الصفحة 117
قدّر وجود آخرين من المعصومين يومذاك لأدخلهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء، ولقال فيهم: " اللّهم هؤلاء أهل بيتي ".

ثم إنّنا لا نحتاج في معرفة المعصومين إلى أكثر من معصوم واحد يكون المرجع في تعيين غيره، لأنّ العصمة تمنع صاحبها من الخطأ في التطبيق.

ويكفينا من هذه النصوص عصمة هؤلاء الخمسة الذين ضمهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم المرجع لنا لتعيين المعصومين من بعدهم وهذا ما حدث بالفعل.

إثبات عصمة الأئمة من ذرّية الحسين:

قد وردت العشرات من النصوص المعلنة عن عصمة الأئمة من ذرّية الحسين(عليه السلام) بأسمائهم وصفاتهم على نحو لا يقبل الترديد والشك، ومن هذه النصوص:

1 ـ أخرج البخاري ـ في الصحيح ـ عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: " يكون اثنا عشر أميراً. فقال كلمة لم اسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلّهم من قريش "(1).

وفي رواية أحمد عن بن مسروق، قال: " كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو يقرؤنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله، فقال: إثني عشر كعدَّة نقباء بني إسرائيل "(2).

3 ـ وأخرج مسلم ـ في الصحيح ـ عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " لا يزال الدين

____________

1- صحيح البخاري: 6 / 2640 (6796).

2- أنظر: مسند أحمد: 1 / 398 (3781).


الصفحة 118
قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة، كلهم من قريش "(1).

4 ـ عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون "(2).

5 ـ عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول للحسين(عليه السلام): " أنت الإمام ابن الإمام وأخو الإمام، تسعة من صلبك أئمة أبرار، والتاسع قائمهم "(3).

6 ـ عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: " دخلت على فاطمة(عليها السلام) وبين يديها لوح (مكتوب) فيه أسماء الأوصياء، فعدّدت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليّ(عليهم السلام) "(4).

والجدير بالذكر أنّ الكثرة العددية لهذه الروايات ليست هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك مزايا وقرائن تبرهن على صحتها، فالبخاري الذي نقل هذا الحديث " يكون اثنا عشر... " كان معاصراً للإمام الجواد(عليه السلام)، والإمامين الهادي والعسكري(عليهما السلام)، وفي ذلك مغزاً كبير! لأنّه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سجّل عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يتحقق مضمونه، وتكتمل فكرة الأئمة الإثنى عشر فعلا، ويعني هذا أنّه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الإثنى عشري وانعكاساً له(5).

كما يستفاد من هذه الروايات:

1 ـ إنّ عدد الإمراء والخلفاء لا يتجاوز الإثنى عشر، وكلّهم من قريش.

____________

1- صحيح مسلم: 3 / 1452 (1822).

2- أنظر: كمال الدين لابن بابوية: 1 / 312، بحار الأنوار للمجلسي: 36 / 243.

3- أنظر: بحار الأنوار للمجلسي: 36 / 290.

4- أنظر: كمال الدين وتمام النعمة لابن بابوية: 1 / 344.

5- أنظر: بحث حول المهدي للسيد محمد باقر الصدر: 106.


الصفحة 119
2 ـ إنّ هؤلاء الأمراء معيّنون بالنصّ، كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)(1).

فان سؤال الصحابة للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما هو عن خلفائه لا بتأمير الناس أو بالتغلّب، إذ لايهم الصحابة السؤال عن ذلك، لأنّ تأمير الناس وتغلّب السلاطين لا يبتني ـ عادة ـ على الدين، حتى يهم الصحابة السؤال عنه، فظهر أنّ السؤال إنّما هو عن الخلفاء بالنصّ، وعنهم أجاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

3 ـ إنّ هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الإسلامي، أو حتى تقوم الساعة، كما هو مقتضى رواية مسلم، وأصرح منها الرواية الأخرى في مسلم أيضاً: " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس إثنان "(3).

وإذا صحّت هذه الاستفادة فهي لا تتلائم إلاّ مع قول الإمامية في عدد الأئمة، وبقائهم، وكونهم من المنصوص عليهم من قبله(صلى الله عليه وآله وسلم)(4).

الإندفاع نحو الاستبصار:

يقول الأخ إسماعيل: " إنّ ممّا جذبني إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، قوّة منهجيته في أموره العقائدية والفقهية، فدفعني ذلك إلى إعلان انتمائي إليه عام 1994م في سوريا، وقرّرت بعدها دراسة العلوم الدينية في إحدى الحوزات العلمية الشيعية لأكون على علم وبصيرة من ديني ".

____________

1- المائدة: 12.

2- أنظر: دلائل الصدق للمظفر: 2 / 489.

3- صحيح مسلم: 3 / 1452 (1820)، وأنظر: صحيح ابن حبان: 14 / 162 (6266)، مسند أحمد: 2 / 29 (4822).

4- أنظر: الأصول العامة للفقه المقارن للسيد الحكيم: 178.


الصفحة 120

الصفحة 121

(10) أكرم يونس البرزنجي
(شافعي / العراق)




ولد عام 1954م بمدينة " السليمانية " في العراق(1)، وترعّرع في أحضان أُسرة كرديّة تنتمي للمذهب الشافعي، وتدرّج في الدراسة حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الإدارة والإقتصاد، ثمّ شغل منصب معاون مدير مديرية الإحصاء العامة في السليمانيّة.

كان تشرّفه باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1997م في مسقط رأسه، بعد أن اطّلع على كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي(2).

في رحاب كتاب مفاتيح الجنان:

يقول الأخ أكرم: " شاءت الأقدار الإلهية أن ألتقي بأحّد الإيرانيين،

____________

1- العراق: يقع غرب آسيا، تحده تركية وإيران وسورية والكويت والسعودية، يبلغ عدد سكانه حوالي (22) مليون نسمة، يشكل المسلمون الغالبية العظمى منهم فتتجاوز نسبتهم 95%، أما الباقي فمن المسيحيين والديانات الأخرى، أمّا الشيعة فيشكلون نسبة 65% من السكان والباقي من الشوافع والأحناف.

2- مفاتيح الجنان: كتاب يحوي على مجموعة من الأدعية والزيارات والأعمال المستحبة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام).


الصفحة 122
فأهداني كتاب (مفاتيح الجنان)، وما أن عدت إلى المنزل حتى دفعني حبّ الاستطلاع والرغبة لمعرفة محتواه، فتصفحته وطالعت بعض فقراته، وإذا بي أجده كتاباً رائعاً فيه أدعية نالت إعجابي، بحيث أنني أحسست من خلال قراءتها والتمعن في مضامينها أثر النقاء والصفاء والخشوع في نفسي.

ولاح لبصري من خلال قراءتي لتلك الأدعية نوراً منحني الرؤية الواضحة لمشاهدة الحقائق، لأنّ الأدعية الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) تترجم عمق الصلة بين العبد وربّه وتعبّر عن حالة الافتقار المتأصّلة في ذات الإنسان إلى الله عزّوجلّ، ومثل هذه الأدعية تمثل السبيل لوصول العبد إلى ربّه و (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَاْلأَرْضِ)(1)، والقرب إليه يعني الخروج من الظلمات إلى النور (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)(2)، وبذلك النور يهتدي الباحث إلى الطريق الذي يرتضيه الله عزّ وجلّ، لأنّه يمثل الفرقان الذي به يميّز بين الحقّ والباطل.

كما وجدت أنّ هذه الأدعية تحتوي على ثروة كبيرة من المعارف والمفاهيم المرتبطة بالشؤون الفردية والاجتماعية، فهي مدرسة تربوية وتثقيفية تمنح القارئ رؤية واسعة لمعرفة نفسه، وإدراك الحقيقة التي من أجلها خلق ومن أجلها يحيا ومن أجلها يعيش ".

ويضيف الأخ أكرم: " كان بودي أن أجد مثل هذه الأدعية والأعمال المستحبة في كتبنا أبناء العامة، ولكنني لم أجد مثلها من حيث القوّة والتأثير.

فأدركت أنّ كلام أهل البيت(عليهم السلام) نور وأمرهم رشد، لأنّه ينطلق بتسديد إلهي وعناية ربانية من نفوس أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيراً ".

____________

1- سورة النور: 35.

2- النور: 35.


