ص 305
* تفسير الحبري: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثني الحبري، قال: حدثنا [حسن بن حسين،
حدثني] حبان عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: *(إنما أنت منذر)* رسول الله صلى
الله عليه وسلم *(ولكل قوم هاد)* علي (1). * المعجم الصغير للطبراني: حدثنا
الفضل بن هارون البغدادي صاحب أبي ثور، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا المطلب بن
زياد، عن السدي، عن عبد خير، عن علي كرم الله وجهه في الجنة، في قوله عز وجل:
*(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر، والهاد
[ي] رجل من بني هاشم. لم يروه عن السدي إلا المطلب، تفرد به ابن أبي شيبة (2). *
تاريخ الخطيب - بترجمة الفضل بن هارون -: أخبرنا محمد بن عبد الله بن شهريار،
أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا الفضل بن هارون البغدادي صاحب أبي ثور...
إلى آخر ما تقدم (3). * مستدرك الحاكم: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك،
ثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، ثنا حسين بن حسن الأشقر، ثنا منصور بن
أبي الأسود، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي
*(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)* قال علي: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
المنذر، وأنا الهادي. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (4).
(هامش)
(1) تفسير الحبري: 281. (2) المعجم الصغير 1 / 261. (3) تاريخ بغداد 12 / 372. (4)
المستدرك على الصحيحين 3 / 129. (*)
ص 306
* تاريخ ابن عساكر: أخبرنا أبو علي بن السبط، أنبأنا أبو محمد الجوهري. حيلولة:
وأخبرنا أبو القاسم ابن الحصين، أنبأنا أبو علي ابن المذهب، قالا: أنبأنا أبو بكر
القطيعي، أنبأنا عبد الله بن أحمد، حدثني عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا مطلب بن زياد
[عن السدي]، عن عبد خير، عن علي في قوله: *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*، قال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر، والهادي رجل من بني هاشم. أخبرنا أبو العز بن
كادش، أنبأنا أبو الطيب طاهر بن عبد الله، أنبأنا علي ابن عمر بن محمد الحربي،
أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، أنبأنا عثمان ابن أبي شيبة، أنبأنا المطلب بن
زياد، عن السدي، عن عبد خير، عن علي، قول الله عز وجل: *(إنما أنت منذر ولكل قوم
هاد)* قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر، والهادي علي. أخبرنا أبو طالب علي
بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو الحسن الخلعي، أنبأنا أبو محمد بن النحاس، أنبأنا أبو
سعيد ابن الأعرابي، أنبأنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن منصور، أنبأنا حسين بن
حسن الأشقر، أنبأنا منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن المنهال، عن عباد بن عبد
الله، عن علي، قال في قوله تعالى: *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*، قال علي: رسول
الله صلى الله عليه وسلم المنذر، وأنا الهاد. وأخبرنا أبو طالب، أنبأنا أبو الحسن،
أنبأنا أبو محمد، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي، أنبأنا أبو العباس الفضل بن يوسف بن
يعقوب بن حمزة الجعفي، أنبأنا الحسن بن الحسين الأنصاري في هذا المسجد - وهو مسجد
حبة العرني -، أنبأنا معاذ بن مسلم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن
ص 307
عباس، قال: لما نزلت *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)* قال النبي صلى الله عليه وسلم:
أنا المنذر، وعلي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون (1). * مجمع الزوائد: قوله
تعالى: *(إنما أنت منذر)* عن علي رضي الله عنه في قوله: *(إنما أنت منذر ولكل قوم
هاد)* قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر، والهادي رجل من بني هاشم. رواه
عبد الله بن أحمد، والطبراني في الصغير والأوسط، ورجال المسند ثقات (2). * الدر
المنثور: وأخرج ابن جرير وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة، والديلمي، وابن
عساكر، وابن النجار، قال: لما نزلت *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)* وضع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي رضي
الله عنه فقال: أنت الهادي، يا علي! بك يهتدي المهتدون من بعدي. وأخرج ابن مردويه،
عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: *(إنما أنت منذر)* ووضع يده على صدر نفسه، ثم وضعها على صدر علي ويقول:
*(ولكل قوم هاد)*. وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة، عن ابن عباس - رضي الله
عنهما - في الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر، والهادي علي بن أبي
طالب رضي الله عنه. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي حاتم،
والطبراني في الأوسط، والحاكم - وصححه - وابن مردويه، وابن عساكر، عن علي بن
(هامش)
(1) تاريخ ابن عساكر - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 2 / 415 - 417. (2) مجمع
الزوائد ومنبع الفوائد 7 / 41. (*)
ص 308
أبي طالب رضي الله عنه في قوله: *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*، قال: رسول الله
صلى الله عليه وسلم المنذر، وأنا الهادي. وفي لفظ: والهادي رجل من بني هاشم، يعني
نفسه (1). * شواهد التنزيل: حدثني الوالد رحمه الله، عن أبي حفص ابن شاهين،
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي
وإبراهيم بن خيرويه، قالا: حدثنا حسن بن حسين. وأخبرنا أبو بكر محمد بن عبد العزيز
الجوري، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق المصري، قال: حدثنا عمر بن علي بن سليمان
الدينوري، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن ازداد الدينوري، قال: حدثنا الحسن بن الحسين
الأنصاري، قال: حدثنا معاذ بن مسلم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس، قال: لما نزلت *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)* قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي، وضرب بيده إلى صدر علي فقال: أنت
الهادي من بعدي، يا علي! بك يهتدي المهتدي. أخبرنا أبو يحيى الحيكاني، قال: أخبرنا
أبو الطيب محمد بن الحسين بالكوفة قال: حدثنا علي بن العباس بن الوليد، قال: حدثنا
جعفر بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا حسن بن حسين، قال: حدثنا معاذ بن مسلم الفراء،
عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت *(إنما أنت منذر
ولكل قوم هاد)* أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده إلى صدره فقال: أنا
المنذر *(ولكل قوم هاد)* ثم أشار بيده إلى علي فقال: يا علي! بك يهتدي المهتدون
بعدي. أخبرنا أبو بكر ابن أبي الحسن الهاروني، قال: أخبرنا أبو العباس بن
(هامش)
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4 / 45. (*)
ص 309
أبي بكر الأنماطي المروزي، أن عبد الله بن محمد بن علي بن طرخان حدثهم، قال: حدثنا
أبي، قال: حدثنا عبد الأعلى بن واصل، قال: حدثنا الحسن الأنصاري - وكان ثقة معروفا
يعرف بالعرني -، قال: حدثنا معاذ بن مسلم بياع الهروي - قال عبد الأعلى: وهذا شيخ
روى عنه المحاربي -، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله:
*(إنما أنت منذر)* [قال:] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا المنذر وعلي
الهادي [ثم قال: يا علي!] بك يهتدي المهتدون بعدي. حدثني أبو القاسم بن أبي الحسن
الفارسي، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا محمد بن القاسم المحاربي، قال: حدثنا القاسم
بن هشام بن يونس، قال: حدثني حسن بن حسين، قال: حدثنا معاذ بن مسلم، عن عطاء بن
السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: *(إنما أنت منذر)* ووضع يده على صدره، ثم قال: *(ولكل قوم هاد)* وأومأ بيده
إلى منكب علي، ثم قال: يا علي! بك يهتدي المهتدون. حدثني أبو سعد السعدي، قال:
أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ ببغداد، قال: أخبرنا أبو محمد جعفر بن
محمد بن القاسم، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد المزني، قال: حدثنا حسن بن حسين به
سواء، قال: لما نزلت *(إنما أنت منذر)* قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا
يا علي المنذر، وأنت الهادي، بك يهتدي المهتدون بعدي. وأخبرنا أبو سعد، قال: أخبرنا
أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ ببغداد، قال: حدثني أبو بكر محمد بن الفتح
الخياط، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب، قال: حدثني أحمد بن داود -
ابن أخت عبد الرزاق -، قال: حدثني أبو صالح، قال: حدثني بعض رواة ليث، عن ليث، عن
سعيد بن
ص 310
جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليلة أسري بي ما
سألت ربي شيئا إلا أعطانيه [و] سمعت مناديا من خلفي يقول: يا محمد! إنما أنت منذر
ولكل قوم هاد. قلت: أنا المنذر، فمن الهادي؟ قال: علي الهادي المهتدي، القائد أمتك
إلى جنتي غرا محجلين برحمتي. [حدثنا] الجوهري، [قال:] حدثنا المرزباني، [قال:]
أخبرنا علي بن محمد الحافظ، قال: حدثني الحبري، قال: حدثنا حسن بن حسين، قال: حدثنا
حبان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس [في قوله تعالى]: *(ولكل قوم هاد)*
[قال: هو] علي عليه السلام. و[قال:] حدثنا إسماعيل بن صبيح، قال: أنبأني أبو
الجارود، عن أبي داود، عن أبي برزة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: *(إنما أنت منذر)* ثم يرد يده إلى صدره، ثم يقول: *(ولكل قوم هاد)* ويشير إلى
علي بيده. أخبرنا عقيل بن الحسين، قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن
عبيد الله، قال: حدثنا محمد بن الطيب السامري بها، قال: حدثنا إبراهيم بن فهد، قال:
حدثنا الحكم بن أسلم، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة
[في قوله تعالى:]: *(إنما أنت منذر)* يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله، [وفي
قوله:]: *(ولكل قوم هاد)* قال: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
إن هادي هذه الأمة علي ابن أبي طالب. حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ إملاء
وقراءة، قال: أخبرني أبو بكر ابن أبي دارم الحافظ بالكوفة، قال: أخبرنا المنذر بن
محمد بن المنذر بن سعيد اللخمي من أصل كتابه، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي
الحسين بن
ص 311
سعيد، قال: حدثني أبي سعيد بن أبي الجهم، عن أبان بن تغلب، عن نفيع بن الحارث، قال:
حدثني أبو برزة الأسلمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: *(إنما
أنت منذر)* ووضع يده على صدر نفسه، ثم وضعها على يد علي وقال: *(ولكل قوم هاد)*.
قال الحاكم: تفرد به المنذر بن محمد القابوسي بإسناده، وهو من حديث أبان عجب جدا.
أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، [قال] أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، قال: أخبرنا أبو
أحمد البصري، قال: حدثنا أحمد بن عباد، قال: حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا
إسماعيل بن صبيح، قال: حدثنا أبو الجارود زياد بن المنذر، عن أبي داود، عن أبي برزة
الأسلمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: *(إنما أنت منذر)* ثم ضرب
يده إلى صدره، *(ولكل قوم هاد)* ويشير إلى علي عليه السلام. أخبرنا الحاكم الوالد،
قال: أخبرنا أبو حفص، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، وعمر بن الحسن، قالا:
أخبرنا أحمد بن الحسن. وأخبرنا أبو بكر بن أبي الحسن الحافظ، أن عمر بن الحسن بن
علي بن مالك أخبرهم، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الخراز، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا
حصين بن مخارق، عن حمزة الزيات، عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن
جده، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*
فقال: أنا المنذر، وعلي الهاد [ي]. لفظا واحدا. أخبرنا أبو الحسن النجار، قال:
أخبرنا الطبراني، قال: حدثنا الفضل بن هارون، قال: حدثنا عثمان. وأخبرنا أبو الحسن
الأهوازي، قال: أخبرنا أبو الحسن الشيرازي، قال:
ص 312
حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا مطلب
بن زياد الأسدي، عن السدي، عن عبد خير، عن علي في قوله: *(إنما أنت منذر ولكل قوم
هاد)* قال: رسول الله صلى الله عليه المنذر، والهادي رجل من بني هاشم. [ساقاه] لفظا
سواء [وقالا:] قال: تفرد به عثمان. وأخبرنا أبو عبد الله، قال: أخبرنا أبو بكر
القطيعي، قال: حدثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة به
كلفظه. أخبرنا أبو عبد الله الثقفي، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: حدثنا
محمد بن إسحاق المسوحي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن صالح، قال: حدثنا
المطلب، قال: حدثنا السدي، عن عبد خير، عن علي في قوله: *(إنما أنت منذر)*، قال:
المنذر النبي، والهادي رجل من بني هاشم. يعني نفسه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن
أحمد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن علي، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى بن
أحمد بن عيسى، قال: حدثني المغيرة بن محمد، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد
الرحمن الأزدي - سنة ست عشرة ومائتين -، قال: حدثنا قيس بن الربيع، ومنصور بن أبي
الأسود، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله، قال: قال علي: ما
نزلت من القرآن آية إلا وقد علمت في من نزلت، قيل: فما نزل فيك؟ فقال: لولا أنكم
سألتموني ما أخبرتكم، نزلت في [هذه] الآية: *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)* فرسول
الله المنذر، وأنا الهادي إلى ما جاء به. حدثني أبو الحسن الفارسي، قال: حدثنا أبو
محمد عبد الله بن أحمد الشيباني، قال: حدثنا أحمد بن علي بن رزين الباشاني، قال:
حدثنا عبد الله
ص 313
ابن الحرث، قال: حدثنا إبراهيم بن الحكم بن ظهير، قال: حدثني أبي، عن حكيم بن جبير،
عن أبي برزة الأسلمي، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالطهور وعنده
علي بن أبي طالب، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي - بعد ما تطهر -
فألزقها بصدره، فقال: *(إنما أنت منذر)* ثم ردها إلى صدر علي ثم قال: *(ولكل قوم
هاد)*، ثم قال: إنك منار الأنام، وراية الهدى، وأمين القرآن، أشهد على ذلك أنك
كذلك. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الحرضي، قال: حدثنا يحيى ابن منصور
القاضي، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي، قال: حدثنا هشام ابن عمار، قال: حدثنا
عراك بن خالد، قال: حدثنا يحيى بن الحارث، قال: حدثنا عبد الله بن عامر، قال: أزعجت
الزرقاء الكوفية إلى معاوية، فلما أدخلت عليه قال لها معاوية: ما تقولين في مولى
المؤمنين علي، فأنشأت تقول: صلى الإله على قبر تضمنه * نور فأصبح فيه العدل مدفونا
من حالف العدل والإيمان مقترنا * فصار بالعدل والإيمان مقرونا فقال لها معاوية: كيف
غرزت فيه الغريزة؟ فقالت: سمعت الله يقول في كتابه لنبيه: *(إنما أنت منذر ولكل قوم
هاد)* المنذر رسول الله، والهادي علي ولي الله. أخبرنا السيد أبو منصور [ظفر بن
محمد] الحسيني، قال: حدثنا ابن ماني، قال: حدثنا الحبري، قال: حدثنا حسن بن [الحسين
العرني]، قال: حدثنا علي بن القاسم، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن قول الله
عز وجل: *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*، قال: محمد المنذر، وعلي الهاد [ي] (1).
(هامش)
(1) شواهد التنزيل إلى قواعد التفضيل 1 / 381 - 395. (*)
ص 314
الفصل الثاني: في بيان صحة الحديث

قد تبين مما تقدم كثرة أسانيد هذا الحديث الشريف،
ثم إن غير واحد من الأئمة الحفاظ قالوا بصحته، منهم: * الحاكم النيسابوري، الذي نص
على صحة ما أخرجه، وحكى تصحيحه غير واحد من الأعلام كالحافظ السيوطي. * والضياء
المقدسي، إذ أخرجه في كتابه المختارة كما في الدر المنثور وغيره، وكتابه المذكور
يعتبر من الكتب الصحاح، لالتزامه فيه بالصحة كما نص عليه العلماء، كالحافظ السيوطي
حيث قال في ذكر من صحح الأحاديث: ومنهم: الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد
المقدسي، جمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى
تصحيحها (1). وفي كشف الظنون: المختارة في الحديث، للحافظ ضياء الدين محمد ابن
عبد الواحد المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة 643، التزم فيه الصحة، فصحح فيه أحاديث لم
يسبق إلى تصحيحها. قال ابن كثير: وهذا الكتاب لم يتم، وكان بعض الحفاظ من مشايخنا
يرجحه على مستدرك الحاكم. كذا في الشذا الفياح (2).
(هامش)
(1) تدريب الراوي 1 / 115. (2) كشف الظنون 2 / 1624. (*)
ص 315
قلت: وهذه عبارة ابن كثير في حوادث سنة 643، حيث ذكر وفاة الضياء وترجم له، فقال:
وألف كتبا مفيدة حسنة كثيرة الفوائد، من ذلك: كتاب الأحكام، ولم يتمه، وكتاب
المختارة وفيه علوم حسنة حديثية، وهي أجود من مستدرك الحاكم لو كمل... (1). *
وأبو بكر الهيثمي، إذ روى الحديث عن بعض الأئمة، ثم نص على أن رجال المسند ثقات
(2). من أسانيده الصحيحة وهذا بيان وثاقة رجال سنده في (مسند أحمد): فأما عبد الله
بن أحمد: فغني عن التوثيق. وأما عثمان بن أبي شيبة: فهو: عثمان بن محمد بن إبراهيم
بن عثمان العبسي، أبو الحسن، ابن أبي شيبة، الكوفي، قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكره
كذلك: ثقة حافظ شهير، وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن، من العاشرة، مات سنة
تسع وثلاثين وله ثلاث وثمانون سنة وقد وضع عليه علامة: البخاري ومسلم والنسائي
وابن ماجة (3).
(هامش)
(1) تاريخ ابن كثير 13 / 170. (2) مجمع الزوائد 7 / 41. (3) تقريب التهذيب 2 / 13.
(*)
ص 316
وأما مطلب بن زياد: فذكره الحافظ ابن حجر بقوله: المطلب بن زياد بن أبي زهير،
الثقفي، مولاهم، الكوفي، صدوق، ربما وهم، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ثم وضع
عليه من العلائم: بخ ص ق (1). وأما السدي: فهو: إسماعيل بن عبد الرحمن، أخرج له
مسلم والأربعة، كذا علم الحافظ، وقد وصفه بالصدق (2). وأما عبد خير: فهو: عبد خير
بن يزيد، وهو من رجال الصحاح الستة كما علم الحافظ، وقال: مخضرم، ثقة، من
الثانية، لم تصح له صحبة (3). وقال أيضا: قال أبو جعفر محمد بن الحسين
البغدادي: سألت أحمد ابن حنبل عن الثبت في علي، فذكر عبد خير فيهم (4). وقال ابن
عبد البر: أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وهو من كبار أصحاب
علي، ثقة مأمون (5). هذا، ولا يخفى أن الهيثمي الذي حكم بأن رجال أحمد ثقات
من أشهر وأعظم أئمة الحديث وعلماء الجرح والتعديل عندهم، ولا بأس بنقل الكلمات
التالية في حقه: ابن حجر: صار كثير الاستحضار للمتون جدا لكثرة الممارسة، وكان
(هامش)
(1) تقريب التهذيب 2 / 254. (2) تقريب التهذيب 1 / 71. (3) تقريب التهذيب 1 / 470.
(4) تهذيب التهذيب 6 / 124. (5) الاستيعاب 3 / 1005. (*)
ص 317
هينا لينا خيرا... . البرهان الحلبي: إنه كان من محاسن القاهرة . التقي الفاسي:
كان كثير الحفظ للمتون والآثار، صالحا خيرا... . الأفقهسي: كان إماما عالما،
حافظا، زاهدا، متواضعا، متوددا إلى الناس، ذا عبادة وتقشف وورع . السخاوي:
الثناء على دينه وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جدا، بل هو في ذلك كلمة اتفاق (1).
السيوطي: الهيثمي الحافظ... قال الحافظ ابن حجر: كان خيرا ساكنا، صينا، سليم
الفطرة، شديد الإنكار للمنكر... (2). قلت: وللحديث أسانيد صحيحة غير ما ذكر، ومن
ذلك: * رواية الحبري، فإن سندها صحيح، كما ذكرنا في بحثنا في سورة الدهر في بعض
كتبنا. * وقد رواه الحاكم الحسكاني، عن الجوهري، عن المرزباني، عن علي بن محمد
الحافظ، عن الحبري... وقد ترجمنا لهم في مبحث سورة الدهر في بعض كتبنا (3). * رواية
الطبري، وهي عن الفضل بن هارون البغدادي - صاحب أبي ثور - عن عثمان بن أبي شيبة..
بالإسناد المتقدم عن مسند أحمد.
(هامش)
(1) تجد هذا الكلمات في الضوء اللامع 5 / 200. (2) طبقات الحفاظ: 541، حسن المحاضرة
في محاسن مصر والقاهرة 1 / 361. (3) راجع الجزء الثاني من كتابنا: تشييد المراجعات
وتفنيد المكابرات. (*)
ص 318
* ورواه الحافظ الخطيب البغدادي، عن محمد بن عبد الله بن شهريار، عن الطبراني...
بالإسناد المتقدم، بترجمة الفضل بن هارون، ولم يتكلم عليه بشيء أصلا (1). * رواية
ابن عساكر، فقد روى الحديث بأسانيد، بعضها صحيح بلا كلام، ومن ذلك روايته: عن ابن
الحصين ، وقد وصفه الذهبي بقوله: الشيخ الجليل، المسند الصدوق . وحكى عن
السمعاني قوله: شيخ دين، صحيح السماع، واسع الرواية... وكانوا يصفونه بالسداد
والأمانة والخيرية . وعن ابن الجوزي: كان ثقة (2). عن ابن المذهب وقد ترجم
له الذهبي كذلك، ووصفه ب الإمام العالم، مسند العراق (3). وقال الخطيب: كتبت
عنه، وكان يروي عن القطيعي مسند أحمد بأسره، وكان سماعه صحيحا إلا أجزاء منه، فإنه
ألحق اسمه (4) فقال ابن الجوزي: وهذا لا يوجب القدح، لأنه إذا تيقن سماعه
للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه (5). عن القطيعي قال الذهبي: الشيخ العالم
المحدث، مسند الوقت... راوي مسند الإمام أحمد... حدث عنه: الدارقطني وابن شاهين،
والحاكم...
(هامش)
(1) تاريخ بغداد 12 / 372. (2) سير أعلام النبلاء 19 / 536. (3) سير أعلام النبلاء
17 / 640. (4) تاريخ بغداد 7 / 390. (5) المنتظم 8 / 155. (*)
ص 319
وذكر جماعة، ثم حكى قول الدارقطني: ثقة زاهد قديم، سمعت أنه مجاب الدعوة
والبرقاني: كان صالحا... ثبت عندي أنه صدوق والحاكم أنه: حسن حاله وقال: كان
شيخي (1). عن عبد الله بن أحمد بالإسناد المتقدم عن المسند. وبعد، فإنه يكفي
أن يكون للحديث سند واحد صحيح، وقد رأينا أن له عدة أسانيد صحيحة، وهناك عشرات
الأسانيد الأخرى، ومن جملتها ما في تفسير الثعلبي، ولو كانت كل هذه ضعافا فلا ريب
في صلاحيتها لتأييد الصحاح المذكورة. على أن للحديث شواهد لا تحصى، وستقف على طرف
منها. أقول: فهلم معي لننظر كيف يضطرب المتعصبون أمام هذا الحديث الصحيح في إسناده،
والصريح في مفاده!!..
(هامش)
(1) سير أعلام النبلاء 16 / 210 - 213. (*)
ص 320
الفصل الثالث: في دفع شبهات المخالفين

وأنت إذا لاحظت كلماتهم وتدبرتها، فسوف لن تجد
لواحد منهم كلاما مقبولا في قدح سند حديثنا، أو تأويلا معقولا يحمل عليه معناه
فيخرج عن الدلالة على مذهبنا وإليك أولا نصوص عبارات هؤلاء: * ابن الجوزي قال أبو
الفرج ابن الجوزي بتفسير الآية المباركة: وقد روى المفسرون من طرق، ليس فيها ما
يثبت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يده على صدره فقال: أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي فقال: أنت
الهادي، يا علي! بك يهتدى من بعدي. قال المصنف: وهذا من موضوعات الرافضة (1). *
الذهبي وقال الذهبي معلقا على رواية الحاكم وتصحيحه: قلت: بل كذب، قبح الله واضعه
(2).
(هامش)
(1) زاد المسير 4 / 307. (2) تلخيص المستدرك 3 / 130. (*)
ص 321
وقال أيضا - بترجمة الحسن بن الحسين العرني -: وقال ابن الأعرابي: حدثنا الفضل بن
يوسف الجعفي، حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري، - في مسجد حبة العرني -، حدثنا معاذ
بن مسلم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد، عن ابن عباس... رواه ابن جرير في تفسيره، عن
أحمد بن يحيى، عن الحسن، عن معاذ. ومعاذ نكرة، فلعل الآفة منه (1). * ابن كثير
وقال ابن كثير - بعد رواية ابن جرير الطبري -: وهذا الحديث فيه نكارة . ثم قال:
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا المطلب
بن زياد، عن السدي، عن عبد خير، عن علي: *(ولكل قوم هاد)* قال: الهادي رجل من بني
هاشم. قال الجنيد: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن
عباس في إحدى الروايات. وعن أبي جعفر محمد بن علي نحو ذلك إنتهى (2). * أبو حيان
وقال أبو حيان الأندلسي بتفسيرها: عن ابن عباس: لما نزلت وضع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يده على صدره وقال: أنا منذر...
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 1 / 484. (2) تفسير ابن كثير 2 / 433 - 434. (*)
ص 322
قال القشيري: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب.... وقالت فرقة:
الهادي: علي بن أبي طالب. وإن صح ما روي عن ابن عباس مما ذكرناه في صدر هذه الآية،
فإنما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب مثالا من علماء الأمة
وهداتها، فكأنه قال: أنت يا علي هذا وصفك، ليدخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وسائر
علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم كذلك علماء كل مصر. فيكون المعنى على هذا:
إنما أنت يا محمد منذر، ولكل قوم في القديم والحديث دعاة هداة إلى الخير (1). *
ابن روزبهان وقال ابن روزبهان - في الرد على استدلال العلامة الحلي بالحديث -:
ليس هذا في تفاسير السنة، ولو صح دل على أن عليا هاد، وهو مسلم، وكذا أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم هداة، لقوله صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم
اقتديتم اهتديتم، ولا دلالة فيه على النص (2). * ابن تيمية وقال ابن تيمية
الحراني - في الرد على استدلال العلامة الحلي بالحديث -: والجواب من وجوه: أحدها:
أن هذا لم يقم دليل على صحته، فلا
(هامش)
(1) البحر المحيط 5 / 367 - 368. (2) إبطال نهج الباطل - في الرد على نهج الحق -
المطبوع مع إحقاق الحق 3 / 93. (*
ص 323
يجوز الاحتجاج [به]. وكتاب الفردوس للديلمي فيه موضوعات كثيرة، أجمع أهل العلم على
أن مجرد كونه رواه لا يدل على صحة الحديث، وكذلك رواية أبي نعيم لا تدل على الصحة.
الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، فيجب تكذيبه ورده. الثالث: أن
هذا الكلام لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قوله: (أنا المنذر،
وبك يا علي يهتدي المهتدون) ظاهره أنهم بك يهتدون دوني، وهذا لا يقوله مسلم، فإن
ظاهره أن النذارة والهداية مقسومة بينهما، فهذا نذير لا يهتدى به، وهذا هاد، [وهذا]
لا يقوله مسلم. الرابع: أن الله تعالى قد جعل محمدا هاديا فقال: *(وإنك لتهدي إلى
صراط مستقيم * صراط الله)* فكيف يجعل الهادي من لم يوصف بذلك دون من وصف به؟!
الخامس: أن قوله: (بك يهتدي المهتدون) ظاهره أن كل من اهتدى من أمة محمد فبه اهتدى،
وهذا كذب بين، فإنه قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم خلق كثير، واهتدوا به، ودخلوا
الجنة، ولم يسمعوا من علي كلمة واحدة، وأكثر الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم
واهتدوا به لم يهتدوا بعلي في شيء. وكذلك لما فتحت الأمصار وآمن واهتدى الناس بمن
سكنها ممن الصحابة وغيرهم، كان جماهير المؤمنين لم يسمعوا من علي شيئا، فكيف يجوز
أن يقال: بك يهتدي المهتدون؟! السادس: أنه قد قيل معناه: إنما أنت نذير ولكل قوم
هاد، وهو الله تعالى، وهو قول ضعيف. وكذلك قول من قال: أنت نذير وهاد لكل قوم، قول
ص 324
ضعيف. والصحيح أن معناها: إنما أنت نذير، كما أرسل من قبلك نذير، ولكل أمة نذير
يهديهم أي يدعوهم، كما في قوله: *(وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)*(1)، وهذا قول
جماعة من المفسرين، مثل قتادة وعكرمة وأبي الضحى وعبد الرحمن بن زيد. قال ابن جرير
الطبري: (حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة. وحدثنا أبو كريب، حدثنا
[وكيع، حدثنا] سفيان، عن السدي، عن عكرمة ومنصور، عن أبي الضحى: *(إنما أنت منذر
ولكل قوم هاد)* قالا: محمد هو المنذر وهو الهادي). (حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب،
قال: قال ابن زيد: لكل قوم نبي. الهادي: النبي، والمنذر: النبي أيضا. وقرأ: *(وإن
من أمة إلا خلا فيها نذير)*(2)، وقرأ: *(نذير من النذر الأولى)*(3)، قال: نبي من
الأنبياء). (حدثنا بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال:
المنذر: محمد، *(ولكل قوم هاد)* قال: نبي). وقوله: *(يوم ندعو كل أناس بإمامهم)*(4)
إذ الإمام [هو] الذي يؤتم به، أي يقتدى به. وقد قيل: إن المراد به هو الله الذي
يهديهم، والأول أصح. وأما تفسيره بعلي فإنه باطل، لأنه قال: *(ولكل قوم هاد)*، وهذا
يقتضي أن يكون هادي هؤلاء غير هادي هؤلاء، فيتعدد الهداة، فكيف يجعل علي هاديا لكل
قوم من الأولين والآخرين؟!
(هامش)
(1) سورة فاطر: 24. (2) سورة فاطر: 24. (3) سورة النجم: 56. (4) سورة الاسراء: 71.
(*)
ص 325
السابع: أن الاهتداء بالشخص قد يكون بغير تأميره عليهم، كما يهتدى بالعالم، وكما
جاء في الحديث الذي فيه: (أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم) فليس هذا صريحا
في الإمامة كما زعمه هذا المفتري. الثامن: أن قوله *(ولكل قوم هاد)* نكرة في سياق
الإثبات، وهذا لا يدل على معين، فدعوى دلالة القرآن على علي باطل، والاحتجاج
بالحديث ليس احتجاجا بالقرآن، مع أنه باطل. التاسع: أن قوله: *(لكل قوم)* صيغة
عموم، ولو أريد أن هاديا واحدا للجميع لقيل: لجميع الناس هاد. لا يقال: *(لكل
قوم)*، فإن هؤلاء القوم [غير هؤلاء القوم]، هو لم يقل: لجميع القوم، ولا يقال ذلك،
بل أضاف (كلا) إلى نكرة، لم يضفه إلى معرفة. كما في قولك: (كل الناس يعلم أن هنا
قوما وقوما متعددين، وأن كل قوم لهم هاد ليس هو هادي الآخرين). وهذا يبطل قول من
يقول: [إن] الهادي هو الله تعالى، ودلالته على بطلان قول من يقول: (هو علي) أظهر
(1). * الدهلوي وقال عبد العزيز الدهلوي - صاحب التحفة - ما هذا تعريبه: ومنها
قوله تعالى: *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*، ورد في الخبر المتفق عليه، عن ابن
عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا المنذر وعلي الهادي. وهذه رواية
الثعلبي في تفسيره، وليس لمروياته ذاك الاعتبار التام. وهذه الآية أيضا تعد من
الآيات التي يذكرها أهل السنة في مقام الرد على مذهب الخوارج والنواصب، ويتمسكون
بالرواية المذكورة بتفسيرها،
(هامش)
(1) منهاج السنة 7 / 139 - 143. (*)
ص 326
وهي لا دلالة فيها على إمامة الأمير ونفي الإمامة عن غيره أصلا قطعا، لأن كون الشخص
هاديا لا يلازم إمامته ولا ينفي الهداية عن غيره، ولو دل مجرد الهداية على الإمامة،
لكان المراد منها الإمام بمصطلح أهل السنة، وهي الإمامة في الدين، وهو غير محل
النزاع . إنتهى (1). * الآلوسي وقال شهاب الدين الآلوسي بتفسير الآية: وقالت
الشيعة: إنه علي كرم الله تعالى وجهه، ورووا في ذلك أخبارا، وذكر ذلك القشيري منا.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، والديلمي، وابن عساكر، عن ابن عباس، قال: لما نزلت
*(إنما أنت منذر)* الآية، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: أنا
المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي كرم الله تعالى وجهه فقال: أنت الهادي، يا علي! بك
يهتدي المهتدون من بعدي. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي حاتم،
والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، وابن عساكر أيضا، عن علي كرم الله تعالى وجهه،
أنه قال في الآية: رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر وأنا الهادي. وفي لفظ:
الهادي رجل من بني هاشم - يعني نفسه - واستدل بذلك الشيعة على خلافة علي كرم الله
تعالى وجهه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فصل. وأجيب: بأنا لا نسلم صحة
الخبر، وتصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الاعتبار عند أهل الأثر، وليس في الآية دلالة
على ما تضمنه بوجه من الوجوه، على أن قصارى ما فيه كونه كرم الله تعالى وجهه به
يهتدي المهتدون بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وذلك لا يستدعي إلا إثبات
مرتبة
(هامش)
(1) التحفة الاثنا عشرية: 207. (*)
ص 327
الإرشاد، وهو أمر، والخلافة التي تقول بها أمر لا تلازم بينهما عندنا. وقال بعضهم:
إن صح الخبر يلزم القول بصحة خلافة الثلاثة رضي الله تعالى عنهم، حيث دل على أنه
كرم الله تعالى وجهه على الحق في ما يأتي ويذر، وأنه الذي يهتدى به، وهو قد بايع
أولئك الخلفاء طوعا، ومدحهم وأثنى عليهم خيرا، ولم يطعن في خلافتهم، فينبغي
الاقتداء به والجري على سننه في ذلك، ودون إثبات خلاف ما أظهر خرط القتاد. وقال أبو
حيان: إنه صلى الله عليه وسلم على فرض صحة الرواية إنما جعل عليا كرم الله تعالى
وجهه مثالا من علماء الأمة وهداتها إلى الدين، فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: يا
علي هذا وصفك، فيدخل الخلفاء الثلاث، وسائر علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بل
وسائر علماء الأمة. وعليه: فيكون معنى الآية: إنما أنت منذر ولكل قوم في القديم
والحديث إلى ما شاء الله تعالى هداة دعاة إلى الخير. وظاهره أنه لم يحمل تقديم
المعمول في خبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على الحصر الحقيقي، وحينئذ لا مانع
من القول بكثرة من يهتدى به. ويؤيد عدم الحصر ما جاء عندنا من قوله صلى الله عليه
وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) وأخبار أخر متضمنة لإثبات من يهتدى
به غير علي كرم الله تعالى وجهه، وأنا أظنك لا تلتفت إلى التأويل، ولا تعبأ بما
قيل، وتكتفي بمنع صحة الخبر وتقول: ليس في الآية مما يدل عليه عين ولا أثر (1).
(هامش)
(1) روح المعاني 13 / 108. (*)
ص 328
أقول: وكلامهم حول هذا الحديث الشريف يكون في جهتين: جهة السند، وجهة الدلالة، ونحن
نتكلم على كلتا الجهتين، بالنظر إلى الكلمات المذكورة، لتظهر الحقيقة لكل منصف
حر... 1 - كلماتهم في ما يتعلق بالسند أما من جهة سند الحديث، فكلماتهم مضطربة جدا،
فهم بعد ما لا يذكرون إلا أحد أسانيده فقط، يختلفون في الحكم عليه، بين مشكك في
الصحة، كأبي حيان، يقول: إن صح والآلوسي: أجيب: لا نسلم صحة هذا الحديث ،
وبين قائل بوضعه، كابن الجوزي، إذ يقول: هذا من موضوعات الرافضة، وبين منكر لأصل
وجوده في تفاسيرهم كابن روزبهان. * فأول ما في هذه الكلمات: إنها ناظرة إلى حديث
ابن عباس، فلاحظ زاد المسير، والبحر المحيط، وميزان الاعتدال، والتحفة الاثنا
عشرية، حيث اقتصروا فيها على رواية ابن عباس، محاولة منهم - بعد فرض كونه ضعيفا -
للطعن في أصل الحديث... وهذا الأسلوب من أبي الفرج ابن الجوزي - خاصة - معروف..
ولذا لا يعبأ المحققون بحكمه على الأحاديث بالوضع إلا أن يثبت عندهم ذلك بدليل
قطعي.. ومن هنا نرى أن أبا حيان - مثلا - يكتفي بالتشكيك في الصحة ولا يجرأ على
الحكم بالضعف، فضلا عن الوضع. * ثم إنهم ما ذكروا أي دليل على ضعف سند الحديث عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس، فضلا عن كونه موضوعا، ومن الواضح أن مجرد الدعوى لا يكفي
لرد أي حديث من الأحاديث مطلقا.
ص 329
أما كونه من روايات الثعلبي في تفسيره، أو الديلمي في الفردوس، لوجود الموضوعات
الكثيرة فيهما، فلا يكفي دليلا على سقوط الحديث، كما لا يكفي دليلا على ثبوته.
والذي يظهر من الذهبي في ميزان الاعتدال حيث أورد الحديث بترجمة الحسن بن الحسين
العرني أن سبب الضعف كون هذا الرجل في طريقه، لكنه لما رأى أن الطبري يرويه بسنده
عنه عن معاذ بن مسلم، عدل من ذلك قائلا معاذ نكرة، فلعل الآفة منه !! لكن
الحسن بن الحسين العرني قد وثقه الذهبي تبعا للحاكم (1) فصح الحديث وبطل ما صنعه
في (الميزان)، وأما معاذ فليس بنكرة كما عبر هنا، ولا بمجهول كما عبر بترجمته،
بل هو معرفة حتى عنده كما ستعرف. وبعد، فإن الاقتصار على سند واحد للحديث، أو نقله
عن كتاب واحد من الكتب، ثم رد أصل الحديث وتكذيبه من الأساس، خيانة للدين، وتلبيس
للحقيقة، وتضييع للحق، وتخديع للقارئ...!! * وسواء صح الحديث عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس، أو لم يصح، بل حتى لو لم يصح عن ابن عباس شيء في الباب، ففي رواية
الصحابة الآخرين كفاية لذوي الألباب. بل تكفي الرواية فيه عن أمير المؤمنين عليه
السلام. فأما رواية عباد بن عبد الله الأسدي عنه عليه السلام، فأخرجها الحاكم في
المستدرك وصححها، وهي: عن أبي عمرو ابن السماك المتوفى سنة 344، وصفه الذهبي ب
(هامش)
(1) المستدرك وتلخيصه 3 / 211. (*)
ص 330
الشيخ الإمام المحدث، المكثر الصادق، مسند العراق... (1). عن عبد الرحمن بن
محمد الحارثي الملقب ب كربزان ، المتوفى سنة 231، وصفه الذهبي ب المحدث
المعمر البقية ثم نقل عن ابن أبي حاتم قوله: كتبت عنه مع أبي، تكلموا فيه،
وسألت أبي عنه فقال: شيخ . قال: وقال الدارقطني: ليس بالقوي (2)، ومن هنا
أورده في ميزان الاعتدال. لكن تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: وذكره ابن حبان في
(الثقات) وقال: حدثنا عنه ابنه محمد بن عبد الرحمن بالبصرة، وقال إبراهيم بن محمد:
كان موسى بن هارون حسن الرأي فيه. وحدث أيضا عن: معاذ بن هشام، وقريش ابن أنس، ووهب
بن جرير. وعنه: ابن صاعد، وابن مخلد، والصفار، وأبو بكر الشافعي، وآخرون. وقال ابن
الأعرابي: مات في ذي الحجة سنة 271. وقال مسلمة بن قاسم: ثقة مشهور (3). قلت:
فالرجل ثقة، لا سيما وأنه شيخ أبي حاتم الرازي، وقد سأله عنه ابنه فلم يقدح فيه، بل
قال: شيخ وقد نص الذهبي نفسه على أن أبا حاتم متعنت في الرجال (4) مضافا إلى
توثيق ابن هارون والحاكم ومسلمة وابن حبان وغيرهم، ورواية جماعة من الأئمة عنه،
ورضاهم إياه، فلا أثر لقول الدارقطني: ليس بقوي .
(هامش)
(1) سير أعلام النبلاء 15 / 444. (2) سير أعلام النبلاء 13 / 138. (3) لسان الميزان
3 / 431. (4) سير أعلام النبلاء 13 / 247. (*)
ص 331
عن حسين بن حسن الأشقر وهذا الرجل قد ترجمنا له في مباحث آية المودة وغيرها،
وأثبتنا وثاقته وصدقه عن: أحمد بن حنبل، والنسائي، ويحيى بن معين، وابن حبان، وإنما
ذنبه الوحيد عند الذهبي ومن على مذهبه كونه من الشيعة، وقد تقرر أن التشيع غير مضر
بالوثاقة، كما في مقدمة فتح الباري في شرح البخاري وغيره. عن منصور بن أبي الأسود
قال الحافظ: صدوق، رمي بالتشيع واضعا عليه علامة: أبي داود، والترمذي،
والنسائي (1). عن الأعمش سليمان بن مهران، المتوفى سنة 147 أو 148، قال الحافظ:
ثقة حافظ وهو من رجال الصحاح الستة (2). عن المنهال بن عمرو وهو من رجال
البخاري والأربعة. قال الحافظ: صدوق، ربما وهم (3). عن عباد بن عبد الله
الأسدي وهو من أعلام التابعين، وقد روى القوم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم (4) وعلى هذا الأساس قالوا بعدالة
التابعين كالصحابة. وقد أخرج النسائي عن عباد في خصائص علي عليه السلام من سننه،
وقد قالوا بأن للنسائي شرطا في الصحيح أشد من شرط البخاري ومسلم (5)، إلا أن غير
واحد من القوم تكلموا في الرجل لروايته عن علي عليه السلام
(هامش)
(1) تقريب التهذيب 2 / 275. (2) تقريب التهذيب 1 / 331. (3) تقريب التهذيب 2 / 278.
(4) جامع الأصول 8 / 547 في فضائل الصحابة. (5) تذكرة الحفاظ 2 / 700. (*)
ص 332
بعض فضائله كقوله: أنا الصديق الأكبر (1). فالحق: صحة هذا الحديث كما قال
الحاكم، وقول الذهبي في تلخيصه بكذبه باطل. وأما رواية عبد خير، عنه عليه السلام،
فهي عن مسند أحمد، وقد حكم الحافظ الهيثمي بأن رجالها ثقات... وقد عرفت - من ترجمة
رجالها - كونهم ثقات عند الكل، فكان على القوم نقل هذه الرواية - قبل غيرها من
الروايات - في ذيل الآية المباركة، وتفسيرها بها، لا بقول زيد وعمرو من المفسرين
بآرائهم، لكنهم لم يفعلوا هذا، لما في قلوبهم من المرض، توصلا لما أشرنا إليه من
الغرض!! نعم، وجدنا ابن كثير يذكره بتفسير الآية، فهو بعد أن ذكر الحديث عن ابن
عباس برواية ابن جرير الطبري، قال: في هذا الحديث نكارة شديدة !! رواه عن ابن
أبي حاتم بسنده عن عبد خير عن علي، وهو السند الوارد في مسند أحمد، وأضاف ابن كثير:
قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس - في إحدى الروايات - وعن أبي جعفر محمد بن
علي نحو ذلك . وقد كان على ابن كثير - الذي قال عن حديث الطبري ما قال بغير حق -
أن يعترف بصحة هذا الحديث ويجعله الأصل في تفسير الآية، لكنه لم يفعل هذا، لما بين
جنبيه من الروح الأموية!! ثم جاء بعض المتقولين في عصرنا فأورد كلام ابن كثير بعد
رواية الطبري واعتمده، موهما اقتصار ابن كثير على تلك الرواية، مع أنه عقبها برواية
ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن عبد خير، ولم يتكلم عليها بشيء، وسكوته دليل على
قبوله، وإلا لتكلم عليها كما صنع بالنسبة إلى رواية ابن جرير.
(هامش)
(1) لاحظ: هامش تهذيب الكمال 14 / 139. (*)
ص 333
فهكذا يريد المتقولون أن يردوا على كتب أصحابنا ويبطلوا أدلتنا!! وتلخص: أن للحديث
أسانيد صحيحة متعددة من طرق أهل السنة، وفيها ما اعترف الأئمة بصحته. إذا لا مجال
لأية مناقشة فيه من هذه الناحية، والحديث - مع وروده من طرق أصحابنا عن أئمة أهل
البيت عليهم السلام - مقطوع بصدوره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. تنبيهات
الأول: إنه قد ظهر مما حققناه صحة هذا الحديث بطرق عديدة، فقول ابن تيمية: إن هذا
كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، فيجب تكذيبه ورده هو الكذب والباطل، ولكن
ابن تيمية معروف - لدى أهل العلم بالحديث - بتعمده للكذب في أمثال هذا الموضع،
اللهم إلا أن يكون مقصوده من أهل العلم بالحديث نفسه وبعض من حوله!! الثاني: لا
يخفى أن حديثنا هذا غير مدرج أصلا في (كتاب الموضوعات) لابن الجوزي، ولا في غيره
مما بأيدينا من الكتب المؤلفة في الأحاديث الموضوعة، كما أنا لم نجده في كتابه
(العلل المتناهية في الأحاديث الواهية). ومن هنا أيضا يمكن القول ببطلان حكمه على
الحديث بالوضع في (تفسيره)، اللهم إلا أن يكون مقصوده خصوص حديث ابن عباس الذي
ذكره، فيرد عليه ما تقدم من أن الاقتصار على طريق غير معتبر - بزعمه - مع وجود طرق
أخرى له صحيحة، غير جائز، لا سيما في تفسير الآيات القرآنية، فكيف لو ذكر الطريق
غير المعتبر ثم رمي أصل الحديث بالوضع؟!!
ص 334
الثالث: إن قول البعض - في رد رواية الثعلبي - بأن الثعلبي حاطب ليل جاء تقليدا
لابن تيمية، فإنه الذي رماه بذلك في كتاب منهاج السنة، وقد قدمنا سابقا مصادر ترجمة
الثعلبي والثناء عليه، من أوثق كتب القوم. وإن كلامه حول سند رواية الطبري يشتمل
على تعصب وجهل كثير، وفيما يلي توضيح ذلك: 1 - لقد اقتصر في عطاء بن السائب على
كلام أبي حاتم، ومع ذلك ففيه التصريح بكونه صدوقا، وكذلك نص غير واحد من الأئمة على
صدقه وثقته، حتى قال أحمد: ثقة ثقة، رجل صالح نعم ذكروا أنه اختلط في آخر عمره،
ويكفي أنه قد أخرج له البخاري والباقون سوى مسلم (1). 2 - جاء في تفسير الطبري:
حدثنا معاذ بن مسلم، حدثنا الهروي، عن عطاء بن السائب وهذا غلط من النسخة، بل
الصحيح هو: حدثنا معاذ بن مسلم الهراء، وهو يروي عن عطاء بلا واسطة، كما لا يخفى
على من راجع أسانيد الحديث في الفصل الأول. 3 - ومعاذ بن مسلم، قال الذهبي في
(الميزان): معاذ بن مسلم، عن شرحبيل بن السمط. مجهول. وله عن عطاء بن السائب خبر
باطل سقناه في الحسن بن الحسين (2). قلت: قد ذكرناه في الفصل الثالث، ولا يخفى أن
كلام الذهبي في الموضعين مما يشهد بروايته عن عطاء بلا واسطة.
(هامش)
(1) لاحظ الكلمات في حقه في: تهذيب الكمال 20 / 86. (2) ميزان الاعتدال 6 / 132.
(*)
ص 335
فالذهبي يقول في (الميزان): مجهول و نكرة لكنه في (سير أعلام النبلاء) يترجم
لمعاذ قائلا: معاذ بن مسلم شيخ النحو، أبو مسلم الكوفي الهراء، مولى محمد بن كعب
القرظي، روى عن عطاء بن السائب وغيره، وما هو بمعتمد في الحديث، وقد نقلت عنه حروف
في القراءات، أخذ عنه الكسائي، ويقال إنه صنف في العربية، ولم يظهر ذلك، وكان
شيعيا، معمرا... وكان معاذ صديقا للكميت الشاعر، يقال عاش تسعين عاما، وتوفي سنة
187، وله شعر قليل. والهراء هو الذي يبيع الثياب الهروية، ولولا هذه الكلمة السائرة
لما عرفنا هذا الرجل، وقل ما روى (1). قلت: فالرجل ما هو بمجهول، إلا أنهم
يحاولون رد فضائل أهل البيت عليهم السلام، وهذا من طرائقهم، وإذ عرفه الذهبي قال
هذه المرة: وما هو بمعتمد في الحديث لغير سبب إلا أنه كان شيعيا . نعم هو من
رواة الشيعة وثقاتهم كما في كتبهم، والتشيع غير قادح كما تقرر غير مرة. 4 - وكما
ناقض الذهبي نفسه في معاذ فقد ناقض نفسه في الحسن ابن الحسين العرني ، فقد
وثقه في (تلخيص المستدرك)، كما تقدم في الفصل الثالث. 5 - و أحمد بن يحيى الصوفي
شيخ الطبري وابن عقدة، لا ذكر له في (الميزان) وليس الكوفي الأحول بل جاء بنفس
العنوان عند ابن أبي حاتم مع التوثيق الصريح (2).
(هامش)
(1) سير أعلام النبلاء 8 / 482. (2) الجرح والتعديل 1 / 81. (*)
ص 336
فتلخص: صحة حديث الطبري في تفسيره، فتبصر واغتنم هذا التحقيق، وبالله التوفيق.
*(فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون)*(1). هذا تمام الكلام في الجهة
الأولى. فلننقل إلى الجهة الثانية... 2 - مناقشاتهم في الدلالة ولنا هنا مواقف مع
ابن تيمية، وأبي حيان، وابن روزبهان، والدهلوي، والآلوسي. * أما أبو حيان فقال:
وإن صح ما روي عن ابن عباس مما ذكرناه في صدر هذا الآية، فإنما جعل الرسول صلى الله
عليه وسلم علي بن أبي طالب مثالا من علماء الأمة وهداتها، فكأنه قال: أنت يا علي
هذا وصفك، ليدخل في ذلك أبو بكر وعمر... . قلت: وهذا تأويل بارد جدا، على أنه
لماذا جعل صلى الله عليه وآله وسلم عليا مثالا من علماء الأمة وهداتها ولم يجعل
غيره؟! ولو أراد رسول الله ذلك لما جعل أحدا مثالا، بل قال: أنا المنذر وعلماء أمتي
هداة، أو قال: أنا المنذر وأصحابي كلهم هداة، كما عارض البعض هذا الحديث بحديث:
أصحابي
(هامش)
(1) سورة غافر 40: 78. (*)
ص 337
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، كما سيأتي. وعلى الجملة: فقد كان أبو حيان أجل من
أن يقول هذا الكلام، لكن كل السعي هو إنكار الخصوصية الثابتة لأمير المؤمنين عليه
السلام من هذا الحديث ليدخل أبو بكر وعمر... كما قال!! ولذا قال الآلوسي بعد
نقله: وظاهره: أنه لم يحمل تقديم المعمول في خبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
على الحصر الحقيقي، وحينئذ لا مانع من القول بكثرة من يهتدى به ثم أضاف: ويؤيد
عدم الحصر ما جاء عندنا من قوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي... .
ولكن أنى يمكن صرف الحديث عن ظاهره بارتكاب التأويل بلا أي دليل؟! وأما الحديث الذي
ذكره فسيأتي الكلام عليه. * وأما ابن روزبهان فقال: لو صح دل على أن عليا هاد،
وهو مسلم، وكذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هداة، لقوله صلى الله عليه
وسلم: أصحابي كالنجوم... . قلت: سيأتي الكلام على حديث النجوم ببعض التفصيل. *
وأما الدهلوي فقال: لا دلالة فيها على إمامة الأمير ونفي الإمامة عن غيره أصلا
قطعا، لأن كون الشخص هاديا لا يلازم إمامته... .
ص 338
قلت: يتلخص كلامه في نفي الدلالة على الإمامة بنفي الملازمة بينها وبين الهداية،
وسيتضح الجواب عن ذلك. * وأما الآلوسي فقال: وليس في الآية دلالة على ما تضمنه
بوجه من الوجوه، على أن قصارى ما فيه كونه كرم الله تعالى وجهه به يهتدي المهتدون
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لا يستدعي إلا إثبات مرتبة الإرشاد، وهو
أمر، والخلافة التي نقول بها أمر، ولا تلازم بينهما عندنا . قلت: هذا هو الوجه
الذي قدمه على غيره في الجواب، مما يظهر منه اعتماده عليه، وحاصله: نفي الملازمة،
وهو ما أجاب به الدهلوي. ثم نقل عن بعضهم وجها آخر فقال: وقال بعضهم: إن صح الخبر
يلزم القول بصحة خلافة الثلاثة، حيث دل على أنه كرم الله تعالى وجهه على الحق في ما
يأتي ويذر، وأنه الذي يهتدى به، وهو قد بايع أولئك الخلفاء طوعا... . لكنه لم يؤيد
هذا الوجه بوجه، لعلمه بابتناء ذلك على دعوى أنه بايع القوم طوعا، وأنه مدحهم وأثنى
عليهم خيرا، ولم يطعن في خلافتهم، وهذا كله أول الكلام، وأصل النزاع والخصام... ثم
أورد تأويل أبي حيان، وأيده بحديث الاقتداء بالشيخين! ثم أبطله بقوله: وأنا أظنك
لا تلتفت إلى التأويل، ولا تعبأ بما قيل، وتكتفي بمنع صحة الخبر، وتقول: ليس في
الآية مما يدل عليه عين ولا أثر .
ص 339
قلت: أما تأويل أبي حيان، فقد تكلمنا عليه. وأما تأييده بحديث الاقتداء، فسيتضح
بطلانه، بالبحث عن سند الحديث المذكور، ببعض التفصيل. وبعد: فإن الحديث الشريف صحيح
ثابت بأسانيد عديدة.. فلا مجال للمناقشة في سنده، وأما المناقشات المذكورة فتتلخص
في نقاط: 1 - التأويل، وهذا باطل، وأنا أظنك لا تلتفت إلى التأويل، ولا تعبأ بما
قيل كما قال الآلوسي. 2 - الاعتراف بظاهر الحديث ووجوب الأخذ به، وأنه ينبغي
الاقتداء بمولانا أمير المؤمنين والجري على سننه، وذلك يستلزم القول بصحة خلافة
الثلاثة، لأنه بايعهم طوعا. ولكن كونه بايع طوعا أول الكلام كما هو معلوم، ولو كان
ذلك ثابتا لم يبق أي خلاف ونزاع، ولما ارتكب القوم أنواع التمحلات والتأويلات وغير
ذلك، لصرف الحديث عن ظاهره. 3 - إنه لا ملازمة بين الهداية و الإمامة ، فتلك
أمر وهذه أمر آخر، وهذا ما سيتبين الجواب عنه لدى التحقيق في كلام ابن تيمية. 4 -
المعارضة بحديث: أصحابي كالنجوم... وحديث: اقتدوا باللذين من بعدي... وفي
الفصل الرابع الجواب عن ذلك.
ص 340
* وأما ابن تيمية: فهو أكثر القوم إطنابا في الكلام في هذا المقام، فقد ذكر
وجوها... والجواب عن الوجهين الأول والثاني منهما: إن هذا الحديث صحيح كما عرفت،
وأن رواته من كبار أئمة الحديث كثيرون، وفيهم من ينص على صحته، فما ذكره هو الكذب.
وعن الثالث والرابع: إنه سوء فهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الهادي
لعلي عليه السلام وللأمة كلها، لكن عليا عليه السلام هو الهادي للأمة من بعده، وهذا
صريح قول النبي: بك يهتدي المهتدون من بعدي . وعن الثامن: إن الآية الكريمة تدل
على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بالنظر إلى الحديث الوارد في تفسيرها، فإذا
فسر الحديث الصحيح الآية، كانت الآية من جملة الأدلة من الكتاب على الإمامة. وعن
السابع: بما سيجئ من أن حديث النجوم باطل حتى عند ابن تيمية، فقد ناقض نفسه
باستدلاله به هنا! وأما نفي الملازمة بين الهداية و الإمامة في هذا الوجه -
السابع - وفي كلام الدهلوي وغيره، فلا يجدي، لما سنذكره في معنى الحديث والمراد من
كون أمير المؤمنين عليه السلام هاديا.. وذلك هو الجواب عن سؤاله - في الوجه السادس
-: كيف يجعل علي هاديا لكل قوم من الأولين والآخرين؟! . وعن تكذيبه - في الوجه
الخامس - أن كل من اهتدى من أمة محمد فبه اهتدى ..
ص 341
وعما ذكره - في الوجه التاسع - من أن قوله كل قوم، صيغة عموم... . معنى الآية
المباركة وقبل الورود في البحث نتأمل في معنى الآية الكريمة بالنظر إلى مداليل
مفرداتها: يقول تعالى: *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*. أما كلمة إنما فتدل على
الحصر، ولا كلام في هذا، و الإنذار إخبار فيه تخويف كما أن التبشير إخبار فيه
سرور (1). وقال القاضي البيضاوي بتفسيرها: *(إنما أنت منذر)* مرسل للإنذار كغيرك من
الرسل، وما عليك إلا الإتيان بما تتضح به نبوتك (2). والآيات الواردة في هذا
المعنى كثيرة، ففي بعضها الحصر بالألفاظ المختلفة الدالة عليه، كقوله تعالى: *(إنما
أنت نذير والله على كل شيء وكيل)*(3). و*(قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير
مبين)*(4). و*(قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار)*(5). و*(إنما
أنت منذر من يخشاها)*(6).
(هامش)
(1) المفردات في غريب القرآن: 508 نذر . (2) تفسير البيضاوي: 428. (3) سورة هود
11: 12. (4) سورة الحج 22: 49. (5) سورة ص 38: 65. (6) سورة النازعات 79: 45. (*)
ص 342
وكقوله تعالى: *(إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)*(1). و*(إن أنت إلا نذير)*(2).
و*(إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد)*(3). وفي بعضها كون الإنذار العلة
الغائية من إرساله بالكتاب ونزول الوحي عليه، كقوله تعالى: *(وأوحي إلي هذا القرآن
لأنذركم به)*(4). و*(كتاب أنزل إليك... لتنذر به...)*(5). و*(ما أرسلناك إلا مبشرا
ونذيرا)*(6). و*(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا)*(7). وحتى في أول
البعثة خاطبه تعالى بقوله: *(يا أيها المدثر * قم فأنذر)*(8)... *(وأنذر عشيرتك
الأقربين)*(9). لقد دلت الآيات الكثيرة على أن وظيفة الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم ليس إلا الإنذار و التبشير ، وكلاهما إخبار غير أن الأول فيه
تخويف والثاني فيه سرور ، وكانت وظيفته الإخبار فقط، أي: الإبلاغ ،
وهذا اللفظ جاءت به الآيات الكثيرة أيضا، مع الدلالة على الحصر
(هامش)
(1) سورة الأعراف 7: 188. (2) سورة فاطر 35: 23. (3) سورة سبأ 34: 46. (4) سورة
الأنعام 6: 19. (5) سورة الأعراف 7: 2. (6) سورة الفرقان 25: 56. (7) سورة الأحزاب
33: 45. (8) سورة المدثر 74: 1 و2. (9) سورة الشعراء 26: 214. (*)
ص 343
كذلك، كقوله تعالى: *(وما على الرسول إلا البلاغ)*(1). و*(فهل على الرسول إلا
البلاغ المبين)*(2). و *(فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين)*(3).
وهكذا غيرها من الآيات. وأما قوله تعالى: *(ولكل قوم هاد)*، فمن جعل الهادي هو
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد جعل الواو عاطفة، فيكون *(هاد)*
عطفا على *(منذر)* و*(لكل قوم)* متعلق ب *(هاد)*. أو يكون *(هاد)* خبرا لمبتدأ
مقدر، أي: وأنت هاد. لكن يرد الأول: بأنه يستلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه
بالجار والمجرور، وهو غير جائز عند المحققين من النحويين. ويرد الثاني: بأنه مستلزم
للتقدير، ومن الواضح أنه خلاف الأصل. على أن القول بأن الهادي في الآية هو
رسول الله نفسه، إغفال للحديث الصحيح الوارد بتفسيرها، الصريح في أنه علي عليه
السلام، وبه يجاب عن قول من فسر الآية برأيه، فجعل الهادي هو الله أو
العمل أو غير ذلك، وهي تفاسير باطلة لم يوافق عليها حتى ابن تيمية والآلوسي. وعلى
ما ذكرنا تكون الواو استئنافية. فيكون معنى الآية: كون النبي صلى الله عليه
وآله وسلم منذرا، ولكل قوم هاد إلى ما جاء به النبي، وهو علي عليه السلام، الذي
حفظ ونشر ما جاء به النبي، ودعا إلى الأخذ والعمل به، فكان عليه السلام الهادي
بقوله
(هامش)
(1) سورة المائدة 5: 99. (2) سورة النحل 16: 35. (3) سورة المائدة: 5: 92. (*)
ص 344
وفعله إلى الله والإسلام بعد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام. و الهداية هي:
إراءة الطريق و الدلالة عليه (1)، وقال ابن فارس: هدي - الهاء والدال والحرف
المعتل -: أصلان: أحدهما التقدم للإرشاد، والآخر: بعثة لطف، فالأول قولهم: هديته
الطريق هداية، أي: تقدمته لأرشده، وكل متقدم لذلك هاد، قال: إذا كان هادي الفتى في
البلا * د صدر القناة أطاع الأميرا وينشعب هذا فيقال: الهدى، خلاف الضلالة...
والأصل الآخر: الهدية... (2). أقول: فإذا كان هذا معنى الآية المباركة، ورجعنا
إلى الأحاديث الواردة في تفسيرها ووجدنا فيها: 1 - المقابلة بين النبي وبين أمير
المؤمنين، بأنه منذر وعلي الهادي. 2 - والحصر المستفاد من كلمة أنت الهادي و
الهادي علي . 3 - والحصر المستفاد من تقديم الظرف في بك يهتدي المهتدون . 4 -
والحصر المستفاد من الإيماء إلى صدره أو الضرب على منكبه. 5 - وكلمة بعدي
الظاهرة في المباشرة. كانت الآية - بمعونة الأحاديث المشتملة على ما ذكرنا - دالة
على أن الله سبحانه جعل وظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإنذار ، وكان
وظيفة علي عليه السلام من بعده: إرشاد الأمة ودلالتها على الطريق الصحيح المؤدي
(هامش)
(1) المفردات في غريب القرآن: 538. (2) معجم مقاييس اللغة 6 / 42. (*)
ص 345
إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون عليه السلام الإمام المرشد
للأمة، القائم مقام النبي، والمقتدى من بعده. وهذه هي حقيقة الإمامة والخلافة. هذا،
وقد فهم غير واحد من علماء القوم كابن تيمية وابن روزبهان والآلوسي، دلالة الحديث
على وجوب الاقتداء بأمير المؤمنين عليه السلام بعد الرسول، وذلك قول الله عز وجل:
*(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف
تحكمون)*(1). نعم، فهموا ذلك، وإلا لما عارضوه بحديث: أصحابي كالنجوم فبأيهم
اقتديتم اهتديتم وحديث: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر لكنهما باطلان،
فلو كانا صحيحين سندا ودلالة لكان لذلك وجه، كما تمسك بعض المتقولين بما في منهاج
السنة عن علي عليه السلام أنه قال: لا أوتين بأحد يفضلني على أبي بكر إلا جلدته
حد المفتري !! المؤكدات في ألفاظ الحديث ثم إن في ألفاظ الحديث الوارد بتفسير
الآية المباركة مؤكدات عديدة لدلالتها على وجوب اتباع أمير المؤمنين والاقتداء به
وإمامته بعد الرسول: 1 - كقوله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سمع ليلة أسري به: يا
محمد! إنما أنت منذر ولكل قوم هاد. قلت: أنا المنذر، فمن الهادي؟ قال: علي الهادي
المهتدي، القائد أمتك إلى جنتي غرا محجلين برحمتي . ففيه: وصف الإمام عليه السلام
بعد الهادي المهتدي ب القائد أمتك... مع مجئ اللام في القائد الدالة
على الحصر.
(هامش)
(1) سورة يونس 10: 35. (*)
ص 346
2 - وقوله صلى الله عليه وآله وسلم له فيه: إنك منار الأنام، وراية الهدى، وأمين
القرآن، أشهد على ذلك أنك كذلك . فجعله عليه السلام: منار الأنام، وراية الهدى،
وأمين القرآن ثم شهد له بذلك!! 3 - وقول الزرقاء الكوفية لمعاوية حين استشهدت
بالآية المباركة، قالت: المنذر رسول الله، والهادي علي ولي الله . أحاديث أخرى
ولقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي
إلى أن في أمته من بعده مهتدين و ضالين ... فأناط الهداية و الضلالة
به إلى يوم القيامة، فكان كالراية التي تنصب على الطريق، من اهتدى بها وصل، ومن
خالفها أو أعرض عنها ضل، فالمهتدون هم المحبون المطيعون المتبعون له، والضالون هم
المخالفون المبغضون له... ومن هنا وصفه عليه السلام ب راية الهدى . علي راية
الهدى ففي رواية الحاكم الحسكاني والحاكم أبي عبد الله والحافظ أبي نعيم، عن أبي
برزة: إنك منار الأنام، وراية الهدى، وأمين القرآن . وروى الحافظ أبو نعيم
بسنده، عن أبي برزة أيضا: إن عليا راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني،
وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني (1).
(هامش)
(1) حلية الأولياء 1 / 66، وانظر: تاريخ بغداد 14 / 98، تاريخ دمشق 42 / 330 ح 8892
- الطبعة الحديثة -، نظم درر السمطين: 144، وغيرها. (*)
ص 347
ولقوة هذا الحديث في الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، تكلم بعض القوم
في سنده بتحكم، ففي لسان الميزان بترجمة عباد بن سعيد الجعفي بعد ذكره: فهذا
باطل، والسند إليه ظلمات (1) وبترجمة لاهز أبو عمرو التيمي حكى عن ابن عدي
أنه يحدث عن الثقات بالمناكير، فذكر الحديث قائلا: وهذا باطل. قاله ابن عدي ثم
قال: قلت: إي والله من أكبر الموضوعات، وعلي فلعن الله من لا يحبه (2). وأنت
ترى أنه رد لمناقب أمير المؤمنين بلا دليل! نعم، في الموضع الثاني دليله هو اليمين
الفاجرة!! وما أقواه من دليل!! ومما يدل على تحكم القوم في المقام: أن ابن عدي يقول
عن لاهز : يحدث عن الثقات بالمناكير والحال أن الخطيب البغدادي يقول: لم
أر للاهز ابن عبد الله غير هذا الحديث، فأين يحدث عن الثقات بالمناكير ؟! ولما
كان الخطيب يريد الطعن في الحديث، ولا دليل عنده، يقول: حدثني أحمد بن محمد
المستملي، أخبرنا محمد بن جعفر الوراق، قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين
الأزدي الحافظ، قال: لاهز بن عبد الله التيمي البغدادي غير ثقة، ولا مأمون، وهو
أيضا مجهول (3). أقول: إن كان الدليل قول الأزدي فالأمر سهل، فقد نصوا على أن
الأزدي نفسه ضعيف، ولا يلتفت إلى قوله في الرجال:
(هامش)
(1) لسان الميزان 3 / 229. (2) لسان الميزان 6 / 237. (3) تاريخ بغداد 14 / 99. (*)
ص 348
قال الذهبي: لا يلتفت إلى قول الأزدي، فإن في لسانه في الجرح رهقا (1). وقال
الحافظ ابن حجر: قدمت غير مرة: أن الأزدي لا يعتبر تجريحه، لضعفه هو (2). هذا،
وتؤيد هذا الحديث وتشهد بصحته أحاديث: كقوله صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث -:
إن تؤمروا عليا - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هاديا مهديا، يأخذ بكم الطريق
المستقيم (3). وقوله: من أراد أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة الخلد
التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في
ضلالة قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد (4). وقوله: إن عليا مدينة هدى،
فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك (5). علي العلم وكما وصفه ب راية الهدى
فقد وصفه ب العلم : أخرج الحافظ ابن عساكر بترجمته عليه السلام: أخبرنا أبو
القاسم علي ابن إبراهيم النسيب، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، أخبرني أبو
الفرج الطناجيري، أنبأنا عمر بن أحمد الواعظ، أنبأنا محمد بن محمود
(هامش)
(1) ميزان الاعتدال 1 / 61. (2) مقدمة فتح الباري: 430. (3) مسند أحمد 1 / 108. (4)
المستدرك على الصحيحين 3 / 128. (5) ينابيع المودة 1 / 220 ح 39 - الطبعة الحديثة
المحققة -. (*)
ص 349
الأنباري بالبصرة، أنبأنا محمد بن القاسم بن هاشم، أنبأنا أبي، أنبأنا عبد الصمد بن
سعيد أبو عبد الرحمن، أنبأنا الفضل بن موسى، عن وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن
حذيفة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: جعلتك علما فيما بيني وبين أمتي،
فمن لم يتبعك فقد كفر . ثم قال ابن عساكر: من بين الفضل والواعظ مجاهيل لا
يعرفون (1). قلت: وهذا منه سهو، إن لم يكن تجاهلا، كما هي عادتهم في قبال مناقب
أمير المؤمنين!! وذلك لأن محمد بن محمود الأنباري - وهو شيخ أبي حفص عمر ابن أحمد
بن شاهين الواعظ الحافظ - مترجم في تاريخ الخطيب، قال: محمد بن محمود الأنباري،
حدث عن علي بن أحمد النضر الأزدي، ومحمد ابن الحسن ابن الفرج الهمذاني، ومحمد بن
حنيفة بن ماهان الواسطي، ومحمد ابن القاسم بن هاشم السمسار، روى عنه أبو حفص ابن
شاهين، ذكر أنه سمع منه بالبصرة (2). ومحمد بن القاسم بن هشام، هو: أبو بكر
السمسار، ترجم له الخطيب، قال: حدث عن أبيه... وكان ثقة (3). وأبوه: القاسم بن
هاشم، ترجم له الخطيب أيضا، قال: ... روى عنه ابنه وأبو بكر ابن أبي الدنيا، ووكيع
القاضي، ويحيى بن صاعد، وأبو عبيد ابن المؤمل الناقد، والقاضي المحاملي، ومحمد بن
مخلد، وكان صدوقا (4).
(هامش)
(1) تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 2 / 489. (2) تاريخ بغداد 3 /
261. (3) تاريخ بغداد 3 / 180. (4) تاريخ بغداد 12 / 421. (*)
ص 350
وأما عبد الصمد بن سعيد، الراوي عن الفضل بن موسى البصري، مولى بني هاشم، المتوفى
سنة 264، فأظنه: عبد الصمد بن سعيد الكندي الحمصي، المتوفى سنة 324، ترجم له الذهبي
ووصفه ب المحدث الحافظ (1). هذا، وروى الفقيه المحدث ابن المغازلي الواسطي
الشافعي عن أبي محمد الغندجاني بسنده عن شعبة بن الحجاج، عن أبي التياح، عن ابن
عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل بدرنوك من درانيك الجنة
فجلست عليه، فلما صرت بين يدي ربي كلمني وناجاني، فما علمني شيئا إلا علمه علي، فهو
باب مدينة علمي. ثم دعاه النبي إليه فقال له: يا علي! سلمك سلمي، وحربك حربي، وأنت
العلم ما بيني وبين أمتي من بعدي (2). يأخذ بكم الطريق المستقيم ومن هنا أوصى
الأمة وأرشدهم إليه بقوله في حديث: وإن تؤمروا عليا - ولا أراكم فاعلين - تجدوه
هاديا مهديا، يأخذ بكم الطريق المستقيم (3). وقال - في ما رواه السيد الهمداني عن
ابن عباس -: وإذا خالفتموه فقد ضلت بكم الطرق والأهواء في الغي (4). بل وصفه ب
الطريق في ما روي مسندا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (5).
(هامش)
(1) سير أعلام النبلاء 15 / 266. (2) مناقب أمير المؤمنين: 50. (3) مسند أحمد 1 /
108. (4) مودة القربى، عنه ينابيع المودة: 250 ط تركيا. (5) شواهد التنزيل 1 / 57،
المناقب - للخوارزمي المكي -، عنه ينابيع المودة: 133. (*)
ص 351
طاعته طاعة رسول الله ولذا كانت طاعته طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
وأنه لئن أطاعوه ليدخلن الجنة، كما في الحديث: أخرج الحاكم بسنده عن أبي ذر، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد
عصى الله، ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني قال الحاكم: هذا
حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي (1). من فارقه فارق رسول الله ولذا كان الفاروق
بين الحق والباطل، كما في الحديث المشهور، وأن من فارقه فقد فارق رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، كما في الحديث: أخرج الطبراني في الأوسط - وعنه الهيثمي -
بإسناده عن بريدة، في قضية بعث علي عليه السلام أميرا على اليمن عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، أنه قال: ما بال أقوام ينتقصون عليا؟!! من تنقص عليا فقد تنقصني،
ومن فارق عليا فقد فارقني، إن عليا مني وأنا منه... (2). وأخرج الحاكم بإسناده عن
أبي ذر، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي! من فارقني فقد فارق
الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني قال الحاكم: صحيح الإسناد (3) وأخرجه
البزار، وعنه الهيثمي، وقال:
(هامش)
(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 121. (2) مجمع الزوائد 9 / 128. (3) المستدرك على
الصحيحين 3 / 123. (*)
ص 352
رجاله ثقات (1). علي منه بمنزلته من ربه ولذا كان علي من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بمنزلته من ربه. فقد أخرج الحافظ المحب الطبري عن ابن عباس، في حديث
قال أبو بكر: ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول: علي مني
بمنزلتي من ربي، أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة (2). ورواه الذهبي عن ابن
مسعود، بترجمة محمد بن داود الرملي، فقال: هذا من وضع هذا الجاهل، رواه أبو
عروبة، عن مخلد بن مالك السلمسيني عنه (3)! فانظر كيف يرد الحديث بلا أي دليل،
وإنما تبعا لهواه!! باب حطة ولذا كان باب حطة، في ما أخرج الحافظ الدارقطني عن ابن
عباس، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: علي باب حطة، من دخل فيه كان مؤمنا،
ومن خرج منه كان كافرا (4). وأخرجه الحافظ الطبراني في حديث فيه تشبيه أهل بيته
بسفينة نوح وبباب حطة في بني إسرائيل (5).
(هامش)
(1) مجمع الزوائد 9 / 135. (2) ذخائر العقبى: 64. (3) ميزان الاعتدال 3 / 540،
وتبعه ابن حجر في لسانه 5 / 161. (4) الجامع الصغير: 346 ح 5592، الصواعق المحرقة:
75، كنز العمال 11 / 603 ح 32910. (5) المعجم الصغير 1 / 139. (*)
ص 353
نتيجة البحث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف عليا عليه السلام ب الهادي
و الراية و العلم وغير ذلك من الأوصاف مما ذكرناه وما لم نذكره، وكلها تشير
إلى معنى واحد ومقصد فارد، وهو كونه القائد والمرشد و المتبع ... للأمة
الإسلامية من بعده... وهذا هو معنى الإمامة العامة و الولاية المطلقة و
الخلافة العظمى ... ومن هذا الباب وصفه صلى الله عليه وسلم ب قسيم الجنة والنار
، وجعله ميزانا ومعيارا يعرف به المؤمن من المنافق والكافر، والحق من الباطل في
أحاديث كثيرة. وأيضا: فقد كان عليه السلام حجة لله تعالى على خلقه، في حديث أخرجه
الخطيب في تاريخ بغداد (1)، وابن عساكر في تاريخ دمشق، بأسانيد عن أنس عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم (2) ولم يتكلم في سنده إلا في مطر راويه عن أنس، لكنه من
التابعين، ومن رجال ابن ماجة، والظاهر من كلماتهم أن السبب في ترك حديثه روايته
الفضائل عن أنس بن مالك، فلا جرح في الرجل، غير أن رواياته ليست على هواهم، ولذا
لما أورد الذهبي هذا الحديث في (الميزان) قال: هذا باطل، والمتهم به مطر، فإن
عبيد الله ثقة شيعي، ولكنه أثم برواية هذا الإفك (3). فمن هذا الكلام يظهر أن
عبيد الله بن موسى العبسي الراوي عن مطر
(هامش)
(1) تاريخ بغداد 2 / 88. (2) تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 2 /
272 - 273. (3) ميزان الاعتدال 4 / 127 - 128. (*)
ص 354
ثقة، و مطر نفسه لم يرم بشيء غير أن الحديث باطل !! أما ابن حجر، فلم يورد
الرجل في لسان الميزان لكونه من رجال بعض الصحاح الستة. وعلى الجملة، فقد كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرف أمير المؤمنين بالإمامة من بعده بشتى الأساليب،
فتارة يصرح في حقه بالإمامة والوصاية ونحوهما، وأخرى يصفه بالأوصاف المستلزمة لذلك،
وثالثة يشبهه بما يفيده بكل وضوح... وهكذا. وبهذا ظهر معنى الآية الكريمة، ومدلول
الحديث الشريف، وكيفية استدلال أصحابنا بذلك في إثبات الإمامة... وتبين الجواب عن
التساؤلات المثارة حول الاستدلال، واندفاع الشبهات المذكورة. ويبقى الكلام على
المعارضات....