ص 253
قوله: فلا يصلح خبره للاحتجاج وقوله: فلا يحتج بحديثه . هذا، مع ثبوت أنه
ليس إلا في بعض أسانيد الحديث كما عرفت، فلا تأثير لتضعيف الأجلح في حال الحديث.
وعرفت أيضا: فساد احتمال نقله بالمعنى حسب عقيدته... ولعله لوضوح فساده أعرض
(الدهلوي) عن إبدائه. وعرفت أيضا: بطلان دعوى كونه من الأخبار الآحاد... وأما أن
الولي من الألفاظ المشتركة فسيأتي الجواب عنه بالتفصيل. وأما قوله: لا يقاوم ما
تقدمه من النصوص... فهو مما تضحك منه الثكلى، فإن أكابر القوم يسلمون بعدم وجود
نص على خلافة المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام. على أن جميع ما أورده في
الباب من الكتاب والسنة منتحل عنه في (التحفة) وما هو إلا بعض آيات يدعون تأويلها
بأقوال بعض مفسريهم، وأحاديث موضوعة يعترف بوضعها أكابر محدثيهم، كحديث: اقتدوا
باللذين من بعدي... الذي هو من عمدتها، ومخرج من كتب الحديث أشهرها... على أن
الاحتجاج بما انفردوا بروايته، ومعارضة حديث الولاية ونحوه من الأحاديث المتفق
عليها به، مخالفة لقواعد المناظرة وآداب البحث. وعلى الجملة، فإن جميع مستندات
الكابلي في الجواب عن حديث الولاية كلها مردودة: فالمناقشة في سنده من أجل الأجلح،
مردودة بوجهين: أحدهما: عدم الدليل على ضعف الأجلح، بل هو ثقة.
ص 254
والثاني: عدم وجود الأجلح في جميع طرق الحديث. واحتمال أنه رواه بالمعنى، مردود
بعدم الدليل. والمناقشة في الدلالة من جهة اشتراك لفظ الولي مردودة، وكذا دعوى
كونه من أخبار الآحاد. ودعوى المعارضة بما رووه في إمامة غيره - بل تقدم تلك على
حديث الولاية - فبطلانها أوضح من سائر الدعاوى والمناقشات.
ص 255
تحريف السهارنفوري تبعا لصاحب المشكاة

وقد اقتفى حسام الدين السهارنفوري إثر صاحب
المشكاة في تحريف الحديث، بإسقاط لفظ بعدي ، وفي عزوه هذا اللفظ المحرف إلى
الترمذي. قال في كتاب (مرافض الروافض): عن عمران بن حصين: إن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن. رواه الترمذي . ثم إن
السهارنفوري لدى ترجمة هذا الحديث إلى الفارسية، ترجم لفظة الولي فيه بلفظ
الناصر و المحبوب . وبذلك يظهر أن لهذا الرجل في الحديث تحريفين: الأول: تحريف
اللفظ، بإسقاط لفظة بعدي . والثاني: تحريف المعنى، بحمل لفظة الولي فيه على
معنى الناصر و المحبوب . ثم إنه ارتكب الكذب بنسبته اللفظ المحرف إلى
الترمذي.
ص 256
حكم البدخشي بوضع لفظة بعدي ! ومحمد بن رستم معتمد خان البدخشي... لم يكتف
بالحذف والإسقاط، بل نص على أن كلمة بعدي في هذا الحديث من الموضوعات!! فقد قال
في رسالته المسماة (رد البدعة) في ذكر الأحاديث التي يتمسك بها الإمامية: الثالث:
حديث عمران بن حصين: إن رسول الله عليه السلام، قال: إن عليا مني وأنا منه وهو ولي
كل مؤمن. والجواب: لفظ الولي هنا بمعنى المحب . ولفظ بعدي في آخر الحديث
من الموضوعات. وإن صح فمن أين الحكم بأن المراد من بعدي أي: الوفاة . أقول:
وهذا من غرائب الأمور وطرائف الدهور! ويكفي في رده والكشف عن واقع حاله وحقيقة
أمره، أن تنظر نظرة واحدة في مؤلفاته هو: (نزل الأبرار) و(مفتاح النجا) و(تحفة
المحبين)، لترى نصوص الحديث المشتملة على لفظ بعدي منقولة فيها عن أهم كتب
القوم... وقد أوردنا طرفا من تلك النصوص عن تلك الكتب، حيث ذكرنا روايته في قسم
السند...
ص 257
ومن ذلك: قوله في الفصل الثاني من الباب الرابع من الأصل الثالث المعقود للأحاديث
الحسان، قال ما نصه: لا تقع يا بريدة في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.
أحمد عن بريدة. وفي سنده الأجلح بن عبد الله أبو حجية الكندي، شيعي، لكن وثقه يحيى
ابن معين وحسنوا حديثه . ولكن يزول العجب عن كل ذلك، إذا ما علمنا أن البدخشي ينسب
القدح في حديث الغدير إلى أبي داود والمحققين، مع أنه في (نزل الأبرار) يشنع على
القادح في حديث الغدير. وأيضا يحصر روايته - لفرط ديانته! - في أحمد والترمذي، مع
أن بطلان هذا الحصر ظاهر من كلماته هو في (مفتاح النجا) و(نزل الأبرار) فهو متناقض
في غير مورد.
ص 258
تحريفات ولي الله الدهلوي

والأعجب الأغرب من الكل: صنيع ولي الله الدهلوي!! فإنه
وضع لفظة أنا بدل إنه وحذف لفظة بعدي . وهذا ما صنعه في (إزالة الخفا)
لدى الجواب عن حديث الغدير حيث قال بعد إخراج رواية الحاكم عن بريدة الأسلمي:
أخرج الحاكم والترمذي نحوه عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فمضي علي في السرية، فأصاب
جارية، فأنكروا ذلك عليه، فتعاقد عليه أربعة من أصحاب رسول الله إذا لقينا النبي
أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدأوا برسول الله
صلى الله عليه وسلم، فنظروا إليه وسلموا عليه، ثم يتطرقون إلى رحالهم. فلما قدمت
السرية سلموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال يا رسول الله: ألم تر أن عليا
صنع كذا، فأعرض عنه، ثم قام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل
ذلك فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله، ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا.
فأقبل عليه رسول الله والغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه
وأنا ولي كل مؤمن .
ص 259
مع أنه روى في نفس هذا الكتاب حديث ابن عباس، المشتمل على عشرة مناقب خاصة للإمام
عليه السلام منها حديث الولاية. وروى في كتابه (قرة العينين) حديث الولاية عن
الترمذي والحاكم على ما هو عليه، بلا تحريف وتصرف! لكن الأفظع حكمه في (قرة
العينين) ببطلان حديث الولاية، حيث قال بجواب حديث الغدير: وأما: وهو الخليفة
بعدي. وهو وليكم بعدي. وأمثالهما، فزيادة منكرة موضوعة من تصرفات الشيعة !!
ص 260
خلاصة الفصل

أن بعضهم تجرأ فحكم ببطلان الحديث من أصله، لكنه قول شاذ احترز عن
التفوه به المتعصبون منهم، لكونه في الحقيقة طعن في صحاحهم وتكذيب لكبار أئمتهم...
ولكن لا يريدون الاعتراف بصحته! فاضطر قوم إلى القول بضعفه بدعوى وجود الأجلح في
سنده... لكن الأجلح ليس بضعيف ولا هو منفرد به، فللحديث طرق رجاله موثقون منصوص على
صحته، كالذي في (الاستيعاب) للحافظ ابن عبد البر... فوقعوا في حيص بيص... وجعلوا
يتلاعبون بلفظه... بحذف كلمة أو كلمتين أو أكثر، وتبديل كلمة بأخرى... وكأنهم
غافلون عن أن الكتب الأصلية المعتبرة من الصحاح والمسانيد، الناقلة للحديث
بالأسانيد الصحيحة والألفاظ الكاملة... موجودة بين أيدي الناس، ومراجعة واحدة إلى
واحد منها تكفي لكشف التخديع ورفع الإلتباس... فما كان نتيجة ما جاء به ابن تيمية
وابن حجر ومن تبعهما، وما ارتكبته يد التحريف من البغوي والخطيب التبريزي ومن
شاكلهما... إلا الإعلان عما تكنه صدورهم وتخفيه سرائرهم، من الحقد والشنآن بالنسبة
إلى أمير المؤمنين وأهل بيته عليهم السلام... وعلى هذا، فاللازم على رجال التحقيق
المنصفين الأخذ بعين الاعتبار بكل حديث يرويه هكذا أناس في فضل أئمة العترة
الطاهرة، لأنه
ص 261
يكون من الحق الذي يجريه الله سبحانه على لسان المعاندين له، ثم التوقف عن قبول كل
تصرف منهم في ألفاظ السنة النبوية وأخبار الحقائق الراهنة، وعن قبول كل رأي منهم
يتنافى ومداليل تلك الأحاديث والأخبار... والله ولي التوفيق. هذا تمام الكلام على
سند (حديث الولاية) ومتنه. أما السند، فقد عرفت أنه من الأحاديث المقطوع بصدورها عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه من الأحاديث المتفق عليها بين المسلمين.
أما من أهل السنة فهو في غير واحد من سننهم ومسانيدهم وجوامعهم الحديثية المعتبرة،
وبأسانيد كثيرة جدا، وكثير منها صحيح بلا ريب. وأما المتن، فقد عرفت أن من تصرف فيه
فقد ارتكب إثما لا يغفر، والحديث موجود بلفظه الصحيح الصادر عن النبي في المصادر،
ولا فائدة في تحريفه، سواء كان من أصحاب الكتب أنفسهم أو من الناسخين أو غيرهم.
وعلى الجملة، فلا ينفع المتعصبين المناقشة في سند الحديث فضلا عن تكذيبه، ولا
التلاعب في لفظه وتحريفه. فلننظر في كلماتهم في دلالته... وبالله التوفيق.
ص 263
دلالة حديث الولاية

ص 265
وفي مرحلة الدلالة، فإن (الدهلوي) يناقش أولا في دلالة لفظة الولي على
الأولوية بالتصرف وهي الإمامة، لكونها من الألفاظ المشتركة. ثم إنه يقول بعدم
وجود قرينة في الحديث لدلالته على الأولوية بالتصرف بعد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم مباشرة، فليكن الحديث دالا على إمامة أمير المؤمنين في المرتبة الرابعة
وبعد عثمان. فإليك كلماته، والنظر فيها كلمة كلمة... ولربما تعرضنا في خلال البحث
إلى كلمات غيره أيضا... وبالله التوفيق.
ص 266
الولي بمعنى الأولى بالتصرف قوله: وأيضا: فإن الولي من الألفاظ
المشتركة، فأي ضرورة لأن يكون المراد هو الأولى بالتصرف؟ أقول: إنها شبهة في مقابل
الحق، ذكرها تبعا للكابلي، لكنها لا تضر بدلالة حديث الولاية على مطلوب أصحابنا
الإمامية، لكونها مندفعة بوجوه عديدة ودلائل سديدة: *(1 - 4)* كلمات ولي الله في
معنى *(إنما وليكم الله)* لقد استدل شاه ولي الله الدهلوي بقوله تعالى: *(إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة...)* في مواضع من كتابه (إزالة
الخفا في سيرة الخلفا)، وفسر لفظة الولي في الآية وترجمها بما معناه المتصرف
في الأمر و المتولي للأمر فكل ما هو الوجه في ذلك، هو الوجه في دلالة حديث
ص 267
الولاية على المعنى المذكور... وهذه عباراته معربة: * قال بعد ذكر لوازم الخلافة
الخاصة: وإن الأصل في اعتبار هذه الأوصاف نكات، أولاها: إن النفوس القدسية
للأنبياء - عليهم السلام - مخلوقة في غاية الصفاء والرفعة، فكانوا - كما اقتضت
الحكمة الإلهية - بتلك النفوس العالية الطاهرة مستوجبين لأن ينزل عليهم الوحي وتفوض
إليهم رياسة العالم. قال الله تعالى: *(الله أعلم حيث يجعل رسالته)*. ثم إن في
الأمة جماعة لهم نفوس قريبة من نفوس الأنبياء في ذلك المعنى، وهؤلاء في أصل الفطرة
والخلقة خلفاء للأنبياء بين الناس، مثالهم مثال المرآة تنعكس فيها آثار الشمس، وليس
كذلك التراب والخشب والحجر. فهذه الجماعة التي هي خلاصة الأمة مستمدة من النفس
القدسية النبوية بوجه لم يتيسر لغيرهم... فالخلافة الخاصة هي أن يكون هذا الشخص -
الذي هو رئيس المسلمين في الظاهر - في أعلى مراتب الصفاء وعلو الفطرة، فتكون
الرياسة الظاهرية جنبا إلى جنب الرياسة الباطنية، وهذه الجماعة البالغون مرتبة
خلافة الأنبياء يسمون في الشريعة بالصديقين والشهداء والصالحين. وهذا المعنى يستفاد
من الآيتين، قال الله تعالى على لسان عباده *(اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين
أنعمت عليهم)*. وقال تبارك وتعالى *(أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)*... وقوله تعالى في موضع آخر: *(يا
أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه... إنما وليكم الله...)* أيضا إشارة إلى هذا
المعنى، يعني: إن ولي عوام
ص 268
المسلمين أفاضلهم... وهذا ما ذكره عبد الله بن مسعود: أخرج أبو عمرو في خطبة
الاستيعاب عن ابن مسعود قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله
عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه وبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب
محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه صلى
الله عليه وسلم، يقاتلون عن دينه. وقد روى البيهقي مثله إلا أنه قال: فجعلهم أنصار
دينه ووزراء نبيه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحا فهو عند
الله قبيح. وكما تحقق أولوية هذه الجماعة في الخلافة، فإن اجتهاد هؤلاء أولى وأحق
من اجتهاد غيرهم. وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفات هؤلاء في كلماته
في بيان مناقبهم في تلويحات هي أبلغ من التصريح . * وذكر ولي الله الدهلوي قوله
تعالى: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...)* وترجم الولي ب كار ساز
وياري دهنده أي: متولي الأمر والناصر. ومن الواضح الجلي أن الناصر المتولي لأمور
المسلمين هو الخليفة والإمام القاهر. فبأي وجه حمل اللفظة في الآية على المعنى
المذكور، كان هو الوجه في حملها في حديث الولاية على ذاك المعنى. * وذكر ولي الله
في موضع ثالث تلك الآية المباركة وقال: أي: أيها المسلمون، لماذا تخافون من
ارتداد العرب وجموعهم المجتمعة؟ فإن متولي
ص 269
الأمر والناصر ليس إلا الله المنزل لكم الوحي والمدبر لأموركم... وسبب نزول هذه
الآية ومصداقها هو الصديق الأكبر، - وإن كان لفظها عاما، قال جابر بن عبد الله:
نزلت في عبد الله بن سلام لما هجره قومه من اليهود. وأخرج البغوي عن أبي جعفر محمد
بن علي الباقر: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)* أنزلت في المؤمنين فقيل:
أنزلت في علي، فقال: هو من المؤمنين - وليس كما يزعم الشيعة ويروون في القصة حديثا
ويجعلون *(وهم راكعون)* حالا من *(يؤتون الزكاة)*... إن هذا الوعد لم ينجز على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعدم اجتماع جمع لقتال أهل الردة في حياته، لعدم
تحقق الارتداد حينذاك... كما لم يتحقق ذلك بعد عهد الشيخين... فيكون مصداق الآية هم
الجنود المجندة للصديق الأكبر - رضي الله عنه - الذين خرجوا لمحاربة المرتدين،
ودفعوهم بعون الله في أسرع حين وبأحسن الوجوه. إن جمع الرجال ونصب القتال مع فرق
المرتدين أحد لوازم الخلافة، لأن الخلافة الراشدة رياسة الخلق في إقامة الدين وجهاد
أعداء الله وإعلاء كلمة الله... وأيضا: فقوله: *(ومن يتول الله ورسوله)* ترغيب في
تولي الخليفة الراشد، والصديق الأكبر مورد النص ودخوله تحت الآية مقطوع به، وفيها
إيماء إلى وجوب الانقياد للخليفة الراشد، وفيها دلالة على تحقق خلافة الصديق
الأكبر... وقوله: *(إنما وليكم الله)*. وإن كان عاما لفظا، لكن مورد النص هو
ص 270
الصديق الأكبر، ودخول مورد النص تحت العام قطعي، فالصديق الأكبر ولي المسلمين
ومتولي أمورهم، وهذا معنى الخلافة الراشدة... . ومجمل هذا الكلام: دلالة الآية
المباركة على الإمامة والخلافة. وبه تندفع هفوات ولده (الدهلوي) وخرافاته في منع
حمل الولاية و الولي على الأولوية بالتصرف والإمامة والرياسة العامة. وأما
دعوى نزول الآية في حق أبي بكر ودلالتها على إمامته دون أمير المؤمنين علي عليه
السلام، فيكذبها روايات أساطين أئمة القوم وأجلاء محدثيهم ومشاهير مفسريهم (1). *
وذكر شاه ولي الله في (إزالة الخفا) في المقدمة الأولى من مقدمات إثبات إمامة أبي
بكر: أن بين الخلافة الخاصة والأفضلية ملازمة. ثم ذكر وجوها عديدة في بيان هذه
الملازمة وتقريرها، قال في الوجه الأخير: وقد تقرر بأن *(إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا)* الآية بسياقها إشارة إلى أن ولاية المسلمين لا تجوز إلا لقوم يكون
*(يحبهم ويحبونه...)* من صفاتهم . فهذا ما ذكره في معنى الآية المباركة، فنعم
الوفاق! فواعجبا من (الدهلوي) كيف لم يحتفل بنص أبيه؟ وكيف لم يعتن بقول
(هامش)
(1) روى نزل الآية المباركة في أمير المؤمنين عليه السلام لتصدقه في الصلاة وهو
راكع كثير من أئمة أهل السنة في مختلف العلوم، فراجع من كتبهم: تفسير الطبري 6 /
288، تفسير الفخر الرازي 12 / 26، مجمع الزوائد 7 / 17، أسباب النزول للواحدي: 113،
تفسير ابن كثير 2 / 71، جامع الأصول 9 / 478، الكشاف 1 / 649، تفسير النسفي 1 /
289، ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 2 / 409، زاد المسير 2 / 383، فتح القدير 2
/ 53، الصواعق المحرقة: 24، أحكام القرآن للجصاص 4 / 102، الرياض النضرة 2 / 273.
(*)
ص 271
شيخه النبيه؟ هذا الإمام النبيل الذي عند (الدهلوي) آية من آيات الله ولم يوجد له
عندهم مثيل؟ *(5)* تسليم أبي شكور بدلالة الآية وحديث الغدير وأبو شكور محمد بن عبد
السعيد بن محمد الكشي السالمي أيضا يسلم في كتاب (التمهيد) (1) بدلالة الآية *(إنما
وليكم الله...)* وكذا حديث الغدير على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، بمعنى
إمامته، فهو يعترف بهذا المعنى ولا ينبس فيه ببنت شفة، فيضطر إلى تقييد إمامته عليه
السلام بما بعد عثمان... وهذه عبارته: وقالت الروافض: الإمامة منصوصة لعلي بن أبي
طالب - رضي الله عنه - بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله وصيا لنفسه، وجعله
خليفة من بعده حيث قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي، ثم هارون عليه السلام كان خليفة موسى عليه السلام، فكذلك علي رضي الله عنه.
والثاني: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله وليا للناس لما رجع من
(هامش)
(1) التمهيد في بيان التوحيد - لأبي شكور محمد بن عبد السيد بن شعيب الكشي السالمي
الحنفي، أوله: الحمد لله ذي المن والآلاء... الخ. وهو مختصر في أصول المعرفة
والتوحيد، ذكر فيه أن القول في العقل كذا، وفي الروح كذا. إلى غير ذلك، فأورد ما
يجوز كشفه من علم الكلام كشف الظنون 1 / 484. أقول: والكتاب مطبوع في كابل
أفغانستان طبعة منقوصة محرفة. (*)
ص 272
مكة ونزل في غدير خم، فأمر النبي أن يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر وصعد عليها
فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم فقال عليه السلام: من كنت مولاه
فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. والله
جل جلاله يقول: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون)* الآية. نزلت في شأن علي رضي الله عنه. دل أنه كان أولى الناس
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأجاب هذا الرجل عن هذا الاستدلال بقوله:
وأما قوله: بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله وليا. قلنا: أراد به في وقته، يعني:
بعد عثمان رضي الله عنه وفي زمن معاوية رضي الله عنه. ونحن كذا نقول. وكذا الجواب
عن قوله تعالى: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)* الآية. فنقول: إن عليا رضي
الله عنه كان وليا وأميرا بهذا الدليل في أيامه ووقته، وهو بعد عثمان رضي الله عنه،
وأما قبل ذلك فلا . أقول: إذن، لا يجد أبو شكور مجالا للتشكيك في دلالة حديث
الغدير على ولاية الأمير، ولا ريب في أن المراد من هذه الولاية هي الإمامة، وإلا لم
يكن لتقييدها بما بعد عثمان معنى. وكذلك المراد من الآية *(إنما وليكم الله...)*.
فتكون الولاية في حديث وليكم بعدي بالمعنى المذكور كذلك.
ص 273
يبقى الكلام حول تقييد الإمامة بما بعد عثمان، وهو باطل مردود بوجوه كثيرة، منها:
قول عمر لعلي عليه السلام: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (1). وما أشبه هذا
الحمل السخيف والتقييد غير السديد بتأويل أهل الكتاب نبوة نبينا صلى الله عليه وآله
وسلم، فإنهم مع اعترافهم بنبوته يقيدونها بكونها إلى العرب خاصة، قال نصر الله
الكابلي في (الصواقع): وقد اعترف اليهود والعيسوية وجم غفير من القادريين من
النصارى ومن تابعهم من نصارى إفرنج بنبوته، إلا أنهم يزعمون أنه مبعوث إلى العرب
خاصة... . وأيضا: فإن بطلان ذلك الحمل في مفاد حديث الغدير صريح كلام الشيخ يعقوب
اللاهوري (2) صاحب كتاب (الخير الجاري في شرح صحيح البخاري) فإنه قال في مبحث
الإمامة من شرحه على (تهذيب الكلام للتفتازاني): ولما تواتر من قوله - صلى الله
عليه وسلم - من كنت مولاه فعلي مولاه، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا
نبي بعدي. بيان التمسك بالحديث الأول: إنه صلى الله عليه وسلم جمع الناس يوم غدير
خم - موضع بين مكة والمدينة بالجحفة، وذلك اليوم كان بعد رجوعه عن حجة الوداع - ثم
صعد النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا مخاطبا معاشر
(هامش)
(1) رواه: ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والحسن بن سفيان، والخركوشي، وابن السمان،
والسمعاني، وابن كثير، وغيرهم من الأئمة الأعلام، فراجع كتابنا 9 / 149 - 150. (2)
هو: الشيخ الفاضل يعقوب بن محمد... أحد العلماء المبرزين... مات سنة 1197 نزهة
الخواطر 6 / 422. (*)
ص 274
المسلمين: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه،
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. وهذا الحديث أورده
علي رضي الله عنه يوم الشورى عندما حاول ذكر فضائله ولم ينكره أحد. ولفظ المولى جاء
بمعنى: المعتق الأعلى والأسفل، والحليف، والجار، وابن العم، والناصر، والأولى
بالتصرف. وصدر الحديث يدل على أن المراد هو الأخير، إذ لا احتمال لغير الناصر
والأولى بالتصرف ههنا، والأول منتف، لعدم اختصاصه ببعض دون بعض، بل يعم المؤمنين
كلهم، قال الله تعالى *(والمؤمنون بعضهم أولياء بعض)*. وبيان التمسك بالثاني: إن
لفظ المنزلة اسم جنس، وبالإضافة صار عاما بقرينة الاستثناء، كما إذا عرف باللام،
فبقي شاملا لغير المستثنى وهو النبوة. ومن جملة ما يدخل تحت ذلك اللفظ: الرياسة
والإمامة. وإلى الأول يشير قوله: لأن المراد: المتصرف في الأمر، إذ لا صحة لكون علي
معتقا أو ابن عم مثلا لجميع المخاطبين، ولا فائدة لغيره ككونه جارا أو حليفا، لأنه
ليس في بيانه فائدة، أو ناصرا لشمول النصرة جميع المؤمنين. وإلى الثاني يشير قوله:
ومنزلة هارون عامة أخرجت منه النبوة، فتعينت الخلافة. ورد: بأنه لا تواتر، بل هو
خبر واحد، ولا حصر في علي. يعني: إن غاية ما لزم من الحديث ثبوت استحقاق علي - رضي
الله عنه - للإمامة وثبوتها في المآل، لكن من أين يلزم نفي إمامة الثلاثة؟
ص 275
وهذا الجواب من المصنف. وتوضيحه: إنه لم يثبت له الولاية حالا بل مآلا، فلعله بعد
الأئمة الثلاثة. وفائدة التنصيص لاستحقاقه الإمامة الإلزام على البغاة والخوارج.
أقول: يرد عليه أنه كما كانت ولاية النبي - صلى الله عليه وسلم - عامة كما يدل عليه
كلمة من الموصولة، فكذا ولاية علي، فيجب أن يكون علي هو الولي لأبي بكر دون
العكس . أقول: فالتقييد بما بعد عثمان مردود، للوجوه المذكورة وغيرها مما سنذكره،
والمقصود الآن هو إثبات دلالة الولاية على الإمامة والخلافة . *(6)* تسليم
ابن أخ (الدهلوي) والمولوي محمد إسماعيل الدهلوي، ابن أخ (الدهلوي) (1) يسلم كذلك
بدلالة الولاية في حديث الغدير على إمامة الأمير عليه السلام، ثم يؤكد ذلك
بآية من الكتاب وحديث عن النبي في تفسيرها.
(هامش)
(1) هو: محمد إسماعيل بن عبد الغني بن أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي، قال في (نزهة
الخواطر 7 / 58): الشيخ العالم الكبير العلامة المجاهد في سبيل الله الشهيد...
أحد أفراد الدنيا في الذكاء والفطنة والشهامة وقوة النفس والصلابة في الدين... وكان
نادرة من نوادر الزمان وبديعة من بدائعه الحسان... وهي ترجمة مفصلة جدا، وأرخ
وفاته بسنة 1246. (*)
ص 276
جاء ذلك في رسالة له في حقيقة الإمامة أسماها (منصب امامت)، في النكتة الثانية، في
أن الإمام نائب عن الرسول في إجراء سنن الله تعالى في خلقه، فذكر أمورا، فقال:
ومن جملتها: ثبوت الرياسة، أي: كما أن لأنبياء الله نوعا من الرياسة بالنسبة إلى
أممهم، وبلحاظ هذه الرئاسة يكونون أمة للرسول إليهم، ويكون الرسول رسولا إليهم، ومن
هنا يتصرف الرسول في كثير من أمورهم الدنيوية كما قال تعالى: *(النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم)* وكذلك لهم الولاية عليهم في الأمور الأخروية قال الله تعالى:
*(فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)* كذلك الإمام، فإن هذه
الرئاسة الدنيوية والأخروية ثابتة له بالنسبة إلى المبعوث إليهم، قال النبي - صلى
الله عليه وسلم -: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. فقال:
اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال الله تعالى: *(يوم ندعوا كل أناس بإمامهم)*
*(وقفوهم إنهم مسؤولون)* قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم مسؤولون عن ولاية علي
. أقول: فإذا كان الولاية في حديث الغدير بمعنى الإمامة، وأن هذه الولاية هي
المسؤول عنها في القيامة، فالولاية في حديث: وليكم بعدي بنفس المعنى،
وحملها على معنى آخر لا يكون إلا ممن رأيه معلول وفهمه مرذول وعقله مدخول!
ص 277
*(7)* لفظة بعدي قرينة إنه لا يخفى على المنصف اللبيب أن لفظة الولي تدل
بقرينة لفظة بعدي على الإمامة و الرياسة ، لعدم اختصاص كونه عليه السلام
محبا وناصرا بزمان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اللهم إلا أن ينكر
(الدهلوي) ولايته للمؤمنين - بمعنى المحبية والناصرية - في زمان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، كما ينفي ولايته عليهم - بمعنى الإمامة - بعده، فيقول بأنه عليه
الصلاة والسلام لم يكن محبا وناصرا للمؤمنين على عهد رسول رب العالمين! وذلك مما
يضحك عليه الثكلان. ولنعم ما قال الوزير النحرير العلامة الإربلي (1) - أعلى الله
مقامه - بعد نقل هذا الحديث وغيره: وأنت - أيدك الله بلطفه - إذا اعتبرت معاني
هذه الأحاديث الواردة من هذه الطرق أمكنك معرفة الحق، فإن قوله: ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وقوله: وهو ولي كل مؤمن من بعدي إلى غير ذلك، صريح في
إمامته، وظاهر في التعيين عليه، لا ينكره إلا من يريد دفع الحق بعد ثبوته، والتغطية
على الصواب بعد بيانه، وستر نور الشمس بعد انتشار أشعتها: وليس يصح في الأفهام شيء
* إذا احتاج النهار إلى دليل ومن أغرب الأشياء وأعجبها: أنهم يقولون: إن قوله عليه
السلام في
(هامش)
(1) علي بن عيسى، المتوفى بعد 687، له مؤلفات في التاريخ والأدب، من أعلام
الإمامية. الوافي بالوفيات 12 / 135، فوات الوفيات 2 / 66. (*)
ص 278
مرضه: مروا أبا بكر يصلي بالناس نص خفي في توليته الأمر وتقليده أمر الأمة، وهو
على تقدير صحته لا يدل على ذلك. ومتى سمعوا حديثا في أمر علي نقلوه عن وجهه، وصرفوه
عن مدلوله، وأخذوا في تأويله بأبعد محتملاته، منكبين عن المفهوم من صريحه، أو طعنوا
في راويه وضعفوه وإن كان من أعيان رجالهم وذوي الأمانة في غير ذلك عندهم. هذا، مع
كون معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعمران بن حطان
الخارجي، وغيرهم من أمثالهم، من رجال الحديث عندهم، وروايتهم في كتب الصحاح عندهم
ثابتة عالية يقطع بها ويعمل عليها في أحكام الشرع وقواعد الدين. ومتى روى أحد عن
زين العابدين علي بن الحسين، وعن ابنه الباقر، وابنه الصادق وغيرهم من الأئمة عليهم
السلام، نبذوا روايته وأطرحوها وأعرضوا عنها فلم يسمعوها وقالوا: رافضي لا اعتماد
على مثله، وإن تلطفوا قالوا: شيعي ما لنا ولنقله! مكابرة للحق وعدولا عنه، ورغبة في
الباطل وميلا إليه، واتباعا لقول من قال: إنا وجدنا آباءنا على أمة. ولعلهم لما
رأوا ما جرت الحال عليه أولا من الاستبداد بمنصب الإمامة فقاموا بنصر ذلك محامين
عنه غير مظهرين لبطلانه ولا معترفين به، استينافا لحمية الجاهلية. وهذا مجال طويل
لا حاجة بنا إليه (1).
(هامش)
(1) كشف الغمة في معرفة الأئمة 1 / 290 - 291. (*)
ص 279
حمل بعضهم البعدية على الرتبة دون الزمان هذا، ولما رأى الرشيد الدهلوي (1) تمامية
دلالة الحديث على مذهب أهل الحق بكلمة بعدي ، عمد إلى تأويل الحديث بحمل
البعدية على المرتبة لا الزمان فذكر: بأن هذا الحديث - وإن لم يخل سنده عن الكلام
- فيجاب على تقدير تسليمه بأن الولي فيه بمعنى المحب، والمراد من البعدية يجوز أن
يكون البعدية رتبة لا زمانا. قال: وعلى تقدير تسليم معنى الخلافة من الولاية فإن
الحمل المذكور لا بد منه، جمعا بين هذا الحديث وما دل على خلافة الخلفاء الثلاثة
عند أهل السنة. أقول: إنه لا يخفى على المتأمل المتدرب أن لا وجه لتجويز إرادة
المحب من لفظ الولي في هذا الحديث، ولكن متى حملت البعدية على الرتبة كان
المعنى: أن رتبة أمير المؤمنين عليه السلام في المحبوبية بين سائر الخلائق هي بعد
رتبة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مقدم على غيره في صفة المحبوبية
بعده، وعلى جميع أفراد الأمة أن يقولوا بأحبيته إليهم بعد رسول الله، ويلتزموا
بلوازم ذلك.
(هامش)
(1) قال في (نزهة الخواطر 7 / 180): الشيخ الفاضل العلامة رشيد الدين بن أمين
الدين ابن وحيد الدين أبي عبد السلام الكشميري ثم الدهلوي، العالم المشهور بسلامة
الأفكار... فذكر مؤلفاته وأرخ وفاته بسنة 1243. (*)
ص 280
ومن البديهي أن الأحبية دليل الأفضلية - وبه في مجلد (حديث الطير) -
تصريحات لكبار ثقات السنية... وإذا ثبتت الأفضلية ثبتت الخلافة . وبما ذكرنا
يظهر سقوط ما ادعاه من الجمع، لأن الحديث - بعد قطع النظر عن بطلان صرف البعدية عما
هي ظاهرة فيه - دل على الأحبية فالأفضلية والخلافة، فهو عليه السلام إمام جميع
المؤمنين، وفيهم الثلاثة وهم مؤمنون عند القوم. وأيضا: فإن هذا الحديث على تقدير
دلالته على الخلافة يكون نصا على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وأما الثلاثة
فالمعترف به عندهم عدم وجود نص على إمامتهم (1)، ومن الواضح تقدم المنصوص عليه على
غيره. نعم يستنبطون من بعض الأخبار التي يروونها إمامة الثلاثة، وعلى تقدير التسليم
بها فهل يعارض بأمثال تلك الاستنباطات صرائح النصوص؟ *(8)* الاستدلال بكلام ابن
تيمية لقد نص ابن تيمية على دلالة هذا الحديث على الإمامة والخلافة، لأن الولاية
التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان... وهذه عبارته: قوله: وهو ولي كل مؤمن بعدي.
كذب على رسول الله - صلى الله عليه
(هامش)
(1) راجع: شرح المقاصد في علم الكلام للتفتازاني، شرح المواقف في علم الكلام للقاضي
العضدي، وشرح العقائد النسفية للتفتازاني، وشرح التجريد للقوشجي، وغيرها من أهم
الكتب الكلامية، في أول مباحث الإمامة. (*)
ص 281
وسلم - بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات.
فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان. وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال
فيها: والي كل مؤمن بعدي، كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي والوالي قدم
الوالي في قول الأكثر، وقيل يقدم الولي. فقول القائل: علي ولي كل مؤمن بعدي، كلام
يمتنع نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن
يقول بعدي، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقال: وال على كل مؤمن (1). أقول: فثبت
بالقطع واليقين أن الولي في هذا الحديث مع اشتماله على لفظ بعدي ليس بمعنى
الولاية التي هي ضد العداوة، بل لا بد من حمله على معنى يختص بزمان بعد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ليس إلا الإمارة والخلافة... فالحديث دال على
المطلوب. بقي قوله: أنه إن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقال: وال على كل مؤمن .
ولا يخفى وهنه، ولعله لالتفاته إلى ذلك قال: كان ينبغي ، لأنه كما يكون لفظ
الوالي بمعنى الأمير كذلك لفظ الولي يكون بمعنى الأمير و ولي الأمر
ويكون لفظ بعدي معينا للمراد... وللمتكلم أن يختار لإفادة كلامه أي لفظ يكون
دالا على مرامه، فلا انحصار لإفادة الإمارة بلفظ الوالي .
(هامش)
(1) منهاج السنة 7 / 391. الطبعة الجديدة. (*)
ص 282
الحديث في رواية عمرو بن العاص ولمزيد البيان لما ذكرنا والتأكيد له، نورد هنا
كتابا لعمرو بن العاص إلى معاوية، يشتمل على أحاديث من مناقب أمير المؤمنين عليه
السلام، منها حديث الولاية، بل لقد ذكر عمرو بعد حديث الولاية جملة صريحة في
المطلوب، رافعة لكل شك وارتياب في معناه... فقد جاء فيه قوله: وأما ما نسبت أبا
الحسن أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيه إلى الحسد والبغي على عثمان، وسميت
الصحابة فسقة، وزعمت أنه أشلاهم على قتله، فهذا كذب وغواية. ويحك يا معاوية! أما
علمت أن أبا حسن بذل نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبات على فراشه،
وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة. وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو
مني وأنا منه، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وقد قال فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وهو الذي قال عليه السلام فيه
يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. وهو الذي قال
فيه يوم الطير: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك. فلما دخل عليه قال: اللهم وإلي وإلي.
ص 283
وقد قال فيه يوم بني النضير: علي إمام البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من
خذله. وقد قال فيه: علي إمامكم بعدي. وأكد القول علي وعليك وعلى خاصته. وقال: إني
مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي. وقد قال فيه: أنا مدينة العلم وعلي بابها
(1). أقول: فأنت ترى عمرو بن العاص يقول بعد حديث الولاية: وذلك علي وعليك وعلى
جميع المسلمين ولا يخفى أنه لا يريد إلا الإمارة و الحكومة لأن الولاية
متى تعدت ب علي اختصت بالإمارة وإن شئت فراجع الولي في كتب اللغة،
ففي (الصحاح) مثلا: الولي: القرب والدنو... وتقول: فلان ولي وولي عليه، كما يقال:
ساس وسيس عليه . ثم إن كلام عمرو بن العاص يفيد ولاية أمير المؤمنين عليه السلام
من وجوه: فإنه إذا ثبتت ولايته على عمرو ثبتت على غيره من أفراد الأمة لعدم الفصل،
وكذا إذا ثبتت على معاوية، ثم قوله: وعلى جميع المسلمين نص صريح. والحمد لله
على وضوح الحق.
(هامش)
(1) مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي: 129 - 130. (*)
ص 284
*(9)* الاستدلال بما نسبوه إلى الحسن المثنى وارتضوه ونسبوا إلى الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب عليه السلام كلاما في الرد على استدلال الشيعة على إمامة أمير
المؤمنين عليه السلام، فنقلوه في كتبهم معجبين به مستندين إليه، غافلين عن أنه نص
في دلالة حديث الولاية على الإمامة والخلافة، دلالة تامة واضحة! وممن أورد كلام
الحسن المثنى واستحسنه وارتضاه هو: محب الدين أبو العباس الطبري المكي (1)، وهذه
عبارته: لقد أحسن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب حيث قال لبعض الرافضة: لو
كان الأمر كما تقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم اختار عليا لهذا الأمر والقيام
على الناس بعده، فإن عليا أعظم الناس خطيئة وجرما، إذ ترك أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يقوم به ويعذر إلى الناس. فقال له الرافضي: ألم يقل النبي صلى الله
عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أما والله، لو يعني بها رسول الله صلى
الله عليه وسلم الأمر والسلطان والقيام على الناس، لأفصح بها كما أفصح بالصلاة
والزكاة والحج
(هامش)
(1) توجد ترجمته في: شذرات الذهب 5 / 425 وغيره، في وفيات سنة 694، وقد وصفوه
بألقاب ضخمة وأوصاف فخمة. (*)
ص 285
والصيام، ولقال: أيها الناس إنه الولي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا. أخرجه ابن
السمان في الموافقة (1). أقول: فظهر من هذا الكلام أن قوله صلى الله عليه وآله
وسلم إنه الولي بعدي إفصاح بالإمامة والخلافة والسلطنة وأنه متى قال رسول الله
في حق علي كذلك فقد أفصح عن إمامته بعده بلا فصل كما أفصح بالصلاة والزكاة والحج
والصيام. فكان ما نسبوه إلى الحسن المثنى - ونقلوه وارتضوه - دليلا للحق وهادما لما
أسسوه... وهم لا يشعرون! ولو أن أحدا كابر فقال بأن الإفصاح بها يكون بضميمة الجملة
التالية وهي: فاسمعوا له وأطيعوا وإلا فالجملة الأولى: إنه الولي بعدي
وحدها ليست نصا في الإمامة والخلافة. لقلنا في جوابه: بأن الأمر ليس كذلك، إذ من
الواضح لدى أهل اللسان أن قوله: فاسمعوا له وأطيعوا تفريع على إنه الولي بعدي
والجملة الأولى هي الأصل، فالدال على الإمامة الصريح فيه هو قوله إنه الولي
بعدي وإلا لم يكن وافيا بالغرض بل كان لغوا، لأن الحسن المثنى في مقام ذكر الكلام
الصريح في
(هامش)
(1) الرياض النضرة في فضائل العشرة 1 / 70 وابن السمان هو: أبو سعيد إسماعيل بن علي
ابن زنجويه الرازي، المتوفى سنة 445، له كتاب (الموافقة بين أهل البيت والصحابة)
توجد ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3 / 1121، النجوم الزاهرة 5 / 51، البداية والنهاية
12 / 65، سير أعلام النبلاء 18 / 55، طبقات المفسرين 1 / 109، مرآة الجنان 3 / 62
وغيرها. (*)
ص 286
الإمامة النص في الخلافة، فكيف لا يدل على هذا المعنى أصل الكلام ويكون الدليل عليه
فرعه؟ على أنه لو كان المفيد للمطلب هو الجملة الثانية لكفاه ضمها إلى من كنت
مولاه فعلي مولاه ، ولم يكن لعدوله عن ذلك إلى إنه الولي بعدي وجه، فلما لم
يقل: لو يعني بها رسول الله الأمر والسلطان لأفصح بها كما أفصح بالصلاة والزكاة
والحج والصيام، ولقال: أيها الناس إنه مولى من كنت مولاه فاسمعوا له وأطيعوا ورأى
ضرورة تغيير اللفظ إلى إنه الولي بعدي علم أن الغرض الأصلي غير متعلق بجملة
فاسمعوا له وأطيعوا بل يريد بيان لفظ يكون دالا بنفسه بالصراحة التامة على
الخلافة والإمامة. هذا كله، مضافا إلى إيجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطاعة
أمير المؤمنين عليه السلام في غير واحد من الأحاديث المعتبرة، كالحديث الذي أخرجه
الحاكم بسنده عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أطاعني فقد
أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد
عصاني قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1). بل إن الأمر بإطاعته بنفس
لفظ فاسمعوا وأطيعوا وارد في كتب أهل السنة في قصة يوم الدار وبشأن نزول قوله
تعالى: *(وأنذر عشيرتك الأقربين)*. ومن رواته: ابن إسحاق، والطبري، وابن أبي حاتم،
وابن مردويه،
(هامش)
(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 121. (*)
ص 287
وأبو نعيم، والبيهقي، والبغوي، والسيوطي، والمتقي الهندي... (1) ثم إن الذي يقلع
أساس الشبهة هو: أن جماعة من أكابر القوم كالفخر الرازي في (نهاية العقول) وغيره،
ينكرون دلالة الأمر بالطاعة على الإمامة والخلافة، وقد تبعهم في هذه الدعوى
(الدهلوي) كما يظهر من الرجوع إلى كلامه في جواب حديث الثقلين... فليس لأحد من
المتعصبين أن يعود فيدعي دلالة الجملة على الإمامة. فارتج من كل وجه بحمد الله
المتعال باب القيل والقال، وضاقت الأرض بما رحبت على أصحاب الجدال، وكفى الله
المؤمنين القتال. *(10)* الاستدلال بكلام للإمام الحسن السبط عليه السلام وفي خطبة
لسيدنا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام:
وقال له جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - حين قضى بينه وبين أخيه جعفر
ومولاه زيد بن حارثة في ابنة عمه حمزة -: أما أنت يا علي فمني وأنا منك، وأنت ولي
كل مؤمن بعدي. فلم يزل أبي يقي جدي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه، وفي كل موطن
يقدمه جدي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكل شدة يرسله، ثقة منه وطمأنينة إليه (2).
(هامش)
(1) كنز العمال 13 / 129، 131، 149، 174. (2) ينابيع المودة 1 / 42. (*)
ص 288
ومن الواضح أن تقديم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام في
كل موطن وإرساله إياه لكل شدة، ثقة منه وطمأنينة إليه، دليل مبين وبرهان جلي على
أفضلية الإمام من كل من عداه... والإمام الحسن عليه السلام فرع في كلامه هذا المقام
الجليل على ما نقله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: أما أنت يا علي
فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي . ومنه يظهر أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم إنما قال له: أنت ولي كل مؤمن بعدي تعيينا له وليا للأمر من بعده، أي: إن
كونه ولي كل مؤمن من بعده هو العلة لتفويض الأمور العظيمة إليه، وتقديمه في الشدائد
الجسيمة. وبهذا البيان لا تبقى شبهة في كون الولاية في الحديث بمعنى الأولوية في
التصرف، وهي الإمامة الكبرى والولاية العظمى. *(11)* حديث المناشدة في مسجد المدينة
وبالإسناد عن سليم بن قيس الهلالي قال: رأيت عليا في مسجد المدينة في خلافة عثمان
أن جماعة المهاجرين والأنصار يتذاكرون فضائلهم وعلي ساكت. فقالوا: يا أبا الحسن،
تكلم. فقال: يا معشر قريش والأنصار، أسألكم: بمن أعطاكم الله هذا الفضل أبأنفسكم أو
بغيركم؟ قالوا: أعطانا الله ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ص 289
قال: ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إني وأهل بيتي كنا
نورا نسعى بين يدي الله تعالى، قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بأربعة عشر ألف سنة،
فلما خلق الله آدم عليه السلام وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في
السفينة في صلب نوح عليه السلام، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السلام.
فلم يزل الله ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة من الآباء والأمهات،
لم يكن واحد منا على سفاح قط؟ فقال أهل السابقة وأهل بدر وأحد: نعم. قد سمعناه. ثم
قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير
آية، ولم يسبقني أحد من الأمة في الإسلام؟ قالوا: نعم. قال: فأنشدكم الله، أتعلمون
حيث نزلت: *(والسابقون السابقون أولئك المقربون)*. سئل عنها رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فقال: أنزلها الله عز وجل في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء
الله ورسله، وعلي وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم الله أتعلمون حيث
نزلت: *(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)* وحيث
نزلت: *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون)* وحيث نزلت: *(ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة)*.
وأمر الله عز وجل فيه أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية كما فسر لهم
من
ص 290
صلاتهم وزكاتهم وحجهم، فنصبني للناس بغدير خم، فقال: أيها الناس، إن الله جل جلاله
أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت أن الناس مكذبي، فأوعدني ربي. ثم قال: أتعلمون
أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا
رسول الله. فقال آخذا بيدي: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه. فقام سلمان وقال: يا رسول الله: ولاء علي ماذا؟ قال: ولاؤه كولائي، من كنت
أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. فنزلت: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)*. فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكبر بإكمال
الدين وإتمام النعمة ورضا ربي برسالتي وولاية علي بعدي. قالوا: يا رسول الله، هذه
الآيات في علي خاصة؟ قال: بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قال: بينهم لنا.
قال: علي أخي ووارثي ووصيي وولي كل مؤمن بعدي. ثم ابني الحسن ثم الحسين ثم التسعة
من ولد الحسين، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتى يردوا علي
الحوض. قال بعضهم: قد سمعنا ذلك وشهدنا. وقال بعضهم: قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظ
كله، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا. ثم قال: أتعلمون أن الله أنزل: *(إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
ص 291
البيت ويطهركم تطهيرا)*. فجمعني وفاطمة وابني حسنا وحسينا، ثم ألقى علينا كساء
وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، لحمهم لحمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم،
فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟! فقال: أنت إلى
خير. قالوا: نشهد، إن أم سلمة حدثتنا بذلك. ثم قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله
أنزل: *(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)*. فقال سلمان: يا رسول
الله هذه عامة أم خاصة؟ قال: أما المأمورون فعامة المؤمنين. وأما الصادقون فخاصة،
أخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة. قالوا: نعم. فقال: أنشدكم الله أتعلمون
أني قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك -: خلفتني على النساء
والصبيان. فقال: إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك. وأنت مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبي بعدي؟ قالوا: نعم. قال: أنشدكم الله أتعلمون أن الله أنزل في سورة
الحج: *(يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير)* إلى آخر
السورة. فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء
على الناس، الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم؟ فقال:
عني بذلك ثلاثة عشر رجلا. قال سلمان: بينهم لنا يا رسول الله. قال: أنا وأخي وأحد
عشر من ولدي؟
ص 292
قالوا: نعم. قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في
خطبته في مواضع متعددة، وفي آخر خطبة لم يخطب بعدها: أيها الناس إني تارك فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا، فإن اللطيف الخبير
أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض؟ فقال كلهم: نشهد أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - قال ذلك (1). أقول: قد اقترن حديث الولاية في هذا الحديث
بثلاثة ألفاظ صريحة في الإمامة صراحة تامة وهي: أخي و وارثي و وصيي ...
فيكون هذا الحديث - كغيره من الأحاديث المستشهد بها في هذه المناشدة -... دليلا
تاما على الإمامة والخلافة بلا فصل. كلام القندوزي في صدر كتابه هذا، ومن كلام
الشيخ سليمان القندوزي في صدر كتابه (ينابيع المودة) يظهر اعتبار رواياته والكتب
التي نقلها عنها، ومن جملتها كتاب (فرائد السمطين) للحمويني. ولننقل عين عبارته:
أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه لحبيبه: *(قل لا أسألكم
(هامش)
(1) ينابيع المودة 1 / 341 عن فرائد السمطين 1 / 312 للشيخ الجويني الحمويني، من
مشايخ الحافظ الذهبي، كما في (تذكرة الحفاظ) و(المعجم المختص). (*)
ص 293
عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور
شكور)* وقال جل جلاله وتعالت آلاؤه: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا)* أوجب الله مودة نبيه وأهل بيت نبيه - صلى الله عليه وعليهم - على
جميع المسلمين، وأنه تعالى أراد تطهيرهم عن الرجس تطهيرا كاملا، لأنه ابتدأ بكلمة
إنما التي هي مفيدة لانحصار إرادته تعالى على تطهيرهم، وأكد بالمفعول المطلق. ولما
كانت مودتهم على طريق التحقيق والبصيرة موقوفة على معرفة فضائلهم ومناقبهم، وهي
موقوفة على مطالعة كتب التفاسير والأحاديث التي هي المعتمد بين أهل السنة والجماعة،
وهي الكتب الصحاح الستة من: البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وأبي داود. باتفاق
المحدثين المتأخرين. وأما السادس من الصحاح فابن ماجة أو الدارمي أو الموطأ
بالاختلاف. فجمع مناقب أهل البيت كثير من المحدثين وألفوها كتبا مفردة، منهم: أحمد
ابن حنبل، والنسائي - وسمياه: المناقب - ومنهم أبو نعيم الحافظ الأصفهاني، وسماه:
نزل القرآن في مناقب أهل البيت. ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم الجويني الحمويني
الشافعي الخراساني وسماه: فرائد السمطين في فضائل المرتضى والزهراء والسبطين، ومنهم
علي بن عمر الدارقطني وسماه: مسند فاطمة. ومنهم أبو المؤيد الموفق بن أحمد أخطب
خطباء خوارزم الحنفي سماه: فضائل أهل البيت. ومنهم علي بن محمد الخطيب الفقيه
الشافعي المعروف بابن المغازلي سماه: المناقب. رحمهم الله.
ص 294
وهؤلاء أخذوا الأحاديث عن مشايخهم بالسياحة والأسفار، والجد والجهد في طلب الحديث
من أهل القرى والأمصار. فكتبوا في كتبهم إسناد الحديث إلى الصحابي السامع الراوي
بقولهم: حدثنا وأخبرنا... فالمؤلف الفقير إلى الله المنان: سليمان بن إبراهيم
المعروف بخواجه كلان ابن محمد معروف المشتهر ببابا خواجه بن إبراهيم بن محمد بن
معروف، ابن الشيخ السيد ترسون الباقي الحسيني البلخي القندوزي - غفر الله لي ولهم
ولآبائهم وأمهاتهم ولمن ولدا بلطفه ومنه - ألف هذا الكتاب آخذا من كتب هؤلاء
المذكورين... . *(12)* حديث الولاية وأحاديث أخرى في سياق واحد قال أبو المؤيد
الموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي (1): أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك
بن علي بن محمد الهمداني - إجازة - قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن علي البزاز، قال:
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز قال: أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر
قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمرو الحافظ قال: حدثني أبو الحسن علي بن موسى الجزار
من كتابه قال: حدثنا الحسن بن علي الهاشمي قال: حدثنا إسماعيل بن أبان
(هامش)
(1) توجد ترجمته في: الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2 / 188، العقد الثمين في
تاريخ البلد الأمين 7 / 310، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 2 / 308،
المختصر المحتاج إليه: 360 وغيرها. (*)
ص 295
قال: حدثنا أبو مريم، عن ثور بن أبي فاختة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال أبي:
دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب، ففتح الله
عليه. وأوقفه يوم غدير خم، فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة. وقال صلى الله
عليه وسلم: أنت مني وأنا منك. وقال: تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل. وقال
له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. وقال له: أنا سلم لمن سالمك وحرب لمن حاربك.
وقال له: أنت العروة الوثقى. وقال له: أنت تبين ما اشتبه عليهم بعدي. وقال له: أنت
إمام كل مؤمن ومؤمنة وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي. وقال له: أنت الذي أنزل الله فيه:
*(وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر)*. وقال له: أنت الآخذ بسنتي
والذاب عن ملتي. وقال له: أنا أول من تنشق عنه الأرض وأنت معي. وقال له: أنا عند
الحوض وأنت معي. وقال له: أنا أول من يدخل الجنة وأنت معي تدخل الحسن والحسين
وفاطمة. وقال له: إن الله أمرني بأن أقوم بفضلك، فقمت به في الناس وبلغتهم ما
ص 296
أمرني الله بتبليغه. وقال له: إتق الضغائن التي في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي،
أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون... (1). وقال القندوزي الحنفي: أخرج موفق
بن أحمد أخطب خطباء خوارزم بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: دفع
النبي... (2). أقول: فقد ذكر أبو ليلى الأنصاري - بعد خبر فتح خيبر وبيان حديث
غدير خم وحديث المنزلة، الدالين على إمامة أمير المؤمنين ووجوب إطاعته وثبوت
أفضليته - حديث: أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي . ثم ذكر
أحاديث أخرى كل واحد منها بوحده دليل على الإمامة والوصاية والأفضلية. وحينئذ، لا
مجال لصرف لفظ (الولي) عن معنى (متولي الأمر)، بل كما أن لفظ (الإمام) يدل بالصراحة
التامة على المطلوب - وهو إمامة علي عليه السلام - كذلك لفظ (الولي) المقترن بلفظ
(الإمام) يكون دالا على (الأولى بالتصرف).
(هامش)
(1) مناقب أمير المؤمنين: 61. (2) ينابيع المودة 3 / 278. (*)
ص 297
*(13)* حديث: أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة بعدي وفي الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم
قال لعلي عليه السلام: أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة بعدي . ومن رواته: نور الدين جعفر
المشهور ب مير ملا البدخشي، خليفة السيد علي الهمداني، فإنه أرسله إرسال
المسلم في كلام له في كتابه (خلاصة المناقب) حول الحب والبغض المجازيين، فقال: إن
الإيمان يورث الولاية. قال الله تعالى: *(الله ولي الذين آمنوا)* وأمير المؤمنين
إمام أهل الولاية. قال صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة بعدي.
ولذا، فإن أهل الولاية يحبون أمير المؤمنين لكونهم مؤمنين، وأهل النفاق لا يحبونه
لأنهم لا إيمان لهم . وإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام إمام كل مؤمن ومؤمنة بنص
هذا الحديث الشريف، فولاية كل مؤمن ومؤمنة الثابتة له بعد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بحديث الولاية هي بمعنى الإمامة، لأن الحديث يفسر بعضه بعضا. ترجمة أمير ملا
البدخشي ونور الدين جعفر البدخشي من أجلاء العلماء ومشاهير العرفاء، ويكفي في فضله
وعظمته أنه خليفة السيد الهمداني... وقد ترجم له وذكر طرفا من فضائله صاحب كتاب
(جامع السلاسل) فراجعه.
ص 298
*(14)* قول النبي يوم الانذار في علي: وليكم بعدي وروى الشيخ علي المتقي: عن
علي قال: لما نزلت هذه الآية: *(وأنذر عشيرتك الأقربين)* دعا بني عبد المطلب، وصنع
لهم طعاما ليس بالكثير، فقال صلى الله عليه وسلم: كلوا بسم الله من جوانبها، فإن
البركة تنزل من ذروتها، ووضع يده أولهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم دعا بقدح فشرب أولهم
ثم سقاهم، فشربوا حتى رووا. فقال أبو لهب: لقد سحركم. وقال صلى الله عليه وسلم: يا
بني عبد المطلب إني جئتكم بما لم يجئ به أحد قط. أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا
الله، وإلى الله وإلى كتابه. فنفروا فتفرقوا. ثم دعاهم الثانية على مثلها. فقال أبو
لهب كما قال المرة الأولى. فدعاهم ففعلوا مثل ذلك. ثم قال لهم - ومد يده - من
يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليكم بعدي؟ فمددت يدي وقلت: أنا أبايعك - وأنا
يومئذ أصغر القوم، عظيم البطن - فبايعني على ذلك. قال: وذلك الطعام أنا صنعته. ابن
مردويه (1).
(هامش)
(1) كنز العمال 13 / 149 رقم 36465. (*)
ص 299
ورواه محمد محبوب عالم في (تفسيره) بتفسير آية الانذار عن (منتخب كنز العمال) عن
ابن مردويه عن أمير المؤمنين عليه السلام، كذلك. أقول: ولا ريب في أن المراد من لفظ
(الولي) في هذا الحديث هو (المتصرف في الأمر)، لأن الوارد في الطرق الأخرى لهذا
الحديث لفظ وصيي وخليفتي عليكم فاسمعوا له وأطيعوا ، ولأن المخاطبين بهذا الكلام
لم يفهموا منه إلا (ولاية الأمر) بمعنى (المتصرف فيه) و(الواجب إطاعته والانقياد
له). وإذا كان هذا معنى الحديث الوارد يوم الانذار، كان نفس هذا المعنى هو المراد
من لفظ (الولي) في حديث بريدة وعمران بن الحصين وابن عباس وغيرهم. *(15)* قول النبي
في حديث لعلي: إنك ولي المؤمنين بعدي وروى الشيخ علي المتقي أيضا: أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم قال لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: سألت الله - يا علي
- فيك خمسا، فمنعني واحدة وأعطاني أربعا: سألت الله أن يجمع عليك أمتي، فأبى علي
وأعطاني فيك: أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت، معك لواء الحمد وأنت
تحمله بين يدي تسبق به الأولين والآخرين. وأعطاني أنك ولي المؤمنين بعدي.
ص 300
الخطيب والرافعي، عن علي (1). ورواه عنهما كذلك كل من: البدخشاني في (مفتاح
النجا). ومحمد صدر العالم في (معارج العلى). وحسن زمان التركماني في (القول
المستحسن)، ونص على صحة إسناده. وهذا هو الحديث بسنده عند الرافعي بترجمة إبراهيم
بن محمد الشهرزوري حيث قال: إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة، أبو إسحاق
الشهرزوري. ذكر الخليل الحافظ: إنه كان يدخل قزوين مرابطا، وأنه سمع بالشام ومصر
والعراق، وروى بقزوين الكتاب الكبير للشافعي، سمعه منه: أبو الحسين القطان، وأبو
داود سليمان بن يزيد. قال: وأدركت من أصحابه: علي بن أحمد بن صالح، ومحمد بن الحسين
بن فتح كيسكين. وروى أبو إسحاق عن: هارون بن إسحاق الهمداني، وعن عبيد الله بن سعيد
بن كثير بن عفير، والربيع بن سليمان. وسمع بقزوين: أبا حامد أحمد بن محمد بن زكريا
النيسابوري. وحدث بقزوين سنة 298، فقال: ثنا عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير،
ثنا إبراهيم بن رشيد أبو إسحاق الهاشمي الخراساني، حدثني يحيى بن عبد الله بن حسين
بن حسن بن علي بن
(هامش)
(1) كنز العمال 11 / 625 رقم 33047. (*)
ص 301
أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: سألت الله - يا علي - فيك خمسا، فمنعني واحدة وأعطاني أربعا، سألت
الله أن يجمع عليك أمتي فأبى علي. وأعطاني فيك: أن أول من تنشق عنه الأرض يوم
القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يدي، تسبق به الأولين
والآخرين. وأعطاني أنك أخي في الدنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في
الجنة. وأعطاني أنك ولي المؤمنين بعدي (1). أقول: وإن هذا الحديث الشريف يهتك
أستار التضليل والتخديع، ويكشف أسرار التزويق والتلميع، فهو من خير الأدلة على
بطلان تأويل حديث الولاية، وحمله على معنى غير معنى (المتصرف في الأمر)، وسقوطه من
أصله وقمعه من جذوره... إن هذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن المراد من جملة (ولي
المؤمنين بعدي) معنى جليل ومقام عظيم، لأن المنازل التي ذكرها النبي صلى الله عليه
وآله وسلم له قبل هذه الجملة يستوجب كل واحدة منها على اليقين أفضليته عليه السلام
من جميع الخلائق من الأولين والآخرين، لأن مفادها مساواته عليه السلام للنبي صلى
الله عليه وآله وسلم - الذي لا شك في أفضليته من الخلائق أجمعين - في مراتبه
ومنازله كلها.
(هامش)
(1) التدوين بذكر أهل العلم بقزوين 2 / 126. (*)
ص 302
فكما أن تلك المنازل والمراتب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلته خير الخلائق
وأشرف المرسلين... كذلك يكون علي عليه السلام - المساوي له فيها - أفضل الخلائق
أجمعين من الأنبياء والمرسلين وسائر الناس، فلذا قال بعد أن ذكرها: وأعطاني أنك
ولي المؤمنين بعدي ليشير إلى أن تلك المنازل توجب أن يكون هو (المتصرف) في أمور
المؤمنين بعده صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا ليس إلا (الإمامة والخلافة). ترجمة
الرافعي ولا بأس بذكر ترجمة الرافعي الراوي لهذا الحديث عن بعض المصادر المعتبرة: 1
- الذهبي: وعبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل القزويني الشافعي، صاحب
الشرح الكبير، إليه انتهت معرفة المذهب ودقائقه، وكان مع براعته في العلم صالحا
زاهدا ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع. توفي في حدود آخر السنة. رحمه الله (1). 2 -
ابن الوردي: وفيها مات إمام الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي
القزويني، مصنف الشرح الكبير والصغير على الوجيز والمحرر، ومصنف التذنيب على
الشرحين. وكان مع براعته في العلوم صالحا زاهدا ذا أحوال وكرامات. وعلى شرحه الكبير
اليوم اعتماد المفتين والحكام في الدنيا (2).
(هامش)
(1) العبر 3 / 190 حوادث 623. (2) تتمة المختصر في أخبار البشر - حوادث 623. (*)
ص 303
3 - اليافعي: وفيها توفي الإمام الكبير العلامة البارع الشهير، الجامع بين العلوم
والأعمال الصالحات، والزهد والعبادات، والتصانيف المفيدات النفيسات، أبو القاسم عبد
الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير المشتمل على
معرفة المذهب ودقائقه الغامضات، الجامع الفائق على التصانيف السابقات واللاحقات.
ومن كراماته: أنه أضاءت له شجرة في بيته لما انطفى السراج الذي يستضئ به عند كتبه
بعض مصنفاته (1). 4 - الأسنوي: أبو القاسم إمام الدين عبد الكريم بن محمد -
المذكور قبله - القزويني، صاحب الشرح الوجيز الذي لم يصنف في المذهب مثله. تفقه على
والده وعلى غيره. وكان إماما في الفقه والتفسير والحديث والأصول وغيرها، طاهر
اللسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الاحتراز في المنقولات، فلا يطلق نقلا عن أحد
غالبا إلا إذا رآه في كلامه، وإن لم يقف عليه فيه عبر بقوله: وعن فلان كذا، شديد
الاحتراز أيضا في مراتب الترجيح (2). وتوجد ترجمته أيضا في: سير أعلام النبلاء 22
/ 252 فوات الوفيات 2 / 7 طبقات الشافعية للسبكي 8 / 281 تهذيب الأسماء واللغات 2 /
264
(هامش)
(1) مرآة الجنان 4 / 56. (2) طبقات الشافعية 1 / 281. (*)
ص 304
النجوم الزاهرة 6 / 266 شذرات الذهب 5 / 108. *(16)* الأولياء في تفسير أهل
البيت بمعنى الأئمة جاء ذلك في خطبة للإمام الحسن السبط عليه السلام، رواها
الأئمة الطاهرون من أهل البيت، وأوردها العلامة القندوزي، قال: وفي التفسير
المنسوب إلى الأئمة من أهل البيت الطيبين - رضي الله عنهم - عن جعفر الصادق، عن
أبيه، عن جده: إن الحسن ابن أمير المؤمنين علي - سلام الله عليهم - خطب على المنبر
وقال: إن الله عز وجل - بمنه ورحمته - لما فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم
لحاجة منه إليه، بل رحمة منه، لا إله إلا هو، ليميز الخبيث من الطيب، وليبلي ما في
صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنته،
ففرض عليكم الحج والعمرة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية لنا أهل
البيت، وجعلها لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحا إلى سبيله، لولا محمد -
صلى الله عليه وآله وسلم - وأوصياؤه لكنتم حيارى، لا تعرفون فرضا من الفرائض، وهل
تدخلون دارا إلا من بابها؟ فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم - صلى الله
عليه وآله وسلم - قال: *(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الإسلام