الصفحة 77
القيم في المنار المنيف(1)، والتفتازاني في شرح المقاصد(2)، والهيثمي في مجمع الزوائد(3)، والسيوطي في الجامع الصغير(4)، والألباني في مقال بعنوان " حول المهدي "(5)، وغيرهم(6).

وأمّا أعلام المالكية الذين ذكروا أخبار المهدي(عليه السلام)، فمنهم:

الحافظ شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ) في كتابه التذكرة(7)، وابن الصباغ المالكي (ت 855 هـ) في كتابه الفصول المهمة(8)، والفقيه المحدّث أبو عبد الله الكتاني الحسني الفاسي المالكي (ت 1345 هـ) في كتابه نظم متناثر من الحديث المتواتر(9).

____________

1- المنار المنيف: 1 / 142 ـ 153.

2- شرح المقاصد: 5 / 312.

3- مجمع الزوائد: 7 / 313 ـ 317.

4- الجامع الصغير: 2 / 672 و 438.

5- أنظر: مقال حول المهدي لناصر الدين الألباني: 644 (مجلة التمدن الإسلامي ـ دمشق، ذي العقدة 1375 هـ).

6- أنظر: كتاب (الإمام المهدي (عليه السلام) عند أهل السنة) لمهدي فقيه إيماني، المطبوع بجزئين.

7- فقد ذكر ثمانية أبواب في أخبار المهدي (عليه السلام) وكيفية خروجه، حيث أورد فيها روايات كثيرة من طرق العامة، كابن ماجة والترمذي وأبي داود وابن الخطاب وأبي نعيم والدارقطني وغيرهم، أنظر: التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة: 690.

8- أفرد ابن الصباغ في كتابه هذا فصلا كاملا للإمام المهدي (عليه السلام)، ذكر فيه اسمه وكنيته ونسبه وتاريخ ولادته ودلائل إمامته وطرف من أخباره وغيبته، فنقل عن محدثي العامة ومؤرخيهم روايات عديدة، و ختم الفصل بقوله: قال بعض أهل الأثر: المهدي هو القائم المنتظر، وقد تعاضدت الأخبار على ظهوره، وتظاهرت الروايات على إشراق نوره وستسفر ظلمة الأيام والليالي بسفوره، وتتجلى برؤيته الظلم إنجلاء الصباح من ديجوره، ويخرج من سرار الغيبة فيملأ القلب بسروره، ويسري عدله في الافاق أضوء من البدر المنير في مسيره "، أنظر الفصول المهمة: فصل 12 / 291 (طبعة النجف / مطبعة العدل).

9- ذكر المؤلف عشرين مصدراً لأكابر علماء العامة، رووا فيها عن الصحابة أخبار المهدي المنتظر (عليه السلام)و قال: " إنها متواترة عندهم "، أنظر: نظم متناثر من الحديث المتواتر: 225.


الصفحة 78
وتجدر الإشارة إلى إحدى الإحصائيات التي قام بها الشيخ محسن العبّاد أحد مشايخ العربية السعودية حول المهدي(عليه السلام)، وقد نشر بحثه في مجلة الجامعة الإسلامية الصادرة بالمدينة المنورة، ذكر فيه رواة حديث المهدي(عليه السلام) من الصحابة وعددهم ستة وعشرون راوياً، وذكر أنّ الأئمة الذين خرّجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي(عليه السلام)يبلغ عددهم ثمانية وثلاثين، كما أورد أسماء عشرة مؤلفين من كبار علماء العامة كتبوا في قضية الإمام المهدي(عليه السلام)، منهم من ألّف كتاباً مستقلاً في هذا المجال، ومنهم من كتب فصلا أو أكثر.

كما علّق كبير علماء السعودية ـ في وقته ـ عبد العزيز بن باز (ت 1420هـ) على محاضرة للشيخ العبّاد حول المهدي قائلاً: "... فأمر المهدي أمر معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة، بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، كما حكاه الأستاذ في هذه المحاضرة، وهي متواترة تواتراً معنوياً لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أنّ هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق "(1).

المهدي من العترة الطاهرة:

وهذا الموعود هو من عترة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيراً، وهو من سلالة يصفها العلامة النورسي ـ من علماء العامة ـ: "ليس في الدنيا قاطبة عصبة متساندة نبيلة شريفة ترقى إلى شرف آل البيت ومنزلتهم، وليس فيها قبيلة متوافقة ترقى إلى اتفاق آل البيت، وليس فيها مجتمع أو جماعة منوّره أنور من مجتمع آل البيت وجماعتهم.

____________

1- أنظر: مجلة الجامعة الإسلامية / ذي القعدة ـ 1389 هـ: 162.


الصفحة 79
نعم، إنّ آل البيت الذين غذّوا بروح الحقيقة القرآنية، وارتضعوا من منبعها، وتنوّروا بنور الإيمان وشرف الإسلام، فعرجوا إلى الكمالات، وأنجبوا مئات الأبطال الأفذاذ، وقدّموا ألوف القوّاد المعنويين لقيادة الأمة، لابد أنّهم يظهرون للدنيا العدالة التامة لقائدهم الأعظم المهدي الأكبر، وحقّانيته بإحياء الشريعة المحمّدية، والحقيقة الفرقانية، والسنة الأحمدية، وتطبيقها واجراءاتهاوهذا الأمر في غاية المعقولية، فضلا عن أنّه في غاية اللزوم والضرورة، بل هو مقتضى دساتير الحياة الاجتماعية "(1).

ويقول الأستاذ أحمد كوليبالي: " فطفقت أتعمق بالبحث والتتبع أكثر فأكثر، حتى أرشدني الأصدقاء الجدد الذين تعرّفت عليهم في الجمعية اللبنانية الشيعية إلى روايات أهل البيت(عليهم السلام) حول المهدي(عليه السلام)، فراجعتها وإذا بي أعثر على كم هائل من الروايات التي تتحدث عنه(عليه السلام) وعن الظروف التي يظهر فيها، بل جرّني البحث في كتب الشيعة إلى مسائل أخرى طالما كنت أبحث عن إجابات مقنعة لها، كمسألة الإمامة والخلافة، فأرشدتني تلك الكتب إلى النصوص النبوية المتفق عليها عند الفريقين الدالة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)وأهل بيته(عليهم السلام)، كما عثرت على ذكره(صلى الله عليه وآله وسلم) لأسماءهم وصفاتهم، وواصلت البحث حتى تبيّن لي أنّ كل ما كان يشنّع ضدّ الشيعة ليس له أساس من الصحة ".

مرحلة الاستبصار:

ومن هنا أدرك الأستاذ أحمد أنّ الإمامية كانوا غرضاً لسهام التهم والافتراء، فازداد إندفاعه لطلب الحقائق، وأخذ يتلمس طريق الهداية الموصل إلى الله تبارك وتعالى، وكانت جولته الأخيرة في هذا الصراع الفكري العصيب

____________

1- أشراط الساعة (من كليات رسائل النور ـ الشعاع الخامس) بديع الزمان سعيد النورسي.


الصفحة 80
الذي عاشه، هو مطالعة كتب المناظرات والكتب العقائدية، فبدأ بكتاب " المراجعات " للسيد شرف الدين، ثم كتب الأستاذ التيجاني السماوي " ثم اهتديت " و " لأكون مع الصادقين " و " اسألوا أهل الذكر ".

ويضيف الأستاذ أحمد: " كان لتعمقي في هذه الكتب وإطلاعي على الحوادث التي تناولتها أبلغ الأثر في نفسي، كما أنني عرفت خلال مطالعاتي أنّ الشيعة أكثر تعلقاً منّا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشدّ اتباعاً بنهجه وسنته، لأنّهم سلكوا نهج أهل البيت(عليهم السلام) الذين أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته في حديث الثقلين بإتباعهم وعدم الابتعاد عنهم.

وأدركت أن لا مناص من التحول إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والركوب في سفينتهم والتمسك بحبلهم، فأعلنت استبصاري عام 1995م في العاصمة باماكو".


الصفحة 81

(7) إدريس حام تيجاني
(مالكي / نيجريا)




ولد بمنطقة " اوكني " في ولاية " كوغي " في نيجيريا(1)، ونشأ في أسرة تعتنق المذهب المالكي، حصل على شهادة الثانوية في المدارس الأكاديمية، ثم انتمى إلى احدى المدارس الدينية في منطقته، فدرس العديد من الكتب الفقهية على مذهب الإمام مالك وعلوم القرآن، ومارس نشاطات تبليغية في خدمة الإسلام في منطقته.

تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1988م في ولاية " كوغي ".

التعرف على التشيع:

يقول الأخ إدريس: " كانت هوايتي المفضلة مطالعة الكتب وقراءة البحوث الدينية، فكنت أقرأ كل كتاب يقع في متناول يدي مهما كان انتماء مؤلفه المذهبي

____________

1- نيجيريا: تطل على المحيط الأطلسي قرب خليج غينيا في غرب افريقيا، يزيد عدد سكانها على (130) مليون نسمة، وتعتبر من أكبر دول افريقيا من حيث السكّان، يشكّل المسلمون نسبة 70% من السكّان تقريباً، يتّبع أكثرهم المذهب المالكي، ويشكّل الشيعة نسبة 5% منهم وينتشرون في أغلب المدن النيجيريّة.


الصفحة 82
والثقافي، وكنت أقرأ بعقل منفتح وذهنية واعية لأوسع بذلك آفاق رؤيتي للكون والحياة، واستمر بي الأمر على هذا المنوال حتى اطلعت على الكثير من أفكار ورؤى الأمم الأخرى.

وفي أحد الأيام كنت أسير مع مجموعة من الأصدقاء في طريق الذهاب إلى المدرسة الثانوية، قال أحدنا: إنّي قد سمعت أمراً عجيباً لم أسمع به من قبل!.

فقلنا له: وما ذاك؟

قال: سمعت من أحد أصدقائي أنّ الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كانت من حقّ الإمام عليّ ولم تكن من حقّ أبي بكر، وهناك أدلة قوية على ذلك، ويجب على كل مسلم أن يتفحص هذا الأمر بنفسه ولا يبقى تابعاً أعمى يقوده المجتمع حيث يشاء.

فتأثرت كثيراً بهذه المعلومة الجديدة، ورغم مطالعاتي التي كنت اعتبرها كثيرة وجدت نفسي أمام أمر محيّر يمس عقائدي في الصميم، وأنا لا أعرف كيف أواجهه، ولا أهتدي السبيل في علاجه، فذهبت إلى بيت ذلك الشخص لأستفسر منه الأمر بدقة.

فرحب بي أجمل ترحيب، واحتفى بقدومي إليه بكل حرارة، ولمّا استقر بنا المجلس أخذ يبيّن لي بعض الحقائق التاريخية، فسلط الأضواء على بعض الأحداث بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي نهاية المجلس أهداني كتاب " نهج البلاغة " المترجم إلى اللغة الانجليزية وكتاب آخر تحت عنوان " الإمامة " وكتاب " المراجعات " للعلامة عبد الحسين شرف الدين، فأخذت منه هذه الكتب بعد تقديمي جزيل الشكر له وعدت إلى البيت.

أخذت بمطالعة هذه الكتب التي كانت بالنسبة لي من نوع آخر في الطرح

الصفحة 83
والمحتوى ومغايرة للكتب التي قرأتها سابقاً، وكان أكثر مالفت انتباهي في هذه الكتب هو حديث الثقلين المنقول بالتواتر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي يوصي فيه أمّته بالتمسك بكتاب الله وعترته أهل بيته(عليهم السلام)، وكانت كلمة " العترة " مفردة لم تطرق سمعي من قبل، ومصطلحاً جديداً، فبدأت بالبحث لمعرفة مصاديقهم ليتبين لي الأمر الذي صاروا به عدلاً للكتاب السماوي العزيز.

البحث عن مصداق العترة:

بدأت بالبحث في كتب أهل السنة حول أهل البيت(عليهم السلام)، فوجدت البعض يذهب إلى أنّ أهل البيت هم آل عباس أو آل عقيل، والبعض الآخر يذهب إلى أنّ أهل بيت الرسول(عليهم السلام)نساؤه.

وراجعت كتب الشيعة فرأيتهم يحصرونهم في أصحاب الكساء وذرية الحسين(عليه السلام)، واستدلوا لإثبات قولهم هذا بآيات من القرآن كآية المباهلة والتطهير.

فكلمة ( أَنْفُسَنا ) في آية المباهلة تشير إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام عليّ(عليه السلام)، لأنّه نفس الرسول كما ذكر ذلك المفسرون من أبناء العامّة وغيرهم، وكلمة (نِساءَنا)تشير إلى فاطمة(عليها السلام)، وكلمة ( أَبْناءَنا ) تشير إلى الحسن والحسين(صلى الله عليه وآله).

وآية التطهير قد ورد فيها ذكر أهل البيت(عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس في سياق يختلف عن ذكر نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).

فبضم هذه القرائن بعضها مع بعض، وجمع كلام المفسرين فيها، يتبيّن للباحث بأنّ عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) هم الذين باهل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بهم نصارى نجران، حيث لم يخرج سواهم في هذا الأمر الخطير مما حدا بالنصارى أن يتراجعوا أمام هذه الوجوه النورانية".


الصفحة 84

حديث الثقلين ودلالته:

إنّ هذا الحديث متواتر لدى الفريقين، وقد اعترف به العامة والخاصة، ورواه ما يزيد على ثلاثين صحابياً، وقد ذكره الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في أكثر من موطن، كيوم عرفة في حجة الوداع، ويوم الغدير في خطبته، وفي مرض وفاته(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه فقد تعدّدت روايته عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ونورد هنا ثلاثة نصوص شريفة.

1 ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض "(1).

2 ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي أو شك أن أدعى، فاجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزّوجلّ وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنّ اللطيف الخبير أخبرني إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما "(2).

3 ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " يا أيّها الناس، إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي "(3).

____________

1- أنظر: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي: 234 (281)، المناقب للخوارزمي الحنفي: 154 (182)، فرائد السمطين للجويني الشافعي: 2 / 143 (436).

2- أخرجه أحمد في فضائل الصحابة: 2 / 779 (1383)، والهندي في كنز العمال: 1 / 186 (944) وابن المغازلي في مناقب علي بن أبي طالب: 235 (283)، ويوجد في الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 438، وذخائر العقبى للطبري: 16، وإسعاف الراغبين للصبان الشافعي بهامش نور الأبصار: 103، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 1 / 102، 119، 123، ومجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 163، والطبقات الكبرى لابن سعد: 2 / 150، ومسند ابي يعلى: 2 / 297 (1021).

3- أنظر: سنن الترمذي: 6 / 124 (3786)، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: 232، ينابيع المودة للقندوزي: 1 / 99، تفسير ابن كثير: 4 / 110، مصابيح السنة للبغوي: 2 / 457 (2726)، المعجم الكبير للطبراني: 3 / 66 (2680).


الصفحة 85
والثَقَل: كل شيء نفيس مصون(1)، وقال النووي: " سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بهما "(2).

وأمّا دلالة الحديث:

1 ـ عصمة العترة من الخطأ، حيث أخبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ عترته مع القرآن دائماً، وكل من كان مع القرآن دائماً مصيب دائماً، وكل مصيب دائماً معصوم، فأهل البيت(عليهم السلام) معصومون، فلو جاز عليهم الخطأ لأمروا بالخطأ، ولا شيء من الخطأ يجوز التمسك به، ولمّا وجب التمسك بهم مطلقاً كالقرآن وجب أن يكونوا معصومين.

2 ـ إنّ العترة(عليهم السلام) عندهم علم القرآن الذي فيه تبيان كل شي، فيتعيّن الرجوع إليهم في أخذ معارفه وعلومه وسائر أحكامه لا إلى غيرهم، وقد صرّح الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بأعلميتهم بصورة مطلقة في حديث قائلا: " ولا تعلّموهم إنّهم أعلم منكم "(3).

3 ـ عدم صحة التمسك بأحدهما دون الآخر، لأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) رتب الضلال على تركهما معاً، وهذا يعني عدم هداية من يتمسك بالقرآن وحده وتخلف عن العترة، بل لا يكون التمسك بالقرآن تمسكاً به بدون العترة لما يقتضيه قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " ولن يفترقا ".

4 ـ وجود إمام من البيت النبوي في كل زمان يجب التمسك به كالقرآن،

____________

1- أنظر: القاموس المحيط، مادة ثقل: 3 / 342.

2- أنظر: صحيح مسلم بشرح النووي: 15 / 175 (6175)، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عليّ.

3- أنظر: مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 163، الدر المنثور للسيوطي 2 / 60، كنز العمال: 1 / 188 (947)، المعجم الكبير للطبراني: 5 / 166 (4971).


الصفحة 86
وهو دليل على وجوب وجود الإمام الثاني عشر(عليه السلام)بدليل قوله: " لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ".

وخلاصة القول في الحديث: هو وجوب إمامتهم دون غيرهم، لوجوب التمسك بهم وأخذ معالم الدين منهم واتباعهم، وعصمتهم ووجود علم القرآن عندهم وأعلميتهم.

حديث " كتاب الله وسنتي ":

حاول البعض معارضة حديث الثقلين المتواتر(1) بحديث " وسنتي "، المذكور في كتب القوم بنصوص هي:

1 ـ رواية مالك بن أنس المتوفى عام 179هـ، وهو أوّل من روى هذا الخبر! حيث ذكره في الموطأ: " وحدّثني عن مالك أنّه بلغه أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنّة نبيّه "(2).

2 ـ رواية الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 هـ في المستدرك: " حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، أنبأ العباس بن الفضل الاسفاطي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، وأخبرني إسماعيل بن محمّد بن الفضل الشعراني، ثنا جدّي، ثنا ابن أبي أويس، حدثني أبي، عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خطب الناس في حجة الوداع فقال: " قد يئس الشيطان بأنّ يُعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم، فاحذروا يا أيّها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً:

كتاب الله وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ان كلّ مسلم أخ المسلم، المسلمون إخوة، ولا يحل

____________

1- أنظر: كتاب " حديث الثقلين وفقهه " لعلي أحمد السالوس.

2- موطأ مالك: 2 / 321 كتاب القدر.


الصفحة 87
لأمرىء مال أخيه إلاّ ما أعطاه عن طيب نفس، ولا تظلموا ولا ترجعوا من بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض... ".

إلى أنّ قال: وذكر الاعتصام بالسنة في هذه الخطبة غريب، ويُحتاج إليها. وقد وجدت له شاهداً من حديث أبي هريرة: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ محمّد بن عيسى بن السكن الواسطي، ثنا داود بن عمرو الضبّي، ثنا صالح بن موسى الطلحي، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض "(1).

3 ـ رواية ابن عبد البرّ المتوفى سنة 463 هـ، والتي وصل بها خبر الموطأ: " وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمّد ابن إبراهيم الديلي، قال: الديلي عليّ بن زيد الفرائضي، قال: حدثنا الحنيني، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم) "(2).

هل يعارض حديث " وسنتي " حديث الثقلين؟

في الحقيقة، إنّ هذا الحديث لا يقوى لمعارضة حديث الثقلين، وذلك لعدّة أُمور:

1 ـ هذا الحديث لم يخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما، وإنّ مجموعة

____________

1- مستدرك الحاكم: 1 / 171 (318).

2- فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر: 9 / 283 (682)، التمهيد لابن عبد البر: 1 / 525 (824).


الصفحة 88
كبيرة من علماء أبناء العامة يتركون الحديث بتركهما له ولو صح اسناده!

2 ـ إنّ الحديث لم يخرّج أيضاً في الصحاح الستة عندهم!

3 ـ إنّ الحديث لم يخرّج في مسند أحمد بن حنبل، وقد نقل عنه قوله: " انّ ما ليس في المسند فليس بصحيح ".

4 ـ قد صرح غير واحد بغرابته! كالحاكم بقوله الذي مرّ: " ذكر الاعتصام بالسنّة في هذه الخطبة غريب "، وقال أبو نصر السجزي: " غريب جداً "(1).

أمّا الكلام في الأسانيد:

فخبر الموطأ الذي هو عمدة ما ورد فيه لاسند له! وقد قال السيوطي بشرحه: " وصله ابن عبد البر من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جدّه "(2) وسنذكره في رواية ابن عبد البر.

أمّا خبر المستدرك بروايته ابن عباس، فالمدار فيه على " إسماعيل بن أبي أويس " وهو ابن أخت مالك ونسيبه، ونكتفي بذكر كلمات بعض أئمة الجرح والتعديل، التي ذكرها ابن حجر العسقلاني في كتابه:

" قال معاوية بن صالح، عن ابن معين: هو وأبوه ضعيفان، وعنه أيضاً: ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث، وعنه: مخلّط، يكذب، ليس بشيء ; وقال النسائي: ضعيف، وقال في موضع آخر: غير ثقة ; وقال ابن عديّ: روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد ; وقال الدولابي في الضعفاء: سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول: ابن أبي أويس كذّاب، كان يحدّث عن مالك بمسائل ابن وهب ; وقال الدارقطني: لا اختاره في الصحيح ; وقال سلمة بن شبيب: سمعت

____________

1- أنظر: كنز العمال، في الاعتصام بالكتاب والسنة: 1 / 188 (955)، نقلا عنه.

2- أنظر: تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك للسيوطي: 648 (1594).


الصفحة 89
إسماعيل ابن أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم"(1).

وكذا رواية أبو هريرة التي ذكرها الحاكم، ففيها " صالح بن موسى الطلحي الكوفي "، وإليك كلمات الأئمة فيه كما ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً:

" قال ابن معين: ليس بشي، وقال أيضاً: صالح وإسحاق إبنا موسى ليسا بشي، ولا يكتب حديثهما ; وقال هاشم بن مرثد، عن ابن معين: ليس بثقة ; وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ضعيف الحديث جدّاً، كثير المناكير عن الثقات ; قلت: يُكتب حديثه؟ قال: ليس يعجبني حديثه ; وقال البخاري: منكر الحديث عن سهيل بن أبي صالح ; وقال النسائي: لا يكتب حديثه، ضعيف، وقال في موضع آخر: متروك الحديث ; وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ; وقال الترمذي: تكلّم فيه بعض أهل العلم ; وقال العقيلي: لا يتابع على شي من حديثه ; وقال ابن حبّان: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنّها معمولة أو مقلوبة، لايجوز الاحتجاج به ; وقال أبونعيم: متروك، يروي المناكير "(2).

أمّا الخبر في التمهيد لابن عبد البر، ففي سنده الكثير من المجروحين، مثل كثير بن عبد الله بن عمر ـ الذي وصل ابن عبد البر الخبر من حديثه ـ وهذه كلمات أئمتهم فيه كما ذكرها ابن حجر العسقلاني كذلك:

" قال أبو طالب عن أحمد: منكر الحديث، ليس بشيء ; وقال أبو خيثمة: قال لي أحمد: لا تحدث عنه شيئاً ; وقال الآجري: سئل أبو داود عنه فقال: كان

____________

1- أنظر: تهذيب التهذيب: 1 / 310 ـ 312.

2- المصدر نفسه: 4 / 404 ـ 405.


الصفحة 90
أحد الكذّابين ; وقال أبو حاتم: ليس بالمتين ; وقال ابن عديّ: عامة ما يرويه لايتابع عليه ; وقال ابن عبد البر: ضعيف، بل ذكر أنّه مجمع على ضعفه.

مضافاً إلى أنه يروي الحديث عن أبيه عن جدّه، وقد قال ابن حبّان: روى عن أبيه عن جدّه نسخة موضوعة لا يحلّ ذكرها في الكتب ولا الرواية إلاّ على جهة التعجب.

وقال الحاكم: حدّث عن أبيه عن جدّه نسخة فيها مناكير "(1).

وفوق كل هذا لو سلّم بصحته هذا الحديث، فهو خبر آحاد لا يقتضي علماً ولا عملا، ولا ينهض لمعارضة حديث الثقلين المتواتر الذي رواه ما يزيد عن ثلاثين صحابياً كما تقدم.

وأيضاً لو سلّم بصحته، فإنّه ـ من ناحية المدلول ـ لا منافاة بين الوصية بالكتاب والسنة، والوصية بالكتاب والعترة، بل أنّ مفاد حديث الثقلين هو أنّ السنة يجب أن تؤخذ من العترة لا من غيرهم.

وهذا ما فهمه علماء العامة كابن حجر الهيتمي، حيث قال: " وفي رواية " كتاب الله وسنتي " وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب، لأنّ السنة مبيّنه له، فاغنى ذكره عن ذكرها.

والحاصل: انّ الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة "(2).

ومما يدل على ذلك أيضاً أن المتقي الهندي ـ مثلا ـ يورد كلا الحديثين في

____________

1- المصدر نفسه: 8 / 421 ـ 423.

2- أنظر: الصواعق المحرقة، في الآيات الواردة عنهم(عليهم السلام): 2 / 439..


الصفحة 91
باب الاعتصام بالكتاب والسنة(1)، وايراد حديث الثقلين في هذا الباب يدل على أنّ الاعتصام بالعترة هو أيضاً اعتصام بالسنة، وأنّ السنة الواردة عنهم هي السنة الصحيحة التي يجب التمسك بها.

مناقشات في مدلول الخبر:

أولا: اتفق محدثوا أبناء العامة ومؤرخيهم على أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن كتابة أحاديثه لئلا تختلط بالقرآن، فعلى هذا المبنى كيف يصح الجمع بين أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)بالتمسك بالسنة ونهية عن كتابتها وجمعها؟!.

ثانياً: لو صح قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) للمسلمين: " تركت فيكم كتاب الله وسنتي"، فكيف جاز لعمر أن يقول: " حسبنا كتاب الله "(2)؟!.

ومن هنا نفهم أنّ الحديث وضعه بعض المتاخرين المعادين للعترة، أو الذين أرادوا توجيه ترك الصحابة للعترة.

ثالثاً: إنّ التمسك بالقرآن والسنة لوحدهما لم يمنع أكثر المسلمين عن الضلال، وقد رأينا أنّ الصحابة قد اختلفوا بينهم في مواقف عديدة، وكان كل منهم يدعم ما ذهب إليه بحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذا وقوع الاختلاف بين فقهاء المسلمين في المسألة الواحدة من الكتاب والسنة، مع أنّ حكم الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وهذا يعني ضلال وخطأ أحد المختلفين!

وقد قال الله سبحانه: (فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ)(3)، وقد

____________

1- كنز العمال، في الاعتصام بالكتاب والسنة: 1 / 188.

2- قال عمر ذلك في يوم وفاة رسول الله وقد ذكرها أصحاب الصحاح والسنن.

3- يونس: 32.


الصفحة 92
نهى الله سبحانه عن التفرّق والاختلاف في الدين فقال ـ عزّ من قائل ـ: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ )(1).

رابعاً: كيف يأمر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بالسنة وهو يعلم أنّ المنافقين والمنحرفين سوف يكذبون عليه، حيث قال: " قد كثرت عليَّ الكذّابة فمن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار "(2)، فإذا كانت الكذّابة كثرت عليه(صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته فهل يعقل من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يضع لهم مرشداً يدلهم على صحيحها، ويميّز لهم بين غثّها وسمينها، ويبيّن لهم صادقها من المكذوب عليه فيها؟!.

خامساً: إنّ الله سبحانه صرّح في محكم كتابه أنّ القرآن الكريم يحتاج إلى مبيّن، بقوله تعالى: ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(3)، فالمسلمون يحتاجون بيان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وشرحه وتوضيحه لدلالات القرآن ومقاصد آياته.

فاذا كان القرآن الذي لا اختلاف فيه ولا يأتيه الباطل من أي جهة بحاجة إلى مبيّن، فكيف بالسنة النبوية؟!، فهي أحوج من القرآن إلى من يبيّنها لكثرة وقوع الاختلاف والدسّ والكذب فيها من قبل المنافقين والمنحرفين.

مرحلة التحرّر من التحجر الفكري:

يقول الأخ إدريس: " كان هدفي أن أكون على بصيرة من ديني كما قال الله سبحانه على لسان نبيّه(صلى الله عليه وآله): ( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ

____________

1- آل عمران: 105.

2- أنظر: الكافي للكليني: 1 / 62، الخصال للصدوق: 1 / 225.

3- النحل: 44.


الصفحة 93
اتَّبَعَنِي )(1)، وبذلك بذلت قصارى جهدي لئلا أكون تابعاً أعمى لعقيدة الآباء، فاجتهدت لتوظيف عقلي في طلب حقائق الدين إذ لا تقليد في العقائد والأصول.

وأحمد الله كثيراً أن هداني إلى طريق لم يدفعني إليه سوى الدليل والبرهان، وهو طريق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأحمده على نعمة العقل، فالعقلاء لا يحجرون أنفسهم على ما لديهم من عقائد وأفكار، بل يبحثون عن الحقّ بشكل متواصل حتى يجدوه وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(2).

____________

1- يوسف: 108.

2- العنكبوت: 69.


الصفحة 94

الصفحة 95

(8) أسامة حسين سالم
(وهابي / تنزانيا)




ولد عام 1978م بمدينة " كيغوما " التنزانية(1)، درس في المدارس الدينية الوهابية.

كان اعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1993م في مسقط رأسه، على أثر مطالعته لكتب الشيعة وبالأخص كتب المستبصرين.

الفرق بين أن ترى وأن تسمع:

يقول الأخ أسامة: " كنت أدرس في مدرسة التوحيد الدينية الوهابية كأي طالب يدرس في هذه المدرسة، وكنت أدرس العلوم والأمور العقائدية التي حدّدها السلف بخطوط حمراء، ولم يُفسح لنا المجال للاستفسار وإبداء الرأي فيما يتجاوزها.

____________

1- تنزانيا: تقع في الجنوب الافريقي الشرقي ومطلة على المحيط الهندي، تحيط بها كينيا وأوغندا وموزمبيق وزائير، عاصمتها دودوما (دار السلام)، يبلغ عدد سكانها حوالي (32) مليون نسمة، نسبة المسلمين تتجاوز النصف، أمّا المسيح فـ 35%، والباقي فمن الهندوس والديانات المحلية.


الصفحة 96
وطالما كان يطرق سمعي في تلك الأجواء الحديث عن الشيعة وما يشنّع عليهم، فأحببت أن أقف بنفسي على حقيقة أمرهم.

فكانت أولى خطوات بحثي هو الاستفسار من أحد أساتذة المدرسة حول عقائد الشيعة، فأجابنى قائلاً: إنّهم مسلمون ومشكلتهم هي سجودهم للتربة، وتجويزهم نكاح المتعة و...، ورغم ذلك يعتبرون طائفة لها مكانتها العلمية والثقافية في العالم الإسلامي.

ومن هناك انطلقت لأتعرف على حقيقة الأمر، فكان لابد لي من التحرّي والبحث بنفسي، ووجدت أفضل الطرق للتعرّف على الشيعة في بلدنا هو الذهاب إلى مساجدهم، وبالفعل توجهت ذات يوم نحو أحد مساجد الشيعة وصادف وقت صلاة المغرب، فأديت الصلاة معهم جماعة وكنت أراقبهم لأرى كيفية صلاتهم وسجودهم للتربة، ولكني رأيت الأمر بخلاف ما حدّثنا به مشايخنا، لأنّي وجدت البعض يسجدون على ورق الأشجار والبعض الآخر يسجد على الأخشاب! فعدت إلى أستاذي مستفسراً منه حقيقة الأمر؟! فأجابني مستغرباً: لعلهم غيّروا طريقة سجودهم!.

الخطوات الأولى لمعرفة التشيع:

لم أقتنع بمقولة أستاذي، وللمزيد من الاطلاع قرّرت الالتحاق بمدرسة (دار الهدى) الشيعية، وبصورة غير علنية لعلّي أصل إلى حقيقة أمر هذه الطائفة من خلال دراسة كتبهم ومؤلفاتهم، وبعد فترة من التحاقي بها أخبرت والدي بالأمر، فقال لي: بني ابذل قصارى جهدك في البحث وتعرّف على المذاهب واستمع إلى أقوالهم واتّبع أحسنهم، فشجّعني قول أبي للمطالعة والبحث، وأخذت أقارن بين عقائدي وعقائد المذهب الجعفري.


الصفحة 97

الشيعة وسجودهم على التربة:

ومن المسائل التي أحضرتها على طاولة البحث، مسألة مايصح السجود عليه في الصلاة وما لايصح:

فوجدت الشيعة الإمامية قد أجمعت على عدم جواز السجود إلاّ على الأرض، كالتراب والرمل والحجر وما شابه ذلك، وكذا على ما أنبتت الأرض من غير المأكول ولا الملبوس، وأنّه لايجوز السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب والفضة والنحاس، ولا على الملابس والقماش والفراش كالسجاد، ولا على الصوف والجلد ونحوها ".

أدلّة حصر السجود على الأرض:

إنّ دليل الحصر هذا، هو جملة من المرويّات الواردة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بطرق وردت عن أهل البيت(عليهم السلام) خاصة، وأخرى ذكرها مخالفوهم، فمنها:

أوّلاً: الحديث المتواتر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال: " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً "، وماله من ألفاظ وأسانيد متعدّده(1).

ودلالة هو جواز السجود على الأرض، ومما يؤيد كون المراد بالمسجد هو محل السجود: حديث أبي أمامة الباهلي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "... وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجداً وطهوراً، فأيّنما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره "، الدال على أنّ المراد من المسجد ليس هو المصلى،

____________

1- أنظر: صحيح البخاري: 1 / 128 (328)، صحيح مسلم: 1 / 370 (521)، سنن البيهقي: 2 / 608 (4266)، سنن الترمذي: 3 / 212 (1553)، سنن أبي داود: 1 / 196 (489)، سنن الدارمي: 2 / 295 (2467)، سنن النسائي: 1 / 267 (815)، مسند أحمد: 2 / 250 (7397).


الصفحة 98
بل المراد هو موضع السجود، أيّ جعلت الأرض محل السجود.

وقد ذكر هذا المعنى شمس الحق الآبادي قائلاً: "... ومسجداً، أي: موضع سجود، ولايختص السجود منها بموضع دون غيره... "(1).

ثانياً: حديث تبريد الحصى الوارد عن جابر وأنس وغيرهم، قال جابر: " كنت أصلي مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر فآخذ قبضة من الحصى فأجعلها في كفي ثم أحوّلها إلى الكف الأخرى حتى تبرد، ثم أضعها لجبيني حتى أسجد من شدّة الحرّ "(2).

ثالثاً: حديث خباب، حيث قال: " شكونا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) شدّة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا "(3).

وهذا الحديث والذي سبقه يدلاّن على أنّ الشاكي لم يكن شخصاً واحداً، بل كانوا مجموعة من الصحابة، فإنّ لفظة (شكونا) (فلم يشكنا) يحكيان حال كثير من الصحابة كما لا يخفى، وقد شكوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ما يلقون من الحرّ والبرد حتى يرخّص لهم في السجود على غير الأرض، فلم يشكهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يعتني بشكواهم! وهو الرؤوف المتحنن الكريم العطوف، وليس ذلك إلاّ لعدم جواز السجود على غير الأرض.

رابعاً: حديث كور العمامة، حيث ورد: " أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا سجد رفع

____________

1- أنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود: 2 / 109.

2- أنظر: سنن النسائي: 1 / 227 (668)، سنن أبي داود: 1 / 166 (399)، مسند أحمد: 3 / 327 (14546)، سنن البيهقي: 2 / 151 (2658)، مسند أبي يعلى: 3 / 426 (1916).

3- أنظر: سنن البيهقي: 2 / 151 (2657)، صحيح مسلم: 1 / 433 (619)، سنن النسائي: 1 / 465 (1491)، صحيح ابن حبان: 4 / 344 (1480).