النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
189
: - |
|
[ المورد - ( 19 )
صلاته على بعض المؤمنين . ]
وذلك فيما أورد ابن حجر
العسقلاني في ترجمة أبي عطية من الجزء الرابع من
إصابته ، إذ قال : أخرج البغوي ، وأبو أحمد الحاكم من
طريق
اسماعيل بن عياش ، وروى
الطبراني من طريق بقية ، كلاهما عن بحير بن سعد عن
خالد بن معدان عن أبي عطية : " ان رجلا توفى على عهد
رسول الله فقال بعضهم - يعني عمر - : يا رسول الله لا
تصل عليه . فقال رسول الله : هل رآه أحد منهم على شئ
من أعمال الخير ؟ . فقال رجل حرس معنا ليلة كذا وكذا .
فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله
ثم مشى معه إلى قبره ، ثم حثا عليه وهو يقول : ان
أصحابك يظنون انك من أهل النار ، وأنا أشهد أنك من أهل
الجنة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمر :
انك لا تسأل عن أعمال الناس ، وانما تسأل عن الغيبة .
. ( الحديث ) ( 252 ) .
وأورده أيضا في ترجمة أبي
المنذر من الإصابة ، إذ قال : أخرج مطين عن محمد بن
حرب الواسطي عن حماد بن خالد عن هشام بن سعد ، عن يزيد
بن ثعلب عن أبي المنذر : أن النبي صلى الله عليه وآله
حثا في قبره ثلاث حثيات .
( قال ) : وأخرجه الطبراني
مطولا عن عمرو بن أبي الطاهر بن السرح عن أبيه عن
عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد : ان رجلا جاء إلى
النبي فقال : يا رسول الله ان فلانا هلك فصل عليه .
فقال عمر : انه فاجر فلا تصل عليه فقال الرجل : يا
رسول الله أرأيت الليلة التي أصبحت فيها في الحرس فانه
كان فيهم فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ثم اتبعه
حتى إذا فرغ منه ، حثا عليه ثلاث حثيات ، وقال : يثني
الناس عليه شرا ، وأثني عليه خيرا ، فقال عمر : وما
ذاك يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
: دعنا منك يا عمر من جاهد في سبيل الله وجبت له الجنة
( قال ) : أبو موسى في الذيل تقدم هذا المتن من حديث
أبي عطية : " قال ابن حجر في أبي المنذر " قلت : وحديث
أبي المنذر أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل عن أحمد
بن منيع عن حماد بن خالد كرواية ابن نافع ، ولم يذكره
أبو أحمد في الكني
( قال ) وأما حديث أبي عطية فقد
تقدم كما قال أبو موسى في ترجمته
( قال ) وذكره الحاكم
أبو أحمد وقال : أخلق بهذا أن يكون صحابيا ، لكن مخرج
الحديثين مختلف وان تقاربا في سياق المتن . انتهى بلفظ
الإصابة في ترجمة أبي المنذر ( 253 ) .
|
(
252 ) الإصابة لابن حجر ج 4 / 134 ط 1 بمصر .
( 253 ) الإصابة لابن حجر ج 4 / 185 ط 1 بمصر ترجمة أبى المنذر
. ( * ) |
|
|
[ المورد ( 20 ) -
تبشيره صلى الله عليه وآله بالجنة لكل من لقي الله عزوجل بالتوحيد
، مطمئنا به قلبه . ]
وذلك حيث اقتضت حكمة الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وآله أن يؤذن في الناس بهذه
البشرى ، تبيانا للحقيقة من عاقبة الموحدين ، وكشفا عن
الواقع من أمرهم ، وتنشيطا لأهل الإيمان ، وترغيبا فيه
، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله أبا هريرة بذلك
فقال له : اذهب فمن لقيته يشهد أن لا اله إلا الله
مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة . فكان أول من لقيه عمر
فسأله عن شأنه ، فأخبره بما أمره به رسول الله صلى
الله عليه وآله قال أبو هريرة - فيما أخرجه بالإسناد
إليه مسلم في صحيحه ( 1 ) - .
فضرب عمر بيده بين ثديي
فخررت لاستي ، فقال : ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى
رسول الله فأجهشت بكاء ، وركبني عمر وإذا هو على أثري
. فقال لي رسول الله : مالك يا أبا هريرة ؟ فقلت :
لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة
فخررت لاستي فقال ارجع .
فقال له رسول الله صلى الله
عليه وآله : يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ قال يا رسول
الله أبعثت أبا هريرة بان من لقى الله يشهد أن لا اله
إلا الله مستيقنا بها قلبه يبشره بالجنة ؟ قال رسول
الله : نعم . قال : لا تفعل فاني أخشى أن يتكل الناس
عليها فخلهم يعملون قال رسول الله : فخلهم
. آه ( 254 ) .
|
(
1 ) راجع باب ( من لقى الله تعالى
بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار )
من أوائل جزئه الأول ( منه قدس ) . ( 254 ) راجع :
صحيح مسلم ج 1 / 44 ،
الغدير ج 6 / 176 ،
سيرة عمر
لابن الجوزي ص 38 ، شرح ابن أبى الحديد ج 3 / 108 و
116 ط 1 ، فتح الباري ج 1 / 184 ،
الطرائف لابن طاوس ج
2 / 437 عن الجمع بين الصحيحين
. ( * ) |
|
|
وللنووي هنا عذر عن هذه المعارضة ، نقله عن القاضي عياض وغيره ، حاصله : ان عمر لم يكن في هذه الواقعة
معترضا على رسول الله ، أو رادا عليه فيما بعث به أبا
هريرة من تبشير المؤمنين بالجنة ، ولكنه خشي أن يتكل
المؤمنون على البشرى إذا بلغتهم ، ويتركوا العمل ،
فرأى ان كتمها عنهم أصلح لهم ، وأعود عليهم بالخبر من
إبلاغهم إياها ، وهذا ما دعاه إلى ضرب أبي هريرة
وإرجاعه على حافرته ، وهو الذي حمله على القول لرسول
الله صلى الله عليه وآله لا تفعل ، نهيا له عما كان قد
أصدر أمره به من تبشير المؤمنين بالجنة ( 255 ) .
وأنت
تعلم أن عذرهم هذا لا يعدو ما قلناه من اجتهاده في
مقابل النص ، وتقديمه الرأي الاجتهادي في مقام العمل
على التعبد بالنصوص . على أنه في هذه الواقعة لم يقتصر
على نفسه في مقابلة النص ، حتى حمل عليها أبا هريرة
بالعنف مهانة وضربا خر به لاسته ، ولم يقف على هذا
الحد حتى كلف رسول الله صلى الله عليه وآله بالعدول
عما كان قد أصدر به أمره إذ قال بكل جرأة وصراحة : لا
تفعل . لكنه صلى الله عليه وآله وسعه بحلمه وطول أناته
، وكان كما قال الله تعالى : (
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ ) ( 256 ) .
لم يكن لهذه المعارضة عنده صلى الله عليه وآله أي أثر
، وقد بلغ تلك البشرى للأمة بنفسه متوكلا على الله ،
فسمعها منه عمر نفسه ، وعثمان بن عفان ، ومعاذ بن جبل
|
(
255 ) شرح النووي على صحيح مسلم
ج 1 ص . |
(
256 ) سورة آل عمران :
159 ( * ) . |
|
|
وعبادة بن الصامت . وعتبان بن مالك ( 1 ) وغيرهم حتى
تجاوزت حد التواتر ، فكانت من الضروريات بين المسلمين
على اختلافهم في المذاهب و المشارب ( 257 ) .
وان مما
يدهش العقلاء ، قول هؤلاء العلماء الأجلاء - العلامة
النووي و القاضي عياض وأمثالهما - : ان الصواب في هذه
الواقعة انما كان في جانب عمر وادعوا ان النبي صلى
الله عليه وآله صوبه حين عرض عليه رأيه ، فحق لنا بهذا
، ان نعوذ بالله من كل محال ، ونبرأ إليه من كل باطل .
واليك كلام النووي قال ( 2 ) : وفي هذا الحديث - أي
حديث أبي هريرة في هذه الواقعة - دليل على أن الإمام
والكبير مطلقا إذا رأى شيئا ورأى بعض أتباعه خلافه ،
ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع لينظر فيه ، فان
ظهر له ما قاله التابع هو الصواب ، رجع المتبوع إليه ،
وإلا بين للتابع جواب الشبهة التي عرضت له .
قلت : انما يصغى بهذا الكلام إذا لم يكن المتبوع
نبيا بحق ، أما إذا كان
نبيا فليس لأحد من الأمة كافة إلا السمع والطاعة
والإيمان الخالص من كل شبهة (
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ
|
(
1 ) وحديث هؤلاء موجود في باب ( من لقي الله بالإيمان
وهو غير شاك فيه دخل الجنة ) من أوائل
صحيح مسلم ( منه
قدس ) .
( 257 ) صحيح مسلم ج 1 / 41 ط مشكول . وراجع
أيضا : الغدير ج 6 / 176 .
( 2 ) في ص 404 من الجزء الأول من شرحه لصحيح مسلم المطبوع في هامش شرحي
البخاري - إرشاد الساري ، وتحفة الباري - ( منه قدس
) ( * ) . |
|
|
إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ ) ( 258 )
(
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ
كَرِيمٍ *
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ
*
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ *
وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) ( 259 )
(
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ
كَرِيمٍ *
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ
*
وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ
*
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) ( 260 )
(
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى
*
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
*
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) ( 261 )
(
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ
*
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
*
لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ
*
وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ ) ( 262 ) .
|
( 258 )
سورة الحشر آية : 7 - 8 .
( 259 ) سورة التكوير آية :
19 - 22 . |
(
260 ) سورة الحاقة آية : 40 - 43 .
( 261
) سورة النجم آية : 2 - 6 . |
(
262 ) سورة التكوير آية
: 26 - 29 . |
|
|
|