نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثاني عشر

الصفحة السابقة

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثاني عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 253

وقال البخاري ويعقوب بن سفيان عن علي بن المديني: مات بالمدينة سنة 104. زاد يعقوب عن علي: فما حمله أحد، أكتروا له أربعة. وسمعت بعض المدنيين يقول: اتفقت جنازته وجنازة كثير عزة بباب المسجد في يوم واحد فما قام إليها أحد. قال: فشهد الناس جنازة كثير وتركوا عكرمة. وعن أحمد نحوه لكن قال: فلم يشهد جنازة عكرمة كثير أحد. وقال الدراوردي نحو الذي قبله لكن قال: فما شهد هما إلا السودان، ومن هنا لم يرو عنه مالك. وقال مالك بن أنس عن أبيه نحوه لكن قال: فما علمت أن أحدا من أهل المسجد حل حبوته إليهما. وقال أبو داود السنجي عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد: مات كثير وعكرمة في يوم واحد فأخبرني غير الأصمعي (قال فشهد الناس جنازة كثير وتركوا جنازة عكرمة). وقال عمرو بن علي وغير واحد مات سنة 105. وقال الواقدي: حدثتني ابنته أم داود أنه توفي سنة 105 وهو ابن ثمانين سنة. وقال أبو عمر الضرير والهيثم بن عدي: مات 104. وقال عثمان بن أبي شيبة وغير واحد: مات سنة 107، وقيل: إنه مات سنة 115 وذلك وهم. قلت: ونقل الإسماعيلي في المدخل أن عكرمة ذكر عند أيوب وأنه لا يحسن الصلاة فقال أيوب: أو كان يصلي؟ ومن طريق هشام بن عبد الله المخزومي: سمعت ابن أبي ذيب يقول: كان عكرمة غير ثقة وقد رأيته. وعن مطرف: كان مالك يكره أن يذكر عكرمة ولا يرى أن يروى عنه. ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب: كنا نأتي عكرمة فيحلف أن لا يحدثنا

ص 254

فما نكون بأطمع منه في ذلك إذا حلف، فقال له رجل في ذلك فقال: تحديثي لكم كفارته (1). وقال العيني: السابعة: في الصحيح جماعة جرحهم بعض المتقدمين، وهو محمول على أنه لم يثبت جرحهم بشرطه، فإن الجرح لا يثبت إلا مفسرا مبين السبب عند الجمهور، ومثل ذلك ابن الصلاح بعكرمة، وإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم. قال واحتج مسلم بسويد ابن سعيد وجماعة منهم اشتهر الطعن فيهم، قال: وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يقبل إلا إذا فسر سببه. قلت: قد فسر الجرح في هؤلاء. أما عكرمة فقال ابن عمر - رضي الله عنه - لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وكذبه مجاهد وابن سيرين ومالك. وقال أحمد: يرى رأي الخوارج الصفرية. وقال ابن المديني: يرى رأي نجدة. ويقال: كان يرى السيف. والجمهور وثقوه واحتجوا به، ولعله لم يكن داعية (2). وقال السيوطي في (الأوائل): أول من قال برأي الصفرية في المغرب: عكرمة مولى ابن عباس. أخرجه ابن عساكر من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود . وقال عبد الحق الدهلوي في (رجال المشكاة) بترجمة عكرمة: وقيل: إنه كان يرى رأي الخوارج، وينسبه إلى عباس أيضا. وقال ابن عمر لنافع: إتق الله ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس قال: وقال القاسم: عكرمة كذاب، يحدث بكرة وينسى عشية. وقال طاوس: لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف عن حديثه لشدت إليه المطايا .

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 7 / 234. (2) عمدة القاري - المقدمات 1 / 8. (*)

ص 255

ترجمة إسماعيل بن أبي أويس وفي الطريق الثاني (إسماعيل بن عبد الله الأصبحي المعروف بابن أبي أويس) وهو ابن أخت مالك. ولا تخفى مثالب هذا الرجل وقوادحه على من نظر في كتب الرجال لأهل السنة. قال النسائي في (الضعفاء): إسماعيل بن أبي أويس ضعيف (1) وقال الذهبي: وقال ابن عدي قال أحمد بن أبي يحيى: سمعت ابن معين يقول: هو وأبوه يسرقان الحديث. وقال الدولابي في الضعفاء: سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: كذاب، كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب. وقال العقيلي: حدثني أسامة البصري سمعت يحيى بن معين يقول: إسماعيل بن أبي أويس يساوي فلسين فلسين. قلت: وساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث ثم قال: روى عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد (2). وقال في (الكاشف): إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس الأصبحي، عن خاله مالك وأبيه وأخيه أبي بكر عبد الحميد وسلمة بن وردان. وعنه خ م وإسماعيل القاضي وعلي البغوي وأمم قال أبو حاتم: مغفل محله الصدق. وضعفه النسائي. مات سنة 226 (3). وقال ابن حجر العسقلاني: وقال ابن أبي خيثمة عنه (أي عن ابن معين) صدوق ضعيف العقل ليس بذاك. يعني إنه لا يحسن الحديث ولا يعرف أن يؤديه أو يقرأ من غير كتابه. وقال معاوية بن صالح عنه: هو وأبوه ضعيفان. وقال عبد الوهاب بن عصمة عن أحمد بن أبي يحيى عن ابن معين: ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث.

(هامش)

(1) الضعفاء للنسائي - المجموع في الضعفاء والمتروكين: 54. (2) ميزان الاعتدال 1 / 222. (3) الكاشف 1 / 125. (*)

ص 256

وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى: مخلط يكذب وليس بشيء. وقال أبو حاتم: محله الصدق وكان مغفلا. وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: غير ثقة. وقال اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه ولعله بان له ما لم يبن لغيره، لأن كلام هؤلاء كلهم يؤل إلى أنه ضعيف. وقال ابن عدي: روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد. وقال الدولابي في الضعفاء: سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: ابن أبي أويس كذاب كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب. وقال العقيلي في الضعفاء: ثنا أسامة الرفاف بصري سمعت يحيى بن معين يقول: ابن أبي أويس يسوى فلسين. وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح . وحكى ابن أبي خيثمة عن عبد الله بن عبيد الله العباسي صاحب اليمن أن إسماعيل ارتشى من تاجر عشرين دينارا حتى باع له على الأمير ثوبا يساوي خمسين بمائة. وذكره الإسماعيلي في المدخل فقال: كان ينسب في الخفة والطيش إلى ما أكره ذكره. قال وقال بعضهم: جانبناه للسنة. وقال ابن حزم في المحلى قال أبو الفتح الأزدي: حدثني سيف بن محمد أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث. وقرأت على عبد الله بن عمر عن أبي بكر بن محمد: إن عبد الرحمن بن مكي أخبرهم كتابة أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد البقلاني، أنا الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني، ثنا أبو الحسن الدارقطني، قال ذكر محمد بن موسى الهاشمي - وهو أحد الأئمة وكان النسائي يخصه بما لم يخص به ولده - فذكر عن أبي عبد

ص 257

الرحمن قال: حكى لي سلمة بن شبيب قال: بم توقف أبو عبد الرحمن. قال: فما زلت بعد ذلك أداريه أن يحكي لي الحكاية حتى قال قال لي سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم. قال البرقاني قلت للدارقطني: من حكى لك هذا عن محمد بن موسى؟ قال: الوزير، كتبتها من كتابه وقرأتها عليه. يعني بالوزير الحافظ الجليل جعفر بن خنزابة. قلت: وهذا هو الذي بان للنسائي منه حتى تجنب حديثه، وأطلق القول فيه بأنه ليس بثقة، ولعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح. وأما الشيخان فلا يظن بهما أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديث الذي شارك فيه الثقات. وقد أوضحت ذلك في مقدمة شرحي على البخاري والله أعلم (1). قلت: ما ذكره ابن حجر أخيرا من قوله: لعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح فاحتمال - لو قبل - لم يبق مجالا للطعن في راو من الرواة أبدا، وقوله وأما الشيخان فلا يظن بهما أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات ظن لا يغني عن الحق، ولا يغير من الواقع والحقيقة شيئا، وأما قوله وقد أوضحت ذلك في مقدمة شرحي على البخاري فهذا نص ما قاله هناك: إسماعيل بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن عامر الأصبحي، ابن أخت مالك بن أنس، إحتج به الشيخان إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه، ولا أخرج له البخاري مما ينفرد به، سوى حديثين. وأما مسلم فأخرج له أقل مما خرج له البخاري. وروى له الباقون سوى النسائي فإنه أطلق القول بضعفه. وروى عن سلمة بن شبيب ما يوجب طرح روايته واختلف فيه قول ابن معين فقال مرة: ضعيف. وقال مرة: كان يسرق الحديث هو وأبوه. وقال

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 1 / 271. (*)

ص 258

أبو حاتم محله الصدق وكان مغفلا. وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به. وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح. قلت: وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح إن إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به، ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه، لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا فلا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح، من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا أن يشاركه غيره فيعتبر به (1). وأنت ترى أنه لم يذكر في هذه العبارة كثيرا من كلمات الجرح في الرجل، التي أوردها هو نفسه بترجمته من (تهذيب التهذيب)... بل حتى أنه سلك سبيل الاجمال فيما ذكره، حماية للبخاري وذبا عن كتابه مهما أمكن... وأما دعوى أن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه لأنه كتب من أصوله - ولعل هذا هو المقصود من قوله: وقد أوضحت... - فالجواب عنها: أن هذا غير مسلم، ولو سلم فلا ينفع، لأن الرجل بالإضافة إلى ضعف عقله وتخليطه وكذبه... يعترف على نفسه بالوضع... فإذا كان الرجل بنفسه معترفا بالوضع كيف يطمئن ويوثق بأخباره حتى أصوله؟... ومن هنا ترى ابن حجر يقول بالتالي: فلا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح... وهذا حسن ظن بالبخاري وفعله لا غير. وقال العيني في المقدمة السابعة: وأما إسماعيل بن أبي أويس فإنه أقر على نفسه بالوضع كما حكاه النسائي عن سلمة بن شعيب [شبيب] عنه. وقال ابن معين: لا يساوي فلسين، هو وأبوه يسرقان الحديث، وقال النضر بن سلمة المروزي فيما حكاه الدولابي عنه: كذاب كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب .

(هامش)

(1) مقدمة فتح الباري: 388. (*)

ص 259

مالك بن أنس وفي الطريق الثاني (مالك بن أنس) وله قوادح عظيمة، أعظمها: العداء لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وأهل بيته الطاهرين، وتفصيل ذلك كله مذكور في (إستقصاء الافحام) فليرجع إليه من شاء... هذا كله بالنسبة إلى سند هذا الحديث. وأما متنه ودلالته فأضعف وأوهن، وإن شئت بيان ذلك فارجع إلى كتاب (شوارق النصوص)، فإن هناك ما يبهر الناظر اللبيب، ويقضي منه العجب العجيب. تحريف البخاري في حديث الخوخة وضعف أسانيده ثم إن بعض المتضلعين من أهل السنة في الاختلاق والافتعال لم يكتف بجعل الخوخة لأبي بكر، فأبد لها بلفظ الباب لتتم بزعمه المعارضة لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ... ألا ترى أن البخاري بعد أن روى حديث الخوخة تحت عنوان باب الخوخة والممر في المسجد من كتاب الصلاة، عن ابن عباس. قال في كتاب المناقب: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر. قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد تنبه شراحه إلى هذا التحريف، فحاولوا إصلاحه فقالوا: بأنه نقل بالمعنى، قال ابن حجر: وصله المصنف في الصلاة بلفظ: سدوا عني كل خوخة. فكأنه ذكره بالمعنى (1). وقال العيني: هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ: سدوا عني كل خوخة في المسجد. وهذا هنا نقل بالمعنى، ولفظه في الصلاة في باب الخوخة والممر في المسجد (2).

(هامش)

(1) فتح الباري 1 / 442. (2) عمدة القاري 4 / 245. (*)

ص 260

ولا يخفى عليك ما في هذا التأويل، أما أولا: فلأنه ينافي تلك المبالغات والاغراقات التي يذكرها أولياء البخاري له في احتياطه في النقل والتزامه بنقل ألفاظ الأحاديث كما هي من غير تصرف، كما لا يخفى على ناظر كلماتهم ومتتبع سقطاتهم. وأما ثانيا: فلأنه ليس تصرف البخاري هذا من النقل بالمعنى، لوضوح الفرق بين الخوخة و الباب حتى على الأطفال وربات الحجال، فضلا عن ذوي الألباب من الرجال. وكما حرف البخاري لفظ الحديث عن ابن عباس، كذلك حرفه نقلا عن أبي سعيد الخدري أيضا، فقد عرفت أنه أخرجه عن أبي سعيد في باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة بلفظ الخوخة ، لكنه ذكر نفس الحديث في مناقب أبي بكر في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، واضعا لفظ الباب بدلا عن الخوخة وهذا نص كلامه: حدثني عبد الله بن محمد، حدثني أبو عامر، حدثنا فليح قال حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير، فكان رسول الله هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر (1). وقد بذل شراحه قصارى سعيهم في سبيل عزو هذا التحريف الشنيع إلى رواة الحديث، وأن البخاري نفسه برئ من ذلك... لكن حقيقة الحال لا تخفى على أهل التحقيق، وإن حاول الشراح الاخفاء والتلبيس...

(هامش)

(1) صحيح البخاري - مناقب أبي بكر 5 / 62. (*)

ص 261

ثم إن هذا السند مقدوح أيضا كالسندين السابقين، لوقوع (فليح بن سليمان) في طريقه... قال النسائي في (الضعفاء): فليح بن سليمان، ليس بالقوي، مدني .. وقال الذهبي: فليح بن سليمان العدوي مولاهم، المدني... قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي. مات سنة 168 (1). وقال في (المغني) بترجمته: وقد قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي (2). وقال في (المغني) بترجمة محمد بن طلحة بن مصرف: قال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن معين يقول: ثلاثة يتقى حديثهم: محمد بن طلحة بن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان. قلت لابن معين: عمن سمعت هذا؟ قال: سمعته من أبي كامل مظفر بن مدرك (3). وقال الذهبي في (الميزان) بترجمة فليح: فليح بن سليمان المدني أحد العلماء الكبار عن نافع والزهري وعدة. إحتجا به في الصحيحين. وقد قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي وقال أبو حاتم: سمعت معاوية بن صالح سمعت يحيى بن معين يقول: فليح بن سليمان ليس بثقة ولا ابنه ثم قال أبو حاتم: كان ابن معين يحمل على محمد بن فليح. وروى عثمان بن سعيد عن يحيى: ضعيف ما أقربه من أبي أويس. وروى عباس عن يحيى: لا يحتج به. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن معين يقول: ثلاثة يتقى حديثهم: محمد ابن طلحة بن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان. قلت له: ممن سمعت هذا؟ قال: من مظفر بن مدرك وكنت آخذ عنه هذا الشأن. قلت: مظفر هو أبو كامل من حفاظ بغداد من طبقة عفان.

(هامش)

(1) الكاشف 2 / 387. (2) المغني في الضعفاء 2 / 516. (3) المصدر نفسه 2 / 595. (*)

ص 262

وروى معاوية بن صالح عن يحيى: فليح ضعيف. وقال الساجي: يهم وإن كان من أهل الصدق. وأصعب ما رمي به ما ذكر عن ابن معين عن أبي كامل قال: كنا نتهمه لأنه كان يتناول من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: قد اعتمد أبو عبد الله البخاري فليحا في غير ما حديث، كحديث: إن في الجنة مائة درجة. وحديث: هل فيكم أحد لم يقارف الليلة. وحديث: إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض. صححه الترمذي. وحديث: يخالف الطريق يوم العيد. سعيد بن منصور نبأ فليح عن أبي طوالة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يستعمله إلا ليصيب به عرضا من عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة. وقال أبو داود: لا يحتج بفليح. وقال الدارقطني: يختلفون فيه ولا بأس به. قلت: مات سنة ثمان وستين ومائة (1). وقال ابن حجر: قال عثمان الدارمي عن ابن معين: ما أقربه من أبي أويس. وقال الدوري عن ابن معين: ليس بالقوي ولا يحتج بحديثه وهو دون الدراوردي. وقال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال الآجري: قلت لأبي داود: أبلغك أن يحيى بن سعيد كان يقشعر من أحاديث فليح؟ قال: بلغني عن يحيى بن معين قال: كان أبو كامل مظفر بن مدرك يتكلم في فليح. قال أبو كامل: كانوا يرون أنه يتناول رجال الزهري. قال أبو داود: وهذا خطأ، هو يتناول رجال مالك.

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال 3 / 365. (*)

ص 263

وقال الآجري قلت لأبي داود: قال ابن معين: عاصم بن عبيد الله وابن عقيل وفليح لا يحتج بحديثهم. قال: صدق. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم. وقال الدارقطني: يختلفون فيه وليس به بأس. وقال ابن أبي شيبة: قال علي بن المديني: كان فليح وأخوه عبد الحميد ضعيفين. وقال البرقي عن ابن معين: ضعيف وهم يكتبون حديثه ويشتهونه. وقال الساجي: هو من أهل الصدق ويهم. وقال الرملي عن داود: ليس بشيء. وقال الطبري: ولاه المنصور على الصدقات لأنه كان أشار عليهم بحسن ابن حسن لما طلب محمد بن عبد الله بن الحسن. وقال ابن القطان: أصعب ما رمي به ما روي عن يحيى بن معين عن أبي كامل قال: كنا نتهمه لأنه كان يتناول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. كذا ذكر هذا هكذا ابن القطان في كتاب البيان له، وهو من التصحيف الشنيع الذي وقع له. والصواب ما تقدم. ثم رأيته مثل ما نقل ابن القطان في رجال البخاري للساجي، فالوهم منه (1). وقال ابن حجر: إحتج به البخاري وأصحاب السنن، وروى له مسلم حديثا واحدا وهو حديث الإفك. وضعفه يحيى بن معين والنسائي وأبو داود، وقال الساجي: هو من أهل الصدق وكان يهم. وقال الدارقطني: يختلف فيه ولا بأس به. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة وغرائب، وهو عندي لا بأس به.

