روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار أن عمر قال لها: غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله لاتنفعك شيئاً! فقالت له: هل رأيت لي قرطاً يا ابن اللخناء؟! ثم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع! لو قمت المقام المحمود لشفعت في حاء وحكم! لايسألني اليوم أحد من أبواه إلا أخبرته! فقام إليه رجل فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: أبوك غير الذي تدعى له، أبوك فلان بن فلان! فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك الذي تدعى له! ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه؟ فقام إليه عمر فقال: أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عني عفا الله عنك ...
روى البخاري في صحيحه وأحمد في المسند وغيرهما كثير نفس الروايات السابقة لكن محاولة التغطية على القصة الحقيقية واضحة عند المقارنة بين المتون، ويستطيع المسلم المنصف أن يميز الحق ويعرفه وإليك الرواية.
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثم قال من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا. قال أنس فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأكثر رسول الله
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد والطبراني في الأوسط والصغير عن عبد الله بن جعفر قال: أتى العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني أتيت قوماً يتحدثون فلما رأوني سكتوا، وما ذاك إلا أنهم استثقلوني! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أقد فعلوها؟، والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم لحبي، أترجون أن تدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب؟).
وروى الحاكم في المستدرك فيما يتعلق بإيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته.
عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال: إني لأمشي مع أبي، إذ مر بقوم ينقصون عليا رضي الله تعالى عنه، يقولون فيه. فقام، فقال: إني كنت أنال من علي، وفي نفسي عليه شيء. وكنت مع خالد بن الوليد في جيش، فأصابوا غنائم. فعمد علي إلى جارية من الخمس، فأخذها لنفسه. وكان بين علي وبين خالد شيء. فقال خالد: هذه فرصتك، وقد عرف خالد الذي في نفسي على علي.
قال: فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاذكر ذلك له.
وبسب كل تلك المحاولات للنيل من أهل البيت عليهم السلام والحط من شأنهم، وبسب الحقد والبغض الذي انتشر عند الفئات الحاسدة لرسول الله وأهل بيته الأطهار، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يردد على مسامع كل المسلمين، تلك الأحاديث التي فيها تحذير من بغض علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأهل البيت عموما، وكان يحذر أشد التحذير من أذيتهم، لأنه كان على علم بما يخططه لهم أعداءهم.
ولولا كثرة الحاقدين والمبغضين والحاسدين لرسول الله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام، لما كان هذا الكم الهائل من الأحاديث التي تحذر المسلمين من أذاهم وبغضهم، بل كانت بالإضافة إلى التحذير من ذلك تأمر بحبهم وموالاتهم واتباعهم والإقتداء بهديهم، وإليك بعض النماذج من الأحاديث التي تحذر المنافقين وتتوعدهم.
فقد روى مسلم وغيره كثير عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال له (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق).
وروى الحاكم والسيوطي عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (عنوان صحيفة المؤمن حب علي).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: (من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله).
وروى الحاكم في المستدرك عن حيان الأسدي سمعت عليا يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على
وروى أحمد والحاكم وبن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني).
وروى القرطبي في الجامع لأحكام القرآن عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، وآذاني في عترتي).
وروى السيوطي في الدر المنثور أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (أن الله اشتد غضبه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي).
وروى في كنز العمال وغيره كثير أن النبي صلى اله عليه وآله وسلم قال (فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله).
وروى السيوطي في الجامع الصغير عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله).
وروى السيوطي والحاكم والترمذي والمناوي وفي كنز العمال ومجمع الزوائد والطبراني وغيرهم كثير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (ستة لعنتهم وكل نبي مجاب، .... وذكر منهم ... المستحل من عترتي ما حرم الله).
ثم كانت محاولات ثني المسلمين عن كتابة كلامه الشريف وتدوينه، مبررين ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وآله يتحدث في الرضا والغضب.
تلك المحاولات التي كانت نتيجتها ضياع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفتح المجال لدخول ما ليس من السنة فيها، وكذلك تسهيل الأمر على السلطة الحاكمة أن تضع في السنة كل ما يفيد مصالحها وتحذف كل ما فيه تهديد لسلطتها، وفتح المجال للرأي والهوى في الأحكام الشرعية وغير ذلك من الأسباب التي كان سببها التخطيط لمؤامرة اغتيال السنة النبوية الشريفة في مهدها.
روى أحمد في مسنده عن عبد اللّه بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش، فقالوا: إنك
أول عملية تفريق بين الكتاب والعترة الطاهرة:
وهكذا استمرت تلك المخططات المدروسة بدقة متناهية ضد رسول الله ووصيه أمير المؤمنين وضد أهل البيت وبني هاشم، والتي مهدت الطريق لعملية ضرب الصلة الوثيقة بين كتاب الله وعترة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن جاء اليوم الذي تم فيه الإعلان الرسمي لأول عملية تفريق وفصل بين الكتاب وأهل البيت عليهم السلام، حيث رفع أصحاب دعوات رفض الأمر الإلهي، الذين رفضوا أن يكون لأهل البيت عليهم السلام الدور الأساسي في الحياة والمجتمع، فقد رفع أولئك شعارا معارضا لوصية رسول الله مباشرة، وكان ذلك الشعار هو حسبنا كتاب الله، وانتدبوا لذلك عمر بن الخطاب ليكون أول من يعلن بدء عملية إبعاد أهل البيت عليهم السلام عن الحياة التشريعية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية.
ولولا كل محاولات التعريض برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والطعن في عصمته، والإستهزاء به وأهل بيته، والكذب عليه ومعصيته ورفع الصوت عليه والتنقيص من مقام النبوة والرسالة، لولا كل ذلك لما تمكن عمر بن الخطاب ومن معه من الصحابة أن يعلنوا رفضهم لأمر الله تعالى ووصية رسوله، ولما تمكنوا من محاولة تدمير تلك الإرادة الإلهية التكوينية، ولولا كل ذلك لما استطاعوا أن يتهموا رسول الله صلى الله عليه وآله بالهذيان والهجر والخرف.
فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعه قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا من بعده). قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط، قال: (قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع).
لاحظوا كيف أن رسول الله يدعوهم ليكتب كتاب الوصية التي طالما أعلنها على الملأ وهي الوصية بالكتاب وولاية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام، وقد ردوا عليه بقولهم لا نريد الكتاب والعترة معا وإنما عندنا كتاب الله حسبنا.
وهذا الحديث ومن خلال ردهم الذي ردوه على رسول الله، يدل دلالة قاطعة على أن الذي سيكتبه لهم رسول الله هو مضمون حديث الثقلين، حيث بينت في بحث سابق كيفية تطابق حديث الثقلين وحادثة رزية الخميس في كثير من المواقف والكلمات.
وروى البخاري وغيره قال حدثنا قبيصة: حدثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس، فقال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا). فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (دعوني، فالذي أنا فيه خير
وفي رواية أحمد في المسند قال (وسكت سعيد عن الثالثة فلا أدري أسكت عنها عمدا وقال مرة أو نسيها وقال سفيان مرة: وإما أن يكون تركها أو نسيها).
وأما في هذه الرواية فبالإضافة إلى رفع شعارهم الذي أعلنه نيابة عنهم عمر ابن الخطاب، فإنهم تنازعوا وتصايحوا بين يدي رسول الله واختلفوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، ولكنهم بما قدموا من محاولات ذكرنا بعضها، جاء الوقت المناسب لهم حتى يكون بعد كل ما صنعوا أن يتنازعوا ويتصايحوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، ويَمُرُ الأمر بشكل طبيعي، بل وحتى تكون الطاعة في مجلس رسول الله التي أمر الله تعالى بها مرفوضة من قبل المسلمين، وتكون الطاعة لعمر بن الخطاب هي المسلم بها عند المسلمين.
بل وأكثر من ذلك وهو تجرؤهم على شخص رسول الله أمام كل المسلمين واتهام عمر بن الخطاب له بالهجر والهذيان والخرف، حتى لا يسمع المسلمون كلامه الشريف. بل ويكون كلام غيره مسموعا ومطاعا أكثر منه، وهذا هو الذي حصل وهو الذي مر ويمر عليه المسلمون من دون أن يهز شعرة واحدة في أبدانهم التي فقدت الشعور والإحساس برسول الله وطاعته وحبه ومودته، واستبدلته بطاعة وحب أعدائه المتربصين له ولوصيته.
روى في مجمع الزوائد عن عمر بن الخطاب قال: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم قال: ادعوا لي بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً". فكرهنا ذلك أشد الكراهة ثم قال: ادعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً. فقال النسوة من وراء الستر: ألا يسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: إنكن صواحبات يوسف، إذا مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن رقبته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهن فإنهن خير منكم.
وهل يجوز لأحد من المسلمين أن يكره من رسول الله شيئا؟ ...، لأنه من المقطوع به عند كل المسلمين أن ذلك لا يجوز، بل إنه ينفى الإيمان عن كل من يكره من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا، والقرآن الكريم شاهد على ذلك.
قال تعالى في سورة النساء الآية 65 {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
فالتسليم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المطلوب الشرعي من قبل كل المسلمين، وليس كراهية حكمه وأمره، فإن ذلك ينفي الإيمان، ويحبط الأعمال، ويسخط الرب.
ثم نقول للذين يبررون فعل عمر بتبريرات باطلة، يرفضها كل عقل سوي سليم من الآفات النفسية والتعصب الأعمى، فإن الأمر يبدوا واضحا غاية الوضوح عندما استهجن النسوة رفض أمر رسول الله من قبل عمر ومن معه، فقام النسوة بدعوة المسلمين لطاعة رسول الله وأن يأتوا بالدواة والكتف حتى يكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاب الوصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علبه السلام، ولكن عمر صاح بالنسوة وذمهم واستهزأ بهم، لأنهم أمروا بطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله، وشتمهم في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكره رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك منه أشد الكراهة وغضب غضبا شديدا، وقال لعمر لماذا تأمر النسوة أن يسكتن وتنهاهن عن الدعوة لطاعتي وطاعة أمر ربي، دعوا النساء فإنهن خير ممن يدعوا لمعصية الله ورسوله، وخير ممن يتهم رسول الله بالهجر، وخير ممن يتمرد على رسول الله وعلى مقام النبوة ومنزلة الرسالة، دعهن يا عمر فإنهن خير منك وخير ممن رأى رأيك، ثم كره رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبقى أولئك العصاة عنده، فقال لهم قوموا عني واخرجوا من عندي.
أقول لأولئك، لماذا كان الصحابة عندما يذكرون ما فعل عمر ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبكون حتى تبل دموعهم الحصباء؟. ولماذا كانوا يطلقون على ذلك اليوم بيوم رزية الخميس؟. ولماذا أُطلق على تلك الحادثة بأنها رزية؟.
مؤامرة السقيفة:
ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وانتقل إلى الرفيق الأعلى، فجاءت المحاولة العملية لفصل دور أهل البيت عليهم السلام عن الإسلام، ونبذ وصية الله ورسوله بشكل مباشر وعلني، بعدما تهيأت كل الظروف المناسبة لذلك.
وكان أن اجتمع بعض المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعده، بينما كان أغلب الصحابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله محتشدين، يبكون على رسول الله، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبنو هاشم منشغلين في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي أثناء كل ذلك ترك أولئك المجتمعون في السقيفة وصية رسول الله، وكل النصوص الشرعية التي تأمر بالولاية والوصية لأمير المؤمنين عليه السلام، ونسي أولئك عهودهم ومبايعتهم لأمير المؤمنين علي عليه السلام يوم أن أخذها عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم، وقال لهم يومها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله).
لقد تناسى أولئك كل ذلك، واستغلوا انشغال المؤمنين وأميرهم علي بن أبي طالب علي السلام في تجهيز رسول الله، وفي هذه الأثناء كان عمر بن الخطاب رافعا سيفه معلنا للناس، وتحت قوة التهديد والتخويف، أن محمدا لم يمت، ومن قال بأن محمدا قد مات فإن مصيره الموت، وبقي على تلك الحال حتى حضر أبو
وما أن عاد إلى المدينة حتى أخذ عمر بيده وتوجهوا إلى السقيفة، وخطب أبو بكر في المجتمعين، وخطب عمر وقام بمبايعة أبي بكر.
وقد روى البخاري في باب فضائل الصحابة عن عائشة قالت (فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها، لقد خوف عمر الناس، وإن فيهم لنفاقا، فردهم الله بذلك).
لاحظوا كيف أن عمر بن الخطاب استخدم كل وسائل التخويف والإرهاب، حتى لا يتذكر المسلمون بيعتهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وحتى يبايعوا من اختاره عمر تحت التهديد والإكراه. ولذلك كان عمر مستعدا لقتل أي إنسان يخالف أهدافه ومراميه، وعندما اعترض الصحابي سعد بن عبادة زعيم الأنصار ورفض مبايعة أبي بكر، أمر عمر بضربه وقتله.
روى البخاري في صحيحه (فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعدا، فقال عمر: قتله الله).
ويروي البخاري أيضا قول عمر واعترافه بأن بيعة السقيفة كانت مغامرة خطيرة من قبله، خالفوا فيها أمر الله تعالى ووصية نبيه، يقول عمر بن الخطاب (فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها).
ويروى البخاري أيضا عن عمر بن الخطاب وهو يعترف بأن غالبية المسلمين لم يكونوا على علم بما يجري في السقيفة، ويعترف بأن عددا كبيرا من الصحابة لم يجمعوا على بيعة أبي بكر، قال (وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه إلا أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف منا علي والزبير ومن معهما).
لاحظوا في الآية التالية وهي تبين عملية الإنقلاب على إرادة الله تعالى ووصية رسوله الكريم في ولاية وإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وأن الذين نقضوا عهودهم وتركوا بيعة أمير المؤمنين عليا عليه السلام لن يضروا الله شيئا، بل
وأما الذين صبروا على عهدهم وثبتوا على ولايتهم وتحملوا الأذى والظلم في سبيل وفائهم ومودتهم وحبهم لأمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت عليهم السلام، فأولئك لهم حسن الجزاء والثواب، لأنهم من الشاكرين الثابتين الصابرين المحتسبين.
قال تعالى في سورة آل عمران الآية 144 {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}.
ومما يدل على أن الإنقلاب في الآية هو على إمامة أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت عليم السلام هو تطابق لفظة الشاكرين في الآية مع آية المودة في المعنى واللفظ، عند ورود اسم الله تعالى الشكور.
وأما بالنسبة لأبي بكر، فقد خطب خطبة بعد عودته من السنح من خارج المدينة خطب قائلا (أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
فهل كان يرى أن الناس يعبدون محمدا حتى يهدئ من روعهم؟. وهل خرج الناس عن إيمانهم وعقيدتهم؟ أم كانوا مثالا للصبر والتقوى؟ وهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرف أن أصحابه يعبدونه وهو ساكت عنهم؟.
وعلى كل فإن حادثة السقيفة كانت التطبيق العملي في التفريق بين الكتاب وأهل البيت عليهم السلام، وذلك واضح من اغتصاب حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الخلافة، وبالتالي تم عزل أهل البيت عليهم السلام عن موقعيتهم السياسية والقيادية.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبته المسماة بالشقشقية كما يرويها في نهج البلاغة.
ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى
(شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِر) فَيَا عَجَباً بَيْنمَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ، إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا، فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا، وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ، فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ، وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاضٍ، فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَِ).
مهاجمة بيت أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام:
تمت مؤامرة السقيفة كما خطط لها أشياخ قريش، ولم يبايع أمير المؤمنين علي والسيدة فاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام وبقية بني هاشم وعدد كبير من الصحابة الذين كانوا من شيعة علي والموالين له، مما اضطر أبو بكر وعمر أن يقوما بعملية ثانية لإبعاد أهل البيت عليهم السلام عن المجتمع، والحط من شأنهم واحترامهم بين المسلمين، ومن أجل انتزاع البيعة منهم لأبي بكر، فكانت حادثة الهجوم على بيت علي أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وريحانتي رسول الله من الدنيا.
روى في كنز العمال ومجمع الزوائد وغيرهم عن أبي بكر أنه قال (أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وددت أني فعلتهن وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن فأما الثلاث التي وددت أني لم أفعلهن، فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وأن أغلق على الحرب).
وآت ذا القربى حقه:
وهكذا استمر أبو بكر وعمر ومن معهما في عمليات إبعاد أهل البيت عن الحياة والمجتمع، فبعد أن أزاحوهم عن دورهم القيادي والسياسي، وفصلوهم عن الحياة التشريعية والإجتماعية، قام أبو بكر وبمباركة عمر بن الخطاب بمنع السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام من إرثها، وحرمانها من حقوقها، وانتزع منها ميراثها من رسول الله، وانتزع منها فدكا التي منحها إياها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من ربه، قال تعالى {وآت ذا القربى حقه}.
روى في كنز العمال عن أبي سعيد قال: لما نزلت {وآت ذا القربى حقه} قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة لك فدك.
وروى في مجمع الزوائد عن أبي سعيد قال: لما نزلت: {وآت ذا القربى حقه}. دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فأعطاها فدك.
روى البخاري عن عائشة) أن فاطمة عليها السلام، ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم لها ميراثها، ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نورث، ما تركنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت).
روى البخاري في صحيحه عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في حق السيدة فاطمة الزهراء سلام الله تعالى عليها (غضبها من غضب الله، ورضاها من رضى الله).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله، ومن أرضاها فقد أرضاني، ومن أرضاني فقد أرضى الله).
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله).
وروى في الإصابة ومجمع الزوائد والطبراني في الكبير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن ابنته فاطمة عليها السلام (إن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها).
قال تعالى في سورة الأحزاب الآية 57 {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا}.
واستمر أبو بكر في حصاره الإقتصادي أثناء خلافته على أهل البيت عليهم السلام وقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو ما أكدته الروايات من مصادر أهل السنة والجماعة.