النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 594 : -

وقال الله تعالى : ( لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) ( 930 ).

ما كان المعارضون ليحسبوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله سيقف موقفه الذي وقفه يوم الغدير أبدا ، فلما فاجأهم به وأدى فيه عن الله ما أدى ، رأوا أن معارضته في آخر أمره وقد بخعت العرب لطاعته ، ودخل الناس في دين الله أفواجا لا تجديهم نفعا ، بل تسبب لهم الويلات ، لأنها تستلزم اما سقوطهم بالخصوص ، أو سقوط الإسلام والعرب عامة ، وحينئذ يفوتهم الغرض الذي كانوا يأملون ، والمنصب الذي كانوا له يعملون .

لهذا رأوا ان الصبر عن الوثبة أحجى ، فأجمعوا على تأجيلها إلى بعد النبي صلى الله عليه وآله ، لئلا يكون الخروج عليه نفسه ، وهكذا كان الأمر منهم بكل لباقة ممكنة ، وكل عناية بالشعائر الإسلامية واحتياط عليها ، وجهاد في سبيلها أبلوا فيه بلاءا حسنا ، وقد أوحى الله عزوجل إلى نبيه بما كانوا يضمرون ، وأطلعه على ما سيكون ، لكن الدين لابد من اكماله ، والنعمة لا محيص من اتمامها ، والرسالة لا مندوحة من تبليغها ، ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى

  ( 930 ) سورة التوبة : 48 ( * ) .  
 

- ص 595 -

مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) ( 931 ) ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) ( 932 ) .

نعم عهد لوصيه وخليفته من بعده ، أن يتغمدهم حين يعارضونه بسعة ذرعه ، ويتلقاهم بطول أناته ، وأمره ان يصبر على استئثارهم بحقه ، وان يتلقى تلك المحنة بكظم الغيظ والاحتساب ، احتياطا على الإسلام ، وإيثارا للصالح العام ، وأمر الأمة بالصبر على تلك الملمة - كما فصلناه في كتاب المراجعات - .

وحسبك مما صح من أوامره بذلك قوله صلى الله عليه وآله في حديث حذيفة ( 1 ) ابن اليمان : " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس قال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله ان أدركت ذلك . قال : تسمع وتطيع للأمير وان ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع له وأطع " ( 933 ) .

ومثله قوله صلى الله عليه وآله في حديث عبدالله بن مسعود ( 2 ) : " ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا : يا رسول الله كيف تأمر من أدرك

  ( 931 ) سورة الأنفال : 42 .
( 932 ) سورة المائدة : 99 .
( 1 ) فيما أخرجه مسلم ص 120 من ج 2 من صحيحه ، ورواه سائر أصحاب السنن ( منه قدس ) .
( 933 ) ان من عرف ما ألم بالمسلمين عند فقد النبي ، يعلم ان ذلك الوقت لا يسع نزاعا ولا يليق به إلا الصبر على الأذى لان النزاع يؤدى إلى ذهاب ريح المسلمين ( منه قدس ) . صحيح مسلم ك الامارة ج 2 / 35 ط عيسى الحلبي وج 6 / 20 ط صبيح وج 12 / 238 بشرح النووي .
( 2 ) أخرجه مسلم في ص 18 من الجزء الثاني من صحيحه ( منه قديس ) ( * ) .
 
 

- ص 596 -

منا ذلك ؟ .
قال صلى الله عليه وآله : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم " ( 934 )

وكان أبو ذر يقول ( 1 ) : " ان خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله أوصاني ان اسمع وأطيع وان كان عبدا مجدع الأطراف " ( 935 ) .

وقال سلمة الجعفي فيما أخرجه عنه مسلم ص 119 من الجزء 2 من صحيحه يا نبي الله أرأيت ان قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ، ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا قال صلى الله عليه وآله : " اسمعوا وأطيعوا ، فانما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " ( 936 ) .

وعن أم سلمة : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ستكون أمراء عليكم فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ ، ومن أنكر سلم ( 2 ) قالوا أفلا نقاتلهم ؟ . قال لا

  ( 934 ) صحيح مسلم ك الامارة باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة ج 2 / 133 ط عيسى الحلبي وج 6 / 17 ط مشكول وج 12 / 232 بشرح النووي ، المعجم الصغير للطبراني ج 2 / 80 .
( 1 ) فيما أخرجه مسلم في الجزء الثاني من صحيحه ( منه قدس ) .
( 935 ) صحيح مسلم ك الامارة باب وجوب طاعة الأمراء ج 6 / 14 ط مشكول وج 2 / 30 ط الحلبي وج 12 / 225 ط مصر بشرح النووي .
( 936 ) هذه الأحاديث كلها مستفيضة ( منه قدس ) . صحيح مسلم ج 6 / 19 ط مشكول وج 2 / 134 ط الحلبي وج 12 / 236 بشرح النووي .

( 2 ) هذا الحديث أخرجه مسلم في ص 122 من الجزء 2 من صحيحه والمراد بقوله صلى الله عليه وآله فمن عرف برئ ان من عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صار له طريق إلى البراءة من اثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه فان عجز فليكرهه ولينكره بقلبه . انتهى ولله الحمد ما أردنا تعليقه على كتاب " النص والاجتهاد " بقلم مؤلفه الفقير إلى الله عبده وابن عبديه المذنب الخاطئ عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي . وكان الفراغ من هذه التعليقة يوم الفراغ من أصل الكتاب . والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله وسلم ( منه قدس ) ( * ) .

 
 

- ص 597 -

ما صلوا " ( 937 ) .
والصحاح في هذا المعنى متواترة ، ولاسيما من طرق العترة الطاهرة .

 

( 937 ) صحيح مسلم ج 6 / 22 ط مشكول وج 2 / 137 ط الحلبي وج 12 / 242 ط مصر بشرح النووي .

الخلافة والعدالة : هذا الحديث والأحاديث الأربعة التي قبله لا يمكن قبولها ويشك في صحتها كبقية الأحاديث المدعاة على هذا الطراز ومن هذا المعنى كما في سنن البيهقي ج 8 / 159 . فان هذه الأحاديث مخالفة لروح الدين الإسلامي وللعدالة الإسلامية التي اشترطت في الخليفة بالإجماع قال القاضي عبدالرحمن الايجي الشافعي المتوفى 756 ه‍ في كتابه المواقف في شرائط الإمام " يجب أن يكون عدلا لئلا يجور " ، وقال أبو الثناء في مطالع الأنظار ص 470 في صفات الأئمة . " الرابعة : أن يكون الإمام عدلا لأنه متصرف في رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم فلو لم يكن عدلا لا يؤمن تعديه . " الخ . وراجع تفسير القرطبي ج 1 ص 231 و 232 .

الحديث للسياسة : بعد رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى قام المنافقون وخدام السلاطين ووعاظهم بوضع الحديث لصالحهم كما وقع في عهد الخليفة الثالث وبعدها تطور الوضع وكثر في عهد معاوية بن أبى سفيان فصار طلاب الدنيا يضعون عشرات الأحاديث في فضائله وفضائل بني أمية ويضعون الذم لأعدائه . راجع الغدير ج 9 / 264 - 396 وج 10 و 11 ، أضواء على السنة المحمدية ص 126 - 134 .

وقال أبو جعفر الاسكافي فيما نقله عنه ابن أبى الحديد ان معاوية حمل قوما من الصحابة ، وقوما التابعين على رواية أخبار قبيحة في على عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلقوا له ما أرضاه

( قال ) منهم : أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير " . وفى دولة بني العباس لم يكن وضع الحديث أقل من الدور الذي كان في عهد الدولة الأموية فقد وضع الوضاعون الحديث في فضائل بني العباس وأخبار النبي بدولتهم راجع : أضواء على السنة المحمدية ص 135 .
وهذه الأحاديث الخمسة وما شاكلها في الحقيقة قد وضعتها يد السياسة ومصلحة الملوك
=>

 
 

- ص 598 -

. . . . . . .

 

=> والأمراء وتدعو إلى تأييدهم ودعمهم أو على الأقل إلى الغض عنهم مهم صدر منهم من جرائم وانحراف عن الإسلام الحقيقي ما دام يقيمون الصلاة الشكلية أو حتى لو لم يقيموها وهذا مالا يقره الإسلام ولا يرضى به ، وبنشر هذه الروايات " تمكن معاوية بن أبى سفيان من أن يجلس بالكوفة للبيعة ويبايعه الناس على البراءة من على بن أبى طالب " البيان والتبيين للجاحظ ج 2 / 85 .

وتمكن يزيد الفجور والكفر أن يكون أميرا على المسلمين وخليفة لهم كما تمكن بنو أمية وبنو العباس من إقامة دولتيهما وادعاء الخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله وجر ذلك على الأمة الويلات والمصائب .
ولنأخذ لذلك مثالا في لمحة خاطفة إلى شخصية قد عاشت في صدر الإسلام وصحبت النبي صلى الله عليه وآله حقبة من الزمن وكيف انها تلونت بمختلف الأحوال ألا ذلك هو الراوي المشهور عبدالله بن عمر .

عبدالله بن عمر والبيعة : ابن عمر من الأشخاص الذين تخلفوا عن بيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام محتجا بعدم الاجماع على بيعته كما زعمه له ابن حجر في فتح الباري ج 5 / 19 وج 13 / 165 .
ولكن الصحيح ان السبب في عدم بيعته للإمام أمير المؤمنين هو نفس السبب الذي كان عند والده وما يحمله أبوه من نفسية اتجاه الإمام علي ( ع ) . وإلا فهل حصل اجماع على بيعة أبى بكر ؟ ألم يتخلف عنها بنو هاشم وعلى رأسهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وجملة من الصحابة كعمار وأبى ذر والمقداد وسعد بن عبادة وغيرهم ؟ ثم كسروا سيف الزبير لتخلفه ولببوا الإمام علي عليه السلام بحمائل سيفه وأكرهوه على البيعة والا يقتل وهل حصل اجماع على البيعة لأبيه عمر ؟ فيا عجبا بين هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته .

ابن عمر يبايع ليزيد : وبينما ابن عمر يتقاعس عن البيعة لإمام الحق يقوم بعد فترة من الزمن بالبيعة لأخس خلق الله على وجه الأرض وهو يزيد بن معاوية يزيد الخمور والفجور والكفر والإلحاد فبايعه إزاء مائة ألف قدمها معاوية إليه . في حال حياته . ولما انتشر إلحاده =>

 
 

- ص 599 -

. . . . . . .

 

للمجتمع وما فعل من أعمال منكرة وفى مقدمتها قتل سيد شباب أهل الجنة سبط الرسول وقرة عين الرسول صلى الله عليه وآله . وقام أهل المدينة بخلع بيعة يزيد وقف ابن عمر في قبالهم وصار يصف لهم الأحاديث لأجل دعم جرائم يزيد وأفعاله بهذه الأحاديث : روى البخاري وغيره : عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه ومواليه .

وفى رواية سليمان : حشمه وولده وقال : اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : " ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة " .
وزاد الزهري : وانا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله واني لا أعلم غدرا أعظم من أن تبايع رجلا على بيعة الله ورسوله ثم تنصب له القتال واني لا أعلم أحدا منكم خلع ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه " . صحيح البخاري ج 1 / 166 ، سنن البيهقي ج 8 / 159 ، مسند أحمد ج2 / 96 .

وقعة الحرة وابن عمر : غار يزيد على المدينة المنورة وأباحها ثلاثة أيام حتى أفتضت أكثر من ألف بنت باكر وولدت أكثر من ألف امرأة من غير زوج وقتل أكثر من سبعمائة من حملة القرآن من الصحابة والتابعين من المهاجرين والأنصار وأكثر من عشرة آلاف من سائر الناس وفيهم النساء والصبيان في هذه الواقعة مع هذا يأتي ابن عمر ليحدث بحديث ليدعم موقف يزيد ويبرر جرائمه .

فقد روى مسلم ج 6 / 22 عن نافع : قال جاء عبدالله ابن عمر إلى عبدالله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال اطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة فقال : إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : " من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " .

وبناء على ذلك فقد بايع سفاك الدماء في العراق الحجاج ببيعة هي الذلة والهوان حيث مد ابن عمر يده ليبايع الحجاج فمد الحجاج رجله إليه وبايعه بها .
وهكذا في عصرنا الحاضر اتخذ سلاطين وشياطين الجور والفجور هذه الروايات مدركا لتسلطهم على الشعوب الإسلامية وسفك دمائهم وبيع ثرواتهم إلى الاستكبار العالمي وصاروا أداة قمع للكافر الأجنبي مثل الانكليز والأمريكان والشيوعية ومن يدور
=>

 
 

- ص 600 -

ولذا صبروا عليهم السلام وفي العين منهم قذى ، وفي الحلق شجي ، عملا بهذه الأوامر المقدسية ، وغيرها مما عهد النبي إليهم بالخصوص ، احتياطا على الأمة ، واحتفاظا بالشوكة ، وإيثار للدين ، وضنا بريح المسلمين ، فكانوا عليهم السلام كما قلناه ( في المراجعات وغيرها من كتبنا ) يتحرون للقائمين ، بأمور الأمة وجوه النصح ، وهم - من استئثارهم - على أمر من العلقم ويتوخون لهم مناهج الرشد وهم - من تبوئهم عرشهم - على آلم للقلب من حز الشفار تنفيذا للعهد ، وعملا بمقتضى العقد ، وقياما بالواجب عقلا وشرعا من تقديم الأهم ( في مقام التعارض ) على المهم ، وبهذا محض أمير المؤمنين كلا من الخلفاء الثلاثة نصحه ، واجتهد لهم في المشورة ، فانه بعد ان يئس من حقه في الخلافة شق بنفسه طريق الموادعة ، وآثر مسالمة القائمين بالأمر ، فكان يرى عرشه - المعهود به إليه - في قبضتهم فلم يحاربهم عليه ، ولم يدافعهم عنه ، احتفاظا بالأمة ، واحتياطا على الملة ، وضنا بالدين وإيثارا للآجلة على العاجلة ، وقد مني بما لم يمن به أحد ، حيث وقف بين خطبين فادحين : الخلافة بنصوصها وعهودها إلى جانب تستصرخه وتستفزه إليها بصوت يدمي الفؤاد ، وشكوى تفتت الأكباد ، والفتن الطاغية ، إلى جانب آخر تنذره بانتقاض الجزيرة وانقلاب العرب ، واجتياح الإسلام ، وتهدده بالمنافقين من أهل المدينة وقد مردوا على النفاق ، وبمن حولهم من الأعراب وهم منافقون بنص الكتاب ، بل هم أشد كفرا ونفاقا ، وأجدر ألا يعلموا حدود

  => في فلكهم . والعلاج أن تعي الشعوب إسلامها وتعرف مسؤوليتها وذلتها وعزتها لتقوم بواجبها وتثأر لكرامتها وإسلامها وتقيم حكم الله في الأرض ليعم العدل الاجتماعي والسعادة الأبدية . ( * )   
 

- ص 601 -

ما انزل الله على رسوله ، وبأهل مكة الطلقاء مضمري العداوة والبغضاء ومن كان على شاكلتهم من ضواري الفتنة ، وطواغي الغي وسباع الغارة وأعداء الحق ، وقد قويت بفقد النبي صلى الله عليه وآله شوكتهم ، إذ صار المسلمون بعده صلى الله عليه وآله كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب عادية ووحوش ضارية ، ومسيلمة الكذاب ، وطليحة بن خويلد الدجال ، وسجاح بنت الحارث الافاكة ، وأصحابهم قائمون ( في محق الإسلام وسحق المسلمين ) على ساق .

والرومان والأكاسرة وغيرهما من ملوك الأرض كانوا للمسلمين بالمرصاد إلى كثير من هذه العناصر الجياشة بكل حنق من محمد وآله وأصحابه صلى الله عليه وآله وبكل حقد وحسيكة لكلمة الإسلام تريد أن تنقض أساسها ، وتستأصل شأفتها وانها لنشيطة في ذلك مسرعة متعجلة ، ترى ان الأمر قد استتب ، لها وان الفرصة بفقد رسول الله صلى الله عليه وآله قد حانت ، فأرادت أن تسخر تلك الفرصة وتنتهز تلك الفوضى ، قبل أن يعود الإسلام إلى قوة وانتظام ، فوقف أمير المؤمنين بين هذين الخطرين ، فكان من الطبيعي له أن يضحي حقه قربانا لدين الإسلام وإيثارا للصالح العام ، لذلك قعد في بيته - فلم يبايع حتى أخرجوه كرها - ( 938 ) احتفاظا بحقه واحتجاجا على المستأثرين به وعلى أوليائهم يوم القيامة ولو أسرع إلى البيعة ما قامت له بعد حجة ، ولا سطع لأوليائه برهان ، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين والمسلمين ، والاحتفاظ بحقه في إمرة المؤمنين فدل هذا على أصالة رأيه ، ورجاحة حلمه ، وسعة صدره ، وإيثار المصلحة

 

( 938 ) العقد الفريد ج 4 / 335 ، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 6 / 11 و 48 بتحقيق أبو الفضل وراجع ما تقدم تحت رقم ( 28 و 29 ) .
والحمد لله رب العالمين تم في عصر يوم السبت 16 / جمادى الأولى / 1404 ه‍ في مدينة قم عش آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام . أبو مجتبى
( * ) 

 
 

- ص 602 -

العامة بحكمة بالغة ، ومتى سخت نفس امرئ عن هذا الخطيب الجليل والأمر العظيم ينزل من الله تعالى بغاية منازل الدين ، وإنما كانت غايته مما فعل اربح الحالين له وأعود المقصودين عليه بالأجر والثواب ، والقرب من رب الأرباب ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وصلى الله على سيد النبيين وخاتم المرسلين وآله الهداة الميامين .

تم هذا الإملاء بعون الله تعالى وتوفيقه وله الحمد والآلاء في مدينة ( صور ) يوم الأربعاء عاشر رجب المرجب سنة 1375 بقلم الفقير إلى الله عزوجل الراجي عفو الله وغفرانه ، عبد الحسين ، بن يوسف ، بن الجواد ، بن إسماعيل بن محمد ، بن محمد ، بن إبراهيم وهو شرف الدين بن زين العابدين بن علي نور الدين بن نور الدين علي ، بن الحسين بن محمد ، بن الحسين ابن علي ، بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن بن محمد ولقبه شمس الدين ، بن عبدالله ويلقب جلال الدين ، بن احمد ، بن حمزة ، بن سعد الله ، بن حمزة ، بن أبي السعادات محمد ، ابن أبي محمد عبدالله نقيب نقباء الطالبين في بغداد ، بن أبي الحرث محمد ، بن أبي الحسن علي المعروف بابن الديلمية ، بن أبي طاهر عبدالله ، بن أبي الحسن محمد المحدث ، بن أبي الطيب طاهر ، بن الحسين القطعي ، بن موسى أبى سبحة ، بن إبراهيم المرتضى ، بن الإمام الكاظم ، ابن الإمام الصادق ، بن الإمام الباقر ، بن الإمام زين العابدين ، بن الإمام أبي عبدالله الحسين سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء سبط خاتم النبيين والمرسلين وأبوه أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم .

وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين

 

مكتبة الشبكة

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب