مقدمة مركز الأبحاث العقائدية
تمهيد:
في تاريخنا الاسلامي صفحات ناصعة مشرقة، نشرت ضياءها يميناً وشمالا، فاستضاءت بها الدنيا، ولا تزال هذه الصفحات باقية، وستبقى، حتى يأتي يوم الله الموعود.
ومثلما حفل تاريخنا بأيام الخير والعطاء، فقد ملىء بدواعي الأسى والبكاء، وهكذا هو التاريخ:
فيه سموّ وانتصار.. وفيه تدن واندحار
فيه عدل وإنصاف.. وفيه جور وإجحاف
وكلّها صفات خالدة، تزيد المحسنين إجلالا وإكباراً، ولا تزيد الظالمين إلاّ تباراً.
ولا يشك الناظر في التاريخ أنّ لشيعة أهل البيت(عليهم السلام)اليد الطولى، والقدم السبّاق، والحسام الأمضى، والقلم المشّاق.. في صناعة أبهى صفحاته وأزكاها.
وهو مع هذا على يقين من أنّ هذه الفئة من المسلمين، قد لاقت في ولائها لمحمد وآله الأطهار(عليهم السلام)أشدّ أنواع البلايا والمِحن، وتعرّضت لِما لا يخطر على بال بشر، بحيث لو طرقت مسمع أحد لأول مرّة لقال: إنما هي مبالغات وأساطير، إذ يأبى تاريخنا أن يخبىء في طيّاته مثل هذه الأمور.
لكنها حقيقة.. تحتاج إلى عين ناظرة، وأذن صاغية.
فقد تلقّى الشيعة ـ ابتداءً من صدر الإسلام وإلى يومنا هذا ـ من شدائد وآلام وتطريد وتقتيل وإبعاد و...، ما لم يتلقه أحد غيرهم، ولم يك ذلك إلاّ لولائهم عترة نبيهم والاعتقاد بالمكانة العظمى التي خصّهم الباري عزوجل بها، ولا يزال الشيعة يتحمّلون المرارة، ضريبة لهذا الولاء، ولم يخرجهم كل هذا عن طورهم، بل واجهوا كل التيارات المعاكسة بمرونة وتقديم الأدلة والبراهين، وعاملوا الواقع الخارجي بروح موضوعية وبنّاءة.
وهذا، ما مهّد السبيل لانتصارهم، وفسح المجال لاتساع دائرتهم، والتحاق المنصفين أفواجاً أفواجاً بركبهم.
وكتابنا هذا يبّين هذه الظاهرة، ويسلّط الضوء على حركة الاستبصار واعتناق الكثير لمذهب أهل البيت(عليهم السلام).
ونحن لا نريد من تبييننا لهذا الأمر تعميق الخلاف بين المسلمين، فما أحوجنا اليوم إلى كلمة تلمّ شملنا وتؤلّف بين قلوبنا، وما أحرانا باجتياز الحواجز التي ركّزت بيننا، ثم ما أشوقنا إلى لغة الحوار السليم التي تعيننا على ذلك.
ولو التزمت الأمة الإسلامية بالمناهج البناءة في معاملتها مع من يخالفها في الرأي في دائرة الإسلام، لبلغت المنى، ولاستوت مراكبها، واجتمعت كلمتها على ما تركه لها نبيّها المصطفى(صلى الله عليه وآله)، فلا تضلّ بعده، ولا تفترق.
وأما تعصّب كل منّا إلى فرقته ـ ليس إلاّ لأنه ورثها عن آبائه، ونشأ عليها، وتشربت بها عروقه ـ فلا يزيدنا إلاّ تباعداً فيما بيننا، وابتعاداً عن المحجة البيضاء والشريعة المحمّدية السمحاء.
وهذه الموسوعة ـ التي ننقل فيها تجارب أناس بحثوا في الموروث، وغربلوه، فتمسّكوا بالصافي منه، وأعطوا المغشوش منه ظهورهم ـ هي المصداق البارز والحيّ في تفهّم بعضنا الآخر فيما اختلفنا فيه، ومن ثمّ قبول ما وافق الدليل منه وترك ما خالفه.
فاليكم هذه التجارب الشخصية على هذا الطريق.. لتشاهدوا بوضوح:
لماذا اختار هؤلاء مذهب أهل البيت(عليهم السلام)؟
وما هي الأدلّة التي اعتمدوا عليها؟
ومن أين كان المنطلق؟
وكيف ساروا؟
وإلى أين وصلوا؟
فنجعلكم تواكبون الرحلة معهم، لتتعرفوا على كيفية ركوبهم سفينة النجاة.
كل ذلك، مع سرد الأدلّة العقلية.. والنقلية.. والوجدانية.
فإليكم هذه الأصوات التي طفحت بالولاء لمحمد وآل محمد، والتي نبعت من قلوب تمرّدت على أهوائها، فتفتحت بصيرتها على أنوار الحقيقة، فجاءت متعطّشة، لتحكي خلجاتها القلبية المتفجّرة بلسان صادق وعواطف جياشة.
لماذا الاستبصار؟
في هذا الفصل نقتصر على نقل بعض الحقائق التي اعترف بها الأستاذ حسن فرحان المالكي حول التحوّلات السنية للشيعة، وهي ليست العلّة التامة لهذه التحوّلات، بل كانت المنطلق نحو البحث للكثير من المستبصرين.
والأستاذ حسن فرحان المالكي يعدّ من الأسماء اللامعة والمشهورة في الأوساط العلمية، وعرف بانصافه في البحث، رغم كونه في السعودية، ومحسوب على السلفيّين، إلاّ أنّ إنصافه سبّب له مقتاً كبيراً من قبلهم، مما جعلهم يوجّهون سهامهم نحوه لمحاربته.
له عدّة كتب وأبحاث، منها مقال منشور في مجلة: (المجلّة) العدد 1082 بتاريخ 11 / 11 ـ 2000م، تحت عنوان: "قراءة في التحوّلات السنية للشيعة"، والذي ركّز فيه على مسألة المستبصرين، وعلى التيجاني وكتبه بالذات.
وقد أورد في مقاله هذا عدّة نكات ارتأينا أن نتوقف عندها، ونذكرها، لما فيها من اعترافات مهمة حول
(1) قال متحدّثاً عن الدكتور التيجاني:
"ثمّ زار العراق، وكانت الصدمة الكبرى له برؤية الشيعة في الواقع، والتزامهم بالدين، مع اتهامنا لهم بالخروج عن الإسلام!
فعملية اكتشاف الكذب من أخطر الصدمات التي تواجه طالب العلم الحرّ، وهي درس لنا حتّى لا نشوّه صورة الآخرين، سواء كانوا شيعة أو غرباً أو شرقاً، وإنما ننقل الحقيقة كاملة، بما لها وما عليها، حتّى لا نفقد مصداقيّتنا مع طلاّبنا وأبنائنا".
(2) وقال أيضاً:
"ومن الأسباب العامة الرئيسية في تحول الدكتور التيجاني وغيره من السنة إلى الشيعة: الصورة الذهنية الخاطئة عن الشيعة، التي صوّرناها تصويراً مشوّهاً، بتعميم يخالف الحقيقة.
فعندما يأتي الدكتور التيجاني إلى الشيعة الذين ينشر غلاة السنة بأنهم ـ أي الشيعة ـ إنما يعبدون علياً! ويزعمون أن جبريل أخطأ! وأنهم يريدون الكيد للإسلام من باب التشيع! وأنهم يمتلكون مصاحف أخرى غير مصاحفنا! وأنهم حاقدون على الاسلام! ويتزاوجون سفاحاً! وغير ذلك من التشويهات، بل الافتراءات التي قد تزيد شباب السنة شكوكاً إذا اكتشفوا الحقيقة، وإذا فقدوا الثقة في علمائهم وباحثيهم، فلا ينتظر منهم العلماء إلاّ هذا التحول الحاد والشك بالمنظومة السنية كلّها، بل والحقد على هذا التواطؤ في الكذب والتشويه والتعميم.
فهذه من الأسباب العامة التي يتحمّلها المجتمع السني الذي يجب عليه أن ينقل الصورة كاملة".
(3) وقال أيضاً:
"نعم، الشيعة الامامية فيهم من يعتقد بتحريف القرآن، لكنهم قلّة، والأغلبية الساحقة من الشيعة يردّون على هؤلاء، فالتعتيم ابن التشويه".
(4) وقال أيضاً:
"الجانب السنّي المتأخر، بعد القرون الثلاثة الأولى إلى اليوم، أصابته ردّة فعل من غلوّ الشيعة في ذم الصحابة، فقام أهل السنة وغلوا في جانب الصحابة، ونقلوا الآيات والأحاديث التي تحمل الثناء، ولم ينقلوا الآيات والأحاديث التي تنقل العتب، بل والذم في بعض المواقف... فعندما ذهب التيجاني للعراق كانت الصورة الذهنية عن الصحابة صورة تشبه عقيدة الشيعة في الأئمة الاثني عشر الذين يعتقدون فيهم العصمة، فلذلك تفاجأ عندما اكتشف خطأ عمر في تحريم متعة الحج، أو خطأ عثمان في الاتمام في الصلاة بالحج، أو إعطائه بعض أقربائه الولايات والأموال..
فانهارت عنده هذه الصورة المبالغ فيها...
كما أن الجانب السني ـ للأسف ـ وجدت فيه ردّة الفعل، وأصبح من يرى علياً أولى بالخلافة مبتدعاً عنده، حتى وإن أقرّ بشرعية بيعة أبي بكر وقال بفضله وأحبه ونشر فضائله...
فما الداعي للفظة (ثم) هنا!! مع أن عثمان لم يشهدها أصلا... فتعبير البخاري يدل على سكون هاجس التفضيل في نفوس كبار أهل السنة، وكأن البخاري خشي لو لم يذكر لفظة (ثم) الدالة على الترتيب مع التراخي! ستؤدّي إلى الانتقاص من أبي بكر وعمر، بل وعثمان الذي لم يشهدها حقيقة...".
(5) وقال أيضاً:
".. ومسألة التفضيل برمّتها من المسائل الفرعية الثانوية التي لا يجوز أن نبني عليها تبديعاً ولا تكفيراً، وحتى وإن غلا بعض سلفنا وزعم أنه [من] فضل علياً على عثمان فهو رافضي! وهذا يعني أن نصف الصحابة تقريباً روافض! فقد كان نحو الثلث منهم يفضله مطلقاً (راجع ترجمة الامام علي في الاستيعاب لابن عبدالرب وما ذكره من تفضيل بعض كبار الصحابة للإمام علي)...".
(6) وقال أيضاً:
"من أسباب الانفلات عن المذهب السني أنّ أهله غلب عليهم الغلاة في الأزمنة المتأخرة الذين أصبحوا يضيقون السنة ويحصرونها في خصومات أسلافهم من العلماء...
وهذا الضيق من حصر السنة الواسعة في الانتصار لخصومات مذهبية كان من أكبر العوامل المساعدة على التفلّت من هذه السنة التي أصبح المتفلّتون يتفاخرون بهجرها!! ويقولون: إذا كانت السنة عندكم هي التجسيم وتبرير بغي معاوية وفجور يزيد وظلم الحجاج!! فأنا أول متبرىء منها.
ويساعده على ذلك أيضاً أن غلاة السنة لهم الصوت الأقوى داخل الوسط السني السلفي على وجه الخصوص، فلذلك لا نستغرب هذه الانحسارات عن السنة إلى مذاهب أخرى...".
(7) وقال أيضاً:
"وسيبقى الغلو السلفي من أكبر الأمور المساعدة على الانتقال الحادّ إلى الشيعة، ما لم يسارع عقلاء السلفية بنقد الغلو داخل التيار السلفي نفسه، ذلك الغلو المتمثّل في كثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي نشدّ بها المذهب!! وكثرة التكفيرات المخالفة للمنهج النظري، كتكفير أبي حنيفة والاحناف، وتكفير الشيعة والجهمية والمعتزلة...".
(8) وقال أيضاً:
"التكفير، بل والتبديع الظالم، لا يزيد الأمّة إلاّ تفرّقاً وتشرذماً...".
(9) وقال أيضاً:
"وهذه [أي: مسألة الغلو في دعوى الاجتهاد] من أسباب نفرة التيجاني عن المذهب السني، إذ لحظت أن التيجاني أخذ يسخر من زعمنا بأن معاوية اجتهد وهو مأجور على قتال علي وقتل الصحابة وقتل حجر بن عدي وسب علي على المنابر واستلحاق زياد ومخالفة الأحاديث و...، وأن يزيد مأجور على قتل الحسين واستباحة الحرّة...
وحقيقة إن هذا ليس رأي أهل السنة المتقدّمين، إنّما رأي من تلبس باسم السنة من النواصب، أو ممن
(10) وقال أيضاً:
"... إغفال أهل السنة المعاصرين لتراجم أئمة أهل البيت، كالباقر والصادق والكاظم وزيد بن علي وعيسى بن زيد والنفس الزكية وغيرهم، فالتيجاني تفاجأ بهؤلاء الأئمة الذين لا يكادون يذكرون في مدارسنا وجامعاتنا، ولا مراجعنا الحديثة، ثمّ يفاجأ بعلم هؤلاء وفضلهم وشرف بيتهم، وظنّ أنّ الأمر مبيّت ومدبّر، بينما هو ردّة فعل لا غير مع جهل أيضاً.
وهذا ننكره، ونطالب بوجود تراجم لهم، مثلهم مثل غيرهم من العلماء والصالحين...".
لماذا الاهتمام بالمستبصرين؟
روي عن النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله) أنه قال مخاطباً الإمام عليّ(عليه السلام):
"لئن يهدي الله بك رجلا واحداً، خير لك من أن يكون لك حمر النعم"(1).
أو: "خير لك من الدنيا وما فيها"(2).
أو: "خير لك مما طلعت عليه الشمس"(3).
فهذا الحديث ـ باختلاف الفاظه ـ الذي رواه جميع المسلمين، فيه دلالة واضحة على أهمّية هداية الآخرين وإيصال الحقّ اليهم.
ولتبليغ الحق وايصال الهداية إلى الآخرين طرق وأساليب متعدّدة، وأثبتت لنا التجارب أنّ أكثرها تأثيراً هي كتب ومحاضرات المستبصرين وحكايتهم لتجاربهم وسردهم للأدلة التي دفعتهم لاعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
وهذا علم النفس يشرح لنا أسباب التأثير الملاحظ لهؤلاء على نفوس الناس، وذلك لأن كتبهم ومحاضراتهم وتراجمهم قد جمعت بين القصة والدليل، والمخاطب يكون متعطشاً لسماع قصة وأسباب من ترك معتقداته السابقة وتمسك بمعتقدات غيرها.
كما أن هؤلاء المستبصرين هم ممن شملتهم العناية الربانية، حيث أغدق عليهم الباري عزوجل من لطفه الوافر، فعرّفهم طريق الحق، ووفّقهم لاتباعه، ومنحهم قوة الصمود إزاء كافة التيارات المضادة التي حاولت أن تصرفهم عن اتباع الحق.
ولهذا، اهتم مركز الأبحاث العقائدية بهؤلاء، وحاول أن يوصل تجاربهم إلى الآخرين، ليكون ذلك سبباً في هداية المتعطشين لمعرفة الحق إلى سواء السبيل.
____________
1- أصول الكافي 6: 136، صحيح البخاري 4: 207، صحيح مسلم 7: 122.
وراجع: الاحتجاج 1: 168، مسند أحمد 5: 333، فضائل الصحابة: 16.
2- إحياء علوم الدين 1: 9.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 13.
لماذا الاصرار على اسم: "المستبصرين"؟
ورد في زيارة الجامعة الكبيرة ـ والتي يواظب الشيعة على زيارة أئمّتهم وسادتهم بها ـ: "أُشهد الله، وأُشهدكم: أنّي مؤمن بكم، وبما آمنتم به، كافرٌ بعدوّكم، وبما كفرتم به، مستبصر بشأنكم، وبضلالة من خالفكم، موال لكم، ولأوليائكم، مبغض لأعدائكم، ومعاد لهم، سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، مبطل لما أبطلتم، مطيع لكم، عارف بحقكم، مقرّ بفضلكم..."(1).
فالاستبصار هنا، وفي الاصطلاح عند الشيعة، هو معرفة شأن أهل البيت(عليهم السلام)، فكل الشيعة مستبصرون، وكلما ازداد الإنسان معرفة بأهل البيت(عليهم السلام) وبشأنهم ازدادت بصيرته، وكلما قلّت معرفته بأهل البيت(عليهم السلام)وبشأنهم قلّت بصيرته.
وقد يتوهّم البعض أن الذي ينتقل إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، لا يليق أن نسمّيه "مستبصراً"، لأن الاستبصار في مقابل العمى!!
ويردّ على هذه المقولة أننا استنتجنا من مقطع الزيارة الجامعة: أن لفظ "الاستبصار" في الاصطلاح يطلق على كلّ من له معرفة بأهل البيت(عليهم السلام)، وكلما ازداد الانسان معرفة، ازداد بصيرة واستبصاراً.
وأهل السنة بالذات ـ باستثناء النواصب منهم ـ لهم معرفة بأهل البيت(عليهم السلام)، يحبونهم، ويصلّون عليهم في صلواتهم، فمعرفتهم وإن كانت في أدنى المراحل، فهم مستبصرون في الاصطلاح بأقل درجة.
فإذا عرفوا أهل البيت(عليهم السلام)، وعرفوا شأنهم، واتبعوهم، زادت معرفتهم، وزاد استبصارهم، وصح تسميتهم بـ "المستبصرين".
وكما ذكرنا، فان كلّ الشيعة، بل كل المسلمين ـ عدا النواصب ـ هم مستبصرون، وإن اختلفت مراحل ودرجات استبصارهم.
ولكن، لمّا كانت أدنى مراحل الاستبصار هي الحب الذي لا يتعدّى إلى مرحلة الاتباع، اختص الاسم بمن تحصل له رحلة إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وذلك لانتقاله من أدنى مراحل الاستبصار التي هي الحب، إلى مرحلة تكاملية من الاستبصار وهي الاتباع.
ومرحلة الاستبصار تختلف بين الشيعة أنفسهم، وذلك باختلاف الاتباع، فالمراحل العليا من الاستبصار لا يمكن الوصول إليها إلاّ بعد الاتباع والالتزام الكامل بتعاليم أهل البيت(عليهم السلام) والأخذ بهديهم.
وإن اسماً بهذا الشأن والمقام الرفيع أحق أن يفتخر ويتباهى به متّبع مذهب أهل البيت، وبالأخص أنه مصطلح ورد على لسان المعصوم(عليه السلام) وأطلق على أشخاص انتقلوا إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فهو اسم قديم، فلماذا نحاول تغييره وهو يحمل في طياته هذه المعاني النفيسة؟!
هذا كله، ولو فرضنا وقلنا: إن الاستبصار في مقابل العمى، وأن الذي يستبصر، فكأنه كان أعمى ثمّ استبصر.
____________
1- عيون أخبار الرضا 2: 272، من لا يحضره الفقيه 2: 370، تهذيب الأحكام 6: 95.
"وعلى فرض أنّ العنوان يتضمن معنى الضلالة التي تقابل الهداية فيما نقصده على المستوى الفكري من إصابة المنهج الإسلامي الصحيح، الذي يضعنا على الصراط المستقيم، كما عقب بعض القراء بذلك.
فليكن كذلك، وهو الواقع الذي يتهيّب مواجهته البعض بروح رياضية بنّاءة، ونفس موضوعي خلاّق.. ينسجم في الفهم مع قول رسول الله(صلى الله عليه وآله):
تركتُ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً(1).
فالحديث واضح وصريح في الاشارة إلى ضلال من لم يتمسّك بهما معاً: الكتاب، والعترة.
وعلى كل حال، فأنا مقتنع بأنّني اهتديت بفضل الله سبحانه وتعالى إلى التمسك بكتاب الله وعترة الرسول(صلى الله عليه وآله)، فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق"(2).
ماذا عملتم لهم؟
يفتخر المركز بأنه أول مؤسسة تهتم بهذا الشكل المكثّف والملحوظ بالمستبصرين.
ولا ننسى، ولا نتغافل من سبقنا، ممن كانت لهم اهتمامات بالمستبصرين، فجزاهم الله خير جزاء المحسنين.
ولكن، ما كان، فهو اهتمامات وتوجّهات فردية، لم تصل إلى ما وصل إليه المركز، وما سيحدّثنا المستقبل أكثر إن شاء الله.
____________
1- راجع من مصادر حديث الثقلين بمختلف ألفاظه:
في موقف يوم عرفة: سنن الترمذي 5: 662، كنز العمال 1: 48 عن الحافظ ابن أبي شيبة، نوادر الأصول: 68، المعجم الكبير 3: 63، مجمع الزوائد 5: 195 و9: 163 و10: 363 و368، المصابيح 2: 206، جامع الأصول 1: 177، تهذيب الكمال 10: 51، تحفة الأشراف 2: 278.
وفي موقف يوم الغدير: خصائص علي(عليه السلام) للنسائي: 96، التاريخ الكبير للبخاري 3: 96، صحيح مسلم: باب فضائل عليّ، مسند أحمد 3: 17 و4: 366، المطالب العالية 4: 65، سنن الدارمي 2: 310، كتاب السنة: 629، المعرفة والتاريخ 1: 536، مشكل الآثار 2: 307، المستدرك على الصحيحين 3: 109.
وفي موقف مسجد المدينة: تفسير البحر المحيط 1: 12، الصواعق المحرقة: 75 و136، المحرّر الوجيز 1: 34.
وفي موقف مرضه في الحجرة: سمط النجوم العوالي 2: 502، كشف الأستار 3: 221، تهذيب اللغة 9: 78، مقتل الحسين 1: 164، الصواعق المحرقة: 89.
2- مع الصادقين: 7.
التعرّف عليهم
تعرّف المركز على آلاف المستبصرين من جميع انحاء العالم، وحاول إيجاد الصلة والترابط معهم، ومعرفة أسباب وقصة استبصارهم، والأدلّة التي اعتمدوا عليها في هذه الرحلة، والكتب والعلماء الذين تأثّروا بهم، وهذه المعلومات تزداد وتتكامل يوماً بعد آخر.
سلسلة الرحلة إلى الثقلين
دعى المركز أهل القلم والفكر من المستبصرين إلى التأليف، وخصّص لهم "سلسلة الرحلة إلى الثقلين"، لتكون منبراً يعبّرون من خلاله للعالم عن قصّة استبصارهم والأدلّة التي اعتمدوا عليها، بأساليب متعدّدة، من قبيل: البحث العلمي، والشعر، والقصة، والرواية، والمسرحية.
وقد طبع من هذه السلسلة:
1 ـ النبي ومستقبل الدعوة، لمروان خليفات، من الأردن.
2 ـ واستقرّ بي النوى، لمحمد العمدي، من اليمن.
3 ـ الصحابة في حجمهم الحقيقي، للهاشمي بن علي، من تونس.
4 ـ بلون الغار بلون الغدير، لمعروف عبدالمجيد، من مصر.
5 ـ لا تخونوا الله والرسول، لصباح علي البياتي، من العراق.
6 ـ الهجرة إلى الثقلين، لمحمد گوزل الحسن الآمدي، من تركيا.
7 ـ محاضرات عقائدية، للدمرداش العقالي، من مصر.
8 ـ التجديد الكلامي عند الشهيد الصدر، للأسعد بن علي، من المغرب.
9 ـ حوار مع صديقي الشيعي، للهاشمي بن علي، من تونس.
10 ـ ومن النهاية كانت البداية، لباسل محمد بن خضراء، من فلسطين.
11 ـ معراج الهداية دراسة حول الامام علي ومنهج الامامة، لسعيد يعقوب، من فلسطين.
12 ـ افادات من ملّفات التاريخ، لمحمد سليم عرفة، من سوريا.
13 ـ في ظلال الاسلام السر الكامن وراء الاختلاف بين المسلمين، ليحيى طالب مشاري، من اليمن.
14 ـ الزيدية والامامية جنباً إلى جنب، لمحمد العمدي، من اليمن.
____________
1- يعدّ قسم الاهتمام بالمستبصرين من أهم نشاطات المركز، كما أن للمركز عدّة نشاطات أخرى، منها: بحث حول الشبهات وردّها، دراسة حول الشيعة في العالم، عقد الندوات العقائدية، رصد القنوات الفضائية والمواقع على الانترنت فيما يختصّ بالتشيع، تأسيس مكتبة نموذجية في العقائد والكلام والشبهات والردود التي يبلغ عددها (000/20) مجلّد، الموقع على الانترنت الذي يشمل: المكتبة العقائدية والمستبصرون والشيعة والتشيّع والندوات العقائدية والاجابة على الأسئلة ومواقع تابعة، وقسم إرسال الكتب المجانية إلى أكثر دول العالم للمستبصرين ومن لهم اشتراكات خاصة الذين يبلغ عددهم بالآلاف والنشطين في التبليغ والمؤسسات والمكتبات.
16 ـ تاريخ الشيعة، لنور الدين الهاشمي، من المغرب.
17 ـ الصحيح من انجيل المسيح، لعلي الشيخ، من العراق.
18 ـ ثم اهتديت، لمحمد التيجاني، من تونس، تحقيق وتعليق مركز الأبحاث العقائدية.
19 ـ لأكون مع الصادقين، لمحمد التيجاني، من تونس، تحقيق وتعليق مركز الأبحاث العقائدية.
20 ـ فاسألوا أهل الذكر، لمحمد التيجاني، من تونس، تحقيق وتعليق مركز الأبحاث العقائدية.
21 ـ الشيعة هم أهل السنة، لمحمد التيجاني، من تونس، تحقيق وتعليق مركز الأبحاث العقائدية.
وغيرها من عشرات الكتب التي هي في طريقها إلى الطبع، أو قيد التأليف.
المستبصرون يتحدّثون معكم
كما نظّم المركز برنامج: "المستبصرون يتحدّثون معكم"، لتسجيل ونشر المئات من محاضراتهم التي يعدّها المركز، وقام بنشرها في العالم على أشرطة صوتية ومرئية وأقراص ليزرية (CD)، تحدّثوا فيها بمختلف المواضيع: من قصة الاستبصار، وردّ الشبهات، وتثبيت العقيدة، منها:
1 ـ الردّ على عثمان الخميس في محاضرته: "ماذا تعرف عن دين الشيعة"، لعصام العماد، من اليمن.
2 ـ الآثار الناتجة من عدم الايمان بالله في المجتمعات الغربية، لمحمد والدمن، من النمسا.
3 ـ وجوب البحث عن الفرقة الناجية والتمسّك بها، لذي الكفل ميكتو، من كونغوكينشاسا.
4 ـ مباني الثقافة الغربية واشكاليتها، لأحمد كواسي، من كندا.
5 ـ دراسة نقدية لمشروع الجابري، في ست حلقات، لنورالدين الهاشمي، من المغرب.
6 ـ ردّ بعض الشبهات حول الشيعة، لنورالدين الهاشمي، من المغرب.
7 ـ كرامات أهل البيت(عليهم السلام)، لعثمان بوكم، من مالي.
8 ـ الجبر والتفويض، لعبدالغني عثمان، من كينيا.
9 ـ من أين المنطلق، لمحمد العمدي، من اليمن.
10 ـ الصحابة، لحسن شحاته، من مصر.
11 ـ تاريخ التشيع في مصر، لمعروف عبدالمجيد، من مصر.
12 ـ بحوث حول عقائد المسيحية، لعلي الشيخ، من العراق.
13 ـ حوار صريح وهادىء مع أهل السنة، لصالح الورداني، من مصر.
14 ـ من خط معاوية إلى خط الإمام علي(عليه السلام)، لصالح الورداني، من مصر.
15 ـ التجسيم، لعبدالجليل عيسى، من غانا.
16 ـ موكب الإمام الحسين(عليه السلام) في سفر الشهداء، للدمرداش العقالي، من مصر.
17 ـ الامامة في القرآن الكريم، للدمرداش العقالي، من مصر.
19 ـ مظلومية الزهراء(عليها السلام) وأثرها في التشيع، لمحمد التيجاني السماوي، من تونس.
20 ـ مأساة الزهراء(عليها السلام) وأثرها في حركة الاستبصار، لعصام العماد، من اليمن.
21 ـ التشيع في تونس، لمبارك البعداش، من تونس.
22 ـ الصحابة بين الشيعة والسنة، للهاشمي بن علي، من تونس.
23 ـ آية الاعتصام، لدوسو عبدالله، من ساحل العاج.
24 ـ محمد بن عبدالوهاب، لصباح البياتي، من العراق.
25 ـ ثم اهتديت، لرشيد بن عيسى، من الجزائر.
وغيرها من مئات المحاضرات تحت عنوان: "لماذا اخترت مذهب أهل البيت(عليهم السلام)"، و: "قصة الاستبصار"، و: "الرحلة إلى الثقلين"، و: "ثم اهتديت"، و: "هكذا عرفت الشيعة".
برنامج المستبصرين
وهو برنامج كمبيوتري على قرص ليزري (CD) حول المستبصرين، يشمل: ترجمة (1000) مستبصر من أنحاء العالم، ومعظم مؤلّفاتهم، وبعض محاضراتهم، وكتب المناظرات، ومعلومات عن الشيعة في العالم.
النخبة من المستبصرين
ركّز المركز جلّ اهتمامه على نخبة المستبصرين من ذوي الطاقات العلمية والكفاءات الفكرية ـ مع عدم اهمال غيرهم ـ وذلك بدعوتهم إلى المركز، وإيجاد الصلة والترابط المستمر معهم، وتنظيم محاضرات عامة لهم في مختلف المواضيع العقائدية والمسائل الخلافية، ودعمهم بارسال الكتب والبرامج الكمبيوترية، وتنظيم صفحات شخصية لهم تحوي: سيرتهم الذاتية ومؤلّفاتهم ومقالاتهم ومحاضراتهم والاجابة على الاسئلة.
الموقع على الانترنت
للمركز موقع مختصّ بالعقائد والمسائل الخلافية، يزوره الآلاف كل يوم من أكثر من (100) دولة، فيه قسم خاص بالمستبصرين، يتضمن:
1 ـ من حياة المستبصرين.
2 ـ مؤلّفات المستبصرين.
3 ـ المستبصرون يتحدّثون معكم.
4 ـ صفحات شخصية للمستبصرين.
5 ـ نافذة اتصال المستبصرين بالمركز.
الدعم العلمي
حاول المركز أن يدعم المستبصرين في مختلف المجالات العلمية، من قبيل الاجابة على اسئلتهم، وارسال ما يحتاجونه من كتب وأقراص ليزرية (CD) بمقدار وسع المركز، وإيجاد الصلة والتعارف فيما بينهم وبين علماء الشيعة والمؤسسات الشيعية، وكذلك إيجاد الصلة فيما بين المستبصرين أنفسهم، لتنمية طاقاتهم، وإيجاد أجواء ترفع من مستوياتهم العلمية عبر المطارحات الفكرية.
تراجم المستبصرين
لقد قام المركز من بداية تأسيسه بنشر تراجم المستبصرين التي تتضمّن التعريف بهويتهم الشخصية وبيان قصة استبصارهم وسرد الأدلّة التي اعتمدوا عليها في رحلة اعتناقهم لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وذلك بواسطة موقع المركز على الانترنت، في الحقل المخصّص للمستبصرين.
وقد لاقى هذا المشروع إقبالا عديم النظير، وذلك لما في هذه التراجم من جذابية كبيرة، لأن النفوس دائماً تتطلّع لمعرفة قصص هؤلاء الذين غيّروا عقيدتهم، ليتعرّفوا على الأدلّة التي دفعتهم للتخلّي عن انتماءاتهم السابقة وفرضت عليهم التمسّك بمذهب التشيّع.
كما أن المركز سمح للجميع بنسخ وتكثير هذه المعلومات في المواقع على الانترنت والكتب والمجلات، بشرط الحفاظ على الأمانة العلمية وذكر المأخذ، تعميماً للفائدة، ونشراً لمعارف أهل البيت(عليهم السلام) في العالم.
ومن هذا المنطلق اقتبست عشرات المواقع على الانترنت هذا الحقل ونشرته في مواقعها المباركة.
وكذلك نشرت بعض الصحف والمجلاّت هذه التراجم في أكثر أعدادها.
واقتبست بعض الكتب أيضاً هذه التراجم من موقع المركز على الانترنت، ونخص بالذكر منها كتاب المتحوّلون ـ في ثلاثة أجزاء ـ للشيخ المستبصر هشام آل قطيط، حيث أنه أُخذ ما يقارب ثلث معلوماته حول المستبصرين من التراجم الموجودة في موقعنا على الانترنت.
فجزى الله العالمين في خدمة أهل البيت(عليهم السلام) خير جزاء المحسنين.
هذه الموسوعة:
بما أنّ حركة الاستبصار قديمة جدّاً، ويرجع تاريخها إلى زمن المعصومين(عليهم السلام)، حيث استبصر الكثير منهم على يد الأئمة المعصومين(عليهم السلام).
فان موسوعتنا هذه ستشمل ـ إن شاء الله ـ كل هؤلاء المستبصرين من مختلف القرون.
ويدخل في هذه الموسوعة ـ بناءاً على التعريف الذي ذكرناه لمعنى الاستبصار ـ أولئك الذين انتقلوا
ويدخل في هذه الموسوعة أيضاً أتباع سائر المذاهب الشيعية، من الزيدية والإسماعيلية، لأن معرفتهم بأهل البيت(عليهم السلام) وإن كانت أكثر منها عند أهل السنة، إلاّ أنها لم تصل إلى حدّ الكمال بالاتباع الكامل; وذلك لوقوعهم في الخلط والخبط في تشخيص المراد من أهل البيت(عليهم السلام)، وابتعادهم نوعاً ما عن تعاليمهم والأخذ بأحاديثهم، مما جعلهم يلجأون إلى كتب الحديث عند أهل السنة ويعتمدون عليها في بعض الأحيان.
فيدخل في موسوعتنا هذه كل من حصلت له رحلة إلى الاسلام الحقيقي المتمثّل بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)الامامي الاثني عشري، سواء في ذلك من سائر المذاهب الاسلامية، أو سائر المذاهب الشيعية، أو من سائر الأديان الذين اعتنقوا الاسلام الحقيقي المتمثّل بتعاليم الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام).
كما قسّمنا الموسوعة إلى: المعاصرين، والمؤلّفين، والقدامى حسب القرون.
وحاولنا في هذه الموسوعة أن لا نقتصر على الهوية الشخصية ـ المعبّر عنها بالتراجم ـ فحسب، بل حاولنا ذكر قصة الاستبصار، مدعمة بالأدلّة العقلية والنقلية وردّ الشبهات، مع إثارة أهم المواضيع المختلف فيها، سواء في ذلك العقائدية أو المسائل الخلافية في التفسير والفقه والتاريخ و...
ولا يفوتني في ختام هذه المقدّمة أن أقدّم جزيل شكري وثنائي إلى كل من ساهم في إعداد هذه الموسوعة من أعضاء مركز الأبحاث العقائدية، وأخصّ بالذكر منهم:
1 ـ الشيخ الفاضل علاء الحسون.
2 ـ الشيخ الفاضل طاهر السلامي.
3 ـ الشيخ الفاضل صادق الحسون.
4 ـ الشيخ الفاضل محمد اللبان.
5 ـ المهندس الفاضل عبدالحسين الحسون.
6 ـ الأخت الفاضلة أم علاء الحسون.
حيث قاموا بجمع المعلومات وتدوينها ودعمها بالأدلّة العقلية والنقلية، وإخراج هذه الموسوعة بهذه الحلّة إلى النور.
فجزاهم الله خيراً، وزاد في توفيقاتهم.
مركز الأبحاث العقائدية
فارس الحسون