النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 577 : -

وأما عدم النص على الإمامة بآية من الكتاب الحكيم صريحة فيه ، صراحة آيات كل من التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والبعث بعد الموت . فنحيل السائل

في الجواب على ما فصلناه في كلمتنا " فلسفة الميثاق والولاية " ( 1 ) إذ صرح الحق ثمة عن محضه ، وبين الصبح ولله الحمد لذي عينين .
ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول : لم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله بعد نصه في الدار يوم الإنذار ( 917 ) ويؤهل عليا لمقامه في الأمة بعده ، يدلل على ذلك بطرق له مختلفة في وضوح الدلالة قوة وضعفا ، حتى مرض مرض الموت ، وسجي على فراشه في حجرته الشريفة والحجرة غاصة بأصحابه فقال : " أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، ألا إني مخلف ، فيكم كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي " ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال : " هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يتفرقان حتى يردا علي الحوض . . " ( الحديث ) ( 918 ) .

وحسبك في أمر الولاية " وحرصه صلى الله عليه وآله على تبليغها " انه لما نعيت إليه نفسه ودنا منه أجله ، أذن في الناس بالحج ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) فكانت حجة الوداع أواخر حياته صلى الله عليه وآله ، وقد خرج فيها من المدينة بتسعين ألفا وقيل أكثر - كما في السيرة الحلبية والدحلانية وغيرهما - ( 919 ) غير الذين وافوه في الطريق وفي عرفة ، فلما كان يوم الموقف أهاب بالحجاج يوصيهم بوصاياه ووصايا

  ( 1 ) فليراجع منها ما هو في ص 17 إلى منتهى الرسالة ، ليرى الحق وقد خرج من ظلمات الغموض ، وانزاح عنه حجاب الشبهات ، فخلص إلى نور اليقين والحمد لله رب العالمين ( منه قدس ) .
( 917 ) تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم ( 10 ) فراجعه .
( 918 ) راجعه في ص 75 أواخر الفصل 2 من الباب 9 من الصواعق المحرقة لابن حجر بعد الأربعين حديثا من الأحاديث المذكورة في ذلك الفصل ( منه قدس ) . تقدم الحديث مع مصادره تحت رقم ( 11 و 119 و 197 ) .
( 919 ) السيرة الحلبية ج 3 / 257 ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج 3 / 331 ط البهية بمصر
. ( * ) 
 
 

- ص 578 -

الأنبياء من قبله مبشرا ونذيرا ، فكان مما قاله لهم يومئذ : " أيها الناس إني يوشك ان أدعي فأجيب ، واني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " ( 920 ) .

وكم له من موقف قبل هذا وبعده - كما سمعت - ربط فيه الأمة بحبليه وعصمها في كل خلف منها بثقليه ( كتاب الله والأئمة من عترته ) يبشرها بالبقاء على الهدى ان أخذت بهديهما وينذرها الضلال أن لم تتمسك بهما ويخبرها انهما لن يفترقا ولن تخلو الأرض منهما .

لكن مواقفه تلك في هذا المعنى لم تكن عامة ، أما موقفه هذا يوم عرفات والذي بعده يوم الغدير فقد كانا على رؤوس الأشهاد ( 1 ) من الأمة عامة ( 921 ) .

  ( 920 ) تقدم حديث الثقلين تحت رقم ( 11 و 15 ) .
( 1 ) قال ابن حجر إذ أورد حديث الثقلين في صواعقه : ثم أعلم ان لحديث التمسك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا
( قال ) : ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه . وفى بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة . وفى أخرى انه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه .
وفى أخرى أنه قال ذلك بغدير خم .
وفى أخرى أنه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف .
( قال ) : ولا تنافى إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن كلها وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة . . إلى آخر كلامه فراجعه في ص 89 في تفسير الآية الرابعة ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) من الآيات التي ذكرناها في الفصل الأول من الباب 11 من الصواعق . قلت : يعترف الرجل بأن النبي صدع بحديث الثقلين في هذه المواقف كلها وفى غيرها ، ثم يقول : ان طرقه وردت عن نيف وعشرين صحابيا ، مع أنه لو لم يصدع صلى الله عليه وآله الا في أحد موقفيه أما عرفة أو الغدير لوجب أن يكون متواترا ، لان الذين حملوه عن رسول الله في كل من اليومين كانوا تسعون ألفا على أقل الروايات ( منه قدس ) .
( 921 ) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة والذي رواه أكثر من خمس وثلاثين
=>
 
 

- ص 579 -

ولم يفض صلى الله عليه وآله يومئذ من عرفة ، حتى انبر راحلته يهيب بأهل الموقف رافعا صوته وهم به محدقون يشخصون إليه أبصارهم وأسماعهم وأفئدتهم ، فإذا هو يقول لهم : " علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني الا أنا أو علي " ( 922 ) .

  => صحابيا وأكثر من مائتي عالم من علماء أهل السنة راجع : كتاب عبقات الأنوار ( قسم حديث الثقلين ج 1 وج 2 ) ط قم . وقد ذكر تواتر الحديث ج 1 / 11 . وراجع أيضا : سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم ( 28 و 29 و 30 و 31 و 32 - 37 ) ط بيروت .
( 922 ) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في ص 164 من الجزء الرابع من مسنده من حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة كلها صحيحة ، وحسبك انه رواه عن يحيى بن آدم عن إسرائيل بن يونس عن جده إسحاق السبيعى عن حبشي ، وكل هؤلاء حجج عند الشيخين وقد احتجا بهم في الصحيحين ، ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد علم
ان صدوره انما كان في حجة الوداع .
وقد أخرجه أيضا ابن ماجة في باب فضائل الصحابة ص 92 من الجزء الأول من سننه ، والترمذي والنسائي في صحيحهما وهو الحديث 2531 في ص 153 من الجزء السادس من كنز العمال ( منه قدس ) .
صحيح الترمذي
ج 5 / 300 ح 3803 ، سنن ابن ماجة ج 1 / 44 ح 119 ط دار الكتب ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 20 ط التقدم وص 33 ط بيروت وص 90 ط الحيدرية ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 378 ح 875 - 880 ، المناقب للخوارزمي ص 79 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 221 ح 267 و 272 و 273 ، ينابيع المودة للقندوزي ص 55 و 180 و 181 و 371 ط اسلامبول وص 60 و 61 و 212 و 219 و 246 ط الحيدرية ، الصواعق المحرقة لابن حجر ص 120 ط المحمدية وص 73 ط الميمنية ، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 140 ط العثمانية وص 154 ط السعيدية ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 36 ، نور الأبصار للشبلنجي ص 72 ، مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 275 ، جامع الأصول ج 9 / 471 ح 6481 ، الجامع الصغير للسيوطي ج 2 / 56 ط الميمنية ، الرياض النضرة ج
 
 

- ص 580 -

ياله من عهد خفيف على اللسان ، ثقيل في الميزان ، جعل لعلي من صلاحية الأداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله عين الصلاحية الثابتة للنبي في الأداء عن نفسه ، وهذه رخصة له بتشريع ما استودعه أياه من أحكام شرعية لا تكون محل ابتلاء الناس إلا بعده صلى الله عليه وآله ( 1 ) أشركه بها في أمره ، وائتمنه على ما أوحي إليه من ربه ، كما كان هارون من موسى الا أن عليا ليس بنبي وانما هو وزير ووصي ، يطبع على غراره ، ويتعبد بآثاره ، ويؤدي عنه مالا يؤديه عنه سواه مما استودعه إياه .

بهذا الشكل الحكيم بلغ النبي صلى الله عليه وآله أمر الولاية ، وبهذه الطرق السائغة بثها في أمته . تدرج فيها بأحاديثه المختلفة ، وأساليبه المتنوعة على حسب مقتضيات الأحوال في مقامات مختلفة ودواعي شتى . لم يسد على المعارضين طرق التمويه ، تمويه النصوص تضليلا عنها باسم التأويل ، حذرا من أن يحرجهم بذلك فيخرجهم على الله تعالى ورسوله ، لذلك جرى معهم على سنن الحكماء في استدراج المناوئ لهم ، وتبليغه الأمر الذي يأباه بلباقة في حكمة كانت من معجزاته صلى الله عليه وآله .

  => 2 / 229 ط 2 ، مطالب السئول ص 18 ط طهران وج 1 / 50 ط النجف ، المشكاة للعمري ج 3 / 243 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 30 ، فرائد السمطين ج 1 / 58 و 59 ، نزل الأبرار ص 38 . وراجع بقية المصادر في سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم ( 468 ) .

( 1 ) هذه هو المراد بالأداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله الثابت لعلى ، المنفى عمن سواه وإلا فالفقهاء يؤدون عن رسول الله فروع الدين والأصوليون يؤدون عنه أصوله : والمحدثون يؤدون سننه ، وحملة الآثار يؤدون آثاره ، لا حرج على أحد في ذلك الا ان يكون مشرعا عن الله أو عن رسوله ، ومن كذب على أحدهما فليتبوأ مقعده من النار ( منه قدس ) ( * ) .

 
 

- ص 581 -

بهذا خفض من غلوائهم ، وخدر من أعصابهم ، فتدرجوا معه بالقبول في الظاهر من أحوالهم شيئا فشيئا والقلوب منهم منطوية على الخلاف والمناوأة وهذا ما أوجب شدة الاشفاق من رسول الله صلى الله عليه وآله على الدين والأمة ، حتى قفل صلى الله عليه وآله من حجة الوداع بمن معه من الحجاج ، وهو يوجس في نفسه خيفة عظيمة ضارعا إلى الله تعالى في أن يرحمه وأمته بالعصمة من الناس ، فما بلغ غدير خم حتى أوحى الله تعالى إليه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ( 923 )

  ( 923 ) لا كلام عندنا في نزولها بولاية على يوم غدير خم وأخبارنا في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة ، وحسبك مما جاء في ذلك طريق غيرهم ما أخرجه الإمام الواحدي في تفسير الآية من سورة المائدة ص 50 من كتابه أسباب النزول من طريقين معتبرين عن عطية عن أبى سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب
قلت : وهذا هو الذي أخرجه الحافظ أبو نعيم في تفسيرها من كتابه ( نزول القرآن ) بسندين أحدهما عن أبى سعيد ، والآخر عن أبى رافع ، ورواه الإمام إبراهيم بن محمد الحمويني في كتابه ( الفرائد ) بطرق متعددة عن أبى هريرة ، وأخرجه الإمام أبو إسحاق الثعلبي في معنى الآية من تفسيره الكبير بسندين معتبرين ، وأخرج العياشي في تفسيره - كما في مجمع البيان - باسناده عن ابن أبى عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس وجابر بن عبدالله قالا : أمر الله محمد صلى الله عليه وآله أن ينصب عليا للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوف رسول الله أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه هذه الآية ، فقام صلى الله عليه وآله بولايته يوم غدير خم
( قال ) في مجمع البيان : وهذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبى القاسم الحسكاني باسناده عن ابن أبى عمير في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل
( قال ) في المجمع : وفيه بالاسناد المرفوع إلى حيان ( حبان ) ابن على الغنوى ( الغنزى ) عن أبى صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في على فأخذ رسول
 
 

- ص 582 -

. . . . . .

 

=> الله بيده فقال : " من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . . " إلى آخر ما في تفسير الآية من مجمع البيان من السنن في هذا المعنى فليراجع . ومما يشهد له أن الصلاة قبل نزولها ، والزكاة تجبى ، وصوم رمضان يؤدى ، والبيت كان محجوجا ، والحلال بينا ، والحرام بينا ، والحدود مقامة والشريعة متسقة ، والأحكام مستتبة ، فأي شئ غير ولاية العهد يستوجب من الله هذا التأكيد ويقتضى الحض على بلاغه بهذا التهديد الشديد ، وأي أمر غير الخلافة يخشى النبي الفتنة بتبليغه ويحتاج إلى العصمة من أذى الناس بأدائه ، ويهدد المعارضين بقوله : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ( منه قدس ) .
هذه الآية في سورة المائدة آية 67 ، وقد نزلت يوم ( 18 ) من ذي الحجة سنة 10 ه‍ في غدير خم حينما أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله أن ينصب عليا ( ع ) علما للناس وخليفة من بعده وذلك يوم الخميس فقد نزل عليه جبرئيل بعد مضى خمس ساعات من النهار فقال : " يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول لك : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك . . . الخ "

وقد روى نزول هذه الآية في هذا اليوم وفى هذه المهمة عشرات من العلماء في كتبهم كما روى نزولها عشرات من الصحابة الذين حضروا الحادثة وغيرهم منهم :
 1 - عبدالله بن عباس : شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 / 189 ح 245 و 249 و 250 ط 1 بيروت ، تفسير الثعلبي مخطوط ، أسباب النزول للواحدي ص 115 ط الحلبي بمصر ، أمالي المحاملي كما في الغدير ج 1 / 51 ، ما نزل من القرآن في علي لأبي بكر الفارسي الشيرازي المتوفى 407 أو 411 ه‍ كما في الغدير ج 1 / 216 ، كتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني ، المتوفى 477 ه‍ كما في الطرائف لابن طاووس ج 1 / 121 ، تفسير الرازي ج 3 / 636 ط 1 مفتاح النجا للبدخشانى ، كشف الغمة ج1 / 311 ، الأربعين لجمال الدين الشيرازي المتوفى 1000 ه‍ كما في الغدير ج 1 / 222 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 120 ط اسلامبول ، دلائل الصدق ج 2 / 51 .

 2 - عبدالله بن أبى أوفى : =>

 
 

- ص 583 -

. . . . . . .

  => شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 / 190 ح 247 .
 3 - جابر بن عبدالله الأنصاري : شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 192 ح 249 .
 4 - البراء بن عازب : مودة القربى للسيد على الهمداني المتوفى 786 ه‍ ، تفسير النيسابوري ج 6 / 170 كما في الغدير ج 1 / 221 ، تفسير عبد الوهاب البخاري عند تفسير آية المودة كما في الغدير ج 1 / 221 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 249 ، دلائل الصدق ج 2 / 51 .
 5 - أبو هريرة : شواهد التنزيل ج 1 / 187 ح 143 ، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 158 ح 120 ط 1 بيروت ، ينابيع المودة ص 120 .
 6 - أبو سعيد الخدري : شواهد التنزيل ج 1 / 188 ح 244 ، أسباب النزول للواحدي ص 115 ط الحلبي ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 86 ح 586 ، الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 298 ، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 57 ، مطالب السئول ص 16 ط طهران وج 1 / 44 ط النجف ، الفصول المهمة لابن الصباغ ص 131 ، تفسير النيسابوري ج 6 / 170 كما في الغدير ج 1 / 221 ، تفسير شاهى ، روح المعاني للآلوسي ج 2 / 348 ينابيع المودة ص 120 ، دلائل الصدق ج 2 / 51 .
 7 - زيد بن أرقم : كتاب الولاية في طرق حديث الغدير للطبري صاحب التاريخ المتوفى 310 ه‍ كما في الغدير ج 1 / 214 .
 8 - ابن مسعود : الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 298 ، كشف الغمة ج 1 / 319 ، مفتاح النجا للبدخشانى مخطوط ، روح المعاني للآلوسي ج 2 / 348 ، دلائل الصدق ج 2 / 51 .
 9 - الإمام محمد الباقر عليه السلام : الكشف والبيان للثعلبي كما في الغدير ج 1 / 217 ، الخصائص العلوية لأبي فتح
=>
 
 

- ص 584 -

حسب الأمة - أمة الذكر الحكيم والفرقان العظيم - أن يتدبروا هذه الآية وما فيها من الوعيد الشديد بقوله تعالى : ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ولو تدبروها لعلموا ان منزلة الولاية في دينهم الإسلامي الحنيف دون منزلة النبوة بمرقاة ، وانها من فصيلتها ولاسيما بعد قوله عزوجل في ختامها : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) .

ألا ترون أن التهديد على تركها جرى في الذكر الحكيم مجرى التهديد على ترك التوحيد ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( 924 ) .

ولو أمعنت الأمة " أمة القرآن ومحمد " وتدبرت آية التبليغ ، لعلمت أن لوازم الوعيد فيها انما هو متوجه إلى أولئك المعارضين لتبليغ الولاية ، لا إلى رسول الله ، وحاشا لله أن يتوجه التهديد إليه نفسه ، انما هو على حد المثل العامي " إياك أعني واسمعي يا جارة " وكذلك قوله تعالى ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) وانما هو تهديد لمن يشرك بالله عزوجل ، لا لسيد أنبيائه ، وهذا أمر

  => النطنزي كما في الغدير ج 1 / 219 ، تفسير الرازي ج 3 / 636 ط 1 ، عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني الحنفي المولود 762 والمتوفى 855 ه‍ ج 8 / 584 ، ينابيع المودة للقندوزي ص 120 ، دلائل الصدق ج 2 / 51 .
 11 - عطية العوفي : ما نزل من القرآن في علي لأبي نعيم الاصبهاني المتوفى 430 ه‍ كما في الغدير ج 1 / 218 ، الخصائص العلوية لأبي فتح النطنزى ، دلائل الصدق ج 2 / 51 . راجع بقية المصادر للآية : في سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم ( 626 ) إحقاق الحق ج 6 / 347 . وأما من كتب الشيعة فراجع بحار الأنوار ج 37 ط طهران الجديد .
( 924 ) سورة الزمر :
65 ( * ) .
 
 

- ص 585 -

مفروغ عنه .

وبنزول الآية نزل صلى الله عليه وآله واستنزل من معه عن رواحلهم ، فأرسل من استرجع المتقدمين من الحجاج ، وانتظر المتأخرين ، حتى اجتمع الناس كلهم في صعيد واحد ، فصلى بهم فريضة الوقت ، وعمل له منبر عال من حدائج الإبل بين دوحتين من سمر ظللوا عليه من الشمس بينهما ، فرقي ذروة المنبر وأجلس عليا دونه بمرقاة ، ووقف للخطابة عن الله عزوجل في تلك الجماهير فابتدأ ببسم الله والحمد لله ، والثناء على الله ، والشكر لآلائه ، فقال في ذلك ما شاء أن يقول ، ثم أهاب بالناس يسمعهم صوته ، فقصروا عليه أسماعهم وأفئدتهم صاغين ، واليكم نص بعض المأثور من خطابه يومئذ بعين لفظه : " أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب ( 1 ) واني مسئول وإنكم مسئولون ( 2 ) فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت ، فجزاك الله خيرا فقال : أليس تشهدون أن لا اله الا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته

  ( 1 ) انما نعى إليهم نفسه الزكية تنبيها إلى أن الوقت قد استوجب تبليغ عهده ، والاذان بتعيين الخليفة من بعده ، وانه لا يسعه تأخير ذلك مخافة أن يدعى فيجيب قبل أحكام هذه المهمة التي لا مندوحة له عن أحكامها ، ولا غنى لامته عن إتمامها ( منه قدس ) .
( 2 ) لما كان عهده صلى الله عليه وآله إلى أخيه ثقيلا على أهل التنافس والحسد والشحناء والنفاق ، أراد صلى الله عليه وآله قبل أن ينادى به أن يتقدم بالاعتذار إليهم تأليفا لقلوبهم . فقال : واني مسئول وإنكم مسئولون ، ليعلموا أنه مأمور به ، ومسئول عن بلاغه ، وانهم مأمورون بالطاعة فيه ومسئولون عنها ، فلا سبيل إلى ترك البلاغ ، كما لا مندوحة لهم عن البخوع لأمر الله ورسوله .
وقد أخرج الديلمي وغيره - كما في الصواعق المحرقة وغيرها - عن أبى سعيد ان النبي صلى الله عليه وآله قال : وقفوهم انهم مسئولون
عن ولاية علي .
( قال ) : الإمام الواحدي : انهم مسئولون عن ولاية على وأهل البيت ( منه قد
س ) ( * ) .
 
 

- ص 586 -

حق ، وأن ناره حق ، وأن الموت حق ، وأن البعث حق بعد الموت ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟ .
قالوا : بلى نشهد بذلك ( 1 ) .
قال : اللهم اشهد ثم قال : يا أيها الناس ان الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ( 2 ) فمن كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، ثم قال : يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون على الحوض ، حوض أعرض مما بين بصري إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، واني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله عزوجل سبب طرفه بيد الله تعالى وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي ، فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض اه‍ . . ( الحديث ) ( 925 ) .

  ( 1 ) تدبر هذه الخطبة . فمن تدبرها وأعطى التأمل فيها حقه . علم انها ترمى إلى ان ولاية على من أصول الدين كما عليه الإمامية ، حيث سألهم أولا فقال : أليس تشهدون ان لا اله إلا الله ، وان محمدا عبده ورسوله إلى أن قال : وان الساعة آتية لا ريب فيها ، وان الله يبعث من في القبور ، ثم عقب ذلك بذكر الولاية ليعلم انها على حد تلك الأمور التي سألهم عنها فأقروا بها . وهذا ظاهر لكل من عرف أساليب الكلام ومغازيه من أولي الإفهام ( منه قدس ) .

( 2 ) قوله : وأنا أولى قرينة لفظية على أن المراد من المولى انما هو الأولى ، فيكون المعنى أن الله أولى بي من نفسي وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ومن كنت أولى به من نفسه فعلى أولى به من نفسه ( منه قدس ) .

( 925 ) هذا لفظ الحديث عن الطبراني وابن جرير والحكيم والترمذي عن زيد بن أرقم . وقد نقله عن زيد غير واحد من أعلام الجمهور كابن حجر الهيثمي باللفظ الذي أوردناه وأرسل صحته إرسال المسلمات فراجع من صواعقه ص 25 أثناء الشبهة 11 من الشبه التي أوردها في الفصل الخامس من الباب الأول من الصواعق ( منه قدس ) .
ذكر هذه الخطبة جماعة غير ابن حجر منهم
=>

 
 

- ص 587 -

لا كلام في صحة هذا الحديث بلفظه ، ولا ريب في تواتره من حيث المعنى بألفاظ متقاربة ( 926 ) غير ان شيخ الإسلام شيخنا البشري رحمه الله تعالى

  => الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 / 164 ، ابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ج 2 / 45 ح 545 ، المتقي الهندي في كنز العمال ج 1 / 168 ح 959 ط 2 ، الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 289 طبع مصر ويد الطبع الاثيمة قد حذفت منه الحديث ولم تبق الا الاشارة إليه وقد نقل عنه الحديث تاما البدخشانى في كتابه نزل الأبرار ص 50 فراجع ، القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص 37 ط اسلامبول وص 41 ط الحيدرية ، العلامة الأميني في الغدير ج 1 / 26 - 27 ، السيد حامد الموسوي في عبقات الأنوار ج 1 / 156 ( قسم حديث الثقلين ) ط قم ، سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم ( 615 ) . ( 926 ) وقد أثبتنا ذلك في المراجعة 56 من المراجعات بالحجة البالغة والحمد لله فلتراجع بإمعان ( منه قدس ) .
قد اعترف بتواتر هذا الحديث جملة من أعلام أهل السنة منهم :
 1 - شمس الدين الجزرى الشافعي في كتابه أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب ص 48 قال وهو متواتر أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله .
 2 - جلال الدين السيوطي في الفوائد المتكاثرة .
 3 - الملا علي القاري في المرقاة شرح المشكاة .
 4 - جمال الدين عطاء الله الشيرازي في كتابه الأربعين .
 5 - المناوئ الشافعي في كتابه التيسير .
 6 - محمد بن إسماعيل اليماني الصنعاني في : الروضة الندية .
 7 - محمد صدر عالم . معارج العلى .
 8 - الشيخ عبدالله الشافعي في كتابه الأربعين .
 9 - الشيخ ضياء الدين المقبلي في الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة .
 10 - ابن كثير الدمشقي في ترجمة ابن جرير الطبري .
 11 - ميرزا مخدوم بن مير عبدا لباقي في كتابه نواقض الروافض
=>
 
 

- ص 588 -

قال فيما راجعنا به مما يتعلق بهذا الحديث : ان حمل الصحابة على الصحة يستوجب تأويل هذا الحديث - حديث الغدير - متواترا كان أو غير متواتر ، ولذا قال أهل السنة لفظ المولى يستعمل في معاني متعددة ، ورد بها في القرآن العظيم ، فتارة يكون بمعنى الأولى ، كقوله تعالى مخاطبا للكفار ( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) أي أولى بكم ، وتارة بمعنى الناصر كقوله عز اسمه : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ  ) وبمعنى الوارث كقوله سبحانه : ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) أي ورثة ، وبمعنى العصبة نحو قوله عزوجل : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي ) وبمعنى الصديق : ( يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا ) وكذلك لفظ الولي يجئ بمعنى الأولى بالتصرف ، كقولنا : فلان ولي القاصر ، وبمعنى الناصر والمحبوب .

قالوا : فلعل معنى الحديث ، من كنت ناصره ، أو صديقه ، أو حبيبه ، فان عليا كذلك وهذا المعنى يوافق كرامة السلف الصالح ، وإمامة الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم أجمعين .

فقلت له في الجواب : أنا أعلم بأن قلوبكم لا تطمئن بما نقلتموه ونفوسكم لا تركن إليه ، وإنكم تقدرون رسول الله صلى الله عليه وآله في حكمته البالغة ، وعصمته الواجبة ، ونبوته الخاتمة ، وانه سيد الحكماء ، وخاتم الأنبياء ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) فلو سألكم فلاسفة الاغيار عما كان منه يوم غدير خم ، فقال : لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن المسير ؟
وعلى م حبسهم في تلك الرمضاء بهجير ؟
وفيم اهتم بارجاع من تقدم منهم والحاق من تأخر ؟
ولم أنزلهم جميعا في ذلك العراء على غير كلاء ولا ماء ؟

  => راجع بقيتهم : إحقاق الحق ج 2 / 423 ، الغدير ج 1 ، عبقات الأنوار . ( * )   
 

- ص 589 -

ثم خطبهم عن الله عزوجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ، ليبلغ الشاهد منهم الغائب ، وما المقتضي لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه ؟ إذ قال : يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب ، واني مسئول ، وإنكم مسئولون ، وأي أمر يسأل النبي صلى الله عليه وآله عن تبليغه ؟
وتسأل الأمة عن طاعتها فيه ؟
ولماذا سألهم فقال ؟ ألستم تشهدون ان لا اله إلا الله ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان جنته حق وأن ناره حق ، وان الموت حق ، وان البعث حق بعد الموت ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟ قالوا : بلى نشهد بذلك .

ولماذا أخذ حينئذ على سبيل الفور بيد علي فرفعها إليه حتى بان بياض إبطيهما ؟ فقال " يا أيها الناس ان الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين " ، ولماذا فسر كلمته - وأنا مولى المؤمنين - بقوله وأنا أولى بهم من أنفسهم ؟

ولماذا قال بعد هذا التفسير " فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه ، أو من كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ؟ " ولم خصه بهذه الدعوات التي لا يليق لها الا أئمة الحق ، وخلفاء الصدق ؟

ولماذا أشهدهم من قبل فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ فقالوا : بلى . فقال : من كنت مولاه ، فعلي مولاه ، أو من كنت وليه ، فعلي وليه ،
ولماذا قرن العترة بالكتاب ، وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب ؟
وبم كانت لديه عدل القرآن ؟
ولم أخبر أنهما لا يفترقان ؟
وفيم بشر بهدى من تمسك بهما ، وأنذر بضلال من تخلف عنهما ؟
وعلى م هذا الاهتمام العظيم من النبي الحكيم ( 1 ) ؟
وما المهمة التي

  ( 1 ) سبحان الله وبحمده ، ما أعجب نتيجة هذا الاهتمام العظيم ، بينا يبوئ النبي عليا والأئمة من عترته منزلة القرآن ، ويجعلهم عدله في الميزان فيحق لهم الأمر والنهى والقول الفصل ، والحكم العدل ، وتكون الناس تبعا لهم ؟ فإذا هم من سوقة تيم وعدى وآل أبى العاص وأضرابهم ، وليس لهم من أمر الأمة شئ ! ! لا يعرج عليهم في فروع =>  
 

- ص 590 -

احتاجت إلى هذه المقدمات كلها ؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهود ؟ وما الشئ الذي أمره الله تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )
وأي مهمة استوجبت من الله هذا التأكيد ، واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد ؟
وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه ؟ ويحتاج إلى عصمة الله من أذى المنافقين ببيانه ؟

أكنتم - بجدك لو سألكم عن هذا كله - تجيبونه بأن الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله انما أرادا بيان نصرة علي للمسلمين ، وصداقته لهم ليس إلا ؟
ما أراكم ترتضون هذا الجواب ، ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه جائزا على رب الأرباب ، ولا على سيد الحكماء ، وخاتم الرسل والأنبياء ، وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف هممه كلها ، وعزائمه بأسرها ، إلى تبيين شئ بين لا يحتاج إلى بيان ، وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان ، ولاشك إنكم تنزهون أفعاله وأقواله عن ان تزدري بها العقلاء ، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء ، بل لا ريب في انكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة ، وقد قال الله تعالى : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) فيهتم بتوضيح الواضحات ، وتبيين ما هو بحكم البديهيات ، ويقدم لتوضيح هذا الواضح مقدمات أجنبية لا ربط له بها ، ولا دخل لها فيه ، تعالى الله عن ذلك ورسوله علوا كبيرا ، وأنت - نصر الله بك الحق - تعلم ان الذي يناسب مقامه واهتمامه

  => من الدين ، ولا في أصول منه ، ولا في آية أو في رواية ! ! والمرجع في كل ذلك سواهم وليتهم مع ذلك لم يكونوا بين ضحايا وسبايا ، ولم يوقفوهم على درج الجامع في دمشق والمسلمون بمنظر وبمسمع لا منكر منهم ولا متفجع ( منه قدس ) ( * ) .  
 

- ص 591 -

في ذلك الهجير ، ويليق بأقواله وأفعاله يوم الغدير ، انما هو تبليغ عهده ، وتعيين القائم مقامه من بعده ، والقرائن القطعية ، والأدلة العقلية ، توجبان القطع الثابت الجازم بأنه صلى الله عليه وآله ما أراد يومئذ الا تعيين علي واليا لعهده وقائما مقامه من بعده .

فالحديث مع ما قد حف به من القرائن ، نص جلي ، في خلافة علي ، لا يقبل التأويل ، وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل ، وهذا واضح والحمد لله ( لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) .

على ان هذا الحديث لم يسلم من الاختصار بحذف شئ من نصوصه قطعا لان القوة الفعالة والأكثرية الساحقة يومئذ انما كانتا في جانب المعارضين الحول القلب ، ولهم كانت الغلبة وعاقبة السلطة ، ومع ذلك فان الشذرة الباقية من شذور الحديث كافية وافية والحمد لله ، والعجب كل العجب من بقائها ، وانما بقيت ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) ( ولله الحجة البالغة على الناس ) .

اما نحن الإمامية فقد تواتر لدينا من طريق الإمام أبي عبدالله الصادق عن آبائه الميامين عليهم السلام عن جدهم صلى الله عليه وآله انه نص على علي يوم الغدير بالخلافة عنه صلى الله عليه وآله نصا صريحا بكل جلاء ، وانه أمر أصحابه يومئذ بأن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين ، وان البعض منهم سلم ولم يقل شيئا .

والبعض انما سلم بعد ان قال للنبي صلى الله عليه وآله : أعن الله ورسوله ذلك يا رسول الله ؟ .
فقال صلى الله عليه وآله نعم انما هو عن الله ورسوله ( 927 ) . فصرح الحق يومئذ عن محضه . وأسفر

  ( 927 ) أخرجه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي ، وناهيك به حجة ( منه قدس ) . الكافي للكليني ج 2 / ، بحار الأنوار ج 37 ط طهران ، اثبات الهداة للحر العاملي ج 1 ( * ) .  
 

- ص 592 -

الصبح والحمد لله لذي عينين .
كما قال أبو تمام الطائي رحمه الله من قصيدة له عصماء هي في ديوانه :

ويوم الغدير استوضح الحق أهله * بفيحاء ما فيها حجاب ولا ستر
يمد بضبعيه ويعلم أنه * ولي ومولاكم فهل لكم خبر
يروح ويغدو بالبيان لمعشر * يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر
( 1 )
فكان له جهر باثبات حقه * وكان لهم في بزهم حقه جهر ( 2 )
أثم جعلتم حظه حد مرهف * من البيض يوما حظ صاحبه القبر ( 928 )

  ( 1 ) الغمر من الناس : جماعتهم ولفيفهم ( منه قدس ) .
( 2 ) الضمير في له ، عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، أي كان له جهر باثبات حق على في الخلافة عنه صلى الله عليه وآله ، وكان لهم ، أي لأهل المعارضة منهم ، جهر في بزهم اياه هذا الحق ( منه قدس ) .
( 928 ) الأبيات من قصيدة تحتوى على 73 بيتا موجودة في ديوانه ص 143 ، الغدير ج 2 / 330 و 331 وفيه بعد البيت الأول :

أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينآهم نكر

الشاعر : أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الاشجع بن يحيى بن مزينا . . . الخ ينتهى نسبه إلى يعرب بن قحطان . وهو أحد رؤساء الإمامية كما قال الجاحظ والأوحد من شيوخ الشيعة في الأدب =>

 
 

- ص 593 -

وقال الكميت بن زيد رحمه الله تعالى :

ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الخلافة لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
ولم أر مثل ذاك اليوم يوما * ولم أر مثله حقا أضيعا
فلم أبلغ بها لعنا ولكن * أقول أساء أولهم صنيعا
( 929 )

 

هـ ، 2 - في العصور المتقادمة ومن أئمة اللغة وكان يحفظ أربعة آلاف ديوان غير ألف أرجوزة وأصله من الشام وكان من الموالين لأهل البيت والمتفانين في حبهم وله ديوان الحماسة الذائع الصيت ، والاختيارات من شعر الشعراء وغيرهما ، وقد ألف في أخباره وحياته عدة من العلماء منهم : 1 - ابن أبى طاهر ت 280 هـ ، 2 -  الصولى ت 236 هـ ، 3 - أبو القاسم الامدي ت 371 هـ ، 4 - أبنا هاشم الخالديان : أبو بكر وأبو عثمان ، 5 - المرزبانى ت 444 هـ ، 6 - المرزوقى ت 421 هـ ، 7 - السيد الأمين العاملي وغيرهم راجع البقية في الغدير ج2 /340  ، وتوجد ترجمته في : طبقات ابن المعتز ص 33 ، فهرست ابن النديم ص 235 ، تاريخ الطبري ج 11 / 9 فهرست النجاشي ص 102 ، تاريخ الخطيب ج 8 / 248 ، مروج الذهب ج 3 / 474 ، الغدير ج 2 / 329 - 343 ولها مصادر أخرى . اختلف في ولادته : 172 ، 188 ، 190 ، 192 ه‍ . وكذلك اختلف في وفاته فقيل : 228 ه‍ وقيل 231 وقيل 232 .

( 929 ) هذه الأبيات من قصيدة عصما من غرر قصائد الكميت والمعروفة ب‍ ( الهاشميات ) والتي تقدر بـ ( 578 ) يتا ، الغدير ج 2 / 180 . الشاعر : أبو المستهل الكميت بن زيد بن حنيس بن مخلد . . ينتهى نسبه إلى مضر بن نزار وكان شاعرا عالما بلغات العرب ، خبيرا بأيامها .
وقال الفرزدق يخاطبه : " أنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقى " وكان من الموالين لاهل البيت والمتفانين في حبهم وكان من المعادين لبنى أمية وأشياعهم ومن قوله في تشيعه

 
 

- ص 472 -

. . . . . . .

 

=> فمالي الا آل أحمد شيعة * ومالي الا مشعب الحق مشعب

وقد حضي بدعاء الأئمة الهداة عليهم السلام فقد دعى له الإمام الباقر والصادق عليهما السلام بل النبي صلى الله عليه وآله دعى له كما في بعض المنامات . وقد تحمل أصناف العذاب والتشريد في حب آل الرسول صلى الله عليه وآله حتى استشهد بأيدي أعوان الظلمة سنة 126 ه‍ في خلافة مروان بن محمد . وقد ولد سنة 60 ه‍ سنة استشهاد الإمام السبط الحسين بن على عليه السلام راجع : ترجمته المفصلة في الغدير ج 2 / 180 - 212 .

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب