النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
1
: - |
|
النص والاجتهاد
تأليف الإمام عبد الحسين شرف الدين
الموسوي قدس الله سره
تحقيق وتعليق أبو مجتبى
بسم الله
الرحمن الرحيم ( 1 )
[ خطبة الكتاب ]
الحمد لله الذي
اختص عبده ورسوله محمدا بما اختصه به من الكرامة
والمنزلة والزلفى لديه ، فعلمه علم ما كان وعلم ما بقي
، وآتاه من الفضل ما لم يؤت أحدا من العالمين ، و "
الله أعلم حيث يجعل رسالته " فختم به النبوة والوحي
ونسخ بشريعته السمحة ما كان قبلها من شرائعه المقدسة
المتعلقة بأفعال المكلفين ( 2 ) فحلال محمد هو الحلال
إلى يوم القيامة ، وكذلك حرامه وسائر أحكامه ( 3 ) ،
سواء أكانت تكليفية أم وضعية . وهذا مما أجمع عليه
|
(
1 ) بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد والأئمة من
آله شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء وعلى الصالحين
من ذريتهم ومواليهم في كل خلف ورحمة الله وبركاته (
منه قدس ) .
( 2 ) دون ما كان منها متعلقا بأصول الدين
كالتوحيد والعدل والنبوة والبعث والجنة والنار والثواب
والعقاب ، فان هذه وأمثالها مما جاء به آدم وسائر من
بعده من الأنبياء حتى خاتمهم صلى الله عليه وآله
وعليهم أجمعين ( منه قدس ) .
( 3 ) مضمون الحديث
القائل : حلال محمد حلال إلى يوم القيامة .
وسائل
الشيعة ج 18 / 124 ح 47 ( * ) . |
|
|
كافة ،
كإجماعهم على نبوته صلى الله عليه وآله لم ينبس
( 1 ) منهم واحد بكلمة من خلاف فيه ، ولا رتم بها أبدا
. وقد علموا - ولله الحمد - ان الشرائع الإسلامية قد
وسعت الدنيا والآخرة بنظمها وقوانينها وحكمتها في جميع
أحكامها وقسطها في موازينها ، وانها المدنية الحكيمة
الرحيمة الصالحة لأهل الأرض في كل مكان وزمان ، على
اختلافهم في أجناسهم وأنواعهم وألوانهم ولغاتهم .
لم
يبق شارع الإسلام " وهو علام الغيوب جل وعلا " غاية
الا أوضح سبيلها وأقام لأولي الألباب دليلها ، وحاشاه
تعالت آلاؤه أن يوكل الناس إلى آرائهم ، أو يذرهم
يسرحون في دينه على غلوائهم ، بل ربطهم - على لسان
عبده وخاتم رسالته - بحبليه ، وعصمهم بثقليه ، وبشرهم
بالهدى ما ان أخذوا بهديهما ، وأنذرهم الضلال ان لم
يتمسكوا بهما ، واخبرهم انهما لن يفترقا ولن تخلو
الأرض منهما حتى يردا عليه الحوض ( 2 ) ، فهما معا
مفزع الأمة ومرجعها بعد
نبيها ، فالمنتهج نهجهما لاحق به ، والمتخلف عنهما أو
عن أحدهما مفارق له صلى الله عليه وآله وسلم ( 3 ) .
|
(
1 ) أي ما تكلم ، وكذا ما نبس ولا رتم (
منه قدس ) .
( 2 ) أشارة إلى حديث الثقلين الآتي مع
مصادره تحت رقم - 15 - .
( 3 ) مشيرا إلى قوله صلى
الله عليه وآله في القرآن وعترته : " فلا تقدموهما
فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم
اعلم منكم " راجع الحديث في :
الصواعق المحرقة ص 148 و
226 ط المحمدية وص 89 و 136 ط الميمنية ،
مجمع الزوائد
ج 9 ص 163 ط بيروت ، كنز العمال ج 1 ص 168 ح 958 ط 2 ،
الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 60 ط مصر ، ينابيع المودة للقندوزى ص 41 و 355 ط الحيدرية وص 37 و 296 ط
اسلامبول ، الغدير للأميني ج 1 ص 34 وج 3 ص 80 ط بيروت
. |
|
|
مثلهم في هذه
الأمة كباب حطة في بني إسرائيل ، وكسفينة
نوح في قومه ( 4 ) ، فليس لأحد - وان عظم شأنه - أن
يتبع غير سبيلهم ، ( وَمَن
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ
مَصِيرًا ) ( 5 )
وليس لأحد أن يحمل من المأثور عن الله
تعالى آية أو عن رسوله سنة الا على ظاهرهما المتبادر
منهما إلى الأذهان ، وليس له أن يحيد عن الظاهر
المتبادر فضلا عن المنصوص عليه بصراحة ، الا بسلطان
مبين ، فان كان هناك سلطان يخرج به الظاهر عن ظاهره
عمل بمقتضاه ، والا فقد ضل وابتدع .
هذا ما عليه الأمة
المسلمة - امة محمد صلى الله عليه وآله - بجميع
مذاهبها ، فان من دينهم التعبد بظواهر الكتاب والسنة ،
فضلا عن نصوصها الصريحة .
جروا في
الأخذ بهما ، والعمل
على مقتضاهما مجرى أهل العرف من أهل اللغات كلها ، فان
أهل اللغات بأسرهم انما يحملون ألفاظهم المطلقة على ما
يسبق منها إلى أذهانهم من المعاني ، لا يتأولون منها -
عند انطلاقها - شيئا ، ولا يحملونها على ما تقتضيه
أغراضهم ومصالحهم ، شخصية كانت أم عامة .
نعم رأيت -
بكل أسف - بعض ساسة السلف وكبرائهم يؤثرون اجتهادهم في
ابتغاء المصالح على التعبد بظواهر الكتاب والسنة
ونصوصهما
|
(
4 ) مشيرا إلى حديث السفينة الآتي تحت رقم ( 17 ) فراجع .
( 5 ) أخرج ابن مردويه
في تفسير الآية : ان المراد بمشاققة الرسول هنا انما
هي المشاققة في شأن علي وان الهدى في قوله بعد ما تبين
له الهدى انما هو شأنه عليه السلام وأخرج العياشي في
تفسيره نحوه ، والصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة
، في ان سبيل المؤمنين انما هو سبيلهم عليهم السلام (
منه قدس ) . تفسير على بن إبراهيم القمي ج 1 ص 152 ط
النجف ، البرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 415 ط طهران
. ( * ) |
|
|
الصريحة يتأولونها بكل جرأة ويحملون الناس على
معارضتهما طوعا وكرها بكل قوة وهذا أمر ليس له قبلة
ولا دبرة ( 1 ) فانا لله وإنا إليه راجعون .
وقد قال
الله تعالى : ( ... وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ ( 2 ) )
وقال عز سلطانه : (
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
مُّبِينًا ( 3 ) )
(
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ
يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ( 4 ) )
(
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ
كَرِيمٍ *
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ
*
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ *
وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ( 5 ) )
(
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ
كَرِيمٍ *
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ
*
وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ
*
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( 6 ) )
(
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى
*
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
*
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) ( 7 ) .
فنطقه صلى
الله عليه وآله كالقرآن الحكيم (
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا
مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ( 8 )
فليس
لمن يؤمن بهذه الآيات أو يصدق بنبوته صلى الله عليه
وآله أن يحيد عن نصوصه قيد شعرة فما دونها ، وما كان
القوم كحائدين ، وانما كانوا كمجتهدين متأولين (
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) فانا لله وإنا إليه
راجعون .
|
(
1 ) أي لا يعرف له وجه ( منه قدس ) .
( 2 ) الحشر آية 7 .
( 3 ) الأحزاب آية 36 . |
( 4 ) النساء آية 65 .
( 5 ) التكوير آية 19 .
( 6 ) الحاقة آية 40 . |
( 7 )
النجم آية 3 .
( 8 ) فصلت آية 42 ( * )
. |
|
|
واليك في كتابنا هذا ( النص والاجتهاد ) من
موارد تأولهم للنصوص واجتهادهم في إيثار المصلحة عليها
ما تسعه العجالة وضعف الشيخوخة ، وبلابل المحن والإحن
ونوائب الزمن ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه
أنيب .
فخذها
إليك مائة مورد في فصول سبعة لتسمعن بها
ولك بعد ذلك رأيك ، والله الهادي إلى الحق والصواب ،
واليه المرجع والمآب ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم
المولى ونعم النصير
.
|