نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء التاسع عشر

الصفحة السابقة

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء التاسع عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 404

جهل ابن تيمية به ليس بحجة، وستأتي في تحقيق الخرقة من مسند الدنيا الحافظ أبي طاهر السلفي، والمحدث أبي بكر الزراد، وغيرهما من المحققين، حقيقة حقة لهذا، ولسائر ما قد مر، ومن ذكر حجة على من لم يذكر، سيما والذي لم يذكره لم يتعرض لنفيه، وقد صحح هذا كله صاحب القرة في الانتباه، ولم يتكلم فيها في القرة، من حيث اللقية والصحبة، ولكن أحدث أمر آخر، سنورده مع الرد بمدد الله الصمد. (وفيها أن حبيبا العجمي صحب الحسن البصري، وهذا صحيح، فإن الحسن كان له أصحاب كثيرون، مثل أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وعبد الله بن عون، ومثل محمد بن واسع، ومالك بن دينار، وحبيب العجمي، وفرقد السنجي وغيرهم من عباد أهل البصرة). لا حاجة إلى هذه الإطالة. (وفي الخرقة أن الحسن صحب عليا. وهذا باطل باتفاق أهل هذه المعرفة. فإنهم متفقون على أن الحسن لم يجتمع بعلي، وإنما أخذ عن أصحاب علي، أخذ عن الأحنف بن قيس، وقيس بن عباد، وغيرهما، عن علي، وهكذا رواه أهل الصحيح، والحسن البصري ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وقتل عثمان وهو بالمدينة). يقال له هنا: فأين كان علي المرتضى إذن؟ وهل رحل هو أو الحسن مدة خلافة عثمان رضي الله عنه إلى بلدة؟ فلا بد له من القول بكونه رضي الله عنه بالمدينة الطيبة، وأنهما لم يرحلا مدة خلافة عثمان رضي الله عنه، فيسأل: فأي مانع كان لهما من الاجتماع؟ فلا جرم أن لا منجا له من أن يقول بعد كيت وذيت: لا ريبة أنهما كانا يجتمعان في المسجد كل يوم خمس مرات، إلى آخر ما تحقق فيما سبق. ويا عجبا منه كيف لم يتعرض ههنا لتحقيق كون علي رضي

ص 405

الله عنه بأية بلدة، وتفحص عنه فيما إذا رحل الحسن إلى البصرة. قال: (كانت أمه أمة لأم سلمة، فلما قتل عثمان حمل). التعبير بالحمل عجيب تزوير. فتأمل. (إلى البصرة. وكان علي بالكوفة). مر رده غير مرة. (والحسن في زمنه صبي من الصبيان، لا يعرف، ولا له ذكر). يأتي رده إن شاء الله تعالى. وقال صاحب القرة بعد مقالته المذكورة: وثقات تبع التابعين الذين كانوا بالمدينة، داخلون في هذه المرتبة ألبتة، فعدم عد سلاسلهم، والاكتفاء بسلاسل جمع من أهل العراق وخراسان، نوع من الجور. قلت: يا سبحان الله، هل الجور إثبات ما ثبت عن الأثبات متواترا متظافرا، أو نفي ذلك وإثبات ما لم يكن شيئا مذكورا؟ وكيف يضعون الإسناد لما لم يقع لهم إليه استناد؟ قال: والذي يتبادر أن أصل هذا الغلط كان بعض تصريحات أبي طالب المكي، وحيث أن كتابه أصل التصوف، كان هذه المسألة من مشهوراتهم الذائعة، وهو وإن كان عمدة في هذه الطريقة، فله تساهلات كثيرة في علم الحديث، ولا يظهر منه اتساع وتبحر في الرواية، حتى يتكلم على حال جميع السلاسل. قلت: قد تقدم رد التكلم في المكي، مع أن هذا ليس من علم الحديث وروايته، بل هو من علم الباطن ورواته، وهو من أهل ذلك الفن، ولا يلزم من عدم التبحر في علم عدمه في علم آخر، على أنه قد تابع المكي عليه عصريه الإمام أبو بكر بن أبي إسحاق الكلاباذي البخاري المحدث في التعرف ، وقد

ص 406

قال فيه المشايخ - كما في فصل الخطاب - لولا التعرف ما عرف التصوف. قال في ذكر رجال الصوفية: فممن نطق بعلومهم، وعبر من مواجيدهم، ونشر مقالاتهم، ووصف أحوالهم، قولا وفعلا، بعد الصحابة: علي بن الحسين زين العابدين، وابنه محمد بن علي الباقر، وابنه جعفر بن محمد الصادق، بعد علي والحسن والحسين، رضي الله عنهم أجمعين. ثم قال: وأويس القرني، والحسن بن أبي الحسن البصري - إلى أن قال - ومن أهل خراسان والجبل: أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي - إلى أن قال -: وممن نشر علوم الإشارة، كتبا ورسائل، أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي - إلى أن قال - وأبو بكر الشبلي. ثم قال: وممن صنف في المعاملات: أبو محمد عبد الله بن محمد الأنطاكي، وأبو عبد الله أحمد بن عاصم الأنطاكي، والحارث بن أسد المحاسبي، وأبو عبد الله محمد بن علي الترمذي، وأبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي، وأبو علي الجوزجاني، وأبو القاسم إسحاق بن محمد الحكيم السمرقندي. ثم قال: فهؤلاء هم الأعلام المذكورون المشهورون، المشهود لهم بالفضل. إلى آخر ما قال، ذكره صاحب فصل الخطاب . ثم قال صاحب القرة: يحرر الفقير ما قرر عنده في هذا الباب، وإن كان يشق على بعض أهل العصر، الذين يألفون مشهورات القوم، فإن الحق أحق أن يتبع. كأنه يريد الإمام المصنف قدس سره الفريد. قال: سلسلة تهذيب النفس في أهل المدينة مرتقية إلى أئمة تبع التابعين، وأعظمهم الإمام مالك، وله شيوخ كثيرون، وأكثر انتفاعه بنافع عن ابن عمر، وهو مع إدراكه شرف صحبته وتربيته صلى الله عليه وآله وسلم قد صحب والده أيضا.

ص 407

قلت: واها لك، ما لمالك والأعظمية بالمدينة الطيبة في ذلك، مع وجود إمام المسالك هنالك؟! وهو إمام الأعلام، منبع المعارف والحقائق، جعفر بن محمد الصادق، وهل الإمام مالك إلا من خادمي حضرته العلية، وملازمي عتبته السنية، وسلسلته سلسلة الذهب أبا عن جد، إلى المرتضى، وللصادق انتساب إلى أبي بكر الصديق أيضا. وكأن صاحب القرة ليست له خبرة بحال الإمام عبيد الله بن عمر العمري، وقد فضله يحيى بن سعيد، والإمام أحمد، وعمرو بن علي الفلاس، على مالك في نافع، ثبتا وحفظا وإكثار الرواية، وأنكروا على ابن مهدي العكس. وكذا قد قدمه وآثره عليه الزهري، إذ قرأ الكتاب لديه، وقال أبو بكر ابن منجويه: كان من سادات أهل المدينة، وأشراف قريش، فضلا وعلما وعبادة وشرفا وحفظا وإتقانا. ولا بحال الإمام عبد الله بن عبد العزيز العمري الحافظ الفقيه الصوفي، وقد فضله السفيانان وعبد الرزاق، في رواية صحيحة عنهم، والطحاوي، وآخرون، على الإمام مالك، ورأوا الحمل عليه حديث [فالحديث] ضرب أكباد الإبل. وقد كتب الإمام مالك إليه، إذ كتب هو إلى مالك يحضه على التفريد، ما نصه: ما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، ونرجو أن يكون كلنا على خير، ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قسمه الله له. ثم الإمام مالك وإن مال بعد إلى ذلك، ولكن ليس يكون إمامهم، وهؤلاء الأجلاء فيهم، ولم أعلم ممن استفاض العمريان! قال: (وسلسلة أهل مكة مرتقية إلى أصحاب ابن عباس). قلت: لم يقل هنا أنه مع تشرفه بصحبته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد صحب المرتضى أيضا، وتأدب به، وعليه تخرج في العلم الظاهر والباطن

ص 408

الباهر، كما رواه الأئمة، كابرا عن كابر، بحيث لا يسع إنكاره المكابر. قال: (وسلسلة أهل الكوفة كداود الطائي مرتقية إلى أئمة تبع التابعين، وأعظمهم سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أصحاب عبد الله بن مسعود). قلت: يا سبحان الله، إنما داود من أقران الثوري، وشريكه في شيوخه، وإنما جل أخذه الحديث من التابعين. قال الذهبي في تذهيب التهذيب في ترجمته: الفقيه، الزاهد، أحد الأعلام، عن عبد الملك بن عمير، وهشام بن عروة، وإسماعيل بن خالد، وجماعة من طبقتهم. إنتهى. وإنما كان بدايته في الترك، من كلمة قالها له الإمام أبو حنيفة من شيوخه في الفقه. ولكن ليس يذكره صاحب القرة، وإنما استفادته علم الباطن من الإمام الحبيب الراعي، والإمام الحبيب العجمي، على ما رواه أهل هذه المعرفة والمعاملة، واعترف به صاحب القرة في الانتباه، وكأنه لم يقرع قط أذنه: إن عليا كرم الله وجهه سكن الكوفة مدة، حتى قضى نحبه، وقد استفاض بها منه جماعات من أرباب الولايات، ككميل، وقد باء به صاحب القرة في الانتباه، فيكون مرتقى سلسلة أهل الكوفة أيضا إلى المرتضى. قال: (وسلسلة أهل البصرة مرتقية إلى الحسن وابن سيرين). قلت: لم يذكر أنهما عمن أخذا، فلو لم يكن الحسن أخذ عن المرتضى، فلا شبهة عنده في أخذه عن أصحابه، ككميل بن زياد، وقيس بن عباد، وكذا ابن سيرين. قال: (وسلسلة أهل الشام مرتقية إلى أبي الدرداء). قلت: لم يذكر من دونه من أهل السلسلة، فإن إيجاده مشكل جدا، ولا يخفى أن سلسلة أهل الشام مرتقية إلى الإمام إبراهيم بن أدهم، ثم إلى المرتضى.

ص 409

قال: (وسلسلة أهل اليمن مرتقية إلى طاوس عن ابن عباس). قلت: وهو إلى المرتضى. إنتهى. هذا، وقد أحدث ههنا صاحب القرة شقا آخر غير شقي ابن تيمية فقال: وبعد هذا كله، لا شبهة أن ظاهره صلى الله عليه وآله وسلم كان أحكام الشريعة، والطريقة خفية ومستورة، واعتناؤه الكلي جهارا وتعليما وترويجا وترغيبا وترهيبا، إنما كان بأحكام الشريعة، والإشارات الضمنية إلى الطريقة، وأكثر الآيات والأحاديث بطريق التصريح والتفصيل، يثبت الشريعة، وبعضها بطريق الإيماء والإجمال يثبت الطريقة، ففضل يتعلق بالأظهر والأصرح، وبما كان به الاعتناء الكلي يكون فضلا كليا، وغيره وإن كان أنفس وأعلى وأغلى، فضل جزئي. إنتهى ترجمة لفظه. قلت: سبحان الله، إنما هذا الاعتناء بالشريعة، لكونها ذريعة إلى الطريقة، حتى يصل بها من قدر له إلى معرفة الحقيقة، التي هي العلة الغائية، وإليها نهاية الأمنية، فلها الفضل الكلي دون الذريعة، وإلا فيلزم أن يكون المقصود الحقيقي الذي هو وجهه تعالى مفضولا، وأية كلمة أكبر منها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. مع أن تفضيلهما عليه في علم الشريعة محل المنازعة كما سترى، وهو شريكهما في تعليمها، والغزوات والبعوث كما تخبر به زبر الأثر، نعم لهما سيما أبي بكر الصديق خصوصية في إشاعة الإسلام، ونصرته عليه السلام في أول الأمر، كما أن للمرتضى خصوصية في ذلك، في فتح خيبر، إذ أشكل على الكل الأمر، وكذا في فتح همدان، وإشاعة أحكام الإسلام في غير واحد من البلدان، باليمن والعراق والآفاق. ولقد كان بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم في نوبة الخلفاء الثلاثة

ص 410

شريكهم في الأمور الجهادية، والواقعيات القضائية، كاشف كل شبهة، وموضح كل حكم، كما قال الفاروق، ولذا قد أمسكه عنده في نوبته، ولم يوله شيئا من البعوث. وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة المرتضى: ولم يزل بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم متصديا لنشر العلم، فلما قتل عثمان بايعه الناس، ثم كان من وقعة الجمل وصفين والنهروان، والتحريض على قتال البغاة ما كان. إنتهى ملخصا. وقال تاج الإسلام المحدث الفقيه محمد بن محمد بن طاهر بن محمد بن الحافظ إبراهيم بن حمزة الخدابادي البخاري في أربعينه، بعد ما أسند الحديث الرابع عن المرتضى رفعه: الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة. الحديث - ما نصه: راويه صاحب السوابق الرضية، الذي أفصح عن دقائق التفريد، وأظهر حقائق التوحيد. وروي عن الإمام الأعظم أبي حنيفة أنه قال: لولا وقائع علي رضي الله عنه، مع البغاة والخوارج وأقضيته وأحكامه معهم، ما كنا نعرف أحكام أهل البغي والخوارج. إنتهى. وهذا القول مستفيض مشهور، وفي كتب كثيرة مذكور. قوله (فهذا كله كذب). قال الإمام اليافعي في مرآة الجنان في ترجمة الإمام معروف الكرخي: من موالي علي بن موسى الرضا، وكان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى مؤدب وهو صبي، فكان المؤدب يقول له، قل: ثالث ثلاثة، فيقول معروف: بل هو الله الواحد القهار، فضربه المعلم يوما على ذلك ضربا مبرحا، فهرب منه، وكان أبواه يقولان: ليته يرجع إلينا على أي دين شاء، فنوافقه عليه. ثم إنه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا، ورجع إلى أبويه، فدق

ص 411

الباب، فقيل له: من بالباب؟ فقال: معروف. فقيل: على أي دين؟ فقال: على الإسلام، فأسلم أبواه. وهذه القصة قد أوردها كذلك الإمام القشيري، نقلا عن شيخه الإمام المشتهر في الآفاق، القاري صحيح البخاري وغيره على النقدة، أبي علي الدقاق. وتبعه ابن خلكان وغيره من أهل الشأن. وهي تكملة ما في المجمع عن الصفوة لابن الجوزي. قال عبد الله بن صالح: كان معروف قد ناداه الله بالاجتباء في الصبا. فذكر أبي أن أخاه عيسى قال: كنت أنا وأخي معروف في كتاب النصارى، وكنا نصارى، وكان المعلم يعلم الصبيان: أب وابن، فيصيح أخي معروف ويقول: أحد أحد، فضربه المعلم يوما على ذلك ضربا شديدا، فهرب على وجهه، فكانت أمي تبكي وتقول: لئن رد الله تعالى علي ابني، لأتبعنه على أي دين كان، فقدم عليها بعد سنين، فقال له: أي بني على أي دين أنت؟ فقال: في دين الإسلام. فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال: فأسلمت وأسلمنا كلنا. إنتهى. وقال العلامة ابن حجر المكي المحدث في الصواعق المحرقة في ترجمة الإمام علي الرضا رضي الله عنه: ومن مواليه معروف الكرخي، أستاد السري السقطي، لأنه أسلم على يديه. وقال عصريه: شيخ مشايخنا في الحديث، الإمام عبد الوهاب الشعراني في طبقاته في ترجمة معروف: وهو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، صحب داود الطائي رضي الله عنه إنتهى. وهكذا ذكر الحرالي والمناوي أنه أخذ عن مولاه الإمام الرضا.

ص 412

ولا يخفى أن اليافعي والمكي كليهما من الطبقة المتأخرة عن ابن تيمية، وإنما وجه استناد الأستاذ بهما مع عدم حضور الكتب للقدماء لديه: إنهما لما جزما بما عند الأئمة المتقدمة، دون ما ذكره ابن تيمية، مع عثورهم عليه، دل ذلك على أن الأول هو المعول، وأن هنا مما لا يلتفت إليه. وأما ما وقع في طبقات شيخ الإسلام من: أن أبا معروف هو مولى الإمام الرضا، وبوابه، وأنه أسلم على يديه، وأن الإمام اطلع يوما على الناس، فازدحموا، فوقع أبو معروف تحت أرجلهم فهلك. فغير مشهور عند الجمهور، ولكنه لا مانع منه أيضا. والله أعلم. ثم المعني بالمولى هنا، ليس مولى العتق، بل مولى الإسلام، كما يفهم من حديث الطبراني وابن عدي والدارقطني والبيهقي وغيرهم، عن أبي أمامة: من أسلم على يديه رجل فله ولاء. وفي رواية البخاري في تاريخه وأبي داود والطحاوي عن تميم الداري: هو أولى الناس بمحياه ومماته، وفي لفظ: بحياته ومماته، سواء أريد بالولاء ولاء الإرث أو ولاء الموالاة، فلا منافاة، وهو كقول ابن حبان في كتاب الثقات في الراهب النصراني الذي تشرف بإكرام رأس الإمام الحسين الشهيد، فرأى منه كرامة: فأسلم النصراني وصار مولى للحسين رضي الله تعالى عنه. قوله: (وهذا باطل باتفاق أهل هذه المعرفة، فإنهم متفقون على أن الحسن لم يجتمع بعلي). ويلوح رضا صاحب القرة بهذا مرة دون مرة. سبحان الله، هذا بهتان عظيم، فقد تقدم عن إمامي هذه المعرفة علي بن المديني شيخ البخاري وأبي زرعة الرازي شيخ مسلم، أنهما قالا: إنه رآه بالمدينة الطيبة، مع رواية البخاري القوية، ورواية أبي يعلى الموصلي الصحيحة

ص 413

الصريحة في سماعه منه رضي الله عنه، ورواية الحافظ أبي نعيم الذي هو مستند ابن تيمية ومعتمده عن الحسن ما هو صريح في كثرة سماعه منه رضي الله عنه. وغير ذلك كلام الإمام الضياء في المختارة في ترجيح إثبات سماعه منه، وتجريح نفيها، وتصحيح حديثه عنه لذلك، وإيراده هنالك، وقد قال الحافظ الشامي في سبل الهدى والرشاد في الرد على ابن تيمية إنكاره المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي المرتضى، وذكر رواية الضياء ذلك، ما نصه: وابن تيمية يصرح بأن الأحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك. ولو تحلى ابن تيمية بالإنصاف، وتخلى من التعصب والاعتساف، لنقل اتفاق أئمة حفاظ الآفاق، على خلاف ما جعل عليه الوفاق. وإنما قوله هذا كرده الأحاديث المسندة، الموجودة في الكتب المعتمدة المشهورة، ونسبة الوضع والكذب إليها، كما قال في هذا الكتاب أيضا: إن حديث الموالاة قد رواه الترمذي، وأحمد في مسنده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما الزيادة وهي قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، إلى آخره، فلا ريب أنه كذب. ونقل الأثرم في سننه عن الإمام أحمد: إن العباس سأله عن حسين الأشقر، وأنه حدث بحديثين، فذكر أحدهما قال: والآخر اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فأنكر أبو عبد الله جدا ولم يشك في أن هذين الحديثين كذب. إنتهى. وقد رواه الإمام أحمد في مسنده، مع شرطه فيه، وهو عدم ذكر الموضوع، والمنكر، بل والشديد الضعف على رأيه، وقد قدمنا تحقيقه في المقدمة، فتذكر وتنبه. وقد اعترف به صاحب القرة، فقال في الحجة في الطبقة الثانية من طبقات كتب السنة: وكاد مسند أحمد يكون من جملة الطبقة،

ص 414

فإن الإمام أحمد جعله أصلا، يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه. وابنه عبد الله، وغيرهما، بطرق أخر كثيرة، صحيحة، ليس فيها الأشقر. قلت: هو - وإن قال البخاري، فيه نظر. وقال: عنده مناكير. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال العقيلي: شيعي متروك الحديث. وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: جماعة من الضعفاء يحيلون بالروايات عليه، على أن في حديثه بعض ما فيه. وقال في خبر - على ما في تنزيه الشريعة عن الميزان -: والبلاء عندي فيه من الأشقر. لكن في لسان الميزان أن ابن عدي ذكر في ترجمته حديثا عن محمد ابن علي بن خلف العطار عنه وقال: هو منكر الحديث، والبلاء فيه عندي منه لا من الحسين. إنتهى. وروى الخطيب في الكفاية عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي قال: سمعت يحيى بن معين ذكر حسينا الأشقر، فقال: كان من الشيعة المغلية الكبار، فقلت: وكيف حديثه؟ قال: لا بأس به. قلت: صدوق؟ قال: نعم، كتبت عنه، عن أبي كدينة، ويعقوب العمي، وقد احتج به النسائي، ووثقه ابن حبان، وصحح له الحاكم في المستدرك، وروى عنه الإمام أحمد في المسند، وهو لم يكن يروي إلا عن ثقة. وقد صرح ابن تيمية بذلك في الكتاب الذي صنفه في الرد على البكري. قال: إن القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو إلا عن ثقة عنده، كمالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل. وقد كفانا ابن تيمية بهذا الكلام مؤنة إثباته. وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه. فما نقله الأثرم هو القيل المقدم، وقد ظهر للعبد بعد تتبع تام: أن معظم حكايات الأثرم عن أحمد من هذا مرجوع عنها. ومما عليه يدل مسنده الذي هو معتمده عند الكل. والله أعلم.

ص 415

وكذا روى عن الأشقر، الكديمي، ومحمد بن المثنى الزمن، وأحمد بن عبدة، وعبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، وعدة أئمة. فكلام الأولين والآخرين راجع إلى شيعيته، لا روايته، فقد كذب من كذبه. وأما قول الجوزجاني: غال من الشاتمين للخيرة. فظن غير مقبول، مخالف لقول الأئمة. وكذا جل جرحه لأهل الكوفة، لشدة نصبه، وانحرافه. وبمعناه اتهام أبي معمر الهذلي إياه بالكذب . أقول: فبطلت خرافات ابن تيمية ومن تبعه كصاحب قرة العينين، وهو والد مخاطبنا (الدهلوي)، من كلام ولده، ومن كلمات المولوي حسن زمان، المتقدم شطر وافر منها. قوله: وتتشعب منه كتشعب الجداول من البحر العظيم. أقول: قد شبه (الدهلوي) انشعاب السلاسل من أمير المؤمنين عليه السلام إلى الشعب المختلفة، بانشعاب الجداول من البحر العظيم، وأن هذا التشبيه يدل على جلالة هذا الشأن، وعظمة هذا المقام، الذي خصه به عليه السلام دون الشيخين، خلافا لوالده صاحب قرة العينين، وغيره من النواصب، وأن في هذه الفضيلة كفاية للشيعة الإمامية، في إثبات أفضلية الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة، ودفع وساوس المخالفين، وسائر تسويلات (الدهلوي) وأسلافه من المتعصبين.

ص 416

دعوى انتهاء سلاسل الفقهاء إلى الشيخين

 قوله: كما تصل سلاسل الفقهاء والمجتهدين في الشريعة بالشيخين ونوابهما كعبد الله بن مسعود... أقول: دعوى انتهاء سلاسل الفقهاء إلى من ذكر، دون سيدنا الأمير عليه الصلاة والسلام لا شاهد عليها ولا برهان. وأيضا: تقتضي هذه الدعوى انحراف جميع الفقهاء والمجتهدين عن أهل بيت الوحي والنبوة، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الصحيح المتفق عليه، بل المتواتر بين الفريقين: إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي (1). فهو صلى الله عليه وآله وسلم يأمر الأمة بالتمسك بالكتاب والعترة، ويرشد إلى أن كل ما خالفهما من الأحكام والأمور، بل كل ما لم يكن منهما ولم يؤخذ عنهما فهو باطل، وأن تركهما والإعراض عنهما ضلال وخسران... هذا معنى حديث الثقلين، وهكذا فسره (الدهلوي) حيث ذكره في مواضع من كتابه (التحفة)، وربما ادعى أن المتمسك بالكتاب والعترة، هم أهل السنة فحسب... لكن أهل السنة، ومنهم (الدهلوي) يخالفون هذا الأمر النبوي، ويناقضون

(هامش)

(1) راجع الأجزاء: 1 - 3 من كتابنا. (*)

ص 417

أنفسهم عندما يلزمون بما يقولون ويعترفون به، فإذا ذكر ما يدل على أفضلية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، المستلزمة لإمامته بلا فصل بعد الرسول يلتجأون إلى القول بأن الشيوخ الثلاثة أعلم من الأئمة المعصومين، وأن إليهم تنتهي سلاسل الفقهاء والمجتهدين، فيتمسكون بهم ويتركون العترة الذين أمروا بالتمسك بها مع القرآن، وإذا ألزموا بالبراهين القاهرة والحجج الساطعة على وجوب اتباع العترة، والاستمساك بعروة أهل البيت الوثيقة قالوا: نحن المتمسكون بهم، بل الشيوخ الثلاثة أيضا من المتمسكين بهم، وكأنهم لا يعلمون ولا يشعرون: أين التمسك والاقتداء، وأين الاتباع والاقتفاء، من التآمر بالاعتداء، والتقدم والتحكم والاعتلاء!! والله الموفق إلى طريق السواء، والعاصم من الزلل الهراء، وخطل المراء. قال نصر الله الكابلي في الصواقع) بجواب حديث الثقلين: وكذلك حديث: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من تمسك بها نجا، ومن تخلف عنها هلك لا يدل على هذا المدعى، ولا شك أن الفلاح منوط بولائهم وهديهم، والهلاك بالتخلف عنهم، ومن ثمة كان الخلفاء والصحابة يرجعون إلى أفضلهم فيما أشكل عليهم من المسائل. وذلك لأن ولائهم واجب، وهداهم هدى النبي صلى الله عليه وسلم. إنتهى. فاعترف - وهو بصدد الجواب عن حديث من فضائل أهل البيت - برجوع الخلفاء والصحابة إلى أفضلهم فيما أشكل عليهم من المسائل، وهل يجتمع هذا مع القول بانتهاء سلاسل الفقهاء إلى الخلفاء؟! ألا يدل هذا على أعلمية الإمام عليه السلام من أولئك؟! وأيضا: إذا كان هداهم هدى النبي صلى الله عليه وآله فهم إذا الوراث لكمالاته، وحالاته، وأوصافه، فيكون هذا الكلام ردا على (الدهلوي) المنكر

ص 418

لوجود كمالات النبوة في علي عليه السلام. فقد ثبت بطلان كلام (الدهلوي) من كلام سلفه (الكابلي). دعوى أن الإمامة الباقية في أولاد علي هي القطبية قوله: وكان معنى الإمامة التي بقيت في أولاد الإمام... أقول: الغرض من هذا نفي الخلافة والوصاية بالمعنى المصطلح بين العلماء، عن أهل البيت الطاهرين عليهم السلام، لكنه تحريف للكلم عن مواضعه، وحمل الكلام على ما لا يرضى به صاحبه، فبأي دليل أو قرينة يدعي انصراف الإمامة عن معناها المصطلح، إلى معنى القطبية غير المبحوث عنها في علم الكلام والإمامة؟! وقد ادعى هذا بعض أهل السنة بالنسبة إلى حديث الغدير، فاعترف بدلالته على الإمامة، لكنه حملها على الإمامة المصطلحة عند أهل التصوف والعرفان، وقد أبطلنا هذا المحمل هناك بوجوه عديدة، فراجع. هذا، وقد ذكر (الدهلوي) في الباب الحادي عشر من كتابه (التحفة) ما تعريبه: التعصب الثالث عشر: قولهم - يعني الشيعة - إن أهل السنة يبالغون في بغض علي وذريته الطاهرة. ذكره ابن شهرآشوب، ولهذا السبب يلقبون أهل السنة بالنواصب، مع أن الشيعة ينقلون في كتبهم عن كتب أهل السنة - ولا سيما البيهقي وأبي الشيخ والديلمي - أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا

ص 419

يؤمن أحد حتى أكون أحب إليه من نفسه ويكون عترتي أحب إليه من نفسه. وعن ابن عباس قال قال رسول الله: أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي. إلى غير ذلك... وقد اشتهر عن سعيد بن المسيب أنه كان عنده رجل من قريش، فأتاه علي بن الحسين، فقال له الرجل القرشي: يا أبا عبد الله من هذا؟ قال سعيد: هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله، هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين . فلو كانت إمامة سيدنا علي بن الحسين عليه السلام بمعنى القطبية كما زعم (الدهلوي) تبعا لبعض المتعسفين - لم تجب معرفته، حتى يقول سعيد بن المسيب فيما اشتهر عنه، هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله . فالحمد لله على ظهور بطلان دعوى (الدهلوي) مما استشهد به هو، وأودعه كتابه (التحفة). قوله: ولهذا لم يرو إلزام هذا الأمر من الأئمة الأطهار على كافة الخلائق. أقول: كأنه يحتاط، فلا ينفي ذلك على البت والقطع، بل يقول: لم يرو عنهم !! فإن أراد من هذا النفي والإنكار إلزام الشيعة، فبطلانه في غاية الظهور والوضوح، وإن أراد أنه لم يرو ذلك في كتب أهل السنة، فمن الواضح أيضا أن لا يروي أهل السنة مثل هذا الخبر... ولكن - مع ذلك - لا تخلو كتبهم من بعض الروايات الدالة على مطالبة أهل البيت عليهم السلام بحقهم، وإثباتهم وجوب

ص 420

الاتباع والإطاعة على كافة الخلائق. ويكفينا في هذا الصدد ما رواه (الدهلوي) نفسه في (فتاواه) (1)، إذ سئل عما رواه الشيخ الكليني من علماء الشيعة في كتابه (الكافي) في مطالبة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فدكا من المهدي العباسي، فأجاب: إن أصل القصة مروي في كتب أهل السنة، وهو: أنه قال المهدي العباسي للإمام موسى الكاظم يوما - من باب المطايبة -: إن كل ما تدعونه علينا هو فدك، فهلموا أرد عليكم فدكا. فقال: حد الأول سمرقند، والحد الثاني: أفريقا، والثالث: ساحل بحر الملح من عدن حتى أقصى اليمن. وكان غرضه أنا ندعي عليكم الخلافة، لا فدكا فقط انتهى بقدر الحاجة. قوله: بل جعلوا بعض أصحابهم الممتازين... أقول: قد عرف (الدهلوي) أن تحريف الإمامة عن موضعها، وجعلها في حق أهل البيت بمعنى القطبية، ينافي الواقع والحقيقة، ومن جهة أخرى يرى أمامه الأحاديث الكثيرة التي تنص على وجوب معرفة الأئمة عليهم السلام، فاستدرك ما تفوه به سابقا بقوله: إن الأئمة قد قصروا إمامتهم على أصحابهم المختصين بهم، المخلصين لهم، ولم يدعوا إليها سائر الناس، إلا أن هذه الدعوى أيضا باطلة، فمن تتبع الكتب والأسفار، وتفحص إفادات المحققين

(هامش)

(1) أصل الفتوى موجود لدى المولوي عبد الحي خلف المولوي عبد الحليم السهالي اللكهنوي، ومنها نسخة بخط بعض الفضلاء من أهل السنة في مكتبة السيد صاحب العبقات. (*)

ص 421

الأعلام، علم أن الأئمة عليهم السلام قد عرضوا إمامتهم، وأعلنوها لعامة الناس، ودعوا إليها جميع المسلمين... في كل فرصة سانحة أمنوا فيها من الفساد وإثارة الفتنة من المخالفين والمعاندين... بذكر الآيات القرآنية، والنصوص النبوية، الدالة على إمامتهم الحقة، وولايتهم العامة... قوله: وهذه الفرقة السفيهة، قد أنزلوا تلك الإشارات كلها على الرئاسة العامة... أقول: هذا الكلام ينطبق على (الدهلوي) نفسه ووالده، فقد عرفت سابقا دلالة كلامه على أن الإمامة هي الرئاسة العامة، واستحقاق التصرف في الأمور، ووجوب الاتباع والامتثال في جميع أحكام الحلال والحرام، والنيابة العامة عن رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام، بل قد عرفت من كلام السابق، وما حققه في (تفسيره) وأفاده والده النحرير، أن نصوص الإمامة مروية عن الأئمة الأطهار، وأن كل واحد منهم كان يجعل الآخر وصيا له. ولقد اشتملت تلك النصوص الصريحة في الإمامة على لفظ الإمامة وما يرادفه، ولم تكن إشارات محضة كما زعم (الدهلوي) في هذا المقام. وعلى الجملة، فإن إمامة أمير المؤمنين وأولاده المعصومين ثابتة لدى الشيعة بالطرق المتواترة، والأسانيد المتظافرة، من الثقات والأثبات في جميع الطبقات، فهم خلفاء الله في الأرضين، وحججه الباهرة في العالمين، وثبت عندهم كذلك بطلان إمامة من تقدم عليهم. ولقد ثبت ذلك عند الشيعة كالصبح إذا انفلق، وظهر عندهم ظهور الشمس

ص 422

في رابعة النهار، وأيدت مطلوبهم، وأثبتت معتقدهم، الروايات الكثيرة، والأحاديث الوفيرة، من طرق المخالفين... لقد أصبح هذا الاعتقاد، لدى طائفة الشيعة، من البديهيات والضروريات، فلا يتطرق إليه شبهة من الشبهات، ولا يعترضه تشكيك من التشكيكات، وكان كلام (الدهلوي) كقول الكافر: إن محمدا لم يدع النبوة، بل ادعى الرئاسة الظاهرية على الخلائق، مثل سائر الملوك والسلاطين، وأن المسلمين العارين عن الفهم حملوا كلماته على النبوة، فوقعوا في الضلالة... والعياذ بالله. قوله: ومن أجل ما قلنا: يعتقد كل الأمة الأمير وذريته الطاهرة، كالشيوخ والمرشدين... أقول: إن هذا الاعتقاد يستلزم أفضلية أهل البيت عليهم السلام من الشيوخ الثلاثة. وبقطع النظر عن هذا، قال ابن تيمية بأن الاستغاثة بالشيخ والرغبة إليه بالعبادة كفر، فيكون كلام (الدهلوي) هذا صغرى لما قاله ابن تيمية، ونتيجة القياس: كفر الأمة بأجمعها... ولا أقل من كفر (الدهلوي) بكلام شيخ الإسلام في مذهبه... قوله: ويقدمون لهم الصلوات والصدقات...

ص 423

أقول: نعم يفعلون هذا، ولا يفعلونه لغيرهم، للبون الشاسع بين شأن هؤلاء وشأن غيرهم. قوله: ولا ينوه أحد في هذه الأمور باسم الشيخين... أقول: هذا إعتراف بحرمان الشيخين من فضل تلك الشعائر الإسلامية، بإجماع جميع الأمة... قوله: وإن كانوا يعتقدون بفضلهما وكمالهما... أقول: كأن هذا الكلام لإرضاء أهل السنة، بعد أن نص على اختصاص تلك الأمور الشريفة بالأئمة الأطهار، بالإجماع، لكنه ما درى أن شيخ الإسلام ابن تيمية، ووالده النحرير، لا يرتضيان هذا الكلام، فإن تشبيه أحد من الناس بواحد من الأنبياء باطل عندهما، وتشبيه الشيخين بموسى وعيسى عليهما السلام، واضح البطلان بلا كلام.

ص 424

قوله: وكمالات الأولياء ناشئة من الوحدة والجمع والعينية، فالأولياء تنعكس فيهم الأفعال بل الصفات الإلهية... أقول: حاصل هذا الكلام دعوى الاتحاد بين الله تبارك وتعالى والأولياء، وهي دعوى باطلة بالضرورة على الإطلاق، لكن الاتحاد مقام عظيم لدى أهل السنة، ولا مانع لهم من القول به، فإخراج (الدهلوي) الشيخين من هذا المقام عجيب، وهو يعرضه للطعن والملام.

ص 425

ملحق حديث التشبيه

ص 427

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين. وبعد: فإن الوقت لم يتسع لأن أتتبع المصادر للحصول على روايات أخرى ورواة آخرين لحديث التشبيه، ولكن لما كان بعض الأسانيد المذكورة في الكتاب موضع كلام لبعض المتعصبين من علماء القوم، رأيت من المناسب التحقيق في أحوال تلك الأسانيد، والتعرض لتكلم هؤلاء في رجالها، ليتضح صحة تلك الأحاديث وسقوط اعتراضات من اعترض عليها، وبذلك يعرف حال المعترضين أيضا ومدى تعصبهم ضد أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... فأقول: لقد أخرج هذا الحديث الشريف عن عدة من أكابر الصحابة وغيرهم: 1 - عبد الله بن العباس. 2 - أبو سعيد الخدري. 3 - أنس بن مالك. 4 - أبو الحمراء، مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 5 - أبو هريرة. 6 - الحارث الأعور الهمداني، صاحب أمير المؤمنين عليه السلام.

ص 428

الحديث عن ابن عباس أما عن ابن عباس، فرواه ابن بطة العكبري قال: أخبرنا أبو ذر أحمد بن محمد الباغندي، حدثنا أبي، عن مسعر بن يحيى النهدي، حدثنا شريك، عن ابن إسحاق، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب . ورواه الحافظ الكنجي بسنده قال: أخبرنا أبو الحسن بن المقير البغدادي، عن المبارك بن الحسن الشهرزوري، أخبرنا أبو القاسم بن البسري، أخبرنا أبو عبد الله العكبري، أخبرنا أبو ذر... . الحديث عن أبي سعيد الخدري وأما عن أبي سعيد الخدري، فرواه ابن شاهين في (كتاب السنة) قال: حدثنا محمد بن الحسين بن حميد بن ربيع، حدثنا محمد بن عمران بن حجاج (1)، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا حول النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل علي بن أبي طالب، فأدام رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر إليه، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في حكمه وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى هذا .

(هامش)

(1) كذا. (*)

ص 429

الحديث عن أنس بن مالك وأما عن أنس بن مالك، فرواه الحافظ الفقيه ابن المغازلي الواسطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب، ثنا الحسين بن محمد بن الحسين العدل العلوي الواسطي، ثنا محمد بن محمود، ثنا إبراهيم بن مهدي الابلي، ثنا أبان بن فيروز، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى علم آدم وفقه نوح، فلينظر إلى علي بن أبي طالب . وقال العاصمي صاحب (زين الفتى): أخبرنا الحسين بن محمد البستي قال: حدثنا عبد الله بن أبي منصور، قال: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثنا محمد بن إدريس الحنظلي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري قال: حدثني حميد، عن أنس، قال: كنا في بعض حجرات مكة، نتذاكر عليا، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس، من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في شدته، وإلى عيسى في زهادته، وإلى محمد وبهائه، وإلى جبرئيل وأمانته، وإلى الكوكب الدري والشمس الضحي والقمر المضي، فليتطاول ولينظر إلى هذا الرجل. وأشار إلى علي بن أبي طالب .

ص 430

الحديث عن أبي هريرة وأما عن أبي هريرة، فأخرجه: عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو في محفل من أصحابه - إن تنظروا إلى آدم في علمه ونوح في همه وإبراهيم في خلقه وموسى في مناجاة وعيسى في سننه ومحمد في هديه وحلمه، فانظروا إلى هذا المقبل. فتطاول الناس، فإذا هو علي بن أبي طالب . وأخرجه أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، به. الحديث عن أبي الحمراء وأما عن أبي الحمراء، فأخرجه الحاكم في (تاريخه) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن سعيد الرازي، قال: حدثنا محمد بن مسلمة ابن وراة، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمراء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ونوح في فهمه وإبراهيم في حكمه، ويحيى بن زكريا في زهده، وموسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب . ورواه الحافظ الخطيب الخوارزمي حيث قال: أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي

ص 431

الخوارزمي، قال: أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ قال: أخبرنا أحمد بن حسين البيهقي . ثم قال بعد حديث أخرجه بالسند المذكور: وبهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ، حدثنا أبو جعفر... . ووراه العاصمي بسنده عن أبي جعفر الرازي شيخ الحاكم... حيث قال: أخبرنا محمد بن أبي زكريا الثقة، قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جعفر الجوري، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي. وأخبرني شيخي أحمد بن محمد قال: أخبرنا أبو أحمد إبراهيم بن علي الهمداني قال: حدثنا أبو جعفر الرازي... . ورواه شهردار الديلمي بسنده، قال: أخبرنا أبي، حدثنا علي [مكي] بن دكين القاضي، حدثنا علي بن محمد بن يوسف، حدثنا الفضل الكندي، حدثنا عبد الله بن محمد بن الحسن مولى بني هاشم بالكوفة، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن أبي هاشم النوفلي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا العلاء، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي داود نفيع، عن أبي الحمراء... . الحديث عن الأعور الهمداني وأما عن الأعور الهمداني، فقد أخرجه ابن مردويه، وعنه الخطيب الخوارزمي، حيث قال: أخبرني شهردار هذا إجازة قال: أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني إجازة، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري باصبهان، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك

ص 432

الإصبهاني قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا الحسين بن علي بن الحسين السكوني [السلوي] قال: حدثني سويد بن مسعر بن يحيى بن حجاج النهدي، حدثنا أبي، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، صاحب راية علي بن أبي طالب قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في جمع من أصحابه، فقال: أريكم آدم في علمه ونوحا في فهمه وإبراهيم في حكمته، فلم يكن بأسرع من أن طلع علي. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أقست رجلا بثلاثة من الرسل، بخ بخ لهذا الرجل، من هو يا رسول الله؟ قال النبي: ألا تعرفه يا أبا بكر؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أبو الحسن علي بن أبي طالب. فقال أبو بكر: بخ بخ لك يا أبا الحسن، وأين مثلك يا أبا الحسن . التحقيق في هذه الأسانيد فأقول: لقد أرسل غير واحد من الأعلام هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إرسال المسلم. ورواه جماعة بالإسناد، فمنهم من رواه بسند واحد له، ومنهم من رواه بأكثر من سند. * فأما ما أخرجه عبد الرزاق وعنه أحمد، بسنده عن أبي هريرة، فقد عرفت في الكتاب رواته وصحة سنده، ولا كلام فيه. * وأما ما أخرجه الحاكم في (تاريخ نيسابور) عن أبي الحمراء فهذه تراجم رجاله: أما محمد بن أحمد بن سعيد الرازي شيخ الحاكم فهو أبو جعفر الرازي، صاحب ابن وارة.

ص 433

وأما ابن وارة محمد بن مسلمة بن وارة، فهو من رجال النسائي، وقد ترجم له: ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 8 / رقم 332 الخطيب في تاريخه 3 / 256 وابن الجوزي في المنتظم 5 / 55 والذهبي في تذكرة الحفاظ 2 / 575 وابن حجر في تهذيب التهذيب 9 / 451 قال ابن أبي حاتم: سمعت منه وهو صدوق ثقة. وقال النسائي: ثقة صاحب حديث. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الخطيب: كان متقنا عالما حافظا فهما. وقال ابن حجر: ثقة حافظ. وأما عبيد الله بن موسى العبسي فهو: من رجال الصحاح (1). وأما أبو عمر الأزدي فسيأتي الكلام فيه. وأما أبو راشد الحبراني فهو من رجال عدة من الصحاح (2). وأما أبو عمر الأزدي فقد جاء في كتاب (الموضوعات) لابن الجوزي ما نصه: الحديث العشرون - في تشبيهه بالأنبياء: أنبأنا زاهر بن طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي، قال: أنبأنا أبو عبد الله

(هامش)

(1) تقريب التهذيب 1 / 539. (2) تقريب التهذيب 2 / 421. (*)

ص 434

الحاكم، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن سعيد الرازي، قال: حدثنا محمد بن مسلمة بن وارة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمراء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ونوح في فهمه وإبراهيم في حكمه ويحيى بن زكريا في زهده، وموسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. هذا حديث موضوع. وأبو عمر متروك (1). أقول: هذا من تحكمات ابن الجوزي، لأن الحديث لو كان أحد رواته متروكا لا يكون موضوعا، فكيف والرجل ليس بمتروك؟ لقد جاء في (تهذيب الكمال) بترجمة أبي راشد الحبراني فيمن روى عنه: عبد الرحمن بن عائذ الأزدي (2). كما فيه بترجمة عبد الرحمن بن عائذ الأزدي في مشايخه: روى عن... وأبي راشد الحبراني (3). وكلاهما شامي حمصي. وهذا الأزدي من رجال السنن الأربعة من الصحاح الستة، وقد وثقوه، بل ذكروا قولا بكونه من الصحابة. فمن أين جاء القول بأنه متروك؟

(هامش)

(1) الموضوعات لابن الجوزي 1 / 370. (2) تهذيب الكمال 33 / 299. (3) تهذيب الكمال 17 / 198. (*)

ص 435

نعم يمكن وقوع الاشتباه فيه بسبب الاختلاف في كنيته، ففي الحديث أبو عمر وفي كتب التراجم: أبو عبد الله ويقال: أبو عبيد الله (1). كما أن في لقبه أيضا خلافا، فقد عنونه المزي بقوله: عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، الثمالي، ويقال: الكندي، ويقال: اليحصبي . ثم إن الحافظ السيوطي تعقب ابن الجوزي بقوله بعد ما ذكر: قلت: له طريق آخر. قال الديلمي: أخبرنا أبي، حدثنا علي بن دكين القاضي، حدثنا علي بن محمد بن يوسف، حدثنا الفضل الكندي، حدثنا عبد الله ابن محمد بن الحسن مولى بني هاشم بالكوفة، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن أبي هاشم النوفلي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا العلاء، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي داود نفيع عن أبي الحمراء به. وورد عن أبي سعيد. قال ابن شاهين في السنة... (2). لكن ابن الجوزي دأب على إيراد الحديث في كتابه بأحد أسانيده فقط، والحكم عليه بالوضع لعدم صحة السند الذي ذكره بزعمه، وهذا من جملة ما انتقده عليه غير واحد من الحفاظ: قال ابن الصلاح مشيرا إلى ابن الجوزي وكتابه في الموضوعات: ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها

(هامش)

(1) ويؤكده أن العلامة المحمودي ذكر في هامش (العسل المصفى في تهذيب زين الفتى) عن كتاب (عيون الأخبار) للشريف أبي المعالي محمد بن علي بن الحسين البغدادي أنه قال: أبو علي ابن شاذان، أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن جعفر الزعفراني، حدثنا إسحاق بن محمد بن هارون بن عيسى بن بريه الهاشمي، حدثني جدي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا أبو عثمان الأزدي، عن أبي راشد، عن أبي الحمراء قال:... (2) اللآلي المصنوعة 1 / 355 - 356. (*)

ص 436

كثيرا مما لا دليل على وضعه (1). وقال ابن كثير: وقد صنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتابا حافلا في الموضوعات، غير أنه أدخل فيه ما ليس منه... (2). وقال ابن حجر العسقلاني بعد حديث من مناقب أمير المؤمنين: وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر، مقتصرا على بعض طرقه عنهم، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته، وليس بقادح، ولما ذكرت من كثرة الطرق... (3). وقال السيوطي: واعلم أنه جرت عادة الحفاظ - كالحاكم وابن حبان والعقيلي وغيرهم - أنهم يحكمون على حديث بالبطلان، من حيثية سند مخصوص... فيغتر ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن بالوضع مطلقا، ويورده في كتاب الموضوعات، وليس هذا بلائق، وقد عاب عليه الناس ذلك، آخرهم الحافظ ابن حجر... . أقول: وهذا الموضع من ذلك، ولذا تعقبه الحافظ السيوطي نفسه، بذكر طريقين آخرين الحديث، ولم يتكلم عليهما بشيء، وهما: * ما أخرجه شهردار الديلمي، بسنده عن أبي الحمراء. * وما أخرجه ابن شاهين، بسنده عن أبي سعيد الخدري، وسيأتي تحقيقه.

(هامش)

(1) علوم الحديث: 212. (2) الباعث الحثيث في شرح ألفية الحديث: 75. (3) القول المسدد في الذب عن المسند: 19. (*)

ص 437

أقول: وبما ذكرنا يبطل تكلم ابن كثير في هذا الحديث، فإنه قال في عداد فضائل أمير المؤمنين: حديث آخر - قال محمد بن مسلم بن واره، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمراء قال قال رسول الله... وهذا منكر جدا ولا يصح إسناده (1). * وأما ما أخرجه ابن بطة العكبري، ورواه عنه الحافظ الكنجي بسنده، فهذه تراجم الرجال فيه: أما أبو الحسن ابن المقير فقد ترجم له: الذهبي في تذكرة الحفاظ 4 / 1432 وسير أعلام النبلاء 23 / 119 والعبر في خبر من غبر 5 / 178 وغيرها من كتبه، وتوجد ترجمته في كتب أخرى أيضا. قال الذهبي: ابن المقير، الشيخ المسند الصالح، رحلة الوقت، أبو الحسن علي بن أبي عبيد الله الأزجي، المقرئ، الحنبلي، النجار. قال الحافظ تقي الدين عبيد: كان شيخا صالحا كثير التهجد والعبادة والتلاوة، صابرا على أهل الحديث... وقال الحافظ عز الدين الحسيني: كان من عباد الله الصالحين، كثير التلاوة مشتغلا بنفسه. مات سنة 643 .

(هامش)

(1) البداية والنهاية 7 / 357. (*)

ص 438

وأما المبارك بن الحسن الشهرزوري فقد ترجم له: ابن الجوزي في المنتظم 10 / 164 والسمعاني في الأنساب - الشهرزوري وياقوت في معجم الأدباء 17 / 52 والذهبي في تذكرة الحفاظ 4 / 1292 والعبر 4 / 141 وسير أعلام النبلاء 20 / 289. قال السمعاني: شيخ صالح دين خير، قيم بكتاب الله، عارف باختلاف الروايات، والقراءات، حسن السيرة، جيد الأخذ على الطلاب، عالي الروايات. وقال الذهبي: انتهى إليه علو الإسناد في القراءات. توفي سنة 505 . $ وأما أبو القاسم بن البسري فقد ترجم له: الخطيب في تاريخه 11 / 335 والسمعاني في الأنساب - البسري وابن الأثير في الكامل 10 / 122 وابن الجوزي في المنتظم 8 / 333 والذهبي في تذكرة الحفاظ 3 / 1183 والعبر 3 / 281 وسير أعلام النبلاء 18 / 402. قال الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقا. وقال السمعاني: كان شيخا صالحا عالما ثقة... توفي سنة 474 . وأما أبو عبد الله العكبري فهو: ابن بطة المترجم له في الكتاب، وهذه

ص 439

جملة من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد 10 / 371 طبقات الحنابلة 2 / 114 تاريخ ابن كثير 11 / 321 العبر 2 / 35 سير أعلام النبلاء 16 / 529 وقد عنونه ب‍ ابن بطة، الإمام القدوة العابد الفقيه المحدث شيخ العراق وذكر وفاته بقوله: قال العتيقي: توفي ابن بطة وكان مستجاب الدعوة في المحرم سنة 337 . وأما أبو ذر الباغندي فهو: الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ، هو المتقن الإمام أبو ذر أحمد بن أبي بكر محمد بن محمد بن سليمان بن الباغندي. كذا عنونه الذهبي في سير أعلام النبلاء 15 / 268. وتوجد ترجمته في: تاريخ بغداد 5 / 86 والوافي بالوفيات 8 / 125 وغيرهما من المصادر. وتوفي سنة 326 . وأما أبوه المذكور، فقد عنونه الذهبي بقوله: الباغندي، محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث، الإمام الحافظ الكبير، محدث العراق، أبو بكر، ابن المحدث أبي بكر، الأزدي الواسطي الباغندي، أحد أئمة هذا الشأن ببغداد. جمع وصنف وعمر وتفرد.

ص 440

توفي سنة 312 (1). وأما مسعر بن يحيى النهدي فسيأتي الكلام فيه. وأما شريك فهو: شريك بن عبد الله النخعي الكوفي. من رجال الصحاح (2). وأما أبو إسحاق فهو: أبو إسحاق السبيعي الكوفي. من رجال الصحاح كذلك (3) واسمه عمرو . وأما أبوه فاسمه عبد الله واختلفوا في أبيه، فقيل: عبد الله بن علي، وقيل: عبد الله بن عبيد، وقيل: عبد الله بن يحمد. وكيف كان، فهو من التابعين، ولا كلام فيه. إنما الكلام في هذا السند على مسعر بن يحيى النهدي . وهذا الرجل لم أجد اسمه فيما بيدي من كتب القوم في الضعفاء ومن تكلم فيهم، إلا في (الميزان) وتبعه ابن حجر في (لسانه) ولم يزد عليه شيئا. قال الذهبي: مسعر بن يحيى النهدي لا أعرفه. وأتى بخبر منكر: قال ابن بطة: حدثنا أبو ذر أحمد بن الباغندي، أخبرنا أبي، عن مسعر بن يحيى، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى علي (4).

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 14 / 383. (2) تقريب التهذيب 1 / 351. (3) ميزان الاعتدال 4 / 99. (4) ميزان الاعتدال 4 / 99. (*)

ص 441

أقول: قد عرفت أن رجال هذا السند أئمة أعلام، فابن المقير: من عباد الله الصالحين والشهرزوري: شيخ صالح دين خير، عارف باختلاف الروايات والقراءات وابن البسري: شيخ صالح عالم ثقة وابن بطة: إمام قدوة عابد مستجاب الدعوة وأبو ذر إمام حافظ متقن وأبوه الراوي عن مسعر هذا الحديث أحد أئمة هذا الشأن . فهؤلاء يروون هذا الحديث عن هذا الرجل، ولا يرون فيه أي نكارة، والذهبي الذي ينص على عدم معرفته للرجل يقول: أتى بخبر منكر !! وعلى الجملة، فإن رواية هؤلاء الأئمة الصالحين عن هذا الرجل توثيق له، والحديث ليس فيه أية نكارة غير كونه في فضل أمير المؤمنين عليه السلام. فحكم ما رواه ابن بطة حكم ما رواه الحاكم، وإنه ليرد على الذهبي كل ما ورد على ابن الجوزي، فلا يجوز الاغترار بما ذكراه في الحديثين. * وأما ما أخرجه ابن شاهين، فإنه وإن كان يكفي سكوت الحافظ السيوطي عليه، لكن لا بد من توضيح الحال في رجاله: فأما محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع فهو: أبو الطيب اللخمي الكوفي: ترجم له الخطيب في تاريخه، وروى عن أبي يعلى الطوسي: كان ثقة يفهم، وعن ابن سفيان الحافظ: كان ثقة صاحب مذهب حسن وجماعة وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكان ممن يطلب للشهادة فيأبى ذلك. وقال الخطيب بعد أن حكى عن ابن عقدة أنه قد تكلم فيه: وفيه نظر .

ص 442

ولد سنة 240 وتوفي سنة 318 (1). وأما شيخه، فالذي جاء في الكتب عن (كتاب السنة) لابن شاهين هو: محمد بن عمران بن حجاج وقد تحقق عندي بالقرائن أنه مصحف محمد بن عمر بن هياج الكوفي، وهو من رجال الترمذي والنسائي وابن ماجة ووثقه أبو جعفر مطين وابن حبان والبزار، وقال ابن حجر: صدوق (2). توفي سنة 255. وأما عبيد الله بن موسى فقد تقدم. وكذا أبو راشد الحبراني . وأما أبو هارون العبدي وهو عمارة بن جوين فمن رجال الترمذي وابن ماجة وكتاب خلق أفعال العباد للبخاري. وقد تكلم فيه بعضهم للتشيع وروايته مطاعن مناوئيه، مثل ما روى عن أبي سعيد: أن عثمان أدخل حفرته وإنه لكافر بالله. قال الميلاني: قد تبين أن لحديث التشبيه طرقا معتبرة، وهي تقوي طرقه الأخرى الضعيفة، ولو كان لنا مجال لتابعنا الموضوع بأكثر من هذا، ولكن بما ذكرناه كفاية، لمن طلب الرشاد والهداية، والله سبحانه ولي التوفيق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله عليه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

(هامش)

(1) تاريخ بغداد 2 / 236. (2) تهذيب الكمال 26 / 178، تقريب التهذيب 2 / 194. (*)

 

الصفحة السابقة

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء التاسع عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب