الصفحة 534

هذه المسؤولية بحثالة الصحابة وبعض المنافقين، ولكن للأسف الشديد أنّ هؤلاء معدودون من أكابرهم وأفاضلهم ومشاهيرهم، فأوّل من هدد بحرق بيته ـ بمن فيه ـ هو عمر بن الخطاب، وأوّل من حاربه هو طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأمثالهم كثيرون.

وإنّ عجبي لكبير وسوف لن ينتهي، كما يؤيّدني في ذلك كلّ مفكّر حرّ عاقل، كيف يجمع علماء أهل السنّة والجماعة على عدالة الصحابة كافة، ويترضّون عليهم بل ويصلون عليهم أجمعين، لا يستثنون منهم واحداً، حتّى قال بعضهم: "إلعن يزيد ولا تزيد"، فأين يزيد من هذه المآسي التي لا يقرّها دين ولا عقل؟!

وإنّني أربأ بأهل السنّة والجماعة إن كانوا حقاً يتّبعون سنّة الرسول، أن يحكموا بعدالة من حكم القرآن والسنّة بفسقه وارتداده وكفره، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من سبّ علياً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، ومن سبّ الله أكبه على منخريه في النار"(1).

____________

1- بهذا اللفظ في نظم درر السمطين: 105، ذخائر العقبى: 66، وفي مستدرك الحاكم 3: 121 بلفظ: "من سبّ عليّاً فقد سبني"، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وقد رواه بكير بن عثمان البجلي عن أبي اسحاق بزيادة ألفاظ" ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك، وانظر أيضاً بألفاظه المختلفة: السنن الكبرى للنسائي 5: 133 ح8476، الجامع الصغير للسيوطي 2: 608 ح8736، تاريخ دمشق 14: 131، 26: 305، 30: 179، 266042، مسند أحمد 6: 323، عنه مجمع الزوائد 9: 130 وقال: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبدالله الجدلي وهو ثقة"، والنسائي في الخصائص: 76 ح86 وقال محقق الكتاب العلامة الحويني الأثري: "إسناده صحيح".

ومنه يتضح بطلان ما ذكره عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني 86 من تضعيف الحديث. فهو كشيخه ابن تيميه يتسارع في إنكار الفضائل الثابتة معاندة للشيعة!


الصفحة 535

هذا جزاء من سبّ علياً، فما بالك بمن لعنه وحاربه وقاتله، فأين علماؤنا من كُلّ هذه الحقائق، أم على قلوب أقفالها؟! {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}(1).

2 ـ الصحابة غيروا حتّى في الصلاة:

قال أنس بن مالك: ما عرفت شيئاً ممّا كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)!

قيل: الصلاة،

قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها.

وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟

فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيّعت(2).

وحتى لا يتوهّم أحد أنّ التابعين هم الذين غيّروا ما غيروا بعد تلك الفتن والحروب أود أن أذكّر بأنّ أوّل من غيّر سنّة الرسول في الصلاة هو خليفة المسلمين نفسه عثمان بن عفّان، وكذلك أم المؤمنين عائشة، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، صلّى بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثمّ إنّ عثمان صلى بعد أربعاً(3).

____________

1- المؤمنون: 97 ـ 98.

2- صحيح البخاري 1:134، كتاب مواقيت الصلاة، الصلوات الخمس، تعليق التعليق 2:250 التعديل والتجريح 2:1016، البداية والنهاية 9:106.

3- صحيح البخاري 2:35 كتاب تقصير الصلاة باب الصلاة بمنى، صحيح مسلم 2:146 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب قصر الصلاة بمنى، سنن الدارمي 2:56، سنن الترمذي 2:183، السنن الكبرى 3:126، المصنف للصنعاني 2:516.


الصفحة 536

كما أخرج مسلم في صحيحه، قال الزهري: قلت لعروة: ما بال عائشة تتم الصلاة في السفر؟

قال: إنّها تأوّلت كما تأوّل عثمان(1).

وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأوّل مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية، بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه، كقوله: "متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما"(2)، ويقول لمن أجنب ولم يجد ماء: لا تصلّ! رغم قول الله تعالى في

____________

1- صحيح مسلم 2:143، كتاب صلاة المسافرين، صحيح البخاري 2:36، كتاب الكسوف، باب صلاة التطوع على الدواب، السنن الكبرى 3:143، المصنف للصنعاني 2:516، صحيح ابن خزيمة 1:156.

2- الروايات الواردة عن تحريم عمر لمتعة الحج والنساء عنه كثيرة والفاظها مختلفة نذكر قسماً منها:

1 ـ عبد الرزاق، عن ابن جريح قال: "أخبرني عبد الله بن عثمان بن خيثم: إنّ محمّد بن الاُسود بن خلف أخبره أنّ عمرو بن حوشب، استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي، فذكر ذلك لعمر، فسألها فقالت: استمتع منها عمرو بن حوشب، فسأله، فاعترف، فقال عمر: من أشهدت؟ قال: لا أدري، قال: أمها، أو أختها، أو أخاها وأمها؟

فقام عمر على المنبر فقال: ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولاً، ولا أجد رجلاً من المسلمين متمتعاً إلاّ جلدته مائة جلدة).

قال: وأخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره، سمعه منه يقوله.

قال: فتلقاه الناس منه" المصنف لعبد الرزاق 7: 500 و501، وكنز العمال 22: 94 و16: 520. وسند الحديث صحيح.

2 ـ عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: "متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة النساء ومتعة الحج"

وعن سعيد بن حماد بن زيد، عن أيوب عن ابي قلابة قال: قال عمر بن الخطاب: "متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما".

وزاد في نصّ آخر: رواه سعيد بن هشيم عن خالد عن ابي قلابة قوله: "متعة النساء، ومتعة الحج".

وهذا النص فضلاً عن صحته، بل متواتر عن عمر راجع: التمهيد 10: 112، والمنتقى للفقي 2: 519، سنن سعيد بن منصور القسم ألاوّل من المجلد الثالث 219 والاستذكار 16: 294، والأم للشافعي 7: 219، سنن البيهقي 7: 206، منتخب كنز العمال 6: 404، والأوائل لأبي هلال العسكري 1: 238، تفسير النيسابوري 5: 17، وزاد المعاد لابن القيّم 2: 184، والمغني لابن قدامة 7: 527، والدر المنثور 2: 140، والمحلّى لابن حزم 7: 107.


الصفحة 537

سورة المائدة: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّباً}(1).

أخرج البخاري في صحيحه في باب: (إذا خاف الجنب على نفسه) قال: سمعت شقيق بن سلمة قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى، فقال له أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلّي حتّى يجد الماء.

فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي (صلى الله عليه وآله): كان يكفيك،

قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك.

فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية، فما درى عبد الله ما يقول.

فقال: إنّا لو رخّصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم.

فقلت لشقيق: فإنّما كره عبد الله لهذا، قال: نعم(2).

____________

1- سورة المائدة: 6.

2- صحيح البخاري 1:90 كتاب التيمم، باب 7، صحيح مسلم 1:193، كتاب التيمم باب التيمم سنن أبي داود 1:81، المصنف لابن أبي شيبة 1:184، السنن للنسائي 1:136، التمهيد 19:272، إرواء الغليل 1:184.


الصفحة 538

3 ـ الصحابة يشهدون على أنفسهم:

روى أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال للأنصار: "إنكم سترون بعدي إثرة شديدة، فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله على الحوض".

قال أنس: فلم نصبر(1).

وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب ـ رضي الله عنهما ـ فقلت: طوبى لك، صحبت النبي (صلى الله عليه وآله) وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده(2).

وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الأوّلين الذين بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله)تحت الشجرة، ورضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحاً قريباً، يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنّهم أحدثوا بعد النبي، وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به (صلى الله عليه وآله) وتنبأ به من أنّ أصحابه سيحدثون بعده ويرتدون على أدبارهم، فهل يمكن لعاقل بعد هذا أن يصدّق بعدالة الصحابة كُلّهم أجمعين ـ أكتعين أبصعين ـ على ما يقول به أهل السنّة والجماعة؟

والذي يقول هذا القول، فإنّه يخالف العقل والنقل، ولا يبقى للباحث أيّ مقاييس فكريّة يعتمدها للوصول إلى الحقيقة.

4 ـ شهادة الشيخين على نفسيهما:

أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب، قال: لما طعن عمر جعل يألم، فقال له ابن عبّاس وكأنّه يجزعه: يا أمير المؤمنين ولئن

____________

1- مسند أحمد 3:166، صحيح البخاري 5:105 باب غزوة الطائف، صحيح مسلم 3:105، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، السنن الكبرى 5:89، مسند أبي يعلى 6:283، صحيح ابن حباّن 16:267، تاريخ الإسلام 2:601.

2- صحيح البخاري 5: 56 باب غزوة الحديبية، وفي الاصابة 3: 67، وتاريخ دمشق 20: 391، عن أبي سعيد الخدري.


الصفحة 539

كان ذاك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته، ثمّ فارقته وهو عنك راض، ثمّ صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثمّ فارقته وهو عنك راض، ثمّ صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنّهم وهم عنك راضون.

قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنّما ذاك من منّ الله تعالى منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه، فإنّما ذاك من منّ الله جل ذكره منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أنّ لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه(1).

وقد سجل التاريخ له أيضاً قوله: "ليتني كنت كبش أهلي يسمّنونني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديداً، ثمّ أكلوني وأخرجوني عذرة، ولم أكن بشراً"(2).

كما سجل التاريخ لأبي بكر مثل هذا، قال لما نظر أبو بكر إلى طائر على شجرة: "طوبى لك يا طائر تأكل الثمر، وتقع على الشجر، وما من حساب ولا عقاب عليك، لوددت أنّي شجرة على جانب الطريق مرّ عليّ جمل فأكلني وأخرجني في بعره، ولم أكن من البشر"(3).

وقال مرة أخرى: "ليت أمّي لم تلدني، ليتني كنت تبنة في لبنة"(4).

____________

1- صحيح البخاري 4:201، كتاب فضائل أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، باب مناقب عمر بن الخطاب، تغليق التعليق 4:65 تاريخ المدينة 3:913.

2- حلية الأولياء 1: 88 رقم 136 عنه كنز العمال 12: 619 ح35912، تاريخ دمشق 30: 331، شعب الإيمان للبيهقي 1: 485 ح787.

3- تاريخ دمشق 30: 330، كنز العمال 12: 528، ح35699، المصنف لابن أبي شيبة 8: 144 ح2، شعب الإيمان للبيهقي 1: 485 ح787.

4- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 360، شعب الايمان للبيهقي 1: 486 ح789، كنز العمال 12: 619 ح35914، عن عمر بن الخطاب، وورد عن أبي بكر ـ أيضاً ـ قوله: "طوبى لك يا طائر! تأكل الثمر وتقع على الشجر لوددت أني ثمرة ينقرها الطائر" كنز العمال 12: 528 ح 35698 وقال: "ابن المبارك ما هي" وعند قوله: "وددت إنّي شعرة في جنب عبد مؤمن" المصدر السابق ح 35700 وقال: "حم في الزهد".

وعن معاذ بن جبل قال: "دخل ابو بكر حائطاً واذا بدبسي في ظل شجرة، فتنفس الصعداء ثُمّ قال: طوبى لك يا طير تأكل من الشجر! وتستظل بالشجر، وتصير إلى غير حساب، ياليت أبا بكر مثلك" كنز العمال 12: 529 ح 35701 وقال: "أبو أحمد، الحاكم".

وعن قتادة قال: "بلغني أن أبا بكر قال: وددت أنّي خضرة تأكلني الدواب" طبقات ابن سعد3: 198.


الصفحة 540

تلك بعض النصوص أوردتها على نحو المثال لا الحصر.

وهذا كتاب الله يبشّر عباده المؤمنين بقوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(1)، ويقول أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلا مِّنْ غَفُور رَّحِيم}(2)صدق الله العلي العظيم.

فكيف يتمنّى الشيخان أبو بكر وعمر أن لا يكونا من البشر الذي كرّمه الله على سائر مخلوقاته؟!

وإذا كان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزّل عليه الملائكة وتبشّره بمقامه في الجنّة، فلا يخاف من عذاب الله ولا يحزن على ما خلَّف وراءه في الدنيا، وله البشرى في الحياة الدنيا قبل أن يصل إلى الآخرة، فما بال عظماء الصحابة الذين هم خير الخلق بعد رسول الله ـ كما تعلّمنا ذلك ـ يتمنّون أن يكونوا عذرة، وبعرة، وشعرة، وتبنة؟!

____________

1- سورة يونس: 62 ـ 64.

2- سورة فصّلت: 30 ـ 32.


الصفحة 541

ولو أنّ الملائكة بشّرتهم بالجنّة ما كانوا ليتمنوا أن لهم مثل طلاع الأرض ذهباً ليفتدوا به من عذاب الله قبل لقاه.

قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْس ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}(1).

وقال ـ أيضاً ـ : {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}(2).

وإنّني أتمنّى من كلّ قلبي أن لا تشمل هذه الآيات صحابةً كباراً أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق.

بَيْد أنّني أتوقف كثيراً عند مثل هذ النصوص; لأطل على مقاطع مثيرة من علاقتهم مع الرسول (صلى الله عليه وآله)، وما شهدتها تلك العلاقة من تخلّف عن إجراء أوامره، وتلبية طلبه في اللحظات الأخيرة من عمره المبارك الشريف، ممّا أغضبه ودفعه إلى أن يأمر الجميع بمغادرة المنزل وتركه.

كما أنّني أستحضر أمامي شريط الحوادث التي جرت بعد وفاة الرسول، وما جرى مع ابنته الزهراء الطاهرة (عليها السلام) من إيذاء وهضم وغمط، وقد قال (صلى الله عليه وآله): "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني"(3).

وقالت فاطمة لأبي بكر وعمر: "نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول

____________

1- سورة يونس: 54.

2- سورة الزمر: 47 ـ 48.

3- صحيح البخاري 4:210، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فضائل الصحابة: 78، المصنف لابن أبي شيبة 7:526، الآحاد والمثاني 5:361 خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 121، المعجم الكبير 22:404.


الصفحة 542

الله (صلى الله عليه وآله) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبّني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟

قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: فإنّي أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه"(1).

ودعنا من هذه الرّواية التي تدمى القلوب، فلعلّ ابن قتيبة وهو من علماء أهل السنّة المبرزين في كثير من الفنون، وله تآليف عديدة في التفسير والحديث واللغة والنحو والتاريخ، لعلّه تشيّع هو الآخر كما قال لي أحد المعاندين مرّة عندما أطلعته على كتابه تاريخ الخلفاء، وهذه هي الدعاية التي يلجأ إليها بعض علمائنا بعدما تعييهم الحيلة.

فالطبري عندنا تشيّع، والنسائي الذي ألف كتاباً في خصائص الإمام علي تشيّع، وابن قتيبة تشيّع، وحتى طه حسين من المعاصرين لمّا ألف كتابه الفتنة الكبرى، وذكر حديث الغدير واعترف بكثير من الحقائق الأخرى فهو أيضاً تشيّع ! !

والحقيقة إنّ كلّ هؤلاء لم يتشيعوا وعندما يتكلّمون عن الشيعة لا يذكرون عنهم إلاّ ما هو مشين، وهم يدافعون عن عدالة الصحابة بكل ما أمكنهم، ولكن الذي يذكر فضائل علي بن أبي طالب، ويعترف بما فعله كبار الصحابة من أخطاء نتهمه بأنّه تشيّع؟!

ويكفي أن تقول أمام أحدهم عند ذكر النبي: صلّى الله عليه وآله أو تقول:

____________

1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 31، وفضل آل البيت للمقريزي: 66. وهذه الأحاديث تصرّح بأنّها (عليها السلام) بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وبما أنّ النبي لا يغضب إلاّ بحق فهي أيضاً لا تغضب إلاّ بحق، وبما أنّها بضعته صار إغضابها اغضاباً للنبي (صلى الله عليه وآله).


الصفحة 543

علي (عليه السلام)، فيقال: إنّك شيعي.

وعلى هذا الأساس قلت يوماً لأحد علمائنا وأنا أحاوره: ما رأيك في البخاري؟

قال: هو من أئمة الحديث، وكتابه أصح الكتب بعد كتاب الله عندنا، وقد أجمع على ذلك علماؤنا.

فقلت له: إنّه شيعي.

فضحك مستهزئاً وقال: حاشى الإمام البخاري أن يكون شيعياً!!

قلت: أوليس إنك ذكرت بأن كلّ من يقول: علي (عليه السلام) فهو شيعي؟

قال: بلى.

فأطلعته ومن حضر معه على صحيح البخاري، وفي عدّة مواقع عندما يأتي باسم علي يقول: (عليه السلام)(1)، وفاطمة (عليها السلام)(2)، والحسين بن علي (عليهما السلام)(3)، فبهت وما درى ما يقول.

وأعود إلى رواية ابن قتيبة التي ادّعى فيها أن فاطمة غضبت على أبي بكر وعمر، فإذا شككت فيها فإنّه لا يمكنني أن أشك في صحيح البخاري الذي هو عندنا أصح الكتب بعد كتاب الله، وقد ألزمنا أنفسنا بأنّه صحيح، وللشيعة أن يحتجوا به علينا ويلزموننا بما ألزمنا به أنفسنا، وهذا هو الانصاف للقوم العاقلين.

فها هو البخاري يخرج من باب مناقب قرابة رسول الله، أن رسول

____________

1- صحيح البخاري 6:48، كتاب التفسير، سورة الذاريات.

2- صحيح البخاري 3:229، كتاب المغازي باب غزوة خيبر في مطالبة فاطمة (عليها السلام) ارث النبي (صلى الله عليه وآله).

3- صحيح البخاري 6:124، كتاب النكاح.


الصفحة 544

الله (صلى الله عليه وآله) قال: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني"(1).

كما أخرج في باب غزوة خيبر، عن عائشة أن فاطمة (عليها السلام) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفيت(2).

والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار، وذكرها ابن قتيبة بشيء من التفصيل، ألا وهي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها، وأن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر.

وإذا كان البخاري قد قال: "ماتت وهي واجدة على أبي بكر فلم تكلمه حتّى توفّيت" فالمعنى واحد كما لا يخفى، وإذا كانت فاطمة سيدة نساء العالمين، كما صرّح بذلك البخاري في كتاب الاستئذان باب من ناجى بين يدي الناس، وإذا كانت فاطمة هي المرأة الوحيدة في هذه الأمة، التي أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً، فلا يكون غضبها لغير الحقّ، ولذلك يغضب الله ورسوله لغضبها.

ولهذا قال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثمّ انتحب أبو بكر باكياً حتّى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة أصلّيها، فخرج أبو بكر يبكي ويقول: لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي(3).

____________

1- صحيح البخاري 4:210، كتاب فضائل أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، باب مناقب قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

2- صحيح البخاري 5:82، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، صحيح مسلم 5:154 كتاب الجهاد، باب قول النبي (صلى الله عليه وآله): لا نورّث، السنن الكبرى 6:300، صحيح ابن حبّان 11: 153.

3- تاريخ الخلفاء المعروف بالإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1: 31.


الصفحة 545

غير أنّ كثيراً من المؤرخين ومن علمائنا يعترفون بأنّ فاطمة (عليها السلام)خاصمت أبا بكر في قضية النِّحلة والإرث وسهم ذي القربى، فرُدّت دعواها حتّى ماتت وهي غاضبة عليه، إلاّ أنّهم يمرّون بهذه الأحداث مرور الكرام، ولا يريدون التكلّم فيها حفاظاً على كرامة أبي بكر، كما هي عادتهم في كلّ ما يمسّه من قريب أو بعيد.

ومن أعجب ما قرأته في هذا الموضوع، قول بعضهم ـ بعد ما ذكر الحادثة بشيء من التفصيل ـ : "حاشى لفاطمة من أن تدّعي ما ليس لها بحق، وحاشى لأبي بكر من أن يمنعها حقّها".

وبهذه السفسطة ظنّ هذا العالم أنّه حلّ المشكلة، وأقنع الباحثين، وكلامه هذا كقول القائل: "حاشى للقرآن الكريم أن يقول غير الحقّ، وحاشى لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل".

لقد ابتلينا بعلماء يقولون ما لا يفقهون، ويؤمنون بالشيء ونقيضه في نفس الوقت، والحال يقتضي أن فاطمة ادّعت وأبا بكر رفض دعواها، فأمّا أن تكون كاذبة ـ والعياذ بالله حاشاها ـ أو أن يكون أبو بكر ظالماً لها، وليس هناك حلا ثالثاً للقضية، كما يريدها بعض علمائنا.

وإذا امتنع بالأدلة العقلية والنقلية أن تكون سيدة النساء كاذبة، لما ثبت عن أبيها رسول الله قوله: "فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني"، ومن البديهي أنّ الذي يكذب لا يستحق مثل هذا النصّ من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله)، فالحديث بذاته دالاّ على عصمتها من الكذب وغيره من الفواحش، كما أن آية التطهير دالة هي الأخرى على عصمتها، وقد نزلت فيها وفي بعلها وابنيها بشهادة عائشة نفسها(1)، فلم يبق إذن إلاّ أن يعترف العقلاء بأنّها ظُلمت فليس تكذيبها في

____________

1- روى حديث الكساء ونزول آية التطهير في الخمسة أصحاب الكساء خمسة عشر صحابياً، ويوجد نص الحديث باختلاف ألفاظه في: صحيح مسلم 7: 121، 130، مسند أحمد 6: 292، 323، سنن الترمذي 5: 621، 656، كتاب المناقب، جامع الأصول 10: 100، الخصائص للنسائي: 81، المستدرك للحاكم 2: 416 كتاب التفسير.

وهذه الأحاديث توضّح وتشرح لنا معنى الآية الكريمة واختصاصها بالخمسة أصحاب الكساء (عليهم السلام) كما اعترف بذلك الطحاوي في مشكل الآثار 1: 332 ـ 339. وتدل هذه النصوص أيضاً على نزول آية التطهير لوحدها غير منضمة إلى غيرها، ولم يرد حتّى في رواية واحدة نزولها ضمن آيات نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا ذكره أحد، فهي لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبي (صلى الله عليه وآله) ولا متصلة بها وإنّما وضعت بينها أمّا بأمر من النبي (صلى الله عليه وآله) أو عند التأليف بعد الرحلة. (انظر: تفسير الميزان 16: 311).

والإرادة هنا تكوينية من قبيل قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وليست تشريعية، لأنّ تشريعية تتنافى مع نص الآية بالحصر بقوله "إنّما" وتتنافى مع الأحاديث، إذ انّ النبي (صلى الله عليه وآله) طبق الآية عليهم دون غيرهم.

قال ابن حجر في الصواعق 2: 424 "وأشار المحب الطبري إلى أنّ هذا الفعل تكرر منه (صلى الله عليه وآله)في بيت أُم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما، وبه جُمع بين اختلاف الروايات...".

وقال أيضاً في الصواعق 2: 427 باب الآيات الواردة فيهم: "ثمّ أكّد (صلى الله عليه وآله) ذلك كلّه بتكرير طلب ما في الآية لهم بقوله: "اللّهم هؤلاء أهل بيتي" إلى آخر ما مر، وبادخاله نفسه معهم في العدّ لتعود عليهم بركة اندراجهم في سلكه، بل في رواية أنّه اندرج معهم جبريل وميكائيل اشارة إلى عليّ قدرهم، وأكده أيضاً بطلب الصلاة عليهم بقوله: "فاجعل صلاتك..." إلى آخر ما مرّ، وأكده أيضاً بقوله: "أنا حرب لمن حاربهم" إلى آخر ما مرّ أيضاً...".

أقول: وممّا يدلّل على عظيم شرفهم ما في بعض ألفاظ الحديث من أنّ الآية نزلت عقيب دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) لهم بالطهارة واذهاب الرّجس، ولعلّه الأصح.


الصفحة 546

دعواها إلاّ أمراً ميسوراً لمن استباح حرقها إن لم يخرج المتخلّفون في بيتها لبيعتهم(1).

ولكل هذا تراها ـ سلام الله عليها ـ لم تأذن لهما في الدخول عليها عندما استأذنها أبو بكر وعمر، ولمّا أدخلهما علي أدارت بوجهها إلى الحائط وما

____________

1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 20.


الصفحة 547

رضيت أن تنظر إليهما(1).

وقد توفيت ودفنت في الليل سرّاً بوصيّة منها حتّى لا يحضر جنازتها أحد منهم(2)، وبقي قبر بنت الرسول مجهولا حتّى يوم الناس، هذا وإنّني أتسأل لماذا يسكت علماؤنا عن هذه الحقائق، ولا يريدون البحث فيها ولا حتّى ذكرها، ويصوّرون لنا صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكأنّهم ملائكة لا يذنبون، وإذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذو النورين، فسيجيبك بأنّ المصريين ـ وهم كفرة ـ جاؤوا وقتلوه، وينهي الموضوع كُلّه بجملتين.

ولكن عندما وجدت الفرصة للبحث وقراءة التاريخ، وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم، وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله وإباحة دمه على رؤوس الأشهاد، فكانت تقول: "اقتلوا نعثلا فقد كفر"(3).

____________

1- المصدر نفسه.

2- صحيح البخاري 5:83 كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، صحيح مسلم 5:154، كتاب الجهاد والسير، صحيح ابن حبّان 14:573، وفيه: "فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفيت... فلمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها...".

3- النعثل: الشيخ الأحمق، والنعثلة: أن يمشي الرجل مفاجا ويقلب قدميه، كأنّه يغرق بهما وهو من التبختر.

ونعثل: رجل من أهل مصر كان طويل اللحية، قيل: إنّه كان يشبه عثمان، وشاتمو عثمان يسمونه نعثلاً تشبيهاً بالرجل المصري، وفي حديث عائشة: "اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً!" تعني عثمان، وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة. لسان العرب 11: 669 مادة نعثل.

يروي الطبري في تاريخه 3: 399 عن عثمان بن الشريد قال: مرّ عثمان على جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعه، فقال: يا نعثل والله لاقتلنك ولاحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار، ثمّ جاءه مرّة أُخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه.

ويروي أيضاً 3: 423 عن عبد الرحمن بن محمّد: إنّ محمّد بن أبي بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف، فتقدمهم محمّد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان، فقال: قد أخزاك الله يا نعثل، فقال عثمان: لست بنعثل، ولكني عبد الله وأمير المؤمنين، قال محمّد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان. فقال عثمان: يابن أخي، دع عنك محبتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه، فقال محمّد: لو رآك أبي تعمل هذه الاعمال أنكرها عليك.

وقال الذهبي في السير في ترجمة الخلفاء، ترجمة عثمان بن عفان 196: "روى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قال: بينما عثمان يخطب، فقام رجلٌ فنال منه، فَوَذأته فاتّذأ، فقال رجل: لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلاً، فإنّه من شيعته!

فقلت له: لقد قلت القول العظيم في الخليقة من بعد نوح.

وذأته: زجرته وقمعته.

وقالوا: لعثمان: "نعثلاً" تشبيهاً له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية.

والنعثل: الذكر من الضباع، وكان عمر يشبه بنوح في الشدة"

وكانت عائشة من خصوم عثمان، لكنها ما إن سمعت بمقتله وتولية علي بن أبي طالب(عليه السلام)الخلافة قامت بالنوح على عثمان والطلب بدمه، قال ابن الأثير: "وخرجت عائشة من مكة تريد المدينة بعدما خرجت منها لحاجة، فلمّا كانت بسرف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة، وهو ابن أم كلاب، فقالت له: مهيم؟

قال: قتل عثمان وبقوا ثمانياً.

قالت: ثمّ صنعوا ماذا؟

قال: اجتمعوا على بيعة علي فقالت: ليت هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك! ردوني ردوني! فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوماً والله لاطلبنّ بدمه!

فقال لها: ولم؟ والله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. قالت: إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل

فقال لها ابن أُم كلاب:

فمنك البداء ومنك الخير ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرتِ بقتل الإمام وقلت لنا إنّه قد كفر

فهنا أطعناك في قتله وقاتُلُه عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا ولم ينكسف شمسنا والقمر

وقد بايع الناس ذا ترى يزيل الشبه ويقيم الصعر

ويلبس للحراب أثوابها وما من وفي مثل من قد غدر

فانصرفت إلى مكة فقصدت الحجر فسترت فيه، فاجتمع الناس حولها، فقالت:

أيّها الناس، إنّ الغوغاء من أهل الامصار وأهل المياه، وعبيد أهل المدينة، اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلماً بالأمس ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه، وقد استعمل أمثالهم قبله، ومواضع من الحمرا حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها، فلمّا لم يجدوا حجّة ولا عذراً بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام، والله لاصبع من عثمان خير من طاف الأرض أمثالهم ووالله لو أنّ الذي اعتدوا به عليه كان ذنباً مخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه او الثوب من درنه اذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء، أي يغسل" الكامل في التاريخ 3: 206، تاريخ الطبري 3: 476.

وقال ابن قتيبة: "إنّ عائشة لما أتاها أنّه بويع لعلي (عليه السلام)، وكانت خارجة من المدينة فقيل لها: قتل عثمان، وبايع الناس عليّاً فقالت: ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض، قتل والله مظلوماً، وأنا طالبة بدمه، فقال لها عبيد: إنّ أوّل من طعن عليه وأطمع الناس فيه لانت ولقد قلت: اقتلوا نعثلاً فقد فجر.

فقالت عائشة: قد والله قلت وقال الناس، وآخر قولي خير من أوّله فقال عبيد: عذرى والله ضعيف يا أم المؤمنين" الامامة والسياسة 71.

وقال ابن أبي الحديد: "قال كلّ من صنف في السير والاخبار: إن عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان، حتّى إنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبلِ، وعثمان قد أبلى سنته.

قالوا: أوّل من سمّى عثمان نعثلاً عائشة، والنعثل: الكثير شعر اللحية والجسد.

وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً!

وروى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة، وبلغ قتله إليها وهي بشراف، فلم تشكّ في أنّ طلحة هو صاحب الأمر وقالت: بعداً لنعثل وسحقاً! إيه ذا الأصبع! إيه أبا شبل؟ إيه يابن عم! لكاني أُنظر إلى اصبعه وهو يبايع له: حثوا الإبل ودعدعوها.

قال: وقد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال، وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره، ثُمّ فسد أمره، فدفعها إلى علي بن ابي طالب (عليه السلام)" شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 215.

فكانت عائشة من الد الخصوم لعثمان بن عفان، وهي التي اطلقت عليه كلمة نعثل، لكنه لما قتل وبويع علي بن أبي طالب (عليه السلام) طالبت بدم عثمان، بغضاً لعلي بن أبي طالب وطعناً في امارته التي لا ترضاها عائشة.

ومن أراد الاطلاع على قول عائشة بالفاظه المختلفة من قبيل: "فقد كفر، فقد فجر، لعن الله نعثلا، قتل الله نعثلا" فليرجع إلى كلٍّ من تاريخ الطبري 4: 407، الكامل لابن الأثير 3: 206، في وقعة الجمل، الفتوح لابن أعثم 2: 249، شرح النهج لابن أبي الحديد 20: 17، النهاية لابن الأثير 5: 80، الامامة والسياسة لابن قتيبة 1: 51، العقد الفريد 4: 290، تذكرة الخواص: 61 ـ 64، لسان العرب 14: 193.


الصفحة 548

الصفحة 549

الصفحة 550

كذلك نجد طلحة والزبير ومحمّد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة والتابعين، وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة، ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين، فدفن في (حش كوكب) بدون غسل ولا كفن(1).

____________

1- من يراجع المصادر التاريخية يلحظ بوضوح أنّ الصحابة هم الذين ثاروا على الخليفة عثمان بن عفان والبوا الناس ضده، ومن بعد ذلك قتلوه.

ويلحظ وجود شخصيات كبيرة وبارزة شاركت في ذلك أمثال: عمار بن ياسر (البداية والنهاية 7: 122)، وطلحة بن عبيد (سير أعلام النبلاء 1: 35)، وعمرو ابن الحمق الخزاعي (الاصابة 4: 514)، وعمرو بن بديل بن ورقاء (الاصابة 4: 499)، وجبلة بن عمرو الساعدي (الاصابة 1: 566)، بل بعضهم ممّن بايع بيعة الرضوان كالجهجاه الغفاري (الاصابة 1: 622)، وعبد الرحمن بن عديس البلوي (الاصابة 4: 281).

فلا مجال لانكار هذه البديهية التاريخية وإلاّ لم يبق للحقيقة مجال، وشاء لكُلّ شخص أن يقول ما يشاء.

ونورد هنا باختصار حادثة مقتل عثمان والثورة عليه.

اذا رجعنا إلى التاريخ نجد أن الخليفة عثمان يشهد على الصحابة بأنّهم المحرّضين ضده، فلذلك يدعو عليهم بالشرّ، قال الذهبي في السير في ترجمة عثمان بن عفان 3: 184: "لما نزل أهل مصر الجحفة، وأتوا يعاتبون عثمان، صعد عثمان المنبر فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمّد عنّي شرّاً، أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس؟! أيكم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون؟ قال ذلك ثلاثاً ولا يجيبه أحد... فقام علي فقال: أنا.. فأتاهم فرحبوا به، فقال: ما الذي نقمتم عليه؟

قالوا: نقمنا عليه أنّه محا كتاب الله، وحمى الحمى، واستعمل اقرباءه، وأعطى مروان مائة الف، وتناول أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)".

وقال في المصدر السابق 200: "وقال الزبير بن بكار: حدثني محمّد بن الحسن، قال: لما كثر الطعن على عثمان تنحى عليّ إلى ماله بينبع، فكتب إليه عثمان: اما بعد; فقد بلغ الحزام الطبين وخلف السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع في الامر من لا يدفع عن نفسه:

فان كنت مأكولاً فكن خير آكل وإلاّ فادركني ولمّا أُمزق

الطبي: موضع الثدي من الخيل".

وفي موضع آخر يشهد عثمان على أهل المدينة عامة بالكفر وفيهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول الطبري في تاريخه 4: 368: "فلمّا رأى عثمان ما قد نزل به، وما قد انبعث عليه من الناس، كتب إلى معاوية بن أبي سفيان بالشام:

بسم الله الرحمن الرحيم:

أما بعد; فإنّ أهل المدينة قد كفروا! واخلفوا الطاعة! ونكثوا البيعة; فابعث إليّ من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كُلّ صعب وذلول.

فلمّا جاء معاوية الكتاب تربص به، وكره اظهار مخالفة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد علم اجتماعهم، فلمّا أبطا أمره على عثمان كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز والي أهل الشام يستنفرهم ويعظم حقه عليهم، ويذكر الخلفاء وما أمر الله عزّ وجلّ به من طاعتهم".

فهذه الكلمات من لسان عثمان بن عفان، وهو يشهد بأنّ الصحابة هّم الذين ثاروا ضده والبوا الناس عليه، فلذلك تارة يدعو عليهم بالشرّ، وأُخرى ينعتهم بالكفر!؟

وأما الروايات التي رواها الصحابة وهي تدل على أنّ الصحابة أنفسهم هم الذين قاموا على عثمان بن عفان حتّى قتلوه فهي ما أخرجه الطبري في تاريخه 4: 367: "... عن عبد الرحمن بن يسار أنّه قال: لمّا رأى الناس ما صنع عثمان كتب من المدينة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى من بالآفاق منهم ـ وكانوا قد تفرقوا في الثغورـ: إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجلّ، تطلبون دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ دين محمّد قد أُفسد من خلفكم وترك، فهلموا فأقيموا دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأقيلوا من كان أُفق حتّى قتلوه".

وفي المصدر السابق 369: ".. وكتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة، ويحتجون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبداً حتّى يقتلوه، أو يعطيهم ما يلزمهم من حق الله.

فلمّا خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته، فقال لهم: قد صنع القوم ما رأيتم فما المخرج؟ فاشاروا عليه أن يرسل إلى علي بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردهم عنه".

وقال الذهبي في السير في ترجمة عثمان 3: 207: "عن الزهري قلت لسعيد ابن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟

قال: قتل مظلوماً، ومن خذله كان معذوراً، ومن قتله كان ظالماً، وإنّه لما استخلف كره ذلك نفر من الصحابة، لأنّه كان يحب قومه ويولّيهم، فكان يكون منهم ما تنكره الصحابة فيستعتب فيهم، فلا يعزلهم، فلمّا كان في الست الحجيج الأواخر استأثر ببني عمّه فولاهم وما أشرك معهم، فولى عبدالله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه.

وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى ابن مسعود وأبي ذر وعمار فحنق عليه قومهم، فجاء المصريون يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه يتهدده، فأبى أن يقبل، وضرب بعض من أتاه ممّن شكاه فقتله.

فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل، فنزلوا المسجد، وشكوا إلى الصحابة ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصفهم من عاملك، ودخل عليه عليّ، وكان متكلم القوم فقال: إنّما يسألونك رجلاً مكان رجل، وقد ادعوا قبله دماً، فاعزله، واقض بينهم!

فقال: اختاروا رجلاً أُوَلِّه!

فأشار عليه بمحمّد بن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح، فلمّا كان محمّد على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعاً، فسألوه، فقال: وجهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر!

فقالوا له: هذا عامل أهل مصر، وجاؤوا به إلى محمّد بن أبي بكر وفتشوه فوجدوا ادواته تتقلقل، فشقوها، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن ابي سرح، فجمع محمّد من عند من الصحابة، ثمّ فك الكتاب، فاذا فيه: إذا أتاك محمّد وفلان وفلان فاستحل قتلهم، وأبطل كتابه، واثبت على عملك! فلمّا قرؤوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طلحة وعلياً والزبير وسعداً، وفضوا الكتاب، فلم يبق أحد إلاّ حنق على عثمان، وزاد ذلك غضباً وحنقاً أعوان أبي ذر وابن مسعود وعمار".

وفي الكامل لابن الأثير 3: 150: ".. تكاتب نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وغيرهم بعضهم إلى بعض: إن أقدموا فإنّ الجهاد عندنا، وعظم الناس على عثمان ونالوا منه، وليس أحد من الصحابة ينهى ولا يذب إلاّ نفر يسير".

وهناك صحابة مشهورون كان لهم الدور الكبير في التحريض على عثمان بن عفان نذكر عدداً منهم:

1 ـ عبد الرحمن بن عوف:

قال الطبري في التاريخ 4: 365: ".. قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان، فوهبها لبعض بني الحكم، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فأرسل إلى المسور بن مخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذها، فقسمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار".

2 ـ عمرو بن العاص:

أخرج الطبري في تاريخه 4: 366: "عن أبي حبية قال: خطب عثمان الناس في أيّامه، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، إنّك قد ركبت نهابير وركبنا معك، فتب نتب".

وفي تاريخ ابن عساكر 55: 26: ".. كتب عبد الله بن سعد إلى عثمان أنّ عمراً قد كسر عليّ الخراج، وكتب عمرو بن العاص إلى عثمان أنّ عبد الله بن سعد قد كسر عليّ مكيدة الحرب، فعزل عثمان عمرو بن العاص عن الجنّد والصلاة وولي ذلك عبد الله بن سعد مع الخراج، فانصرف عمرو مغضباً فقدم المدينة، فجعل يطعن على عثمان ويعيبه، ودخل عليه يوماً وعليه جبّة له يمانية محشوة بقطن، فقال له عثمان: ما حشو جبتك هذه يا عمرو؟

قال: حشوها عمرو قال عثمان: قد علمت أن حشوها عمرو ولم أرد هذا يابن النابغة، ما أسرع قمل جربان جبتك، وإنّما عهدك بالعمل عام أوّل تطعن عليّ وتأتيني بوجه وتذهب عنّي بآخر؟!

فقال عمرو: إنّ كثيراً مما ينقل الناس إلى ولاتهم باطل!

فقال عثمان: قد استعملتك على ضلعك..

فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقن عليه، فجعل يؤلب عليه الناس ويحرضهم، فلمّا حصر عثمان الحصر الأوّل خرج عمرو من المدينة حتّى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع، فنزل في قصر يقال له العجلان، فلمّا أتاه قتل عثمان قال: أنا أبو عبد الله إذا أحك قرحة نكأتها، يعني: إنّي قتلته بتحريض عليه وأنا بالسبع.."

وذكره الطبري في تاريخه 4: 356.

وأضاف: "قال: وخرج عمرو ودخل مروان، فقال: يا أمير المؤمنين، وقد بلغت مبلغاً يذكر عمرو بن العاص أباك! قال: فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه، يأتي عليّاً مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي طلحة مرّة فيؤلبه على عثمان، ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلما كان حصر عثمان الأوّل خرج من المدينة حتّى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع، فنزل في قصر له يقال له العجلان وهو يقول: العجب ما يأتينا عن ابن عفان؟!

قال: فبينا هو جالس في قصره ذلك ومعه أبناه محمّد وعبد الله وسلامة بن روح الجذامي، إذ مرّ بهم راكب، فناداه عمرو: من أين قدم الرجل؟

فقال: من المدينة!

قال: ما فعل الرجل، يعني عثمان؟

قال: تركته محصوراً شديد الحصر.

قال عمرو: أنا أبو عبدالله، قد يضرط العير والمكواة في النار! فلم يبرح مجلسه ذلك حتّى مرّ به راكب آخر، فناداه عمرو: ما فعل الرجل، يعني عثمان؟

قال: قتل.

قال: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لاحرضنّ عليه، حتّى إنّي لاحرضن عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل..".

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب 3: 369: "... وكان محمّد بن أبي حذيفة أشدّ الناس تأليباً على عثمان، وكذلك كان عمرو بن العاص مذ عزله عن مصر، يعمل حيلة في التأليب والطعن على عثمان..".

3 ـ جبلة بن عمرو الساعدي:

قال الطبري في تاريخه 4: 365: "كان أوّل من اجترأ على عثمان بالمنطق السيء جبلة بن عمرو الساعدي، مرّ به عثمان وهو جالس في ندى قومه، وفي يد جبلة بن عمرو جامعة، فلمّا مرّ عثمان سلم، فرّد القوم، فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا وكذا؟!

قال: ثمّ أقبل على عثمان فقال: والله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه!

قال عثمان: أيّ بطانة؟ فوالله إنّي لأتخير الناس!

فقال: مروان تخيرته! ومعاوية تخيرته! وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرته! وعبد الله بن سعد تخيرته! منهم من نزل القرآن بذمه، وأباح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه"

وقال ابن حجر في الاصابة 1: 566 ت 1081: "جبلة بن عمرو بن أوس بن عامر.. الساعدي الانصاري.

قال ابن السكن: شهد أحداً..

قال: وروي ابن شبة في اخبار المدينة من طريق عبد الرحمن بن أزهر أنهم لمّا أرادوا دفن عثمان فانتهوا إلى البقيع فمنعهم من دفنه جبلة بن عمرو الساعدي، فانطلقوا إلى حش كوكب ومعهم معبد بن معمر فدفنوه به".

4 ـ جهجاه الغفاري:

قال ابن حجر في الاصابة 1: 62 ت 1247: "جهجاه بن سعيد وقيل: ابن قيس، وقيل: ابن مسعود، شهد بيعة الرضوان بالحديبية..

وعاش جهجاه إلى خلافة عثمان، فروى البارودي من طريق الوليد بن مسلم، عن مالك وغيره، عن نافع، عن ابن عمر قال: قدم جهجاه الغفاري إلى عثمان وهو على المنبر، فأخذ عصاه فكسرها، فما حال على جهجاه الحول حتّى، أرسل الله في يده الاكلة فمات منها.

ورواه ابن السكن من طريق سليمان بن بلال وعبد الله بن إدريس عن عبيد الله ابن عمر عن نافع بن عمر مثله.

ورواه من طريق فليح بن سليمان عن عمته وأبيها وعمها أنّهما حضرا عثمان قال: فقام إليه جهجاه بن سعيد الغفاري حتّى أخذ القضيب من يده، فوضعها على ركبته، فكسرها، فصاح به الناس، ونزل عثمان فدخل داره، ورمى الله الغفاري في ركبته، فلم يحل عليه الحول حتّى مات" وراجع ايضاً إلى تاريخ دمشق 39: 329، وتاريخ الطبري 4: 367، وفتح الباري 6: 148، المعارف لابن قتيبة: ص 323.

وفي تاريخ المدينة لابن شبة النميري 3: 1111: "عن هشام بن عروة عن أبيه قال: خرج عثمان (رضي الله عنه) من داره يوم جمعه، عليه حلّة حبرة، ومعه فأس من مواليه قد صفر لحيته، فدخل المسجد فجذب الناس ثيابه يميناً وشمالاً، وناداه بعضهم: يا نعثل، وكان حليماً حيياً فلم يكلمهم حتّى صعد المنبر فشتموه فسكت حتّى سكتوا، ثُمّ قال: أيّها الناس، اسمعوا واطيعوا، فإنّ السامع المطيع لا حجّة عليه، والسامع العاصي لا حجّة له!

فناداه بعضهم: أنت السامع العاصي. وقام جهجاه بن سعد الغفاري ـ وكان ممّن بايع تحت الشجرة ـ فقال: هلم إلى ما ندعوك إليه

قال: وما هو؟

قال: نحملك على مشارف جرباء، ونلحقك بجبل الدخان. لست هناك لا أُم لك.

وتناول جهجاه عصا كانت في يد عثمان (رضي الله عنه)، وهي عصا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فكسرها على ركبته، ودخل عثمان داره، وصلى بالناس يوم الجمعه سهل بن حنيف، ووقعت في رجل جهجاه الآكلة".

5 ـ عمار بن ياسر:

قال ابن شبه النميري في تاريخ المدينة 3: 1122: ".. دعا عثمان (رضي الله عنه) عمار بن ياسر ـ رضي الله عنهما ـ فقال: يا أبا اليقظان، إنّ لك سابقة وقدماً، وقد عرفك الناس بذلك، وقد استمرح أهل مصر واستعلى أمرهم وبينهم علي، فأنا أحب أن أبعثك إليهم، فتعتبهم من كلّ ما عتبوا، وتضمن ذلك علي،.. فخرج عمار إلى مصر وهو عاتب على عثمان (رضي الله عنه)، فألب الناس عليه، وأشعل أهل مصر على عثمان (رضي الله عنه) ..".

وفي المصدر السابق: "..عن إبراهيم بن محمّد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: بعثني أبي إلى عمار (رضي الله عنه) حين قدم من مصر وبلغه ما كان من أمره، فأتيته فقام وليس عليه رداء، وعليه قلنسوة من شعر معتم عليها بعمامة وسخة، وعليه جبّة فرّاء يمانية، فأقبل معي حتّى دخل على سعد، فقال: يا أبا اليقظان، إن كنت عندنا لمن أهل الفضل، وكنت فينا مرجواً قبل هذا، فما الذي بلغني عنك من سعيك في فساد المسلمين، والتأليب على أمير المؤمنين؟ فأهوى عمار بعمامته فنزعها عن رأسه!

فقال: ويحك يا عمار، أحين كبرت سنك، ونفذ عمرك، واقترب أجلك خلعت بيعة الإسلام من عنقك، وخرجت من الدين عرياناً؟!

فقام عمار مغضباً وهو يقول: أعوذ بالله من الفتنة!

فقال سعد: (إلاّ في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطه بالكافرين)، إلاّ في الفتنة سقطت يا عمار".

وقال ابن كثير في البداية والنهاية 7: 122 وهو يروي حادثة مقتل عثمان وقدوم المصريين عليه قال: "فلما اقتربوا من المدينة أمر عثمان علي بن أبي طالب أن يخرج إليهم ليردهم إلى بلادهم قبل أن يدخلوا المدينة، ويقال بل ندب الناس اليهم جميعاً، فانتدب علي ذلك فبعثه، وخرج معه جماعة الأشراف وأمره أن يأخذ معه عمّار بن ياسر، فقال علي لعمار، فأبى عمار أنّ يخرج معه، فبعث عثمان سعد بن أبي وقاص أن يذهب إلى عمّار ليحرضه على الخروج مع علي إليهم، فأبى عمار كلّ الإباء، وامتنع أشدّ الامتناع، وكان متعصباً على عثمان بسبب تأديبه له فيما تقدم على أمر وضربه إياه في ذلك، وذلك بسبب شتمه عبّاس بن عتبة بن أبي لهب، فأدبهما عثمان، فتآمر عمار عليه لذلك، وجعل يحرض الناس عليه، فنهاه سعد بن أبي وقاص عن ذلك ولامه عليه، فلم يقع عنه ولم يرجع ولم ينزع".

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 1: 416: "وقد كان عمارٌ ينكر على عثمان أموراً، لو كف عنها لأحسن، فرضي الله عنهما".

وفي السير أيضاً 1: 435: ".. عن أبي الغادية، قال سمعت عماراً يقع في عثمان يشتمه، فتوعدته بالقتل.."، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3: 260، وتاريخ المدينة لابن شبه 3: 1102، والاصابة 7: 259.

6 ـ طلحة بن عبيد:

أخرج الحاكم في المستدرك 3: 371: "عن علقمة بن وقاص قال: لما خرج طلحة والزبير وعائشة لطلب دم عثمان ـ رضي الله عنهم ـ عرضوا من معهم بذات عرق، فاستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام فردوهما.

قال: ورأيته وأحب المجالس اليه أخلاها، وهو ضارب بلحيته على زوره!

فقلت: يا أبا محمّد، إنّي اراك وأحب المجالس اليك أخلاها، وإن كنت تكره هذا الأمر ـ!

فقال: يا علقمة، لا تلمني، كنا أمس ـ واحدة على من سوانا، فأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان منّي في امر عثمان ممّا لا ارى كفارته إلاّ ان يسفك دمي في طلب دمه"

وأخرجه الذهبي في السير 1: 35، والسند صحيح، والطبري في التاريخ 3: 492 وعلق الذهبي على الرواية بعد ذكرها فقال: "قلت: كان منه في حق عثمان تمغفل وتأليب..".

وأخرج ابن سعد في الطبقات 3: 222، والذهبي في السير 1: 35 عن طلحة قوله: "إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم أمثل من أن ينزل دماءنا فيه، اللّهم خذ لعثمان منّي اليوم حتّى ترضى".

وقال ابن حجر في الاصابة 3: 292 في ذكر قتل طلحة على يد مروان: "وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم أنّ مروان بن الحكم رأى طلحة في الخيل فقال: هذا أعان على عثمان، فرماه بسهم في ركبته، فمازال يسيح حتّى مات".

وفي سير أعلام النبلاء 1: 36 بعد ذكر الكلام السابق قال مروان لابان: "قد كفيناك بعض قتلة أبيك"

وفي الكامل لابن الاثير 3: 166: "ولم يعد علي يعمل ما كان يعمل إلى أن منع عثمان الماء، فقال علي لطلحة: أريد أن تدخل عليه الروايا، وغضب غضباً شديداً حتّى دخلت الروايا على عثمان".

7 ـ عمرو بن الحمق الخزاعي:

قال ابن حجر في الاصابة 4: 514: "عمرو بن الحمق..

قال أبو عمر: سكن الشام، ثمّ كان يسكن الكوفة، ثمّ كان ممّن قام على عثمان مع أهلها، وشهد مع علي حروبه.."

وقال الذهبي في كتابه الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 2: 75: "عمرو بن الحمق الخزاعي صحابي.. قتل بالموصل سنة 51 بعثمان..".

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد 6: 25: "عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب.. صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونزل الكوفة، وشهد مع علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ مشاهده، وكان فيمن سار إلى عثمان، وأعان على قتله، ثُمّ قتله عبد الرحمن بن أم الحكم بالجزيرة".

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 65: "عن جابر بن عبد الله: إنّ المصريين لما أقبلوا من مصر يريدون عثمان، ونزلوا بذي خشب، دعا عثمان محمّد بن مسلمة فقال: اذهب إليهم فأرددهم عنّي، وأعطهم الرضى، وأخبرهم أنّي فاعل بالأمور التي طلبوا، ونازع عن كذا بالأمور التي تكلموا فيها!

فركب محمّد بن مسلمة اليهم إلى ذي خشب، قال جابر: وأرسل معه عثمان خمسين راكباً من الأنصار أنا فيهم.

وكان رؤسائهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وسودان بن حمران المرادي، وابن البياع، وعمرو بن الحمق الخزاعي، لقد كان الاسم غلب حتّى يقال: جيش عمرو بن الحمق..".

وفي الطبقات الكبرى: "قال عبد الرحمن بن عبد العزيز: فسمعت أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فنحر لجنبه، وضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خر لجنبه فقتلوا.

أما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات وقال: أما ثلاث منهنّ فانّي طعنتهن لله، واما ست فانّي طعنت إياهنّ لما كان في صدري عليه"، وكذلك في تاريخ مدينة دمشق 39: 409، تاريخ المدينة لابن شبة 4: 1233، وتاريخ الطبري 3: 424، والبداية والنهاية لابن كثير 7: 207.