ص 355
الفصل الرابع: في الجواب عن المعارضة

وقد عقدنا هذا الفصل للتحقيق حول أحاديث
يروونها في فضل أبي بكر، أو الشيخين، أو الصحابة قاطبة، فحاول بعضهم أن يعارض بها
الأحاديث الواردة في الآية المباركة المتقدم بعضها، ونظائرها. 1 - حديث الاقتداء
بالشيخين ذكر هذا الحديث في هذا المقام: الآلوسي في تفسيره روح المعاني. وقد سبقه
في الاستدلال به في مباحث الإمامة عدة من أعلام القوم: كالقاضي عضد الدين الإيجي في
المواقف، وشارحه الشريف الجرجاني في شرح المواقف، والسعد التفتازاني في شرح
المقاصد، وابن تيمية في منهاج السنة، وابن حجر المكي في الصواعق المحرقة، وولي الله
الدهلوي في قرة العينين في تفضيل الشيخين، وابنه عبد العزيز صاحب التحفة الاثنا
عشرية، وغيرهم. كما تجد الاستدلال به في مسألة انعقاد الإجماع بأبي بكر وعمر، في
كثير من كتب علم أصول الفقه، نذكر منها: المختصر لابن الحاجب وشرحه، والمنهاج
للبيضاوي وشروحه، ومسلم الثبوت للقاضي البهاري وشرحه... هذا، وقد ظهر لنا - لدى
التحقيق - أن الشهاب الآلوسي إنما ينتحل في
ص 356
هذه المباحث مطالب عبد العزيز الدهلوي في كتاب التحفة الاثنا عشرية (1)، الذي اختصر
ترجمته محمود شكري الآلوسي، ونشره بعنوان مختصر التحفة الاثني عشرية. التحقيق في
أسانيده وعلى كل حال، فقد اقتضى استدلال بعضهم بهذا الحديث في هذا المقام لغرض
المعارضة، أن نتكلم حوله ببعض التفصيل، ليتبين حاله فلا يعارض به شيء من أدلة
أصحابنا في مختلف المجالات، فنقول: هذا الحديث مما أعرض عنه البخاري ومسلم، ولم
يخرجه من أرباب السنن سوى الترمذي وابن ماجة، وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم في
المستدرك، وما رووه إلا عن حذيفة وابن مسعود. * فرووه عن حذيفة بن اليمان، لكن
بأسانيد ينتهي جلها إلى: عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة (2). *
و عبد الملك بن عمير رجل مدلس، ضعيف جدا، كثير الغلط، مضطرب الحديث جدا، كما في
كتب الرجال: فقد قال أحمد: مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته، ما أرى له خمسمائة
حديث وقد غلط في كثير منها . وقال إسحاق بن منصور: ضعفه أحمد جدا وعن أحمد
أيضا: ضعيف يغلط .
(هامش)
(1) كما ظهر لدى التحقيق أن كتاب التحفة منتحل من كتاب الصواقع الموبقة
لنصر الله الكابلي. (2) مسند أحمد بن حنبل 5 / 382 و385، صحيح الترمذي، باب مناقب
أبي بكر وعمر، سنن ابن ماجة، باب مناقب أبي بكر، المستدرك على الصحيحين 3 / 75. (*)
ص 357
وقال ابن معين: مخلط . وقال أبو حاتم: ليس بحافظ، تغير حفظه وقال: لم يوصف
بالحفظ . وقال ابن خراش: كان شعبة لا يرضاه . وقال الذهبي: وأما ابن الجوزي،
فذكره فحكى الجرح وما ذكر التوثيق . وقال السمعاني وابن حجر: كان مدلسا (1).
ومن مساوئ هذا الرجل: أنه ذبح رسول الإمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام إلى أهل
الكوفة، فإنه لما رمي بأمر من ابن زياد من فوق القصر وبقي به رمق، أتاه عبد الملك
بن عمير فذبحه، فلما عيب عليه ذلك قال: إنما أردت أن أريحه (2). * ثم إن عبد
الملك بن عمير لم يسمع الحديث من ربعي بن حراش و ربعي لم يسمع من حذيفة
بن اليمان . ذكر ذلك المناوي حيث قال: قال ابن حجر: اختلف فيه على عبد الملك،
وأعله أبو حاتم، وقال البزار كابن حزم: لا يصح، لأن عبد الملك لم يسمعه من ربعي،
وربعي لم يسمع من حذيفة (3). قلت: مداره على سالم بن العلاء المرادي وقد ضعفه
ابن معين والنسائي
(هامش)
(1) الأنساب القطبي ، تهذيب التهذيب 6 / 411، ميزان الاعتدال 2 / 660، تقريب
التهذيب 6 / 521، المغني في الضعفاء 2 / 407. (2) تلخيص الشافي 3 / 53، روضة
الواعظين: 177، مقتل الحسين: 185. (3) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 2 / 56. (*)
ص 358
وابن الجارود وابن حزم والذهبي وابن حجر وغيرهم (1). * وعن عبد الله بن مسعود عند
الترمذي والحاكم، وهو بسند واحد: عن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل،
عن أبيه، عن جده، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود (2). وإبراهيم، وأبوه،
وجده، مقدوحون مجروحون جدا: * أما إبراهيم : فقد قال الذهبي: لينه أبو زرعة،
وتركه أبو حاتم (3). وحكى ابن حجر ذلك عن ابن أبي حاتم وأقره (4). وقال العقيلي:
عن مطين: كان ابن نمير لا يرضاه ويضعفه، وقال: روى أحاديث مناكير ، قال العقيلي:
ولم يكن إبراهيم هذا بقيم الحديث (5). * وأما إسماعيل . فقد قال الدارقطني
والأزدي وغيرهما: متروك (6). * وأما يحيى بن سلمة فقد كان أسوأ حالا منهما:
فقد قال الترمذي: يضعف في الحديث (7). وقال المقدسي: ضعفه ابن معين. وقال أبو
حاتم: ليس بالقوي، وقال البخاري: في حديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال
الترمذي:
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 2 / 112، الكاشف 1 / 344، تهذيب التهذيب 3 / 440، لسان الميزان
3 / 7. (2) صحيح الترمذي 5 / 630، المستدرك على الصحيحين 3 / 75. (3) ميزان
الاعتدال 1 / 20، المغني في الضعفاء 1 / 10. (4) تهذيب التهذيب 1 / 106. (5) تهذيب
التهذيب 1 / 106. (6) ميزان الاعتدال 1 / 254، المغني في الضعفاء 1 / 89، تهذيب
التهذيب 1 / 336. (7) صحيح الترمذي 5 / 630. (*)
ص 359
ضعيف (1). وقال الذهبي: ضعيف (2). وقال ابن حجر: ذكره ابن حبان أيضا في
الضعفاء فقال: منكر الحديث جدا، لا يحتج به، وقال النسائي في الكنى: متروك الحديث،
وقال ابن نمير: ليس ممن يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروك، وقال مرة: ضعيف، وقال
العجلي: ضعيف (3). أقول: هذه عمدة أسانيد هذا الحديث. وقد روي في بعض الكتب عن
غير حذيفة وابن مسعود، مع التنصيص على ضعفه وسقوطه، فرواه الهيثمي عن الطبراني، عن
أبي الدرداء، فقال: وفيه من لم أعرفهم (4). ورواه الذهبي عن عبد الله بن عمر
ونص على سقوطه بما لا حاجة إلى نقله، فراجع (5). كلمات الأئمة في بطلانه ولهذا...
فقد نص كبار الأئمة الأعلام على سقوط هذا الحديث:
(هامش)
(1) الكمال في أسماء الرجال - مخطوط. (2) الكاشف 3 / 251. (3) تهذيب التهذيب 11 /
225. (4) مجمع الزوائد 9 / 53. (5) ميزان الاعتدال 1 / 105، وص 142، 3 / 610. (*)
ص 360
فقد أعله أبو حاتم الرازي، المتوفى سنة 277، كما ذكر المناوي (1)، وأبو حاتم إمام
عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث، وهو من أقران البخاري ومسلم.. كما ذكروا
بترجمته. وقال الترمذي - بعد أن أخرجه من حديث ابن مسعود -: هذا حديث غريب من هذا
الوجه من حديث ابن مسعود، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، ويحيى بن
سلمة يضعف في الحديث (2). وقال الإمام الحافظ الكبير أبو بكر البزار، المتوفى سنة
279: لا يصح ، كما ذكر المناوي (3). وقال أبو جعفر العقيلي، المتوفى سنة 322،
وهو الإمام الكبير في الجرح والتعديل: حديث منكر لا أصل له من حديث مالك (4).
وقال الحافظ الشهير ابن حزم الأندلسي، المتوفى سنة 475: أما الرواية: اقتدوا
باللذين من بعدي... فحديث لا يصح.. (5). وقال أيضا: ولو أننا نستجيز التدليس...
لاحتججنا بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. ولكنه لم يصح، ويعيذنا
الله من الاحتجاج بما لا يصح (6). وقال الإمام العلامة قاضي القضاة برهان الدين
العبري الفرغاني،
(هامش)
(1) فيض القدير 2 / 56. (2) صحيح الترمذي 5 / 630. (3) فيض القدير 2 / 56. (4)
الضعفاء الكبير 4 / 95. (5) الإحكام في أصول الأحكام - المجلد 2 / 242 6 - 243. (6)
الفصل في الملل والنحل 4 / 88. (*)
ص 361
المتوفى سنة 743: إن الحديث موضوع (1). وقال الحافظ الذهبي، المتوفى سنة 748،
ببطلانه وسقوطه في مواضع من كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال، كما أنه تعقب
الحاكم في تصحيحه وقال: قلت: سنده واه جدا (2). وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني،
المتوفى سنة 852، في لسان الميزان بما قاله الذهبي في ميزان الاعتدال في هذا الحديث
(3). هذا، وقد عرفت تضعيف الحافظ الهيثمي الحديث برواية الطبراني، وأن العلامة
المناوي ضعفه في فيض القدير. وأورده ابن درويش الحوت، المتوفى سنة 1276 في كتاب
أسنى المطالب فذكر أن: أبا حاتم أعله، وقال البزار - كابن حزم -: لا يصح...، وقال
الهيثمي: سندها واه (4). أقول: ولنكتف بهذا المقدار للدلالة على سقوط هذا الحديث
الذي وضعوه في فضل الشيخين، وقد بينا حاله بالتفصيل مرتين في الكتاب (5).
(هامش)
(1) شرح المنهاج - مخطوط. (2) تلخيص المستدرك 3 / 75. (3) لسان الميزان 1 / 188 وص
272، 5 / 237. (4) أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب: 48. (5) راجع الجزء
الثالث والجزء الرابع عشر وهو موضوع الرسالة الثانية من كتابنا: الرسائل العشر في
الأحاديث الموضوعة في كتب السنة. (*)
ص 362
2 - حديث الاقتداء بالصحابة وهو المعروف بحديث: أصحابي كالنجوم... . وقد ذكره في
هذا المقام للمعارضة: ابن تيمية، وابن روزبهان، كلاهما في الرد على استدلال العلامة
الحلي بحديثنا، في كتابيه (منهاج الكرامة) و(نهج الحق)، وقد تقدم كلامهما. كما أن
الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الاثنا عشرية عارض به حديث إني تارك
فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي في مباحث الإمامة في تعليقته على كتابه
المذكور (1). وقد ذكر الأصوليون حديث النجوم في مباحث سنة الصحابي، ومباحث الإجماع،
من كتبهم في أصول الفقه، في مقابلة حديث: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر
وحديث: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي (2). التحقيق في أسانيده
والحقيقة: إن كل تلك الأحاديث ساقطة سندا. أما الحديث: اقتدوا باللذين... فقد عرفت
حاله. وأما الحديث: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين... فقد بينا حاله
(هامش)
(1) كما في عبقات الأنوار 4 / 519 طبعة ايران. (2) شرح المختصر - لابن الحاجب - 2 /
36، الإبهاج في شرح المنهاج 2 / 367، التقرير والتحبير في شرح التحرير 3 / 243،
فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت 2 / 241، وغيرها. (*)
ص 363
في موضعه من الكتاب (1). والكلام الآن في حديث: أصحابي كالنجوم... وهو حديث غير
مخرج في شيء من الصحاح والسنن والمسانيد المشهورة... وإنما رواه ابن عدي في الكامل
في الضعفاء، والدارقطني في غرائب مالك، والقضاعي في مسند الشهاب، وابن عبد البر في
جامع بيان العلم، والبيهقي في المدخل... وإليك كلام الحافظ ابن حجر في هذا الحديث:
حديث: أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم. الدارقطني في المؤتلف من رواية
سلام بن سليم، عن الحارث بن غصين، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، مرفوعا. وسلام
ضعيف. وأخرجه في غرائب مالك من طريق حميد بن زيد، عن مالك، عن جعفر ابن محمد، عن
أبيه، عن جابر - في أثناء حديث - وفيه: فبأي قول أصحابي أخذتم اهتديتم، إنما مثل
أصحابي مثل النجوم، من أخذ بنجم منها اهتدى. قال: لا يثبت عن مالك، رواته دون مالك
مجهولون. ورواه عبد بن حميد، والدارقطني في الفضائل من حديث حمزة الجزري، عن نافع،
عن ابن عمر. وحمزة اتهموه بالوضع. ورواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة.
(هامش)
(1) راجع الجزء الثالث، وهو موضوع الرسالة الثالثة من كتابنا: الرسائل العشر في
الأحاديث الموضوعة في كتب السنة. (*)
ص 364
وفيه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وقد كذبوه. ورواه ابن طاهر من رواية بشر بن
الحسن، عن الزبير، عن أنس. وبشر كان متهما أيضا. وأخرجه البيهقي في المدخل من رواية
جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس. وجويبر متروك. ومن رواية جويبر عن جواب بن عبيد
الله، مرفوعا. وهو مرسل. قال البيهقي: هذا المتن مشهور، وأسانيده كلها ضعيفة. ورواه
في المدخل أيضا عن ابن عمر... وفي إسناده: عبد الرحيم بن زيد العمي، وهو متروك
(1). وقال المناوي في فيض القدير بشرحه: السجزي في الإبانة عن أصول الديانة، وابن
عساكر في التاريخ عن عمر بن الخطاب. قال ابن الجوزي في العلل: هذا لا يصح. وفي
الميزان: هذا الحديث باطل. وقال ابن حجر في تخريج المختصر: حديث غريب، سئل عنه
البزار فقال: لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الكمال ابن أبي
شريف: كلام شيخنا - يعني ابن حجر - يقتضي أنه مضطرب. وأقول: ظاهر صنيع المصنف أن
ابن عساكر خرجه ساكتا عليه، والأمر
(هامش)
(1) الكاف الشاف في تخريج الكشاف - المطبوع مع الكشاف - 2 / 628. (*)
ص 365
بخلافه، فإنه تعقبه بقوله: قال ابن سعد: زيد العمي أبو الحواري، كان ضعيفا في
الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء. ورواه عن عمر أيضا
البيهقي، قال الذهبي: وإسناده واه (1). كلمات الأئمة في بطلانه ولما كانت طرق هذا
الحديث كلها ساقطة، فقد اتفق الأئمة على بطلانه، ومنهم من نص على كونه موضوعا،
فبالإضافة إلى الأئمة الأعلام المنقولة آراؤهم فيه: فقد نص أحمد بن حنبل على أنه
حديث غير صحيح (2). وقال ابن حزم الأندلسي: هذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط
(3). وقال ابن عبد البر بعد أن رواه ببعض الطرق: هذا إسناد لا يصح (4). وقال
أبو حيان: حديث موضوع، لا يصح بوجه عن رسول الله (5). وقال ابن قيم الجوزية -
بعد أن رواه بطرق -: لا يثبت شيء منها (6). وقال ابن الهمام الحنفي: حديث لم
يعرف (7). ونص الشهاب الخفاجي والقاضي البهاري على ضعفه (8).
(هامش)
(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 / 76. (2) التقرير والتحبير في شرح التحرير،
وكذلك التيسير في شرح التحرير 3 / 243. (3) ذكره أبو حيان في البحر المحيط 5 / 528
عن رسالة ابن حزم في إبطال القياس. (4) جامع بيان العلم 2 / 90. (5) البحر المحيط 5
/ 527 - 528. (6) إعلام الموقعين 2 / 223. (7) التحرير في أصول الفقه - لابن الهمام
- بشرح أمير بادشاه - 3 / 243. (8) نسيم الرياض 4 / 423 - 424، مسلم الثبوت - بشرح
الأنصاري - 2 / 241. (*)
ص 366
وقال الشوكاني: فيه مقال معروف (1). وأورده الألباني المعاصر في سلسلة الأحاديث
الضعيفة والموضوعة (2). ومن أراد المزيد فليرجع إلى موضعه من كتابنا (3). 3 - لا
أوتين بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري وكما وضعوا على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم حديث: اقتدوا باللذين من بعدي... وحديث: عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وحديث: أصحابي كالنجوم... وأمثالها، فقد وضعوا
على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أشياء في حق الأصحاب وفي خصوص الشيخين، منها
هذا الكلام الذي استند إليه ابن تيمية في غير موضع من (منهاج السنة) من غير سند ولا
نقل عن كتاب معتبر عندهم، وإنما قال: فروي عنه أنه قال: لا أوتى بأحد يفضلني على
أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري (4). وعنه أنه كان يقول: لا أوتى بأحد
يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري (5). وقد أضاف هذه المرة: كان
يقول الظاهر في تكرر هذا القول من الإمام عليه السلام واستمراره عليه.
(هامش)
(1) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول: 83. (2) سلسلة الأحاديث الضعيفة
والموضوعة 1 / 78. (3) راجع الجزء الثالث من الكتاب. والرسائل العشر في الأحاديث
الموضوعة في كتب السنة، الرسالة الأولى. (4) منهاج السنة 1 / 308. (5) منهاج السنة
6 / 138. (*)
ص 367
التحقيق في سنده ومدلوله ولكننا لم نسمع أنه جلد أحدا لتفضيله عليهما، بالرغم من
وجود كثير من الصحابة والتابعين كانوا يجاهرون بذلك، حتى اعترف به غير واحد من أئمة
القوم، ففي الاستيعاب: وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي
سعيد الخدري، وزيد بن أرقم: أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أول من أسلم،
وفضله هؤلاء على غيره (1). وفي الفصل: اختلف المسلمون في من هو أفضل الناس بعد
الأنبياء، فذهب بعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة: إلى أن
أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
وقد روينا هذا القول نصا عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - وعن جماعة من التابعين
والفقهاء . قال: وروينا عن نحو عشرين من الصحابة: أن أكرم الناس على رسول الله
صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام (2). وقال الذهبي: ليس
تفضيل علي برفض ولا هو ببدعة، بل ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين (3).
(هامش)
(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1090. (2) الفصل في الملل والنحل 4 / 181. (3)
سير أعلام النبلاء 16 / 457. (*)
ص 368
هذا، وقد جاء في هامش منهاج السنة ما نصه: وجاء الأثر - مع اختلاف في اللفظ - في
فضائل الصحابة 1 / 83 رقم 49، وضعف المحقق إسناده (1). أقول: وهذا نص ما جاء في
الكتاب المذكور: حدثنا عبد الله، قال: حدثني هدية بن عبد الوهاب، قال: ثنا أحمد
بن إدريس، قال: ثنا محمد بن طلحة، عن أبي عبيدة بن الحكم، عن الحكم بن جحل، قال:
سمعت عليا يقول: لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري (2). وهو
من زيادات عبد الله بن أحمد. قال محققه في الهامش إسناده ضعيف لأجل أبي عبيدة بن
الحكم . قال: ومحمد بن طلحة لم يتبين لي من هو؟... . قلت: وما ذكرناه حول سنده
ومعناه كاف في سقوطه، وأنه موضوع قطعا. وبهذا يتم الكلام على آية الإنذار، والحمد
لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
(هامش)
(1) منهاج السنة 6 / 138. (2) فضائل الصحابة 1 / 83 رقم 49. (*)
ص 369
قوله تعالى *(وقفوهم إنهم مسؤولون)*

(1)
(هامش)
(1) سورة الصافات 37: 24. (*)
ص 371
وهذه الآية المباركة من الآيات الكريمة التي استدل بها أصحابنا على إمامة أمير
المؤمنين عليه الصلاة والسلام، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل، على
أساس الأحاديث المعتبرة الواردة عنه، في كتب السنة المعتبرة، والمقبولة عند عموم
المسلمين. وسيكون بيان ذلك في فصول:
ص 372
الفصل الأول: نصوص الحديث ورواته في كتب السنة

إن رواة خبر تفسير الآية المباركة
بولاية أمير المؤمنين عليه السلام من أعلام المحدثين وكبار الحفاظ كثيرون، ونحن
نذكر هنا أسماء جمع منهم، بين من رواه في كتابه أو وقع في طريق إسناده، وهم: 1 -
ابن إسحاق، كما في المناقب لابن شهر آشوب. 2 - الأعمش، كما في المناقب لابن شهر
آشوب. 3 - الشعبي، وستأتي الرواية عنه. 4 - أبو إسحاق السبيعي، كما في شواهد
التنزيل والمناقب للخوارزمي. 5 - ابن جرير الطبري، كما في كفاية الطالب. 6 - الحسين
بن الحكم الحبري، وستأتي روايته. 7 - أبو نعيم الأصفهاني، كما في كتابه ما نزل في
علي، وستأتي. 8 - الحاكم الحسكاني، وستأتي روايته. 9 - ابن شاهين البغدادي، كما في
أسانيد الحسكاني. 10 - ابن مردويه الأصفهاني، كما في كشف الغمة في معرفة الأئمة
وغيره. 11 - الخطيب الخوارزمي المكي، كما في كتابه مناقب أمير المؤمنين. 12 - سبط
ابن الجوزي، كما في كتابه تذكرة خواص الأمة. 13 - أبو عبد الله الكنجي، كما في
كتابه كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب.
ص 373
14 - جمال الدين الزرندي، كما في كتابه نظم درر السمطين. 15 - الجويني الحموئي، كما
في كتابه فرائد السمطين. 16 - نور الدين السمهودي، كما سنذكر كلامه. 17 - شهاب
الدين الخفاجي، كما سنذكر كلامه. 18 - شهاب الدين الآلوسي، كما سنذكر كلامه، مع
التنبيه على ما فيه. من أسانيد الخبر لقد ورد خبر تفسير الآية بولاية أمير المؤمنين
في مختلف كتب القوم، فمنهم من رواه بسند أو أسانيد عديدة، ومنهم من أرسله إرسال
المسلم، ومنهم من أضاف إليه بعض الشواهد من الأحاديث الأخرى: 1 - رواية الحبري قال
الحسين بن الحكم الحبري، المتوفى سنة 286: حدثني حسين بن نصر، قال: أخبرنا القاسم
بن عبد الغفار العجلي، عن أبي الأحوص، عن مغيرة، عن الشعبي، عن ابن عباس، عن قوله:
*(وقفوهم إنهم مسؤولون)*، قال: عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (1). 2 -
رواية أبي نعيم الأصبهاني وروى الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه ما نزل في علي،
خبر نزول الآية المباركة بشأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عن طريق الحبري،
(هامش)
(1) تفسير الحبري: 313. (*)
ص 374
حيث رواه عنه بسندين: * أحدهما: قوله: حدثنا محمد بن المظفر، قال: حدثنا أبو
الطيب محمد بن القاسم البزار، قال: حدثنا الحسين بن الحكم... . * والثاني: قوله:
حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد، قال: حدثنا الحسين ابن أبي صالح، قال: حدثنا أحمد
بن هارون البردعي، قال: حدثنا الحسين بن الحكم... . 3 - رواية الحاكم الحسكاني
ورواه الحافظ الحاكم الحسكاني بأسانيد عديدة (1)، منها: * قوله: حدثنا الحاكم
الوالد أبو محمد رحمه الله، قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان - ببغداد -، حدثنا
الحسين بن محمد بن عفير، حدثنا أحمد بن الفرات، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن قيس،
عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:
*(وقفوهم إنهم مسؤولون)*، قال: عن ولاية علي بن أبي طالب . * وقوله: حدثنا أبو
عبد الرحمن السلمي إملاء، أخبرنا محمد بن محمد ابن يعقوب الحافظ، حدثنا أبو عبد
الله الحسين بن محمد بن عفير، حدثنا أحمد، حدثنا عبد الحميد، حدثنا قيس، عن عطية،
عن أبي سعيد، عن النبي، في قوله تعالى: *(وقفوهم إنهم مسؤولون)*، قال: عن ولاية علي
بن أبي طالب . * وقوله: حدثني أبو الحسن الفارسي، حدثنا أبو الفوارس الفضل بن
محمد الكاتب، حدثنا محمد بن بحر الرهني - بكرمان -، حدثنا أبو كعب
(هامش)
(1) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 2 / 160 - 164. (*)
ص 375
الأنصاري، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا إسماعيل بن موسى، حدثنا محمد بن
فضيل، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة أوقف أنا وعلي على الصراط، فما يمر بنا أحد
إلا سألناه عن ولاية علي، فمن كانت معه وإلا ألقيناه في النار، وذلك قوله: *(وقفوهم
إنهم مسؤولون)*. * وقوله: أخبرنا أبو الحسن الأهوازي، أخبرنا أبو بكر البيضاوي،
حدثنا علي بن العباس، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا محمد بن أبي مرة، عن عبد الله
بن الزبير، عن سليمان بن داود بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن أبي جعفر في قوله:
*(وقفوهم إنهم مسؤولون)* قال: عن ولاية علي . (قال): ومثله عن أبي إسحاق
السبيعي، وعن جابر الجعفي في الشواذ . وإليك بعض النصوص من العلماء الأعلام، ممن
أرسل هذا الخبر إرسال المسلم، وأيده بشواهد من سائر الأحاديث المعتبرة: * قال شهاب
الدين الخفاجي (1): قال الحافظ جمال الدين الزرندي (2) - عقب حديث: من كنت مولاه
فعلي مولاه -: قال الإمام الواحدي - رحمه الله تعالى -: هذه الولاية التي أثبتها
النبي
(هامش)
(1) وهو: شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي، المتوفى سنة 1069، ترجم له المحبي في
خلاصة الأثر في أعلام القرن الحادي عشر ووصفه بأوصاف جليلة، له مؤلفات منها: حاشية
تفسير البيضاوي، شرح الشفاء للقاضي عياض، تفسير آية المودة، وغير ذلك. (2) توجد
ترجمته في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 4 / 295، وشذرات الذهب 6 / 281
وغيرها من المصادر.. وكان حافظا، فقيها، ولي قضاء المدينة المنورة، ودرس بالحرم
النبوي الشريف، وتوفي سنة 750. (*)
ص 376
صلى الله عليه وسلم لعلي مسؤول عنها يوم القيامة. وروى في قوله تعالى: *(وقفوهم
إنهم مسؤولون)* أي: عن ولاية علي وأهل البيت، لأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله
عليه وسلم أن يعرف الخلق أنه لا يألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلا المودة في
القربى. والمعنى: إنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي، أم أضاعوها
وأهملوها، فيكون عليهم المطالبة والتبعة؟! إنتهى. وأخرج أبو الحسن ابن المغازلي، عن
ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا
كان يوم القيامة ونصب على شفير جهنم لم يجز عليه إلا من كان معه كتاب ولاية علي بن
أبي طالب. وفي حديث: والذي نفسي بيده، لا يزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل
الله تعالى الرجل عن أربع: عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله ممن كسبه
وفيهم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت. فقال له عمر: يا نبي الله! وما آية حبكم؟ فوضع
يده على رأس علي وهو جالس إلى جانبه وقال: آية حبي حب هذا من بعدي (1). * وقال
شيخ الإسلام الحمويني (2): أخبرني الشيخ الإمام العلامة نجم الدين عثمان بن
الموفق الأذكاني - في ما أجاز لي أن أرويه -، عن أبي الحسن المؤيد بن محمد الطوسي -
إجازة -، أنبأنا عبد الحميد بن محمد الخواري - إجازة -، عن أبي الحسن
(هامش)
(1) تفسير آية المودة - للحافظ شهاب الدين الخفاجي -: 82، وانظر: نظم درر السمطين -
للحافظ الزرندي -: 109. (2) المتوفى سنة 730، توجد ترجمته في المعجم المختص للذهبي،
وفي الوافي بالوفيات للصفدي، وفي غيرهما من كتب التراجم. (*)
ص 377
علي بن أحمد الواحدي، قال - بعد روايته حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه -: هذه
الولاية التي أثبتها النبي لعلي مسؤول عنها يوم القيامة. أخبرنا أبو إبراهيم (1)
ابن أبي القاسم الصوفي، أنبأنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله
الحسين بن عبد الله بن محمد بن عفير، أنبأنا أحمد بن الفرات، حدثنا عبد الحميد
الحماني، حدثنا قيس، عن أبي هارون، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في قوله عز وجل: *(وقفوهم إنهم مسؤولون)*، قال: عن ولاية علي بن أبي طالب. قال
الواحدي: والمعنى: إنهم يسألون هل والوه حق الموالاة كما أوصاهم به رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟! (2). * وقال السمهودي (3): قال الحافظ جمال الدين الزرندي،
عقب حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه: قال الإمام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسؤول عنها يوم القيامة. وروى في قوله تعالى:
*(وقفوهم إنهم مسؤولون)* أي: عن ولاية علي وأهل البيت... قلت: وقوله: (روي في قوله
تعالى...) يشير إلى ما أخرجه الديلمي، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعا
*(وقفوهم إنهم مسؤولون)*
(هامش)
(1) كذا. (2) فرائد السمطين 1 / 78 - 79 ح 46 و47. (3) وهو: الحافظ السيد علي بن
عبد الله الحسني المدني، المتوفى سنة 911، توجد ترجمته في الضوء اللامع 5 / 245،
النور السافر: 58 وغيرهما من المصادر. (*)
ص 378
عن ولاية علي بن أبي طالب.. ويشهد لذلك قوله - في بعض الطرق المتقدمة -: والله
سائلكم: كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيته؟! وأخرج أبو الحسن ابن المغازلي... وسيأتي
في الذكر العاشر حديث: والذي نفسي بيده، لا يزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل
الله تعالى الرجل عن أربع... (1).
(هامش)
(1) جواهر العقدين 2 / 108 ط بغداد. (*)
ص 379
الفصل الثاني: في الشواهد

هذا، وإن لحديث تفسير الآية المباركة بولاية أمير المؤمنين
عليه السلام شواهد كثيرة في الروايات المعتبرة عند الفريقين، وقد أشار إلى بعضها
العلماء في كلماتهم المذكورة، ونحن نذكر الأحاديث التي أشاروا إليها ثم نضيف إليها
شاهدا أو شاهدين فقط. * حديث السؤال عن الكتاب والعترة جاء هذا في ألفاظ حديث
الثقلين المتواتر بين الفريقين، وإني أذكر هنا أحد ألفاظ الحديث بصورة كاملة، ثم
طائفة من مصادر وجود هذه الفقرة: أخرج الحكيم الترمذي: حدثنا نصر بن علي، قال:
حدثنا زيد بن الحسن، قال: حدثنا معروف بن خربوذ المكي، عن أبي الطفيل عامر بن
واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: لما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حجة الوداع خطب فقال: أيها الناس! إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنه لن يعمر نبي إلا
مثل نصف عمر الذي يليه من قبل، وإني أظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني فرطكم على
الحوض، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل
الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا ولا تضلوا ولا
تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإني قد نبأني اللطيف
ص 380
الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1). ويوجد هذا اللفظ - في حديث
الثقلين - في كثير من المصادر، منها: المعجم الكبير 3 / 180. حلية الأولياء 1 /
355، 9 / 64. تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين - 1 / 45. مجمع الزوائد 9 / 165.
تاريخ ابن كثير 7 / 348. السيرة الحلبية 3 / 301. الصواعق المحرقة: 25. فرائد
السمطين 2 / 274. نظم درر السمطين: 231. الفصول المهمة: 23. * حديث السؤال عن أربع
وهذا الحديث من أهم الأحاديث وأصحها، قال الحافظ الهيثمي: وعن ابن عباس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن
عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن حبنا
أهل البيت. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه: حسين بن الحسن الأشقر، وهو ضعيف
جدا، وقد وثقه ابن حبان مع أنه يشتم السلف. وعن أبي برزة، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: لا تزول قدما
(هامش)
(1) نوادر الأصول: 68 - 69، لمحمد بن علي الحكيم الترمذي، المتوفى سنة 285. (
ص 381
عبد حتى يسأل عن أربعة: عن جسده فيم أبلاه، وعمره فيم أفناه، وماله من أين اكتسبه
وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت. قيل: يا رسول الله! فما علامة حبكم؟ فضرب بيده على
منكب علي رضي الله عنه. رواه الطبراني في الأوسط (1). أقول: أولا: لم يتكلم في
سند الحديث الثاني، مع أنه تكلم في الأول. وثانيا: السائل: يا رسول الله! فما
علامة حبكم؟ هو: عمر بن الخطاب ، وقد جاء هنا: قيل . وثالثا: في ذيله:
وآية حبي حب هذا من بعدي ، ولم يذكره. ورابعا: كلامه في حسين الأشقر مردود،
وقد أوضحنا وثاقة هذا الرجل في بحث آية المودة وسيأتي أيضا في الآية: *(وقفوهم إنهم
مسؤولون)*. و عن أبي الطفيل، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن علمه ما عمل به، وعن ماله
مما اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن حب أهل البيت. فقيل: يا رسول الله! ومن هم؟ فأومأ بيده
إلى علي بن أبي طالب . أقول: أخرجه ابن عساكر، عن مشايخه، عن الباغندي، عن يعقوب
بن
(هامش)
(1) مجمع الزوائد 10 / 346، وانظر: المعجم الكبير 11 / 83 رقم 11177، والمعجم
الأوسط 9 / 264 - 265 رقم 9406، و3 / 9 رقم 2212. (*)
ص 382
إسحاق الطوسي، عن الحارث بن محمد المكفوف، عن أبي بكر بن عياش، عن معروف بن خربوذ،
عن أبي الطفيل، عن أبي ذر (1). ولا مساغ للطعن في هذا الحديث سندا. نعم، هو من
حيث المتن والدلالة مما لا تحتمله نفوس القوم، ولذا تراهم يصفونه بالبطلان، من غير
جرح لأحد من رواته!! فقد عنون الذهبي في ميزانه الحارث بن محمد المعكوف (2) ولم
يجرحه بشيء، إلا أنه قال ما نصه: أتى بخبر باطل، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن معروف
بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر مرفوعا: لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن حبنا أهل
البيت، وأومأ إلى علي. رواه أبو بكر ابن الباغندي، عن يعقوب بن إسحاق الطوسي، عنه
. إنتهى (3). أكتفي بهذا لئلا يطول بنا البحث، كما أكتفي بالإشارة إلى أن للقوم في
هذا الحديث تصرفات، لا بد من التحقيق عنه ممن كان أهلا لذلك. * حديث: لا يجوز
الصراط إلا من معه كتاب ولاية علي ونذكر بعض ما ورد في هذا الباب: 1 - حديث أمير
المؤمنين.. رواه الحافظ أبو الخير الحاكمي الطالقاني، قال: وبه قال الحاكم... وعن
علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم
القيامة، ونصب الصراط على جسر جهنم، ما جازها أحد حتى كانت معه براءة بولاية علي بن
أبي طالب (4).
(هامش)
(1) تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 2 / 161. (2) كذا، لكن في لسان
الميزان 2 / 159، وتاريخ دمشق: المكفوف . (3) ميزان الاعتدال 1 / 443. (4) كتاب
الأربعين المنتقى من مناقب علي المرتضى: الباب الثالث والثلاثون الحديث رقم 40. (*)
ص 383
2 - حديث الإمام جعفر بن محمد الصادق.. رواه مالك بن أنس، عنه، عن آبائه، عن علي،
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم
القيامة، ونصب الصراط على جسر جهنم، لم يجز أحد إلا من كانت معه براءة بولاية علي
بن أبي طالب . روى هذا الحديث: شيخ الإسلام الحمويني بسنده، عن الحافظ البيهقي، عن
الحاكم النيسابوري بسنده، عن إبراهيم بن عبد الله الصاعدي، عن ذي النون المصري، عن
مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد... (1). أقول: وهذا الحديث أيضا لا مجال للطعن في
سنده، ولذا ذكره بعض المتعصبين ووصفه بكونه خبرا باطلا متنه (2)، وادعى بعضهم
أن راويه إبراهيم بن عبد الله الصاعدي ، متروك الحديث (3)، لكنه جرح بلا ذكر
سبب، وما هو إلا رواية مثل هذا الحديث... هذا، وقد تابعه الهيثم بن أحمد الزيداني
، قال الحافظ أبو نعيم: حدثني سوار بن أحمد، ثنا علي بن أحمد بن بشر الكسائي،
ثنا أبو العباس الهيثم بن أحمد الزيداني، ثنا ذو النون بن إبراهيم المصري، ثنا مالك
بن أنس، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على ظهراني جهنم، لا يجوزها ولا يقطعها إلا من كان
معه جواز بولاية علي بن أبي طالب (4).
(هامش)
(1) فرائد السمطين 1 / 289. (2) ميزان الاعتدال 1 / 443. (3) الموضوعات - لابن
الجوزي - 1 / 399. (4) أخبار أصبهان 1 / 341. (*)
ص 384
3 - حديث أنس بن مالك.. قال الفقيه ابن المغازلي: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد
الوهاب - إذنا -، عن القاضي أبي الفرج أحمد بن علي، قال: حدثنا أبو غانم سهل بن
إسماعيل بن بلبل، حدثنا أبو القاسم الطائي، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثني
العباس بن بكار، عن عبد الله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أبيه،
عن جده، قال: قال رسول الله: إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم، لم
يجز إلا من معه كتاب ولاية علي بن أبي طالب (1). 4 - حديث عبد الله بن مسعود..
رواه عنه الحسن البصري، فروى الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي بإسناده، عن الحسن
البصري، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم
القيامة، يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس - وهو جبل قد علا على الجنة، وفوقه عرش
رب العالمين، ومن سفحه تتفجر أنهار الجنة وتتفرق في الجنان - وهو جالس على كرسي من
نور، يجري من بين يديه التسنيم، لا يجوز أحد الصراط إلا ومعه براءة بولايته وولاية
أهل بيته، يشرف على الجنة، فيدخل محبيه الجنة ومبغضيه النار (2). 5 - حديث عبد
الله بن عباس.. رواه عنه سعيد بن جبير، رواه الحافظ الحاكم الحسكاني، وقد تقدم نصه
قريبا.. ورواه عنه مجاهد، رواه ابن المغازلي، عن الغندجاني بسنده، عن طريق السدي
إلى يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: علي يوم القيامة على الحوض، لا يدخل الجنة إلا من
(هامش)
(1) مناقب علي بن أبي طالب: 243. (2) مناقب علي بن أبي طالب: 31. (*)
ص 385
جاء بجواز من علي بن أبي طالب (1). ورواه عنه طاووس، قال ابن عساكر: قال
الخطيب: وأنبأنا أبو نعيم الحافظ: أنبأنا أبو بكر محمد بن فارس المعبدي ببغداد،
حدثني أبي فارس بن حمدان بن عبد الرحمن، حدثني جدي، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد، عن
طاووس، عن ابن عباس، قال: قلت للنبي: يا رسول الله! هل للنار جواز؟! قال: نعم. قلت:
وما هو؟! قال: حب علي بن أبي طالب .. قال ابن عساكر: قال الخطيب: سألت أبا نعيم
عنه فقال: كان رافضيا غاليا في الرفض، وكان أيضا ضعيفا في الحديث. قال الخطيب: محمد
بن فارس بن حمدان... أبو بكر العطشي، ويعرف بالمعبدي... (2). 6 - حديث أبي بكر بن
أبي قحافة.. قال الحافظ محب الدين الطبري: ذكر اختصاصه بأنه لا يجوز أحد الصراط
إلا من كتب له علي الجواز، عن قيس بن أبي حازم، قال: التقى أبو بكر وعلي بن أبي
طالب. فتبسم أبو بكر في وجه علي. فقال له: مالك تبسمت؟ قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز. أخرجه ابن
السمان في كتاب الموافقة (3). أقول: ذكر الحافظ ابن حجر قيس بن أبي حازم
ووثقه، وجعل عليه علامة الكتب الستة، قال: ويقال: له رؤية (4).
(هامش)
(1) مناقب علي بن أبي طالب: 119. (2) تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام
- 2 / 104. (3) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 71. (4) تقريب التهذيب 2 / 127.
(*)
ص 386
الشاهد لحديث الجواز ثم إنه يشهد لحديث: لا يجوز أحد الصراط إلا ومعه كتاب بولاية
علي أحاديث كثيرة، من أشهرها حديث: علي قسيم الجنة والنار ، رواه الدارقطني،
وابن عساكر، وابن المغازلي، وابن حجر المكي، والمتقي الهندي، وكثيرون من أعلام
المحدثين غيرهم. * ما ورد بتفسير قوله تعالى: *(واسأل من أرسلنا من قبلك..)* ومما
يؤكد المطلب ما جاء في جملة من كتب الفريقين بتفسير هذه الآية المباركة، ونحن نوضح
ذلك على ضوء كتب العامة فحسب فنقول: ظاهر هذه الآية أنها أمر من الله تعالى لرسوله
أن يسأل المرسلين الذين أرسلوا إلى أممهم من قبله صلى الله عليه وآله وسلم... فهذا
أمر من الله، والمأمور بالسؤال هو: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمسؤول منهم:
المرسلون السابقون، والسؤال ما هو؟ فهاهنا أسئلة: كيف يسأل الرسل وقد ماتوا قبله؟!!
وهل سألهم أو لا؟!! وعلى الأول، فما كان السؤال؟! وما كان جوابهم؟! وهذا الموضع من
المواضع التي اضطربت فيها كلمات القوم بشدة واختلفت اختلافا كبيرا: يقول ابن الجوزي
في تفسيره: إن قيل: كيف يسأل الرسل وقد ماتوا قبله؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
ص 387
أحدها: إنه لما أسري به، جمع له الأنبياء فصلى بهم، ثم قال له جبريل: *(واسأل من
أرسلنا من قبلك..)* الآية.. فقال: لا أسأل، قد اكتفيت.. رواه عطاء عن ابن عباس،
وهذا قول سعيد بن جبير، والزهري، وابن زيد، قالوا: جمع له الرسل ليلة أسري به
فلقيهم، وأمر أن يسألهم، فما شك ولا سأل. والثاني: إن المراد: اسأل مؤمني أهل
الكتاب من الذين أرسلت إليهم الأنبياء.. روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة،
والضحاك، والسدي، في آخرين. قال ابن الأنباري: والمعنى: سل أتباع من أرسلنا قبلك،
كما تقول: السخاء حاتم، أي: سخاء حاتم، والشعر زهير. أي: شعر زهير. وعند المفسرين
إنه لم يسأل على القولين. وقال الزجاج: هذا سؤال تقرير، فإذا سأل جميع الأمم لم
يأتوا بأن في كتبهم: أن اعبدوا غيري. والثالث: إن المراد بخطاب النبي صلى الله عليه
وسلم: خطاب أمته، فيكون المعنى: سلوا. قاله الزجاج . هذا تمام ما ذكره ابن الجوزي
(1). أقول: فهذه ثلاثة أجوبة - وتجدها في التفاسير الأخرى أيضا - أولاها حمل على
ظاهر الآية، فهو جواب على الحقيقة، والتاليان حمل على خلاف الظاهر، فهما جوابان على
المجاز.. ولعل المختار عند ابن الجوزي - بقرينة التقديم في الذكر - هو الأول.
واختار الآلوسي الجواب الثاني كما سيأتي،
(هامش)
(1) زاد المسير 7 / 138 - 139. (*)
ص 388
وعندهم أجوبة أخرى على المجاز، وهي باختصار: 1 - إن الخطاب للنبي، والسؤال مجاز عن
النظر في أديانهم: هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء؟! (1) وهو الذي
اختاره الزمخشري، وتبعه بعضهم كالنسفي، ثم قال الزمخشري: وكفاه نظرا وفحصا نظره
في كتاب الله المعجز المصدق لما بين يديه، وإخبار الله فيه بأنهم يعبدون من دون
الله ما لم ينزل به سلطانا، وهذه الآية في نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها (2).
أقول: فلم أمر بالسؤال؟! 2 - إن الخطاب ليس للنبي، بل هو للسامع الذي يريد أن يفحص
عن الديانات، فقيل له: اسأل أيها الناظر أتباع الرسل، أجاءت رسلهم بعبادة غير
الله؟! فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع، ولا يمكن أن يأتوا به، واختاره أبو حيان
الأندلسي (3). أقول كما قال الآلوسي فيه: ولعمري إنه خلاف الظاهر جدا. 3 - إن
الخطاب للنبي، والسؤال على الحقيقة، لكن المسؤول هو الله تعالى، فالمعنى: واسألنا
عن من أرسلنا... نقله أبو حيان عن بعضهم واستبعده. وقال الآلوسي: ومما يقضى منه
العجب ما قيل... ثم قال: واسأل من قرأ أبا جاد، أيرضى بهذا الكلام ويستحسن
تفسير كلام الله تعالى المجيد بذلك؟! . أقول: لا يرضى به قطعا.
(هامش)
(1) تفسير الرازي 27 / 216، البحر المحيط 9 / 377، روح المعاني 25 / 86. (2) الكشاف
4 / 254. وانظر: تفسير النسفي - مدارك التنزيل - هامش الخازن 4 / 106، فقد قال
بالعبارة عينها دون ذكر الزمخشري! (3) البحر المحيط 9 / 377. (*)
ص 389
هذه نماذج من كلمات أئمة القوم. ولا يخفى اضطراب القوم في تفسير الآية المباركة، إن
أبقوها على ظاهرها، فبم يجيبون عن الأسئلة؟! وإن أرادوا التخلص من الجواب عنها،
حملوا الآية على المجاز، وهو باب واسع، وقد رأيت كيف يرد بعضهم على الآخر في ما
اختار! وابن كثير الدمشقي لم يلتفت إلى شيء من هذه الأسئلة، فلم يبين المخاطب
بالآية، ولا السؤال، ولا المسؤول... وإنما قال: وقوله سبحانه وتعالى: *(واسأل من
أرسلنا...)* أي: جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه، من عبادة الله وحده لا
شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد، كقوله جلت عظمته: *(ولقد بعثنا في كل
أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)* (1). فهكذا فسر الآية ليكون في فسحة
من المشكلة وطلبا للراحة منها، ثم ذكر القولين الآتيين. وبعد... فالمهم من هذه
الأقوال كلها قولان، ولذا لم يذكر غير واحد منهم - كابن كثير والشوكاني - غيرهما:
أحدهما: إن المراد سؤاله الأنبياء، لما أسري به عند ملاقاته لهم.. قالوا: وهذا قول
المتقدمين منهم، كسعيد بن جبير، والزهري، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ورووا عن
عطاء، عن ابن عباس: فقال: لا أسأل، قد اكتفيت . والآخر: إن المراد سؤاله الأمم،
والمؤمنين من أهل الكتاب، من الذين
(هامش)
(1) تفسير ابن كثير 4 / 115. (*)
ص 390
أرسلت إليهم الأنبياء.. وهذا القول حكوه عن ابن عباس كذلك، وعن مجاهد وقتادة
والضحاك والسدي في آخرين، كما قال ابن الجوزي، واختاره ابن جرير الطبري، وكثير من
المتأخرين - كالآلوسي -، بل في الوسيط للواحدي (1) وتفسير البغوي نسبته إلى أكثر
المفسرين، قال البغوي: يدل عليه قراءة عبد الله وأبي: واسأل الذين أرسلنا إليهم
قبلك رسلنا (2).. لكن ابن كثير قال: وهذا كأنه تفسير لا تلاوة. والله أعلم
(3). وهذان القولان هما الأول والثاني من الأقوال الثلاثة التي ذكرها ابن الجوزي
بتفسيره... فهل سأل صلى الله عليه وآله وسلم أو لا؟! وعلى تقدير السؤال، فما كان
الجواب؟! قال ابن الجوزي: وعند المفسرين أنه لم يسأل، على القولين (4). أقول:
فلا جواب عندهم عن السؤال، أو أن هناك جوابا صحيحا مطابقا لظاهر الآية - ولا خروج
فيه عن الحقيقة إلى المجاز - مشتملا على جميع جوانب المسألة، ولكنهم لا يريدون
التصريح به والإفصاح عنه؟! إن هذا الموقف من ابن الجوزي وأمثاله ليذكرنا بموقفهم من
حديث الأئمة بعدي اثنا عشر كلهم من قريش ، إذ يشرقون ويغربون، ويختلفون
ويضطربون... حتى قال ابن الجوزي: قد أطلت البحث عن معنى هذا
(هامش)
(1) الوسيط في تفسير القرآن 4 / 75. (2) معالم التنزيل 5 / 102. (3) تفسير ابن كثير
4 / 115. (4) زاد المسير 7 / 139. (*)
ص 391
الحديث وتطلبت مظانه وسألت عنه، فلم أقع على المقصود (1).. وما كل ذلك إلا لأنهم
لا يريدون الاعتراف بالحقيقة. والعجيب، أنهم في تفسير الآية *(واسأل من أرسلنا...)*
يستدلون بما يروون عن عبد الله بن مسعود من أنه قرأها: واسأل الذين أرسلنا إليهم
قبلك رسلنا ثم يتنازعون هل هو قراءة أو تفسير! ولا يعبأون بحديث مسند مروي عندهم
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في معنى الآية المباركة!!
بل القائلون بالقول الأول - من هذين القولين - لا يستندون في قولهم إلى هذا الحديث،
مع أنهم بأشد الحاجة إليه في بيان معنى الآية وإثبات قولهم في تفسيرها!! وما كل ذلك
إلا لاشتماله على ولاية أمير المؤمنين!! الحديث كما رواه جماعة من أكابر المحدثين
الحفاظ * رواه الحاكم، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ، قال: حدثنا
عبد الله بن محمد بن غزوان، قال: ثنا علي بن جابر، قال: ثنا محمد بن خالد بن عبد
الله، قال: ثنا محمد بن فضيل، قال: ثنا محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن
عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله! أتاني ملك فقال: يا
محمد! *(واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا)* على ما بعثوا؟ قال: قلت: على ما بعثوا؟
قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب. قال الحاكم: تفرد به علي بن جابر، عن محمد
بن خالد، عن محمد بن
(هامش)
(1) فتح الباري في شرح البخاري - للحافظ ابن حجر - 13 / 181. (*)
ص 392
فضيل، ولم أكتبه إلا عن ابن المظفر، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون (1). فالآية باقية
على ظاهرها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سأل، وكان الجواب: بعث الأنبياء على
ولايته وولاية علي عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام. * ورواه الثعلبي، قال:
أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري، حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين
الأزدي الموصلي، حدثنا عبد الله بن محمد بن غزوان البغدادي، حدثنا علي بن جابر،
حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله ومحمد بن إسماعيل، قالا: حدثنا محمد بن فضيل، عن
محمد ابن سوقة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أتاني ملك فقال: يا محمد!... (2). * ورواه ابن عساكر، قال:
أخبرنا أبو سعد بن أبي صالح الكرماني وأبو الحسن مكي بن أبي طالب الهمداني، قالا:
أنبأنا أبو بكر ابن خلف، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ، حدثني محمد بن مظفر
الحافظ... إلى آخر ما تقدم عن الحاكم (3). * ورواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني،
كما في تنزيه الشريعة عن الحافظ ابن حجر، وفي غير واحد من كتب أصحابنا أنه روى
بإسناده في هذه الآية، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسري به جمع الله
تعالى بينه وبين الأنبياء، ثم قال: سلهم يا محمد! على ماذا بعثتم؟ فقالوا: بعثنا
على شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى الإقرار بنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب
(4).
(هامش)
(1) معرفة علوم الحديث: 96. (2) تفسير الثعلبي - مخطوط. (3) تاريخ دمشق - ترجمة
أمير المؤمنين - 2 / 97. (4) الطرائف في معرفة الطوائف 1 / 101، البرهان في تفسير
القرآن 4 / 148، غاية المرام: 249، خصائص الوحي المبين: 153. (*)
ص 393
* ورواه الحافظ ابن حجر العسقلاني من جهة الحاكم، قال: ورواه أبو نعيم، وستأتي
عبارة ابن حجر. * ورواه الحافظ ابن عبد البر القرطبي، على ما نقل عنه العلامة الحلي
(1)، والشيخ يحيى بن البطريق (2). * ورواه الحاكم الحسكاني، قال: حدثنا الحاكم
أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني محمد بن المظفر... إلى آخر ما تقدم... قال:
وأخبرنا أبو عثمان الحيري من أصله العتيق، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن المظفر...
سواء لفظا، ولم يذكر علقمة في الإسناد . حدثني أبو الحسن الفارسي، حدثنا عمر بن
أحمد، حدثنا علي بن الحسين بن سفيان الكوفي، حدثنا جعفر بن محمد أبو عبد الله
الحسيني، حدثنا علي بن إبراهيم العطار، حدثنا عباد، عن محمد بن فضيل، عن محمد بن
سوقة . قال: وحدثنا أبو سهل سعيد بن محمد، حدثنا علي بن أحمد الكرماني، حدثنا
أحمد بن عثمان الحافظ، حدثنا عبيد بن كثير، حدثنا محمد ابن إسماعيل الأحمسي، حدثنا
ابن فضيل، عن محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، قال: قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي إلى السماء إذا ملك قد أتاني فقال
لي: يا محمد! سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا. قلت: معاشر الرسل
والنبيين! على ما بعثكم الله؟ قالوا: على ولايتك يا محمد وولاية علي بن أبي طالب.
(هامش)
(1) منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، آخر الطبعة القديمة من منهاج السنة: 79 - 80.
(2) خصائص الوحي المبين: 98. (*)
ص 394
ورواه غير علي، عن محمد بن خالد الواسطي، وتابعه محمد بن إسماعيل.. أخبرنيه الحاكم
أبو عبد الله، حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رحيم النسوي، حدثنا أبو محمد الحسن
بن عثمان الأهوازي، حدثنا محمد بن خالد ابن عبد الله الواسطي، حدثنا محمد بن فضيل،
حدثنا محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال: قال لي النبي... به
لفظا سواء (1). * ورواه الموفق بن أحمد المكي، قال: وأخبرني شهردار - إجازة -،
أخبرني أحمد بن خلف - إجازة -، حدثني محمد بن المظفر الحافظ، حدثنا عبد الله بن
محمد بن غزوان، حدثنا علي بن جابر... إلى آخر ما تقدم سواء (2). * ورواه
الحمويني، عن شهردار بن شيرويه الحافظ، عن أحمد بن خلف، عن الحاكم، عن ابن المظفر
الحافظ... كما تقدم سواء (3). * ورواه أبو عبد الله الكنجي، قال: قرأت على الحافظ
أبي عبد الله ابن النجار، قلت له: قرأت على المفتي أبي بكر بن عبد الله بن عمر
الصفار، قال: أخبرتنا الحرة عائشة بنت أحمد الصفار، أخبرنا أحمد بن علي الشيرازي،
أخبرنا الإمام الحافظ أبو عبد الله النيسابوري، حدثني محمد بن المظفر الحافظ...
إلى آخر ما تقدم سواء (4). أقول: هذا في الحديث عن ابن مسعود.
(هامش)
(1) شواهد التنزيل 2 / 222 - 225. (2) مناقب علي بن أبي طالب: 220. والظاهر سقوط
الحاكم بين أبي خلف وابن المظفر. (3) فرائد السمطين 1 / 81. (4) كفاية الطالب في
مناقب علي بن أبي طالب: 75. (*)
ص 395
وهو أيضا عن عبد الله بن عباس: * قال القندوزي الحنفي: أيضا رواه الديلمي، عن ابن
عباس، رضي الله عنهما (1). وهو أيضا عن أبي هريرة: * قال شهاب الدين أحمد الخنجي:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أسري بي ليلة المعراج،
فاجتمع علي الأنبياء، فأوحى الله إلي: سلهم يا محمد! بماذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا على
شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى الإقرار بنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب. أورده
الشيخ المرتضى، العارف الرباني، السيد شرف الدين علي الهمداني في بعض تصانيفه،
وقال: رواه الحافظ أبو نعيم (2). أقول: هذا، وهو مروي عند أصحابنا عن أمير
المؤمنين وأبنائه الطاهرين عليهم الصلاة والسلام (3). وتلخص: إن الصحيح في الآية
المباركة إبقاؤها على ظاهرها، وتفسيرها بهذا الحديث المروي في كتب الفريقين عن أمير
المؤمنين وعدة من الأصحاب، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(هامش)
(1) ينابيع المودة 1 / 244. (2) توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط. (3) كنز
الدقائق في تفسير القرآن 11 / 547. (*)
ص 396
والأشهر من بين الأحاديث في الباب هو حديث عبد الله بن مسعود، فقد ورد في كتب كثيرة
من كتب أهل السنة، ولهم به أسانيد عديدة، وفي الرواة عدة من أعلام الحفاظ، والأئمة
الثقات. يقول ابن تيمية: إن مثل هذا مما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع ..
وليت شعري! فلماذا اتفق هذا الجمع من الحفاظ والمحدثين على روايته؟! ثم يقول ابن
تيمية: إن هذا مما يعلم من له علم ودين أنه من الكذب الباطل الذي لا يصدق به من
له عقل ودين، وإنما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجرأة في الكذب . وليت شعري! هل
كان هؤلاء الأئمة الرواة لهذا الحديث عالمين بحاله فمع ذلك رووه، أو كانوا جاهلين،
ومع ذلك يعدون في كبار أئمة الحديث وحفاظه؟! ثم إني لم أجد هذا الحديث في الموضوعات
لابن الجوزي، ولا في كتاب العلل المتناهية له. نعم، أورد ابن عراق حديث ابن مسعود
في (تنزيه الشريعة الغراء) ومحصل كلامه ثبوت الحديث لا سقوطه، وهذا نص ما قال:
حديث: ابن مسعود، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله! أتاني ملك
فقال: يا محمد! سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ماذا بعثوا؟ قلت: على ما بعثوا؟
قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب. حا (1).
(هامش)
(1) هذا رمز للحاكم، كما ذكر في أول الكتاب أيضا. (*)
ص 397
قلت: ولم يبين علته. وقد أورده الحافظ ابن حجر في زهر الفردوس (1) من جهة الحاكم،
ثم قال: ورواه أبو نعيم وقال: تفرد به علي بن جابر، عن محمد بن فضيل. إنتهى. وعلي
بن جابر ما عرفته. والله أعلم (2). أقول: ظهر من هذا الكلام رواية ثلاثة من أئمة
الحفاظ هذا الحديث بإسنادهم عن عبد الله بن مسعود، من غير أن يبينوا علة له.. أما
الحاكم، فقد تقدم نص روايته للحديث، وهو في مقام ذكر شاهد لنوع من أنواع الحديث،
فهو غير معلول عنده، بل هو حديث معتبر يذكر لقاعدة علمية في كتاب علمي. وأما أبو
نعيم، فقد روى هذا الحديث وهو يناسب ذكره في كتاب دلائل النبوة لرسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وأنها كانت ثابتة له منذ القرون السابقة، وفي زمن الأنبياء
الماضين، حتى كان عليهم أن يدعوا الناس إلى نبوته ويبشروا أممهم ببعثته، إلا أنا لم
نجده في الكتاب المذكور. وأما ابن حجر العسقلاني، فقد أورد هذا الحديث ضمن أحاديث
منتخبة من كتاب الفردوس، وأضاف إليه رواية الحاكم، وأبي نعيم. فظهر إلى هنا من كلام
ابن عراق اعتبار هذا الحديث عند القوم. لكن ابن عراق قال في آخر الكلام: وعلي بن
جابر ما عرفته .
(هامش)
(1) وهو مختصر كتاب فردوس الأخبار للديلمي، أورد فيه ما استجوده من أخباره، كما له
كتاب تسديد القوس في مختصر مسند الفردوس. (2) تنزيه الشريعة الغراء 1 / 397. (*)
ص 398
أقول: فانتهى القدح في سند الحديث عن ابن مسعود إلى أن ابن عراق لم يعرف علي بن
جابر . وإذا كان الأمر هكذا فهو سهل جدا، لأن أكابر الأئمة الحفاظ من المتقدمين قد
عرفوا هذا الرجل، ولم يذكروه بجرح.. ومما يؤكد ذلك، قول غير واحد منهم - كالحاكم
وأبي نعيم - بعد روايته: تفرد به علي بن جابر، عن محمد بن فضيل فإنه ظاهر في
توثيقهم للرجلين، وإلا لطعنوا فيه قبل أن يقولوا: تفرد به... . على أنه يظهر من
روايات الحاكم الحسكاني متابعة غير علي بن جابر له في رواية الحديث عن محمد بن
فضيل. وأما محمد بن فضيل : فلم يتكلم فيه أحد، فهو من رجال الكتب الستة، قال
الحافظ ابن حجر: محمد بن فضيل بن غزوان، - بفتح المعجمة وسكون الزاي - الضبي،
مولاهم، أبو عبد الرحمن، الكوفي، صدوق عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة. مات سنة 95.
ع (1). وتلخص: إن الحق هو القول الأول، وهو إبقاء الآية المباركة على ظاهرها كما
هو مقتضى أصالة الحقيقة، والأخبار الواردة تفسرها بكل وضوح، لا سيما حديث ابن
مسعود. وقد ظهر أن هذه الأخبار متفق عليها بين الفريقين، وهي عن أمير المؤمنين،
وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن العباس، وأبي هريرة.
(هامش)
(1) تقريب التهذيب 2 / 200، و ع : رمز للكتب الستة، أي مجمع على وثاقته. (
ص 399
هذا، وقد روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر الإسراء به،
والتقائه بالأنبياء، وصلاته بهم، وهو خبر طويل، أخرجه الطبراني، وأبو يعلى،
والبزار، والحاكم (1)، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح . فأظن أن ما رواه
الحاكم في كتابه علوم الحديث هو ذيل هذا الحديث الطويل، يتعلق بالسؤال منهم على ما
بعثوا، إلا أنهم سكتوا عن روايته، لاشتماله على الولاية لأمير المؤمنين عليه
السلام. فما قالوا من أنه صلى الله عليه وآله وسلم: لم يسأل، وقال: اكتفيت كذب
منهم عليه، إذ كيف يأمره الله عز وجل بالسؤال، فلم يسأل؟! مضافا، إلى أنه قد ورد في
حديث: فقدمني جبريل حتى صليت بين أيديهم وسألتهم فقالوا: بعثنا للتوحيد (2)..
فكان هناك سؤال وجواب!! ولكنهم لا يريدون التصريح بذلك، ولا يريدون ذكر الجواب
بصورة كاملة، ليشتمل على الولاية لعلي!! وكم له من نظير!! وهذا أحد أساليبهم في
إخفاء مناقب أمير المؤمنين وأهل البيت الكرام الطاهرين، الدالة على إمامتهم بعد
الرسول الأمين عليه وآله أفضل الصلاة والسلام. فانظر كيف يفترون على الله والرسول
الكذب؟!! إنكارا لولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، *(فويل لهم مما كتبت
أيديهم وويل لهم مما يكسبون)*(3).
(هامش)
(1) كنز العمال 11 / 390 رقم 31841، مجمع الزوائد 1 / 75. (2) كنز العمال 11 / 397
رقم 31852 عن ابن سعد، عن عدة من الصحابة. (3) سورة البقرة 2: 79. (*)
ص 400
الفصل الثالث: في دفع شبهات المخالفين

وبعد، فلنتأمل في كلمات بعض المناوئين لأمير
المؤمنين عليه السلام حول حديث السؤال عن ولايته في يوم القيامة الوارد بتفسير قوله
تعالى: *(وقفوهم...)*. * ابن تيمية قال ابن تيمية، في جواب استدلال العلامة الحلي
بالآية المباركة: قال الرافضي: البرهان الرابع عشر: قوله تعالى: *(وقفوهم إنهم مسؤولون)*... من طريق أبي نعيم، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال في قوله تعالى:
*(وقفوهم إنهم مسؤولون)* عن ولاية علي. وكذا في كتاب الفردوس عن أبي سعيد الخدري،
عن النبي. وإذا سئلوا عن الولاية وجب أن تكون ثابتة له، ولم يثبت لغيره من الصحابة
ذلك، فيكون هو الإمام. والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل، والعزو إلى
الفردوس وإلى أبي نعيم لا تقوم به حجة باتفاق أهل العلم. الثاني: إن هذا كذب موضوع
بالاتفاق. الثالث: إن الله تعالى قال: *(بل عجبت ويسخرون...)* فهذا خطاب عن
ص 401
المشركين المكذبين بيوم الدين... وما يفسر القرآن بهذا وما يقول: إن النبي صلى الله
عليه وسلم فسره بمثل هذا، إلا زنديق ملحد، متلاعب بالدين، قادح في دين الإسلام، أو
مفرط في الجهل ما يدري ما يقول. وأي فرق بين حب علي وطلحة والزبير وسعد وأبي بكر
وعمر وعثمان؟! الرابع: إن قوله: *(مسؤولون)* لفظ مطلق لم يوصل به ضمير يخصه بشيء،
وليس في السياق ما يقتضي ذكر حب علي. فدعوى المدعي دلالة اللفظ على سؤالهم عن حب
علي، من أعظم الكذب والبهتان. الخامس: إنه لو ادعى مدع أنهم مسؤولون عن حب أبي بكر
وعمر، لم يكن إبطال ذلك بوجه إلا وإبطال السؤال عن حب علي أقوى وأظهر . إنتهى (1).
أقول: يكفي في جوابه أن يقال: أولا: إن هذا الحديث رواه كبار الأئمة وأعلام الحديث
بطرق متعددة، وقد ذكرنا أسامي بعضهم وجملة من أسانيدهم في روايته، فإن كان هؤلاء
كلهم زنادقة، ملحدين، متلاعبين بالدين، قادحين في الإسلام، أو مفرطين في الجهل لا
يدرون ما يقولون... فما ذنبنا؟!! ثانيا: قد ظهر مما تقدم صحة بعض أسانيد هذا
الحديث، وإن له شواهد عديدة في كتب القوم بأسانيد معتبرة.. وحينئذ لا أثر للسياق،
ولا مجال للسؤال عن الفرق بين حب علي
(هامش)
(1) منهاج السنة 7 / 143 - 147. الطبعة الحديثة. (*)
ص 402
وحب غيره من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبه يظهر بطلان دعوى السؤال عن
حب غيره في يوم القيامة. وبهذا الموجز يظهر أن ليس لهذا المفتري في مقابل هذا
الاستدلال برهان معقول ولا قول مقبول... * ابن روزبهان وقال ابن روزبهان في جواب
الاستدلال ما نصه: ليس هذا من رواية أهل السنة. ولو صح دل على أنه من أولياء الله
تعالى، فالولي هو المحب المطيع، وليس هو بنص في الإمامة (1). أقول: قد عرفت أنه
من رواية أهل السنة... وقد عرفت أنه صحيح... فما هو الجواب عن قول العلامة: وإذا
سئلوا عن الولاية وجب أن تكون ثابتة له، ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك، فيكون هو
الإمام ؟! إنه لا جواب له عن هذا، كما لم يجب عنه ابن تيمية!! * الآلوسي وقال
الآلوسي في تفسير الآية المباركة: وروى بعض الإمامية عن ابن جبير، عن ابن عباس:
يسألون عن ولاية علي كرم الله تعالى وجهه، ورووه أيضا عن أبي سعيد الخدري ..
(هامش)
(1) كتاب إبطال الباطل، لاحظ: دلائل الصدق 2 / 150. (*)
ص 403
(قال): وأولى هذه الأقوال: إن السؤال عن العقائد والأعمال، ورأس ذلك لا إله إلا
الله، ومن أجمله ولاية علي كرم الله تعالى وجهه، وكذا ولاية إخوانه الخلفاء
الراشدين (1). أقول: أولا: لقد روى الإمامية خبر يسألون عن ولاية أمير المؤمنين
عليه السلام، لكن انحصار واختصاص تلك الرواية بهم - كما هو ظاهر عبارة الآلوسي -
دعوى كاذبة. وثانيا: كون أولى الأقوال... ، لا دليل عليه، بل الدليل من السنة
النبوية على خلافه، فما بال القوم يخالفون السنة ويزعمون أنهم من أهلها!! وثالثا:
ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قام الدليل عليها عند الفريقين كتابا وسنة، أما
ولاية غيره فما الدليل عليها؟!! * الدهلوي وجاء في (مختصر التحفة الاثني عشرية) في
ذكر أدلة الإمامية: ومنها: قوله تعالى: *(وقفوهم إنهم مسؤولون)*، قال الشيعة في
الاستدلال بها: روي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أنه قال: *(وقفوهم إنهم مسؤولون)* عن
ولاية علي بن أبي طالب. ولا يخفى أن نحو هذا التمسك في الحقيقة بالروايات لا
بالآيات، وهذه الرواية واقعة في فردوس الديلمي الجامع للأحاديث الضعيفة الواهية،
ومع هذا قد وقع في سندها الضعفاء والمجاهيل الكثيرون، بحيث سقطت عن قابلية
(هامش)
(1) روح المعاني 23 / 80. (*)
ص 404
الاحتجاج بها، لا سيما في هذه المطالب الأصولية. ومع هذا فإن نظم الكتاب مكذب لها،
لأن هذا الحكم في حق المشركين... ولئن سلمنا صحة الرواية وفك النظم القرآني، يكون
المراد بالولاية المحبة، وهي لا تدل على الزعامة الكبرى التي هي محل النزاع، ولو
كانت الزعامة الكبرى مرادة أيضا، لم تكن هذه الرواية مفيدة للمدعى، لأن مفاد الآية
وجوب اعتقاد إمامة الأمير في وقت من الأوقات، وهو عين مذهب أهل السنة... (1).
أقول: أولا: لم يذكر هذا الرجل وجه استدلال أصحابنا بالآية المباركة، وقد تقدمت
عبارة العلامة الحلي في وجهه، فما هو الجواب؟! وثانيا: لم يقل أحد من أصحابنا بأن
الاستدلال لإمامة الأمير هو بالآيات وحدها، وكذا لم يدع أحد من المخالفين دلالة شيء
من القرآن الكريم وحده على إمامة غيره، وإنما يكون الاستدلال بالآيات بمعونة
الروايات المفسرة لها. وثالثا: لم تكن الرواية منحصرة بما في فردوس الأخبار، وبما
عن أبي سعيد الخدري... فكل ما ذكره إلى هنا ما هو إلا تلبيس وتخديع. ورابعا:
الاستدلال بالنظم القرآني وسياق الآيات الكريمة لا يقاوم الاستدلال بالسنة النبوية
الشريفة الواردة عن طرق الفريقين في تفسيرها، وبعبارة أخرى: فإنه متى قام الدليل
على معنى آية من الآيات، فإنه بالدليل ترفع اليد عن مقتضى السياق، ولا يجوز العكس
بالإجماع.
(هامش)
(1) مختصر التحفة الاثني عشرية: 177 - 178. (*)
(هامش)
(1) سورة الواقعة 56: 10 - 11. (*)
ص 409
هذه الآية أيضا من أدلة أصحابنا على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: قال
العلامة الحلي، في البراهين الدالة على إمامته من الكتاب العزيز: البرهان السادس
عشر: قوله تعالى: *(والسابقون السابقون * أولئك المقربون)*. روى أبو نعيم الحافظ،
عن ابن عباس في هذه الآية: سابق هذه الأمة علي بن أبي طالب. وروى الفقيه ابن
المغازلي الشافعي، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله تعالى: *(والسابقون السابقون)*
قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى عليه السلام، وسبق موسى إلى فرعون، وصاحب يس إلى
عيسى عليه السلام، وسبق علي إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه الفضيلة لم
تثبت لغيره من الصحابة. فيكون أفضل. فيكون هو الإمام (1). وقال العلامة أيضا:
الثالثة عشرة: قوله تعالى: *(والسابقون السابقون * أولئك المقربون)*. روى الجمهور
عن ابن عباس قال: سابق هذه الأمة علي بن أبي طالب (2). أقول: وتفصيل الكلام في
فصلين:
(هامش)
(1) منهاج الكرامة في إثبات الإمامة: 78. (2) نهج الحق وكشف الصدق: 181. (*)
ص 410
الفصل الأول: في رواة خبر تفسير الآية وأسانيده

لقد أخرج الرواية بتفسير الآية
المباركة جمع غفير من أكابر علماء أهل السنة، في التفسير والحديث، نذكر منهم: 1 -
أبو إسحاق السبيعي، المتوفى سنة 127. 2 - سفيان بن عيينة، المتوفى سنة 198. 3 - ابن
أبي حاتم، المتوفى سنة 327. 4 - أبو جعفر مطين، المتوفى سنة 297. 5 - أبو القاسم
الطبراني، المتوفى سنة 360. 6 - أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، المتوفى سنة 405.
7 - أبو بكر ابن مردويه الإصفهاني، المتوفى سنة 410. 8 - أبو نعيم الإصفهاني،
المتوفى سنة 430. 9 - الحاكم الحسكاني، من أعلام القرن الخامس. 10 - ابن المغازلي
الواسطي، المتوفى سنة 483. 11 - شيرويه بن شهردار الديلمي، المتوفى سنة 509. 12 -
الخطيب الخوارزمي، المتوفى سنة 568. 13 - الفخر الرازي، المتوفى سنة 606. 14 - سبط
ابن الجوزي الحنفي، المتوفى سنة 654. 15 - محب الدين الطبري، المتوفى سنة 694.
ص 411
16 - صدر الدين الحمويني، المتوفى سنة 722. 17 - ابن كثير الدمشقي، المتوفى سنة
774. 18 - نور الدين الهيثمي، المتوفى سنة 807. 19 - جلال الدين السيوطي، المتوفى
سنة 911. 20 - ابن حجر المكي، المتوفى سنة 973. 21 - علي المتقي الهندي، المتوفى
سنة 975. 22 - قاضي القضاة الشوكاني، المتوفى سنة 1250. 23 - شهاب الدين الآلوسي،
المتوفى سنة 1270. فهؤلاء من أشهر رواة هذا الحديث، من علماء الجمهور. رووه عن ابن
عباس وغيره من الصحابة. من أسانيده في الكتب المعتبرة وهذه نبذة من أسانيدهم في
رواية هذا الحديث: * قال الحافظ ابن كثير: وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن
عباس *(والسابقون السابقون)* قال: يوشع بن نون سبق إلى موسى، ومؤمن آل يس سبق إلى
عيسى، وعلي بن أبي طالب سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه ابن أبي
حاتم، عن محمد بن هارون الفلاس، عن عبد الله بن إسماعيل المدائني البزاز، عن سفيان
(1) بن الضحاك المدائني، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، به (2).
(هامش)
(1) كذا والصحيح: شعيب. (2) تفسير ابن كثير 4 / 249. (*)
ص 412
* وقال الحافظ الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا الحسين بن أبي
السري العسقلاني، حدثنا حسين الأشقر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد، عن ابن عباس قال: السبق ثلاثة... (1). * وقال الحافظ الحاكم الحسكاني:
أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو بكر القباب، أخبرنا أبو بكر الشيباني، حدثنا
محمد بن عبد الرحيم، حدثنا ابن عائشة. وحدثني الحاكم أبو عبد الله الحافظ - من خط
يده - حدثنا أحمد بن حمدويه البيهقي أبو يحيى، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حفص
القرشي، حدثنا الحسين بن الحسن الفزاري الأشقر، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس... أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد الصوفي، حدثنا
محمد بن أحمد بن محمد الحافظ، حدثنا عبد العزيز بن يحيى بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن
فهد، حدثنا عبد الله بن محمد التستري، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد، عن ابن عباس... (2). * وقال الحافظ ابن حجر - بترجمة الفيض بن وثيق -:
عن أبي عوانة وغيره. قال ابن معين: كذاب خبيث. قلت: قد روى عنه أبو زرعة، وأبو
حاتم، وهو مقارب الحال إن شاء الله تعالى. إنتهى (3). وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم
يجرحه.
(هامش)
(1) المعجم الكبير، مسند عبد الله بن العباس 11 / 93. (2) شواهد التنزيل 2 / 291 -
294. (3) أي كلام الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال. (*)
ص 413
وأخرج له الحاكم في المستدرك محتجا به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال العقيلي في
ترجمة الحسين الأشقر: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا الحسين بن أبي السري،
حدثنا فيض بن وثيق، حدثنا سفيان ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عن ابن
عباس... (1). * وقال الفقيه ابن المغازلي: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب -
إجازة - أخبرنا عمر بن عبد الله بن شوذب، حدثنا محمد بن أحمد بن منصور، حدثنا أحمد
بن الحسين، حدثنا زكريا، حدثنا أبو صالح ابن الضحاك، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس... (2). من أسانيده المعتبرة ثم إن غير واحد من
أسانيد هذا الخبر معتبر بلا كلام: * فطريق الحافظ ابن أبي حاتم الرازي صحيح: محمد
بن هارون الفلاس، المتوفى سنة 265، وثقه ابن أبي حاتم، والحافظ الذهبي (3). و
عبد الله بن إسماعيل ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه (4)، وتابعه الخطيب في تاريخه
(5). و شعيب بن الضحاك أبو صالح، حدث عن سفيان بن عيينة، وعنه
(هامش)
(1) لسان الميزان 4 / 542 الطبعة الحديثة. (2) مناقب علي بن أبي طالب: 320. (3) سير
أعلام النبلاء 12 / 327. (4) الجرح والتعديل 5 / 4. (5) تاريخ بغداد 9 / 410. (*)
ص 414
عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، وعبد الله بن إسماعيل المدائني البزار، ذكره
ابن أبي حاتم عن أبيه ولم يجرحه (1)، وكذا الخطيب (2). و سفيان بن عيينة الإمام
الكبير، من رجال الصحاح الستة، وفضائله كثيرة عندهم جدا (3). و عبد الله بن أبي
نجيح من رجال الصحاح الستة (4). و مجاهد من رجال الصحاح الستة أيضا (5). هذا،
مضافا إلى أن مثل ابن تيمية يشهد بأن تفسير ابن أبي حاتم من التفاسير المعتبرة،
وأنه خال عن الموضوعات (6). * وطريق الحافظ ابن حجر صحيح كذلك. فهو طريق الحافظ
الطبراني نفسه، الذي لم يتكلم فيه إلا من جهة الأشقر وقد تابعه - في الرواية عن
سفيان - في طريق الحافظ ابن حجر الفيض بن وثيق الذي وثقه كبار الأئمة،
كالحاكم وابن حبان، وروى عنه مثل أبي حاتم وأبي زرعة، وذكره ابن أبي حاتم ولم
يجرحه، وقال الذهبي: هو مقارب الحال. * وطريق الحافظ الطبراني صحيح على التحقيق،
وكذا كل طريق لم يتكلم فيه إلا من جهة حسين الأشقر ، قال الحافظ الهيثمي - بعد
روايته عن الطبراني -: وفيه حسين بن حسن الأشقر، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور،
(هامش)
(1) الجرح والتعديل 4 / 348. (2) تاريخ بغداد 9 / 242. (3) انظر مثلا: سير أعلام
النبلاء 8 / 454. (4) تقريب التهذيب 1 / 456. (5) تقريب التهذيب 2 / 228. (6) منهاج
السنة 7 / 13. الطبعة الحديثة. (*)
ص 415
وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح (1). وذلك لأن الأشقر من رجال صحيح النسائي،
وقد ذكروا أن للنسائي شرطا في صحيحه أشد من شرط الشيخين (2). وقد روى عنه كبار
الأئمة الأعلام: كأحمد وابن معين والفلاس وابن سعد (3). وقد حكى الحافظ بترجمته عن
العقيلي عن أحمد بن محمد بن هانئ قال: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -
تحدث عن حسين الأشقر؟ قال: لم يكن عندي ممن يكذب. وذكر عنده التشيع فقال له العباس
بن عبد العظيم: إنه يحدث في أبي بكر وعمر، وقلت أنا: يا أبا عبد الله إنه صنف بابا
في معايبهما، فقال: ليس هذا بأهل أن يحدث عنه (4). فكان هذا هو السبب في تضعيفه،
وعن الجوزجاني: غال من الشتامين للخيرة (5)، ولذا قال ابن معين: كان من الشيعة
الغالية، فقيل له: فكيف حديثه؟ قال: لا بأس به. قيل: صدوق؟ قال: نعم كتبت عنه (6)
ومن هنا قال الحافظ: صدوق يهم ويغلو في التشيع (7). وقد تقدم ذلك في مبحث آية
المودة أيضا.
(هامش)
(1) مجمع الزوائد 9 / 102. (2) تذكرة الحفاظ 2 / 700. (3) تهذيب التهذيب 2 / 291.
(4) تهذيب التهذيب 2 / 291. (5) المصدر نفسه. (6) المصدر نفسه. (7) تقريب التهذيب 1
/ 175. (*)
ص 416
الفصل الثاني: في دفع شبهات المخالفين

* ابن تيمية وإذا عرفنا رواة هذا الحديث، وصحة
غير واحد من طرقه في كتب القوم المعروفة المشهورة، فلا نعبأ بقول ابن تيمية في جواب
العلامة الحلي: إن هذا باطل عن ابن عباس، ولو صح عنه لم يكن حجة إذا خالفه من هو
أقوى منه (1). فقد ظهر أن هذا الحديث صحيح، فهو حجة، وبه يتم الاستدلال، لأن هذه
الفضيلة لم تثبت لغير أمير المؤمنين عليه السلام من الصحابة، فيكون هو الإمام، ومن
ادعى خلاف من هو أقوى منه، فعليه البيان! وعلى فرض وجود المخالف، فهو مما تفرد به
الخصم، وهذا حديث صحيح متفق عليه بين الطرفين، فكيف يكون الحديث المخالف المزعوم
أقوى؟ * ابن روزبهان وابن روزبهان في رده على العلامة الحلي، لم ينكر وجود الحديث
في الباب، ولم يناقش في سنده، قال: هذا الحديث جاء في رواية أهل السنة، ولكن بهذه
العبارة: سباق الأمم ثلاثة، مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار، وعلي ابن أبي طالب .
(هامش)
(1) منهاج السنة 7 / 154. (*)
ص 417
قال: ولا شك أن عليا سابق في الإسلام وصاحب السابقة والفضائل التي لا تخفى، ولكن
لا تدل الآية على نص في إمامته، وذلك المدعى (1). أقول: هذا الكلام - كما ترى -
اعتراف بما يذهب إليه الإمامية، من دلالة الآية المباركة على الإمامة، لأن طريق
إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام غير منحصر بالنص، بل الأفضلية أيضا من أدلة
إثباتها، وقد ظهرت دلالة الآية على ذلك. * مع شاه عبد العزيز الدهلوي وهلم لننظر ما
يقوله العالم الهندي، صاحب كتاب (التحفة الاثنا عشرية) في الجواب عن الاستدلال
بالآية الشريف على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام. قال: ومنها: *(والسابقون
السابقون * أولئك المقربون)*: قالت: الشيعة: روي عن ابن عباس مرفوعا أنه قال:
السابقون ثلاثة، فالسبق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين،
والسابق إلى محمد صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. ولا يخفى
أن هذا أيضا تمسك بالرواية لا بالآية. ومدار إسناد هذه الرواية على أبي الحسن
الأشقر وهو ضعيف بالإجماع، قال العقيلي: هو شيعي متروك الحديث. ولا يبعد أن يكون
هذا الحديث موضوعا، إذ فيه من أمارات الوضع أن صاحب ياسين لم يكن أول من آمن بعيسى
بل إنه قد آمن برسله، كما يدل عليه
(هامش)
(1) انظر: دلائل الصدق لنهج الحق 2 / 156. (*)
ص 418
نص الكتاب، وكل حديث يناقض مدلول الكتاب في الأخبار والقصص فهو موضوع، كما هو
المقرر عند المحدثين. وأيضا، انحصار السباق في ثلاثة رجال غير معقول، فإن لكل نبي
سابقا بالإيمان به لا محالة. وبعد اللتيا والتي، فأية ضرورة لأن يكون كل سابق صاحب
الزعامة الكبرى وكل مقرب إماما؟ وأيضا، لو كانت هذه الرواية صحيحة لكانت مناقضة
للآية صراحة، لأن الله تعالى قال في حق السابقين: *(ثلة من الأولين * وقليل من
الآخرين)*(1) والثلة هو الجمع الكثير، ولا يمكن أن يطلق على الاثنين جمع كثير ولا
على الواحد قليل أيضا، فعلم أن المراد بالسبق هو المراد من الآية الأخرى:
*(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار)*(2)، والقرآن يفسر بعضه بعضا. وأيضا،
ثبت بإجماع أهل السنة والشيعة أن أول من آمن حقيقة خديجة رضي الله تعالى عنها، فلو
كان مجرد السبق بالإيمان موجبا لصحة الإمامة لزم أن تكون سيدتنا المذكورة حرية
بالإمامة، وهو باطل بالإجماع. وإن قيل: إن المانع كان متحققا قبل وصول إمامته في
خديجة وهو الأنوثة، قلنا: كذلك في الأمير، فقد كان المانع متحققا قبل وصول وقت
إمامته، ولما ارتفع المانع صار إماما بالفعل، وذلك المانع هو إما وجود الخلفاء
الثلاثة الذين كانوا أصلح في حق الرياسة بالنسبة إلى جنابه عند جمهور أهل السنة، أو
إبقاؤه بعد الخلفاء الثلاثة وموتهم قبله عند التفضيلية فإنهم قالوا: لو كان إماما
عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم ينل أحد من الخلفاء الإمامة وماتوا في عهده،
وقد سبق
(هامش)
(1) سورة الواقعة 56: 13 - 14. (2) سورة التوبة 9: 100. (*)
ص 419
في علم الله تعالى أن الخلفاء أربعة فلزم الترتيب على الموت (1). أقول: ولا يخفى
ما في هذا الكلام من أكاذيب وأباطيل: أولا: إن هذا تمسك بالآية بعد تفسير الرواية
لها، وإلا فلا ذكر صريح في القرآن الكريم لا لاسم أمير المؤمنين عليه السلام ولا
لاسم غيره، وإذا كان الاستدلال في مثل هذه المواضع بالرواية لا بالآية، فكيف يستدل
القوم بمثل قوله تعالى: *(وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى)*(2) باعتباره من
أدلة الكتاب على إمامة أبي بكر بن أبي قحافة، كما ذكرنا قريبا؟ فبطل قوله: إن هذا
تمسك بالرواية لا بالآية . وثانيا: قوله: مدار إسناد هذه الرواية على أبي الحسن
الأشقر... يشتمل على كذبتين: الأولى: أن مدار إسنادها على الأشقر، فقد عرفت عدم
تفرد الأشقر بهذه الرواية. وقد سبقه في هذه الكذبة غيره، كابن كثير الدمشقي، فإنه
قال: حديث لا يثبت، لأن حسينا هذا متروك وشيعي من الغلاة، وتفرده بهذا مما يدل
على ضعفه بالكلية (3). والثانية: دعواه الإجماع على ضعف الأشقر، فإنها دعوى
كاذبة، لا تجدها عند أحد. بل قد عرفت أن كبار الأئمة يوثقونه، وتكلم من تكلم فيه
ليس إلا لتشيعه، وإلا فلم يذكر له جرح أبدا.
(هامش)
(1) التحفة الاثنا عشرية: 207، وانظر مختصر التحفة الاثني عشرية: 178 - 179. (2)
سورة الليل 92: 17 - 18. (3) البداية والنهاية 1 / 231. (*)
ص 420
وثالثا: قوله: ولا يبعد أن يكون هذا الحديث موضوعا، إذ فيه من أمارات الوضع... .
وهذا رد للسنة النبوية الثابتة، وتكذيب للحديث الصحيح، تعصبا للباطل واتباعا للهوى:
أما أولا: فلأن الإيمان برسل عيسى إيمان بعيسى وسبق إليه، وهذا ما يفهمه أدنى الناس
من أهل اللسان! وهل من فرق بين الإيمان به والإيمان برسله؟! وكل أهل الإيمان بالله
سبحانه وتعالى قد آمنوا برسله وصدقوهم! وأما ثانيا: فإن كل خبر خالف الكتاب
بالتباين والتناقض، فإنه مردود، سواء كان في القصص أو في الأحكام، ولكن لا اختلاف
بين مدلول خبرنا ومدلول الكتاب، فضلا عن أن يكون بينهما مناقضة. وأما ثالثا: فإن
محل الاستدلال بالرواية هو الفقرة الأخيرة المتعلقة بأمير المؤمنين عليه السلام،
ولذا فقد جاءت الرواية في بعض ألفاظها خالية عن الفقرتين السابقتين. ورابعا: قوله:
وأيضا، انحصار السابق في ثلاثة... . رد للحديث الصحيح والنص الصريح بالاجتهاد،
نظير تكذيب إمامه ابن تيمية حديث المؤاخاة، حتى رد عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني
بأنه رد للنص بالقياس (1). وخامسا: قوله: وبعد اللتيا والتي، فأية ضرورة لأن يكون
كل سابق صاحب الزعامة الكبرى وكل مقرب إماما؟ . جهل أو تجاهل، فقد تقدم في كلام
العلامة الحلي أن هذه فضيلة لم تثبت لغير أمير المؤمنين عليه السلام، فهو الأفضل،
فيكون هو الإمام.
(هامش)
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 / 217. (*)
ص 421
وسادسا: قوله: وأيضا، لو كانت هذه الرواية صحيحة لكانت مناقضة للآية صراحة... .
فقد سبقه فيه ابن تيمية إذ قال في الوجوه التي ذكرها بعد دعوى بطلان الحديث عن ابن
عباس: الثالث: إن الله يقول: *(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين
اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار)*(1)
وقال تعالى: *(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم
مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله)*(2) والسابقون الأولون هم الذين أنفقوا من
قبل الفتح وقاتلوا، الذين هم أفضل ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل، ودخل فيهم أهل بيعة
الرضوان، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فكيف يقال: إن سابق هذه الأمة واحد؟ (3).
أقول: مقتضى الحديث الصحيح المتفق عليه أن سابق هذه الأمة واحد، وهو أمير المؤمنين
عليه السلام، وهذا لا ينافي سياق الآية المباركة، ولا الآيات الأخرى، كالآيتين
المذكورتين، ونحن أيضا نقول - بمقتضى الجمع بين قوله تعالى: *(والسابقون الأولون من
المهاجرين...)* وقوله تعالى: *(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو
قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله
الشاكرين)*(4) - أن كل من سبق غيره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبقي من
بعده على
(هامش)
(1) سورة التوبة 9: 100. (2) سورة فاطر 35: 32. (3) منهاج السنة 7 / 154 - 155. (4)
سورة آل عمران 3: 144. (*)
ص 422
ما عاهد الله عليه ورسوله، ولم ينقلب على عقبيه، فله أجره عند الله وقربه منه، ونحن
نحترمه ونقتدي به. وسابعا: قوله: وأيضا ثبت بإجماع أهل السنة والشيعة أن أول من
آمن حقيقة خديجة... . أقول: وهذا كذب، فلا إجماع من أهل السنة والشيعة على أن أول
من آمن خديجة، بل عندنا أن أمير المؤمنين عليه السلام سابق عليها والأحاديث
المعتبرة الدالة على ذلك في كتب القوم كثيرة، وكيف كان، فقد ثبت في الصحيح أن أبا
بكر إنما أسلم بعد خمسين رجل، وهل آمن حقيقة؟ وتفصيل الكلام في محله. وثامنا: قوله:
كذلك الأمير، فقد كان المانع متحققا قبل وصول وقت إمامته... . أقول: قد عرفت وجه
الاستدلال بالآية المباركة على ضوء الحديث الصحيح المتفق عليه، وهذا الكلام لا
علاقة له بالإستدلال أصلا. على أن كون وجود الخلفاء الثلاثة مانعا عن خلافة أمير
المؤمنين عليه السلام دعوى عريضة لا دليل عليها، لا من الكتاب ولا من السنة
المقبولة ولا من العقل السليم، ودعوى كونهم أصلح في حق الرئاسة هي أول الكلام، فإن
هذه الأصلحية يجب أن تنتهي إلى الأدلة المعتبرة من النقل والعقل، وليس، بل هي لدى
التحقيق دالة على العكس. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله
الطاهرين.