حديث الثقلين:
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء: "يا أيها الناس، إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي"(1).
____________
<=
7 ـ السنن الكبرى للبيهقي 5: 126.
8 ـ تفسير الثعلبي 7: 182.
9 ـ الدر المنثور للسيوطي 5: 97.
10 ـ جامع البيان للطبري 19: 149.
11 ـ خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 8.
12 ـ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: 83.
13 ـ حياة محمّد لمحمد حسنين هيكل: 104، الطبعة الأولى سنة 1354هـ لأنّه حذفها من الطبعة الثانية واستعاض عن "أخي ووصيي وخليفتي فيكم" بـ "كذا وكذا وكذا" وهذا من أمانته في سرد التاريخ!
1- وجاء هذا الحديث بعدّة صيغ منها:
ـ جاء في سنن الترمذي 5: 329 عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله: "إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
ـ جاء في مسند أحمد بن حنبل 5: 182 عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله: "إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء
=>
____________
<=
والأرض ـ أو ما بين السماء إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
ـ وجاء في مسند أحمد بن حنبل 3: 17 عن أبي سعيد الخدري: قال عن النبيّ: قال: "إنّي أُوشك أن اُدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
ـ جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3: 109 عن زيد ابن أرقم قال: لمّا رجع رسول الله من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقمن، فقال: "كأنّي دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن ـ ثمّ أخذ بيد عليّ فقال ـ: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه".
ـ جاء في صحيح مسلم 7: 123، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي (رضي الله عنه) عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثمّ قال: " أما بعد، ألا أ يّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به "، فحثّ على كتاب الله، ورغب فيه ثم قال: " وأهل بيتي، أذكّركم الله في
=>
____________
<=
أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي".
ـ وجاء في إحياء الميت للسيوطي: 145، أخرج البزار عن علي قال: قال رسول الله: "إنّي مقبوض، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنّكم لن تضلّوا بعدهما".
وفي نفس المصدر 57، 58: أخرج الطبراني عن المطلب بن عبدالله بن حنطب عن أبيه قال: خطبنا رسول الله بالجمعة، فقال: "ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنّي سائلكم عن اثنين: عن القرآن، وعترتي".
ـ وجاء في الصواعق المحرقة لابن حجر 2: 368، الباب التاسع، الفصل الثاني: عن رسول الله قال: "يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة اليكم، إلاّ أنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها فقال: هذا عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض، فأسألهما ما خلّفت فيهما".
ـ وجاء في مجمع الزوائد للهيثمي عن أبي هريرة 9: 163: قال: قال رسول الله: "إنّي خلّفت فيكم اثنين، لن تضلّوا بعدهما أبداً: كتاب الله ونسبي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض".
وحديث الثقلين الآنف الذكر قد ذكرته جل كتب الحديث والتفسير وبلغ حدّ التواتر، وقد سجّلت مصادره في إفادة عمر بن الخطاب، فيمكن الرجوع إلى مصادره هناك أيضاً.
ـ ومن النصوص التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي تضمنّت لفظ (الإمام):
=>
____________
<=
1 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أُوحي إليّ في علي ثلاث: إنّه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين" مستدرك الحاكم 3: 138 وقال: "هذا حديد صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
2 ـ وقال أبو نعيم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: "مرحباً بسيّد المسلمين وإمام المتّقين" حلية الأولياء 1: 63.
ـ عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال عليّاً، وليوال وليه، وليقتدِ بالأئمة من ولده من بعده فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي، فويلٌ للمكذبين بفضلهم من أُمّتي لا أنالهم الله شفاعتي" كنز العمال للمتقي الهندي 12: 104، تاريخ مدينة دمشق 36: 313.
ـ عن ابن طفيل بن وائلة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا علي أنت وصيّي، حربك حربي، وسلمك سلمي، وأنت الإمام وأبو الأئمة الأحد عشر المطهرون" المصدر السابق 1: 172.
ومن النصوص التي تضمّنت لفظ الوصي:
ـ عن محمّد بن حميد الرازي، عن سلمة البرش، عن ابن إسحاق، عن شريك، عن أبي الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لكلّ نبيّ وصيّ ووارث، وعليّ وصيّي ووارثي" ينابيع المودة 2: 79.
ـ عن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
"أنا خاتم النبيين وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين" ينابيع المودة 1: 236.
ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المؤاخاة والمنزلة: "والذي بعثني بالحقّ ما
=>
آية المودة:
قال تعالى: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}(1).
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من
____________
<=
أخّرتك إلاّ لنفسي، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت أخي ووارثي، فقلت: وما أرث منك؟ قال: ما ورث الأنبياء قبلي، كتاب ربّهم وسنّة نبيهم" نظم درر السمطين للزرندي: 95، ينابيع المودة 1: 160.
ـ ونزلت بي وبأهل بيتي عدة آيات منها:
1 ـ آية التطهير: {إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب: الآية 33.
ـ عن أم سلمة (رض) قالت: "إن النبيّ كان في بيتها فأتت فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي زوجك وابنيك.
قالت: فجاء عليّ والحسن والحسين فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على مكان تحته كساء له خيبري.
قالت: وأنا أُصلي في الحجرة فأنزل الله عزوجل هذه الآية: {إنّما يريد الله...}.
قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها السماء ثمّ قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله؟
قال: إنك إلى خير، إنك إلى خير" مسند أحمد 6: 292، فتح القدير للشوكاني 4: 279، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 13: 205.
1- الأنعام: 90.
قال: "علي وفاطمة وولدهما"(1).
آية المباهلة:
وقال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ}(2).
ولما نزلت هذه الآية دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: "اللهمّ هؤلاء أهلي".
وقد أجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما سُئل عن هذا الاختيار بقوله: "لو علم الله تعالى أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أُباهل بهم، ولكن بالمباهلة مع هؤلاء، وهم أفضل الخلق، فغلبت بهم النصارى"(3).
____________
1- مجمع الزوائد للهيثمي 11: 351، شواهد التنزيل للحسكاني 2: 191، الدر المنثور للسيوطي 6: 7، فتح القدير للشوكاني 4: 537.
2- آل عمران: 61.
3- ينابيع المودة 2: 266.
فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى القيامة، ورضي أن يدفع الجزية(1).
ودلالة الآية واضحة، فأبناءنا: الحسن والحسين، ونساءنا: فاطمة، وأنفسنا: أنا (علي)، أي جعلني رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه بمحكم التنزيل من ربّ العالمين.
حديث المنزلة:
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد خلّفني في أهله في غزوة تبوك:
"أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي"(2).
____________
1- تحفة الأحوذي للمباركفوري 8: 279.
2- صحيح مسلم 7: 120، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي (رضي الله عنه)، سنن الترمذي 5: 302 و 5: 304، مستدرك الحاكم 2: 337، و 3: 109، السنن الكبرى للبيهقي 9: 40، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 109.
حديث السفينة:
عن ابن إسحاق، عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر الغفاري يقول وهو آخذ بباب الكعبة: أ يّها الناس من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكر فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق"(1).
وقد عهد إلىّ النبيّ الأُمّي (صلى الله عليه وآله) "إنه لا يحبّني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق"(2).
وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب"(3).
____________
1- مجمع الزوائد للهيثمي 9: 168، المعجم الصغير للسيوطي 1: 139، و 2: 22، الجامع الصغير للسيوطي 1: 373، كنز العمال للمتّقي الهندي 12: 94.
2- سنن الترمذي 5: 306، مسند أحمد 1: 95، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 133، أسد الغابة لابن الأثير 4: 26، تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 10.
3- المستدرك للحاكم 3: 126، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 114، الجامع الصغير 1: 415، كنز العمال للمتّقي الهندي 13: 148، تذكرة الموضوعات للفتني: 95، كشف الخفاء للعجلوني 1: 203، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، للغماري، وهو كتاب كامل في حديث الباب.
والموقع المتميز لنا أهل البيت واضح صريح في آية التطهير وحديث المنزلة والتأكيد على الولاء والحبّ لنا أهل البيت كما تفرض ذلك آية المودة: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}(1).
ولم يكتفِ الباري عزّ وجلّ بهذا، بل أمر رسول الله بالتصريح بالولاية لي والخلافة من بعده في آخر حياته وهو في حجّة الوداع عندما نزلت آية التبليغ.
آية التبليغ:
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
____________
1- الشورى: 23.
نزلت هذه الآية أثناء العودة من حجّة الوداع.
روى الطبراني عن حذيفة أنّه قال: لمّا صدر رسول الله من حجّة الوداع نهى أصحابه عن سمرات (نوع من الشجر) متفرّقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهن، ثمّ بعث إليهن فقم ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى عندهنّ ثمّ قام خطيباً فقال:
"يا أيها الناس إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله، وإنّي لأظنّ يوشك أن اُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون"؟
قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً.
قال: "أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله، وإنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور".
قالوا: بلى نشهد بذلك.
قال: "اللهمّ اشهد".
ثمّ قال: "يا أيّها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه (يعني أنا) اللهمّ
____________
1- المائدة: 67.
وموارد أُخرى ذكرناها سابقاً.
ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}(2).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي"(3).
آية الولاية:
قوله تعالى في سورة المائدة: الآية 55:
{اِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ}(4).
س5 ـ مولاي إنّ ما قلته وأوردته من النصوص ممّا لا شكّ فيه ولا يترك مجالا لمشكّك أو مرتاب، ولكن يبقى أمر، وهو أنّ أهل الخلاف يقولون: إنّ الولي في هذه الآية والحديث بمعنى المحبّ
____________
1- المعجم الكبير للطبراني 3: 180.
2- المائدة: 3.
3- شواهد التنزيل للحسكاني 1: 201.
4- المائدة: 55.
ج ـ للأسف إنّ علماء السوء وفقهاء البلاط على مرّ العصور حاولوا التعتيم على هذه النصوص، ولمّا لم يجدوا ما يناقضها ولتواترها، فقد حاولوا صرف معناها عن مدلولها، وأقول لك: ليس من يقول بذلك بأفقه ولا أعلم ممّن كان على زمننا في عهد رسول الله، فحتى من خالفني وابتزّني حقيّ لم ينكر هذه الصيغة ولم يحورها عن معناها، فهذا عمر بن الخطّاب بعد حديث الغدير قال لي: هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(1).
وثانياً ـ إن نزول آية التبليغ، وهي تبيّن أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان خائفاً يكتم أمراً فطالبه ربّ العزة أن يفصح عن هذا الأمر الذي أمره فيه وهو يعصمه من الناس، فهل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخشى أن يقول للناس إنّ علياً محبّكم وناصركم، وقد قالها في كلّ يوم من حياته وسيرته؟
ولكن لا يقول ذلك إلاّ من أعمت العصبية بصيرته، لذلك لا يرى إلاّ من حيث تريه نفسه الأمّارة بالسوء، وياليتهم حفظوا لي حتى المحبّة والنصرة؟!
____________
1- مسند أحمد 4: 281، المصنّف لابن أبي شيبة 7: 503.
ج ـ ألم تقرأ التاريخ؟!
هل حفظ عمر لي هذه عندما حاول حرق بيتي وفيه فاطمة والحسنان؟!
وهل حفظها عندما قال لي عندما رفضت البيعة: إذاً تقتل؟!
وهل حفظها معاوية عندما أعلن الخروج عليّ وعلى الشرعية ومن ثمّ قتل ولدي الحسن؟!
وهل حفظها يزيد عندما قتل ابني الحسين وأهل بيته وأصحابه في كربلاء؟!
أم أنّهم نسوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّه لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق(1)؟
وقوله تعالى: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}(2).
وهل حفظتها عائشة أُمّ المؤمنين عندما منعت من دفن ابني الحسن بجوار جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلة: لا تدخلوا بيتي من لا أُحبّ؟
____________
1- صحيح مسلم 1: 61، كتاب الفضائل، باب مناقب علي (رضي الله عنه)، سنن ابن ماجة 1: 42 و 255، سنن الترمذي 5: 306.
2- الشورى: 23.
ج ـ بشان النصّ فقد بيّنت لك النصوص والآيات الواردة في إمامتي، ولو كان لمن سبقوني نصاً واحداً من هذه النصوص لما أحرقوا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكتبوها ودوّنوها وتوسّعوا واهتموا بها.
وأمّا بشأن بيعتي للخلفاء فسأذكر لك:
فبيعة أبي بكر تمّت وقد كنّا منشغلين بخطبنا الفادح بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم نعنَ إلاّ بتجهيزه، وما إن واريناه في قبره حتى كان أهل السقيفة قد أكملوا أمرهم وانتهزوا فرصة انشغالنا، فأبرموا البيعة وأحكموا العقدة وأجمعوا أخذاً بالحزم كلّ من يوهن بيعتهم أو يدخل التشويش إلى عامتهم.
وعندما دخلوا إلى المسجد وقال عمر: قوموا بايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعته الأنصار، فقام عثمان ومن معه من بني أُميّة فبايعوا، وقام سعد بن أبي وقاص ومن معه من بني زهرة فبايعوا، أمّا أنا والعباس ومن معنا من بني هاشم فقد انصرفنا إلى رحالنا ومعنا الزبير والمقداد وأبو ذر وعمّار بن ياسر وغيرهم.
وعندما افتقدنا أبو بكر، أمر عمر أن يأتي إلينا، فما كان منه إلاّ أن أتى بعصابة فيها خالد بن الوليد و آخرون فدعا بالحطب وقال:
ووقفت فاطمة، فقالت: لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّنا.
وعندما حاولوا إخراجي بالقوة من الدار نادت بأعلى صوتها:
"يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة"(1).
والخلاصة: فعندما قدمت على أبي بكر قال عمر: بايع.
فقلت: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم لا أُبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟
ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمّد منكم فأعطوكم المقادة وسلّموا الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً فأنصفونا إن كنت تؤمنون، وإلاّ فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.
____________
1- الإمامة والسياسة 1: 30.
فقلت له: احلب له حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره يرده عليك غدا(1).
وما قلته بحقّ عمر قد تحقّق إذ عيّن أبو بكر عمر خليفة من بعده.
ثمّ قلت: يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.
فقال عمر: إذاً نضرب عنقك.
فقلت: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله.
قال عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا.
فقال أبو بكر: لا أكرهه على شيء ما دامت فاطمة إلى جانبه.
فقال أبو عبيدة ابن الجراح لي: يا بن عمّ رسول الله، إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور.
وهذا القول (التبرير بكبر السنّ) مردود بتعيين النبيّ (صلى الله عليه وآله) أُسامة بن زيد قائداً للجيش، وأمر مشيخة القوم وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بإطاعته.
فقلت لهم: الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا
____________
1- المصدر السابق.
والله إنّه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعداً.
فقال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان.
فقلت: أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم يدفن وأخرج أنازع الناس سلطانه؟
فقالت فاطمة (عليها السلام): ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.
ثمّ لحقت بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن قد جفّ بعد وأنا أصيح وأبكي وأنادي:
"يا بن أُمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني"(1).
وقد مرّ معنا احتجاج الإمام علي عند ذكرنا بيعة أبي بكر في أوّل
____________
1- الإمامة والسياسة 1: 29.
وقد قلت في خطبتي الشقشقية أصف حالي بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أرى تُرَاثي نَهْباً"(1).
وكم مرة قلت: "اللَّهُمَّ إنَّي أَسْتَعْدِيكَ عَلى قُرَيْش وَمَنْ أَعَانَهُمْ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي.. وقد قال قائل إنك على هذا الأمر يابن أبي طالب لحريص: فقلت: بَلْ أَنْتُمْ وَاللهِ أحْرَصُ وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ"(2).
ولم أُبايع أبا بكر إلاّ بعد أن توفّيت عنّي فاطمة (عليها السلام)، أي بعد ستة
____________
1- نهج البلاغة 1: 31، الخطبة: 3 المعروفة بالشقشقية.
2- نهج البلاغة 2: 202 الخطبة: 217.