم الله وجهه ويفضله، ويثني على الشيخين
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويترحم على عثمان رضي الله عنه. قيل: قدم أبو الطفيل
يوما على معاوية فقال له: كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ قال: كوجد أم موسى لموسى
وأشكو إلى الله التقصير. وقال له
(هامش)
(1) تاريخ ابن كثير 3 / 346. (2) زين الفتى بتفسير سورة هل أتى - مخطوط. (3) الرياض
النضرة في فضائل العشرة المبشرة 2 / 223. (*)
ص 43
معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا ولكني كنت فيمن حضره. قال: فما منعك من نصره؟
قال: وأنت ما منعك من نصره، إذ تربصت به ريب المنون وكنت في أهل الشام وكلهم تابع
لك فيما تريد؟ قال له معاوية: أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له؟ قال: بلى، ولكنك كما
قال أخو بني فلان: لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي) (1)
وقال ابن الأثير: (كان فاضلا عاقلا حاضر الجواب فصيحا، وكان من شيعة علي ويثني على
أبي بكر وعمر وعثمان...) 2). * * *
(هامش)
(1) الاستيعاب 4 / 1696. (2) أسد الغابة 5 / 234. (*)
ص 45
(9) قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الحديث ألست أولى بالمؤمنين من
أنفسهم؟

ص 47
لقد صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديث الغدير جملة هي قوله: (ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم)، وهذا دليل واضح وبرهان قاطع على أن (المولى) في حديث الغدير
معناه (الأولى بالتصرف). وهذا الدليل يتم بإثبات أمور: 1 - ثبوت جملة (ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم). 2 - دلالة هذه الجملة على أولوية النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بالتصرف. 3 - دلالة مجئ هذه الجملة قبل حديث الغدير على كون المراد من
(المولى) في الحديث نفس المراد من (الأولى) في تلك الجملة. ولنشرع في إثبات هذه
الأمور حتى يتم الدليل:
1 - ذكر من روى جملة (ألست أولى...) في حديث الغدير

أما
الجملة المذكورة فلا ريب في ثبوتها، وممن رواها مع حديث الغدير: 1 - معمر بن راشد
أبو عروة الأزدي. 2 - عبد الله بن نمير الخارفي الكوفي. ص 48
3 - أبو نعيم فضل بن دكين شيخ البخاري. 4 - عفان بن مسلم. 5 - علي بن حكيم الأودي.
6 - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة. 7 - عبيد الله بن عمر القواريري. 8 - قتيبة بن
سعيد الثقفي البلخي البغلاني. 9 - أحمد بن حنبل الشيباني. 10 - أبو عبد الله محمد
بن يزيد بن ماجة القزويني. 11 - عبد الله بن أحمد بن حنبل. 12 - أحمد بن عمرو بن
عبد الخالق البزار. 13 - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. 14 - أبو العباس حسن
بن سفيان بن عامر. 15 - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي. 16 - محمد بن جرير الطبري
الشافعي. 17 - محمد بن علي بن الحسين المعروف بالحكيم الترمذي. 18 - أبو زكريا يحيى
بن عبد الله الغبري. 19 - دعلج بن أحمد السجزي. 20 - أبو حاتم محمد بن حبان البستي.
21 - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. 22 - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني. 23
- أحمد بن محمد الثعلبي. 24 - إسماعيل بن علي بن حسين بن زنجويه المعروف بابن
السمان. 25 - أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني. 26 - علي بن حسن حسين الخلعي. ص 49
27 - أحمد بن محمد العاصمي. 28 - عبد الكريم بن محمد المروزي السمعاني. 29 - الموفق
بن أحمد المكي الخوارزمي. 30 - عمر بن محمد بن خضر الأردبيلي المعروف بالملا. 31 -
أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني. 32 - أبو الفتوح أسعد بن محمود العجلي
الاصفهاني. 33 - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري. 34 - إبراهيم بن عبد الله
الوصابي. 35 - إبراهيم بن محمد الحموئي الجويني. 36 - جمال الدين الزرندي. 37 -
إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي. 38 - علي بن شهاب الدين الهمداني. 39 - أحمد بن
علي بن عبد القادر المقريزي. 40 - نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ. 41 -
حسين بن معين الدين الميبدي. 42 - عبد الله بن عبد الرحمن المشهور بأصيل الدين
المحدث. 43 - عطاء الله بن فضل الله المحدث الشيرازي. 44 - محمود بن محمد بن علي
الشيخاني. 45 - نور الدين علي الحلبي. 46 - حسام الدين بن محمد بايزيد السهارنبوري.
47 - ميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني. 48 - محمد صدر العالم. 49 - أحمد بن عبد
القادر. 50 - المولوي محمد مبين. ص 50
ومن هنا يظهر سقوط مكابرة فخر الدين الرازي في قوله: (ثم إن سلمنا صحة أصل الحديث،
ولكن لا نسلم صحه تلك المقدمة وهي قوله عليه السلام: ألست أولى بكم من أنفسكم.
بيانه: إن الطرق التي ذكرتموها في تصحيح أصل الحديث لم يوجد في شيء منها هذه
المقدمة، فإن أكثر من روى أصل الحديث لم يرو تلك المقدمة، فلا يمكن دعوى إطباق
الأمة على قبولها، لأن من خالف الشيعة إنما يروون أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة
علي رضي الله عنه، ولا يروون هذه المقدمة. وأيضا فلم يقل أحد أن عليا رضي الله عنه
ذكرها يوم الشورى، فثبت أنه لم يحصل في هذه المقدمة شيء من الطرق التي يثبتون أصل
الحديث بها، فلا يمكن إثبات هذه المقدمة) (1). ولا يخفى عليك التهافت بين قوله:
(فإن أكثر من روى هذا الحديث...). وقوله: (لأن من خالف الشيعة إنما يروون...). كما
يسقط إنكار إسحاق الهروي القائل: (ومن رواه لم يرو أول الحديث أي قوله: ألست أولى
بكم من أنفسكم. وهو القرينة على كون المولى بمعنى الأولى...). بل يكفي في إبطال
دعوى الرازي والهروي إعتراف (الدهلوي) حيث ذكر: (إن قول النبي: ألست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم مأخوذ من الآية القرآنية، ومن هنا جعل ذلك من المسلمات لدى أهل الإسلام،
ثم فرع عليه الحكم التالي له).
2 - دلالة الجملة على أولوية النبي بالتصرف

وأيضا،
فلا ريب في دلالة مقدمة الحديث وهي قوله صلى الله عليه وآله
(هامش)
(1) نهاية العقول - مخطوط. (*)
ص 51
وسلم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ على أنه صلى الله عليه وآله وسلم أولى من
المؤمنين بالتصرف مطلقا، فإن هذه الجملة متخذة - كما اعترف (الدهلوي) - من الآية
الكريمة في القرآن العظيم... وهي تدل على الأولوية بالتصرف، وقد اعترف بذلك كبار
علماء أهل السنة ومشاهير أساطينهم في مختلف العلوم والفنون: قال الواحدي: (قوله:
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أي إذا حكم عليهم بشيء نفذ حكمه ووجب طاعته عليهم.
قال ابن عباس: إذا دعاهم النبي إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي أولى
بهم من طاعة أنفسهم) (1). وقال البغوي: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أي من
بعضهم ببعض في نفوذ حكمه عليهم ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطا: يعني إذا
دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله
عليه وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم. وقال ابن زيد: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
فيما قضى فيهم كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه. وقيل: أولى بهم في الحمل على
الجهاد وبذل النفس دونه. وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الجهاد فيقول
قوم نذهب ونستأذن من أبنائنا وأمهاتنا، فنزلت الآية. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا
أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن
محمد أنا أبو عامر أنا فليح عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي
هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا
والآخرة، إقرأوا إن شئتم *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* فأيما مؤمن مات وترك
مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه) (2).
(هامش)
(1) التفسير الوسيط - مخطوط. (2) معالم التنزيل للبغوي 5 / 191 بهامش الخازن. (*)
ص 52
وقال القاضي البيضاوي: (*(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* في الأمور كلها، فإنه
لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم، بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم
أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ فيهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من
شفقتهم عليها. روي أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج، فقال
ناس: نستأذن آبائنا وأمهاتنا. فنزلت) (1). وقال جار الله الزمخشري: (*(النبي أولى
بالمؤمنين)* في كل شيء من أمور الدنيا والدين من أنفسهم، ولهذا أطلق ولم يقيد، فيجب
عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقه آثر لديهم من
حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه إذا
أعضل خطب ووقاءه إذا ألقحت حرب، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا ما تصرفهم
عنه ويتبعوا كلما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفهم عنه...) (2).
وقال قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن الخليل الخويي * توجد ترجمته في كتب الطبقات،
قال ابن قاضي شهبة: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهلبي، قاضي القضاة
شمس الدين أبو العباس الخويي. ولد بخوي في شوال سنة 583... قال السبكي في الطبقات
الكبرى: وقرأ الفقه على الرافعي، وقرأ علم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع الحديث
من جماعة... قال الذهبي: كان فقيها إماما مناظرا خبيرا بعلم الكلام أستادا في الطب
والحكمة دينا كثير الصلاة والصيام. توفي في شعبان سنة 737 * قال بتفسير الآية
المباركة: (تقرير لصحة ما صدر منه صلى الله عليه وسلم من التزوج بزينب، وكأن
(هامش)
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي: 552. (2) الكاشف للزمخشري: 3 / 523. (*)
|