نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثاني عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثاني عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 205

طالما اقتدى به ولي الله الدهلوي وأخذ بأقواله في مباحث الإمامة والرد على الإمامية - حيث قال: ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلغ عنه العلم واحدا، بل يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب، وخبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن، وتلك قد تكون منتفية أو خفية عن أكثر الناس، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنة المتواترة . والثالث: لقد دلت الأدلة المتكاثرة من الكتاب والسنة على أن علم الكتاب والسنة لا يؤخذ إلا من أهل بيت النبوة، كقوله تعالى: (كونوا مع الصادقين) وقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعا) وقوله: (وآتوا البيوت من أبوابها) وحديث باب حطة و حديث الثقلين وحديث أنا مدينة العلم وحديث علي مع القرآن والقرآن مع علي وما يماثل ذلك... والرابع: تنزيل الفضائل بمنزلة الإجازات الروائية سخيف جدا، لأن إجازة الحديث تتعلق بمجرد رواية الحديث على اللفظ المسموع أو الوجه المجاز، لكن الفضائل الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله تدل على مقامات جليلة، بل إن حديث أنا مدينة العلم نص صريح في الأعلمية والأفضلية المستلزمة للخلافة والإمامة العامة... (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). والخامس: إن المبلغين إن بلغوا حد التواتر أفاد خبرهم العلم لمن يعرف الرجال بالأقوال ومن يعرف الأقوال بالرجال على السواء، وإن لم يبلغوا ذلك الحد لم يفد خبرهم العلم مطلقا كذلك وإن كانوا أصحاب فضائل ومناقب، إلا أن يكون أحدهم الإمام المعصوم، فإن إخباره بوحده كاف. والسادس: دعوى اشتراك جميع الصحابة في الفضائل باطلة: أما أولا: فلأن إطلاق صفة علماء الصحابة على غير المتبعين لباب المدينة إطلاق في غير محله. وأما ثانيا: فلأنه لا دليل على الاشتراك المذكور، ومن ادعى فعليه البيان.

ص 206

وأما ثالثا: فلأن ثبوت بعض الفضائل لبعض الصحابة ليكون ترغيبا للناس في الأخذ منهم، منوط باتباعهم الثقلين ورجوعهم إلى باب مدينة العلم، ومشروط ببقائهم على حالة الإطاعة والولاية للثقلين وركوب سفينة النجاة... فظهر أن من ثبت في حقه من الفضائل بعض الشيء فذلك بفضل متابعة أهل البيت، فبطلت دعوى المشاركة في الفضائل. والسابع: إن حديث أنا مدينة العلم يدل على شأن جليل خاص بسيدنا أمير المؤمنين عليه السلام كما تقدم بالتفصيل مرارا. وأما ما ذكره في حق أبي ومعاذ فهو بعض الحديث الطويل الموضوع، الذي بحثنا عنه بالتفصيل في جواب كلام العاصمي، فراجع. ثم لو كان أبي بن كعب من علماء الدين الذين انتشر بهم دين الله وجرى على لسان نبيه بعض فضائله ليرغب في الأخذ منه... كما زعم ولي الله، فما هذا الذي كان من عمر بن الخطاب في أبي، وقد رواه شاه ولي الله نفسه في نفس كتابه حيث قال: وعن سليمان بن حنظلة قال: أتينا أبي بن كعب لنتحدث إليه، فلما قام قمنا ونحن نمشي خلفه، فرهقنا عمر فتبعه فضربه عمر بالدرة، قال: فاتقاه بذراعيه فقال: يا أمير المؤمنين ما تضع؟! قال: أو ما ترى فتنة للمتبوع مذلة التابع. أخرجه الدارمي (1). كلام آخر لولي الله ولولي الله الدهلوي كلام آخر في حديث مدينة العلم، قال ما تعريبه: ومثلا: أنا مدينة العلم وعلي بابها. مقرون بأحاديث كثيرة في حق الشيخين، مثل حديث الاقتداء، وحديث رؤيا اللبن والقميص، وفي حق غيرهما، كفضائل ابن مسعود وعائشة ومعاذ وأبي بن كعب، وكل واحد من هؤلاء مبشر بالعلم، وقد أمر بأخذ العلوم منهم (2).

(هامش)

(1) قرة العينين: 84. (2) قرة العينين: 232. (*)

ص 207

وهذا الكلام كسابقه مرفوض ومردود من وجوه: الأول: دعوى أن حديث أنا مدينة العلم مقرون بفضائل كثيرة للشيخين باطلة: أما أولا: فلا أحاديث دالة على فضل الشيخين مطلقا. وأما ثانيا: فلا أحاديث دالة على علم الشيخين، وما رواه أهل السنة في حقهما في هذا الباب غير ثابت. وأما ثالثا: فلأن حديث أنا مدينة العلم متفق عليه بين الفريقين، وما زعم من فضائل للشيخين انفرد بروايته أهل السنة، فكيف يقارن المنفرد به المتفق عليه؟ النظر في حديث الاقتداء والثاني: إن حديث الاقتداء الذي ذكره الدهلوي هنا قرينا لحديث مدينة العلم، حديث مقدوح سندا ودلالة عند أهل السنة، بل نص بعض المحققين منهم على كونه موضوعا، وتفصيل البحث حوله في قسم حديث الطير من (كتابنا)... ونكتفي في هذا المقام بكلام ابن حزم... وهذا نصه: وأيضا، فإن الرواية قد صحت بأن امرأة قالت: يا رسول الله، أرأيت إن رجعت ولم أجدك - كأنها تريد الموت - قال: فأتي أبا بكر. وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر. وأيضا، فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيه عليه السلام: لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك، فأكتب كتابا وأعهد عهدا لكيلا يقول قائل: أنا أحق. أو يتمنى متمن، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. وروي أيضا: ويأبى الله والنبيون إلا أبا بكر. فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده.

ص 208

قال أبو محمد: ولو أننا نستجيز التدليس - والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا - لاحتججنا بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. قال أبو محمد: ولكنه لم يصح، ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح (1). النظر في حديث اللبن سندا والثالث: إن حديث اللبن الذي ذكره ولي الله أيضا، مقدوح كذلك سندا، لأن عمدة أسانيده في البخاري، ومدارها جميعا على (ابن عمر) و(حمزة بن عبد الله) و(ابن شهاب الزهري)، وهؤلاء كلهم مقدوحون مجروحون... ولنذكر أولا الحديث عن البخاري، فنقول: أخرج في صحيحه: باب فضل العلم: حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله بن عمر: أن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر ابن الخطاب. قالوا فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم (2). حدثني محمد بن الصلت أبو جعفر الكوفي، حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري أخبرني حمزة عن أبيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالك بينا أنا نائم شربت - يعني اللبن - حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري، أو في أظفاري. ثم ناولت عمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم (3). باب اللبن: حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس عن الزهري، أخبرني حمزة بن عبد الله: أن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه

(هامش)

(1) الفصل في الملل والنحل 4 / 88. (2) صحيح البخاري - كتاب العلم 1 / 106. (3) صحيح البخاري - كتاب الفضائل، مناقب عمر 5 / 70. (*)

ص 209

وسلم يقول: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه، حتى أني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي - يعني عمر - قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم . باب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره. حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب، حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر، أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى أني لأرى الري يخرج من أطرافي، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب فقال من حوله: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم (1). باب إذا أعطى فضله غيره في النوم: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث؟ عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر: إن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري، ثم أعطيت فضله عمر. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم (2). باب القدح في النوم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم (3). تحقيق في حال رواته ثم نقول: أما ابن عمر فقد تكفل ببيان قوادحه ومطاعنه كتاب (استقصاء

(هامش)

(1) صحيح البخاري - كتاب تعبير الرؤيا 9 / 656. (2) صحيح البخاري - كتاب تعبير الرؤيا 9 / 663. (3) صحيح البخاري - كتاب تعبير الرؤيا 9 / 665. (*)

ص 210

الافحام في رد منتهى الكلام) بالتفصيل، فراجعه. وأما حمزة بن عبد الله بن عمر فيكفي في قدحه بيعته ليزيد بن معاوية، وقد جمع ابن عمر حشمه وولده ونهاهم عن نقض بيعة يزيد، أخرج البخاري في كتاب الفتن: باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله، ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه (1). وأما ابن شهاب الزهري فقد ذكر القوم له قوادح كثيرة جدا، ذكر جملة منها في (تشييد المطاعن)، وإليك بعضها: 1 - كونه من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام - قال ابن أبي الحديد: وكان الزهري من المنحرفين عنه. وروى جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليا، فنالا منه، فبلغ ذلك علي بن الحسين - عليهما السلام - فجاء حتى وقف عليهما فقال: أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي علي أبيك. وأما أنت يا زهري فلو كانت بمكة لأريتك كير أبيك (2). ومن انحرافه ما ذكره ابن عبد البر بترجمة زيد بن حارثة إنه قال: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبد الرزاق: وما أعلم أحدا ذكره غير الزهري (3).

(هامش)

(1) صحيح البخاري 9 / 690. (2) شرح نهج البلاغة 9 / 690. (3) الإستيعاب 2 / 546. (*)

ص 211

2 - روايته عن عمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام - ذكر ذلك علماء الرجال بترجمة عمر بن سعد... قال الذهبي: عنه الزهري وقتادة. قال ابن معين: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟ (1). 3 - مجالسته لبني أمية وعمله لهم - وحكم من خالط الظالمين وجالسهم، وعمل لهم وأخذ جوائزهم - واضح. قال الذهبي: قال سعيد بن عبد العزيز: أدى هشام عن الزهري سبعة آلاف دينار دينا، وكان يؤدب ولده ويجالسه، قلت: وفد في حدود سنة 80 على الخليفة عبد الملك، فأعجب بعلمه ووصله وقضى دينه (2). وقال ابن حجر بترجمة الأعمش: حكى الحاكم عن ابن معين أنه قال: أجود الأسانيد: الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله. فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري. فقال: تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري! الزهري يرى العرض والإجازة، ويعمل لبني أمية. والأعمش فقير صبور مجانب للسلطان، ورع عالم بالقرآن (3). وقال عبد الحق الدهلوي: ويقال: إنه قد ابتلي بصحبة الأمراء بقلة الديانة، لضرورات عرضت له، وكان أقرانه من العلماء والزهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرهم، فيقولون: ألا ترى ما هم فيه وتسكت (4). كتاب أبي حازم إلى الزهري ومن هنا كتب إلى الزهري أخ له في الدين كتابا ينكر عليه ما كان منه من

(هامش)

(1) الكاشف 2 / 311. وأنظر تهذيب التهذيب 7 / 396. وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2 / 270. (2) تذكرة الحفاظ 1 / 108. (3) تهذيب التهذيب 4 / 197. (4) رجال المشكاة - ترجمة الزهري. (*)

ص 212

مخالطة سلاطين الجور... قال أبو حامد الغزالي: ولما خالد الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك، أصبحت شيخا كبيرا قد أثقلتك نعم الله لما فهمك من كتابه وعلمك من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء. قال الله تعالى: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل البغي، بدنوك ممن لم يؤد حقا ولم يترك باطلا حين أدناك، اتخذوك قطبا تدور عليك رحى ظلمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم، وسلما يصعدون فيه إلى ضلالتهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) الآية. وإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل فداو دينك فقد دخله سقم، وهيئ زادك فقد حضر سفر بعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء. والسلام (1). وأورده جار الله الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (2)... وقال الطيبي بشرح الحديث: إذا مدح الفاسق غضب الرب تعالى واهتز له العرش ما نصه: قوله: اهتز له العرش. اهتزاز العرش عبارة عن وقوع أمر عظيم وداهية دهياء، لأن فيه رضى بما فيه سخط الله وغضبه، بل يقرب أن يكون كفرا، لأنه يكاد يفضي إلى استحلال ما حرمه الله تعالى. وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء والمرائين في زماننا هذا. وإذا كان هذا حكم من مدح

(هامش)

(1) إحياء علوم الدين - كتاب الحلال والحرام 2 / 143. (2) تفسير الكشاف 2 / 433. (*)

ص 213

الفاسق فكيف بمن مدح الظالم وركن إليه ركونا وقد قال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار). الكشاف: النهي متناول للإنحطاط في هواهم والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم والتشبه بهم، والتزيي بزيهم ومد العين إلى زهرتهم وذكرهم بما فيه تعظيم لهم. ولما خالط الزهري السلاطين... (1). وقد نقل عبارة الطيبي الملا علي القاري في شرح الحديث المذكور في (المرقاة) (2). ويظهر من (شرح الإحياء) أن الكتاب أطول مما ذكروا، وأن كاتبه هو أبو حازم الأعرج (3)، فلأمر ما لم يذكروا النص الكامل للكتاب، ولم يذكروا اسم كاتبه، وإليك ما أورد الزبيدي بعد شرح النص المتقدم القصة كاملة عن (حلية الأولياء ننقلها لفوائدها الجمة: هذه القصة أوردها أبو نعيم في الحلية في ترجمة أبي حازم بأطول مما هنا، وها أنا أسوقها بتمامها. قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم أبو الحسن، وأبو بكر محمد بن أحمد بن هارون الوراق الأجهاني قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله صاحب ابن شجرة، حدثنا هارون بن حميد الذهلي، حدثنا الفضيل بن عتبة عن رجل قد سماه وأراه عبد الحميد بن سليمان، عن الذيالي ابن عباد قال: كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك بها،

(هامش)

(1) الكاشف للطيبي - مخطوط. (2) المرقاة في شرح المشكاة 4 / 640. (3) هذا بناء على ما جاء في كتب القوم، لكن الصحيح أن الكاتب هو الإمام علي بن الحسين السجاد عليه الصلاة والسلام كما في كتاب (تحف العقول عن آل الرسول) لكن في المتن الوارد في كتب القوم زيادات على المتن الوارد في الكتاب المذكور. فلأمر ما كتموا اسم الكاتب أو نسبوه إلى غيره وزادوا فيه!

ص 214

أصبحت شيخا كبيرا قد أثقلتك نعم الله عليك بما أصح من بدنك وأطال من عمرك، وعلمت حجج الله تعالى بما حملك من كتابه وفقهك فيه من دينه وفهمك من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فرمى بك في كل نعمة أنعمها عليك وكل حجة يحتج بها عليك الغرض الأقصى، ابتلى في ذلك شكرك وأبرء فيه فضله عليك، وقد قال: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). أنظر أي رجل تكون إذا وقفت بين يدي الله فيسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قضيتها، ولا تحسبن الله تعالى راضيا منك بالتغرير، ولا قابلا منك التقصير، هيهات ليس كذلك في كتابه إذ قال: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم) الآية. إنك تقول: إنك جدل ماهر عالم، قد جادلت الناس فجدلتهم وخاصمتهم فخصمتهم، إدلالا منك بفهمك واقتدارا منك برأيك، فأين تذهب عن قول الله تعالى: (ها أنتم هؤلاء جادلتهم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة) الآية. إعلم أن أدنى ما ارتكبت وأعظم ما اقتفيت أن آنست الظالم وسهلت له طريق الغي بدنوك حين أدنيت وبإجابتك حين دعيت، فما أخلقك أن ينوه باسمك غدا مع الجرمة، وأن تسئل بإغضائك عما أردت عن ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لمن أعطاك، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا ولا يرد باطلا حين أدناك، وأجبت من أراد للتدليس بدعائه إياك حين دعاك، جعلوك قطبا تدور رحى باطلهم وجسرا يعبرون بك إلى بلائهم، وسلما إلى ضلالتهم، وداعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم لهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم. فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسئول، وانظر كيف إعظامك أمر من جعلك بدينه في الناس مبجلا، وكيف صيانتك من جعلك بكسوته ستيرا،

ص 215

وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا. ما لك لا تنتبه من نومتك وتستقل من عثرتك فتقول: والله ما قمت لله مقاما واحدا أحيي له فيه دينا ولا أمت فيه باطلا، إنما شكرك لمن استحملك كتابه واستودعك علمه، فما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى). إنك لست في دار مقام وإخلاد، أذنت بالرحيل فما بقاء امرئ بعد أقرانه. طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده. إنك لن تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك، ليس أحد أهلا أن تتركه على ظهرك، ذهبت اللذة وبقيت التبعة، ما أشقى من سعد بكسبه غيره، إحذر فقد أتيت وتخلص فقد ذهبت. إنك تعامل من لا يجهل والذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد، وداو دينك فقد دخله سقم شديد. ولا تحسبني أني أردت توبيخك أو تعييرك وتعنيفك، ولكن أردت أن تنعش ما فات من رأيك، وترد عليك ما غرب عنك من حلمك، وذكرت قوله تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين). أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب. فانظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به، أو دخلوا في مثل ما دخلت فيه، وهل تراه ادخر لك خيرا منعوه، أو عملت شيئا جهلوه، بل جهلت ما ابتليت به من حالك في صدور العامة. وكلفهم بك، أن صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك، إن أحللت أحلوا وإن حرمت حرموا، وليس ذلك عندك ولكنهم أكبهم عليك رغبتهم فيما في يدك وتغلب عماهم وغلبة الجهل عليك وعليهم وحب الرياسة وطلب الدنيا منك ومنهم. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة، ابتليتهم بالشغل عن مكاسبهم وفتنتهم بما رأوا من أثر العلم عليك، وتاقت أنفسهم إلى أن يدركوا بالعلم ما أدركت ويبلغوا منه مثل الذي بلغت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك قعره وفي بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا ولك ولهم المستعان.

ص 216

إعلم أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله على يدي أوليائه لأوليائهم فهؤلاء قال الله تعالى: (أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) وما أخوفني أن تكون نظيرا لمن عاش مستورا عليه في دينه مقتورا عليه في رزقه، معزولة عنه البلايا مصروفة عنه الفتن في عنفوان شبابه وظهور جلده وكمال شهوته، فغنى بذلك، حتى إذا كبرت سنه ودق عظمه وضعفت قوته وانقطعت شهوته ولذته فتحت عليه الدنيا شر مفتوح، فلزمته تبعتها وعلقته فتنتها وأعشت عينيه زهرتها وصفت لغيره منفعتها. فسبحان الله ما أبين هذا الغبن وأخسر هذا الأمر، فهلا إذا عرضت لك فتنها ذكرت أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في كتابه إلى سعد حين خاف عليه مثل الذي وقعت فيه - عندما فتح الله على سعد - أما بعد فأعرض عن زهرة ما أنت فيه حتى تلقى الماضين الذين دفنوا في أرماسهم لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، لم تفتنهم الدنيا ولم يفتتنوا بها رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا. فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك فمن يلوم الحدث في شبيبته الجاهل في علمه في رأيه المدخول في عقله. إنا لله وإنا إليه راجعون على من المعول وعند من المستغاث. ونشكوا إلى الله شيئا وما نرى منك. ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به. والسلام عليك ورحمة الله تعالى (1). ترجمة أبي حازم الأعرج ولا يخفى أن أبا حازم الأعرج من كبار علماء أهل السنة، ومن مشاهير رجال الصحاح الستة، قال ابن حبان: سلمة بن دينار... وكان قاص أهل المدينة، من عبادهم وزهادهم، بعث إليه سليمان بن عبد الملك بالزهري أن ايتني، فقال

(هامش)

(1) حلية الأولياء 3 / 246 - 249. (*)

ص 217

له الزهري: أجب الأمير، فقال له: ما لي إليه حاجة، فإن كان له حاجة فليأتني (1). وقال ابن الأثير: من عباد أهل المدينة وثقاتهم، والمشهورين من تابعيهم... (2). وقال الذهبي: أحد الأعلام... قال ابن خزيمة: ثقة لم يكن في زمانه مثله. توفي سنة 140 وقيل 135 وقيل 142 (3). وقال الذهبي: مناقب أبي حازم كثيرة، وكان فقيها ثبتا كبير القدر (4). وقال ابن حجر: ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور (5). حال والد الزهري وجده ولا يخفى أن الزهري قد ورث العداء لأهل البيت من أجداده، فقد كان أبو جده عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين بدرا، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله ليقتلنه أو ليقتلن دونه. وروي: أنه قيل للزهري: هل شهد جدك بدرا؟ فقال: نعم ولكن من ذلك الجانب. يعني إنه كان في صف المشركين. وكان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير... (6). بل ذكر بعض العلماء: أن جده هو الذي شج وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (7).

(هامش)

(1) الثقات 4 / 316. (2) جامع الأصول - مخطوط. (3) الكاشف 1 / 134. (4) تذكرة الحفاظ 1 / 134. (5) تقريب التهذيب 1 / 316. (6) وفيات الأعيان 3 / 317. (7) أنظر ترجمة عبد الله بن شهاب من الإستيعاب وأسد الغابة، وغزوة أحد من كتب السير: السيرة (*)

ص 218

4 - اشتهاره بالتدليس - قال الذهبي: كان يدلس في النادر (1). وقال أيضا: قال قدامة السرخسي قال يحيى بن سعيد: مرسل الزهري شر من مرسل غيره... (2). وذكره سبط ابن العجمي في (التبيين لأسماء المدلسين) ونص على أنه مشهور به . هذا، وقد أعرض ولي الله الدهلوي نفسه عن حديث الزهري في المتعة في كتاب (قرة العينين) وقال بأن ما رواه لم يروه الثقات. ومن أراد أن يقف على تفصيل هذا المرام، فليرجع إلى مبحث تحريم المتعة من كتاب (تشييد المطاعن). النظر في حديث اللبن دلالة والرابع: إن حديث اللبن مقدوح من حيث المعنى والدلالة أيضا، فقد كان حينذاك في الأصحاب من هو أفضل من عمر بن الخطاب، فيقتضي هذا الحديث أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد رجح المفضول على الفاضل، وهو قبيح قطعا، ولا يجوز نسبة القبيح إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأيضا: ينافي مذهب أهل السنة في التفضيل، لأنه يقتضي تفضيل عمر بن الخطاب على أبي بكر... وأيضا: يصادم الواقع والعيان، فقد علم الكل بجهل عمر بأوضح المسائل، فلو كان للحديث حظ من الصحة، وكان عمر قد حصل على قطرة من بحار علوم النبي صلى الله عليه وآله - ولو في عالم المنام - لما كان بهذه الدرجة من الجهل والغباوة... حتى أنهم رووا عنه قوله: وإني لا أدع بعدي شيئا أهم إلي من الكلالة، وما أغلظ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء منذ صاحبته

(هامش)

النبوية لابن هشام، وزاد المعاد لابن القيم، وسبل الهدى والرشاد، وإنسان العيون لنور الدين الحلبي. (1) ميزان الاعتدال 4 / 40. (2) تذكرة الحفاظ 1 / 108. (*)

ص 219

ما أغلظ لي في الكلالة، وما راجعته في شيء ما راجعته في الكلالة، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء (1). وعنه أنه قال في الكلالة: ما أراني أعلمها أبدا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال (2). ومن هنا يعلم عدم اطلاع واضع الخبر على واقع حال عمر. ثم أي مناسبة لهذا الحديث من حديث أنا مدينة العلم؟ فإنه لو سلمنا صحته سندا، وفرضنا ثبوت معناه، فإن غاية مدلوله حصول جزء يسير مما فضل عن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر بن الخطاب، وأين من حصل على جزء يسير من العلم عمن كان باب مدينة العلم!! إن حديث مدينة العلم يدل على المساواة بين النبي وعلي عليهما وآلهما السلام في العلم، وقد تحقق ذلك فيما سبق بنصوص أساطين أهل السنة، وحديث اللبن يدل على حصول ما فضل عن علم النبي لعمر، وقد نص على ذلك أساطين أهل السنة كذلك، فقد قال الحافظ ابن حجر: قوله: باب فضل العلم. الفضل هنا بمعنى الزيادة، أي ما فضل عنه (3)... وقال بشرحه في كتاب المناقب: والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر، وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان، فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة، فلم

(هامش)

(1) مسند أحمد 1 / 27. (2) كنز العمال 11 / 78: عن سعيد بن المسيب: أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يورث الكلالة؟ قال: أو ليس قد بين الله ذلك؟ قرأ (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة) إلى آخر الآية. وكان عمر لم يفهم. فأنزل الله (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) إلى آخر الآية. فكان عمر لم يفهم. فقال لحفصة: إذ رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس اسأليه عنها! فقال: أبوك ذكر لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها أبدا! فكان يقول: ما أراني أعلمها أبدا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. ابن راهويه وابن مردويه. وهو صحيح . (3) فتح الباري 1 / 146. (*)

ص 220

يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس، بحيث لم يخالفه أحد، ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان، فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له، فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله، واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارا (1). وقال في كتاب التعبير: وأما إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله، بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم... (2). وكذا قال غيره من شراح البخاري كالعيني والقسطلاني فراجع. ولا تجد أحدا منهم يجرأ على القول بتساوي النبي وعمر في العلم، إستنادا إلى هذا الحديث المصنوع الموضوع... النظر في حديث القميص سندا والخامس: إن حديث القميص الذي ذكره ولي الله، في مقابلة حديث مدينة العلم، من أضغاث أحلام أسلاف السنية، وليس له ذكر في أخبار الشيعة الإمامية، بخلاف حديث مدينة العلم المتفق عليه بين الفريقين، وهذا كاف لبطلان كلام ولي الله. على أنه حديث مقدوح سندا كحديث اللبن، فإن مدار عمدة أسانيده - وهي أسانيد البخاري - على ابن شهاب الزهري الذي عرفت حاله عن قريب، وإن شئت التأكد مما ذكرناه فانظر إلى سنده في (صحيح البخاري): حدثنا محمد بن عبيد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها

(هامش)

(1) المصدر نفسه 7 / 35. (2) المصدر نفسه 12 / 332. (*)

ص 221

ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين (1). حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك. وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين (1). باب القميص في المنام. حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب، حدثني أبو أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قميص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك. ومر علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: ما أولت يا رسول الله؟ قال: الدين . باب جر القميص في المنام. حدثنا سعيد بن عفير، حدثني الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب، أخبرني أبو أمامة بن سهل، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك. وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجتره. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين (3). هذا من جهة. ومن جهة أخرى ترى الزهري ينسب الحديث تارة إلى أبي سعيد الخدري، كما في روايات البخاري المذكورة، وأخرى يبهم فينسبه إلى بعض

(هامش)

(1) صحيح البخاري - كتاب الإيمان 1 / 74. (2) صحيح البخاري - كتاب المناقب 5 / 73. (3) صحيح البخاري - كتاب التعبير 9 / 657. (*)

ص 222

أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، كما في رواية الترمذي، قال: حدثنا الحسين بن محمد الجريري البلخي، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن بعض أصحاب النبي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك، فعرض علي عمر وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين (1). ولما كان الزهري مشهورا بالتصرف في الأسانيد، كما سبق التنبيه عليه عن قريب في قوادحه، ويلاحظه كل من راجع ترجمته في كتب الرجال، فإن اضطرابه في خصوص هذا الحديث يوجب وهنه وهوانه عند أهل الإنصاف والامعان. النظر في حديث القميص دلالة ثم إن هذا الحديث يشتمل على أن عمر كان عليه قميص يجره، لكن تطويل القميص وجره مما ثبت الوعيد عليه، كما لا يخفى على من نظر في أحاديث كتاب اللباس من (صحيح البخاري)، وكأن واضع هذا الحديث غفل عما يستتبع هذا الحديث من نسبة تقرير الفعل غير المشروع في الشريعة إلى صاحبها صلى الله عليه وآله وسلم. ومن هنا قال بعض الشراح بأن جر القميص في اليقظة مذموم وفي المنام محمود، لكن لا دليل لهم على ذلك، والاستناد فيه إلى نفس هذا الحديث مصادرة... قال ابن حجر والقسطلاني: وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعا، أعني جر القميص، لما ثبت من الوعيد على تطويله (2). ومما يدل على بطلانه دلالة هو: إنه ينافي مذهب أهل السنة، لأنه يدل على أفضلية عمر من أبي بكر، فاضطر القوم إلى توجيهه وتأويله بنحو من الانحاء - ولو

(هامش)

(1) صحيح الترمذي 4 / 467. (2) فتح الباري 12 / 333، إرشاد الساري 10 / 141. (*)

ص 223

لم يكن في البخاري لأسقطوه رأسا - لكن كلماتهم متهافتة وأقوالهم متناقضة، ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر : قال ابن حجر: وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق، والجواب عنه: تخصيص أبي بكر من عموم قوله: عرض علي الناس. فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر، وإن كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ، فلعله كان كذلك، إلا أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها. والله أعلم (1). وفيه فضيلة لعمر، وقد تقدم الجواب عما يستشكل من ظاهره، وإيضاح أنه لا يستلزم أن يكون أفضل من أبي بكر، وملخصه: إن المراد بالأفضل من يكون أكثر ثوابا والأعمال علامات الثواب، فمن كان عمله أكثر فدينه أقوى، ومن كان دينه أقوى فثوابه أكثر، ومن كان ثوابه أكثر فهو أفضل، فيكون عمر أفضل من أبي بكر. وملخص الجواب: إنه ليس في الحديث تصريح بالمطلوب، فيحتمل أن يكون أبو بكر لم يعرض في أولئك الناس، إما لأنه كان قد عرض قبل ذلك، وإما لأنه لا يعرض أصلا، أو أنه لما عرض كان عليه قميص أطول من قميص عمر، ويحتمل أن يكون سر السكوت عن ذكره الاكتفاء بما علم من أفضليته. ويحتمل أن يكون وقع ذكره فذهل عنه الراوي. وعلى التنزل بأن الأصل عدم جميع هذه الاحتمالات فهو معارض بالأحاديث الدالة على أفضلية الصديق، وقد تواترت تواترا معنويا، فهي المعتمدة. وأقوى هذه الاحتمالات أن لا يكون أبو بكر عرض مع المذكورين. والمراد من الخبر التنبيه على أن عمر ممن حصل له الفضل البالغ في الدين، وليس فيه ما يصرح بانحصار ذلك فيه (2). وكذا قال غيره من شراح البخاري، فراجع العيني والقسطلاني في المواضع المذكورة.

(هامش)

(1) فتح الباري 7 / 41. (2) فتح الباري 12 / 333. (*)

ص 224

وأيضا: لو صح هذا الحديث لما ظهرت عورة جهل عمر، لأنهم قالوا في شرحه بأن الدين يستر عورة الجهل... قال ابن حجر في كتاب التعبير: وقال ابن العربي: إنما أوله النبي صلى الله عليه وسلم بالدين، لأن الدين يستر عورة الجهل كما يستر الثوب عورة البدن ... والحال أن عورة جهل عمر بادية لكل ناظر في أحواله وسيره، كما هو مفصل في كتب أصحابنا الأعلام، لا سيما (تشييد المطاعن)... ولعل واضع الحديث لم يقف على حقيقة حال الخليفة وإلا لم يضعه، وهكذا يفتضح الخراصون بما يعملون، والله خبير بما يفتعلون ويفعلون.

 إيقاظ وتنبيه

 إن احتجاج ولي الله الدهلوي بخبر رؤيا اللبن وحديث رؤيا القميص على علم عمر بن الخطاب، يدل بوضوح على شدة فقره وخلو يده من حديث لائق بالاحتجاج في هذا الباب، وإلا لم يتمسك بمنامين مصنوعين، في مقابلة حديث مدينة العلم المتفق عليه بين الفريقين، لكن الإمامية يتمسكون بحديث المدينة ونظائره من الأحاديث المعتبرة - مضافا إلى الآيات القرآنية - لإثبات أعلمية سيدنا أمير المؤمنين من جميع الخلائق بعد النبي صلى الله عليه وآله... لكن أعلميته ثابتة عن طريق المنامات أيضا، فقد ثبت في علم تعبير الرؤيا أن من رأى الإمام عليه السلام في المنام رزقه الله العلم، وليس هذا إلا لكونه أعلم الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه لم ينل هذه المرتبة أحد من أصحابه... وإليك كلمات بعض علماء السنة الصريحة فيما ذكرنا: قال أبو سعد الخركوشي: وإن رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حيا أكرم بالعلم ورزق الشجاعة والزهد (1). وقال خليل بن شاهين الظاهري: ومن رأى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فإنه يكون عالي المحل ورفيع المكان وطلق اللسان وشجاعا وقوي القلب

(هامش)

(1) كتاب التعبير. الباب الرابع. (*)

ص 225

موثرا مصدقا. وقيل: من رآه وهو طلق الوجه ينال علما وشجاعة، ومن رآه حيا في مكان ينال أهل ذلك المكان العلم والعدل والإنصاف، ويرفع عنهم الجور والاعتساف (1). وقال عبد الغني ابن النابلسي: وإن رآه عالم ينال علما ونسكا وجلالا وقوة على مناظرته (2). قال: وربما دلت رؤياه على الخلافة والإمامة والأسفار الشاقة والغنائم للمؤمنين وعلى إظهار الكرامات، ومن رآه أكرم بالعلم ورزق السخاء والشجاعة والزهد، ومن رآه حيا صار محسودا، وآتاه الله تعالى الحكم ونفاذ الأمر والتقوى واتباع السنة . دعوى مقارنة ما ورد في فضل ابن مسعود لحديث المدينة ثم إن ولي الله الدهلوي ادعى مقارنة ما ورد في فضل عبد الله بن مسعود لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ... وهذه دعوى مردودة، لأن ما أشار إليه الدهلوي مما تفرد به أهل السنة، ولا يقارن المتفرد به المتفق عليه، ولأن تلك الأحاديث التي رووها في باب علم ابن مسعود لا تقابل حديث المدينة من حيث السند، فإنه حديث متواتر كما بينا سابقا، وتلك الأحاديث لم تبلغ حد التواتر، كما لا يخفى على من رجع إليها، وغير المتواتر لا يقارن المتواتر. هذا، على أن ابن مسعود من تلامذة أمير المؤمنين عليه السلام، ومن المعترفين بأعلميته كما سيأتي إن شاء الله فيما بعد بالتفصيل، فكل فضيلة تثبت له فهي ببركة تتلمذه على الإمام، فما يروونه في حقه مؤيد لمطلوب الإمامية لا مخالف

(هامش)

(1) الإشارات في علم العبارات 2 / 25 هامش تعطير الأنام. (2) تعطير الأنام في تعبير المنام 2 / 77. (*)

ص 226

دعوى مقارنة ما ورد في فضل عائشة لحديث المدينة وأما دعواه مقارنة ما ورد في فضل عائشة لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها فأضعف من سابقتها، إذ لم يثبت في فضل عائشة حديث واحد من طرق أهل السنة، ومن ادعى فعليه البيان وعلينا دمغ رأسه بأبين الدليل والبرهان... ومع التسليم فهو مما تفرد به أهل السنة، وهو لا يقارن ما اتفق عليه الطرفان. ثم إن عائشة تعترف بأعلمية الإمام عليه السلام - كما سيأتي - فكيف يدعى معارضة ما وضع في شأنها مع حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها؟! وأيضا، جهلها بأقوال النبي وحالاته، واستدراكاتها الباطلة على أصحابه... من القضايا المشهورة، وقد ألفت في ذلك الكتب الخاصة مثل (الإصابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، للزركشي) و(عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة، للسيوطي)... دعوى مقارنة ما ورد في فضل معاذ وأبي لحديث المدينة وكذا الكلام في دعواه معارضة ما ورد في فضل معاذ بن جبل وأبي بن كعب لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، فلو ورد في حقهما شيء في هذا الباب، وثبت سندا، فإنه حديث تفرد به أهل السنة، وهو من أخبار الآحاد قطعا، وما كان من هذا القبيل لا يقاوم حديث مدينة العلم المتواتر المتفق عليه بين الجميع، والدال على العصمة والأعلمية المطلقة بالأدلة والوجوه الكثيرة المتقنة. وبما ذكرنا ظهر سقوط كلامه الأخير من أن هؤلاء الصحابة الذين ذكرهم هم المبشرون للعلم، والذين ورد الأمر بأخذ العلوم عنهم، إذ لم يثبت كونهم مبشرين للعلم، فضلا عن الأمر بأخذ العلوم عنهم، ومن ادعى فعليه الاثبات. ولو سلم كون ابن مسعود وأبي مبشرين له فأين الأمر بالأخذ عنهما؟ ولو سلم فهو بفضل تتلمذهما على الإمام عليه السلام، فلا ينافي ما نحن بصدده من إثبات

ص 227

الأعلمية له. توقيف فيه تعنيف ثم إذا كان الأمر كما ذكر الدهلوي، فلماذا نهى عمر ابن مسعود من نشر علمه وحال دون أخذ الأمة منه؟!... فقد ذكر الدهلوي نفسه: عن محمد بن سيرين قال قال عمر لابن مسعود: ألم أنبأ - أو أنبئت - أنك تفتي ولست بأمير، ول حارها من تولى قارها - أخرجه الدارمي (1). ولماذا فعل به عثمان ما فعل مما طفحت به الكتب والأسفار؟! وأيضا: لماذا اشتد عمر على أبي بن كعب وأغلظ له وأساء إليه في مواضع كثيرة: منها: في قوله تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد، ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن أبي بن كعب: إنه كان يقرأ: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فأنزل الله سكينته على رسوله. فبلغ ذلك عمر فاشتد عليه، فبعث إليه وهو يهنا ناقة له، فدخل عليه فدعا ناسا من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم، فغلظ له عمر فقال له أبي: أتكلم فقال: تكلم. فقال: لقد علمت أني كنت أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقرئني وأنتم بالباب، فإن أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني وإلا لم أقرأ حرفا ما حييت. قال له: بل أقرئ الناس. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (2).

(هامش)

(1) قرة العينين: 188. (2) المستدرك على الصحيحين 2 / 225. (*)

ص 228

وروى المتقي: عن أبي إدريس الخولاني قال: كان أبي يقرأ: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام، فأنزل الله سكينته على رسوله. فبلغ ذلك عمر فاشتد عليه، فبعث إليه فدخل عليه، فدعا ناسا من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم، فغلظ له عمر. فقال أبي: أتكلم؟ قال: تكلم، فقال: لقد علمت أني كنت أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرئني وأنت بالباب. فإن أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني وإلا لم أقرئ حرفا ما حييت! قال: بل أقرئ الناس. رن وابن أبي داود في المصاحف، ك. وروى ابن خزيمة بعضه (1). ورواه ولي الله الدهلوي نفسه في المقصد الثاني من (إزالة الخفاء) وفي (قرة العينين) عن الحاكم. ومنها: في قوله تعالى: (من الذين استحق عليهم الأوليان) الآية - قال المتقي: عن أبي مجلز: إن أبي بن كعب قرأ: من الذين استحق عليهم الأوليان. فقال عمر: كذبت. قال: أنت أكذب. فقال رجل: تكذب أمير المؤمنين!! قال: أنا أشد تعظيما لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذبته في تصديق كتاب الله، ولم أصدق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله. فقال عمر: صدق. عبد بن حميد، وابن جرير، عد (2). ومنها: في قوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) روى المتقي: عن عمر بن عامر الأنصاري: إن عمر بن الخطاب قرأ: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان. فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين. فقال له زيد بن ثابت: والذين اتبعوهم بإحسان. فقال عمر: الذين اتبعوهم بإحسان. فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر: ايتوني بأبي

(هامش)

(1) كنز العمال 2 / 568، 594. (2) كنز العمال 2 / 596. (*)

ص 229

ابن كعب، فسأله عن ذلك. فقال أبي: والذين اتبعوهم بإحسان. فجعل كل واحد منهما يشير إلى أنف صاحبه بإصبعه. فقال أبي: والله أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تتبع الخبط. فقال عمر: نعم إذن. فنعم إذن. نتابع أبيا. أبو عبيد في فضائله وابن جرير. وابن المنذر. وابن مردويه (1). كلام آخر لولي الله وفي موضع آخر من (قرة العينين) خص ولي الله الدهلوي العلم في حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها بعلم الباطن، زاعما المساواة بين الإمام وسائر الصحابة في علم الظاهر... ثم ذكر أن لهذا الحديث نظائر: خذوا ربع العلم عن هذه الحميراء. اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. رضيت لكم ما رضي ابن أم عبد (2). فنقول: أما التخصيص بعلم الباطن فلا دليل عليه، بل الحديث مطلق، وهو يدل على أعلمية علي عليه السلام مطلقا، في علم الظاهر وعلم الباطن، ومن جميع الصحابة بل جميع الخلائق - ما عدا النبي صلى الله عليه وآله -... والأدلة والشواهد على ذلك كتابا وسنة واعترافا من الصحابة وكبار العلماء، وغير ذلك، كثيرة جدا... وأما دعوى وجود النظائر له، فيظهر بطلانها مما ذكرنا، لأن مدلول هذا الحديث مقام عظيم يعد من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام التي لا يشاركه فيها أحد من الأصحاب، وقد نص على ذلك أساطين العلماء... قال محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني: ... وإذا عرفت هذا عرفت أنه قد خص الله الوصي عليه السلام بهذه الفضيلة العجيبة، ونوه شأنه، إذ جعله باب أشرف ما في الكون

(هامش)

(1) كنز العمال 2 / 597. (2) قرة العينين: 224. (*)

ص 230

وهو العلم، وأن منه يستمد ذلك من أراده، ثم إنه باب لأشرف العلوم، وهي العلوم النبوية، ثم لأجمع خلق الله علما، وهو سيد رسله صلى الله عليه وسلم، وإن هذا لشرف يتضاءل عنه كل شرف، ويطأطئ رأسه تعظيما له كل من سلف وخلف (1). النظر في سند حديث خذوا عن الحميراء وأما تعديده حديث: خذوا ربع العلم عن هذه الحميراء في نظائر حديث مدينة العلم بزعمه فباطل من وجوه: 1 - إن حديث مدينة العلم من أحاديث الفريقين، وما ذكره من متفردات أهل السنة، بل من تقولات الدهلوي. 2 - حديث مدينة العلم متواتر، وما ذكره الدهلوي لا سند له أصلا. 3 - حديث مدينة العلم من الأحاديث الصحاح، وما ذكره الدهلوي لا أثر له حتى في الكتب الموضوعة لجمع الموضوعات... نعم يوجد في كلمات المحدثين ما يقرب منه مع التنصيص على قدحه وجرحه: قال ابن القيم في جواب السؤال: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده قال: فصل - ومنها أن يكون الحديث باطلا في نفسه، فيدل بطلانه على أنه ليس من كلامه عليه السلام: كحديث المجرة التي في السماء من عرق الأفعاء التي تحت العرش. وحديث: إذا غضب الرب أنزل الوحي بالفارسية، وإذا رضي أنزله بالعربية، وحديث: ست خصال تورث النسيان: سؤر الفأر، وإلقاء القمل في النار، والبول في الماء الراكد، ومضغ العلك، وأكل التفاح الحامض. وحديث: الحجامة على القفاء تورث النسيان. وحديث: يا حميراء لا تغتسلي بالماء المشمس فإنه يورث البرص. وكل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق، وكذا:

(هامش)

(1) الروضة الندية - شرح التحفة العلوية. (*)

ص 231

يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا وكذا. وحديث: خذوا شطر دينكم عن الحميراء (1). وقال ابن أمير الحاج بعد ذكر حديث النجوم: والثاني - أي خذوا شطر دينكم عن الحميراء - معناه إنكم ستأخذون، فلا يعارضان الأولين. والحق: إنهما لا يعارضانهما. أما الأول فلما قدمناه. وأما الثاني فقد قال شيخنا الحافظ: لا أعرف له إسنادا ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير، ذكره في مادة - ح م ر. ولم يذكر من خرجه. ورأيته أيضا في كتاب الفردوس لكن بغير لفظه، ذكره من حديث أنس بغير إسناد أيضا، ولفظه: خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء، وبيض له صاحب مسند الفردوس فلم يخرج له إسنادا. وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه. وقال الذهبي: هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد. بل قال تاج الدين السبكي: وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي يقول: كل حديث فيه لفظ الحميراء لا أصل له إلا حديثا واحدا في النسائي، فلا يحتاج إلى هذا التأويل (2). وقال السخاوي: حديث: خذوا شطر دينكم عن الحميراء. قال شيخنا في تخريج ابن الحاجب من إملائه: لا أعرف له إسنادا... وذكر الحافظ عماد الدين... (3). وقال السيوطي: حديث: خذوا شطر دينكم عن الحميراء - لم أقف عليه. وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب: هو حديث غريب جدا بل هو حديث منكر. سألت عنه شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي فلم يعرفه قال: ولم أقف له على سند إلى الآن. وقال شيخنا الذهبي: هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد. إنتهى - لكن في الفردوس من

(هامش)

(1) أورد هذا القاري في الموضوعات الكبرى: 190 - 191. (2) التقرير والتحبير في شرح التحرير 3 / 99. (3) المقاصد الحسنة: 198. (*)

ص 232

حديث أنس: خذوا ثلث دينكم من بيت عائشة. ولم يذكر له إسنادا (1). وهكذا قال ابن الديبع الزبيدي في (تمييز الطيب من الخبيث) والفتني في (تذكرة الموضوعات) والقاري في (الموضوعات) و(المرقاة) والشوكاني في (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) ونظام الدين في (الصبح الصادق - شرح المنار) وعبد العلي في (فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت)... وغيرهم من أئمة الحديث والرجال والأصول... النظر في حديث خذوا عن الحميراء دلالة ثم إن الحديث المزعوم يدل بالمطابقة على علم عائشة بربع الدين. وأما حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها فيدل على: إحاطة أمير المؤمنين عليه السلام بجميع علوم مدينة العلم، وعلى أعلميته المطلقة حتى من الأنبياء والمرسلين - ما عدا نبينا صلى الله عليه وآله -، وعلى عصمته... وأين معنى الحديث المزعوم عن معنى هذا الحديث المتواتر المعلوم؟!. النظر في حديث الاقتداء سندا ودلالة وأما حديث إقتدوا باللذين... فباطل كذلك. أما دلالة فبأكثر الوجوه المذكورة في إبطال الحديث السابق. وأما سندا فقد تقدم كلام ابن حزم فيه عن قريب، وقد تكلمنا عليه في قسم (حديث الثقلين) وقسم (حديث الطير) بالتفصيل. النظر في حديث رضيت لكم... وأما حديث: رضيت لكم ما رضي ابن أم عبد أي عبد الله بن مسعود.

(هامش)

(1) الدرر المنتثرة: 79. (*)

ص 233

فالجواب عن الاستدلال به هنا نفس الجواب عن الاستدلال بالحديثين السابقين... على أنه لا يدل على فضل لابن مسعود، بل إنه كلام قاله النبي صلى الله عليه وآله قضية في واقعة، فقد أخرج الحاكم قائلا: أخبرنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل، ثنا محمد بن عبد الوهاب العبدي، أنبأ جعفر بن عون أنبأ المسعودي عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: إقرأ. قال: أقرأ وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) فاستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكف عبد الله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكلم. فحمد الله في أول كلامه وأثنى على الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة الحق وقال: رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا. ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (1). هذا، وقد بحثنا عن هذا الحديث في قسم (حديث الثقلين) أيضا فراجع. وعلى الجملة، فإن شيئا مما ذكره ولي الله الدهلوي لا يقابل حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها . لا سندا ولا دلالة، وإن كل ما ذكره تعصب مقيت ومكابرة واضحة...

(هامش)

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 319. (*)

ص 234

(16) مع الأورنق آبادي في كلامه حول الحديث

 وقال قمر الدين الأورنق آبادي في كتابه (نور الكريمتين): وحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وسدوا كل خوخة إلا خوخة أبي بكر، وسدوا كل خوخة إلا باب علي. إشارة إلى كليه هذا البيت، وإلى أبوابه، لكن إضافة الباب إلى علي كرم الله وجهه يمكن أن تكون إضافة بيانية، لأن عليا نفسه باب، كما كان عمر رضي الله عنه نفسه بابا في حديث حذيفة رضي الله عنه. وفي حديث: أنا مدينة العلم إشارة إلى أن ما كان في بيت النبوة من متاع فهو العلم، أما النقود والأعيان الأخرى فمعدومة هناك، وهذا العدم والفقدان للنقود والأعيان هو حقيقة الفقر والأفلاس، ولهذا قال: إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما أورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر... . وهذا الكلام باطل وسخيف من وجوه: أحدها: كون حديث مدينة العلم إشارة إلى كلية البيت، فإن ذلك إن تم على مذاقه لزم أن يكون النبي عليه وآله السلام بيتا كليا للنبوة، وأن لا يكون من أهل بيت النبوة، لكن هذا اللازم - مع كونه منافيا لمطلوبه - لا يلتزم به أحد من أهل الإسلام، لأن كونه صلى الله عليه وآله من أهل بيت النبوة من الأمور المسلمة لضرورية، ولو تمثلت النبوة في بيت كان هو وأهله ذاك البيت بلا ريب. الثاني: كون الحديث إشارة إلى أبواب البيت... وقد عرفت أن الحديث ليس إيماء وإشارة بل تصريح صريح بأن الإمام عليا عليه السلام هو الباب الوحيد لمدينة العلم، وليس للمدينة أبواب متعددة، اللهم إلا الأئمة الأطهار المتحققة فيهم الوحدة في عين التعدد والكثرة.

ص 235

النظر في حديث الخوخة الثالث: حديث الخوخة الذي ذكره حديث موضوع، وضعه واضعه ليقابل به حديث سد الأبواب الوارد في حق أبي الأئمة الأطياب... ولمزيد الوضوح والبيان نورده أولا عن (صحيح البخاري) ثم نتكلم على سنده: قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي، قال حدثنا وهب بن جرير، قال حدثنا أبي قال سمعت يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر (1). حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك عن أبي النضر مولى عمر ابن عبيد الله عن عبيد يعني ابن حنين، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده. فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا له وقال الناس: أنظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي

(هامش)

(1) صحيح البخاري - باب الخوخة والممر في المسجد 1 / 260. (*)

ص 236

بكر (1). ترجمة جرير بن حازم ففي الطريق الأول (جرير بن حازم) وقد قدح فيه البخاري فضلا عن غيره من الأعلام، قال الذهبي: جرير بن الحازم ثقة إمام، تغير قبل موته، فحجبه ابنه وهب، فما حدث حتى مات. قال ابن معين: هو في قتادة ضعيف. وقال البخاري: ربما يهم (2). وقال الذهبي: وقال يحيى القطان: كان جرير يقول في حديث الضبع: عن جابر عن عمر، ثم جعله بعد عن جابر إن رسول الله سئل عن الضبع. فقال: هي من الصيد. وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا. تابعه ابن جريج عن عبد الله. وفي الجملة: لجرير عن قتادة أحاديث منكرة. قال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى عن جرير بن حازم فقال: ليس به بأس فقلت: إنه يحدث عن قتادة عن أنس بمناكير! فقال: هو عن قتادة ضعيف . قال: وقال البخاري: ربما يهم في الشيء (3). وقال ابن حجر: وقال عبد الله بن أحمد: سألت ابن معين عنه فقال: ليس به بأس فقلت: إنه يحدث عن قتادة عن أنس أحاديث مناكير؟ فقال: ليس بشيء هو عن قتادة ضعيف . وقال ابن عدي: وقد حدث عنه أيوب السختياني والليث بن سعد، وله أحاديث كثيرة عن مشائخه، وهو مستقيم الحديث صالح فيه إلا روايته عن قتادة، فإنه يروي عنه أشياء لا يرويها غيره .

(هامش)

(1) صحيح البخاري - باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة 5 / 138. (2) المغني في الضعفاء 1 / 129. (3) ميزان الاعتدال 1 / 393. (*)

ص 237

وقال مهنا عن أحمد: جرير كثير الغلط. وقال ابن حبان في الثقات: كان يخطئ لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه . وقال الساجي: صدوق حدث بأحاديث وهم فيها وهي مقلوبة. حدثني حسين عن الأثرم قال قال أحمد: جرير بن حازم حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ. وحدثني عبد الله بن خراش ثنا صالح عن علي بن المديني قلت ليحيى بن سعيد: أبو الأشهب أحب إليك أم جرير بن حازم؟ قال: ما أقربهما، ولكن كان جرير أكبرهما، وكان يهم في الشيء، وكان يقول في حديث الضبع عن جابر عن عمر ثم صيره عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال وحدثت عن عبد الله ابن أحمد حدثني أبي عن عفان قال: راح أبو جري نصر بن طريف إلى جرير يشفع لإنسان يحدثه فقال جرير: حدثنا قتادة عن أنس قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة. فقال أبو جري: ما حدثناه قتادة إلا عن سعيد ابن أبي الحسن. قال أبي: القول قول أبي جري وأخطأ جرير وقال الحسن بن علي الحلواني: ثنا عفان ثنا جرير بن حازم سمعت أبا فروة يقول حدثني جار لي أنه خاصم إلى شريح قال عفان فحدثني غير واحد عن الأغصف قال: سألت جريرا عن حديث أبي فروة هذا فقال: حدثنيه الحسن بن عمارة. وذكره العقيلي من طريق عفان قال: إجتمع جرير بن حازم وحماد بن زيد فجعل جرير يقول سمعت محمدا يقول سمعت شريحا يقول، فقال له حماد: يا أبا النضر محمد عن شريح. وقال الميموني عن أحمد: كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس، يوقف أشياء ويسند أشياء. ثم أثنى عليه. وقال: صالح صاحب سنة وفضل. وقال الأزدي: جرير صدوق خرج عنه بمصر أحاديث مقلوبة ولم يكن بالحافظ، حمل رشدين وغيره عنه مناكير ونسبه يحيى الحماني إلى التدليس (1).

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 2 / 60. (*)

ص 238

ترجمة عكرمة وفيه (عكرمة الخارجي)، وقوادح هذا الرجل لا تعد ولا تحصى: قال ابن سعد بترجمته في كتاب (الطبقات): أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال: نبئت عن سعيد بن جبير أنه قال: لو كف عنهم عكرمة من حديثه لشدت إليه المطايا . أخبرنا سليمان بن حرب، قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب، قال قال عكرمة: أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي أفلا يكذبوني في وجهي، فإذا كذبوني في وجهي فقد والله كذبوني. أخبرنا سليمان بن حرب، قال ثنا حماد بن زيد قال قال رجل لأيوب يا أبا بكر عكرمة كان يتهم؟ قال: فسكت ثم قال: أما أنا فإني لم أكن أتهمه . أخبرنا عفان بن مسلم، قال ثنا حماد بن زيد، قال ثنا أيوب عن إبراهيم ابن ميسرة عن طاوس قال: لو أن مولى ابن عباس هذا اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا . أخبرنا شبابة بن سوار، قال أخبرني أبو الطيب موسى بن يسار، قال رأيت عكرمة جائيا من سمرقند وهو على حمار، تحته جوالقان أو خرجان فيهما حرير، أجازه بذلك عامل سمرقند، ومعه غلام. قال وسمعت عكرمة بسمرقند - وقيل له: ما جاء بك إلى هذه البلاد؟ قال: الحاجة . أخبرنا شبابة بن سوار قال أنا شعبة عن عمران بن حدير قال: رأيت عكرمة وعمامته متخرقة فقلت: ألا أعطيك عمامتي؟ فقال: إنا لا نقبل إلا من الأمراء. أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: أنا عمران بن حدير قال: إنطلقت أنا ورجل إلى عكرمة فرأينا عليه عمامة مشققة فقال له صاحبي: ما هذه العمامة؟ إن عندنا عمائم. فقال عكرمة: إنا لا نأخذ من الناس شيئا إنما نأخذ من

ص 239

الأمراء. قلت: بل الإنسان على نفسه بصيرة. فسكت قلت: إن الحسن قال: يا ابن آدم عملك أحق بك. قال: صدق الحسن . أخبرنا عبيد الله بن موسى قال أنا حسن بن صالح عن سماك قال: رأيت في يد عكرمة خاتما من ذهب . أخبرنا محمد بن عمر قال حدثتني ابنة عكرمة إن عكرمة توفي سنة خمس ومائة وهو ابن ثمانين سنة. أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني خالد بن القاسم البياضي قال: مات عكرمة وكثير عزة الشاعر في يوم واحد سنة خمس ومائة، فرأيتهما جميعا صلي عليهما في موضع واحد بعد الظهر في موضع الجنائز فقال الناس: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس. قال وقال غير خالد بن القاسم: وعجب الناس من اجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما، عكرمة يظن أنه يرى رأي الخوارج يكفر بالنظرة، وكثير شيعي يؤمن بالرجعة. وقد روى عكرمة عن ابن عباس وأبي هريرة والحسين بن علي وعائشة وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: مات عكرمة سنة سبع ومائة. وقال غير الفضل بن دكين: سنة ست ومائة. أخبرنا مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري قال: كان عكرمة يرى رأي الخوارج فطلبه بعض ولاة المدينة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. قالوا: وكان عكرمة كثير الحديث والعلم بحرا من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه (1). وقال ابن قتيبة: عكرمة مولى ابن عباس، كان عبدا لابن عباس ومات وعكرمة عبد، فباعه علي بن عبد الله بن عباس على خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فأتى عكرمة عليا فقال له: ما خير لك بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار. فاستقاله فأقاله وأعتقه، وكان يكنى أبا عبد الله. وروى جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على علي بن عبد الله بن

(هامش)

(1) الطبقات لابن سعد 5 / 228 - 293. (*)

ص 240

عباس وعكرمة موثق على باب كنيف، فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ قال: إن هذا يكذب على أبي. حدثني ابن الخلال قال سمعت يزيد بن هارون يقول: قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس، فبينا هو يحدثهم سمع صوت غناء فقال عكرمة: أسكتوا فتسمع ثم قال: قاتله الله لقد أجاد أو قال: ما أجود ما غنى. فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه وعاد إليه أيوب. قال يزيد: وقد أحسن أيوب. حدثني الرياشي عن الأصمعي عن نافع المدني قال: مات كثير الشاعر وعكرمة في يوم واحد قال الرياشي: فحدثني ابن سلام أن الناس ذهبوا في جنازة كثير. وكان عكرمة يرى رأي الخوارج وطلبه بعض الولاة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. ومات عكرمة سنة خمس ومائة وقد بلغ ثمانين سنة (1). وبرد مولاه وقال له: يا برد إياك وأن تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس. فقال كل حديث حدثكموه برد ليس معه غيره مما تنكرون فهو كذب (2). وقال الطبري في (ذيل المذيل): حدثني الضرار بن محمد بن إسماعيل قال نا إسماعيل قال ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: كان سعيد بن المسيب يقول لبرد مولاه: يا برد لا تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس، كل حديث حدثكموه برد عني مما تنكرون ليس معه فيه غيره فهو كذب. ثنا ابن حميد قال ثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش قال قلت له: ما لهذا كذا؟ قال: إنه يكذب على أبي . وقال آخرون ممن لا يرى الاحتجاج بخبر عكرمة: لم ننكر من أمر عكرمة روايته ما روى من الأخبار، وإنما أنكرنا من أمره مذهبه. وقالوا: إنه كان يرى رأي

(هامش)

(1) المعارف - ترجمة عكرمة: 258. (2) المعارف - ترجمة سعيد بن المسيب: 248. (*)

ص 241

الصفرية من الخوارج. وذكر أنه نحل ذلك الرأي إلى ابن عباس، وكان ذلك كذبه على ابن عباس. وحدثت عن مصعب الزبيري قال: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، فطلبه بعض ولاة المدينة فتغيب عند داود بن الحصين ومات عنده. وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: إنما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية. وقد اختلفوا في وقت وفاة عكرمة فقال بعضهم: توفي سنة 105. ذكر محمد بن عمر أن ابنة عكرمة حدثته أن عكرمة توفي سنة 105 وهو ابن ثمانين سنة. قال ابن عمر: وحدثني خالد بن القاسم البياضي قال: مات عكرمة وكثير عزة الشاعر في يوم واحد سنة 105 فرأيتهما جميعا صلى عليهما في موضع واحد بعد الظهر في موضع الجنائز فقال الناس: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس. قال: وقال غير خالد بن القاسم: وعجب الناس لاجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما، عكرمة يظن به أنه يرى رأي الخوارج يكفر بالنظرة، وكثير شيعي يؤمن بالرجعة. حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي قال: ثنا ابن بكير قال ثنا الدراوردي قال: توفي عكرمة وكثير عزة الشاعر بالمدينة في يوم واحد، فما حمل جنازتهما إلا الزنج. وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: مات عكرمة في سنة 107. وروى عن يحيى بن معين أنه قال: مات عكرمة سنة 105. وكان عكرمة جوالا في البلاد، قدم البصرة فسمع منه أهلها، والكوفة فحمل عنه كثير ممن بها، واليمن فكتب عنه بها كثير من أهلها، والمغرب فسمع منه به جماعة من أهله، والمشرق فكتب عنه به. حدثني يحيى بن عثمان بن صالح قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي قال: قدم علينا عكرمة خراسان فقلت له: ما أقدمك إلى بلادنا؟

ص 242

قال: قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم. وأما أبو تميلة فإنه روى عن عبد العزيز بن أبي رواد قال قلت لعكرمة: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان؟ قال: أسعى على بناتي. غير أن وفاته كانت بمدينة رسول الله . وقال بتفسير: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) الآية (1) من (تفسيره): حدثنا ابن وكيع قال ثني أبي عن عبد الجبار بن ورد عن القاسم بن أبي بزة قال قال لي مجاهد: سل عنها عكرمة (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله). فسألته فقال: الإخصاء. قال مجاهد: ما له؟ لعنه الله! فوالله لقد علم أنه غير الإخصاء. ثم قال: سله، فسألته فقال عكرمة: ألم تسمع إلى قول الله تبارك وتعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)؟ قال: لدين الله. فحدثت به مجاهد فقال: ما له أخزاه الله . حدثني المثنى قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هارون النحوي قال ثنا مطر الوراق قال: ذكرت لمجاهد قول عكرمة في قوله (فليغيرن خلق الله). فقال: كذب العبد (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) قال: دين الله . وقال الزمخشري بتفسير الآية (2) من (الكشاف): وقيل للحسن: أن عكرمة يقول: هو الخصاء. فقال: كذب عكرمة، هو دين الله . وقال الشهرستاني: ولنختم المذاهب بذكر رجال الخوارج من المتقدمين: عكرمة، وأبو هارون العبدي، وأبو الشعثاء، وإسماعيل بن سميع (3). وقال ياقوت بترجمة عكرمة: ومات - فيما قرأت بخط الصولي من كتاب البلاذري - سنة خمس ومائة، وقيل ست ومائة، وهو ابن ثمانين سنة قال: وكان موته وموت كثير عزة الشاعر في يوم واحد، فوضعا جميعا وصلي عليهما، وكثير كان

(هامش)

(1) سورة النساء: 119. (2) سورة النساء: 119. (3) الملل والنحل 1 / 123. (*)

ص 243

شيعيا وعكرمة يرى رأي الخوارج، ذكره الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن البيع في تاريخ نيسابور . وذكر القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي في كتاب الموالي عن ابن الكلبي قال: وعكرمة هلك بالمغرب، وكان قد دخل في رأي الحرورية الخوارج، فخرج يدعوهم بالمغرب إلى الحروري. أبو علي الأهوازي قال: لما توفي عبد الله بن عباس كان عكرمة عبدا مملوكا. فباعه علي بن عبد الله بن عباس على خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فأتى عكرمة عليا فقال له: ما خير لك، أتبيع علم أبيك؟ فاستقال خالدا فأقاله وأعتقه، وكان يرى رأي الخوارج ويميل إلى استماع الغناء. وقيل عنه: إنه كان يكذب على مولاه. والله أعلم. وقال عبد الله بن الحارث: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة موثق على باب الكنيف، فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ فقال: إن هذا يكذب على أبي. وقد قال ابن المسيب لمولاه: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس. وقال يزيد بن هارون: قد عكرمة مولى ابن عباس البصرة، فأتاه أيوب السختياني وسليمان التيمي ويونس بن عبيد، فبينا هو يحدثهم إذ سمع غناء فقال عكرمة: أسكتوا، فتسمع، ثم قال: قاتله الله فلقد أجاد، أو قال: ما أجود ما قال. فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه وعاد إليه أيوب. فقال يزيد بن هارون: لقد أحسن أيوب. الرياشي عن الأصمعي عن نافع المدني قال: مات كثير الشاعر وعكرمة في يوم واحد، قال الرياشي: فحدثنا ابن سلام: إن أكثر الناس كانوا في جنازة كثير، لأن عكرمة كان يرى رأي الخوارج، وتطلبه بعض الولاة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده سنة سبع ومائة في أيام هشام بن عبد الملك، وهو يومئذ

ص 244

ابن ثمانين سنة . حماد بن زائدة عثمان بن مرة قلت للقاسم: إن عكرمة مولى ابن عباس قال ثنا ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزفت والمقير والدباء والحنثم والجرار فقال: يا ابن أخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثا يخالفه عشيا. يحيى بن البكاء سمعت ابن عمر يقول لنافع: إتق الله - ويحك يا نافع - ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس. يزيد بن زناد قال دخلت على علي عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش، قلت: ما لهذا كذا؟ قال: إنه يكذب على أبي (1). وقال النووي بترجمته: وقال محمد بن سعد: كان كثير العلم بحرا من البحور، ليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه (2). وقال ابن خلكان: وقد تكلم الناس فيه، لأنه كان يرى رأي الخوارج قال: وقال عبد الله بن أبي الحارث: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة موثق على باب كنيف. فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ فقال: إن هذا يكذب على أبي (3). وقال المزي بترجمته: قال بشر بن المفضل عن عبد الله بن عثمان بن خثيم: سألت عكرمة أنا وعبد الله بن سعيد عن قوله تعالى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد) قال: بسوقها كبسوق النساء عند ولادتها. قال: فرجعت إلى سعيد بن جبير فذكرت ذلك له فقال: كذب، بسوقها طولها. وقال إسرائيل عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة إنه كره كري الأرض. قال: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال: كذب عكرمة سمعت ابن عباس: إن

(هامش)

(1) معجم الأدباء 12 / 181. (2) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 341. (3) وفيات الأعيان 2 / 428. (*)

ص 245

أمثل ما أنتم صانعون استيجار الأرض البيضاء سنة بسنة. وقال مسلم بن إبراهيم عن الصلت بن دينار أبي شعيب المجنون: سألت محمد بن سيرين عن عكرمة قال: ما يسوءني أنه يكون من أهل الجنة، ولكنه كذاب. وقال عامر عن الصلت بن دينار قلت لمحمد بن سيرين: إن عكرمة يؤذينا ويسمعنا ما نكره. قال فقال كلاما فيه لين: أسأل الله أن يميته ويريحنا منه. وقال وهب بن خالد سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب ذكرا عكرمة فقال يحيى: كان كذابا. وقال أبو بكر الإسماعيلي عن هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي سمعت ابن أبي ذيب يقول: رأيت عكرمة مولى ابن عباس وكان غير ثقة. قال إبراهيم بن المنذر الحزامي عن معين بن عيسى ومطرف بن عبد الله المدني ومحمد بن الضحاك قالوا: كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: رأيت في كتاب علي بن المديني سمعت يحيى ابن سعيد يقول: حدثوني - والله - عن أيوب أنه ذكر له أن عكرمة لا يحسن الصلاة. قال أيوب: وكان يصلي؟. وقال الفضل بن موسى عن رشدين بن كريب: رأيت عكرمة قد أقيم قائما في لعب النرد. قال أحمد بن سليمان عن إسماعيل بن علية: ذكر أيوب عكرمة فقال: كان قليل العقل. قال سعيد: كان عكرمة يحدث بالحديث ثم يقول في نفسه إن كان كذلك. قال أحمد: كان من أعلم الناس ولكنه كان يري رأي الخوارج، ولم يدع موضعا إلا خرج إليه، ورأي الصفرية من عكرمة لما كان عندهم. قال الحاكم أبو أحمد: إحتج بحديثه الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين

ص 246

أخرج حديثه من حيز الصحاح. وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان يرى رأي الخوارج، فطلبه بعض ولاة المدينة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. وقال أبو داود السنجي عن الأصمعي عن أبي الزناد: مات كثير وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد قال: فأخبرني غير الأصمعي قال: فشهد الناس جنازة كثير وتركوا جنازة عكرمة. وقال يحيى بن بكير عن الدراوردي، فما شهدهما إلا سودان المدينة. عن علي بن المديني قال: سمعت بعض المدنيين يقول: اتفقت جنازته وجنازة كثير عزة بباب المسجد في يوم واحد، فما قام إليها أحد من أهل المسجد، ومن هناك لم يرو عنه مالك. قال الواقدي قال غير خالد بن القاسم: عجب الناس لاجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما، عكرمة يظن أنه يرى رأي الخوارج يكفر بالنظرة، وكثير شيعي يؤمن بالرجعة (1). وقال الذهبي بترجمته: حماد بن زيد: قيل لأيوب: أكان عكرمة يتهم؟ فسكت ساعة ثم قال: أما أنا فلم أكن أتهمه. عفان ثنا وهب قال شهدت يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب فذكرا عكرمة فقال يحيى: كذاب، وقال أيوب: لم يكن بكذاب. جرير بن يزيد عن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على علي ابن عبد الله فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش، فقلت له: ألا تتق الله؟ فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي ويروي عن ابن المسيب أنه كذب عكرمة. الحصيب بن ناصح ثنا خالد بن خداش: شهدت حماد بن زيد في آخر يوم

(هامش)

(1) تهذيب الكمال 20 / 264. (*)

ص 247

مات فيه فقال: أحدثكم بحديث لم أحدث به قط، لأني أكره أن ألقى الله ولم أحدث به: سمعت أيوب يحدث عن عكرمة قال: إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به. قلت: ما أسوأها عبارة وأخبثها! بل أنزله ليهدي به وليضل به الفاسقين. فطر به خليفة قلت لعطا: إن عكرمة يقول قال ابن عباس: سبق الكتاب الخفين. فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: لا بأس بمسح الخفين وإن دخلت الغائط. قال عطا: والله إن كان بعضهم ليري أن المسح على القدمين يجزي. إبراهيم بن ميسرة عن طاووس قال: لو أن عبد ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا. مسلم بن إبراهيم ثنا الصلت أبو شعيب قال سألت: محمد بن سيرين عن عكرمة فقال: ما يسوءني أن يكون من أهل الجنة ولكنه كذاب. ابن عيينة عن أيوب: أتينا عكرمة فحدث فقال أيحسن حسنكم مثل هذا. إبراهيم بن المنذر ثنا هشام بن عبد الله المخزومي سمعت ابن أبي ذئب يقول: رأيت عكرمة وكان غير ثقة. قال محمد بن سعد: كان عكرمة كثير العلم والحديث بحرا من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه . وقال مطرف بن عبد الله: سمعت مالكا يكره أن يذكر عكرمة ولا يرى أن يروى عنه. قال أحمد بن حنبل: ما علمت أن مالكا حدث بشيء لعكرمة إلا في الرجل يطأ امرأته قبل الزيارة. رواه عن ثور عن عكرمة. أحمد بن أبي خيثمة قال: رأيت في كتاب علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدثوني - والله - عن أيوب أنه ذكر له عكرمة لا يحسن الصلاة فقال أيوب: وكان يصلي؟

ص 248

الفضل السيناني عن رجل قال: رأيت عكرمة قد أقيم قائما في لعب النرد. يزيد بن هارون: قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب ويونس وسليمان التيمي فتسمع صوت غناء فقال: أسكتوا. ثم قال: قاتله الله لقد أجاد. فأما يونس وسليمان التيمي فما عاد إليه. عمرو بن خالد بمصر ثنا خلاد بن سليمان الحضرمي عن خالد بن أبي عمران قال: كنا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم فقال: وددت أن بيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يمينا وشمالا. ابن المديني عن يعقوب الحضرمي عن جده قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلا كافر. قال: وكان يرى رأي الأباضية. يحيى بن بكير قال: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب، قال: فالخوارج الذين هم بالمغرب عنه أخذوا. قال ابن المديني: كان يرى رأي نجدة الحروري. قال مصعب الزبيري كان عكرمة يرى رأي الخوارج قال: وادعى على ابن عباس أنه كان يرى رأي الخوارج خالد بن نزار ثنا عمر بن قيس عن عطا بن أبي رباح: إن عكرمة كان أباضيا. أبو طالب سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان عكرمة من أعلم الناس ولكنه كان يرى رأي الصفرية، ولم يدع موضعا إلا خرج إليه: خراسان والشام واليمن ومصر وإفريقية، كان يأتي الأمراء فيطلب جوائزهم، وأتى الجند إلى طاوس فأعطاه ناقة. وقال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، فطلبه متولي المدينة فتغيب بالمدينة عند داود بن الحصين حتى مات عنده. وروى سليمان بن معبد السنجي قال: مات عكرمة وكثير عزة في يوم فشهد الناس جنازة كثير وتركوا جنازة عكرمة.

ص 249

وقال عبد العزيز الدراوردي: مات عكرمة وكثير عزة في يوم، فما شهدهما إلا سودان المدينة. إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن أبيه قال: أتي بجنازة عكرمة مولى ابن عباس وكثير عزة بعد العصر، فما علمت أن أحدا من أهل المسجد حل حبوته إليهما. قال جماعة: مات سنة خمس ومائة. وقال الهيثم وغيره: سنة ست وقال جماعة: سنة سبع ومائة. وعن ابن المسيب أنه قال لمولاه برد: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس. ويروي ذلك عن ابن عمر أنه قال لنافع، ولم يصح سنيد بن داود في تفسيره. ثنا عباد بن عباد عن عاصم الأحول عن عكرمة في رجل قال لغلامه: إن لم أجلدك مائة سوط فامرأتي طالق. قال: لا يجلد غلامه ولا يطلق امرأته. هذه من خطوات الشيطان. ذكره في تفسير (لا تتبعوا خطوات الشيطان) (1). وقال في (المغني في الضعفاء): عكرمة مولى ابن عباس. من أوعية العلم، تكلموا فيه لرأيه لا لحفظه، اتهم برأي الخوارج، وثقه غير واحد، وكذبه مجاهد وابن سيرين ومالك. فالله أعلم. واعتمده البخاري، وأما مسلم فروى له مقرونا بآخر (2). وقال في (تذكرة الحفاظ): وقد تكلم فيه بأنه على رأي الخوارج، ومن ثم أعرض عنه مالك الإمام، ومسلم . قال: وقال طاوس: لو أن عبد ابن عباس اتقى الله وأمسك عن بعض حديثه لشدت إليه المطايا (3). وقال ابن حجر بترجمته: وقال حماد بن زيد عن أيوب قال عكرمة: أرأيت

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال 3 / 93 - 97. (2) المغني 2 / 438. (3) تذكرة الحفاظ 1 / 95.

ص 250

هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي أفلا يكذبوني في وجهي، فإذا كذبوني في وجهي فقد والله كذبوني. وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: كان عكرمة قليل العقل خفيفا، كان قد سمع الحديث من رجلين، وكان إذا سئل حدث به عن رجل، ثم يسئل عن بعد ذلك فيحدث به عن الآخر، فكانوا يقولون: ما أكذبه. قال ابن لهيعة: وكان قد أتى نجدة الحروري فأقام عنده ستة أشهر، ثم أتى ابن عباس فسلم عليه فقال ابن عباس: قد جاء الخبيث قال: وكان يحدث برأي نجدة. وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود: كان أول من أحدث فيهم - أي أهل المغرب - رأي الصفرية. وقال يعقوب بن سفيان: سمعت ابن بكير يقول: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب، ونزل هذه الدار وخرج إلى المغرب، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا. وقال علي بن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة. وقال يحيى بن معين: إنما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية. وقال عطا: كان أباضيا. وقال الجوزجاني: قلت لأحمد عكرمة كان أباضيا؟ فقال يقال: إنه كان صفريا. وقال خلاد بن سليمان عن خالد بن أبي عمران: دخل علينا عكرمة إفريقية وقت الموسم فقال: وددت أني اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يمينا وشمالا. قال: فمن يومئذ رفضه أهل إفريقية. وقال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج وزعم أن مولاه كان كذلك.

ص 251

وقال أبو خلف الخراز عن يحيى البكاء: سمعت ابن عمر يقول لنافع: إتق الله ويحك يا نافع ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس. وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب: إنه كان يقول لغلامه برد: يا برد لا تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس. وقال إسحق بن عيسى الطباع: سألت مالك بن أنس: أبلغك أن ابن عمر قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس؟ قال: لا، ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه. وقال جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش قال قلت: ما لهذا؟ قال: إنه يكذب على أبي. وقال هشام بن سعد عن عطاء الخراساني قلت لسعيد بن المسيب: إن عكرمة يزعم رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم فقال: كذب مخبثان. وقال شعبة عن عمرو بن مرة: سأل رجل ابن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء. يعني عكرمة. وقال فطر بن خليفة قلت لعطا: إن عكرمة يقول سبق الكتاب المسح على الخفين فقال: كذب عكرمة سمعت ابن عباس يقول: إمسح على الخفين وإن خرجت من الخلاء. وقال إسرائيل عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة أنه كره كري الأرض، قال: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال: كذب عكرمة سمعت ابن عباس يقول: إن أمثل ما أنتم صانعون استيجار الأرض البيضاء سنة بسنة. وقال وهيب بن خالد عن يحيى بن سعيد الأنصاري: كان كذابا. وقال إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى وغيره: كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه.

ص 252

وقال الدوري عن ابن معين: كان مالك يكره عكرمة قلت: فقد روى عن رجل عنه قال: نعم شيء يسير. وقال الربيع عن الشافعي وهو - يعني مالك بن أنس - سئ الرأي في عكرمة قال: لا أرى لأحد أن يقبل حديثه. وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل: عكرمة - يعني ابن خالد المخزومي - أوثق من عكرمة مولى ابن عباس. وقال أبو عبد الله: وعكرمة مضطرب الحديث يختلف عنه وما أدري. وقال ابن علية: ذكره أيوب فقال: كان قليل العقل. وقال الأعمش عن إبراهيم: لقيت عكرمة فسألته عن البطشة الكبرى قال: يوم القيامة. فقلت إن عبد الله كان يقول: يوم بدر، فأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدر. وقال عباس بن حماد بن زائدة وروح بن عبادة عن عثمان بن مرة قلت للقاسم: إن عكرمة مولى ابن عباس قال كذا وكذا. فقال: يا ابن أخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثا يخالفه عشية. وقال القاسم بن معن بن عبد الرحمن: حدثني أبي عن عبد الرحمن قال: حدث عكرمة بحديث فقال: سمعت ابن عباس يقول كذا وكذا. قال فقلت: يا غلام هات الدواة فقال: أعجبك؟ قلت: نعم. قال: تريد أن تكتبه؟ قلت: نعم. قال: إنما قلته برأيي. وقال إبراهيم بن ميسرة عن طاوس: لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا . وقال الحاكم أبو أحمد: إحتج بحديثه الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيز الصحاح. وقال مصعب الزبيري: كان يرى رأي الخوارج، فطلبه بعض ولاة المدينة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثاني عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب