النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
30
: - |
|
[ المورد - ( 4 ) -
سرية أسامة ابن زيد : ]
ان رسول الله صلى الله عليه
وآله قد اهتم بهذه السرية اهتماما عظيما فأمر أصحابه
بالتهيؤ لها وحضهم على ذلك ، ثم عبأهم بنفسه الزكية ، ارهافا لعزائمهم ، واستنهاضا لهممهم ، فلم يبق أحدا من
وجوه المهاجرين والأنصار
، كأبي بكر
وعمر ( 46 ) وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم الا وقد عبأه
بالجيش ( 1 ) وكان
|
(
46 ) أجمع أهل السير والأخبار على ان أبا بكر وعمر كانا في الجيش ، وأرسلوا
ذلك في كتبهم إرسال المسلمات وهذا ما لم يختلفوا فيه .
فراجع ما شئت من الكتب المشتملة على هذه السرية ،
كطبقات ابن سعد وتاريخي الطبري وابن
الأثير والسيرة
الدحلانية وغيرها لتعلم ذلك .
وقد أورد الحلبي ذكر هذه
السرية في الجزء الثالث من سيرته حكاية طريفة نوردها
بعين لفظه . قال : ان الخليفة المهدي لما دخل البصرة
رأى أياس بن معاوية ، الذي يضرب به المثل في الذكاء .
وهو صبى ووراءه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة
فقال المهدي : أف لهذه العثانين - أي اللحى - أما كان
فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث ! ثم التفت إليه
المهدي وقال : كم سنك يا فتى ؟ فقال أطال الله بقاء
أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول
الله صلى الله عليه وآله جيشا فيه أبو بكر وعمر . فقال
: تقدم بارك الله فيك . ( قال الحلبي ) : وكان سنه سبع
عشرة سنة ، أه ( منه قدس ) .
أبو بكر وعمر في جيش
أسامة : راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 190 وج
4 / 66 ، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 93 ط الغرى وج 2 / 74 ط
بيروت ، الكامل لابن
الأثير ج 2 / 317 ، شرح نهج
البلاغة لابن أبى الحديد ج 1 / 53 وج 2 / 21 ط 1 وج 1
/ 159 وج 6 / 52 بتحقيق أبو الفضل ، سمط النجوم
العوالي للعاصمى ج 2 / 224 ،
السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 / 339 ،
كنز العمال ج
5 / 312 ط 1 وج 10 / 570 ط حلب ،
منتخب كنز العمال
بهامش مسند أحمد ج 4 / 180 ،
عبدالله بن سبأ للعسكري ج
1 / 71 ، أنساب الأشراف للبلاذرى ج 1 / 474 ،
تهذيب
ابن عساكر ج 2 / 391 ، أسد الغابة ج 1 / 68 ،
السيرة
الحلبية ج 3 / 234 ، تاريخ أبى الفداء ج 1 / 156 ذكر
عمر في السرية ، مقدمة
مرآة
العقول ج 1 / 58 و 59 .
( 1 ) كان عمر يقول لأسامة :
مات رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت علي أمير . نقل
ذلك عنه جماعة من الأعلام كالحلبي في سرية أسامة من
سيرته الحلبية ، وغير واحد من المحدثين والمؤرخين (
منه قدس ) ( * ) . |
|
|
ذلك
لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشر للهجرة ،
فلما كان من الغد دعا أسامة فقال له : " سر إلى موضع
قتل أبيك ، فأوطئهم الخيل ، فقد وليتك هذا الجيش ،
فأغز صباحا على أهل أبنى ( 1 ) وحرق عليهم ، وأسرع
السير لتسبق الإخبار ، فأن أظفرك الله عليهم ، فأقل
اللبث فيهم ، وخذ معك الإدلاء ، وقدم العيون والطلائع
معك " ( 47 ) .
فلما كان يوم الثامن والعشرين من صفر
بدأ به صلى الله عليه وآله مرض الموت ، فحم - بأبي
وأمي - وصدع ، فلما أصبح يوم التاسع والعشرين ووجدهم مثاقلين ، خرج إليهم فحضهم على السير ، وعقد صلى الله
عليه وآله اللواء لأسامة بيده الشريفة تحريكا لحميتهم
، وإرهافا لعزيمتهم ، ثم قال : " اغز باسم الله وفي
سبيل الله ، وقاتل من كفر بالله " ( 48 ) فخرج بلوائه
معقودا ، فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف ، ثم تثاقلوا
هناك فلم يبرحوا مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة
في وجوب إسراعهم كقوله صلى
الله عليه وآله : اغز صباحا على أهل ابني ، وقوله :
وأسرع السير لتسبق الأخبار إلى كثير من أمثال هذه
الأوامر التي لم
|
(
1 ) ابني ، بضم الهمزة وسكون الباء ثم نون مفتوحة
بعدها ألف مقصورة ، ناحية بالبلقاء من أرض سوريا ، بين
عسقلان والرملة ، وهى قرب مؤتة التي استشهد عندها جعفر بن أبى طالب ذو الجناحين
في الجنة عليه السلام ، وزيد بن حارثة وعبد الله بن
رواحة رضي الله عنهما ( منه قدس ) .
( 47 ) الرسول صلى
الله عليه وآله يحث على مسير جيش أسامة : راجع : المغازي للواقدي ج 3 / 1117 ، السيرة الحلبية ج 3 /
207 ط البهية وج 3 / 234 ط مصطفى محمد ،
السيرة
النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 / 339 ،
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 190 . ( 48 )
السيرة
الحلبية ج 3 / 234 ( * ) . |
|
|
يعملوا بها في تلك السرية .
وطعن قوم منهم في تأمير
أسامة ، كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه ، وقالوا في
ذلك ، فأكثروا مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالامارة
، وقوله صلى الله عليه وآله له يومئذ : فقد وليتك هذا
الجيش ، ورأوه يعقد له لواء الامارة : - وهو محموم -
بيده الشريفة ، فلم يمنعهم ذلك من الطعن في تأميره ،
حتى غضب صلى عليه وآله وسلم من طعنهم غضبا شديدا ،
فخرج - بأبي وأمي - معصب الرأس ( 1 ) مدثرا بقطيفته
محموما ألما ، وكان ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع
الأول ، قبل وفاته - بأبي وأمي - بيومين ( فيما يرويه
الجمور ) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال -
فيما اجمع أهل الأخبار على نقله ، واتفق الخاصة
والعامة من أولى العلم على صدوره منه صلى الله عليه
وآله : " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في
تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم
في تأميري أباه من قبله ،
وأيم الله ان كان لخليقا بالامارة ، وان ابنه من بعده
لخليق بها ( 49 ) " وحضهم على المبادرة إلى السير
فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف وهو يحضهم
على التعجيل ، ثم ثقل - بأبي وأمي - في مرضه ، فجعل
يقول : " جهزوا جيش أسامة ،
|
(
1 ) كل من ذكر هذه السرية من المحدثين وأهل السير
والأخبار نقل
طعنهم في تأمير أسامة ، وأنه صلى الله عليه وآله غضب
غضبا شديدا فخرج على الكيفية التي ذكرناها فخطب الخطبة
التي أوردناها ، فراجع سرية أسامة من
طبقات ابن سعد ،
وسيرتي الحلبي والدحلانى وغيرهما من المؤلفات في هذا
الموضوع ( منه قدس ) .
( 49 ) راجع
المغازي للواقدي ج
3 / 1119 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 190 ، شرح
النهج لابن أبى الحديد ج 1 / 53 ط 1 وج 1 / 159 ط مصر
بتحقيق أبو الفضل السيرة الحلبية ج 3 / 207 وج 3 / 234
ط آخر ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش الحلبية ج 2
/ 339 ، عبدالله بن سبأ ج 1 / 70 ،
كنز العمال ج 10 /
572 - 573 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 /
182 ( * ) . |
|
|
أنفذوا جيش
أسامة ، أرسلوا بعث أسامة ، يكرر ذلك " (
50 ) وهم مثاقلون .
فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر
من ربيع الأول دخل أسامة من معسكره على النبي صلى الله
عليه وآله فأمره بالسير قائلا له : " أغد على بركة
الله تعالى " ( 51 ) فودعه وخرج إلى المعسكر ، ثم رجع
ومعه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إليه - بأبي وأمي - وهو
يجود بنفسه ، فتوفي - روحي وأرواح العالمين له الفداء
- في ذلك اليوم ، فرجع الجيش باللواء إلى المدينة
الطيبة ، ثم عزموا على إلغاء البعث بالمرة ، وكلموا
أبا بكر في ذلك وأصروا عليه غاية الإصرار ( 52 ) .
مع
ما رأوه من اهتمام النبي صلى الله عليه وآله في انفاذه
، وعنايته التامة في تعجيل إرساله ، ونصوصه المتوالية
في الإسراع به ، على وجه يسبق الأخبار ، وبذله الوسع
في ذلك منذ عبأه بنفسه ، وعهد إلى أسامة في أمره ،
وعقد لواءه بيده إلى أن احتضر - بأبي وأمي - فقال : "
أغد على بركة الله تعالى " كما سمعت ولولا الخليفة
لأجمعوا يومئذ على رد البعث وحل اللواء ، لكنه أبى
عليهم ذلك فلما رأوا منه العزم على إرسال البعث ، جاءه
عمر بن الخطاب حينئذ
|
(
50 ) الرسول يأمر بتنفيذ جيش أسامة : راجع :
كنز العمال ج 10 / 573 ،
منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 / 182 .
( 51 )
الرسول صلى الله عليه وآله يأمر أسامة بالذهاب إلى
الحرب : راجع : المغازي للواقدي ج 3 / 1120 ،
الطبقات
الكبرى لابن سعد ج 2 / 191
السيرة الحلبية ج 3 / 208
وج 3 / 235 ط آخر ، السيرة النبوية الدحلانية بهامش
الحلبية ج 2 / 340 ، شرح النهج لابن أبى الحديد ج 1 /
53 ط 1 وج 1 / 160 بتحقيق أبو الفضل
كنز العمال ج 10 /
574 .
( 52 ) محاولة التراجع عن الغزو مع أسامة : راجع
: الكامل ج 2 / 334 - 335 ،
كنز العمال ج 10 / 575 ،
منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد
ج 4 / 183 ،
السيرة الحلبية ج 3 /
236 ( * ) . |
|
|
يلتمس منه بلسان
الأنصار ان يعزل أسامة ويولي غيره .
هذا ولم يطل العهد منهم بغضب النبي وانزعاجه من طعنهم
في تأمير أسامة ، ولا بخروجه من بيته بسبب ذلك محموما
ألما ، معصبا مدثرا ، يرسف في مشيته ، ورجله لا تكاد
تقله مما كان به من لغوب ، فصعد المنبر وهو يتنفس
الصعداء ، ويعالج البرحاء ، فقال : " أيها الناس ما
مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ، ولئن طعنتم
في تأميري أسامة ، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وأيم الله ان كان لخليقا بالامارة ، وان ابنه من بعده
لخليق بها " ( 53 ).
فأكد صلى الله عليه وآله الحكم
بالقسم وان ، واسمية الجملة ، ولام التأكيد ليقلعوا
عما كانوا عليه فلم يقلعوا ، لكن الخليفة أبى ان
يجيبهم إلى عزل أسامة ، كما أبى أن يجيبهم إلى إلغاء
البعث ، ووثب فأخذ بلحية عمر ( 1 ) فقال : ثكلتك أمك
وعدمتك يا ابن الخطاب ، استعمله رسول الله صلى الله
عليه وآله وتأمرني أن أنزعه ! " ( 54 ) .
ولما سيروا
الجيش - وما كادوا يفعلون - خرج أسامة في ثلاثة آلاف
مقاتل فيهم ألف فرس ( 2 ) وتخلف عنه جماعة ممن عبأهم
رسول الله صلى الله عليه وآله في
|
(
53 ) كما تقدم تحت رقم - 49 - .
( 1 ) نقله الحلبي والدحلانى في سيرتهما ، وابن جرير الطبري في أحداث سنة
11 من تاريخه ، وغير واحد من أصحاب
الأخبار ( منه قدس
) .
( 54 ) بين أبى بكر وعمر : راجع :
تاريخ الطبري ج
3 / 226 ، الكامل في التاريخ ج 2 / 335 ، السيرة
الحلبية ج 3 / 209 وج 3 / 236 ط آخر ،
السيرة النبوية
بهامش الحلبية ج 2 / 340 .
( 2 ) فشن الغارة على أهل
ابني فحرق منازلهم وقطع نخلهم وأجال الخيل في عرصاتهم
وقتل من قتل منهم وأسر من أسر ، وقتل يومئذ قاتل أبيه
. ولم يقتل - والحمد لله رب العالمين - من المسلمين
أحد . وكان أسامة يومئذ على فرس أبيه وشعارهم يا منصور
= > |
|
|
جيشه ، وقد قال صلى الله عليه وآله - فيما
أورده
الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل -
" جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه " ( 55 ) .
وقد تعلم انهم انما تثاقلوا عن السير أولا ، وتخلفوا
عن الجيش أخيرا ، ليحكموا قواعد ساستهم ، ويقيموا
عمدها ترجيحا منهم لذلك على التعبد بالنص حيث رأوه
أولى بالمحافظة ، وأحق بالرعاية ، إذ لا يفوت البعث
بثاقلهم عن السير ، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش ،
اما لخلافة فانها تنصرف عنهم لا محالة إذا انصرفوا إلى
الغزوة قبل وفاته صلى الله عليه وآله .
وكان - بأبي
وأمي - أراد أن تخلو منهم العاصمة فيصفو الأمر من بعده
لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب على سكون وطمأنينة ،
فإذا رجعوا وقد ابرم عهد الخلافة وأحكم لعلي عقدها ،
كانوا عن المنازعة والخلاف ابعد .
وانما
أمر عليهم
أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة ( 56 ) ليا لاعنة البعض
وردا لجماح أهل الجماح منهم
، واحتياطا من الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس
لو أمر أحدهم كما لا يخفى لكنهم فطنوا إلى ما دبر صلى
الله عليه وآله ، فطعنوا
|
=
> امت - وهو
شعار النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر - واسهم للفارس
سهمين وللراجل سهما واحدا وأخذ لنفسه مثل ذلك ( منه
قدس ) .
( 55 ) راجع : الملل والنحل للشهرستاني
الشافعي ج 1 / 23 أفست دار المعرفة في بيروت وج 1 / 20
بهامش الفصل لابن حزم أفست دار المعرفة .
( 56 ) على الأظهر وقيل كان ابن سنة 18 وقيل ابن 19 أو 20 سنة ولا
قائل بأكثر من ذلك ( منه قدس ) . أسامة عمره - 17 -
سنة وهو أمير على شيوخ الصحابة : راجع :
السيرة
الحلبية ج 3 / 234 ، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن
الأثير ج 1 / 64 ، الإصابة لابن حجر ج 1 / 46 ،
الاستيعاب لابن عبد البر بذيل
الإصابة ج 1 / 34 ( * ) . |
|
|
في تأمير
أسامة ، وتثاقلوا عن السير معه فلم يبرحوا
من الجرف حتى لحق النبي بربه ، فهموا حينئذ بالغاء
البعث وحل اللواء تارة ، وبعزل أسامة أخرى ، ثم تخلف
منهم عن الجيش وفي أولهم أبو بكر وعمر ( 57 ) . فهذه
خمسة أمور في هذه السرية ، لم يتعبدوا فيها بالنصوص
الجلية ، إيثارا لرأيهم في الأمور السياسية ، وترجيحا
لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه صلى الله عليه وآله
اعتذر عنهم شيخ الإسلام البشري في بعض مراجعاتنا معه
فقال : " نعم كان رسول الله عليه السلام قد حضهم على
تعجيل السير في غزوة أسامة ، وأمرهم بالاسرع كما ذكرت
، وضيق عليهم في ذلك حتى قال لأسامة حين عهد إليه :
اغز صباحا على أهل أبنى ، فلم يمهله إلى المساء ، وقال
له : اسرع السير فلم يرض منه الا بالإسراع ، لكنه عليه
السلام تمرض بعد ذلك بلا فصل فثقل حتى خيف عليه ، فلم
تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال ، فتربصوا
ينتظرون في الجرف ما تنتهي إليه حاله .
وهذا من وفور
إشفاقهم عليه ، وولوع قلوبهم به ، ولم يكن لهم مقصد في
تثاقلهم الا انتظار إحدى الغايتين ، اما قرة عيونهم
بصحته ، واما الفوز بالتشرف بتجهيزه ، وتوطيد الأمر
لمن يتولى عليهم من بعده ، فهم معذورون
|
(
57 )
ولا كان في بعث ابن زيد مؤمرأ * عليه ليضحى لابن
زيد مؤمرا -
ولا كان يوم الغار يهفو جنانه * حذارا ولا
يوم العريش تسترا -
ولا كان معزولا غداة براءة * ولا
في صلاة أم فيها مؤخرا -
فتى لم يعرق فيه تيم ابن مرة
* ولا عبد اللات الخبيثة أعصرا -
امام هدى بالقرص آثر
فاقتضى * له القرص رد القرص أبيض أزهرا -
يزاحمه جبريل
تحت عباءة * لها قيل كل الصيد في جانب الفرا -
لابن
أبى الحديد المعتزلي الحنفي ( منه قدس ) تخلف أبى بكر
وعمر عن جيش أسامة معلوم بالوجدان بعد أن دل عليه
التاريخ
. ( * ) |
|
|
في هذا التربص ، ولا جناح عليهم فيه .
واما طعنهم
قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في تأمير أسامة
مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره ،
فلم يكن منهم الا لحداثته ، مع كونهم بين كهول وشيوخ ،
ونفوس الكهول والشيوخ تأبى - بجبلتها - ان تنقاد إلى
الأحداث ، وتنفر - بطبعها - من النزول على حكم الشبان
، فكراهتهم لتأميره ليست بدعا منهم ، وانما كانت على
مقتضى الطبع البشري ، والجبلة الآدمية .
وأما طلبهم
عزل أسامة بعد وفاة الرسول ، فقد اعتذر عنه بعض
العلماء بأنهم ربما جوزوا ان يوافقهم الصديق على رجحان
عزله ، لاقتضاء المصلحة - بحسب نظرهم - لذلك . ( قال )
: والإنصاف إني لا اعرف وجها يقبله العقل في طلبهم
عزله ، بعد غضب النبي من طعنهم في تأميره ، وخروجه
بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا منددا بهم في خطبته تلك
على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية الشائعة
بينهم ، وقد سارت كل مسير ، فوجه معذرتهم بعدها لا
يعلمه الا الله تعالى .
وأما عزمهم على
إلغاء البعث ،
وإصرارهم على الصديق في ذلك مع ما رأوه من اهتمام
النبي في انفاذه ، وعنايته التامة في تعجيل إرساله ،
ونصوصه المتوالية في ذلك ، فانما كان منهم احتياطا على
عاصمة الإسلام ان يتخطفها المشركون من حولهم إذا خلت
من القوة ، وبعد عنها الجيش ، وقد ظهر النفاق بموت
النبي عليه السلام ، وقويت نفوس اليهود والنصارى ،
وارتدت طوائف من العرب ، ومنع الزكاة طوائف أخرى ،
فكلم الصحابة سيدنا الصديق في منع أسامة من السفر فأبى
وقال : والله لان تخطفني الطير أحب إلي من أن ابدأ بشئ
قبل انفاذ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ، هذا ما
نقله أصحابنا عن الصديق ، وأما غيره فمعذور فيما أراد
من رد البعث ، إذا لم يكن له مقصد
سوى الاحتياط على
الإسلام .
وأما تخلف
أبي بكر وعمر
وغيرهما عن الجيش حين سار به أسامة ، فانما كان لتوطيد
الملك الإسلامي ، وتأييد الدولة المحمدية ، وحفظ
الخلافة التي لا يحفظ الدين وأهله يومئذ الا بها .
وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في كتاب الملل والنحل ،
فقد وجدناه مرسلا غير مسند ، والحلبي والسيد الدحلانى
في سيرتيهما قالا : لم يرد فيه حديث أصلا ، فان كنت
سلمك الله تروي من طريق أهل السنة حديثا في ذلك فدلني
عليه أشكرك " ( 58 ) .
قلنا في جواب الشيخ : " سلمتم -
سلمكم الله تعالى - بتأخرهم في سرية أسامة عن السير ،
وتثاقلهم في الجرف تلك المدة ، مع ما قد أمروا به من
الإسراع والتعجيل . وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع
ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره .
وسلمتم بطلبهم من
أبي بكر عزله ، بعد غضب النبي صلى
الله عليه وآله من طعنهم في امارته ، وخروجه بسبب
ذلك محموما معصبا مدثرا ،
منددا بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم انها
كانت من الوقائع التاريخية ، وقد أعلن فيها كون أسامة
وأبيه أهلا للامارة .
وسلمتم بطلبهم من الخليفة الغاء
البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وحل
اللواء الذي عقده بيده الشريفة ، مع ما رأوه من
اهتمامه في انفاذه ، وعنايته التامة في تعجيل إرساله ،
ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك .
|
(
58 ) المراجعات للسيد
عبد الحسين شرف الدين ص 370 - 371 في مراجعة - 91 -
الطبعة الثانية في بيروت
. ( * ) |
|
|
وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله في
ذلك الجيش ، وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة . سلمتم
بكل هذا كما نص عليه أهل الأخبار : واجتمعت عليه كلمة
المحدثين وحفظة الآثار ، وقلتم انهم معذورون في ذلك ،
وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم انهم انما آثروا في هذه
الأمور مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم ، لا بما
أوجبته النصوص النبوية ، ونحن ما ادعينا - في هذا
المقام - أكثر من هذا .
وبعبارة
أخرى ، موضوع كلامنا
انما هو في انهم أهل كانوا يتعبدون في جميع النصوص أم
لا ؟ اخترتم الأول ، ونحن اخترنا الثاني . فاعترافكم
الآن بعدم تعبدهم في هذه الأوامر يثبت ما اخترناه ،
وكونهم معذورين أو غير معذورين ، خارج عن موضوع البحث
كما لا يخفى .
وحيث ثبت لديكم
إيثارهم في سرية أسامة
مصلحة الإسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بما
أوجبته تلك النصوص ، فلم لا تقولون انهم آثروا في أمر
الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله مصلحة الإسلام
بما اقتضته أنظارهم على التعبد بنصوص الغدير وأمثالها
؟ ! .
اعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير
أسامة بأنهم
انما طعنوا بتأميره لحداثته مع كونهم بين كهول وشيوخ ،
وقلتم : ان نفوس الكهول والشيوخ تأبى بجبلتها وطبعها
أن تنقاد إلى الأحداث فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم
يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على
كهول الصحابة وشيوخهم ، لانهم - بحكم الضرورة من
اخبارهم - قد استحدثوا سنه يوم مات رسول الله صلى الله
عليه وآله كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاه صلى الله
عليه وآله عليهم في تلك السرية ، وشتان بين الخلافة
وامارة السرية .
فإذا أبت نفوسهم بجبلتها ان تنقاد
للحدث في سرية واحدة ، فهي أولى بأن تأبى ان تنقاد
للحدث مدة حياته في
جميع الشؤون الدنيوية
والأخروية . على ما ذكرتموه "
من ان نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبيعتها من الانقياد
للأحداث " فممنوع ان كان مرادكم الإطلاق في هذا الحكم
، لان نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا
تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للأحداث ، ولا
في غيره من سائر الأشياء (
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ
تَسْلِيمًا ) ( 59 )
(
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )
( 60 )
"
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
مُّبِينًا " ( 61 ) .
اما الكلمة المتعلقة فيمن تخلف عن
جيش أسامة التي أرسلها الشهرستاني إرسال المسلمات ،
فقد جاءت في حديث مسند أخرجه أبو بكر احمد بن عبد
العزيز الجوهري في كتاب السقيفة ، انقله لك بعين لفظه
،
قال : " حدثنا احمد بن
إسحاق بن صالح عن احمد بن يسار عن سعيد بن كثير
الأنصاري عن رجاله عن عبدالله بن عبدالرحمن ان رسول
الله صلى الله عليه وآله في مرض موته أمر أسامة بن زيد
بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار منهم أبو
بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وعبد الرحمن بن
عوف ، وطلحة ، والزبير وأمره ان يغير على مؤتة حيث قتل
أبوه زيد وان يغزو وادي فلسطين فتثاقل أسامة وتثاقل
الجيش بتثاقله ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله في
مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث ، حتى
قال له أسامة
|
(
59 ) سورة النساء : 65 .
( 60 ) سورة الحشر : 7 .
( 61 ) سورة الأحزاب :
36 ( * ) . |
|
|
بأبي أنت وأمي : أتأذن لي ان امكث أياما حتى يشفيك
الله تعالى . فقال : اخرج وسر على بركة الله . فقال :
يا رسول الله ان أنا خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي
قلبي قرحة . فقال : سر على النصر والعافية . فقال : يا
رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان . فقال :
انفذ لما أمرتك به .
ثم أغمي على رسول الله صلى الله
عليه وآله ، وقام أسامة فتجهز للخروج ، فلما أفاق رسول
الله صلى الله عليه وآله سأل عن أسامة والبعث ، فأخبر
انهم يتجهزون ، فجعل يقول : أنفذوا بعث أسامة لعن الله
من تخلف عنه ، وكرر ذلك ، فخرج أسامة واللواء على رأسه
، والصحابة بين يديه .
حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه
أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين ، ومن الأنصار أسيد بن
خضير وبشير بن سعد وغيرهم من الوجوه ، فجاءه رسول أم
أيمن يقول له : ادخل فان رسول الله يموت ، فقام من
فوره فدخل المدينة واللواء معه فجاء به حتى ركزه بباب
رسول الله ، ورسول الله قد مات في تلك الساعة " انتهى
بعين لفظه ( 62 ) وقد نقله جماعة من المؤرخين ، منهم
العلامة المعتزلي في آخر ص 20 والتي بعدها من المجلد
الثاني من شرح نهج البلاغة ، طبع مصر ( 63 )
|
(
62 ) شرح النهج لابن أبى
الحديد ج 6 / 52 .
( 63 ) المراجعات مراجعة
- 92 - ص 372 - 374 ط الثانية في بيروت مع
سبيل النجاة في تتمة المراجعات
. ( * ) |
|
|
|