ص 353
نزلت: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)* فقال: الحمد لله على آلائه في نفسي
وبلائه في عترتي وأهل بيتي، وأستعينه على نكبات الدنيا وموبقات الآخرة، وأشهد أن
الله الواحد الأحد الفرد الصمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عمدا، وأني
عبد من عبيده، أرسلني برسالته على جميع خلقه، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة، واصطفاني على الأولين من الأولين والآخرين، وأعطاني مفاتيح خزائنه ووكد علي
بعزائمه، واستودعني سره وأمدني بنصره، فأنا الفاتح وأنا الخاتم، ولا قوة إلا بالله.
إتقوا الله - أيها الناس - حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أن الله
بكل شيء محيط، وإنه سيكون من بعدي أقوام يكذبون علي فيقبل منهم، ومعاذ الله أن أقول
إلا الحق أو أنطق بأمره إلا الصدق، وما آمركم إلا ما أمرني به ولا أدعوكم إلا إليه،
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فقام إليه عبادة بن الصامت فقال: ومتى ذاك يا
رسول الله؟ ومن هؤلاء عرفناهم لنحذرهم؟ قال: أقوام قد استعدوا لنا من يومهم،
وسيظهرون لكم إذا بلغت النفس مني هيهنا - وأومئ صلى الله عليه وسلم إلى حلقه -.
فقال عبادة: إذا كان ذلك فإلى من يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بالسمع
والطاعة للسابقين من عترتي والآخذين من نبوتي، فإنهم يصدونكم عن الغي، ويدعونكم إلى
الخير، وهم أهل الحق ومعادن الصدق، يحيون فيكم الكتاب والسنة، ويجنبونكم الإلحاد
ص 354
والبدعة، ويقمعون بالحق أهل الباطل، ولا يميلون مع الجاهل. أيها الناس! إن الله
خلقني وخلق أهل بيتي من طينة لم يخلق منها غيرنا، كنا أول من ابتدأ من خلقه، فلما
خلقنا نور بنورنا كل ظلمة، وأحيي بنا كل طينة. ثم قال: هؤلاء أخيار أمتي، وحملة
علمي، وخزنة سري، وسادات أهل الأرض، الداعون إلى الحق، المخبرون بالصدق، غير شاكين
ولا مرتابين ولا ناكصين ولا ناكثين، هؤلاء الهداة المهتدون، والأئمة الراشدون،
المهتدي من جاءني بطاعتهم وولايتهم، والضال من عدل منهم وجاءني بعداوتهم، حبهم
إيمان وبغضهم نفاق، هم الأئمة الهادية، وعرى الأحكام الواثقة، بهم تتم الأعمال
الصالحة، وهم وصية الله في الأولين والآخرين، والأرحام التي أقسمكم الله بها إذ
يقول: *(اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)*، ثم ندبكم
إلى حبهم فقال: *(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)* هم الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم من النجس، الصادقون إذ نطقوا، العالمون إذا سئلوا، الحافظون
إذا استودعوا، جمعت فيهم الخلال العشر إذ لم تجمع إلا في عترتي وأهل بيتي: الحلم،
والعلم، والنبوة، والنبل، والسماحة، والشجاعة، والصدق، والطهارة، والعفاف، والحكم.
فهم كلمة التقوى، وسبل الهدى، والحجة العظمى، والعروة الوثقى، هم أولياؤكم عن قول
ربكم، وعن قول ربي ما أمرتكم. ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه،
ص 355
وانصر من نصره واخذل من خذله. وأوحى إلي ربي فيه ثلاثا: إنه سيد المسلمين وإمام
الخيرة المتقين وقائد الغر المحجلين. وقد بلغت من ربي ما أمرت، واستودعتهم الله
فيكم، وأستغفر الله (1). *(28)* حديث الغدير عن البراء بلفظ: هذا وليكم من بعدي
وعن أبي المظفر السمعاني أنه روى في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام من كتابه
(فضائل الصحابة) حديث الغدير باللفظ الآتي: عن البراء: إن النبي صلى الله عليه
وسلم نزل بغدير خم، وأمر فكسح بين شجرتين وصيح بالناس فاجتمعوا، فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فدعا عليا فأخذ بعضده ثم
قال: هذا وليكم من بعدي، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام عمر إلى علي فقال:
ليهنئك يا ابن أبي طالب، أصبحت - أو قال أمسيت - مولى كل مؤمن . ولما كان حديث
الغدير من الأدلة الظاهرة القاهرة في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام - كما تقدم
في محله - فإن لفظ الولي في هذا الحديث لا بد وأن يكون بمعنى الإمام . فكأنه
قال: هذا إمامكم من بعدي... وعليه فنفس هذا المعنى يكون هو المراد من الحديث باللفظ
المروي عن: بريدة، وابن عباس، وعمران بن حصين، وغيرهم.
(هامش)
(1) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط. (*)
ص 356
وأبو المظفر السمعاني هو: منصور بن محمد، المتوفى سنة 489، وهو جد أبي سعد السمعاني
صاحب (الأنساب) وقد ترجم له فيه، وترجم له أيضا في: طبقات الشافعية الكبرى 5 / 335
المنتظم في أخبار الأمم 9 / 102 مرآة الجنان 3 / 151 النجوم الزاهرة 5 / 160 سير
أعلام النبلاء 19 / 114 طبقات المفسرين 2 / 339 شذرات الذهب 3 / 393. *(29)* حديث
الغدير بلفظ: ... ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي... ففي هذا الحديث:
قرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولاية علي من بعده برسالته، وفسر بالأمرين
قوله تعالى: *(اليوم أكملت لكم دينكم...)* وهذا نص الخبر برواية السيد المحدث
الشيرازي، بعد أن رواه عن الصادق عليه السلام وفيه شعر حسان: ... ورواه أبو سعيد
الخدري، وفيه الاستشهاد بالشعر المذكور، وفيه من التاريخ وزيادة البيان ما لم يرو
عن غيره فقال: لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم يوم الخميس ثامن عشر من
ص 357
ذي الحجة، دعا الناس إلى علي، فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله أكبر، الحمد لله على إكمال الدين وإتمام
النعمة، ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي، من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث
(1). وهذا كله مما يدل على أن الولاية فيه لا يراد بها إلا الإمامة فكذا
الولاية في حديث بريدة وعمران وغيرهما. *(30)* حديث الغدير عن أبي سعيد الخدري
عند أبي نعيم والنطنزي والحديث المذكور أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في (ما نزل
من القرآن في علي) وأبو الفتح النطنزي في (الخصائص العلوية)، فقد حكي عنهما أنهما
رويا: بإسنادهما عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس
إلى علي في غدير خم، وأمر [ما] تحت الشجرة من الشوك فقم - وذلك يوم الخميس - فدعا
عليا وأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر [الناس] إلى إبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآيات: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الإسلام دينا)* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال
الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية
(هامش)
(1) الأربعين في فضائل أمير المؤمنين الحديث: 13. (*)
ص 358
لعلي بن أبي طالب من بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله . أقول: فقد جعل صلى الله عليه وآله
وسلم الولاية على المؤمنين من بعده لسيدنا أمير المؤمنين عليه السلام، وجعلها قرينة
لرسالته، وحمد الله على رضاه بذلك. وذكر الولاية بعد الرسالة لا سيما في
هذا المقام - ومع تلك القرائن - فيه دلالة واضحة على أن المراد منها ليس إلا
الإمامة ... فهو المراد كذلك منها في حديث الولاية . *(31)* حديث الغدير بلفظ:
من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه وبهذا اللفظ أخرجه الحافظ الطبراني، فقد قال
البدخشاني: وللطبراني برواية أخرى، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم بلفظ: من كنت
أولى به من نفسه فعلي وليه (1). وقال أيضا: وعند الطبراني - في رواية أخرى - عن
أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم - رضي الله عنهما - بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعلي
وليه، اللهم وال من
(هامش)
(1) مفتاح النجا - مخطوط. (*)
ص 359
والاه وعاد من عاداه (1). وفي (السيف المسلول) للقاضي محمد ثناء الله - الموصوف
من قبل (الدهلوي) ب بيهقي الوقت كما في كتاب: إتحاف النبلاء -: وفي بعض
الروايات: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه . ومن الواضح جدا أن المراد هو ولي
الأمر و الإمام . وقال شهاب الدين أحمد: وسمعت بعض أهل العلم يقول: معناه: من
كنت سيده فعلي سيده مضي قوله. وتصدير القول بقوله صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون
أني أولى بالمؤمنين، يؤيد هذا القول. والله سبحانه أعلم. وقال الشيخ الإمام جلال
الدين أحمد الخجندي - قدس سره -: المولى يطلق على معان منها: الناصر. ومنها: الجار
بمعنى المجير لا المجار. ومنها: السيد المطاع. ومنها: الأولى في *(مولاكم)* أي:
أولى بكم. وباقي المعاني لا يصلح اعتبارها فيما نحن بصدده. فعلى المعنيين الأولين
يتضمن الأمر لعلي - رضي الله عنه - بالرعاية لمن له من النبي العناية. وعلى
المعنيين الأخيرين يكون الأمر بإطاعته واحترامه واتباعه. وقد خرج أبو الفرج
الأصفهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين (2) قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله
وبارك وسلم يد علي كرم الله وجهه وقال: من كنت وليه وأولى من نفسه فعلي وليه (3).
(هامش)
(1) نزل الأبرار: 21. (2) هو: يحيى بن محمود بن سعيد الثقفي المتوفى سنة 583 أو
584، ترجم له الذهبي ووصفه بالشيخ المسند الجليل العالم... سير أعلام النبلاء 21 /
134. (3) توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط. (*)
ص 360
وجلال الدين الخجندي إمام كبير معتمد، وقد كان في زمنه شيخ الحرم الشريف النبوي،
وقد وصف بهذه الأوصاف في مواضع عديدة من كتاب (توضيح الدلائل). ومن تصانيفه (شرح
البردة) ذكره كاشف الظنون في شروحها. *(32)* تحقيق سبط ابن الجوزي في معنى حديث
الغدير وقال سبط ابن الجوزي بشرح حديث الغدير وذكر معاني (المولى): والعاشر:
بمعنى الأولى. قال الله تعالى: *(فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا
مأواكم النار هي مولاكم)* أي: أولى بكم إلى أن قال بعد التصريح بعدم جواز إرادة
غير (الأولى) من المعاني: والمراد من الحديث: الطاعة المحضة المخصوصة، فتعين
الوجه العاشر وهو الأولى. ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. وقد صرح
بهذا المعنى: الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الأصبهاني في كتابه المسمى ب
(مرج البحرين). فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيد علي وقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه. فعلم أن
جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر، ودل عليه أيضا قوله عليه السلام: ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم. وهذا نص صريح في إثبات
ص 361
إمامته وقبول طاعته (1). أقول: فكذا لفظ الولي في حديث الولاية بلا فرق
فارق. *(33)* قول عمر: أصبحت اليوم ولي كل مؤمن وأخرج ابن كثير في عداد فضائل
الإمام عليه السلام الحديث التالي: قال عبد الرزاق: أنا معمر، عن علي بن زيد بن
جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - حتى نزلنا عند غدير خم، فبعث مناديا ينادي، فلما اجتمعنا قال: ألست أولى بكم
من آبائكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه، اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه. فقال عمر بن الخطاب. هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت
اليوم ولي كل مؤمن. وكذا رواه ابن ماجة من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن
جدعان. ورواه أبو يعلى الموصلي عن هدبة بن خالد (2).
(هامش)
(1) تذكرة الخواص: 38. (2) البداية والنهاية 7 / 349. (*)
ص 362
أقول: ولقد ثبت - في محله - أن المراد من المولى في حديث الغدير هو الإمام
فكذا الولي ... وإذا كان كذلك كان المراد من الولي في حديث الولاية هو
الإمام بلا كلام. *(34)* معنى: علي مني وأنا منه في حديث الولاية لقد جاء في
أكثر طرق حديث الولاية جملة علي مني وأنا منه . وممن روى ذلك: أبو بكر بن أبي
شيبة. وأحمد بن حنبل. وأبو عيسى الترمذي. وأبو عبد الرحمن النسائي. والحسن بن
سفيان. وأبو يعلى الموصلي. ومحمد بن جرير الطبري. وأبو حاتم ابن حبان. وأبو
السعادات ابن الأثير الجزري. وشهاب الدين ابن حجر العسقلاني.
ص 363
وجلال الدين السيوطي. وهذه الجملة تؤيد معنى الحديث وتؤكده. وبيان ذلك: لقد أخرج
الترمذي: حدثنا الحسن بن عرفة، نا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن
خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين
مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط (1). وقال الطيبي
بشرح هذا الحديث: قوله: حسين مني وأنا من حسين. كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور
الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصه بالذكر وبين أنهما كالشئ الواحد في وجوب
المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله: أحب الله من أحب حسينا، فإن محبته
محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله. والسبط بكسر السين ولد الولد، أي: من هو أولاد
أولادي، أكد به البعضية وقررها (2). أقول: ونفس هذه التقرير آت في علي مني وأنا
منه حرفا بحرف، فيكون الإمام عليه السلام مساويا للنبي عليه وآله الصلاة والسلام
في وجوب المحبة وحرمة المخالفة. وإذا ثبت ذلك ثبتت العصمة والأفضلية، وهما يستلزمان
الإمامة والخلافة.
(هامش)
(1) صحيح الترمذي 5 / 658. (2) الكاشف - شرح المشكاة - مخطوط. (*)
ص 364
كما أن هذه الجملة قرينة على أن المعنى في وليكم من بعدي هو الإمام والخليفة،
والله الموفق. *(35)* أحاديث أخرجها الحاكم وغيره واستشهد بها والد الدهلوي وقرر
معناها وقال شاه ولي الله والد (الدهلوي) في مآثر أمير المؤمنين عليه السلام ما
حاصله معربا: لقد حصل له مقام عظيم جدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر عنه
ب أخوة الرسول و الموالاة وبلفظ الوصي و الوارث وأمثالها: أخرج
الحاكم عن ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيكم يتولاني في الدنيا
والآخرة؟ فقال لكل رجل منهم: أيكم يتولاني في الدنيا والآخرة؟ فقال حتى مر على
أكثرهم فقال علي: أنا أتولاك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة.
وقد مر تفصيل هذا الحديث برواية النسائي. وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: كان علي
يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول *(أفإن مات أو قتل
انقلبتم على أعقابكم)* والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن
مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه
ووارث علمه، فمن أحق به مني؟
ص 365
وأخرج الحاكم عن أبي إسحاق قال: سألت قثم بن العباس: كيف ورث علي رسول الله صلى
الله عليه وسلم دونكم؟ قال: لأنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا. وبهذا البيان
يظهر فساد رأي فريقين أحدهما مفرط والآخر مفرط، يقول أحدهما: النصرة كانت من باب
الحمية لا عن إخلاص، والآخر يقول: الأخوة في النسب من شروط استحقاق الخلافة (1).
أقول: إنا نستدل بقوله عليه السلام: والله إني لأخوه... فمن أحق به مني؟ حيث
أنه فرع نفي أحقية أحد به منه على كونه: أخاه ووليه ووارثه. فللولاية - إذن - معنى
رفيع جليل يختص به عليه السلام ويثبت أحقيته بالنبي عليه وآله الصلاة والسلام...
فكذا الولاية في حديث الولاية ... وهكذا تسقط دعوى أحقية فلان وفلان
بالخلافة عن رسول الله. *(36)* حديث بعث الأنبياء على... الولاية لعلي ومن الأحاديث
المعتبرة المتفق عليها بين الفريقين: حديث السؤال ليلة المعراج من الأنبياء بماذا
بعثتم؟ فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله،
(هامش)
(1) إزالة الخفا في سيرة الخلفاء. باب سيرة أمير المؤمنين. مآثره. (*)
ص 366
وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب . قال السيد شهاب الدين أحمد: عن
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي
ليلة المعراج فاجتمع علي الأنبياء في السماء، فأوحى الله إلي: سلهم - يا محمد -
بماذا بعثتم؟ فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الإقرار بنبوتك
والولاية لعلي بن أبي طالب. أورده الشيخ المرتضى العارف الرباني السيد شرف الدين
علي الهمداني في بعض تصانيفه وقال: رواه الحافظ أبو نعيم (1). ورواه الشيخ عبد
الوهاب في (تفسيره) عن الحافظ أبي نعيم عن أبي هريرة كذلك. وقال شمس الدين الجيلاني
النوربخشي في كتابه (مفاتيح الإعجاز - شرح كلشن راز) (2) ما حاصله أنه: لما غربت
شمس النبوة كان من جانب المغرب - الذي هو طرف الولاية - ظهور سر ولاية المرتضى إذ:
إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي. وأيضا: لكل نبي وصي ووارث وإن عليا
وصيي ووارثي. وأيضا: أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويل القرآن.
وأيضا: يا أبا بكر، كفي وكف علي في العدل سواء. وأيضا: أنا وعلي من شجرة واحدة
والناس من أشجار شتى. وأيضا: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة والناس جزءا
واحدا.
(هامش)
(1) توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط. (2) ذكره كاشف الظنون 2 / 1755. (*)
ص 367
وأيضا: أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني ومن
تولاني فقد تولى الله. وأيضا: لما أسري بي ليلة المعراج فاجتمع علي الأنبياء في
السماء، فأوحى الله تعالى إلي: سلهم - يا محمد - بماذا بعثتم؟ فقالوا: بعثنا على
شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب .
والمراد من الولاية في هذا الحديث - بقرينة ذكر الرسالة قبلها - هو الإمامة
... فكذا المراد منها في حديث الولاية . ولو فرض حمل الولاية - في حديث
المعراج - على المحبة كان الحديث دالا على الأفضلية، وهي تستلزم الإمامة . أقول:
هذا، ولا يخفى أن حديث بعث الأنبياء على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام - الدال
على أفضليته من جميع الأنبياء عدا نبينا الكريم - قد أخرجه: * الحاكم النيسابوري،
قال: فأما ابن المنكدر عن جابر فليس يرويه غير محمد بن سوقة، وعنه أبو عقيل، وعنه
خلاد بن يحيى. حدثني محمد بن المظفر الحافظ، نا عبد الله بن محمد بن غزوان، نا علي
بن جابر، نا محمد بن خالد بن عبد الله، نا محمد بن فضيل، نا محمد بن سوقة، عن
إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله
أتاني ملك فقال: يا محمد *(واسأل من أرسلنا من قبلك من
ص 368
رسلنا)* على ما بعثوا قال [قلت: على ما بعثوا؟] قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي
طالب. قال الحاكم: تفرد به علي بن جابر، عن محمد بن خالد، عن محمد بن فضيل، ولم
نكتبه إلا عن ابن مظفر، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون (1). * والثعلبي: أخبرنا أبو
عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري، حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين
الأزدي الموصلي، حدثنا عبد الله بن محمد بن غزوان البغدادي، حدثنا علي بن جابر،
حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله ومحمد بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن محمد
بن سوقة، عن إبراهيم بن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أتاني ملك فقال: يا محمد، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟
قال قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب (2). * والخطيب
الخوارزمي: وأخبرني شهردار هذا - إجازة - قال: أخبرنا أحمد بن خلف - إجازة - قال:
حدثنا الحاكم قال: حدثنا محمد بن المظفر الحافظ قال: حدثنا... (3). * البدخشاني:
أخرج عبد الرزاق الرسعني (4) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -
(هامش)
(1) معرفة علوم الحديث: 96. (2) تفسير الثعلبي - مخطوط. (3) مناقب علي بن أبي طالب:
312. (4) المتوفى سنة 661، محدث، مفسر، متكلم، فقيه، أديب. تذكرة الحفاظ 4 / 235.
(*)
ص 369
قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني ملك... (1). وقال البدخشاني:
أخرج ابن مردويه عن أبي عبد الله جعفر بن محمد - رضي الله عنه - في قوله تعالى:
*(واجعل لي لسان صدق في الآخرين)* قال: هو علي بن أبي طالب، عرضت ولايته على
إبراهيم عليه السلام فقال: اللهم اجعله من ذريتي، ففعل الله ذلك (2). *
والقندوزي: الموفق بن أحمد، والحمويني، وأبو نعيم الحافظ، بأسانيدهم عن ابن مسعود
- رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي إلى السماء
انتهى بي السير مع جبرئيل إلى السماء الرابعة فرأيت بيتا من ياقوت أحمر، فقال
جبرئيل: هذا البيت المعمور، قم يا محمد فصل إليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
جمع الله النبيين فصفوا ورائي صفا فصليت بهم، فلما سلمت أتاني آت من عند ربي فقال:
يا محمد، ربك يقرؤك السلام ويقول لك: سل الرسل على ماذا أرسلتهم من قبلك. فقلت:
معاشر الرسل، على ماذا بعثكم ربي قبلي؟ فقالت الرسل: على نبوتك وولاية علي بن أبي
طالب، وهو وقوله تعالى: *(واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا)* الآية. أيضا: رواه
الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما (3)
(هامش)
(1) مفتاح النجا - مخطوط. (2) مفتاح النجا - مخطوط. (3) ينابيع المودة 1 / 243. (*)
ص 370
هذا، وقال العلامة الحلي: السادس عشر - روى ابن عبد البر وغيره من السنة في قوله
تعالى: *(واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا)* قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة
أسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء ثم قال له: سلهم يا محمد على ماذا بعثتم؟
قالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن
أبي طالب . فقال ابن روزبهان في جوابه: أقول: ليس هذا من رواية أهل السنة وظاهر
الآية آب عن هذا، لأن تمام الآية: *(واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون
الرحمن آلهة يعبدون)*. والمراد: إن إجماع الأنبياء واقع على التوحيد ونفي الشرك،
وهذا النقل من المناكير. وإن صح فلا يثبت به النص الذي هو المدعى، لما علمت أن
الولاية تطلق على معان كثيرة . فقال السيد التستري في الرد عليه: أقول: الرواية
مذكورة بأدنى تغيير في اللفظ في تفسير النيسابوري عن الثعلبي حيث قال: وعن ابن
مسعود: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني ملك فقال: يا محمد، سل من أرسلنا
قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال قلت: على ما بعثتم؟ قالوا: على ولايتك وولاية علي
بن أبي طالب. رواه الثعلبي، ولكنه لا يطابق قوله سبحانه: *(أجعلنا...)* الآية.
إنتهى. وقد ظهر بما نقلناه: أن الرواية من روايات أهل السنة، وأن المناقشة التي
ذكرها الناصب قد أخذها من النيسابوري، وهي - مع وصمة الانتحال - ضعيفة،
ص 371
إذ يمكن أن يكون الجعل في الجملة الاستفهامية بمعنى الحكم كما صرح به النيسابوري
آخرا، ويكون الجملة حكاية عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأكيدا لما
أضمر في الكلام من الإقرار ببعثهم على الشهادة المذكورة، بأن يكون المعنى: إن
الشهادة المذكورة لا يمكن التوقف فيها إلا لمن جعل من دون الرحمن آلهة يعبدون.
ونظير هذا الإضمار واقع في القرآن في قوله تعالى: *(أنا أنبئكم فأرسلون يوسف أيها
الصديق أفتنا...)* فإن المراد - كما ذكره النيسابوري وغيره - فأرسلوني إليه لأسأله
ومروني باستفتائه، فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال: *(يوسف...)* الآية. غاية الأمر: أن
يكون ما نحن فيه من الآية - لخفاء القرينة على تعيين المحذوف - من المتشابه الذي لا
يعلم معناه إلا بتوقيف من الله تعالى على لسان رسوله. وهذا لا يقدح في مطابقة قوله
سبحانه: *(أجعلنا)* الآية، لما روي في شأن النزول. فلا مناقشة ولا شيء من المناكير.
وإنما المنكر هذا الشقي الناهق الذي يذهب إلى كل زيف زاهق، وينعق مع كل ناعق، ويلحس
فضلات المتأخرين، ويزعم أن ما ذكروه آخر كلام في مقاصد الدين (1).
(هامش)
(1) إحقاق الحق وإزهاق الباطل 3 / 144 - 147. (*)
ص 372
*(37)* حديث عرض النبوة والولاية على السماوات والأرض قال الخطيب الخوارزمي المكي:
أنبأني الإمام الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني (1) والإمام
الأجل نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي قال: أنبأني الشريف
الأجل الأوحد نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي، عن الإمام محمد بن
الحسين بن شاذان قال: حدثنا سهل بن أحمد، عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، عن هناد
بن السري، عن محمد بن هشام، عن سعيد بن أبي سعيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى لما خلق السماوات والأرض دعاهن
فأجبنه، فعرض عليهن نبوتي وولاية علي بن أبي طالب فقبلتاهما، ثم خلق الخلق وفوض
إلينا أمر الدين، فالسعيد من سعد بنا، والشقي من شقي بنا، نحن المحللون لحلاله،
والمحرمون لحرامه (2).
(هامش)
(1) هو: الإمام الحافظ المقرئ العلامة شيخ الإسلام، كان إماما في الحديث وفروعه،
قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، توفي سنة
569. سير أعلام النبلاء 21 / 40 ملخصا. (2) مناقب علي بن أبي طالب: 134. (*)
ص 373
*(38)* حديث اقتران الإسلام والقرآن والولاية ورووا حديثا عن أمير المؤمنين عليه
السلام بتفسير: *(يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول...)*، جاءت الولاية
فيه بمعنى الإمامة بالقطع واليقين: قال النسفي: وقال علي - رضي الله عنه -
هذه آية من كتاب الله تعالى ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل أحد بها بعدي: كان لي
دينار فصرفته، وكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عشر مسائل فأجابني عنها، قلت: يا رسول الله: ما الوفاء؟ قال: التوحيد وشهادة أن لا
إله إلا الله. قلت: ما الفساد؟ قال: الكفر والشرك بالله. قلت: وما الحق؟ قال:
الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك. قلت: وما الحيلة؟ قال: ترك الحيلة. قلت:
وما علي؟ قال: طاعة الله وطاعة رسوله.
ص 374
قلت: وكيف أدعو الله؟ قال: بالصدق واليقين. قلت: وماذا أسأل الله؟ قال: العافية.
قلت: وما أصنع لنجاة نفسي؟ قال: كل حلالا وقل صدقا. قلت: وما السرور. قال: الجنة.
قلت: وما الراحة؟ قال: لقاء الله. فلما فرغت منها نزل نسخها (1). وتجد هذا الحديث
بتفسير الآية في (تفسير الزاهدي) وفي (البحر المواج) تفسير ملك العلماء الهندي.
وأيضا في (معارج العلى في مناقب المرتضى) عن الزاهدي. أقول: فهذا الحديث يدل دلالة
واضحة على إمامة أمير المؤمنين، و الولاية فيه بمعنى الإمامة بالقطع اليقين،
فكذا في حديث الولاية فإن الحديث يفسر بعضه بعضا.
(هامش)
(1) تفسير النسفي - هامش الخازن 4 / 242. (*)
ص 375
ترجمة النسفي والنسفي - عبد الله بن أحمد المتوفى سنة: 710 - فقيه، مفسر، متكلم،
أصولي، له مؤلفات، منها: تفسيره المشهور، المنار في علم الأصول، ترجم له وأثنى عليه
كبار العلماء راجع: 1 - الدرر الكامنة 2 / 247. 2 - الجواهر المضية 1 / 270. 3 -
الفوائد البهية: 101. قال الحافظ ابن حجر: عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي،
علامة الدنيا، أبو البركات، ذكره الحافظ عبد القادر في طبقاته فقال: أحمد الزهاد
المتأخرين، صاحب التصانيف المفيدة... توفي سنة 701 . وذكر كاشف الظنون 2 / 1640
تفسيره فقال: مدارك التنزيل وحقائق التأويل، في التفسير، للإمام حافظ الدين عبد
الله بن أحمد النسفي، المتوفى سنة 701... وهو كتاب وسط في التأويلات، جامع لوجوه
الإعراب والقراءات، متضمنا لدقائق علم البديع والإشارات، حاليا بأقاويل أهل السنة
والجماعة، خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة، ليس بالطويل الممل ولا بالقصير
المخل. اختصره الشيخ زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن أبي بكر ابن العيني وزاد فيه
.
ص 376
*(39)* ألفاظ في حديث الولاية دالة على الإمامة ثم إن في ألفاظ حديث الولاية كلمات
وجملا، بعضها يدل على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام، وبعضها على مساواته النبي،
وبعضها على الأفضلية. ولما كان قوله صلى الله عليه وآله وسلم إن عليا ولي كل مؤمن
من بعدي مقترنا بشيء من ذلك، كان قوله هذا دالا بالضرورة على وجوب الإطاعة
والأولوية بالتصرف. وقد روى حديث الولاية المشتمل على ما أشرنا جماعة من الأعلام،
أمثال: أحمد بن حنبل. ومحمد بن جرير الطبري. وأبي القاسم الطبراني. وابن عبد البر
القرطبي. وابن أسبوع الأندلسي. قال الوصابي اليمني - بعد نقل الحديث عن بريدة -:
وعنه رضي الله عنه في رواية أخرى: إن خالد بن الوليد قال: اغتنمها يا بريدة، فأخبر
النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع. فقدمت ودخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه
وسلم في منزل، وناس من أصحابه على بابه، فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خيرا،
فتح الله على المسلمين. قالوا: ما أقدمك؟
ص 377
فقلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا:
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسقط من عينه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يسمع الكلام، فخرج مغضبا فقال: ما بال القوم ينتقصون عليا! من أبغض عليا فقد أبغضني
ومن فارق عليا فقد فارقني. إن عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة
إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. يا بريدة! أما
علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ؟ فإنه وليكم بعدي! أخرجه ابن جرير في تهذيب
الآثار، وابن أسبوع الأندلسي في الشفاء (1). وقال العجيلي: ومما وقع لبريدة
وكان مع علي في اليمن، فقدم مغضبا عليه وأراد شكايته بجارية أخذها من الخمس، فقيل
له: أخبره يسقط علي من عينه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع كلامهم من وراء
الباب - فخرج مغضبا وقال: ما بال أقوام يبغضون عليا؟! من أبغض عليا فقد أبغضني ومن
فارق عليا فقد فارقني. إن عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم،
وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم.
(هامش)
(1) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط. (*)
ص 378
يا بريدة! أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذها؟ (1). وقال القندوزي
الحنفي: وأخرج أحمد عن عمرو الأسلمي - وكان من أصحاب الحديبية - خرج مع علي إلى
اليمن، فرأى منه جفوة، فلما قدم المدينة أذاع شكايته، فقال له النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم -: والله لقد آذيتني. قال: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله! فقال:
من آذى عليا فقد آذاني (2). وزاد ابن عبد البر: من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض
عليا فقد أبغضني ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله. وكذلك وقع لبريدة،
إنه كان مع علي في اليمن، فقدم المدينة مغضبا عليه، وأراد شكايته بجارية أخذها من
الخمس، فقالوا له: أخبره ليسقط علي من عينيه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يسمع من وراء الباب، فخرج مغضبا فقال: ما بال أقوام يبغضون عليا! من أبغض عليا فقد
أبغضني ومن فارق عليا فقد فارقني، إن عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من
طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. يا بريدة!
أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذها. أخرجه الطبراني .
(هامش)
(1) ذخيرة المآل - شرح عقد جواهر اللآل - مخطوط. (2) ينابيع المودة 2 / 155. (*)
ص 379
أقول: ففي هذا الحديث: من فارق عليا فقد فارقني . وهذا مفيد للعصمة بكل وضوح.
ومن مصادر روايته أيضا: المستدرك على الصحيحين 3 / 123 عن أبي ذر عنه صلى الله عليه
وآله وسلم وقال: صحيح الإسناد . مجمع الزوائد 9 / 135 عن البزار عن أبي ذر،
وقال: رجاله ثقات . ويوجد في مصادر أخرى عن غيره من الصحابة. وفيه: إن عليا
مني وأنا منه . وقد عرفت معناه، على ضوء كلام الطيبي بشرح: حسين مني وأنا من حسين.
وحديث علي مني وأنا من علي من أصح الأحاديث: أخرجه أحمد في المسند 4 / 165.
والترمذي في صحيحه 5 / 594. والنسائي في الخصائص: 87. وابن ماجة في سننه 1 / 44.
وأسانيدهم صحيحة بلا كلام.
ص 380
وفيه: خلق من طينتي... . وهو يدل على المساواة، والأفضلية من جميع الخلائق عدا
النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج حديث خلق رسول الله وأمير المؤمنين
عليهما السلام من طينة واحدة: الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 1 / 86. والحافظ
ابن عساكر في ترجمة الإمام من تاريخ دمشق 2 / 95. وكذا غيرهما من الأئمة الأعلام.
فمعاذ الله من سقوط نفس النبي من عين النبي!! فليمت الحاقدون بغيظهم!! *(40)* سياق
الحديث يأبى الحمل على الحب والنصرة ثم إن الحديث دال على أن المراد من الولاية
فيه هو الأولوية بالتصرف دون غيره من معاني الولاية. لأن الواقعة هي: شكوى
بريدة وغيره من الإمام إلى النبي بسبب تصرفه في الجارية، فانتهزوها واغتنموها فرصة
لإظهار بغضهم وعدائهم، فأي مناسبة لأن يقال في جوابهم: إن عليا محب المؤمنين
وناصرهم! لأن كون الرجل ناصرا ومحبا لا يستلزم السكوت عنه إذا فعل عملا قبيحا، لكن
كون الرجل إماما ووليا للأمر يكشف عن صحة جميع
ص 381
أفعاله ويدل على كونه معصوما من الخطأ والمعصية، وتكون جميع أفعاله صحيحة، ولا يجوز
الرد عليه في شيء منها. وفي (كنز العمال): يا بريدة، إن عليا وليكم بعدي، فأحب
عليا فإنه يفعل ما يؤمر. الديلمي عن علي (1). وقال ابن عساكر: أخبرنا أبو
القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا عاصم بن الحسن، أنبأنا أبو عمر ابن مهدي، أنبأنا أبو
العباس ابن عقدة، أنبأنا الحسن بن علي بن عفان، أنبأنا حسن - يعني ابن عطية -
أنبأنا سعاد، عن عبد الله بن عطاء، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: بعث رسول
الله... فنظر إلي فقال: يا بريدة: إن عليا وليكم بعدي، فأحب عليا فإنه يفعل ما يؤمر
(2). أقول: فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: فإنه يفعل ما يؤمر دليل على
العصمة.
(هامش)
(1) كنز العمال 11 / 612 رقم 32963. (2) تاريخ ابن عساكر - ترجمة أمير المؤمنين 1 /
371. (*)
ص 383
بطلان حمل البعدية على الانفصال

ص 385
قوله: وأيضا، هو غير مقيد بوقت، وهذا مذهب أهل السنة، بأنه يكون الإمام المفترض
الطاعة في وقت من الأوقات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . أقول: هذا مردود
بوجوه: *(1)* علي له الولاية على الثلاثة لقد ورد بحق سيدنا أمير المؤمنين في
حديث الولاية أنه ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي . فهل كان الشيخان مؤمنين أو لا؟ إن
كانا مؤمنين فالإمام عليه السلام وليهما، وإن لم يكونا مؤمنين فكذلك، لأنه إذا كان
وليا للمؤمنين أميرا لهم، فهو أمير غير المؤمنين بالضرورة، إذ لا يتصور هناك الفرق،
ولا يلتزم أحد الخرق، بل هو ولي غير المؤمنين بالأولوية القطعية. فحمل البعدية هنا
على البعدية المطلقة غير ممكن، لأنه إذا كان أميرا على الثلاثة بحكم هذا الحديث
الشريف، فتأخر ولايته عنهم مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ص 386
*(2)* البعدية ظاهرة في الاتصال وقوله من بعدي ظاهر في كون البعدية متصلة
بزمانه، والحمل على الانفصال بدون دليل عدول عن جادة الاعتدال. *(3)* حديث الولاية
وغيره نص على ولاية علي ولا دليل على ولايتهم إن هذا الحديث نص صريح في ولاية
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وأما أولئك فلا نص في ولايتهم، كما اعترف أكابر
علماءهم، واعترف (الدهلوي) نفسه حيث قال: بأن الخلفاء الثلاثة عند أهل السنة
ليسوا بمعصومين وليسوا بمنصوص عليهم . فيكون المنصوص عليه مستحقا للخلافة دون غير
المنصوص عليه، إذ الإعراض عمن نص عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونصب غير
المنصوص عليه للخلافة، مخالف للعقل والنقل. *(4)* الحديث بلفظ: من كنت وليه فعلي
وليه لقد ورد حديث الولاية في طرق عديدة بلفظ من كنت وليه فعلي وليه أي: مع فاء
التعقيب، وهذا ظاهر في الاتصال الزماني بين الولايتين، فتكون
ص 387
ولايته عقيب ولاية النبي بلا فاصل، ويكون الحديث - بهذا اللفظ - مبينا له بالألفاظ
الأخرى، وتحمل تلك على هذا المعنى، لوجوب التوفيق بين الأحاديث كما هو القاعدة
المقررة. أما إفادة الفاء للتعقيب بلا فصل، فيكفي أن نورد كلام نجم الأئمة الرضي
الاسترآبادي (1)، إذ يقول: في مبحث المركبات: وقد استعمل جوازا كخمسة عشر مبنية
الجزئين: ظروف، كيوم يوم، وصباح مساء، وحين حين. وأحوال نحو: لقيته كفة كفة، وهو
جاري بيت بيت، وأخبرته - أو لقيته - صحرة بحرة. ويجوز إضافة المصدر من هذه الظروف
والأحوال إلى العجز، وإنما لم يتعين بناء الجزئين فيهما - كما تعين في نحو خمسة عشر
- لظهور تضمن الحرف وتعينه في نحو خمسة عشر، دون هذه المركبات، إذ يحتمل أن يكون
كلها بتقدير الحرف وأن لا يكون. فإذا قدرناها قلنا: إن معنى: لقيته يوم يوم، وصباح
مساء، وحين حين: أي يوما فيوما، وصباحا فمساء، وحينا فحينا. أي: كل يوم، وكل صباح
ومساء، وكل حين. والفاء تؤدي معنى هذا العموم، كما في قولك: انتظرته ساعة فساعة،
أي: في كل ساعة. إذ فائدة الفاء التعقيب، فيكون المعنى: يوما فيوما، عقيبه بلا فصل
إلى ما لا يتناهى، فاقتصر على أول المكرر أي التثنية، كما في قوله تعالى: *(فارجع
البصر كرتين)* ولبيك، ونحوه. وكذا صباح مساء، وحين حين.
(هامش)
(1) محمد بن الحسن، نزيل النجف الأشرف، نحوي، متكلم، أديب، له: شرح الشافية، شرح
الكافية، حواشي على بعض الكتب الكلامية والمنطقية، توفي سنة 686 أو 684. ترجم له
في: بغية الوعاة: 248، شذرات الذهب 5 / 395. (*)
ص 388
وقلنا: إن أصل لقيته كفة كفة، ومعناه: متواجهين، ذوي كفة مني وكفة منه، كأن كلا
منهما كان يكف صاحبه عن التولي والإعراض. وأصل: جاري بيت بيت. والمعنى: متلاصقا
بيتي وبيته. أي: مجتمعان ملتصقان، كما تقول: كل رجل وضيعته، كما ذكرنا في باب
الحال... . وأما وجوب التوفيق بين الأحاديث، ولزوم العمل بقضية الحديث يفسر بعضه
بعضا... فقد قال ابن حزم الأندلسي في كتاب (المحلى في الفقه): ومن أخذ بهذه
الأحاديث كان قد خالف تلك وهذا لا يحل، وكان من أخذ بتلك قد أخذ بهذه، ولا بد من
تأويل ما صح من تلك الأخبار وضم بعضها إلى بعض، ولا يحل ترك بعضها لبعض إلا بأمارة
أو نسخ أو تخصيص بنص آخر . وقال شاه ولي الله في كتاب (حجة الله البالغة): باب
القضاء في الأحاديث المختلفة الاحتمال، أن يعمل بكل حديث إلا أن يمتنع العمل
بالجمع، للتناقض، وأنه ليس في الحقيقة اختلاف، ولكن في نظرنا فقط . *(5)* إيراد
اللاهوري على نظير هذا الحمل في حديث الغدير لقد ذكر نظير هذا الحمل في الجواب عن
استدلال أصحابنا بحديث الغدير، وقد أورده العلامة يعقوب اللاهوري (1) في (شرح
التهذيب) للتفتازاني، ورد عليه، وهذه عبارته: ورد بإنه لا تواتر بل هو خبر
الواحد، ولا حصر في
(هامش)
(1) تقدم موجز ترجمته. (*)
ص 389
علي، يعني: إن غاية ما لزم من الحديث ثبوت استحقاق علي رضي الله عنه للإمامة،
وثبوتها في المآل، لكن من أين يلزم نفي إمامة الأئمة الثلاثة. وهذا الجواب من
المصنف، وتوضيحه: إنه لم يثبت له الولاية حالا فلعله بعد الأئمة الثلاثة، وفائدة
التخصيص لاستحقاقه الإمامة: الإلزام على البغاة والخوارج. أقول: يرد عليه: إنه كما
كانت ولاية النبي صلى الله عليه وسلم عامة - كما يدل عليه كلمة من الموصولة -
فكذا ولاية علي، فيجب أن يكون علي هو الولي لأبي بكر دون العكس . أقول: وكذا
الكلام في حديث الولاية فالشبهة مندفعة. فالحمد لله العلي الأكبر، حيث أثبتنا
صحة الخبر، بل بينا تواتره في جواب ابن حجر، ثم أوضحنا دلالته على إمامة وصي خير
البشر ما طلع شمس وأضاء قمر. فزهقت خرافات أهل الخدع والغرر، وطاحت تشكيكات
المموهين العادمين للبصر، وانتهك ستر المسولين الوالجين في أنكر الخطر... وصلى الله
على محمد نبيه وعلى آله الطيبين الطاهرين إلى يوم الدين.