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 8 / 272. (*)

ص 264

قلت: لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما. وإنما خرج له أحاديث أكثرها في المتابعات وبعضها في الرقائق (1). ومن غرائب الأمور: أن البخاري يذكر هذه الرواية المسندة إلى أبي سعيد الخدري مع هذا التحريف، أعني تبديل لفظة الخوخة بلفظة الباب في كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد، وهذا نص عبارته: حدثنا محمد بن سنان قال: حدثنا فليح قال حدثنا أبو النضر عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال: خطب النبي فقال: إن الله سبحانه خير عبدا... (2). وهذا السند أيضا مقدوح: لاشتماله على (فليح بن سليمان) أيضا، وقد عرفته، ولأن ظاهره رواية: (عبيد بن حنين) عن (بسر بن سعيد)، وهذا غلط واضح، ومن هنا انبرى أولياء البخاري لإصلاحه بطرق مختلفة، وكان الاحرى أن يعترفوا بالعجز عن إصلاحه... قال ابن حجر في مقدمة (فتح الباري) في الكلام على الأحاديث التي اعترض الحفاظ فيها على البخاري: الحديث الرابع - قال البخاري باب الخوخة والممر في المسجد: حدثنا محمد بن سنان... الحديث. قال الدارقطني: هذا السياق غير محفوظ، واختلف فيه على فليح فرواه محمد بن سنان هكذا وتابعه المعافى بن سليمان الحراني، ورواه سعيد بن منصور ويونس بن محمد المؤدب وأبو داود الطيالسي عن فليح عن أبي النضر عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد جميعا عن أبي سعيد. قلت: أخرجه مسلم عن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة عن يونس، وابن حبان في صحيحه من حديث الطيالسي، ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد، ولم يذكر عبيد بن حنين، أخرجه

(هامش)

(1) مقدمة فتح الباري: 435. (2) صحيح البخاري - كتاب الصلاة 1 / 260. (*)

ص 265

البخاري في مناقب أبي بكر. فهذه ثلاثة أوجه مختلفة. فأما رواية أبي عامر فيمكن ردها إلى رواية سعيد بن منصور بأن يكون اقتصر فيها على أحد شيخي أبي النضر دون الآخر، وقد رواه مالك عن أبي النضر عنهما جميعا، حدث به القعنبي في الموطأ عنه وتابعه جماعة عن مالك خارج الموطأ وأخرجه البخاري أيضا عن ابن أبي أويس عن مالك في الهجرة، لكنه اقتصر فيه على عبيد بن حنين حسب. وأما رواية محمد بن سنان فوهم، لأنه صير بسر بن سعيد شيخا لعبيد بن حنين، وإنما هو رفيقه في رواية هذا الحديث. ويمكن أن يكون الواو سقطت قبل قوله عن بسر، وقد صرح بذلك البخاري فيما رواه أبو علي بن السكن الحافظ في زوائده في الصحيح قال: أنا الفربري قال قال البخاري: هكذا رواه محمد بن سنان عن فليح، وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد. يعني بواو العطف فقد أفصح البخاري بأن شيخه سقطت عليه الواو من هذا السياق، وأن من إسقاطها نشأ هذا الوهم. وإذا رجعنا إلى الإنصاف لم تكن هذه علة قادحة مع هذا الايضاح. والله أعلم (1). وقال بشرح الحديث: (قوله عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد) هكذا في أكثر الروايات، وسقط من رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد فصار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد، وهو صحيح في نفس الأمر لكن محمد بن سنان

(هامش)

(1) كيف لا تكون في هذا الخبر علة قادحة، وقد اضطرب فيه فليح اضطرابا عظيما أدى إلى روايته بثلاثة أوجه، أولها وهم صريح والحمل فيه على ابن سنان كما اختاره البخاري ليس بصحيح، فقد تابعه فيه المعافى بن سليمان الحراني، فبرئ ابن سنان عن العهدة وصار الأمر إلى فليح وهو مطعون في نفسه. ومع ذلك فقد اضطرب في هذا الخبر اضطرابا لا مزيد عليه. وأما مالك فقد اضطرب أيضا في هذا الخبر وإن كان اضطرابه دون اضطراب فليح. وهو أيضا مطعون أما البخاري فلا يكاد يتخلص من ورطة إيراده هذا الخبر بسند قد اشتمل على وهم صريح، والعذر عنه بأنه أفصح للفربري خلط شيخه محمد بن سنان لا يجدي شيئا، لأن الحمل على شيخه غير مسلم، بل الحمل على فليح المطعون كما عرفت، ولو سلم فسكوت البخاري في الصحيح على هذا الغلط كائنا عمن كان مع عدم التنبيه عليه مع الشعور به قادح. والله العاصم. (*)

ص 266

إنما حدث به كالذي وقع في بقية الروايات، فقد نقل ابن السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال: هكذا حدث به محمد بن سنان، وهو خطأ وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد. يعني بواو العطف. فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدثه كل منهما به عن أبي سعيد، وقد رواه مسلم كذلك عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي النضر عن عبيد وبسر جميعا عن أبي سعيد، وتابعه يونس بن محمد عن فليح، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عنه. ورواه أبو عامر العقدي من فليح عن أبي النضر عن بسر وحده، أخرجه المصنف في مناقب أبي بكر. فكأن فليحا كان يجمعهما مرة ويقتصر مرة على أحدهما. وقد رواه مالك عن أبي النضر عن عبيد وحده عن أبي سعيد، أخرجه المصنف أيضا في الهجرة، وهذا مما يقوي أن الحديث عند أبي النضر عن شيخين، ولم يبق إلا أن محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة، مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به. ويؤيد هذا الاحتمال: أن المعافى بن سليمان الحراني رواه عن فليح كرواية محمد بن سنان، وقد نبه المصنف على أن حذف الواو خطأ، فلم يبق للاعتراض عليه سبيل. قال الدارقطني: رواية من رواه عن أبي النضر عن عبيد عن بسر غير محفوظة (1). وهكذا قال العيني بشرح الحديث من (عمدة القاري) (2). الرابع: ما ادعاه من كون حديث الخوخة إشارة إلى كلية بيت النبوة - مع غض النظر عن بطلان الحديث المزعوم - سخيف جدا، فأين الإشارة المذكورة؟ وأين خوخة بيت أبي بكر عن بيت النبوة؟ والخامس: اللفظ الذي ذكره لحديث سد الأبواب لفظ مهمل، وسياقه مختل لم نعلم من أين ينقله... ولماذا وضع هذا اللفظ في موضع الجملة

(هامش)

(1) فتح البخاري 1 / 443. (2) عمدة القاري 4 / 242. (*)

ص 267

الشريفة: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي الصريحة الواضحة الدلالة، والواردة عن أكابر الأئمة من أحمد، والنسائي، والحاكم، والضياء المقدسي، وغيرهم...!!... والسادس: كيف تكون إضافة الباب إلى علي إضافة بيانية؟ مع أن شرط الإضافة البيانية أن يكون المضاف من جنس المضاف إليه، كخاتم فضة... وأيضا: في الإضافة البيانية يجوز إظهار من فيقال: خاتم من فضة، وهنا لا يصح: باب من علي. والسابع: لقد اشتبه الأمر على الأورنقابادي، فتوهم الاتحاد بين حديث مدينة العلم، وحديث سدوا الأبواب، من جهة وجود لفظ الباب في الحديثين، لكن الباب في الأول معنوي، وفي الثاني ظاهري، كما لا يخفى على أولي الأفهام. النظر في حديث حذيفة في بابية عمر والثامن: جعله عمر بابا إستنادا إلى حديث حذيفة واضح البطلان والاعتساف، فإن هذا الحديث من متفردات أهل السنة، على أنه ذم لعمر وليس مدحا، إذ هو ظاهر في كونه باب الفتنة لا باب العلم ... وقد ذكره الأورنقابادي نفسه في حاشية هذا الموضع من كتابه بقوله: وهو مخرج في البخاري ومسلم عن سفيان [شقيق] عن حذيفة: قال كنا عند عمر فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظ كما قال. قال: هات، إنك لجري، وكيف قال؟ قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقال عمر: ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر. قال قلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين، إن بينك

ص 268

وبينها بابا مغلقا. قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قال قلت: لا بل يكسر. قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبدا. قال: فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط. قال: فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب. فقلنا لمسروق: سله. فقال: عمر... . فأنت ترى حذيفة يقول لعمر في هذا السياق: إنك بينك وبينها بابا مغلقا ... وهو ظاهر في كونه باب الفتنة غير أنه مغلق ... وقد توهم الأورنقابادي أن كونه مغلقا مدح لعمر، مع أن كون الشخص باب الفتنة ذم له وإن كان مغلقا. هذا بالنسبة إلى السياق الذي ذكره الأورنقابادي، وأما سياقاته الأخرى فلا يفيد شيء منها كون عمر بابا... ففي (صحيح مسلم) كتاب الإيمان: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا أبو خالد - يعني سليمان بن حيان - عن سعد بن طارق، عن ربعي عن حذيفة قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله وجاره. قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم. فقلت: أنا. فقال: أنت لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجنحيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه. قال حذيفة: وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر قال عمر: أكسرا لا أبا لك، فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا بل يكسر. وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت حديثا ليس بالأغاليط. قال أبو خالد فقلت لسعد: يا أبا مالك، ما أسود مربادا؟ قال: شدة

ص 269

البياض في سواد. قال قلت: فما الكوز مجنحيا؟ قال: منكوسا (1). وفي هذا السياق: إن بينك وبينها بابا مغلقا فالباب غير عمر... ولا تخفى وجوه الفرق الأخرى بين هذا السياق والسياق الذي ذكره الأورنقابادي. وكيف كان، فلا دلالة في هذا الحديث على معنى يصلح لأن يذكر في مقابلة حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها . دعوى دلالة حديث المدينة على عدم تملك بيت النبوة شيئا من المال والتاسع: وزعم الأورنقابادي كون حديث أنا مدينة العلم إشارة وإيماء إلى أن بيت النبوة خال من جميع الأموال إلا العلم، ثم استشهد لذلك بما رووا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الأنبياء لم يورثوا... فنقول: أولا: لا ذكر في حديث المدينة لبيت النبوة ولا سيما بالمعنى الذي توهمه... وثانيا: الإشارة المذكورة ممنوعة، أفهل يجوز القول بخلو بيت النبوة من متاع الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد... ومن متاع الزهد والورع والتقوى والشجاعة والعدالة وحسن الخلق... وما سواها من الخصال الحميدة؟ نعم يدل الحديث على انحصار أخذ العلم من باب مدينة العلم دلالة ظاهرة أظهر من الشمس وأبين من الأمس، ولكن هذا الانحصار يأتي على مذهب الأورنقابادي بالدمار. وثالثا: لو سلمنا كون الحديث إشارة إلى انحصار متاع البيت في العلم فغاية ذلك هو: أن متاع بيت النبوة في بيت النبوة من حيث أنه بيت النبوة هو العلم وأن الأموال لا يعتنى إليها فيه، لا أن النبي صلى الله عليه وآله - وهو صاحب بيت النبوة - لم يكن يملك شيئا من الأموال، كما هو مزعوم جمع من المتصوفين، وإليه يميل كلام الأورنقابادي المهين. وأما حديث: إن الأنبياء... فلا يدل على الفقر بالمعنى الذي يتوهمه

(هامش)

(1) صحيح مسلم - كتاب الإيمان 1 / 89. (*)

ص 270

المتصوفة، بل يدل على الزهد والورع والكرم والإيثار... هذا، على أن هذا الحديث في (جامع الترمذي) مقدوح سندا، فقد قال: حدثنا محمود بن خداش البغدادي: نا محمد بن يزيد الواسطي نا عاصم بن رجاء بن حياة عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال: ما أقدمك يا أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر. ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس إسناده عندي بمتصل. هكذا حدثنا محمود بن خداش هذا الحديث، وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح من حديث محمود بن خداش (1). فإن كلام الترمذي نفسه كاف لسقوط الحديث، ونضيف إلى ذلك أن: كثير بن قيس - راوي الحديث عن أبي الدرداء - ضعفه الدارقطني وغيره، قال الذهبي: كثير بن قيس، تابعي، تقدم في الدال تضعيف الدارقطني له (2). وقال ابن حجر: كثير بن قيس الشامي، ويقال قيس بن كثير - والأول أكثر - ضعيف، من الثالثة، ووهم ابن قانع فأورده في الصحابة (3). وقال الخزرجي:

(هامش)

(1) جامع الترمذي 5 / 46. (2) ميزان الاعتدال 3 / 409. (3) تقريب التهذيب 2 / 132.

ص 271

د ت ق. كثير بن قيس - أو عكسه - عن أبي الدرداء. وعنه: داود بن جميل. والاسناد مضطرب (1). وداود بن جميل راويه عن كثير بن قيس - وقد أسقطه شيخ الترمذي من السند - قال الذهبي: داود بن جميل - وبعضهم يقول: الوليد بن جميل - عن: كثير بن قيس عن أبي الدرداء بخبر من سلك طريقا يطلب علما. وعنه: عاصم ابن رجا بن حياة. حديثه مضطرب، وضعفه الأزدي. وأما ابن حبان فذكره في الثقات، وداود لا يعرف كشيخه، وقال الدارقطني في العلل: عاصم ومن فوقه ضعفاء ولا يصح (2). وهذا صريح لا في ضعف داود بن جميل فقط، بل في ضعف عاصم ومن فوقه أيضا، فالحديث غير صحيح. وقال الذهبي: وثق وأما الأزدي فضعفه، وفيه جهالة (3). وقال ابن حجر: ضعيف (4). وقال الخزرجي: هو مضطرب (5)... ومن هنا: تعرف السر في إسقاط داود بن جميل من سند الترمذي. وعاصم بن رجاء - عرفت ضعفه عند الدارقطني، قال ابن حجر العسقلاني بعد نقل توثيقه عن بعضهم: قلت: وتكلم فيه (6)... وقال هو: صدوق يهم (7). الأئمة الأطهار في العلم سواء العاشر: زعم الأورنقابادي في آخر كلامه أن أهل البيت عليهم السلام

(هامش)

(1) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2 / 363. (2) ميزان الاعتدال 2 / 4. (3) المغني 1 / 217. (4) تقريب التهذيب 1 / 231. (5) خلاصة التهذيب 1 / 300. (6) تهذيب التهذيب 5 / 37. (7) تقريب التهذيب 1 / 383. (*)

ص 272

ورثوا العلم عن النبي صلى الله عليه وآله بحسب إختلاف مراتبهم في باب الإرث... نشأ من قلة معرفته بأحوال الأئمة المعصومين عليهم السلام، ومن نظر في سيرهم وفضائلهم علم أنهم في العلم سواء، وقد اعترف بهذا المعنى علماء أهل السنة أيضا: قال ابن الصباغ المالكي في ذكر الإمام الحسين عليه السلام: فصل في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته عليه السلام قال بعض أهل العلم: علوم أهل البيت لا تتوقف على التكرار والدرس، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس، لأنهم المخاطبون في أسرارهم والمحدثون في النفس، فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الادراك واللمس، ومن أراد سترها كان كمن أراد ستروجه الشمس، وهذا مما يجب أن يكون ثابتا ومقررا في النفس، فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة، ويقفون على حقائق المعارف في خلوات العبادة وتناجيهم ثواقب أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تسنموا به غارب الشرف والسيادة وحصلوا بصدق توجههم إلى جناب القدس، فبلغوا به منتهى السؤال والإرادة فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبيهم وزيادة، فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمن الولادة، وهذه أمور تثبت لهم بالقياس والنظر، ومناقب واضحة الحجول بادية الغرر، ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر، وسجايا تزين عيون التواريخ وعنوانات الأثر، فما سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا، ولا أنكر منكر أمرا من الأمور إلا علموا وعرفوا، ولا جرى معهم غيرهم في مضمار شرف إلا سبقوا وقصر مجاروهم وتخلفوا، سنة جرى عليها الذين تقدموا منهم، وأحسن أتباعهم الذين خلفوا، وكم عانوا في الجدال والجلاد أمورا فبلغوها بالرأي الأصيل والصبر الجميل، فما استكانوا ولا ضعفوا، فبهذا وأمثاله سموا على الأمثال وشرفوا، تفتر الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم وتصغي الأسماع إذا قال قائلهم أو نطق ناطقهم، ويكثف الهواء إذا قيست به خلائقهم، ويقف كل ساع عن شأوهم فلا يدرك فائتهم ولا ينال طرائقهم، وسجايا منحهم بها خالقهم، وأخبر بها صادقهم فسر

ص 273

بها أولياؤهم وأصادقهم وحزن لها مباينهم ومفارقهم (1). وقال العجيلي: قال بعض أهل العلم: علوم أهل البيت لا تتوقف على التكرار والدرس، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس، لأنهم المخاطبون في أسرارهم المحدثون في النفس، فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الادراك واللمس، ومن أراد سترها كان كمن أراد ستر الشمس، فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ويقعون على حقائق المعارف في خطوات العبادة، ويناجيهم ثواقب أفكارهم في أوقات أذكارهم، فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبيهم وزيادة، فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمن الولادة، وهذه أمور تثبت لهم بالقياس والنظر، ومناقب واضحة الحجول والغرر، ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر، وسجايا تزين عيون التواريخ وعنوان الأثر، فما سألهم مستفيد أو ممتحن فتوقفوا، ولا أنكر منكر أمرا من الأمور إلا عرفوا وعلموا، ولا جرى معهم غيرهم في مضمار شرف إلا سبقوا وقصر مجاريهم وتخلفوا، سنة جرى عليه الذين تقدموا منهم وأحسن أتباعهم الذين خلفوا. وكم عانوا في الجدال والجلاد أمورا فبلغوا بالرأي الأصيل والصبر الجميل، فما استكانوا ولا ضعفوا، سجايا منحهم بها خالقهم، وأخبر بها صادقهم، فرح بها أولياؤهم وأوصياؤهم، وحزن بها مباينهم ومفارقهم (2). لم يرث العلم إلا الأئمة الأطهار ثم إن العلم لم يرثه عن المدينة إلا الأئمة الأطهار من أهل بيت المدينة ، وقد دل على هذا المعنى حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها وغيره من الأدلة، وبه صرح وعليه نص كبار الأعلام والعرفاء الكرام من أهل السنة، كالقاضي شهاب

(هامش)

(1) الفصول المهمة: 159. (2) ذخيرة المآل - مخطوط. (*)

ص 274

الدين في كتاب (هداية السعداء) والشيخ سعد الدين الحموي كما في كتاب (ينابيع المودة للقندوزي) والقاضي ثناء الله باني بتي في خاتمة كتابه (سيف مسلول)... * * *

ص 275

(17) مع القاضي ثناء الله في كلامه حول الحديث

 وحمل القاضي ثناء الله باني بتي حديث: أنا دار الحكمة و حديث أنا مدينة العلم كليهما على العلوم الباطنة... إذ قال: في ذيل الآية: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد) ما نصه: وقيل: الشاهد هو علي بن أبي طالب. قال البغوي قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه آية من القرآن. فقال له رجل: وأنت إيش نزل فيك؟ قال: ويتلوه شاهد منه. فإن قل: فما وجه تسمية علي بالشاهد؟ قلت: لعل وجه ذلك أنه أول من أسلم من الناس، فهو أول من شهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم. والأوجه عندي أن يقال: إن عليا رضي الله عنه كان قطب كمالات الولاية، وسائر الأولياء حتى الصحابة رضوان الله عليهم أتباع له في مقام الولاية، وأفضلية الخلفاء الثلاثة عليه بوجه آخر. كذا حقق المجدد رضي الله عنه في مكتوب من أواخر مكتوباته. فكان معنى الآية: (أفمن كان على بينة من ربه) يعني حجة واضحة وبرهان قاطع وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه كان على حجة واضحة من ربه وبرهان قاطع يفيد العلم بالقطع أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك معجزاته وأفضلها القرآن وعلومه المستندة إلى الوحي (ويتلوه) أي يتبعه (شاهد) من الله على صدقه، وهو علي ومن شاكله من الأولياء، فإن كرامات الأولياء معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وعلومهم المستندة إلى الالهام والكشف ظلال لعلوم النبي صلى الله عليه وسلم المستندة إلى الوحي، فتلك الكرامات والعلوم شاهدة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم. فقوله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي بسند

ص 276

صحيح عن علي. وأنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. رواه ابن عدي في الكامل والعقيلي في الضعفاء والطبراني والحاكم عن ابن عباس، وابن عدي والحاكم عن جابر، إشارة إلى علوم الأولياء دون علوم الفقهاء، فإن أخذ علوم الفقهاء لم ينحصر على علي رضي الله عنه، بل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . وهذا الكلام وإن اشتمل على بعض المطالب الصادقة مخدوش من وجوه: الحمل على العلوم الباطنة باطل أحدها: إنه وإن كان اعترافه بكون أمير المؤمنين عليه السلام قطب كمالات الولاية، وسائر الأولياء حتى الصحابة أتباع له في مقام الولاية دليلا على أفضلية الإمام من الصحابة من وجه، لكن حديث أنا مدينة العلم ونظائره يدل على أفضليته وأعلميته منهم من جميع الجهات والوجوه... وحمله حديث: أنا دار الحكمة على أنه إشارة إلى علوم الأولياء دون علوم الفقهاء باطل قطعا، لأن الحكمة هو العلم النافع ... ولا ريب في أن علوم الفقهاء من العلم النافع. أما أن الحكمة هو العلم النافع فقد صرح به عبد العزيز (الدهلوي) في جواب سؤال عن ثبوت العصمة و الحكمة و الوجاهة و القطبية للأئمة الاثني عشر عليهم السلام... ونص على أنه المراد من حديث أنا دار الحكمة وعلي بابها وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ... ولمزيد الفائدة نذكر كلمات بعض العلماء حول معنى حديث: أنا دار الحكمة ليتضح لك بطلان الحمل المذكور على لسان علماء أهل السنة: العاصمي: أما العلم والحكمة فإن الله تعالى قال لآدم عليه السلام (وعلم آدم الأسماء كلها) ففضل بالعلم العباد الذين كانوا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، واستحق بذاك منهم السجود له، فكما لا يصير العلم

ص 277

جهلا والعالم جاهلا فكذلك لم يصر آدم المفضل بالعلم مفضولا. وكذلك حال من فضل بالعلم. فأما من فضل بالعبادة فربما يصير مفضولا لأن العابد ربما يسقط عن درجة العبادة إن تركها معرضا عنها، أو توانى فيها تغافلا عنها، فيسقط فضله. ولذلك قيل: بالعلم يعلو ولا يعلى، والعالم يزار ولا يزور. ومن ذلك وجوب الوصف لله سبحانه بالعلم والعالم، وفساد الوصف له بالعبادة والعابد ولذلك من على نبيه عليه السلام بقوله (وعلمك ما لم تكن تعلم). وكان فضل الله عليك عظيما فعظم الفضل عليه بالعلم دون سائر ما أكرمه به من الخصال والأخلاق، وما فتح عليه من البلاد والآفاق. وكذلك المرتضى رضوان الله عليه، فضل بالعلم والحكمة ففاق بهما جميع الأمة ما خلا الخلفاء الماضين رضي الله عنهم أجمعين. ولذلك وصفه الرسول عليه السلام بهما حيث قال يا علي ملئت علما وحكمة وذكر في الحديث عن المرتضى رضوان الله عليه: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات ليلة في بيت أم سلمة، فبكرت إليه بالغداة فإذا عبد الله بن عباس بالباب، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وأنا عن يمينه وابن عباس عن يساره فقال النبي عليه السلام: يا علي ما أو نعم الله عليك؟ قال: أن خلقني فأحسن خلقي. قال: ثم ماذا؟ قال: أن عرفني نفسه. قال: ثم ماذا؟ قال قلت: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) قال: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يده على كتفي وقال: يا علي ملئت علما وحكمة. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وفي بعض الروايات: أنا دار الحكمة وعلي بابها (1). الكنجي الشافعي: الباب الحادي والعشرون، فيما خص الله تعالى عليا رضي الله عنه بالحكمة. قال الله تعالى: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا).

(هامش)

(1) زين الفتى - مخطوط. (*)

ص 278

أخبرنا عبد اللطيف بن محمد ببغداد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو الفضل بن أحمد، حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا عبد الحميد بن بحر، حدثنا شريك عن سلمة بن كهيل عن الصنابحي عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. قلت: هذا حديث حسن عال. وقد فسرت الحكمة بالسنة لقوله عز وجل: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة). الآية. يدل على صحة هذا التأويل ما قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوتيت الكتاب ومثله معه. أراد بالكتاب القرآن. ومثله معه ما علمه الله تعالى من الحكمة. وبين له من الأمر والنهي والحلال والحرام. فالحكمة هي السنة، فلهذا قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها (1). السيد شهاب الدين أحمد: الباب الخامس عشر: في أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم دار حكمة ومدينة علم وعلي لهما باب، وأنه أعلم بالله تعالى وأحكامه وآياته وكلامه بلا ارتياب... وعن علي رحمة الله ورضوانه عليه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الحافظ أبو نعيم، والطبري، ورواه في المشكاة وقال: أخرجه الترمذي (2). المناوي: أنا دار الحكمة وفي رواية: أنا مدينة الحكمة وعلي بابها. أي علي ابن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة. وناهيك بهذه المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها. ومن زعم أن المراد بقوله: وعلي بابها أنه مرتفع من العلو وهو الارتفاع، فقد تمحل لغرضه الفاسد بما لا يجديه ولا يسمنه ولا يغنيه. أخرج أبو نعيم عن ترجمان القرآن مرفوعا: من أنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي رأسها وأميرها. وأخرج عن ابن مسعود قال: كنت عند

(هامش)

(1) كفاية الطالب: 118. (2) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط. (*)

ص 279

النبي صلى الله عليه وسلم، فسئل عن علي كرم الله وجهه فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا. وعنه أيضا: أنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وأما علي فعنده منه علم الظاهر والباطن. وأخرج أيضا: علي سيد المسلمين وإمام المتقين. وأخرج أيضا: أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب. وأخرج أيضا: علي راية الهدى. وأخرج أيضا: يا علي، إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي، وأنزلت علي هذه الآية (وتعيها أذن واعية). وأخرج أيضا عن ابن عباس: كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي كرم الله وجهه سبعين عهدا لم يعهد إلى غيره. والأخبار في هذا الباب لا تكاد تحصى (1). ابن حجر المكي في (المنح المكية): ومما يدل على أن الله سبحانه اختص عليا من العلوم بما تقصر عنه العبارات: قوله صلى الله عليه وسلم: أقضاكم علي. وهو حديث صحيح لا نزاع فيه، وقوله: أنا دار الحكمة، ورواية: أنا مدينة العلم وعلي بابها . العزيزي: أنا دار الحكمة. قال المناوي: وفي رواية مدينة الحكمة. وعلي ابن أبي طالب بابها. فيه التنبيه على فضل علي، واستنباط الأحكام الشرعية منه (2). نظام الدين السهالوي في (الصبح الصادق): إفاضة: قال الشيخ ابن همام في فتح القدير بعد ما أثبت عتق أم الولد وانعدام جواز بيعها عن عدة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وبالأحاديث المرفوعة، استنتج ثبوت الإجماع على بطلان البيع. مما يدل على ثبوت ذلك الإجماع: ما أسنده عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال: سمعت عليا يقول:

(هامش)

(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 46. (2) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 1 / 244. (*)

ص 280

إجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن، ثم رأيت بعد أن يبعن. فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة. فضحك علي رضي الله تعالى عنه. واعلم أن رجوع علي رضي الله تعالى عنه يقتضي أن يرى اشتراط انقراض العصر في تقرر الإجماع، والمرجح خلافه، وليس يعجبني أن لأمير المؤمنين شأنا يبعد اتباعه أن يميلوا إلى دليل مرجوح ورأي مغسول ومذهب مرذول، فلو كان عدم الاشتراط أوضح لا كوضوح شمس النهار كيف يميل هو إليه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. رواه الصحيحان. وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها رواه الترمذي. فالانقراض هو الحق. لا يقال: إن الخلفاء الثلاثة أيضا أبواب العلم، وقد حكم عمر بامتناع البيع. لأن غاية ما في الباب أنهما تعارضا. ثم المذهب أن أمير المؤمنين عمر أفضل، وهو لا يقتضي أن يكون الأفضلية في العلم أيضا، وقد ثبت أنه باب دار الحكمة فالحكمة حكمه . هذا كله بالنسبة إلى حديث أنا دار الحكمة . وبالنسبة إلى معنى حديث: أنا مدينة العلم : ابن طلحة الشافعي في معنى الأنزع البطين : ولما اكتنفت العناية الإلهية، وأحاطت الألطاف الربانية، وأحدقت الرأفة الملكوتية برسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت قلبه مشكاة الأنوار النبوة والرسالة، وأنزل الله عليه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم، وعلي يومئذ مشمول ببركات تربيته محصول له ثمرات حنوه عليه، فبشفقته لمع من تلك الأنوار بارقها وطلع من آفاق مشكاتها شارقها، فاستنار قلب علي بتلك الأنوار وزكا بتلك الآثار، وصفا من شوائب الأكدار واستعد بقبول ما يفيض عليه من أسرار العلوم وعلوم الأسرار، ويحل فيه من مقدار الحكم وحكم الأقدار، فتحلى بيمن الإيمان وتزين بعوارف

ص 281

المعرفة، واتصف بمحكم الحكمة وأدرك أنواع العلم، فصارت الحكم من ألفاظه ملتقطة، وشوارد العلوم الظاهرة والباطنة به آنسة، وعيونها من قليب قلبه متفجرة. ولم يزل بملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيده الله تعالى علما حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما نقله الترمذي في صحيحه بسنده عنه -: أنا مدينة العلم وعلي بابها. فكان من غزارة علمه يذلل جوامع القضايا، ويوضح مشكلات الوقائع، ويسهل مستصعب الأحكام. فكل علم كان له فيه أثر، وكل حكمة كان له عليها استظهار. وسيأتي تفصيل هذا التأصيل في الفصل السادس المعقود لبيان علمه وفضله إن شاء الله تعالى. وحيث اتضح ما آتاه الله تعالى من أنواع العلم وأقسام الحكمة، فباعتبار ذلك وصف بلفظة البطين، فإنها لفظة يوصف بها من هو عظيم البطن متصف بامتلائه. ولما كان عليه السلام قد امتلأ علما وحكمة، وتضلع من أنواع العلوم وأقسام الحكمة ما صار غذاء له مملوا به وصف باعتبار ذلك بكونه بطينا من العلم والحكمة، كمن تضلع من الأغذية الجسمانية ما عظم به بطنه وصار باعتباره بطينا، فأطلقت هذه اللفظة نظرا إلى ذلك (1). الكنجي الشافعي: قلت: والله أعلم: إن وجه هذا عندي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. أراد صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى علمني العلم وأمرني بدعاء الخلق إلى الاقرار بوحدانيته في أول النبوة، حتى مضى شطر زمان الرسالة على ذلك. ثم أمرني الله بمحاربة من أبى الاقرار لله عز وجل بالوحدانية بعد منعه من ذلك، فأنا مدينة العلم في الأوامر والنواهي وفي السلم والحرب حتى جاهدت المشركين، وعلي بن أبي طالب بابها، أي هو أول من يقاتل أهل البغي بعدي من أهل بيتي وسائر أمتي، ولولا أن عليا بين للناس قتال أهل البغي وشرع الحكم في قتلهم، وإطلاق الأسارى منهم، وتحريم

(هامش)

(1) مطالب السئول: 35. (*)

ص 282

سلب أموالهم وسبي ذراريهم، لما عرف ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم سن في قتال المشركين ونهب أموالهم وسبي ذراريهم، وسن علي في قتال أهل البغي أن لا يجهز على جريح ولا يقتل الأسير ولا تسبى النساء والذرية، ولا تؤخذ أموالهم. وهذا وجه حسن صحيح. ومع هذا، فقد قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل علي، وزيادة علمه وغزارته وحدة فهمه ووفور حكمته وحسن قضاياه وصحة فتواه، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام ويأخذون بقوله في النقض والابرام، إعترافا منهم بعلمه ووفور فضله ورجاحة عقله وصحة حكمه، وليس هذا الحديث في حقه بكثير، لأن رتبته عند الله عز وجل وعند رسول وعند المؤمنين من عباده أجل وأعلى من ذلك (1). النووي: إمام المسلمين بلا ارتياب * أمير المؤمنين أبو تراب نبي الله خازن كل علم * علي للخزانة مثل باب ذكر البيتين شهاب الدين في (توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل). أبو بكر الخوافي، فقد قال شهاب الدين أحمد: الباب الخامس عشر في أن النبي صلى الله عليه وآله وبارك وسلم دار حكمة ومدينة علم وعلي لهما باب. وأنه أعلم الناس بالله تعالى وأحكامه وآياته وكلامه بلا ارتياب. عن مولانا أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم: يا علي إن الله أمرني أن أدنيك فأعلمك لتعي، وأنزلت علي هذه الآية (وتعيها أذن واعية) فأنت أذن واعية لعلمي. رواه الحافظ الإمام أبو نعيم في الحلية. ورواه سلطان الطريقة وبرهان الحقيقة الشيخ شهاب الدين أبو جعفر عمر

(هامش)

(1) كفاية الطالب: 222. (*)

ص 283

السهروردي في العوارف بإسناده إلى عبد الله بن الحسن رضي الله عنهما ولفظه: قال حين نزلت هذه الآية (وتعيها أذن واعية) قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم لعلي رضي الله تعالى عنه: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي. قال علي كرم الله تعالى وجهه: فما نسيت شيئا بعده وما كان لي أن أنسى. قال شيخ المشايخ في زمانه وواحد الأقران في علومه وعرفانه الشيخ زين الدين أبو بكر محمد بن محمد بن علي الخوافي قدس الله تعالى سره: فلذا اختص علي كرم الله وجهه بمزيد العلم والحكمة حتى قال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وبارك وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقال عمر: لولا علي لهلك عمر . شهاب الدين أحمد، قال بعد حديث مدينة العلم: واعلم أن الباب سبب لزوال الحائل والمانع من الدخول إلى البيت، فمن أراد الدخول وأتى البيوت من غير أبوابها شق وعسر عليه دخول البيت، فهكذا من طلب العلم ولم يطلب ذلك من علي رضي الله عنه وبيانه، فإنه لا يدرك المقصود، فإنه رضي الله عنه كان صاحب علم وعقل وبيان، ورب من كان عالما ولا يقدر على البيان والافصاح، وكان علي رضي الله عنه مشهورا من بين الصحابة بذلك. فباب العلم وروايته واستنباطه من علي رضي الله عنه، وهو كان بإجماع الصحابة مرجوعا إليه في علمه، موثوقا بفتواه وحكمه، والصحابة كلهم يراجعونه مهما أشكل عليهم، ولا يسبقونه، ومن هذا المعنى قال عمر: لولا علي لهلك عمر. رضي الله تعالى عنهم . ابن الصباغ المالكي بعد نقل حكم الإمام في الخنثى: فانظر رحمك الله إلى استخراج أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بنور علمه وثاقب فهمه ما أوضح به سبيل السداد، وبين به طريق الرشاد، وأظهر به جانب الذكورة على الأنوثة من مادة الايجاد، وحصلت له هذه المنة الكاملة والنعمة الشاملة بملاحظة النبي صلى الله عليه وسلم له، وتربيته وحنوه عليه وشفقته، فاستعد لقبول الأنوار وتهيأ لفيض العلوم والأسرار، فصارت الحكمة من ألفاظه ملتقطة، والعلوم الظاهرة والباطنة بفؤاده مرتبطة، لم تزل بحار العلوم تنفجر من صدره ويطفو عبابها. حتى قال صلى

ص 284

الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها (1). نور الدين السمهودي: وقد أخرج ابن السمان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع عمر يقول لعلي رضي الله عنهما - وقد سأله عن شيء فأجابه ففرج عنه - لا أبقاني الله بعدك يا علي. قال الزين العراقي في شرح التقريب في ترجمة علي رضي الله عنه: قال عمر رضي الله عنه: أقضانا علي، وكان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن. إنتهى. وهذا التعوذ رواه الدارقطني وغيره ولفظه: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. وفي رواية له عن أبي سعيد الخدري قال: قدمنا مع عمر مكة ومعه علي بن أبي طالب فذكر له علي شيئا فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم أبا حسن. قالوا: وإنما لم يوله شيئا من البعوث لأنه كان يمسكه عنده لأخذ رأيه ومشاورته. وأخرج الحافظ الذهبي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفقه من علي؟ قال: لا والله ما علمته. قلت: وهذا وأشباهه مما جاء في فضيلة علي في هذا الباب شاهد لحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها (2). الفضل ابن روزبهان، في جواب كلام العلامة الحلي وقد استدل فيه بقوله عليه السلام: سلوني، وبحديث مدينة العلم كما سمعت: هذا يدل على وفور علمه واستحضاره أجوبة الوقائع واطلاعه على العلوم والمعارف، وكل هذه الأمور مسلمة (3). الملا علي القاري: ثم علي بن أبي طالب. أي ابن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي. وهو المرتضى، زوج فاطمة الزهراء،

(هامش)

(1) الفصول المهمة: 19. (2) جواهر العقدين - مخطوط. (3) إبطال الباطل - مخطوط. (*)

ص 285

وابن عم المصطفى، والعالم في الدرجة العليا، والمعضلات التي سأله كبار الصحابة عنها ورجعوا إلى فتواه، فيها فضائل كثيرة شهيرة، تحقق قوله عليه السلام: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقوله عليه السلام: أقضاكم علي (1). القاري أيضا بعد نقل حكاية مكذوبة في تعلم الخضر عليه السلام من أبي حنيفة: ولا يخفى أن هذا من كلام بعض الملحدين الساعي في فساد الدين، إذ حاصله أن الخضر - الذي قال الله تعالى في حقه: (عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) وقد تعلم موسى عليه السلام بعض العلوم منه بما أوتي علما - من جملة تلاميذ أبي حنيفة، ثم عيسى عليه السلام يأخذ أحكام الإسلام من تلميذ تلميذ أبي حنيفة في ذلك المقام، وما أسرع فهم التلميذ حيث أخذ عن الحضر في ثلاث سنين ما تعلم الخضر من أبي حنيفة حيا وميتا في ثلاثين سنة. وأعجب منه أن أبا القاسم القشيري ليس معدودا في طبقات الحنفية وإنما هو أحد أكابر الشافعية. ثم العجب من الخضر أنه أدرك النبي عليه السلام ولم يتعلم منه الإسلام ولا من علماء الصحابة الكرام، كعلي باب مدينة العلم وأقضى الصحابة، وزيد أفرضهم، وأبي أقرأ القراء، ومعاذ بن جبل الأعلم بالحلال والحرام. ولا من التابعين العظام كالفقهاء السبعة. وسعيد بن المسيب بالمدينة، وعطاء بمكة، والحسن بالبصرة، ومكحول بالشام. وقد رضي لجهله بالشريعة الحنيفية حتى تعلم مسائلها بدلائلها في أواخر عمر أبي حنيفة، فهذا مما لا يخفى بطلانه على العقول السخيفة والفهوم الضعيفة. بل لو أطلق على هذه المقالة الردية علماء الشافعية أو الحنابلة أو المالكية أخذوها على وجه السخرية وجعلوها وسيلة في قلة عقل الطائفة الحنفية، حيث لم يعلموا أن أحدا منهم لم يرض بهذه القضية بالكلية. ثم لو تعرضت لما في منقوله من الخطأ في مبانيه ومعانيه الدالة على نقصان

(هامش)

(1) شرح الفقه الأكبر: 113. (*)

ص 286

معقوله لصار كتابا مستقلا في رد محصوله، إلا أني أعرضت عنه صفحا لقوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وقال عز وجل (فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) (1). المناوي: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة الجامعة لمعالي الديانات كلها، ولا بد للمدينة من باب، فأخبر أن بابها هو علي كرم الله وجهه، فمن أخذ طريقه دخل المدينة، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى. وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمؤالف والمعادي والمخالف. وخرج الكلاباذي أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عليا هو أعلم مني. فقال: أريد جوابك. قال: ويحك كرهت رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغره بالعلم غرا. وكان أكابر الصحب يعترفون له بذلك، وكان عمر يسأله عما أشكل عليه. جاءه رجل فسأله فقال: ههنا علي فأسأله فقال: أريد أن أسمع منك يا أمير المؤمنين قال: قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان. وصح عنه من طريق: أنه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم حتى أمسكه عنده ولم يوله شيئا من البعوث لمشاورته في المشكل. وأخرج الحافظ الذهبي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي؟ قال: لا والله. وقال الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي. ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله من القلوب الحجاب حتى يتحقق اليقين الذين لا يتغير بكشف الغطاء. إلى هنا كلامه (2). عبد الحق الدهلوي. وقد تقدم كلامه. عبد الرحمن بن عبد الرسول الجشتي، في مقدمة كتابه (مرآة الأسرار).

(هامش)

(1) المشرب الوردي في مذهب المهدي - مخطوط. (2) فيض القدير 3 / 46. (*)

ص 287

إسماعيل بن سليمان الكردي. في كتابه (جلاء النظر في دفع شبهات ابن حجر). محمد بن عبد الرسول البرزنجي - في كتابه (الإشاعة لأشراط الساعة). ولي الله الدهلوي - وقد تقدمت عباراته عن قريب. محمد معين السندي - في جواب استدلال القائلين بالقياس: واستدلوا أيضا على حجية القياس بعمل جميع كثير من الصحابة، وأن ذلك نقل عنهم بالتواتر، وإن كانت تفاصيل ذلك أحادا. وأيضا: علمهم بالقياس وترجيح البعض على البعض تكرر وشاع من غير نكير، وهذا وفاق وإجماع على حجية القياس. فالجواب: إنه كما نقل عنهم القياس نقل ذمهم القياس أيضا، فعن باب مدينة العلم رضي الله عنه أنه قال: لو كان الدين بالقياس لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره (1). محمد بن إسماعيل الأمير: ... وإذا عرفت هذا عرفت أنه قد خص الله الوصي عليه السلام بهذه الفضيلة العجيبة، ونوه شأنه إذ جعله باب أشرف ما في الكون وهو العلم، وأنه منه يستمد ذلك من أراده. ثم أنه باب لأشرف العلوم وهي العلوم الدينية، ثم لأجمع خلق الله علما وهو سيد رسله صلى الله عليه وسلم. وإن هذا لشرف يتضاءل عنه كل شرف، ويطأطئ رأسه تعظيما له كل من سلف وخلف. وكما خصه الله بأنه باب مدينة العلم فاض عنه منها ما يأتيك من دلائل ذلك قريبا (2). الشيخ سليمان جمل حيث قال بشرح: ووزيره ابن عمه في المعالي * ومن الأهل تسعد الوزراء قال: وقوله: ومن الأهل... الخ. من تلك السعادة ما أمد به من المؤاخاة فقد أخرج الترمذي: آخى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فجاء علي

(هامش)

(1) دراسات اللبيب: 188. (2) الروضة الندية. (*)

ص 288

تدمع عيناه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. فقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة. ومنها: العلوم التي أشار إليها بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها. فمن أراد العلم فليأت الباب (1). العجيلي الشافعي: ولما أصاب أهل مكة جدب شديد أخذه النبي صلى الله عليه وسلم من عمه أبي طالب ورباه وأزلفه، وهداه إلى مكارم الأخلاق، فحصلت له العلوم بملاحظته له وحنوه عليه وشفقته، فاستعد لقبول الأنوار وتهيأ لفيض العلوم والأسرار، فصارت الحكمة من ألفاظه ملتقطة، والعلوم الظاهرة والباطنة بفؤاده مرتبطة، يتفجر بحار العلوم من صدره. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها (2). حديث أنا مدينة الفقه وعلي بابها الثاني: وإن مما يرد الحمل على العلوم الباطنة حديث أنا مدينة الفقه وعلي بابها فكما ورد الحديثان عن النبي صلى الله عليه وآله، فقد ورد هذا الحديث الشريف عنه أيضا، وأخرجه وأثبته جماعة من العلماء الأعيان... كما علمت سابقا... وكما لا مجال للتأويل والحمل فيه كذلك لا مجال له في الحديثين، فظهر بطلان ما ذكره القاضي الهندي بهذا البيان أيضا، فليمت الجاحد المنكر لذلك غيظا. الثالث: إن جميع هذه الأحاديث تدل على اختصاص العلوم مطلقا وانحصارها بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام... وقد ذكرنا الوجوه الدالة على ذلك في جواب كلمات العاصمي والقاري وغيرهما، وذكرنا هناك كلمات الأعلام

(هامش)

(1) الفتوحات الأحمدية بشرح الهمزية. (2) ذخيرة المآل - مخطوط. (*)

ص 289

في هذا الباب، وقد كان منها ما نقله المناوي عن الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علي، ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله من القلوب الحجاب، حتى يتحقق الذي لا يتغير بكشف الغطاء . فبطل قوله: فإن أخذ علوم الفقهاء لم ينحصر على علي رضي الله عنه . قدح حديث النجوم الرابع: تمسكه بحديث أصحابي كالنجوم لما زعمه من عدم الانحصار المذكور، أضعف وأوهن،... فإن هذا الحديث موضوع باعتراف أكابر الحفاظ والأئمة من أهل السنة،... وقد تقدم قدحه في جواب كلام الأعور الواسطي، وممن نص على بطلان هذا الحديث: ابن عبد البر، وابن تيمية، وأبو حيان، والزين العراقي، وابن حجر العسقلاني، وابن أمير الحاج، والسيوطي، والخفاجي، والشوكاني... وتفصيل الكلام فيه مذكور في قسم (حديث الثقلين) من كتابنا. * * *

ص 290

(18) مع الدهلوي في كلامه حول الحديث

 وقال عبد العزيز الدهلوي في الباب الحادي عشر من (التحفة) في بيان أنواع أوهام الشيعة على زعمه: النوع الثالث - أن يكون المطلوب شيئا، ونتيجة الاستدلال شيئا آخر، لكنهم يتوهمون ويجعلونها عين المطلوب لكمال القرب والمجاورة بينها وبين المطلوب، وعلى هذا الأساس يتم أكثر استدلالات الشيعة، كما تقدم بالتفصيل في مباحث الإمامة، من ذلك: أن الأمير باب مدينة العلم، وكل من كان باب مدينة العلم فهو الإمام، ومن جهة أن الإمام رئيس الأمة، والباب له رئاسة الدار بوجه من الوجوه، وإذا كان الأمير الباب فهو الإمام. والحال أن كونه باب مدينة العلم أمر، وكونه الإمام أمر آخر، وليس بين الأمرين اتحاد ولا تلازم . أقول: وهذا الكلام مرفوض ومردود بوجوه كثيرة. نكتفي هنا بإيراد بعضها: أحدها: دعوى عدم تفرقة الشيعة بين المطلوب والنتيجة زعم فاسد، فإن الشيعة أجل شأنا وأعظم قدرا من ذلك، كما ستراه عما قريب بعون المنعم المئيب. والثاني: دعواه أن أكثر استدلالات الشيعة من هذا القبيل، دعوى كاذبة، ويكفيك مراجعة استدلالاتنا في المواضع المختلفة من مباحث الإمامة. والثالث: ما ذكره حول استدلال الشيعة بحديث أنا مدينة العلم باطل، فقد عرفت من بحوث كتابنا هذا حول حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها سندا ودلالة، متانة استدلالاتنا، وتمامية دلالة هذا الحديث على مطلوبنا. والرابع: إن طريق استدلال الشيعة بحديث مدينة العلم موجود ومضبوط في كتبها، وليس طريق الاستدلال المبهم والمجمل الذي نسبه (الدهلوي) إليهم

ص 291

في شيء من مؤلفاتهم، ونحن نورد هنا طريق الاستدلال عن بعض أصحابنا لترى خيانة (الدهلوي) وكذبه في هذه المقالة: قال أبو جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي بعد نقل الحديث عن المخالفين: وهذا يقتضي وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين عليه السلام، لأنه كنى عنه بالمدينة، وأخبر أن الوصول إلى علمه من جهة علي خاصة، لأنه جعله كباب المدينة الذي لا يدخل إليها إلا منه. ثم أوجب ذلك الأمر به بقوله: فليأت الباب. وفيه دليل على عصمته، لأنه من ليس بمعصوم يصح منه وقوع القبيح، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا فيؤدي إلى أن يكون عليه السلام قد أمر بالقبيح، وذلك لا يجوز. ويدل أيضا على أنه أعلم الأمة، يؤيد ذلك ما قد علمناه من اختلافها ورجوع بعضها إلى بعض وغناءه عليه السلام عنها، وأبان عليه السلام ولاية علي عليه السلام وإمامته، وأنه لا يصح أخذ العلم والحكمة في حياته وبعد وفاته إلا من قبله وروايته عنه كما قال الله تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) (1). وقال يحيى بن الحسن الحلي المعروف بابن البطريق: واعلم أن هذا الفصل قد جمع أشياء في فنون شتى من مناقبه كلها يوجب لأمير المؤمنين عليه السلام السيادة واتباع الأمة والاقتداء به. منها، قوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. وكذلك قوله: أنا مدينة الجنة. وقد قدمنا فضل العالم على من ليس بعالم، وأن الله قد ميز العالم على من ليس بعالم، وأن الله تعالى قد أوجب اتباع من يهدي إلى الحق وهو أحق بالاتباع من غيره، وليس ذلك إلا لتفضيل العالم على من ليس كذلك، فقد وجبت له السيادة ووجب اتباعه. وقد استوفينا ذلك فيما مضى فلا وجه لإعادته (2). وقال القاضي السيد نور الله التستري: أقول: في الحديث إشارة إلى قوله تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) وفي كثير من روايات ابن المغازلي تصريح

(هامش)

(1) مناقب آل أبي طالب 2 / 34. (2) العمدة: 363. (*)

ص 292

بذلك، ففي بعضها مسندا إلى جابر: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. وفي بعضها مسندا إلى علي عليه السلام: يا علي أنا المدينة وأنت الباب. كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلا من الباب. وروي عن ابن عباس: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. وعن ابن عباس أيضا: أنا مدينة الجنة وعلي بابها فمن أراد الجنة فليأتها من بابها. وعن ابن عباس أيضا بطريق آخر: أنا دار الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب. فهذا يقتضي وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين عليه السلام، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كنى عن نفسه الشريفة بمدينة العلم ومدينة الجنة وبدار الحكمة، ثم أخبر أن الوصول إلى علمه وحكمته وإلى جنة الله سبحانه من جهة علي خاصة، لأنه جعله كباب مدينة العلم والحكمة والجنة التي لا يدخل إليها إلا منه، وكذب عليه السلام من زعم أنه يصل إلى المدينة لا من الباب. وتشير إليه الآية أيضا كما ذكرناه. وفيه دليل على عصمته وهو ظاهر، لأنه عليه السلام أمر بالاقتداء به في العلوم على الاطلاق، وفيجب أن يكون مأمونا عن الخطأ. ويدل على أنه إمام الأمة، لأنه الباب لتلك العلوم. ويؤيد ذلك ما علم من اختلاف الأمة ورجوع بعض إلى بعض وغناءه عليه السلام عنها. ويدل أيضا على ولايته وإمامته عليه السلام وأنه لا يصح أخذ العلم والحكمة ودخول الجنة في حياته صلى الله عليه وآله إلا من قبله، ورواية العلم والحكمة إلا عنه لقوله تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) حيث كان عليه السلام هو الباب. ولله در القائل: مدينة علم وابن عمك بابها * فمن غير ذاك الباب لم يؤت سورها ويدل أيضا على أن من أخذ شيئا من هذه العلوم والحكم التي احتوى عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير جهة علي عليه السلام كان عاصيا كالسارق والمتسور، لأن السارق والمتسور إذا دخلا من غير الباب المأمور به ووصلا

ص 293

إلى بغيتهما كانا عاصيين. وقوله عليه السلام: فمن أراد العلم فليأت الباب، ليس المراد به التخيير، بل المراد به الايجاب والتهديد كقوله عز وجل (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) والدليل على ذلك أنه ليس ههنا نبي غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو مدينة العلم ودار الحكمة، فيكون العالم مخيرا بين الأخذ من أحدهما دون الآخر، وفقد ذلك دليل على إيجابه وأنه فرض لازم. والحمد لله. ثم لا يخفى على أولي الألباب أن المراد بالباب في هذه الأخبار الكناية عن الحافظ للشئ الذي لا يشذ عنه منه شيء، ولا يخرج إلا منه ولا يدخل عليه إلا به. وإذا ثبت أنه عليه السلام الحافظ لعلوم النبي صلى الله عليه وآله وحكمته، وثبت أمر الله تعالى ورسوله بالتوصل به إلى العلم والحكمة وجب اتباعه والأخذ عنه، وهذا حقيقة معنى الإمام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام (1). والخامس: لقد توهم (الدهلوي) في هذه العبارة، فذكر أن الباب له رئاسة الدار، وقد كان عليه أن يقول هنا: باب المدينة له رئاسة المدينة، ألا يفرق (الدهلوي) بين الدار و المدينة ؟ والسادس: إن للدهلوي هنا غلطا آخر، فإن للباب رئاسة على الداخلين والخارجين من المدينة أو الدار، لا على نفس المدينة أو الدار... وهذا مما لا يرتاب فيه عاقل... فهذا خطأ من (الدهلوي) في خطأ في خطأ. والسابع: قد عرفت أن كونه عليه السلام باب مدينة العلم يثبت إمامته ومرجعيته لجميع الخلائق في جميع العلوم،... وكونه باب مدينة العلم بهذا المعنى متحد مع الإمامة كما لا يخفى. وأيضا: يدل الحديث على الأعلمية، والأعلمية مستلزمة للإمامة.

(هامش)

(1) إحقاق الحق - مبحث الإمامة. (*)

ص 294

إذن، بين الحديث والإمامة اتحاد من جهة، وملازمة من جهة... فنفي (الدهلوي) ذلك باطل... تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

الصفحة السابقة

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثاني عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب