نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 200

فقال: سمعتم ببلدكم أحدا يتكلم في ويقول: إني ضعيف في الحديث؟ لا تسمعوا كلام أهل الكوفة، فإنهم يحسدونني، لأني أول من جمع المسند، وقد تقدمتهم في غير شيء. والسبب الآخر هو: التشيع. قال أبو داود: سألته عن حديث لعثمان، فقال لي: تحب عثمان؟ وقال أحمد بن محمد بن صدقة وأبو شيخ، عن زياد بن أيوب دلويه، سمعت يحيى بن عبد الحميد يقول: مات معاوية على غير ملة الإسلام. قال أبو شيخ: قال دلويه: كذب عدو الله . وكأن التشيع هو السبب الوحيد لإيراده في (ميزان الاعتدال)، فقد قال الذهبي بعد الكلمات فيه: قال ابن عدي: ولم أر في مسنده وأحاديثه أحاديث مناكير، وأرجو أنه لا بأس به . فتعقبه قائلا: قلت: إلا أنه شيعي بغيض... قال زياد بن أيوب: سمعت يحيى الحماني يقول: كان معاوية على غير ملة الإسلام. قال زياد: كذب عدو الله (1). أقول: لكن الحافظ ابن حجر أعرض عما فعله الذهبي وقاله في الرجل، فلم يذكره في (لسان الميزان) أصلا...

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال 4 / 392. (*)

ص 201

وقد ذكرنا مرارا قول الحافظ ابن حجر مرارا: بأن التشيع غير ضائر (1). بل لقد ذكر الذهبي بترجمة أبان بن تغلب رحمه الله ما نصه: شيعي جلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه، وعليه بدعته (2). وتلخص: صحة كلا طريقي أبي يعلى. *(10)* رواية المحاملي ومن رواة هذا الحديث: القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي المحاملي البغدادي، المتوفى سنة 330. فقد جاء في بعض أسانيد الحافظ ابن عساكر بسنده: أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، أنبأنا أبو موسى محمد ابن المثنى، أنبأنا يحيى بن حماد، أنبأنا الوضاح، أنبأنا يحيى أبو بلج، أنبأنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط... (3). أقول: هذا السند هو سند النسائي بعينه.

(هامش)

(1) مقدمة فتح الباري: 398. (2) ميزان الاعتدال 1 / 5. (3) ولكني لم أجده في كتاب الأمالي للمحاملي رواية ابن يحيى البيع. (*)

ص 202

*(11)* رواية الطبراني وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني، في مسند ابن عباس، تحت عنوان (عمرو بن ميمون عن ابن عباس): حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، ثنا كثير بن يحيى، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون قال: كنا عند ابن عباس، فجاءه سبعة نفر... . فأخرج الحديث بكامله (1). ثم روى: حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، ثنا أبو جعفر النفيلي، ثنا مسكين بن بكير، ثنا شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأبواب كلها فسدت إلا باب علي رضي الله عنه (2). ورواه في (المعجم الأوسط) بنفس السند الأول، لكن باختصار: قال: حدثنا إبراهيم، قال: حدثنا كثير بن يحيى أبو مالك، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، لأبعثن رجلا لا يخزيه الله، فبعث إلى علي وهو في الرحل يطحن - وما كان أحدكم يطحن - فجاءوا به

(هامش)

(1) المعجم الكبير 12 / 77 رقم 12593. (2) المعجم الكبير 12 / 78 رقم 12594. (*)

ص 203

أرمد، فقال: يا نبي الله ما أكاد أبصر، فنفث في عينيه، وهز الراية ثلاث مرار، ثم دفعها إليه، ففتح له، فجاء بصفية بنت حيي. ثم قال لبني عمه: أيكم يتولاني في الدنيا والآخرة؟ فقال لكل رجل منهم: يا فلان، أتتولاني في الدنيا والآخرة - ثلاثا -؟ فيقول: لا، حتى مر على آخرهم، فقال علي: يا نبي الله، أنا وليك في الدنيا والآخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت وليي في الدنيا والآخرة. قال: وبعث أبا بكر بسورة التوبة، وبعث عليا على أثره، فقال أبو بكر: يا علي، لعل الله ورسوله سخطا علي. فقال علي: لا، ولكن قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل مني وأنا منه. قال: ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه على علي وفاطمة والحسن والحسين ثم قال: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*. وكان أول من أسلم بعد خديجة من الناس. قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله (1). أقول: وشيخ الطبراني (إبراهيم بن هاشم البغوي): ترجم له الحافظ الخطيب فقال: إبراهيم بن هاشم بن الحسين بن هاشم، أبو إسحاق البيع، المعروف

(هامش)

(1) المعجم الأوسط 3 / 388 رقم 2836. (*)

ص 204

بالبغوي. سمع أمية بن بسطام، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وأبا الربيع الزهراني، وعلي بن الجعد، ومحرز بن عون، ومحمد بن بكار، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن سعيد الدارمي. روى عنه: أحمد بن سلمان النجاد، وعبد الباقي بن قانع... أخبرني الأزهري قال قال أبو الحسن الدارقطني: إبراهيم بن هاشم البغوي ثقة. أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي، قال: مات أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم البغوي يوم الخميس سلخ جمادى الآخرة سنة 297. قلت: وكان مولده سنة 207 (1). وذكره الحافظ ابن الجوزي فيمن توفي في السنة المذكورة من الأكابر، قال: وكان ثقة (2). وبقي الكلام على سند رواية سد الأبواب، ففيه: (أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني): قال الدارقطني: ثقة مأمون. وقال الخطيب: كان مسندا غير متهم في روايته. ووصفه الذهبي: ب‍ الشيخ المحدث المعمر المؤدب، طال عمره، وتفرد

(هامش)

(1) تاريخ بغداد 6 / 203. (2) المنتظم 13 / 97. (*)

ص 205

فذكر توثيق الدارقطني (1)، وقال عنه أيضا: معمر صدوق (2). وقال ابن حجر ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويهم وقال موسى بن هارون: السماع من أبي شعيب يفضل على السماع من غيره، لأنه المحدث ابن المحدث ابن المحدث وهو صدوق وقال مسلمة: كان ثقة فصيحا (3). أقول: وإنما أورد في (الميزان) و(لسانه) لأنه كان يأخذ الدراهم على الحديث، كما صرح بذلك الذهبي مع التنصيص على أنه كان غير متهم. و(أبو جعفر النفيلي) وهو: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل. من رجال البخاري والأربعة. وروى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والذهلي وجماعة وثقه أبو حاتم، والدارقطني، وابن حبان (4). و(مسكين بن بكير) وهو: من رجال الصحاح الستة (5).

(هامش)

(1) تاريخ بغداد 9 / 435، سير أعلام النبلاء 13 / 536. (2) ميزان الاعتدال 2 / 406. (3) لسان الميزان 3 / 271. (4) الجرح والتعديل 5 / 159، تهذيب التهذيب 6 / 16، تذكرة الحفاظ 2 / 440، سير أعلام النبلاء 10 / 634. (5) تهذيب التهذيب 10 / 120. (*)

ص 206

*(12)* رواية الحاكم النيسابوري وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في (المستدرك): أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ببغداد، من أصل كتابه، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، ثنا أبو بلج، ثنا عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس عند ابن عباس... . فرواه بطوله ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة. وقد حدثنا السيد الأوحد أبو يعلى حمزة بن محمد الزيدي - رضي الله عنه - ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني القطان، قال: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: كان يعجبهم أن يجدوا الفضائل من رواية أحمد بن حنبل (1). أقول: وشيخ الحاكم: (أبو بكر القطيعي) قد ترجمنا له في الكتاب. وأخرج الحاكم أيضا قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق، ثنا زياد بن الخليل التستري، ثنا كثير

(هامش)

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 132. (*)

ص 207

ابن يحيى، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي... . ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد رواه أبو داود الطيالسي وغيره عن أبي عوانة، بزيادة ألفاظ (1). أقول: وشيخ الحاكم (أبو بكر أحمد بن إسحاق) هو النيسابوري، المعروف بالصبغي. تجد الثناء بالجميل عليه في: 1 - طبقات الشافعية 3 / 9. 2 - الوافي بالوفيات 6 / 239. 3 - مرآة الجنان 2 / 334. 4 - النجوم الزاهرة 3 / 310. 5 - سير أعلام النبلاء 15 / 483. 6 - شذرات الذهب 2 / 361. وأما (زياد بن خليل التستري) فقد ذكره الخطيب وابن الجوزي والسمعاني والذهبي وقالوا ما موجزه: وأبو سهل زياد بن خليل التستري. قدم بغداد وحدث بها عن إبراهيم بن

(هامش)

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 4. (*)

ص 208

المنذر الحزامي و... روى عنه: عبد الصمد بن علي الطستي وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي.. وذكره الدارقطني فقال: لا بأس به. ومات في طريق المدينة قبل أن يدخل مكة في ذي القعدة سنة 290. وقيل: 286 (1). *(13)* رواية ابن عبد البر وقال الحافظ ابن عبد البر القرطبي بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: روي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وحذيفة، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم: أن علي بن أبي طالب أول من أسلم، وفضله هؤلاء على غيره. قال ابن إسحاق: أول من آمن بالله ورسوله محمد خديجة، ومن الرجال علي بن أبي طالب. وهو قول ابن شهاب، إلا أنه قال: من الرجال بعد خديجة. وهو قول الجميع في خديجة. حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن الفضل، حدثنا محمد بن جرير قال قال أحمد بن عبد الله الدقاق: حدثنا مفضل بن صالح، عن سماك بن حرب،

(هامش)

(1) الأنساب - التستري، تاريخ بغداد 8 / 281، تاريخ الإسلام - حوادث 281 - 290 - ص 181، المنتظم 12 / 407. (*)

ص 209

عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره، وهو الذي غسله وأدخله في قبره. وقد مضى في باب أبي بكر ذكر من قال أن أبا بكر أول من أسلم. وروي عن سلمان الفارسي أنه قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما: علي بن أبي طالب. وروي هذا الحديث مرفوعا عن سلمان الفارسي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول هذه الأمة ورودا علي الحوض أولها إسلاما: علي بن أبي طالب. ورفعه أولى، لأن مثله لا يدرك بالرأي. حدثنا أحمد بن قاسم، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا يحيى بن هاشم، حدثنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن حنش بن المعتمر، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولكم ورودا علي الحوض أولكم إسلاما: علي بن أبي طالب. وروى أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت ولي كل مؤمن بعدي. وبه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: أول من صلى مع النبي بعد خديجة علي بن أبي طالب.

ص 210

حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدثنا الحسن (1) بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: كان علي أول من آمن بالله من الناس بعد خديجة. قال أبو عمر: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد، لصحته وثقة نقلته (2). أقول: أما (عبد الوارث بن سفيان) فقد: قال الذهبي: عبد الوارث بن سفيان بن جبرون. المحدث الثقة العالم الزاهد... توفي سنة 395 (3). وأما (قاسم بن أصبغ) فقد ذكره الذهبي، ووصفه ب‍ الإمام الحافظ العلامة محدث الأندلس قال: وانتهى إليه علو الإسناد بالأندلس، مع الحفظ والإتقان، وبراعة العربية، والتقدم في الفتوى، والحرمة التامة، والجلالة . قال: أثنى عليه غير واحد، وتواليف ابن حزم، وابن عبد البر، وأبي الوليد الباجي، طافحة بروايات قاسم بن أصبغ.

(هامش)

(1) كذا، والصحيح: يحيى بن حماد، وراجع الهامش أيضا. (2) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 27 - 28. (3) سير أعلام النبلاء 17 / 84. (*)

ص 211

مات سنة 340 (1). وأما (أحمد بن زهير بن حرب) فهو: ابن أبي خيثمة، وترجمته موجودة في الكتاب. وأما (يحيى بن حماد) ومن فوقه، فقد عرفتهم كذلك. فالسند صحيح كما ذكر ابن عبد البر. *(14)* رواية الحسكاني وروى الحاكم الحسكاني حديث عمرو بن ميمون بتفسير قوله تعالى: *(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)*، قال: أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو بكر القباب عبد الله بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر ابن أبي عاصم القاضي، قال: محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة الوضاح بن عبد الله، عن يحيى بن سليم أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: وكان - يعني عليا - أول من أسلم من الناس بعد خديجة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولبس ثوبه ونام مكانه، فجعل المشركون يرمونه كما كانوا يرمون رسول الله، وهم يحسبون أنه نبي الله، فجاء أبو بكر وقال: يا نبي الله، فقال علي: إن نبي الله قد ذهب نحو بئر ميمون، وكان المشركون يرمون عليا وهو يتضور، حتى أصبح فكشف عن رأسه فقالوا: كنا نرمي صاحبك ولا يتضور، وأنت تتضور، استنكرنا ذلك.

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 15 / 472. (*)

ص 212

- أخبرنا أبو عبد الله الجرجاني قال: أخبرنا أبو طاهر السلمي قال: أخبرنا جدي أبو بكر قال: حدثنا علي بن مسلم قال: حدثنا أبو داود، عن أبي عوانة عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما انطلق ليلة الغار... - وأخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال: حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، قال: أخبرنا زياد بن الخليل التستري، قال: حدثنا كثير بن يحيى. قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نام مكانه. - أخبرنا الحاكم الوالد، عن أبي حفص بن شاهين قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن سراج ومحمد بن أحمد بن الحسين القطواني، قالا: حدثنا عباد بن ثابت قال: حدثني سليمان بن قرم قال: حدثني عبد الرحمن بن ميمون أبو عبد الله قال: حدثني أبي عن ابن عباس: إنه سمعه يقول: أنام رسول الله عليا على فراشه... (1). أقول: لقد روى الحاكم الحسكاني هذا الحديث بأسانيد: فأما السند الأول ففيه: (أبو بكر التميمي) وهو: أحمد بن محمد بن الحارث التميمي الأصبهاني،

(هامش)

(1) شواهد التنزيل 1 / 124 - 128. (*)

ص 213

نزيل نيسابور. ترجم له الحافظ عبد الغافر، فقال ما ملخصه: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث. الإمام أبو بكر التميمي الإصبهاني، المقرئ الأديب، الفقيه، المحدث، الدين، الزاهد، الورع، الثقة، الإمام بالحقيقة، فريد عصره في طريقته وعلمه وورعه، لم يعهد مثله. كان عارفا بالحديث، كثير السماع، صحيح الأصول، توفي بنيسابور سنة 403. حدث عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر... بجملة من حديثه ومصنفاته، وعن أبي بكر عبد الله بن محمد القباب، وأقرانهم. سمع عنه الوالد، وابن أبي زكريا، وابن رامش، وابن الشقاني والطبقة. قرأت بخط الحسكاني - وكان من المكثرين عنه، المختصين بالاستفادة منه - أنه قال: توفي أبو الشيخ بإصبهان سنة 369 وهو ابن 97 سنة (1). و(أبو بكر القباب) وهو: من كبار المحدثين والقراء، توجد ترجمته في: 1 - طبقات المفسرين 2 / 251. 2 - غاية النهاية 1 / 454. 3 - سير أعلام النبلاء 16 / 257. 4 - ذكر أخبار أصبهان 2 / 90. 5 - النجوم الزاهرة 4 / 139. 6 - شذرات الذهب 3 / 72. 7 - الأنساب - القباب. قال ابن الجزري الحافظ: إمام وقته، مفسر مشهور،... قال الحافظ

(هامش)

(1) المنتخب من السياق في تاريخ نيسابور: 107. (*)

ص 214

أبو العلاء: فأما أبو بكر القباب، فإنه من أجلة قراء إصبهان، ومن العلماء بتفسير القرآن، كثير الحديث، ثقة نبيل، توفي سنة 370. قيل: إنه بلغ المائة . و(ابن أبي عاصم) فمن فوقه، قد عرفتهم في الكتاب. فالسند صحيح بلا ارتياب. وكذا السند الثالث، فإنه عن (الحاكم صاحب المستدرك) بسنده المتقدم قريبا. *(15)* رواية ابن عساكر وقال الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من (تاريخه): وأخبرتنا به أم البهاء فاطمة بنت محمد قالت: قرئ على إبراهيم بن منصور، أنبأنا أبو بكر بن المقرئ، أنبأنا أبو يعلى، أنبأنا يحيى بن عبد الحميد، أنبأنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. فقال: أين علي؟ قالوا: يطحن. قال: وما كان أحد منهم يرضى أن يطحن؟ فأتي به. فدفع إليه الراية، فجاء بصفية بنت حيي.

ص 215

(قال ابن عساكر): هذا مختصر من حديث. وأخبرنا بتمامه: أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو محمد بن أبي عثمان وأبو طاهر القصاري. ح وأخبرنا أبو عبد الله بن القصاري، أنبأنا أبي أبو طاهر قالا: أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن الحسين بن هشام، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، أنبأنا أبو موسى محمد بن المثنى، أنبأنا يحيى بن حماد، أنبأنا الوضاح أنبأنا يحيى أبو بلج، أنبأنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط... . فرواه بطوله. ثم قال: وأخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد، قالت: أنبأنا إبراهيم بن منصور، أنبأنا أبو بكر بن المقرئ، أنبأنا أبو يعلى، أنبأنا زهير، أنبأنا يحيى بن حماد، أنبأنا أبو عوانة، أنبأنا أبو بلج، عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس عند ابن عباس، إذ أتاه سبعة رهط... . فرواه بطوله أيضا. ثم قال: أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أنبأنا أبو علي بن المذهب، أنبأنا أحمد ابن جعفر، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثني أبي، أنبأنا يحيى بن حماد، أنبأنا أبو عوانة، أنبأنا أبو بلج، أنبأنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط... .

ص 216

فرواه بطوله، ثم قال: قال: وأنبأنا عبد الله بن أحمد، أنبأنا أبو مالك كثير بن يحيى، أنبأنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، بنحوه (1). أقول: لقد روى ابن عساكر الحافظ هذا الحديث بأسانيد له، عن طريق أحمد بن حنبل،، وأبي يعلى، والمحاملي. وقد عرفت صحة روايات هؤلاء في محالها. وأما مشايخ ابن عساكر: فإن (أم البهاء فاطمة بنت محمد) هي: الشيخة العالمة الواعظة الصالحة المعمرة، مسندة إصبهان، فاطمة بنت محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن بن علي بن البغدادي الأصبهاني... حدث عنها: السمعاني وابن عساكر... قال السمعاني: شيخة معمرة مسندة. وقال أبو موسى: توفيت في 539 ولها قريب من 94 سنة (2). و(إبراهيم بن منصور) هو: سبط بحرويه. وقد تقدمت ترجمته. وكذا ترجمة (ابن المقرئ). وهؤلاء مشايخه في السندين الأول والثالث.

(هامش)

(1) تاريخ دمشق 42 /. (2) سير أعلام النبلاء 20 / 148. (*)

ص 217

وفي السند الثاني: (أبو القاسم ابن السمرقندي)، وقد ترجمنا له في الكتاب. و(أبو القاسم إسماعيل بن الحسين بن هشام)، وهو: إسماعيل بن الحسن ابن عبد الله بن الهيثم بن هشام، الصرصري، صاحب المحاملي (1)، المتوفى سنة 403. قال الحاكم: سألت البرقاني عنه فقال: صدوق. وسئل عنه - وأنا أسمع - فقال: ثقة (1). وقال السمعاني: شيخ صدوق ثقة، سمع أبا عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي و... وآخر من روى عنه إن شاء الله: أبو طاهر أحمد بن محمد بن عبد الله القصاري الخوارزمي (2). أقول: لم أعثر - فيما بيدي من المصادر - ترجمة لأبي طاهر هذا، ولا لابنه أبي عبد الله محمد بن أحمد... وفي السند الرابع: (أبو القاسم بن الحصين) و(أبو علي بن المذهب) و(أحمد بن جعفر) وهو القطيعي.

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 17 / 162. (2) الأنساب - الصرصري. (*)

ص 218

وهؤلاء ترجمنا لهم في الكتاب، فلا نعيد. فظهر صحة رواية ابن عساكر بأغلب أسانيدها. هذا، وقد رواه في كتاب (الأربعين الطوال)، وفي كتاب (الموافقات) بعين لفظ أحمد في (المسند) كما في (الرياض النضرة) و(كفاية الطالب). *(16)* رواية ابن الأثير وروى عز الدين ابن الأثير بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: أنبأنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه وغير واحد، بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، عن محمد بن حميد، عن إبراهيم بن المختار، عن شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، قال: أول من أسلم علي. ومثله روى مقسم، عن ابن عباس، واسم أبي بلج: يحيى بن أبي أسلم (1). أقول: أما (ابن الأثير) صاحب (أسد الغابة) فغني عن التعريف. وأما (إبراهيم بن محمد بن مهران) فقد: قال ابن الأثير - في حوادث سنة 577 -: وفيها توفي إبراهيم بن محمد

(هامش)

(1) أسد الغابة في معرفة الصحابة 4 / 89. (*)

ص 219

ابن مهران الفقيه الشافعي، بجزيرة ابن عمر، وكان فاضلا كثير الورع (1). *(17)* رواية الكنجي الشافعي وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي الكنجي: وروى إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده قصة نوم علي على فراش رسول الله في حديث طويل، وتابعه الحافظ محدث الشام في كتابه المسمى بالأربعين الطوال. فأما حديث الإمام أحمد: فأخبرناه قاضي القضاة حجة الإسلام أبو الفضل يحيى بن قاضي القضاة أبي المعالي محمد بن علي القرشي، قال: أخبرنا حنبل بن عبد الله المكبر، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي. وأما الحديث الذي في الأربعين الطوال: فأخبرناه به القاضي العلامة مفتي الشام أبو نصر محمد بن هبة الله بن قاضي القضاة شرقا وغربا أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن مميل الشيرازي، قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن

(هامش)

(1) الكامل في التاريخ 11 / 477. (*)

ص 220

علي بن محمد التميمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا... (1). أقول: ورجال هذين السندين كلهم علماء كبار موثقون، وقد ترجمنا لهم في الكتاب، فالسندان صحيحان بلا شبهة وارتياب. *(18)* رواية المحب الطبري وقال الحافظ أبو العباس محب الدين الطبري المكي في (ذخائر العقبى) ما نصه: ذكر اختصاصه بعشر: عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه سبعة رهط فقالوا: يا ابن عباس... فروى الخبر بطوله، فقال: أخرجه بتمامه أحمد، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه (2).

(هامش)

(1) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 240 - 244. (2) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 86 - 88. (*)

ص 221

وقال في (الرياض النضرة): ذكر اختصاصه بعشر: عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس عند ابن عباس... فرواه بطوله، فقال: أخرجه بتمامه أحمد والحافظ أبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه (1). *(19)* رواية المزي وقال الحافظ الجمال المزي بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: وقال أبو عمر بن عبد البر... وقال أيضا: روي عن: سلمان وأبي ذر، و... . فأورد كلام ابن عبد البر المتقدم حتى قوله بعد نقل الحديث عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد، لصحته وثقة نقلته (2). *(20)* رواية الذهبي وروى الحافظ الذهبي هذا الحديث في (تلخيص المستدرك) تبعا

(هامش)

(1) الرياض النضرة في مناقب العشرة 3 / 174 - 175. (2) تهذيب الكمال في أسماء الرجال 20 / 481. (*)

ص 222

للحاكم، ونص على صحته (1). *(21)* رواية ابن كثير وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي: قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال: أول من صلى - وفي رواية: أسلم - مع رسول الله بعد خديجة: علي بن أبي طالب. ورواه الترمذي من حديث شعبة عن أبي بلج به (2). وقال ابن كثير: رواية ابن عباس: وقال أبو يعلى: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس... ورواه الإمام أحمد، عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، فذكره بتمامه. فقال الإمام أحمد عن يحيى بن حماد... وقد روى الترمذي بعضه من طريق شعبة، عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم، واستغربه.

(هامش)

(1) تلخيص المستدرك 3 / 4، 3 / (2) البداية والنهاية 7 / 335. (*)

ص 223

وأخرج النسائي بعضه عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، به (1). أقول: قد عرفت اعتبار هذه الأسانيد فلا نعيد. *(22)* رواية أبي بكر الهيثمي ورواه الحافظ نور الدين أبو بكر الهيثمي بطوله، في (مجمع الزوائد) تحت عنوان: باب جامع في مناقبه . ثم قال: رواه أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة، وفيه لين (2). *(23)* رواية ابن حجر العسقلاني ورواه الحافظ ابن حجر بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: وأخرج أحمد والنسائي، من طريق عمرو بن ميمون:

(هامش)

(1) البداية والنهاية 7 / 338 - 339. (2) مجمع الزوائد 9 / 119 - 120. (*)

ص 224

إني لجالس عند ابن عباس، إذ أتاه سبعة رهط، فذكر قصة فيها: قد جاء ينفض ثوبه فقال: وقعوا في رجل له عز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأبعثن رجلا لا يخزيه الله يحب الله ورسوله، فجاء وهو أرمد... (1). أقول: لاحظ كيف وقع التصرف في لفظ الحديث: أسقط من اللفظ كلام ابن عباس متضجرا: أف وتف ففي رواية أحمد وغيره: جاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل . وحرف لفظ عشر كما في رواية النسائي وغيره، إلى عز . ثم نقص من الحديث بعض الفضائل، من غير إشارة إلى ذلك، فقارن بين (الإصابة) وبين (مسند أحمد) وكتاب (الخصائص) للنسائي... وكان مما نقص من الحديث قول ابن عباس: بأن عليا عليه السلام أول الناس إسلاما بعد خديجة، وقد رواه الحافظ ابن حجر بترجمة الإمام من (تهذيب التهذيب) وتكلم على معناه، فقال: وروى أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: كان علي أول من آمن بالله من الناس بعد خديجة. قال ابن عبد البر: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد، لصحته وثقة نقلته، وهو يعارض ما ذكرنا عن ابن عباس في باب أبي بكر... (2).

(هامش)

(1) الإصابة في تمييز الصحابة 2 / 509. الطبعة القديمة، بهامشها الاستيعاب، 4 / 466. الطبعة الحديثة المحققة. (2) تهذيب التهذيب 7 / 295. (*)

ص 225

تكميل

 قد تبين مما أوردناه في هذا الفصل، أن جماعة من أئمة الحديث ونقدته ينصون على صحة حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس وثقة نقلته، فرأينا من المناسب ذكرهم في نهاية الفصل: 1 - الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري. 2 - الحافظ ابن عبد البر القرطبي. 3 - الحافظ جمال الدين المزي. 4 - الحافظ شمس الدين الذهبي. 5 - الحافظ أبو بكر الهيثمي. 6 - الحافظ ابن حجر العسقلاني.

ص 226

تنبيه

 إن الحديث المشتمل على المناقب العشر لعلي عليه السلام إنما رواه عمرو بن ميمون عن ابن عباس في قضية خاصة وواقعة معينة، وهي تكلم بعض الناس في أمير المؤمنين عليه السلام، فروى لهم ابن عباس هذه الفضائل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدالة على أفضلية علي عليه السلام عند الله ورسوله، حتى ينتهوا عما يقولون. والعلماء الأعلام الذين ذكرناهم في هذا الفصل، يروون هذا الحديث بأسانيدهم المتصلة إلى عمرو بن ميمون عن ابن عباس عن رسول الله. فلماذا الاختلاف الموجود في لفظه في كتب القوم؟ الحقيقة: إن من الاختلاف الموجود، ما يرجع إلى اختلاف النسخة، كلفظ تسعة رهط في بعض الروايات، و سبعة رهط في البعض الآخر، ونحو ذلك من الألفاظ، وهذا الاختلاف غير مهم، لأنه لا يضر بأصل المطلب. ومن الاختلاف غير المؤثر على أصل المطلب، هو التقديم والتأخير في الفضائل العشر، مع اشتمال اللفظ عليها جميعا. ومنه ما يرجع إلى متن الحديث، فبعضهم لم يرو منه قسما، ومنهم من لم يرو منه إلا فضيلة واحدة، ولكن هذا الاختلاف قد يعود إلى الاختصار أو نقل قدر الحاجة من الحديث.

ص 227

إلا أن من المقطوع به تعمد البعض للتحريف، إما محاولة للتقليل من شأن هذا الحديث وعظمة دلالاته، كإسقاط ما يدل منه على اختصاص المناقب بأمير المؤمنين عليه السلام، مع أن مثل الحافظ المحب الطبري يجعل العنوان: ذكر اختصاصه بعشر . وإما محاولة للتستر على حال بعض الأسلاف، كإسقاط القصة التي ورد فيها الحديث، لأنها تفيد أن رجال صدر الإسلام كان فيهم من يقع في علي عليه السلام، وأن ابن عباس وأمثاله كانوا يتضجرون من ذلك، ويدافعون عن الإمام عليه السلام... بل لو دققت النظر في لفظ الحديث في بعض الكتب لرأيت التحريف المخل بالمعنى، المقصود منه التغطية على بعض الحقائق، ففي كتاب (السنة) لابن أبي عاصم: وبعث أبا بكر بسورة التوبة، فبعث عليا خلفه فأخذها منه فقال أبو بكر لعلي: الله ورسوله. قال: لا ولكن لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه والصحيح في اللفظ: وبعث أبا بكر بسورة التوبة... فقال أبو بكر: يا علي، لعل الله ورسوله سخطا علي. فقال علي: لا ولكن قال نبي الله: لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل مني وأنا منه . ولاحظ أيضا كلامنا على رواية ابن حجر في (الإصابة). وعلى الجملة، فإن من التصرفات ما يمكن أن يحمل على محامل صحيحة، ومنه ما لا يمكن، فليتنبه إلى ذلك.

ص 229

تحريف حديث الولاية أو تكذيبه

ص 231

قد عرفت أن (حديث الولاية) صحيح سندا، فرواته من أئمة القوم في مختلف القرون كثيرون جدا. وجماعة منهم ينصون على صحته وثقة رواته. وله أسانيد معتبرة في غير واجد من كتبهم المشتهرة. مضافا إلى أن (حديث الولاية) من جملة (المناقب العشر) التي ذكر الصحابي الجليل (عبد الله بن العباس) كونها من خصائص (أمير المؤمنين عليه السلام) في حديث صحيح أوردنا عدة من طرقه. والمناقشة في سند (حديث الولاية) لكون راويه الأجلح شيعيا، فلا يجوز الاحتجاج بروايته، قد ظهر اندفاعها بما لا مزيد عليه، مع عدم وجوده في كثير من طرقه... أما حديث (المناقب العشر) فلم يقع في شيء من طرقه أصلا. إذن، لا مناص لهم من الإذعان بصحة (حديث الولاية) وشهرته بينهم. إلا أن غير واحد منهم - وعلى رأسهم البخاري - عمدوا إلى تحريف متنه والتلاعب بلفظه، كيلا يتم الاحتجاج به والاستناد إليه، كما التجأ ابن تيمية إلى تكذيبه من أصله على عادته. وفيما يلي بيان التصرفات الواقعة في متن الحديث، وكلام ابن تيمية في تكذيبه.

ص 233

تحريف البخاري

 قال البخاري في (صحيحه): باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع: حدثنا أحمد بن عثمان قال: حدثنا شريح بن مسلمة قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، حدثني أبي، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال: ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال: مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل، فكنت فيمن عقب معه قال: فغنمت أواقي ذوات عدد. حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا روح بن عبادة، ثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا! فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض عليا؟ فقلت: نعم. فقال: لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك (1).

(هامش)

(1) صحيح البخاري 5 / 206 - 207. (*)

ص 234

أقول: لا يخفى على الخبير أن إسقاط قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنه وليكم بعدي ليس إلا من البخاري نفسه، لأن غير واحد من الأئمة يروون هذا الحديث بأسانيدهم عن علي بن سويد بن منجوف عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وفيه (حديث الولاية). فهذا التحريف من البخاري وليس من غيره، وإلى ذلك أشار الحاكم النيسابوري، وبه صرح بعض كبار المحدثين: تنبيه ابن دحية على تحريف البخاري قال ذو النسبين ابن دحية الأندلسي: ترجم البخاري في صحيحه في وسط المغازي ما هذا نصه: بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع: حدثني أحمد بن عثمان قال: ثنا شريح بن مسلمة قال: ثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حدثني أبي، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع خالد بن الوليد إلى اليمن، ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه - فقال: مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل، فكنت فيمن عقب معه قال: فغنمت أواقي ذوات عدد. حدثني محمد بن بشار قال: ثنا روح بن عبادة قال: ثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم -

ص 235

عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا! فلما قدمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرت له ذلك، فقال: يا بريدة أتبغض عليا؟ فقلت: نعم، قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك. قال ذو النسبين - رحمه الله -: أورده البخاري ناقصا مبترا كما ترى، وهي عادته في إيراد الأحاديث التي من هذا القبيل، وما ذاك إلا لسوء رأيه في التنكب عن هذا السبيل! وأورده الإمام أحمد بن حنبل كاملا محققا، وإلى طريق الصحة فيه موفقا فقال فيما حدثني القاضي العدل، بقية مشايخ العراق، تاج الدين أبو الفتح محمد ابن أحمد المندائي - قراءة عليه بواسط العراق - بحق سماعه على الثقة الرئيس أبي القاسم ابن الحصين، بحق سماعه على الثقة الواعظ أبي الحسن ابن المذهب، بحق سماعه على الثقة أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، بحق سماعه من الإمام أبي عبد الرحمن عبد الله، بحق سماعه على أبيه إمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، قال: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الجليل قال: انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابن بريدة فقال: حدثني أبي قال: أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط. قال: وأحببت رجلا لم أحبه إلا على بغضه عليا. قال: فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته - ما أصحبه إلا على بغضه عليا - قال: فأصبنا سبيا قال: فكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابعث علينا من يخمسه قال: فبعث إلينا عليا - وفي السبي وصيفة هي أفضل من في السبي - فخمس وقسم، فخرج ورأسه يقطر. فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟

ص 236

قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي؟ فإني قسمت وخمست، فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم صارت في آل علي، ووقعت بها. قال: فكتب الرجل إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: ابعثني مصدقا. قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق صدق. فأمسك يدي والكتاب، قال: أتبغض عليا؟ قال: قلت: نعم. قال: فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا، فوالذي نفس محمد بيده نصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة. قال: فما كان من الناس أحد بعد قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من علي. قال عبد الله: فوالذي لا إله غيره، ما بيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث غير أبي بريدة (1). أقول: فانظر إلى تورع البخاري وتدينه في نقل أحاديث مناقب أمير المؤمنين! كيف أسقط من هذا الحديث الشطر الدال منه على أفضليته؟ وليس تحريفه مقصورا على هذا الحديث، فقد نص ذو النسبين على أن ذلك عادته ! ونص

(هامش)

(1) شرح أسماء النبي. قال في كشف الظنون 2 / 1670: المستوفى في أسماء المصطفى، لأبي الخطاب ابن دحية عمر بن علي البستي اللغوي، المتوفى سنة 633، لخصه القاضي ناصر الدين ابن المبلق المتوفى سنة... في كراسة، ذكره السخاوي في القول البديع ومن الكتاب نسخة في مكتبة السيد صاحب العبقات رحمه الله. (*)

ص 237

أيضا على أن الباعث له على ذلك هو سوء رأيه في التنكب عن هذا السبيل وناهيك بهذا القول شاهدا على انحراف البخاري عن أمير المؤمنين ودليلا على سوء رأيه وقبح عقيدته... وأي خزي أعظم من أن يبتر الإنسان أحاديث الرسول عليه وآله الصلاة والسلام بمحض هواه وسوء رأيه؟! ومن موارد تلك العادة الخبيثة ما ذكره ذو النسبين أيضا بعد حديث رواه عن مسلم ثم عن البخاري فقال: بدأنا بما أورده مسلم لأنه أورده بكماله، وقطعه البخاري وأسقط منه على عادته كما ترى، وهو مما عيب عليه في تصنيفه على ما جرى، ولا سيما إسقاطه لذكر علي رضي الله عنه . ترجمة ابن دحية الأندلسي وهذه نتف من ترجمة ابن دحية ذي النسبين، ننقلها عن بعض الكتب المعتبرة لتعرف: 1 - ابن خلكان: أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن الجميل ابن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملال بن بدر بن دحية بن خليفة بن فروة الكلبي، المعروف بذي النسبين، الأندلسي البلنسي، الحافظ... كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقنا لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها... (1). 2 - السيوطي: الحافظ أبو الخطاب. كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقنا لعلم الحديث وما يتعلق به، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب

(هامش)

(1) وفيات الأعيان 3 / 448. (*)

ص 238

وأشعارها. سمع الحديث ورحل، وله بنى الكامل دار الحديث الكاملية بالقاهرة، وجعله شيخها. حدث عنه ابن الصلاح وغيره. ومات ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول سنة 633 (1). وقال: ابن دحية، الإمام العلامة الحافظ الكبير، أبو الخطاب... (2). 3 - المقري: الحافظ أبو الخطاب ابن دحية.. كان من كبار المحدثين، ومن الحفاظ الثقات الأثبات المحصلين... (3). 4 - الزرقاني: الإمام الحافظ المتقن... البصير بالحديث، المعتني به، ذو الحظ الوافي في اللغة والمشاركة في العربية، صاحب التصانيف... (4). 5 - الذهبي: ابن دحية، الشيخ العلامة المحدث الرحال المتفنن، كان بصيرا بالحديث، معتنيا بتقييده، مكبا على سماعه، حسن الخط، معروفا بالضبط، له حظ وافر من اللغة ومشاركة في العربية وغيرها... ثم ذكر عن بعضهم التكلم فيه بسبب أنه كثير الوقيعة في السلف ونحو ذلك (5). وله ترجمة في: شذرات الذهب 5 / 160 والنجوم الزاهرة 6 / 295 والبداية والنهاية 13 / 144 وغيرها.

(هامش)

(1) بغية الوعاة 2 / 218. (2) حسن المحاضرة 1 / 355. (3) نفح الطيب 2 / 305. (4) شرح المواهب اللدنية 1 / 79 - 80. (5) سير أعلام النبلاء 22 / 389. (*)

ص 239

تحريف البغوي

 ولمحيي السنة - كما لقبوه - البغوي صاحب كتاب (مصابيح السنة) تحريف آخر... فإنه قد أسقط من الحديث لفظ بعدي وهو القرينة الدالة على كون الولي فيه بمعنى المتصرف في الأمر و الحاكم فقال: من الحسان: عن عمران بن حصين: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن (1). وهل يمكن القول بأنه لم ير الحديث في (مسند أحمد) ولا في (صحيح الترمذي) وغيرهما مشتملا على لفظ بعدي ؟ أليس قد صرح في مقدمة كتابه بدرجه روايات الترمذي فيه، وقد علمت أن الترمذي أخرج هذا الحديث مع لفظة بعدي ؟! فما هو الغرض من هذا التصرف؟ مع أنهم في كثير من الموارد يلتزمون بنقل الحديث كما هو، وحتى أنهم ينبهون على اختلاف النسخ في لفظه، حتى في أبسط الأشياء وأقل الاختلاف غير المغير للمعنى؟!

(هامش)

(1) مصابيح السنة 4 / 172 رقم 4766. (*)

ص 240

تحريف التبريزي ونسبته إلى الترمذي!

 لكن ولي الدين الخطيب التبريزي زاد في الطنبور نغمة أخرى. فنسب الحديث المبتور كذلك، أي المحذوف منه لفظة بعدي إلى الترمذي! وهذه عبارته: عن عمران بن حصين: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن. رواه الترمذي (1). فقد كذب هذا المحدث الجليل مرتين: لقد أسقط من الحديث لفظة بعدي ، مع وجودها في متن الحديث، في صحيح الترمذي وغيره... ونسب هذا اللفظ المحرف إلى صحيح الترمذي! ألا يظن هؤلاء أن في الناس من يراجع (صحيح الترمذي) ويطلع على تحريفاتهم وتصرفاتهم فتنكشف سوأتهم؟

(هامش)

(1) مشكاة المصابيح 3 / 1720. (*)

ص 241

تكذيب ابن تيمية الحديث من أصله! وجاء ابن تيمية فأفرط في الوقاحة، فكذب الحديث من أصله بصراحة!! فقال: وكذلك قوله: وهو ولي كل مؤمن بعدي، كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات. فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان. وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: والي كل مؤمن بعدي، كما يقال في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر، وقيل: يقدم الولي. فقول القائل: علي ولي كل مؤمن بعدي، كلام يمتنع نسبته إلى رسول الله، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي ، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقال وال على كل مؤمن (1). أقول: وهذا كلام ناشئ عن الحقد والعدوان، لأنه تكذيب لحديث أخرجه

(هامش)

(1) منهاج السنة 7 / 391. الطبعة الحديثة. (*)

ص 242

الأئمة: كالترمذي، وابن حبان، والضياء، في صحاحهم، ونص آخرون: كابن أبي شيبة، وابن جرير، على صحته، ووثق أئمة الرجال أسانيده... وأما قوله: إن أراد الموالاة... فتخرص محض، لأن لفظ الولي كما يكون بمعنى المحب كذلك يكون بمعنى الوالي وهو هنا بقرينة بعدي صريح في المعنى الثاني... فلا ضرورة لأن يقول وال ... وهل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتكلم كما يشتهي ابن تيمية ونظراؤه؟ إنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يريد إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته من بعده بلا فصل، هذا الأمر الذي بينه مرة بعد أخرى، بأساليب وألفاظ مختلفة، لكن القوم إذا استدل عليهم بحديث الغدير وضعوا على لسان الحسن بن الحسن أنه إن أراد الإمارة قال إنه الولي بعدي . وإذا استدل عليهم بلفظ وليكم بعدي قالوا: كان ينبغي أن يقول: الوالي فلو استدل عليهم بحديث فيه الوالي لقالوا شيئا آخر... لكن هذه المكابرات والتعصبات إنما تدل على عجزهم عن الجواب الصحيح عن استدلالات واحتجاجات أهل الحق، وعلى بطلان أساس مذهبهم الذي يحاولون الدفاع عنه حتى بالتحريف والتزوير! هذا، ولم نجد سلفا لابن تيمية في إبطال هذا الحديث وتكذيبه... ولا يتوهم أن تكذيبه منحصر بحديث الولاية من مناقب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، فقد انفرد ابن تيمية بتكذيب كثير من مناقبه وفضائله عليه السلام، حتى اضطر غير واحد من علمائهم الكبار إلى الرد عليه... فمن خصائص أمير المؤمنين عليه السلام التي كذبها ابن تيمية قضية

ص 243

المؤاخاة، إذ أنكر أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين نفسه وبين علي. وكان من جملة من رد عليه إنكاره ذلك: الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري - شرح صحيح البخاري). وللتفصيل في هذا الموضوع مجال آخر...

ص 244

أباطيل ابن حجر المكي ووجوه النظر فيها وكذا في المتأخرين ابن تيمية، لا يوجد مكذب لحديث الولاية... وحتى ابن حجر المكي... فإنه وإن حاول القدح والجرح، لكن لم يجسر على تكذيبه... وهذه عبارته: أما رواية ابن بريدة عنه: لا تقع يا بريدة في علي فإن عليا مني وأنا منه وهو وليكم بعدي. ففي سنده الأجلح، وهو وإن وثقه ابن معين لكن ضعفه غيره. على أنه شيعي. وعلى تقدير الصحة فيحتمل أنه رواه بالمعنى بحسب عقيدته. وعلى فرض أنه رواه بلفظه، فيتعين تأويله على ولاية خاصة، نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: أقضاكم علي. على أنه وإن لم يحتمل التأويل فالإجماع على حقية ولاية أبي بكر وفرعيها قاض بالقطع لحقيتها لأبي بكر وبطلانها لعلي، لأن مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظني، ولا تعارض بين ظني وقطعي، بل يعمل بالقطعي ويلغى الظني، على أن الظني لا عبرة به فيها عند الشيعة (1). أقول: إن للحديث طريقا أو طرقا ليس فيها الأجلح، وقد سكت عن ذلك ابن حجر، ليوهم الناظر أن لا طريق للحديث سوى الذي فيه الأجلح! ومن طرائف الأمور: أنه أورد في كتابه حديث الولاية في فضائل أمير

(هامش)

(1) الصواعق المحرقة: 66. (*)

ص 245

المؤمنين عليه السلام برواية عمران بن حصين وليس فيه الأجلح! ففي الفصل الثاني من الباب التاسع: واقتصرت هنا على أربعين حديثا لأنها من غرر فضائله... الحديث الخامس والعشرون: أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ (1) إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي. ومر الكلام في حادي عشر الشبه على هذا الحديث وبيان معناه وما فيه . فلو نظر ابن حجر إلى سند هذا الحديث الذي جعله من غرر فضائل الإمام لوجده خلوا من الأجلح، ولكنه الجهل أو التعصب! نعوذ بالله! وأيضا، فإن توثيق الأجلح غير منحصر بابن معين، إذ قد وثقه غيره كذلك، وأخرج عنه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، في صحاحهم، فزعم انفراد ابن معين في توثيق الأجلح باطل، كزعم انفراد الأجلح بالحديث. وأيضا، فإن كلامه هنا يناقضه تصريحه بصحة الحديث في (شرح الهمزية) حيث قال بشرح: وعلي صنو النبي... : وذلك عملا بما صح عنه - صلى الله عليه وسلم -: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وإن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي . كما أنه ينافيه جعله هذا الحديث في كتاب (الصواعق) من غرر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، كما رأيت...

(هامش)

(1) كذا في الصواعق، لكن الجملة في الترمذي والحاكم مكررة ثلاث مرات. (*)

ص 246

فعجيب أمر هؤلاء! كيف يضطربون أمام الحق وأهله، فيناقضون أنفسهم ويكذبون أئمتهم!! وأما احتمال نقل الأجلح الحديث بالمعنى بحسب عقيدته، فاحتمال سخيف جدا، ولا يخفى ما يترتب على فتح باب هكذا احتمالات في الأحاديث من المفاسد التي لا تحصى، بل إن مثل هذا الاحتمال يؤدي إلى هدم أساس الدين واضمحلال الشريعة المقدسة! وكذلك تأويله - على فرض أنه رواه بلفظه - على ولاية خاصة نظير قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أقضاكم علي... فإن التأويل بلا دليل لا يدل إلا على التلميع والتسويل. على أنه باطل بالأدلة والبراهين الآتية... ومع ذلك، فإن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أقضاكم علي إنما يفيد أعلمية علي عليه السلام وأفضليته ممن عدا النبي، فإذا كان المعنى الذي يريد ابن حجر تنزيل الولاية عليه مماثلا للحديث المذكور في الدلالة على الأفضلية، لم يخرج حديث الولاية عن الدلالة على المذهب الحق. وكأن ابن حجر يعلم بعدم جواز التأويل بلا دليل، وبأن الحديث غير قابل لذلك، فيضطر إلى التمسك بالإجماع الموهوم على خلافة أئمتهم الثلاثة... لكن هذا الإجماع المدعى لا أساس له كما بين في محله.

ص 247

ودعوى أن حديث الولاية خبر واحد مردودة بوجوه: اتفاق الفريقين على نقله يوجب اليقين بصدوره الوجه الأول: إن رواية الجم الغفير من أساطين الفريقين مع نص جمع منهم على الصحة، وإيراد جمع آخر بالقطع والجزم، يورث اليقين بثبوت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لقد روى هذا الحديث العشرات من أئمة أهل السنة في مختلف العلوم عبر القرون، وإن جماعة من مشاهيرهم ينصون على صحته ووثاقة رواته: وإن من أشهر المصرحين بصحة هذا الحديث هو: ابن أبي شيبه، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري، والحاكم النيسابوري، والحافظ الهيثمي صاحب مجمع الزوائد، وجماعة آخرون. كما أن للحديث أسانيد صحيحة في خارج الصحاح والمسانيد أيضا، وقد أوقفناك على عدة من تلك الأسانيد، والحمد لله. هذا، مضافا إلى وجود (حديث الولاية) ضمن حديث المناقب العشر، الوارد في كتب القوم بأسانيد متكثرة معتبرة، كما عرفت ذلك فيما تقدم. الصحابة الرواة لحديث الولاية الوجه الثاني: إن هذا الحديث وارد عن أربعة عشر شخصا من الصحابة: 1 - أفضلهم على الإطلاق أمير المؤمنين عليه السلام. فقد روى الديلمي - كما في (كنز العمال) و(مفتاح النجا) عنه - أنه قال

ص 248

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بريدة إن عليا وليكم بعدي، فأحب عليا فإنه يفعل ما يؤمر . وأيضا: فإنه عليه السلام ناشد به جماعة من الأنصار والمهاجرين، كما سيجئ عن (ينابيع المودة) إن شاء الله تعالى. وأيضا: رواه عليه السلام في قصة نزول قوله تعالى: *(وأنذر عشيرتك الأقربين)*... روى ذلك: ابن مردويه، والمتقي، ومحمد محبوب عالم. وأيضا: رواه الإمام عليه السلام عن رسول الله ضمن حديث سؤاله من الله خمسة أشياء. أخرجه: الخطيب البغدادي، والرافعي، والزرندي، والسيوطي، والمتقي، وغيرهم من المحدثين في كتبهم. 2 - الإمام الحسن عليه السلام. رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رواية الشيخ القندوزي في (ينابيع المودة) كما سيجئ، ولفظه: أما أنت يا علي فمني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي . 3 - أبو ذر الغفاري. روى حديث الولاية بلفظ: علي مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي، حبه إيمان وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة . أخرجه الديلمي في (مسند الفردوس)، وعنه الوصابي في (الاكتفاء). 4 - عبد الله بن عباس. وروايته أخرجها: أبو داود الطيالسي، وأحمد، وأبو يعلى، والحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر، والخطيب الخوارزمي، وابن عساكر، والمحب

ص 249

الطبري، وابن حجر العسقلاني... وغيرهم. 5 - أبو سعيد الخدري. فقد رواه عنه: النطنزي في (الخصائص العلوية) وفيه: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي . وقد ذكره أبو نعيم الأصفهاني في كتاب (ما نزل من القرآن في علي)، وجمال الدين المحدث الشيرازي في (الأربعين). 6 - البراء بن عازب الأنصاري الأوسي. أخرج حديثه: أبو المظفر السمعاني ضمن حديث الغدير، ولفظه: هذا وليكم من بعدي، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . 7 - جابر بن عبد الله الأنصاري. رواه عنه البيهقي صاحب كتاب (المحاسن والمساوئ). 8 - أبو ليلى الأنصاري. وحديثه في (المناقب للخوارزمي) ولفظه: أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي . 9 - عمران بن الحصين. وروايته عند: أبي داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، والنسائي، والحسن بن سفيان، وأبي يعلى، وابن جرير، وخيثمة بن سليمان، وأبي حاتم ابن حبان، والطبراني، والحاكم، وأبي نعيم، وابن المغازلي، والديلمي، وابن الأثير... وجماعة آخرين... 10 - بريدة بن الحصيب الأسلمي.

ص 250

وأخرج روايته: ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، ومسعود السجستاني، والديلمي، وابن سبع الأندلسي، والضياء، والمحب الطبري، وابن حجر العسقلاني، والقسطلاني، والسيوطي، والمتقي... وغيرهم. 11 - عبد الله بن عمر. ففي (مودة القربى) عنه عن رسول الله: يا أيها الناس هذا وليكم بعدي في الدنيا والآخرة فاحفظوه. يعني عليا . 12 - عمرو بن العاص. ففي (المناقب للخوارزمي) في كتاب له إلى معاوية وقد قال فيه: علي وليكم بعدي وذلك علي وعليك وعلى جميع المسلمين . 13 - وهب بن حمزة. قال ابن كثير: قال خيثمة بن سليمان: حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا عبيد الله بن موسى عن يوسف بن صهيب، عن ركين، عن وهب بن حمزة قال: سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة، فرأيت منه جفوة، فقلت: لئن رجعت فلقيت رسول الله لأنالن منه. قال: فرجعت فلقيت رسول الله، فذكرت عليا فنلت منه. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولن هذا لعلي، فإن عليا وليكم بعدي . 14 - حبشي بن جنادة. رواه عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة بلفظ: علي ولي كل مؤمن بعدي . هذا، وإن ابن حجر يدعي في (الصواعق) تواتر الحديث الموضوع مروا

ص 251

أبا بكر فليصل بالناس بزعم وروده عن ثمانية من الصحابة... فكيف يكون حديث موضوع متواترا بزعم وروده عن ثمانية - اثنان منهم عائشة وحفصة - ويكون حديث صحيح مروي بطرق عن أربعة عشر صحابيا آحادا؟ حديث الولاية متواتر الوجه الثالث: إن ابن حزم يدعي في حديث رواه عن أربعة من الصحابة أنه متواتر... وهو حديث رواه عنهم في مسألة بيع الماء. فيكون ما رواه أربعة عشر صحابيا متواترا بالأولوية القطعية. الوجه الرابع: إن (الدهلوي) يزعم في كتابه (التحفة) أن ما نسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: لا نورث ما تركناه صدقة لم ينفرد به أبو بكر، بل رواه أهل السنة عن جماعة ذكر أسمائهم ثم قال: إن هذا الحديث بمثابة الآية القرآنية في قطعية الصدور، لأن نقل الواحد من هذه الجماعة يفيد اليقين فكيف وهم متفقون على نقله (1). فهذا الكلام يقتضي الحكم بقطعية صدور حديث الولاية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكونه نظير القرآن الكريم في ذلك. وأما قول ابن حجر: على أن الظني لا عبرة به فيها عند الشيعة كما مر فمندفع بأن الحديث قطعي وليس ظنيا، وعلى فرض ذلك، فإن الإمامة لدى جمهور أهل السنة من الفروع يكفي فيها خبر الواحد.

(هامش)

(1) التحفة الاثنا عشرية: 275. (*)

ص 252

تقليد الكابلي ابن حجر الهيتمي وبما ذكرنا في رد أباطيل الهيتمي يظهر الجواب عما ذكره نصر الله الكابلي تبعا له حيث قال في كتابه (الصواقع): الثالث: ما رواه بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن من بعدي. الولي الأولى بالتصرف، فيكون هو الإمام. وهو باطل. لأن في إسناده الأجلح وهو شيعي متهم في روايته، فلا يصلح خبره للاحتجاج. ولأن الجمهور ضعفوه فلا يحتج بحديثه. ولأنه يحتمل أنه رواه بالمعنى بحسب عقيدته. ولأن الولي من الألفاظ المشتركة كما سلف. ولأنه من أخبار الآحاد، وهي لا تفيد إلا الظن. ولأنه لا يقاوم ما تقدم من النصوص الدالة على إمامة من تقدم عليه . أقول: قد عرفت: أن الأجلح ليس شيعيا، وأن الجمهور لم يضعفوه، فيسقط

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السادس عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب