النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 186 : -

[ المورد - ( 18 ) - صلاته صلى الله عليه وآله على " ابن أبى " المنافق : ]

وقد عارضه صلى الله عليه وآله بغلظة وعنف ، وحسبك من عنفه يومئذ ما أثبته أهل الصحاح والمسانيد ، وأرسله أهل الأخبار والسير إرسال المسلمات ( 247 ) .

واليك منه ما أخرجه البخاري في كتاب اللباس من صحيحه ( 1 ) بسنده إلى عبد الله بن عمر قال لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه فقال : يا رسول الله

  ( 247 ) شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 12 / 87 ط أبو الفضل، الطرائف لابن طاوس ج 2 / 443 عن الجمع بين الصحيحين
( 1 ) في ص 18 من جزئه الرابع ، وأخرجه أيضا في باب قوله تعالى : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) ، من تفسير سورة التوبة ص 92 من الجزء الثالث من الصحيح . ورواه الإمام أحمد وغير واحد من حديث عبد الله بن عمر وغيره في مسانيدهم فراجع ( منه قد
س ) ( * ) .
 
 

- ص 187 -

أعطني قميصك أكفنه فيه ، وصل عليه واستغفر له ، فأعطاه قميصه ( 1 ) وقال له إذا فرغت منه فآذنا ، فلما فرغ منه آذنه به ، فجاء صلى الله عليه وآله ليصلي عليه ، فجذبه عمر فقال له : أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ ! فقال لك ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) .

( قال ابن عمر ) فنزلت ( بعد ذلك ) ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ ) ( قال ) : فترك الصلاة عليهم بعد نزولها ( 248 ) .

كأن عمر فهم النهي عن الصلاة على المنافقين من قوله تعالى : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) ( الآية ) - وهذا خطأ في فهمها كما سنوضحه - وكأن هذه الآية نزلت قبل الصلاة على هذا المنافق ، فلما رأى عمر رسول الله صلى الله عليه وآله واقفا ليصلي عليه ، توهم انه خالف النهي ، فلم يتمالك من غضبه وإنكاره ، فجذبه من موقفه منكرا عليه ما توهمه من المخالفة .

حاشاه ، وحاشا لله ، ومعاذ الله ونعوذ بالله . فان قوله تعالى : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) ليس من النهي في شئ ما اصلا ، وانما هو مجرد أخبار بعدم انتفاعهم باستغفاره لهم ، وان استغفاره لهم وان كثر ، وعدم استغفاره لهم بالمرة على حد سواء في عدم المغفرة لهم .

  ( 1 ) وقد قيل له لم أعطيته قميصك ؟ فقال صلى الله عليه وآله : " ان قميصي لم تغن عنه من الله شيئا ، وأنى أرجوا أن يدخل به في الإسلام خلق كثير " . قلت : وقد حقق الله بذلك رجاءه ( منه قدس ) .
( 248 ) صحيح البخاري ك اللباس ، صحيح البخاري أيضا ك التفسير باب تفسير سورة التوبة ، مسند أحمد عن عبد الله بن عمر ، صحيح مسلم ك صفات المنافقين ج 8 / 120 ، الكامل لابن الأثير ج 2 / 199 ط دار الكتاب العربي
. ( * ) 
 
 

- ص 188 -

والأمة مجمعة على ان النهي عن الصلاة على المنافقين انما كان بقوله تعالى : ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ ) ، وان ذلك انما نزل بعد هذه الواقعة بالاجماع على ان الحديث - حديث ابن عمر الذي تلوناه عليك الآن - بمجرده صريح في ذلك ، فتدبر آخره تجده نصا في تأخره عن هذه الواقعة .

لذلك لم يأبه رسول الله صلى الله عليه وآله لهذه المعارضة ، لكنه وسعها بحلمه العظيم ، وحكمته البالغة جريا على عادته المستمرة ، فلما أكثر عمر عليه واقفا إزاء صدره يمنعه من الصلاة بكلام كنا نربأ بمثله ان يواجه به رسول الله قال صلى الله عليه وآله - من حديث صحيح - : أخر عني يا عمر إني خبرت ، قيل لي : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) فلو أعلم أني ان زدت على السبعين غفر الله له لزدت ، ثم صلى عليه ، ومشى خلفه وقام على قبره . . ( الحديث ) ( 249 ) .

قلت : جرى صلى الله عليه وآله في صلاته على " ابن أبي " . حسبما اقتضاه يومئذ تكليفه من المعاملة على مقتضى الظاهر ، ولم يكن " ابن أبي " في عداد الكافرين الذين أبوا الدعوة إلى الإسلام فردوها وانما كان ممن أجاب الدعوة في ظاهر حاله ، ونطق بالشهادتين ولم يتظاهر بالردة .

وانما نافق ، ولم يكن حينئذ نهى عن الصلاة على المنافقين كما سمعت فصلى عليه صلى الله عليه وآله جريا على ظاهر حكم

  ( 249 ) أخرجه بالإسناد إلى عمر كل من البخاري ومسلم والترمذي والإمام أحمد وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه وغيرهم فيما نقله المتقى الهندي عنهم جميعا في أول ص 247 من الجزء الأول من كنز العمال . وهو الحديث 4403 من أحاديث الكنز ( منه قدس ) . وراجع : الكامل في التاريخ ج 2 / 199 ط بيروت . ( * )   
 

- ص 189 -

الإسلام ، واستئلافا لقومه الخزرج ، وقد أسلم بذلك منهم ألف رجل ، فكان قميص النبي صلى الله عليه وآله وصلاته هذه مما فتح الله به على المسلمين فتحا مبينا والحمد لله رب العالمين ( 250 ) .

وحينئذ ندم عمر على تسرعه ، وكان بعد ذلك يقول - من حديث له - : أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط ، أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت له : والله ما أمرك الله بهذا لقد قال الله لك : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ) ( قال ) فقال رسول الله : خيرني ربي فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم فاخترت . . ( الحديث ) ( 251 ) .

  ( 250 ) وأما الشيعة الإمامية فيرون ان الرسول صلى الله عليه وآله دعا عليه وهى صلاة صورية كما في صحيحة الحلبي عن أبى عبد الله عليه السلام راجع وسائل الشيعة ج 2 ص 770 ، الجواهر ج 13 ص 50 .
( 251 ) أخرجه ابن أبى حاتم من طريق الشعبى عن عمر وهو الحديث 4404 من أحاديث الكنز فراجع هذا والذي قبله في كل من الكنز ومنتخبه المطبوع في هامش مسند الإمام أحمد ( منه قد
س ) ( * ) .
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب