النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص 26
: - |
|
[ المورد
( 3 ) - : غزوة مؤتة ]
وكانت في جمادي
الأولى سنة ثمان
استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله على الجيش فيها
زيد بن حارثة وقال : ان أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب ،
فان أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، هذا ما يقوله
جمهور المسلمين كافة ، ولعل الصواب ما يقوله أصحابنا
الإمامية ، ان الأول من هؤلاء الأمراء انما هو جعفر
والثاني انما هو زيد وثالثهم عبدالله بن رواحة
واخبارنا في هذا متظافرة من طريق العترة الطاهرة ( 36
) .
|
( 36 ) الأمير الأول في مؤتة هو
جعفر الطيار : راجع : بحار
الأنوار للمجلسي ج 1 / 55 ،
مناقب آل أبى طالب لابن شهر آشوب
=> |
|
|
ويشهد لهذا ما رواه محمد بن
إسحاق في مغازيه عن كل
من حسان بن ثابت وكعب بن مالك الأنصاريين من شعرهما في
رثاء جعفر ومدحه إذ استشهد ( 37 ) وكيف كان الواقع من
ترتيب رسول الله لهؤلاء الأمراء الثلاثة فقد نص صلى
الله عليه وآله على تأمير زيد ( 38 ) ، سواء أكان
الأول منهم ، أم كان الثاني ، وسمعه الجيش وسائر
الصحابة يؤمره فلا وجه لطعن الطاعنين منهم بعد ذلك في
تأميره ( 39 ) الا إذا جاز الاجتهاد من غير المعصوم ،
في مقابل النص من المعصوم .
وكان السبب في هذه الغزوة
ان رسول الله صلى الله عليه وآله بعث من أصحابه الحرث
بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب يدعوه فيه إلى الله
تعالى ورسوله وطاعتهما ليكون من المسلمين له ما لهم ،
وعليه ما عليهم ، فعرض له شرحبيل
|
=>
ج 1 / 205 ، أعلام الورى بأعلام الهدى ص 110 ط 2 ،
أعيان
الشيعة ج 2 / 324 ، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 65 ط
دار صادر ،
دراسات وبحوث في
التاريخ والإسلام ج 1 / 210 ،
كتاب سليم بن قيس ص 188
ط النجف ، قاموس الرجال ج 6 / 40 .
( 37 ) وقد أورد
ابن أبى الحديد من شعرهما في هذا الموضوع في 607 والتي
بعدها من المجلد الثالث من شرح النهج . فليراجع ( منه
قدس ) . المغازي لمحمد بن اسحاق ،
شرح نهج البلاغة
لابن أبى الحديد ج 15 / 62 - 64 ط مصر بتحقيق أبو
الفضل ، ديوان حسان بن ثابت ج 1 / 98 ط دار صادر ،
السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 384 - 387 ،
البداية
والنهاية ج 4 / 260 - 261 ،
السيرة الدحلانية ج 2 / 72
، الإصابة ج 1 / 238 ،
أعيان الشيعة ج 2 / 324 - 325 ،
مقاتل الطالبين ص 15 ، تهذيب ابن عساكر ج 1 / 150 -
151 ، دراسات وبحوث في التاريخ
والإسلام ج 1 / 212 ،
الدرجات الرفيعة ص 77 - 78 .
( 38 ) تأمير زيد : ولا
خلاف فيه راجع : الكامل في التاريخ ج 2 / 234 ،
شرح
نهج البلاغة لابن أبى الحديد
ج 15 / 61 و 62
تاريخ
الطبري ج 3 / 36 و 40 .
( 39 ) وسوف يأتي تحت رقم
( 49
) فراجع
. ( * )
|
|
|
بن عمرو ، فقال له : أين تريد ؟ فقال الشام . قال :
لعلك من رسل محمد ؟ قال نعم . فأمر به فأوثق رباطا ثم
قدمه فضرب عنقه . ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه
وآله رسول غيره . وبلغ رسول الله ذلك فبعث هذا البعث (
40 ) ، وأمر عليه الأمراء الثلاثة ، ورتبهم حسب ما
أسلفناه .
أرسل صلى الله عليه وآله هذا البعث ، والبعث
الآخر مع أسامة بن زيد لفتح الشام فوقرت بهما مهابة
الإسلام والمسلمين في الصدور ، وامتلأت صدور الروم
هيبة وإجلالا بما رأته من رباطة الجأش وصدق اللقاء ،
والتفاني في الفتح ، والمسابقة إلى الموت في سبيله من
كلا الجيشين .
ولله ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب إذ
اشتد بمن معه وهم ثلاثة آلاف على عدوه هرقل وهو في مئتى ألف ( 41 ) وهو يقول :
يا حبذا الجنة
واقترابها * طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها
علي إذ لاقيتها ضرابها
فلما اشتد
القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم
فقطعت يداه وقتل . وكان جعفر أول من عقر فرسه في
الإسلام ، فوجدوا به بضعا
|
(
40 ) شرح نهج البلاغة
لابن أبى الحديد ج 15 / 61 ،
السيرة الحلبية ج 3 / 77 ط مصطفى محمد .
( 41 ) مئة ألف من الروم ومئة
ألف من المستعربة من لخم وجذام وغيرهما . كما في كامل
ابن الأثير وغيره ( منه قدس ) . جعفر في ثلاثة آلاف
وعدوه في مائة ألف : راجع : الكامل في التاريخ ج 2 /
234 و 235 ، تاريخ الطبري ج 3 / 37 ،
السيرة النبوية
لابن هشام ج 2 / 373 و 375 ، بحار
الأنوار ج 21 / 55 ،
السيرة الحلبية ج 3 / 77 ( * ) . |
|
|
وثمانين جرحا بين رمية وضربة وطعنة ( 42 ) .
ويؤثر
عن رسول الله ( 1 ) أنه صلى الله عليه وآله قال : مر بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة له جناحان مخضب
القوادم بالدم ( 43 ) .
ولله موقف زيد بن حارثة وقد
شاط في رماح القوم أعلى الله مقامه كما شرف في الدنيا
ختامه . وما أشرف موقف عبدالله بن رواحة إذ يشجع نفسه
في مقابلة مئتى الف من عدوه فيقول :
يا نفس ان لم تقتلي
تموتي * هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت * ان تفعلي فعلهما هديت
وقال : أقسمت يا نفس لتنزلنه * طائعة أو لا لتكرهنه
ان أجلب الناس وشدوا الرنة * مالي أراك تكرهين الجنة
قد طالما قد كنت
مطمئنة * هل أنت الا نطفة في شنة
ثم نزل عن فرسه
وأتاه ابن عم له بعرق من لحم ، فقال له : شد بهذا صلبك
فقد لقيت ما لقيت. فأخذه فانتهس منه نهسة ثم سمع
الحطمة في ناحية العسكر فقال لنفسه : وأنت في الدنيا
؟ ثم ألقاه وأخذ سيفه
وتقدم فقاتل حتى قتل ( 44 ).
|
(
42 ) الكامل في التاريخ
2 / 236 مع تغيير يسير في اللفظ ،
تاريخ الخميس ج 2 / 71 ،
السيرة النبوية لابن
هشام ج 2 / 378 .
( 1 ) كما في غزوة مؤتة من كامل ابن الأثير
وغيره من كتب الحديث والأخبار . ولذا كان لقبه عند
المسلمين كافة ذا الجناحين ( منه قدس ) .
( 43 )
الكامل 2 / 238 ،
تاريخ الطبري 3 / 41 .
( 44 ) مقتل
زيد بن حارثة : راجع : الكامل 2 / 236 - 237 ،
شرح
النهج لابن أبى الحديد 15 / 69 - 70 ،
السيرة النبوية
لابن هشام ج 2 / 379 ، تاريخ الطبري 3 / 39 - 40 ،
تاريخ الخميس ج 2 / 71 - 72 ( * ) . |
|
|
وكان بعض المسلمين من هذا الجيش - إذ علم أن عدوهم
الناهد إليهم مئتا ألف - رأى ان يخبر رسول الله بذلك ،
فشجعهم عبدالله بن رواحة ( على المضي ) بقوله : "
والله ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما
نقاتلهم الا بهذا الدين ، الذي أكرمنا الله تعالى به ،
فانطلقوا فما هي الا إحدى الحسنيين . اما ظهور واما
شهادة " فقال الناس : صدق والله ( 45 ) وساروا فما
ضعفوا وما استكانوا ، ان هذا والله لهو الشرف ، يعلو
جناح النسر ، ويزحم منكب الجوزاء ، اجل ، انما هو
الإيمان بالله ورسوله ، فياليتنا كنا معهم فنفوز فوزا
عظيما .
|
( 45 ) راجع :
شرح النهج لابن أبى الحديد 15 / 67 ،
تاريخ الطبري 3 / 38 ،
السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 375 ،
بحار الأنوار
ج 21 / 56 و 61 ، السيرة الحلبية ج 3 /
77 ( * ) . |
|
|
|