نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 305

دينا)*. ففرض عليكم لأوليائه حقوقا، وأمركم بأدائها، ليحل ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشاربكم، ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب. ثم قال الله عز وجل: *(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)* واعلموا أن من يبخل المودة فإنما يبخل عن نفسه، إن الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه. فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. سمعت جدي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: خلقت أنا من نور الله وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبيهم من نورهم، وسائر الناس في النار (1). أقول: ولا ريب في أن مراده عليه السلام من إقامة الأولياء بعد النبي هو: نصب الأئمة، ويؤكده استشهاده بالآية المباركة *(اليوم أكملت لكم دينكم...)* النازلة في يوم غدير خم. فإذن: المراد من الولي هو الإمام . فكذلك: المراد من الولي في حديثنا هو الإمام .

(هامش)

(1) ينابيع المودة 3 / 365 الطبعة المحققة. (*)

ص 306

لأن: الحديث يفسر بعضه بعضا، كما نص عليه العلماء كالحافظ في (شرح البخاري) وغيره من الأعلام. *(17)* إختصاص لفظ الولي ومقام الولاية بنواب نبينا وهم اثنا عشر وهذا ما نص عليه شيخ الشيوخ سعد الدين الحموي، أورده الشيخ عزيز ابن محمد النسفي (1) في كتابه، وحكاه الشيخ القندوزي، وهذا معربه: إنه لم يكن قبل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في الأديان السابقة عنوان الولي وإنما كان عنوان النبي ، وكان يسمون المقربين إلى الله الوارثين لصاحب الشريعة ب‍ الأنبياء ... فلما نزل الدين الجديد والشريعة الجديدة على محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من عند الله عز وجل، وجد في هذا الدين اسم الولي ، إذ اختار اثني عشر رجلا من أهل بيت محمد - صلى الله عليه وسلم - وجعلهم الوارثين له، المقربين إلى نفسه، واختصهم بولايته، فهم النواب - من عند الله - لمحمد صلى الله عليه وسلم، الوارثون له، وهؤلاء الاثنا عشر هم الذين ورد فيهم الحديث: العلماء ورثة الأنبياء، والحديث: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل. وإن آخر الأولياء - وهو آخر النواب - هو الولي والنائب الثاني عشر، وهو خاتم الأولياء، واسمه: المهدي، صاحب الزمان.

(هامش)

(1) عزيز الدين محمد النسفي، من أعلام الصوفية، له في ذلك مصنفات، توفي سنة 686. هدية العارفين 1 / 580. (*)

ص 307

قال الشيخ: والأولياء في العالم لا يزيدون على اثني عشر، وأما الثلاثمائة والخمسون، الذين هم رجال الغيب، فلا يسمون بالأولياء، وإنما هم الأبدال (1). فهذا رأي شيخ شيوخ القوم، الذي نقله النسفي وهو من كبارهم، فدونكها من حجة حاسمة لشكوك أرباب الغواية، مبينة لكون الولي دليلا على الإمامة في حديث الولاية! *(18)* تبادر المتصرف في الأمر من الولي عند الإطلاق فإن المنسبق إلى الأذهان من لفظ الولي عند الإطلاق هو معنى المتصرف في الأمر فكيف لو ضم إليه كلمة بعدي ؟ فلو غض النظر عن جميع الأدلة السابقة لكفى هذا التبادر وجها تاما للاستدلال، ودليلا قاطعا للشبهة. وإن لنا على هذا الذي ذكرناه شواهد في كلمات كبار العلماء المعتمدين، ومن ذلك ما جاء في (الروضة الندية) بعد حديث الثقلين المشتمل لفظه على حديث الغدير: وتكلم الفقيه حميد (2) على معانيه وأطال، ولننقل بعض ذلك:

(هامش)

(1) ينابيع المودة: 475. (2) حميد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد المحلي، النهمي، الوادعي، الهمداني. متكلم، من شيوخ الزيدية، من تصانيفه: العمدة، في مجلدين، العقد الفريد. = (*)

ص 308

قال - رحمه الله - منها: فضل العترة عليهم السلام، ووجوب رعاية حقهم، حيث جعلهم أحد الثقلين اللذين يسأل عنهما، وأخبر بأنه سأل لهم اللطيف الخبير وقال: فأعطاني، يعني: استجاب لدعاه فيهم.... ومنها قوله: - صلى الله عليه وسلم -: من كنت وليه فهذا وليه. الولي: المالك المتصرف، بالسبق إلى الفهم، وإن استعمل في غيره، ولهذا قال: السلطان ولي من لا ولي له. يريد: ملك التصرف في عقد النكاح، يعني: إن الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة . *(19)* وجوب حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة عند الشافعي وجماعة فلقد ذهب الشافعي (1) وأبو بكر الباقلاني (2) وجماعة من أعلام الأصوليين عند القوم إلى: وجوب حمل اللفظ المشترك عند فقد المخصص على جميع معانيه، فلو فرضنا عدم الدليل على ما نذهب إليه في المراد من حديث الولاية، لكفى هذا المبنى الأصولي في الاستدلال بالحديث على إمامة أمير

(هامش)

= الحسام الوسيط، عقيدة الآل. الحدائق الوردية. وفاته سنة: 652. معجم المؤلفين 4 / 83. (1) محمد بن إدريس، إمام الشافعية، توفي سنة 204، من مصادر ترجمته: حلية الأولياء 9 / 63، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 44، وفيات الأعيان 4 / 163، سير أعلام النبلاء 10 / 5، صفة الصفوة 2 / 95. (2) محمد بن الطيب، المتكلم الكبير، الأصولي الشهير المتوفى سنة 403. من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد 5 / 379، وفيات الأعيان 4 / 269، سير أعلام النبلاء 17 / 190. (

ص 309

المؤمنين عليه السلام، إذ لا ريب في أن من جملة المعاني هو: المتصرف في الأمر، فيثبت له هذا المعنى، وسائر معاني لفظ الولي له، ولا ضير فيه. وأما أن ما ذكر هو مذهب الشافعي والباقلاني وأتباعهما، فصريح الكتب الأصولية، قال العبري (1) في (شرح المنهاج): نقل عن الشافعي - رضي الله عنه - والقاضي أبي بكر - رحمه الله - وجوب حمل المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة معه تدل على تعيين المراد منه، لأن حمله على جميع معانيه غير ممنوع لما ذكرناه، فيجب أن يحمل، إذ لو لم يحمل عليه فإما أن لا يحمل على شيء من معانيه، وذلك إهمال اللفظ بالكلية، وهو ظاهر البطلان، أو يحمل على بعض معانيه دون بعض، وذلك ترجيح بلا مرجح، لاستواء الوضع بالنسبة إليها وعدم القرينة المعينة للبعض، وهو أيضا محال (2). وقال الفخر الرازي في كتاب (مناقب الشافعي): المسألة الرابعة: عابوا عليه قوله: اللفظ المشترك محمول على جميع معانيه عند عدم المخصص. قالوا: والدليل على أنه غير جائز: إن الواضع وضعه لأحد المعنيين فقط، فاستعماله فيها يكون مخالفة للغة. وأقول: إن كثيرا من الأصوليين المحققين وافقوه عليه، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبد الجبار بن أحمد. ووجه قوله فيه ظاهر وهو: إنه لما

(هامش)

(1) عبد الله بن محمد العبري الفرغاني المتوفى سنة 743، فقيه، أصولي، متكلم. البدر الطالع 1 / 411، الدرر الكامنة 2 / 433. (2) شرح المنهاج في الأصول - مخطوط. (*)

ص 310

تعذر التعطيل والترجيح لم يبق إلا الجمع. وإنما قلنا: إنه تعذر التعطيل، لأنه تعالى إنما ذكره للبيان والفائدة، والقول بالتعطيل إخراج له عن كونه بيانا. وإنما قلنا: إنه تعذر الترجيح، لأنه يقتضي ترجيح الممكن من غير مرجح وهو محال. ولما بطل القسمان لم يبق إلا الجمع، وهذا وجه قوي حسن في المسألة وإن كنا لا نقول به . وقال محمد الأمير في (الروضة الندية) بعد الكلام المنقول عنه سابقا، نقلا عن الفقيه الحميد: ثم لو سلمنا احتمال الولي لغير ما ذكرنا على حده، فهو كذلك يجب حمله على الجميع، بناء على أن كل لفظة احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنه يجب حملها على الجميع، إذ لم يدل دليل على التخصيص . *(20)* ابن حجر: من كنت وليه أي: المتصرف في الأمور وهذا نص كلامه: على أن كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة ولا شرعا، أما الثاني فواضح، وأما الأول: فلأن أحدا من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلا يأتي بمعنى أفعل . وقوله تعالى: *(مأواكم النار هي مولاكم)* أي: مقركم أو ناصرتكم مبالغة في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضا: فالاستعمال يمنع من أن مفعلا بمعنى أفعل إذ يقال: هو أولى من كذا، دون: مولى من كذا. وأولى الرجلين، دون: مولاهما.

ص 311

وحينئذ، فإنما جعلنا من معانيه: المتصرف في الأمور، نظرا للرواية الآتية: من كنت وليه (1). أقول: فابن حجر يرى أن لفظ الولي في الحديث: من كنت وليه فعلي وليه بمعنى المتصرف في الأمور ، وعليه يكون المراد منه في الحديث وليكم بعدي هو المتصرف في الأمور كذلك، حتى لا يلزم الافتراق واختلال الاتساق المستبشع في المذاق، الذي لا يلتزمه إلا من ليس له من الفهم والحدس الصائب خلاق. ولا يخفى أن هذا كاف في الاستدلال به على المطلوب. *(21)* حديث بريدة بلفظ: من كنت وليه فعلي وليه وفي بعض طرق حديث بريدة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت وليه فعلي وليه ، وأخرجه غير واحد من الأئمة الأعلام: * أخرج أحمد: ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كنت وليه فعلي وليه (2).

(هامش)

(1) الصواعق المحرقة: 65. (2) مسند أحمد 5 / 361. (*)

ص 312

* وأخرج: حدثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية، قال: لما قدمنا قال: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ قال: فإما شكوته أو شكاه غيري قال: فرفعت رأسي - وكنت رجلا مكبابا - قال: فرأى النبي صلى الله عليه وسلم قد احمر وجهه قال: وهو يقول: من كنت وليه فعلي وليه (1). وأخرج: ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، إنه مر على مجلس وهم يتناولون من علي، فوقف فقال: إنه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبيا، قال: فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلت أحدثه بما كان، ثم قلت: إن عليا أخذ جارية من الخمس، قال: وكنت رجلا مكبابا، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تغير فقال: من كنت وليه فعلي وليه (2). * وأخرج النسائي: أخبرنا أبو كريب محمد بن علاء الكوفي قال: حدثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية، واستعمل علينا عليا، فلما رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم، فإما شكوته أنا وإما شكاه غيري، فرفعت رأسي - وكنت رجلا مكبابا - فإذا وجه رسول الله - صلى الله

(هامش)

(1) مسند أحمد 5 / 350. (2) مسند أحمد 5 / 358. (*)

ص 313

عليه وسلم - قد احمر فقال: من كنت وليه فعلي وليه (1). * وأخرج: أنبأنا محمد بن المثنى قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع ونزل بغدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ثم قال: إن الله مولاي، فأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بأذنه (2). * وأخرج الحاكم: حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي - ببغداد - ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، حدثنا يحيى بن حماد. وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز، قالا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد. وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى - حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، حدثنا خلف بن سالم المخرمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن

(هامش)

(1) الخصائص: 70. (2) الخصائص: 69. (*)

ص 314

زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: الله عز وجل مولاي، وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه. وذكر الحديث بطوله. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بطوله. شاهده حديث سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل أيضا، صحيح على شرطهما (1). * وروى ابن كثير عن سنن النسائي عن محمد بن المثنى بإسناده فيه: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه (2). * ورواه المتقي الهندي عن ابن جرير الطبري وفيه: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (3). * وقال العزيزي - شارح الجامع الصغير -: من كنت وليه فعلي وليه،

(هامش)

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 109. (2) البداية والنهاية 3 / 209. (3) كنز العمال 13 / 104 رقم 36340. (*)

ص 315

يدفع عنه ما يكرهه. حم ن ك عن بريدة، وإسناده حسن (1). * وقال محمد صدر العالم الهندي: أخرج ابن أبي شيبة، والنسائي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، والضياء، عن بريدة. والطبراني عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كنت وليه فعلي وليه (2). أقول: لا ريب في أن المراد من الولي في فعلي وليه هو نفس المراد منه في من كنت وليه ، ولا ريب في أنه بمعنى المتصرف في الأمور . قال العزيزي: أنا ولي المؤمنين. أي: متولي أمورهم. وكان - صلى الله عليه وسلم - يباح له أن يزوج ما شاء من النساء ممن يشاء من غيره ومن نفسه، وإن لم يأذن كل من الولي والمرأة، وأن يتولى الطرفين بلا أذن. حم م ن (3). ترجمة العزيزي والعزيزي - شارح الجامع الصغير - إمام عالم محدث جليل حافظ، قال العلامة المحبي بترجمته: علي العزيزي البولاقي الشافعي، كان إماما فقيها محدثا حافظا، متقنا ذكيا، سريع الحفظ بعيد النسيان، مواظبا على النظر

(هامش)

(1) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 2 / 184. (2) معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط. (3) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 1 / 212. (*)

ص 316

والتحصيل، كثير التلاوة سريعها، متوددا متواضعا، كثير الاشتغال بالعلم ومحبا لأهله، خصوصا أهل الحديث، حسن الخلق والمحاضرة، مشارا إليه في العلم، شارك النور الشبراملسي في كثير من شيوخه، وأخذ عنه واستفاد منه، وكان يلازمه في دروسه الأصلية والفرعية، وفنون العربية، وله مؤلفات كثيرة، نقله فيها يزيد على تصرفه، منها: شرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلدات، وحاشية على شرح التحرير للقاضي زكريا، وحاشية على شرح الغاية لابن القاسم في نحو سبعين كراسة، وأخرى على شرحها للخطيب. وكانت وفاته ببولاق في سنة 1070 وبها دفن (1). *(22)* الحديث بلفظ: الله وليي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه وقد أخرجه النسائي من طريق الحسين بن حريث...: إن الله وليي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره (2). ولا ريب أن الله هو الولي أي متولي أمور الخلق ، فهذا المعنى هو المراد من ولاية النبي، فكذا ولاية علي... وأما أن المراد من ولاية الله ما ذكرناه فهو صريحهم في كتب التفسير وغيرها:

(هامش)

(1) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 3 / 201. (2) الخصائص: 101. (*)

ص 317

قال النيسابوري بتفسير آية الكرسي: *(الله ولي الذين آمنوا)* أي: متولي أمورهم وكافل مصالحهم، فعيل بمعنى فاعل (1). وقال القاري في (الحرز الثمين - شرح الحصن الحصين) بشرح الدعاء: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل... اللهم آت نفسي تقواها... أنت وليها... قال: أي المتصرف فيها ومصلحها ومربيها، ومولاها، أي: ناصرها وعاصمها. وقال الحفني: عطف تفسيري . *(23)* قوله لبريدة: لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي فإنه لما شكى عليا عليه الصلاة والسلام نهاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزبره بشدة، وكذا فعل مع وهب بن حمزة لما انتقصه، وقال: لا تقل هذا... وقد جاء هذا اللفظ في رواية: سليمان بن أحمد الطبراني. ومحمد بن إسحاق بن يحيى بن مندة الأصبهاني. وأحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني. وأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. وعلي بن محمد بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير.

(هامش)

(1) تفسير النيسابوري 3 / 22 هامش الطبري. (*)

ص 318

ونور الدين الهيثمي. وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. وعلي بن حسام الدين المتقي الهندي. وإبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني. رواية الطبراني: في (مجمع الزوائد): وعن وهب بن حمزة قال: صحبت عليا إلى مكة، فرأيت منه بعض ما أكره. فقلت: لئن رجعت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما قدمت لقيت رسول الله، فقلت: رأيت من علي كذا وكذا، فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي. رواه الطبراني (1). وفي (كنز العمال): لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي يعني: عليا. طب عن وهب بن حمزة (2). وفي (الاكتفاء): عن وهب بن حمزة قال: قدم بريدة من اليمن - وكان خرج مع علي بن أبي طالب، فرأى منه جفوة - فأخذ يذكر عليا وينتقص من حقه، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي. يعني عليا. أخرجه الطبراني في الكبير (3).

(هامش)

(1) مجمع الزوائد 9 / 109. (2) كنز العمال 11 / 612 رقم 32961. (3) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط. (*)

ص 319

رواية ابن مندة وأبي نعيم: في (أسد الغابة) قال: وهب بن حمزة، يعد في أهل الكوفة، روى حديثه: يوسف بن صهيب، عن ركين، عن وهب بن حمزة قال: صحبت عليا - رضي الله عنه - من المدينة إلى مكة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لئن رجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشكونه إليه، فلما قدمت لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: رأيت من علي كذا وكذا. فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بعدي. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم (1). رواية ابن مردويه: في كتاب (الطرائف): وفي كتاب المناقب، تأليف أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه - وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيت عليهم السلام - هذا الحديث من عدة طرق. وفي رواية بريدة بزيادة وهي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة: أيه عنك يا بريدة، فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنك لتقع في رجل إنه أولى الناس بكم بعدي (2).

(هامش)

(1) أسد الغابة 4 / 681. (2) الطرائف في معرفة الطوائف: 66. (*)

ص 320

تراجم الرواة

 ورواة هذا الحديث من أكابر الحفاظ الأعلام. أما الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم وابن الأثير، فقد سبقت تراجمهم. بقي أن نترجم لابن مندة: قال الذهبي: ابن مندة. الإمام الحافظ الجوال، محدث العصر، أبو عبد الله محمد ابن الشيخ أبي يعقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى بن مندة... ولد أبو عبد الله سنة 310 وقيل في التي تليها. سمع أباه، وعم أبيه عبد الرحمن بن يحيى، وأبا علي الحسن بن أبي هريرة، وطائفة باصبهان، ومحمد بن الحسين القطان... وعدة شيوخه الذين سمع وأخذ عنهم ألف وسبعمائة شيخ... وما بلغنا أن أحدا من هذه الأمة سمع ما سمع، ولا جمع ما جمع، وكان ختام الرحالين وفرد المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصدق. حدث عنه... قال الباطرقاني: نا أبو عبد الله إمام الأئمة في الحديث لقاه الله رضوانه. قال شيخنا أبو علي الحافظ: بنو مندة أعلام الحفاظ في الدنيا قديما وحديثا، ألا ترون إلى قريحة أبي عبد الله؟! وقيل: إن أبا نعيم ذكر له ابن مندة فقال: كان جبلا من الجبال (1).

(هامش)

(1) تذكرة الحفاظ 3 / 1031 - 1033. (*)

ص 321

أقول: فهذا هو الحديث، وهؤلاء المخرجون له... فمن المناسب الآن أن نعرف معنى أولوية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالناس في القرآن الكريم والسنة النبوية، على ضوء كلمات كبار المحدثين والمفسرين الذين عليهم المعول عندهم في فهم معاني الآيات والروايات، ليظهر معنى كون علي عليه السلام أولى الناس بعده صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يبقى مجال لمكابرة معاند أو تشكيك مشكك. فاستمع لما يلي:

ص 322

معنى أولوية النبي بالمؤمنين كتابا وسنة إن قوله عليه السلام: أولى الناس بكم بعدي معناه: الأولى بالتصرف في أموركم، قطعا، لأن الكلمة هذه مقتبسة من قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)*، ومن المقطوع به أن المراد من هذه الآية المباركة أولوية النبي بالتصرف في أمور المسلمين... وهذا ما يصرح به وينص عليه أئمة التفسير: كلمات المفسرين في معنى *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* * قال الواحدي: قوله: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* أي: إذا حكم عليهم بشيء نفذ حكمه ووجبت طاعته عليهم. قال ابن عباس: إذا دعاهم النبي إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعة النبي أولى بهم من طاعة أنفسهم (1). * وقال البغوي: قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* يعني: من بعض ببعض، في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطاء: يعني: إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى

(هامش)

(1) التفسير الوسيط 3 / 459. (*)

ص 323

شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من طاعتهم أنفسهم. قال ابن زيد: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* فيما قضى فيهم، كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه... أخبرنا عبد الواحد المليحي... عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا إن شئتم: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه (1). * وقال البيضاوي: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* في الأمور كلها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ فيهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها... (2). أقول: واعلم أن هؤلاء الثلاثة - الواحدي والبغوي والبيضاوي - الذين استندنا إلى كلماتهم في الرد على هفوات (الدهلوي)، قد نص والده في كتاب (إزالة الخفاء) على أنهم كبار المفسرين، الذين فسروا القرآن العظيم، وشرحوا غرائبه، وبينوا معانيه، وذكروا أسباب نزول آياته، وأن هؤلاء قد حازوا قصب السبق على أقرانهم، وأصبحوا القدوة للمسلمين، وما زالت كلمات الثناء عليهم

(هامش)

(1) معالم التنزيل 4 / 433. (2) تفسير البيضاوي: 552. (*)

ص 324

متواترة إلى يوم الدين. فبكلمات هؤلاء الذين وصفهم شاه ولي الله الدهلوي بهذه الألقاب فندنا - ولله الحمد - مزاعم (الدهلوي) ورددنا أباطيله. * قال الزمخشري: *(النبي أولى بالمؤمنين)* في كل شيء من أمور الدين والدنيا و*(من أنفسهم)* ولهذا أطلق ولم يقيد، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه ويجعلونها فداءه إذا أعضل خطب ووقاءه إذا لفحت حرب، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم، ولا ما تصرفهم عنه، ويتبعوا كلما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفهم عنه... (1). * وقال أبو العباس الخويي (2) ما حاصله: إن قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* يفيد أولوية النبي بالتصرف، فلو تعلقت إرادته حرمة شيء على الأمة ومنعها منه نفذت إرادته وكانت الحكمة على طبقها... وهذا عين الأولوية بالتصرف (3). * وقال النسفي: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* أي: أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوا نفسه دونه ويجعلوها فدائه. أو: هو أولى بهم، أي: أرأف بهم وأعطف

(هامش)

(1) الكشاف 3 / 251. (2) أحمد بن الخليل المتوفى سنة 637 أو 693، فقيه، أصولي، مفسر، متكلم، أديب. له مصنفات. السبكي 5 / 8، مرآة الجنان 4 / 222 وغيرهما. (3) تفسير الخوئي - مخطوط. (*)

ص 325

عليهم وأنفع لهم (1). * وقال النيسابوري: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* والمعقول فيه أنه رأس الناس ورئيسهم، فدفع حاجته والاعتناء بشأنه أهم... ويعلم من إطلاق الآية أنه أولى بهم من أنفسهم في كل شيء من أمور الدنيا والدين... (2). * وقال جلال الدين المحلي: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* فيما دعاهم إليه ودعتهم أنفسهم إلى خلافه . * وقال الخطيب الشربيني بمثل ما تقدم، وأورد حديث أبي هريرة الآتي أيضا، مما يظهر منه دلالته على الأولوية وإلا لما أورده، ثم إنه علل أولوية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتصرف بقوله: وإنما كان صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم لأنه لا يدعوهم إلا إلى العقل والحكمة (3). أقول: هذا، وإن ما جاء في كلام بعض المفسرين للآية بعد التفسير للأولوية ب‍ الأولوية بالتصرف في الأمور من احتمال إرادة أنه: أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم لا يضر، لأن المعنى الأول مذكور بصيغة الجزم وهذا بعنوان الاحتمال. ولأن جواب السؤال المقدر في بيان النيسابوري إنما يتعلق بالمعنى الأول. ولأن المعنى الأول معلل بإطلاق الآية بخلاف الثاني.

(هامش)

(1) تفسير النسفي - على هامش الخازن 3 / 451. (2) تفسير النيسابوري - على هامش الطبري 12 / 84. (3) السراج المنير في تفسير القرآن 3 / 221. (*)

ص 326

هذا كله مضافا إلى أن أكثرهم لم يذكروا إلا المعنى الأول. كما أن ظاهر كلام السراج المنير - كالنيسابوري والخوئي - أن فرض نزول الآية بشأن قصة التبني لا ينافي حملها على الأولوية بالتصرف، بل هي على هذا التقدير جواب للسؤال المقدر، ومناسبتها مع تلك القصة ظاهرة. كلمات علماء الحديث في معنى قوله: أنا أولى الناس بالمؤمنين ونحوه فإن نفس المعنى الذي ذكره المفسرون بشرح قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم...)* وهو: الأولوية بالتصرف قاله علماء الفقه والحديث بشرح الحديث عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وآله وسلم: أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب الله عز وجل، فأيكم ما ترك دينا أو ضيعة فادعوني فأنا وليه، وأيكم ما ترك مالا فليورث عصبته من كان . * فقال أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (1) بشرحه باللفظ المذكور: فيه فوائد: الأولى: أخرجه مسلم من هذا الوجه، عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق. وأخرجه الأئمة الستة خلا أبا داود من طريق الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل

(هامش)

(1) المتوفى سنة 826. حافظ، محدث، فقيه، أصولي، مفسر. الضوء اللامع 1 / 336، حسن المحاضرة 1 / 363، طبقات المفسرين 1 / 50. (*)

ص 327

المتوفى، عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته. هذا لفظ البخاري وقال الباقون: قضاء بدل فضلا، وكذا هو عند بعض رواة البخاري. وأخرجه الشيخان وأبو داود من رواية أبي حازم، عن أبي هريرة، بلفظ: من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلأ فإلينا، وفي لفظ مسلم: وليته. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي من رواية أبي صالح، عن أبي هريرة بلفظ: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وترك مالا فماله لمواليه العصبة، ومن ترك كلأ أو ضياعا فأنا وليه... وأخرجه البخاري من رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة بلفظ: ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا ما شئتم *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه. وأخرجه مسلم من رواية أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة بلفظ: والذي نفس محمد بيده، إن على الأرض من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به، فأيكم ما ترك دينا أو ضياعا فأنا مولاه، وأيكم ما ترك مالا فإلى العصبة من كان.

ص 328

الثانية: قوله: أنا أولى الناس بالمؤمنين. إنما قيد ذلك بالناس، لأن الله تعالى أولى بهم منه. وقوله: في كتاب الله عز وجل. إشارة إلى قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* وقد صرح بذلك في رواية البخاري، من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة، كما تقدم. فإن قلت: الذي في الآية الكريمة أنه أولى بهم من أنفسهم، ودل الحديث على أنه أولى بهم من سائر الناس، ففيه زيادة. قلت: إذا كان أولى به من أنفسهم، فهو أولى بهم من بقية الناس من طريق الأولى، لأن الإنسان أولى بنفسه من غيره، فإذا تقدم النبي صلى الله عليه وسلم على النفس، فتقدمه في ذلك على الغير من طريق الأولى. وحكى ابن عطية في تفسيره عن بعض العلماء العارفين أنه قال: هو أولى بهم من أنفسهم، لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة. قال ابن عطية: ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها تقحم الفراش. الثالثة: يترتب على كونه عليه الصلاة والسلام أولى بهم من أنفسهم: أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وإن شق ذلك عليهم، وأن يحبوه أكثر من محبتهم لأنفسهم، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم

ص 329

حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. وفي رواية أخرى: من أهله وماله والناس أجمعين، وهو في الصحيحين من حديث أنس. ولما قال له عمر - رضي الله عنه - لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي. قال له: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن - والله - لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر. رواه البخاري في صحيحه. قال الخطابي: لم يرد به حب الطبع، بل أراد حب الاختيار، لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه. قال: فمعناه: لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه هلاكك. الرابعة: إستنبط أصحابنا الشافعية من هذه الآية الكريمة: أن له عليه الصلاة والسلام أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج عليه الصلاة والسلام إليهما، وعلى صاحبهما البذل، ويفدي مهجته بمهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لو قصده عليه الصلاة والسلام ظالم لزم من حضره أن يبذل نفسه دونه. وهو استنباط واضح. ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية ما له في ذلك من الحظ، وإنما ذكر ما هو عليه فقال: وأيكم ما ترك دينا أو ضياعا فادعوني فأنا

ص 330

وليه، وترك حظه فقال: وأيكم ما ترك مالا فليورث عصبته من كان (1). * وقال البدر العيني (2) بشرح قوله: وأنا أولى به في الدنيا والآخرة : يعني: أحق وأولى بالمؤمنين في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة من أنفسهم، ولهذا أطلق ولم يعين، فيجب عليهم امتثال أوامره واجتناب نواهيه (3). فمن هذا الكلام يظهر أن الآية المباركة *(النبي أولى بالمؤمنين...)* دالة على أولويته صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين من أنفسهم في جميع شؤونهم، وأن عليهم الامتثال المطلق... فما زعمه (الدهلوي) من عدم العلاقة بين الآية والأولوية بالتصرف بمثابة الرد الصريح على الله والرسول. * وقال الشهاب القسطلاني (4) بتفسير الآية المباركة من كتاب التفسير: *(النبي أولى بالمؤمنين)* في الأمور كلها *(من أنفسهم)* من بعض ببعض، في نفوذ حكمه ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطا: يعني إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم.

(هامش)

(1) شرح الأحكام، كتاب الفرائض، الحديث: 1. (2) محمود بن أحمد المتوفى سنة 855، فقيه، محدث، مؤرخ، أديب. الضوء اللامع 10 / 131، حسن المحاضرة 1 / 270، شذرات الذهب 7 / 287. (3) عمدة القاري - شرح صحيح البخاري 12 / 235. (4) أحمد بن محمد المصري، المتوفى سنة 923، فقيه، محدث، مجود، مؤرخ. الضوء اللامع 2 / 103، البدر الطالع 1 / 102، شذرات الذهب 8 / 121. (*)

ص 331

وإنما كان ذلك لأنه لا يأمرهم ولا يرضى إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس. وقوله: *(النبي...)* ثابت في رواية أبي ذر فقط، وبه قال: حدثني - بالإفراد - إبراهيم بن المنذر القرشي الحزامي قال: حدثنا محمد بن فليح - بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة مصغرا - قال: حدثنا أبي فليح بن سليمان الخزاعي، عن هلال بن علي العامري المدني - وقد ينسب إلى جده أسامة - عن عبد الرحمن بن أبي عمرة - بفتح العين وسكون الميم - الأنصاري النجاري - بالجيم، قيل: ولد في عهده صلى الله عليه وسلم. وقال ابن أبي حاتم: ليس له صحبة - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به، أي: أحقهم به في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة - وسقط لأبي ذر لفظ الناس - إقرأوا إن شئتم قوله عز وجل: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)*. استنبط من الآية أنه: لو قصده عليه السلام ظالم وجب على الحاضر من المؤمنين أن يبذل نفسه دونه (1). أقول: وهذه العبارة ظاهرة في صحة تفسير الآية بالأولوية بالتصرف مطلقا من وجوه: منها: قوله بتفسير الآية: في الأمور كلها ، حيث أتى بالجمع المحلى

(هامش)

(1) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 7 / 292. (*)

ص 332

باللام الدال على العموم ثم أكده بكلمة كلها . ومنها: قوله: في نفوذ حكه ووجوب طاعته فإنه ظاهر في الإطلاق ودال على الأولوية التامة. ومنها: ما نقله عن ابن عباس وعطا، فإنه صريح في دلالة الآية على ما ذكرنا، والمنكر مكابر. ومنها: قول القسطلاني بعد ذلك معللا كلام ابن عباس وعطا... ومنها: تفسيره الحديث بقوله: أي أحقهم في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة. * وقال القسطلاني بشرح الحديث في كتاب الاستقراض: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا وأنا - بالواو، ولأبي الوقت: إلا أنا - أولى - أحق - الناس به - في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة - إقرأوا إن شئتم قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)*. قال بعض الكبراء: إنما كان عليه الصلاة والسلام أولى بهم من أنفسهم، لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة. قال ابن عطية: ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: أنا آخذكم بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها. ويترتب على كونه أولى بهم من أنفسهم: أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وإن شق ذلك عليهم، وأن يحبوه أكثر من محبتهم لأنفسهم، ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده. الحديث.

ص 333

واستنبط بعضهم من الآية: أن له عليه الصلاة والسلام أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج عليه الصلاة والسلام إليهما، وعلى صاحبهما البذل، ويفدي بمهجته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لو قصده عليه الصلاة والسلام ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه. ولم يذكر عليه الصلاة والسلام - عند نزول هذه الآية - ما له في ذلك من الحظ، وإنما ذكر ما هو عليه فقال: فأيما مؤمن مات وترك مالا - أي حقا، وذكر المال خرج مخرج الغالب، فإن الحقوق تورث كالمال - فليرثه عصبته من كانوا - عبر بمن الموصولة ليعم أنواع العصبة. والذي عليه أكثر الفرضيين أنهم ثلاثة أقسام: عصبة بنفسه، وهو ممن له ولاء، وكل ذكر نسيب يدلي إلى الميت بلا واسطة أو بتوسط محض الذكور، وعصبة بغيره، وهو كل ذات نصف معها ذكر يعصبها، وعصبة مع غيره، وهو أخت فأكثر لغير أم معها بنت أو بنت ابن فأكثر - ومن ترك دينا أو ضياعا - بفتح الضاد المعجمة، مصدر أطلق على الاسم الفاعل للمبالغة، كالعدل والصوم، وجوز ابن الأثير الكسر على أنها جمع ضائع كجياع في جمع جائع، وأنكره الخطابي، أي: من ترك عيالا محتاجين - فليأتي فأنا مولاه - أي: وليه، أتولى أموره، فإن ترك دينا وفيته عنه، أو عيالا فأنا كافلهم، وإلي ملجؤهم ومأواهم (1). * وقال القسطلاني بشرح الحديث في كتاب الفرائض: حدثنا عبدان - هو: عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي - قال: أخبرنا... عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه

(هامش)

(1) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 4 / 221. (*)

ص 334

قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. أي: أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها... (1). * وقال المناوي: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم - في كل شيء، لأني الخليفة الأكبر الممد لكل موجود، فحكمي عليهم أنفذ من حكمهم على أنفسهم. وذا قاله لما نزلت الآية - فمن توفي - بالبناء للمجهول أو مات - من المؤمنين فترك عليه - دينا - بفتح الدال - فعلي - قضاؤه مما يفي الله به من غنيمة وصدقة، وذا ناسخ لتركه الصلاة على من مات وعليه دين - ومن ترك مالا - يعني حقا فذكر المال غالبي - فهو لورثته. وفي رواية البخاري: فليرثه عصبته من كانوا. فرد على الورثة المنافع وتحمل المضار والتبعات. حم ق ن ة. عن أبي هريرة (2). * وقال العزيزي: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه - كما قال الله تعالى *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)*. قال البيضاوي: أي في الأمور كلها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى عنهم إلا بما فيه صلاحهم، بخلاف النفس، فيجب أن يكون أحب إليهم من أنفسهم. فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا احتاج إلى طعام أو غيره وجب على صاحبه المحتاج إليه بذله له صلى الله عليه وسلم، وجاز له صلى الله عليه وسلم أخذه، وهذا وإن كان جائزا، لم يقع - من ترك مالا فلأهله - أي: لورثته - ومن ترك دينا أو ضياعا - بفتح الضاد المعجمة، أي: عيالا وأطفالا ذوي ضياع، فأوقع المصدر موقع الاسم - فإلي وعلي - أي -

(هامش)

(1) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 9 / 426. (2) التيسير في شرح الجامع الصغير 1 / 184. (*)

ص 335

فأمر كفاية عياله إلي، وفاء دينه علي. وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي على من مات وعليه دين ولم يخلف له وفاء، لئلا يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء، فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، ثم نسخ بما ذكر وصار واجبا عليه، صلى الله عليه وسلم. واختلف أصحابنا هل هو من الخصائص أم لا؟ فقال بعضهم: كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم الإمام أن يقضيه من بيت المال. وقال بعضهم: ليس من خصائصه، بل يلزم كل إمام أن يقضي من بيت المال دين من مات وعليه دين إذا لم يخلف وفاء وكان في بيت المال سعة ولم يكن هناك أهم منه. واعتمد الرملي الأول وفاقا لابن الحري. وأنا ولي المؤمنين. أي: متولي أمورهم. فكان صلى الله عليه وسلم يباح له أن يزوج ما شاء من النساء ممن يشاء من غيره ومن نفسه، وإن لم يأذن كل من الولي والمرأة، وأن يتولى الطرفين بلا إذن. حم ق ن ة (1). * وأورد السيوطي الأحاديث الدالة على أولويته بالتصرف بذيل الآية المباركة قال: قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)*: أخرج البخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، إقرأوا إن شئتم *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)*. فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو

(هامش)

(1) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 1 / 214. (*)

ص 336

ضياعا فليأتني فأنا مولاه. وأخرج الطيالسي، وابن مردويه: عن أبي هريرة قال: كان المؤمن إذا توفي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي به النبي سأل: هل عليه دين؟ فإن قالوا: نعم، قال: هل ترك وفاء لدينه؟ فإن قالوا: نعم، صلى عليه، وإن قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك دينا فإلي ومن ترك مالا فللوارث. وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن مردويه: عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فأيما رجل مات وترك دينا فإلي، ومن ترك مالا فهو لورثته. وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي: عن بريدة - رضي الله عنه - قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليا فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير وقال: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه (1). ومن هنا يظهر لك: إن جملة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه هي بالمعنى المراد من قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* وإلا لما أورد السيوطي هذا الحديث في هذا المقام. وعلى الجملة، فإن الآية المباركة بمعنى الأولوية بالتصرف في كتب

(هامش)

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6 / 566 - 567. (*)

ص 337

الفقه والحديث والتفسير، فكيف ينفي (الدهلوي) ذلك ويقول أن لا مناسبة بين هذا المعنى والآية المباركة؟! وليت (الدهلوي) تبع في المقام شيخه الكابلي، الذي لم يمنع من حمل ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم على: الأولوية بالتصرف: * قال الكابلي في (الصواقع) في الجواب عن حديث الغدير: إن المراد بالمولى: المحب والصديق. وأما فاتحته فلا تدل على أن المراد به الإمام، لأنه إنما صدره بها ليكون ما يلقى إلى السامعين أثبت في قلوبهم (1). بل تظهر غرابة إنكار (الدهلوي) ذلك من كلام ابن تيمية الشهير بشدة التعصب ضد أهل البيت: * قال ابن تيمية: والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: من كنت واليه فعلي واليه وإنما اللفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من الطرفين، فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم، وأما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلا من طرفه صلى الله عليه وسلم، وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته. ولو قدر أنه نص على خليفة بعده لم يكن ذلك موجبا أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لا تكون أزواجه أمهاتهم، ولو أريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه، وهذا لم يقله ولم ينقله أحد، ومعناه باطل (2). فإن هذا الكلام واضح الدلالة على كون أولويته صلى الله عليه وآله وسلم

(هامش)

(1) الصواقع الموبقة - مخطوط. (2) منهاج السنة 7 / 324 الطبعة الحديثة. (*)

ص 338

- المستفادة من الآية الكريمة - من الخصائص النبوية، إذ لو كان المراد من الأولوية هو الأحبية لما كانت من الخصائص، لأنهم يثبتون الأحبية للخلفاء فمن دونهم ولو بالترتيب. إذن، ليست الأولوية بمعنى الأحبية بل هي عند ابن تيمية مقام عظيم ومنزلة رفيعة يختص بها النبي الكريم، والسبب في ذلك ظاهر للمتأمل، إذ الأولوية بالمؤمنين من أنفسهم تقتضي العصمة، فلا تنال غير المعصوم، فلهذا كانت مختصة بالنبي عند ابن تيمية. إلا أن العصمة لما ثبتت للأئمة الأطهار بالأدلة من الكتاب والسنة - كما فصل في كتب أصحابنا - فهذه المرتبة ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام، بل إن كلام ابن تيمية - في الحقيقة - دليل عصمة الإمام عليه السلام، لما تقدم ويأتي من الوجوه الدالة على أولويته من كل مؤمن بنفسه، فتثبت عصمته كذلك بلا ريب. * وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي (1) في (اللمعات في شرح المشكاة): قوله: فقال بعد أن جمع الصحابة: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وفي بعض الروايات: كرره للمسلمين، وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف، يريد به قوله تعالى: *(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)* أي: في الأمور كلها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم،

(هامش)

(1) المتوفى سنة 1052، محدث الهند الكبير، صاحب المؤلفات النافعة كالشرح على مشكاة المصابيح، ترجمته في: أبجد العلوم، سبحة المرجان، نزهة الخواطر، وغيرها. (*)

ص 339

وأمره أنفذ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها. روي: أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك، فأمر الناس بالخروج، فقال ناس: نستأذن آباءنا وأمهاتنا. فنزلت. وقرئ: وهو أب لهم، أي: في الدين، فإن كل نبي أب لأمته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبدية، ولذلك صار المؤمنون إخوة. كذا في تفسير البيضاوي. وقوله: إني أولى بكل مؤمن من نفسه، تأكيد وتقرير، يفيد كونه أولى بكل واحد من المؤمنين، كما أن الأول يفيد بالنسبة إليهم جميعا . أقول: وتلخص على ضوء الكلمات المذكورة بشرح الكتاب والسنة: أن المراد من الحديث: هو أولى الناس بكم بعدي أن أمير المؤمنين عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم في جميع أمور الدنيا والدين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها، كما هو الحال بالنسبة إلى أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونواهيه، فهذا هو مقتضى التأمل في الآية المباركة والحديث الصحيح من طرقهم، ثم التأمل في لفظ حديث الولاية. ثم إن الوجه في الأولوية هو أن النبي أو الوصي، لا يأمر الناس ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف أنفسهم...

ص 340

*(24)* فهم بريدة الإمامة من كلام النبي فلذا تخلف عن بيعة أبي بكر ولقد فهم بريدة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقع في رجل إنه لأولى الناس بكم بعدي أن الإمام من بعده هو علي عليه السلام، فلذا كان بريدة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر: قال في (روضة الصفا) ما حاصله معربا: وذكر صاحب الغنية عن بعضهم أنه كان بيد بريدة بن الحصيب الأسلمي راية، فدخل المدينة ونصبها على باب علي، فلما علم عمر بن الخطاب بذلك خاطبه بقوله: قد بايع الناس كلهم أبا بكر فلم تخالف؟ فقال بريدة: إنا لا نبايع إلا صاحب هذا البيت، فاجتمع الأصحاب عنده وسألوه عما يدعوه إلى أن يقول مثل هذه الأقوال، فذكر لهم قصة إرسال النبي إياه وخالد بن الوليد مع علي بن أبي طالب في سرية إلى اليمن، قال: فوالله لم يكن شيء في هذا السفر أبغض إلي من قرب علي، ولا شيء أحب إلي من فراقه، فلما قدمنا على رسول الله قال: كيف وجدتم صاحبكم؟ فشكوته لما كنت أجده عليه في قلبي، فتغير وجه رسول الله وقال: يا بريدة لا تقع في رجل إنه لأولى الناس بكم بعدي . وقد عرفت في قسم السند صدور حديث الولاية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جواب بريدة لما شكى عليا عليه السلام. فهذا الحديث دليل قطعي - عند بريدة أيضا - على إمامة علي عليه السلام.

ص 341 ا

لتعريف بكتاب (روضة الصفا) وأن مؤلفه من أهل السنة

 ثم لا يخفى أن كتاب (روضة الصفا) من التواريخ المعتمدة عند القوم، ومؤلفه من أهل السنة، ومصادره كتب سنية معتبرة عندهم. أما (الدهلوي) نفسه، فقد اعتمد عليه في بحوثه، وذكره في عداد بعض التواريخ الأخرى (1)... ومن المعلوم أن أحدا من المتعصبين فضلا عن المنصفين لم يتفوه بكون هذا الكتاب من التواريخ المعتبرة الشيعية، فلا بد وأن يكون من كتب العامة. وقال كاشف الظنون: روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفا. فارسي، لمير خواند المؤرخ محمد بن خاوند شاه بن محمود المتوفى سنة 903، ذكر في ديباجته: إن جمعا من إخوانه التمسوا تأليف كتاب منقح محتو على معظم وقائع الأنبياء والملوك والخلفاء، ثم دخل صحبته الوزير مير علي شير، وأشار إليه أيضا، فباشره مشتملا على مقدمة وسبعة أقسام وخاتمة، على أن كل قسم يستعد أن يكون كتابا مستقلا، حال كونه ساكنا بخانقاه الخلاصية التي أنشأها الأمير المذكور بهراة على نهر الجبل. المقدمة في علم التاريخ. القسم الأول في أول المخلوقات وقصص الأنبياء وملوك العجم وأحوال الحكماء اليونانية في ذيل ذكر اسكندر. والثاني في أحوال سيد الأنبياء وسيره وخلفائه الراشدين.

(هامش)

(1) التحفة الاثنا عشرية - باب المطاعن: 265. (*)

ص 342

والثالث في أحوال الأئمة الاثني عشر، وفي أحوال بني أمية والعباسية. والرابع في الملوك المعاصرين لبني العباس. والخامس في ظهور جنكيز خان وأحواله وأولاده. والسادس في ظهور تيمور وأحواله وأولاده. والسابع في أحوال سلطان حسين بايقرا. والخاتمة في حكايات متفرقة وحالات مخصوصة لموجودات الربع المسكون وعجائبها (1). فالكتاب منقح محتو على معظم الوقائع... كما وصفه مؤلفه وأقره كاشف الظنون، ثم إنه وصف الخلفاء ب‍ الراشدين والشيعي لا يصفهم بذلك كما هو معلوم. ومن خطبة الكتاب أيضا يظهر تسنن مؤلفه واعتبار كتابه: فقد ذكر حبه لعلم التاريخ واطلاعه على قضايا الأمم والملوك وشغفه بمطالعة الكتب التاريخية، ثم إنه وصل إلى خدمة نظام الدين أمير علي شاه ووصفه بمدائح عظيمة ومناقب فخيمة، وأنه قد أشار عليه بتأليف كتاب في التاريخ، مشتمل على حالات الأنبياء والمرسلين والخلفاء والسلاطين وغير ذلك من وقائع وقضايا الأعيان والأكابر في الآفاق. قال: فنزلت على رغبته بعد الاستخارة، وألفت هذا الكتاب فذكرت فيه الحقائق دون المجازات، وجعلته خاليا عن وصمة السرقة بعيدا عن عيب الإبهام والإغلاق، وافيا بمطلوب ذاك المؤيد بالتأييدات السبحانية والمقرب

(هامش)

(1) كشف الظنون 1 / 926 - 927. (*)

ص 343

للحضرة السلطانية... وسميته ب‍ (روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفا)... إلى أن قال: إنه لا يخفى على ذي الخبرة والذكاء أن لعلم التاريخ فوائد كثيرة، ولا بد من الإشارة إلى بعضها بحكم: ما لا يدرك كله لا يترك كله، كي يزداد أصحاب الفهم والدراية رغبة في مطالعة هذا الفن الشريف. فإنه العلم الوحيد الذي يفيد الإطلاع على ما لا يمكن للإنسان الاطلاع عليه بالمشاهدة والحس والعيان، وليس غيره من العلوم متكفلا لهذا الأمر. وإنه العلم الذي يزيل الملل والكآبة والسأم عن قلب الإنسان. وإنه مع كثرة فوائده سهل التناول، ولا مشقة زائدة في استحصاله. وإنه علم يقف الممارس له على الصدق والحق فيأخذ به، والكذب والباطل فيتركه. وإنه علم يزيد الإنسان عقلا وتجربة وعبرة وعظة في الحياة، فإن السعيد من وعظ بغيره. وإنه العلم الذي يورث الصبر والرضا والاستقامة في مقابل الحوادث الواقعة، ويوجب الأمل بالنجاح والظفر في الشدائد والمشاق والبلايا. وإنه العلم الذي يزيد المؤمن إيمانا بالقدرة الإلهية القاهرة وأنه سبحانه مالك الملوك... ويصدق قوله سبحانه: *(وتلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)*. فإن اعترض الجاهل بأن أكثر التواريخ مفتريات وموضوعات وأساطير وقد اختلط فيها الكذب بالصدق والغث بالسمين، فلا تؤثر ولا تفيد تلك الفوائد.

ص 344

قلنا: ليس الأمر كذلك، فإن أئمة السلف وأكابر الخلف في هذا الفن قد وضعوه على أساس الصحة والصدق، إذ من المستحيل أن يكون ديدن أولئك الأعلام الأخيار الافتراء والكذب بنقل المفتريات والموضوعات، ولا ريب في صحة ما وصل إلينا متواترا عن طريقهم... ولو أن مفتريا نسب إليهم ما لم يقولوه فإن نقدة هذا العلم يردون عليه ويرمون كتابه بسهام الطعن والقدح ويشهرون حاله لئلا يغتر به أحد. ثم قال: ذكر الشرائط التي لا بد منها في تدوين هذا العلم، إذ لا يخفى أن التدوين والتأليف أمر خطير جدا، لا سيما في علم التاريخ، فإن نسخ هذا الكتاب تصل إلى الأكابر من السلاطين والأمراء والعلماء والفضلاء في مختلف الأقطار والأطراف، والمؤلف - بمقتضى: من صنف فقد استهدف - يلام على تقصيره في أقل شيء، فلا بد من الالتزام في التأليف فيه بالشروط التي سنذكرها: منها: أن يكون المؤلف سالم العقيدة، فإن بعض المنحرفين كالغلاة من الخوارج والروافض، قد وضعوا قصصا رديئة ونسبوها إلى الصحابة والتابعين، وأوردوا في كتبهم أباطيل خدعوا بها عوام الناس ومن لم يكن له اطلاع على واقع حالهم، فظن أن رواياتهم من مشكاة النبوة مقتبسة ومن مصباح الرسالة ملتمسة، فوقعوا في التيه والضلالة. ومنها: أن يكتب حقائق الوقائع والأحوال، فلو أراد الكتابة عن أحد فلا يكتفي بذكر فضائله وأعماله الحسنة، بل عليه أن يذكر ما يكون له من الرذائل والقبائح أيضا، ولو لم يتمكن من ذكر هذه بالصراحة فليذكرها بالإيماء والإشارة، والعاقل يكفيه الإشارة.

ص 345

ومنها: أن يتجنب في المدح والذم عن الإفراط والتفريط. ومنها: أن يحترز من الكلمات الركيكة والألفاظ الدنيئة، ويورد التلويحات الظريفة والتصريحات اللطيفة بعبارات سهلة وأساليب جزلة... وهذا لا يختص بعلم التاريخ بل يجب الالتزام به في كل علم. ومنها: أن يكون أمينا في النقل، كي يطمئن إلى ما نقله أصحاب الفضيلة والكمال، ولا يبيع دينه بدنيا غيره، ولا يغير ولا يبدل ولا يحرف، فيكون كتابه مصونا عن الكذب والبهتان والإفتراء، ويبقى موردا للاعتماد حتى آخر الزمان. ألا ترى كيف بقيت الكتب التي ألفها المؤرخون الأثبات من العرب والعجم في سوالف الأزمان، ولا زالت موضع النقل والاعتماد والإذعان، فمن العرب: الإمام محمد بن إسحاق، وهو أول من صنف في المغازي في الإسلام. والإمام وهب بن منبه. والإمام الواقدي، والأصمعي، ومحمد بن جرير الطبري، وأبو عبد الله بن مسلم بن قتيبة - صاحب جامع المعارف - ومحمد بن علي بن الأعثم الكوفي صاحب الفتوح، و... و... و... ومن المؤرخين العجم: حسن بن محمد بن علي الفردوسي الطوسي. أبو الحسن علي بن شمس الإسلام البيهقي. أبو الحسين محمد بن سليمان صاحب تاريخ خسرو. و... و... و...

ص 346

عليهم الرحمة والرضوان، وعلى غيرهم من طوائف المؤرخين... وهؤلاء هم المرجوع إليهم، وكلماتهم هي المعول عليها... وإن كتابنا منتخب من تلك الكتب المعتبرة وأمثالها... . *(25)* فهم بريدة أحبية علي من غيره عند الله ورسوله أخرج أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الجليل قال: انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابن بريدة، فقال عبد الله بن بريدة: حدثني أبي بريدة قال: أبغضت عليا بغضا لم يبغضه أحد قط، قال: وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا، قال: فبعث ذاك الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا، قال: فأصبنا سبيا، قال: فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعث إلينا من يخمسه، قال: فبعث إلينا عليا - وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي - فخمس وقسم وخرج ورأسه مغطى، فقلنا: يا أبا الحسن، ما هذا؟ قال: أما ترى إلى الوصيفة التي كانت في السبي، فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل علي، ووقعت بها. قال: وكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: ابعثني، فبعثني مصدقا، قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق. قال: فأمسك يدي والكتاب وقال: أتبغض عليا؟

ص 347

قال: قلت: نعم. قال: فلا تبغضه. وإن كنت تحبه فازدد له حبا، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة. قال: فما كان من الناس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي. قال عبد الله: فوالذي لا إله غيره، ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة (1). ورواه ابن كثير الدمشقي في تاريخه عن أحمد باللفظ المذكور ثم قال: تفرد به أحمد. وقد روى غير واحد هذا الحديث عن أبي الجواب، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء بن عازب، نحو رواية بريدة. وهو غريب جدا. وقد رواه الترمذي عن عبد الله بن أبي زياد، عن أبي الجواب الأحوص ابن جواب به وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان (2). ورواه المحب الطبري قال: وعن بريدة - رضي الله عنه -: إنه كان يبغض عليا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتبغض عليا؟ قال: نعم. قال: لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حبا. قال: فما كان أحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي. وفي رواية: إنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقع في علي فإنه

(هامش)

(1) مسند أحمد 5 / 350 - 351. (2) البداية والنهاية 7 / 345. (*)

ص 348

مني وأنا منه وهو وليكم بعدي. أخرجه أحمد (1). وقال محمد بن عبد الرسول البرزنجي (2): وفي رواية ابن معين: يا بريدة، لا تقع في علي، فإن عليا مني وأنا منه، فرجع بريدة عن ذلك وصار محبا لعلي رضي الله عنه. فقد روى البيهقي في كتاب الاعتقاد عن بريدة: إنه شكى عليا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتبغض عليا يا بريدة؟ فقلت: نعم فقال: لا تبغضه وازدد له حبا. قال بريدة: فما كان من الناس أحد أحب إلي من علي بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (3). أقول: في هذا الخبر الذي أخرجه أحمد، وابن معين، والبيهقي، وغيرهم: إن بريدة بعد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له ذلك: ما كان من الناس أحد أحب إليه من علي ، بل كان هو عليه السلام أحب الناس إليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعنى ذلك: كونه أفضل الناس، قال اللاهوري في (شرح تهذيب الكلام) في أفضلية أبي بكر: وبقوله صلى الله عليه وسلم: والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين

(هامش)

(1) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 68. (2) المتوفى سنة 1103، له مؤلفات في التفسير والحديث والكلام. سلك الدرر في أعيان القرن الحادي عشر: 4 / 65. (3) نواقض الروافض - مخطوط. وانظر الاعتقاد للبيهقي: 204. (*)

ص 349

والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر. ومثل هذا الكلام لبيان الأفضلية، إذ الغالب من حال كل اثنين هو التفاضل دون التساوي، فإذا نفى أفضلية أحدهما ثبت أفضلية الآخر (1). وقال (الدهلوي) بترجمة مسلم بن الحجاج من كتابه (بستان المحدثين): ... ولهذا فضل الحافظ أبو علي النيسابوري صحيحه على سائر التصانيف في هذا العلم، وكان يقول: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم . وأخرج الحاكم: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن، أنبأ علي بن عبد العزيز، ثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا يحيى بن هاشم بن البريد، ثنا عبد الجبار بن العباس الشامي، عن عوف بن أبي جحيفة السوائي، عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف، فطفنا طريقا من طرق المدينة حتى أنخنا بالباب، وما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه منه، فدخلنا وسلمنا وبايعنا، فما خرجنا من عنده حتى ما في الناس رجل أحب إلينا من رجل خرجنا من عنده... (2). فمن المقطوع به أن مراد الرجل من قوله: ما في الناس رجل أحب إلينا

(هامش)

(1) لكن ما ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موضوع، فقد نص الحافظ الهيثمي على أن راويه كذاب. انظر مجمع الزوائد 9 / 44. (2) المستدرك على الصحيحين 1 / 67 - 68. (*)

ص 350

من رجل خرجنا من عنده هو أحبية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليه. فكذلك في قول بريدة المروي آنفا. وثبوت الأحبية للإمام عليه السلام مثبت للأفضلية له... كما فصلناه وأوضحناه في (حديث الطير)... والأفضلية تثبت إمامته عليه السلام وبطلان خلافة من تقدم عليه. وإذا كان حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بريدة بأن يزدد حبا للأمير عليه السلام دليلا على أحبيته، فإن لفظ وليكم بعدي - لو فرض عدم دلالته على الإمامة والأمارة - دليل على الأحبية بالضرورة، وهو كاف شاف، قامع لاس شبهات أهل الجزاف. *(26)* تصريح بريدة بأفضلية علي بعد كلام النبي وفي بعض ألفاظ الخبر عن بريدة - بعد قول النبي: لا تبغضه... - قوله: فما كان أحد بعد رسول الله أفضل من علي بدل قوله: ... أحب من علي... وهذا نص فيما استفدناه: قال النسائي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال: أخبرنا النضر ابن شميل قال: أخبرنا عبد الجليل، بن عطية قال: حدثنا عبد الله بن بريدة قال: حدثني أبي قال: لم يكن أحد من الناس أبغض إلي من علي بن أبي طالب، حتى أحببت رجلا من قريش، لا أحبه إلا على بغض علي، فبعث ذلك الرجل على خيل، فصحبته وما صحبته إلا على بغض علي، فأصاب سبيا، فكتب إلى النبي

ص 351

صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا من يخمسه، فبعث إلينا عليا - وفي السبي وصيفة من أفضل السبي - فلما خمسه صارت الوصيفة في الخمس، ثم خمس فصارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خمس فصارت في آل علي، فأتانا ورأسه يقطر، فقلنا: ما هذا؟ فقال: ألم تروا الوصيفة صارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل علي، فوقعت عليها. فكتب، وبعثني مصدقا لكتابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومصدقا لما قال علي، فجعلت أقول عليه ويقول عليه ويقول: صدق؟ وأقول ويقول: صدق. فأمسك بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتبغض عليا؟ قلت: نعم. فقال: لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حبا، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة. فما كان أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي رضي الله عنه. قال عبد الله بن بريدة: والله ما في الحديث بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي (1).

(هامش)

(1) خصائص أمير المؤمنين: 115. (*)

ص 352

أقول: ومن الواضح جدا: أن الأفضلية مثبتة للخلافة بلا فصل. وإذا كان قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا دالا على الأفضلية، كان لفظ الولي في: إنه وليكم بعدي - لو لم يكن دالا على الأولوية بالتصرف - دالا على الأفضلية، وهي مثبتة للخلافة بلا فصل، فيثبت المطلوب، وتسقط تأويلات المرتابين وتشكيكات الجاحدين، والحمد لله رب العالمين. هذا، ولا يخفى صحة سند هذا الحديث، وذلك لأن: ابن راهويه، إمام من كبار أئمة القوم. والنضر بن شميل، كذلك. وكذا عبد الجليل. وقد ترجمنا لهم في الكتاب. *(27)* خطبة النبي بعد نزول: *(إنما وليكم الله ورسوله...)* وروى السيد شهاب الدين أحمد - بعد ذكر حديث الغدير - خطبة تدل على المطلوب من جهات عديدة. قال: ولصدر هذه القصة خطبة بليغة باعثة على خطبة موالاتهم، فات عني إسنادها، وهي هذه الخطبة التي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب