النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
420
: - |
|
[ المورد - ( 84 )
- بعض حديثها عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ]
وذلك انها كانت كثيرا ما ترسل عنه صلى الله عليه وآله
من الحديث مالا يمكن ان يصح بوجه من الوجوه .
فمن ذلك
ما أخرجه البخاري وغيره في الصحاح إذ قالت : أول ما
بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة ، فكان لا
يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء
، فكان يخلو بغار حراء ، فجاءه الملك . فقال : اقرأ .
قال ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ،
ثم أرسلني . فقال : اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ ، فأخذني
فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني . فقال :
اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من
علق . اقرأ وربك
الأكرم . قالت عائشة : فرجع بها
رسول الله صلى الله عليه وآله يرجف بها فؤاده ، فدخل
على خديجة بنت خويلد ، فقال : زملوني . زملوني .
فزملوه فقال لخديجة وقد أخبرها الخبر : لقد خشيت على
نفسي . فقالت خديجة : كلا والله لا يخزيك أبدا ، انك
لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري
الضيف ، وتعين على نوائب الحق .
قالت عائشة فانطلقت به
خديجة حتى أتت به ابن عمها ورقة بن نوفل ، وكان قد
تنصر ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فكتب من الإنجيل
بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد
عمي . فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك .
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله بما رأى . فقال
له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا - شابا - ليتني أكون حيا إذ يخرجك
قومك . فقال : أو مخرجي هم ؟ . ( الحديث ) ( 1 ) .
تراه نصا
في ان رسول الله صلى الله
عليه وآله كان - والعياذ بالله - مرتابا في نبوته بعد
تمامها ، وفي الملك بعد مجيئه إليه ، وفي القرآن بعد
نزوله عليه ، وانه كان من الخوف على نفسه في حاجة إلى
زوجته تشجعه ، والى ورقة الهم الأعمى الجاهلي المتنصر
يثبت قدمه ، ويربط على قلبه ، ويخبره عن مستقبله إذ
يخرجه قومه ، وكل ذلك ممتنع محال .
وقد أمعنا في أخذ
الملك لرسول الله صلى الله عليه وآله وغطه إياه مرتين
يبلغ منه الجهد فيأخذ نفسه ويرجف فؤاده ، ويخيفه على
مشاعره ، فلم نجد له وجها يليق بالله تعالى ، ولا
بملائكته ، ولا برسله ، ولاسيما مع اختصاص خاتم
النبيين
|
(
1 ) راجع من ارشاد الساري في
شرح صحيح البخاري ص 171 من جزئه الأول ( منه قدس
) ( * ) . |
|
|
بهذا ، إذ لم ينقل عن أحد منهم عليهم السلام انه جرى
له مثل ذلك عند ابتداء الوحي إليه ، كما صرح به بعض
شارحي هذا الحديث من صحيح البخاري ( 1 ) .
وقد وقفنا
على المحاورة التي جرت - بمقتضى هذا الحديث السخيف -
بين الملك والنبي فرأينا النبي صلى الله عليه وآله
بعيدا كل البعد عن فهم مراد الملك من تكليفه إياه
بالقراءة ، إذ قال له : اقرأ . فقال : ما أنا بقارئ ،
فان مراد الملك ان يتابعه النبي صلى الله عليه وآله
فيما يتلوه عليه ، لكن النبي انما فهم منه أن ينشئ
القراءة في حال انه لم يكن قارئا ، وكأنه ظن - والعياذ
بالله - أن يكلفه بغير المقدور وكل ذلك ممتنع ومحال ،
وما من شك في انه فرية ضلال ، وهل يليق بالنبي صلى
الله عليه وآله أن لا يفهم خطاب الملك ؟ أو يليق
بالملك ان يكون قاصرا عن الأداء فيما يوحيه عن الله ،
تعالى الله وملائكته ورسله عن ذلك .
فالحديث باطل من
حيث متنه ، وباطل من حيث سنده ، وحسبك في بطلانه من
هذه الحيثية كونه من المراسيل ، بدليل انه حديث عما
قبل ولادة عائشة بسنين عديدة فانها انما ولدت بعد
المبعث بأربع سنين في أقل ما يفرض ، فأين هي عن مبدء
الوحي ؟ وأين كانت حين نزول الملك في غار حراء على
رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فان قلت : أي مانع لها
أن تسند هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله إذا
سمعته ممن حضر مبدأ الوحي .
قلنا : لا مانع لها من ذلك
، غير ان هذا الحديث في هذه الصورة لا يكون حجة ، ولا
يوصف بالصحة ، وانما يكون مرسلا ، حتى نعرف الذي سمعته
|
(
1 ) تجده في باب بدء الوحي من الجزء
الأول من صحيح البخاري . وفى تفسير سورة اقرأ من جزئه
الثالث ، وأخرجه أيضا في التعبير
والإيمان . وتجده في
الإيمان من صحيح مسلم . وأخرجه
الترمذي والنسائي في
التفسير ( منه قدس ) ( * ) . |
|
|
منه ، ونحرز عدالته ، فان المنافقين على عهد النبي
صلى الله عليه وآله كانوا كثيرين ، وكان فيهم من يخفي
نفاقه على عائشة ، بل على رسول الله صلى الله عليه
وآله ( وَمِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ
تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ( 631 ) .
والقرآن الكريم يثبت كثرة
المنافقين على عهد النبي ، واخواننا يوافقوننا على ذلك
، لكنهم يقولون : ان الصحابة بعد النبي صلى الله عليه
وآله بأجمعهم عدول ، حتى كأن وجود النبي صلى الله عليه
وآله بين ظهرانيهم كان موجبا لنفاق المنافقين منهم ،
فلما لحق بالرفيق الأعلى ، وانقطع الوحي ، حسن إسلام
المنافقين ، وتم إيمانهم ، فإذا هم أجمعون اكتعون
أبصعون ثقات عدول مجتهدون ، لا يسألون عما يفعلون وان
خالفوا النصوص ونقضوا محكماتها . وهذا الحديث يمثل
سائر مراسيلها ( يَا لَيْتَ
قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) ( 632 ) .
|
( 631 ) سورة
التوبة : 101 .
|
( 632 )
سورة يس : 26 .
|
|
|
|