الصفحة 123
ويسترسل الأخ أكرم في كلامه عن قصة استبصاره: " بعد تعرّفي على هذا الكنز كنت دوماً التجىء إليه في الأزمات والمشاكل التي تعتريني، فكان هذا الكتاب بمثابة الدواء لتسكين آلامي والتئام جراحي النفسيّة، التي كنت أُعاني منها نتيجة افتقادي للركائز الروحيّة التي يمكنني أن أعتمد عليها في مواجهة الصعاب التي تعترض مسيرتي في الحياة.

فأصبح دأبي هو قرائة تلك الأدعية والقيام بتلك الأعمال المستحبة، وكنت أتأمل في مضامينها، وأغوص في بلاغتها وفي معانيها، وأشفي بها غليلي وعطشي الكامن في أعماق نفسي.

وقد يكون الإنسان غافلا عن معرفة نفسه وفاقداً للبصيرة، ولكن بفضل ما يعثر عليه من الأدعية والزيارات يجد السبيل للعودة إلى الذات والإتصال بالله، وصياغة أفكاره من جديد على أساس تقوى الله ورضوانه، فيخاطب ربّه سبحانه وتعالى: " إلهي البستني الخطايا ثوب مذلّتي، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتي، وأمات قلبي عظيم جنايتي، فأحيه بتوبة منك يا أملي... "(1).

فكنت أخلو كثيراً مع نفسي وأذرف الدموع على حالي باكياً ومناجياً ربي: " إلهي أعنّي بالبكاء على نفسي، فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري، وقد نزلت منزلة الآيسين من حياتي "(2).

" ومالي لا أبكي، ولا أدري إلى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني، وأيامي تخاتلني "(3).

____________

1- مفاتيح الجنان: مناجات التائبين.

2- مفاتيح الجنان: دعاء أبي حمزة الثمالي.

3- مفاتيح الجنان: دعاء أبي حمزة الثمالي.


الصفحة 124
ومن ذلك الحين بدأت أتدرّج في صياغة معارفي فعرفت الله بالله: " إلهي بك عرفتك، وأنت دللتني عليك، ودعوتني إليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت "(1)، ثمّ إلتجأت بعدها إلى الله: " اللهم عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني "(2).

وطالعت دعاء الندبة من ذلك الكتاب، فتجلّت لي حقائق كثيرة وعرفت من خلاله ضرورة وجود الأئمة في المجتمع، وأنّهم السبيل إلى الله والمسلك إلى رضوانه وأنّهم هداة الأُمة، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان منذراً ولكلّ قوم هاد ".

في رحاب دعاء الندبة:

الجدير ذكره أنّ هذا الدعاء يلفت الانتباه إلى حقائق تاريخيّة قد يكن البعض غافلا عنها أو غير مطّلع عليها، وذلك من خلال بعض النصوص الواردة فيه، التي تبيّن ما حلّ بعترة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من مظالم بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومالاقوا من اضطهاد ومعاناة.

وكذلك يبيّن هذا الدعاء أنّ الأرض لا تخلو من العترة الهادية، وأنّ في كلّ زمان يوجد من أهل بيت الرسول(عليهم السلام) من يمثّل السبب المتصل بين الأرض والسماء.

وفي الحقيقة أنّ دعاء الندبة دعاء يندب به المؤمنون إمام زمانهم، ويعبّرون عبر ذلك عن مشاعرهم نتيجة افتقادهم لإمامهم المنتظر، فهم يستخدمون هذا الدعاء كأداة ووسيلة لإدانة الظلم والظالمين، فإنّ هذا الدعاء ينشىء محفز في

____________

1- مفاتيح الجنان: مقطع من دعاء أبي حمزة الثمالي.

2- مفاتيح الجنان: دعاء لصاحب الأمر، أنظر: الكافي للكليني: 1 / 337.


الصفحة 125
نفس الإنسان لئلا تعتريه الغفلة عن بعض الحقائق، وليبقى دوماً على أهبة الاستعداد في انتظار إمام زمانه، وإعداد نفسه والمجتمع للقيام بالمسؤوليات الكبيرة، التي سوف تلقى على عاتقه وعاتقهم عند ظهوره (عج)، وهذا ما يتطلّب منه أن يصوغ شخصيته وفق ما ترتضيه الشريعة، فيزكّي نفسه أوّلا، ويسعى لرفع المستوى الديني في المجتمع ثانياً، ليمهّد الأرضيّة لظهور صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه.

مع زيارة الجامعة:

أمّا زيارة الجامعة الواردة عن الإمام الهادي(عليه السلام) المذكورة في هذا الكتاب، فلها دوراً كبيراً في ابراز جلالة شأن أهل البيت(عليهم السلام) والتعريف بمكانتهم، إذ بها يتعرّف المؤمن على أنّهم: موضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة، وخزّان العلم، الذين اصطفاهم الله بعلمه، وارتضاهم لغيبه، واختارهم لسره، واجتباهم بقدرته، وخصّهم ببرهانه، وأيّدهم بروحه، ورضيهم خلفاء في أرضه، وحججاً على بريته، وأنصاراً لدينه، ومستودعاً لحكمته، وتراجمة لوحيه،وأعلاماً لعباده، ومناراً في بلاده،وأدلاء على صراطه بعد أن أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وهم الذين ينبغي أن يتضرّع العبد بهم إلى الله ليدخله في جملة العارفين لهم ولحقّهم، إذ هم السبيل والذريعة إليه، والوسيلة إلى رضوانه، وبهم يعرف المؤمن ما ارتضاه الله لعباده.

فعن طريق أهل البيت(عليهم السلام) تتجلى للمؤمن حقائق الأمور، ويرتفع الإنسان عبر تلك المعارف إلى المستويات السامية حتى تتلقى القلوب النورَ والهداية وتتصل ببارئها، ثمّ تتفاعل مع هذا النور وتلين له، ثمّ تذوب في مضامين هذه

الصفحة 126
الأدعية فتقتبس من معارفها ومفاهيمها ما ينعكس في حركة الإنسان وسلوكه ومنطقه ومواقفه ودوافعه، وعند ذلك يتحرّك بنور الله وهداه.

الاستجابة لنداء الفطرة:

ويستطرد الأخ أكرم قائلا: " وبعد تعرّفي على جملة من المعارف الدينيّة عبر أدعية هذا الكتاب، ازداد اندفاعي وشوقي نحو البحث عن التشيع، فانطلقت للاستفسار ممّن يحيطني حول هذا المذهب، ولكنني لم أصل إلى أي نتيجة لقلّة إلمام ومعرفة من يحيطني بالتشيع.

حتى توّفرت لي الأرضيّة في يوم من الأيام، إذ سافرت إلى مدينة " بغداد " لزيارة أحد أقاربي، فالتقيت هناك في أحد المساجد الشيعية بعالم شيعي، فكان لذلك اللقاء المختصر أثراً بالغاً في نفسي، ومن حينها بدأت تتبلور في ذهني صورة التشيع بصورة كاملة.

كما تعرّفت بعد ذلك على بعض الشيعة، وخضت معهم نقاشات عديدة، ومستفسراً منهم عن بعض الأمور التي كانت مبهمة بالنسبة لي، وطالعت بعض الكتب الشيعية ككتاب (المراجعات) للسيّد شرف الدين العاملي، وكتاب (ثمّ اهتديت) للتيجاني السماوي فتأثرت بها، لكنني مع ذلك كنت أعيش صراعاً نفسياً مدمراً، فكنت أدعو الله أن يهديني إلى سواء السبيل، واستجاب الله دعائي فاستبصرت عام 1997م على يد أحد الأخوة الشيعة، فبدأت أتلقّى على يده فروع الدين النقية التي وردت عن طريق أهل البيت(عليهم السلام)".


الصفحة 127

(11) آلفا عمر باه
(وهابي / غينيا)




ولد عام 1971م بمدينة "مامو" في غينيا(1)، واصل دراسته الأكاديمية حتى حصل على شهادة الليسانس في العلوم الاجتماعية، يجيد اللغة العربية والانجليزية والفرنسية إضافة إلى لغاته المحلية كالفولانية والسوسو.

كان مالكي المذهب في بدء أمره، ثم تتلمذ في مدرسة نصر الإسلام الوهابية مدّة أربع سنوات، فتأثر بها جملةً واعتنق بعض آراء هذا التيار الفكري، حتى تبيّنت له الحقيقة بعد دراسة مكثفه أجراها بنفسه، وجهد بحث بذله في مجال العقيدة، فكانت ثمرته أن استبصر.

اعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1991م في " كوناكري " العاصمة.

المحفّز لتغيير الانتماء الفكري:

كان الدافع له في تغيير انتمائه الفكري، هو شدّة إعجابه بالدراسات

____________

1- غينيا كوناكري: تقع في غرب افريقيا، وتطل على المحيط الأطلسي، ومحاطة بالسنغال ومالي وسيراليون وليبريا، عدد سكانها حوالي (9) ملايين نسمة، الغالبية العظمى من المسلمين باستثناء 5% من المسيح والوثنيين، وغالبية المسلمين من المالكية، أما الشيعة فنسبتهم 5% من السكان.


الصفحة 128
التاريخية، مضافاً لاهتمامه بالمسار الإسلامي والمنعطفات الحساسة التي غيّرت مجراه ونشوء الفرق الإسلامية.

وهذان الأمران فتحا له آفاقاً رحبة في مجال العقيدة، فإنطلق منهما في البحث حتى تفتّحت رؤيته على واقع التاريخ الإسلامي، وتعرّف على أمور جعلته يجدّد النظر في معتقداته الموروثة السابقة.

مطالعة أوّل كتاب شيعي:

يقول الأخ آلفا: " كان أوّل كتاب شيعي يقع بيدي كتاب (عقائد الإمامية) للعلامة الشيخ محمّد رضا المظفر(1)، فطالعته فوجدت فيه أطروحة فكرية لم أعهدها من قبل، وأكثر مالفت انتباهي في هذا الكتاب هو أمر الإمامة والخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)!، كما تبيّن لي أنّ الاختلاف في هذه المسألة هو منشأ معظم الاختلافات التي وقعت بين المسلمين بعد وفاته(صلى الله عليه وآله وسلم).

أهمّية مسألة الإمامة:

وعرفت من ذلك الحين أنّ المسألة الوحيدة التي لابد من الإلمام والإحاطة بها هي مسألة الإمامة، لأنّها مسألة أساسية في قاموس الفكر الإسلامي، وينبغي للباحث أن يحدّد موقفه منها، لأنّ البحث العقائدي في غيرها من المسائل بدون تحديد المعتقد في هذه المسألة الأساسية لايوصل الباحث إلى النتائج مطلوبة،

____________

1- الشيخ محمّد رضا المظفّر ابن الشيخ محمّد الفقيه المجتهد من سلالة الشيخ المظفّر الفقيه الفاضل المستوطن في النجف في حدود المائة الحادية عشر للهجرة، ولد عام 1322هـ في النجف الأشرف وتوفي عام 1383هـ فيها، له تأليفات كثيرة إضافة إلى كونه شاعراً، وكتابه هذا يوضّح معتقدات الشعية الإمامية وتثبيتها من العقل والنقل مع ردّ الشبهات المثارة على معتقدات الشيعة.


الصفحة 129
وأنّ الباحث سيبقى في المسائل الجزئية في حيّرة ما لم يعرف الخليفة الحقيقي بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، باعتباره الحافظ للشريعة الإسلامية التي جاء بها النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن دون ذلك لا يستطيع الإنسان الوثوق بالسلطة الحاكمة التي هيمنت على الحكم مع عدم امتلاكها الشرعية في ذلك، ولايمكنه أخذ معالم دينه منها، لأنّها لاشك تخفي الكثير من الحقائق الشرعية التي تصطدم مع مصالحها.

ومن هذا المنطلق بدأت بحثي في هذا المجال، وأعانني على ذلك ـ رغم مشاغلي الجانبية ـ هوايتي وتلهّفي للدراسات التاريخية، فقد كانت لي الدافع للبحث والتتبع، كما أنني كنت أنظر إلى هذه المسألة كحجر أساس لمعتقدي وفكري وانتمائي، ولابد من الاهتمام بها، لأنّها تبلور كافة اتجاهاتي وسلوكي وتحدّد مصيري، وبهذا التوجه انطلقت في البحث.

وكانت أوّل مسألة سلّطت الضوء عليها، هو معرفة الموقف الذي اتخذه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لمستقبل أمته من بعده في أمر الخلافة، فبادرت إلى معرفة الأطروحة التي قدّمها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لأمته في هذا المجال، لأنّها تبيّن لي حقيقة الأمر، ودون ذلك لا أستطيع الانطلاق مما حدث من بعده(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه قد لايمثل الحقّ والصواب، وعلى الإنسان أن يعرف الحقّ ليعرف أهله ".

لابد من التحرّر عن التعصّب:

إنّ انطلاق الباحث لمعرفة الحقائق عبر الوثوق بعلماء مذهبه وكبار شخصيات معتقدة غالباً ما يصحبه التعصب! وبذلك تحجب بصيرته عن معرفة الحقّ، وسوف يتجه إلى محاولات التبرير لسلوك هؤلاء الذين يمثلون القدوة في مذهبه، وبذلك يبقى في حلقة مغلقة لايمكنه الخروج منها.

أمّا لو انطلق في البحث بروح موضوعية وبعيدة عن حالة التعصب، فإنّ

الصفحة 130
ذلك سيوصله إلى الحقائق ومعرفة الأخطاء المحتملة التي ارتكبها هؤلاء، وسار على نهجهم الآخرون تقليداً من دون تتبع وتأمّل، لأنّ المجتمع قد يؤمن بأمور على أنّها لاغبار عليها ولاشبهة فيها، في حين أنّها في الواقع أموراً ومسائل لا تطابق الحقيقة والواقع.

ومن هذه الرؤية المنفتحة بدأ الأخ آلفا بحثه في أمر الإمامة والخلافة ليعرف ما حدّدته الرسالة للأمة في ذلك.

حديث الثقلين ودلالته:

إنّ لهذا الحديث شهرة فائقة بين الفريقين، وقد اعترف به الخاصة والعامة، وتناقلته الأفواه والأقلام حتى كاد أن يتجاوز حدّ التواتر.

وقد تعدّد رواة هذا الحديث، بحيث زاد على الثلاثين صحابي، كما تعدّدت طرق رواته، وذلك لأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد ذكره في مواقف ومواطن عديدة، كان منها: حجة الوداع، ويوم عرفة عند جمع غفير من الناس، ويوم الغدير في خطبته، وأيام مرض وفاته.

نصوص الحديث:

1 ـ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " يا أيّها الناس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي "(1).

2 ـ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما

____________

1- أنظر: سنن الترمذي: 6 / 124 (3786)، درر السمطين للزرندي: 232، ينابيع المودة للقندوزي: 1 / 99، تفسير ابن كثير: 4 / 110، مصابيح السنة للبغوي: 2 / 457 (2726)، المعجم الكبير للطبراني: 3 / 66 (2680)، مشكاة المصابيح للتبريزي: 3 / 371 (6152)، نيل الأوطار للشوكاني: 2 / 303 (783).


الصفحة 131
أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما "(1).

3 ـ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ـ أو ما بين السماء إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض "(2).

4 ـ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وأهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض "(3).

5 ـ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب، ألا إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عزّوجلّ وعترتي، كتاب الله حبل ممدود... "(4).

6 ـ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) من خطبة له في غدير خم: " كأنّي قد دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي "(5).

____________

1- أنظر: سنن الترمذي: 6 / 125 (3788)، درر السمطين للزرندي: 231، الدر المنثور للسيوطي: 6 / 7، ذخائر العقبى للطبري: 16، الصواعق المحرقة للهيتمي: 2 / 652 ـ 438، المعجم الكبير للطبراني: 3 / 65 (2678)، تفسير ابن كثير 4 / 109، مصابيح السنة للبغوي: 2 / 457 (2727)، جامع الأصول لابن الأثير: 1 / 200 (66)، مشكاة المصابيح (للتبريزي: 3 / 371 (6153)، وغيرها.

2- أنظر: ينابيع المودة للقندوزي: 1 / 119، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 162، كنز العمال: 1 / 173 (873 ـ 948)، مسند أحمد: 3 / 17 (11147)، وغيرها.

3- أنظر: مناقب عليّ لابن المغازلي: 234 (281)، المناقب للخوارزمي: 154 (122)، فرائد السمطين للجويني: 2 / 143 (436).

4- أنظر: كنز العمال: 1 / 186 (944)، مناقب عليّ لابن المغازلي: 235 (283)، الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي: 2 / 438، إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأبصار: 103، مسند أبي يعلى: 2 / 297 (1021)، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 779 (1383)، الطبقات الكبرى لابن سعد: 2 / 150، وغيرها.

5- أنظر: المستدرك للحاكم: 3 / 118 (4576)، فضائل الصحابة للنسائي: 1 / 15 (45)، سنن البيهقي: 5 / 45 (8148)، المعجم الكبير للطبراني: 5 / 166 (4969).


الصفحة 132
7 ـ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: " ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنّي سائلكم عن اثنين ; القرآن وعترتي "(1).

8 ـ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " يا أيّها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً، فينطلق بي، وقد قدمت اليكم القول معذرة اليكم، ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد عليّ فرفعها فقال: هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض... "(2).

9 ـ عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثم قال: " أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به "، فحث على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: " وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي "(3).

10 ـ عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " ألا وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزّوجلّ "، إلى أن قال: فقلنا لزيد: من أهل بيته؟ نساؤه؟

قال: لا وأيم الله، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها... "(4).

____________

1- أنظر: مجمع الزوائد للهيثمي: 5 / 195، أسد الغابة لابن الاثير: 3 / 147، السنة لابن أبي عاصم: 2 / 627 (1465).

2- أنظر: الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي: 2 / 368، وقال ابن حجر: اعلم أن لحديث الثقلين طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً، أنظر: 2 / 440.

3- أنظر: صحيح مسلم: 4 / 1873 (2408)، صحيح ابن خزيمة: 4 / 62 (2357)، سنن الدارمي: 2 / 524 (3316)، سنن البيهقي: 7 / 30 (13017)، مسند أحمد: 4 / 366.

4- أنظر: صحيح مسلم: 4 / 1875 (2408)، الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي: 2 / 439، المعجم الكبير للطبراني: 5 / 182 (5026).


الصفحة 133

دلالة الحديث:

إنّ حديث الثقلين بدلالاته يرشد الباحث ليرتقي البناء الشامخ للحقّ والحقيقة، ويصعد قمّة الإيمان التي لايمكن ارتقاؤها إلاّ بسلّم متين، لأنّ قدمه سوف تزل في الخطوة الأولى دون ذلك ويسقط في وادي الهلكة وهاوية الضلالة.

ومن خلال حديث الثقلين يمكن الإشارة إلى الأمور التالية:

أوّلاً: عصمة العترة من الخطأ، لأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) صرّح بعدم افتراقهم عن القرآن حتى يردا عليه الحوض، فتجويز الافتراق بالمخالفة وصدور الذنب منهم تجويز للكذب على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أخبر عن الله عزّوجلّ بعدم افتراقهم عن القرآن.

ثانياً: إنّ العترة عندهم علم القرآن الذي فيه تبيان لكل شيء، وقد صرّح الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بأعلميتهم في أحد نصوص هذا الحديث قائلا: " ولاتقدموهما فتهلكوا، ولاتقصروا عنهما فتهلكوا، ولاتعلّموهم فإنّهم أعلم منكم "(1).

ثالثاً: عدم صحه التمسك بأحدهما دون الآخر، لأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) رتّب الضلال على تركهما معاً، ومعنى الحديث أنّه لاهدى لمن يتمسك بالقرآن وحده، أو يقول: " حسبنا كتاب الله "(2)، كما أنّ المتمسك بالعترة فقط دون القرآن أيضاً لانجاة ولاسبيل له للهدى.

رابعاً: عدم خلوّ كل زمان من أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو دليل على

____________

1- أنظر: الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 439، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 164، المعجم الكبير للطبراني: 5 / 166 (4971)، كنز العمال: 1 / 168 (947).

2- وهو إشارة إلى قول عمر بن الخطاب في رزية الخميس وجرأته على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: إن النبي ليهجر!!، أنظر: صحيح البخاري: 4 / 1612 (4168)، 5 / 2146 (5345).


الصفحة 134
وجود إمام من العترة في كل زمان إلى يوم القيامة.

ولذا نرى أنّ ابن حجر قال: " وفي أحاديث الحثّ على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أنّ الكتاب العزيز كذلك... ويشهد لذلك الخبر السابق " في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي " "(1).

كما أذعن بهذه الحقيقة أيضاً ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة(2)، والشبلنجي في نور الأبصار(3)، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة(4).

خامساً: وجوب إتّباع أهل البيت(عليهم السلام)، إذ لاسبيل لتلقّي الأحكام الإلهية بكل إطمئنان وإدراك معاني القرآن ومعرفة متشابهة إلاّ بالاستعانة بالعترة، لأنّهم المفسرون الحقيقيون للكتاب، وكل من لايتمسك بهم يتيه في أودية الضلالة من غير دليل.

فالسبيل الوحيد لبقاء المسلمين في مأمن من الانحراف والزيغ، هو معرفتهم لكتاب الله والتمسك به، والتوجه إلى من عنده علم الكتاب، الذين هم عدل القرآن وذوي الكرامات الباهرة التي شرّفهم الباري عزّوجلّ بها.

وبصورة عامة فهذا الحديث يحدّد معالم الإمامة الكبرى التي تركها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في أُمته لحفظ الدين، وائتلاف الأُمة ووحدتها، وعدم ضلالها في متاهات الأهواء والأغراض والمصالح الشخصية.

____________

1- أنظر: الصواعق المحرقة: 2 / 442.

2- الفصول المهمة: 299.

3- نور الأبصار: 33.

4- ينابيع المودة: 2 / 438.


الصفحة 135
و لذا نرى عندما تُركت العترة ورُفض التمسك بها، آل الأمر إلى ما آل من الاختلاف والتفرقة والشقاق في أوساط الأُمة الإسلامية، وبعدها ابتلت الأُمة بالفتن والمحن، كان من أشدّها الإبتلاء بالدين، حيث وضعت الأحاديث المكذوبة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ليحجبوا الحقّ، ومن مصاديق ذلك ما وضعوه في قبال (حديث الثقلين)، وهو حديث: " كتاب الله وسنتي "!.

حديث " كتاب الله وسنتي ":

ولو تتبع الباحث هذا الحديث يجد أنّه لم يرد في صحاحهم الست، وإنّما أخرجه مالك بن أنس بهذا اللفظ في موطأه(1)، بصورة مرسلة.

وقد أوصل إسناده ابن عبد البر(2)، وفيه: كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، وهو متروك، ومن أركان الكذب(3).

وفيه أيضاً: سلمة بن الفضل الأبرش قاضي ري، وهو من قال فيه البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: هو ضعيف، وقال أبو حاتم الرازي: لايحتج بحديثه، ووصفه أبو زرعة فقال: كذّاب(4).

وفيه أيضاً: ابن حميد، وهو محمّد بن حميد الرازي، وقال عنه يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزجاني: رديء المذهب غير ثقة(5).

____________

1- الموطأ، كتاب القدر: 2 / 320.

2- أنظر: التمهيد لابن عبد البر: 10 / 252 (824).

3- أنظر: ميزان الإعتدال للذهبي: 5 / 492 (6949).

4- أنظر: تهذيب التهذيب للعسقلاني: 4 / 153، الترجمة رقم 265.

5- أنظر: تهذيب التهذيب للعسقلاني: 9 / 129 ـ 131، ترجمة (180).


الصفحة 136
وأخرجه الحاكم والبيهقي(1)، من طريقين:

الأوّل فيه إسماعيل بن أبي أويس وعكرمة، وإسماعيل ضعيف مخلّط يكذب(2)، وعكرمة هو الخارجي المعروف بكذبه على ابن عباس(3).

والثاني فيه صالح بن موسى الطلحي، وهو ضعيف، جداً كثير المناكير لا يكتب حديثه(4).

اضافة إلى أنّ هذا الحديث يخالف مباني أبناء العامة! لادعائهم بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) منع من كتابة أحاديثه، فعليه كيف يصح أن يأمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)الأُمة بالتمسك بالسنّة وقد نهى عن تدوينها.

وإنّ هذا الحديث يخالف قول عمر: " حسبنا كتاب الله "! لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لو أمر الأُمة بالتمسك بالقرآن والسنّة، فلا يحق لعمر الرد على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ورفض السنّة.

وعلى أي حال، إنّ حديث الثقلين ووصيّة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بالقرآن والعترة، حديث مشهور متفق عليه بين العامة والخاصة، ولايمكن تركه والتمسك بحديث ضعيف غير صحيح.

هذا ولو سلّم بصحة الحديث، فإنّ العترة أحقّ من غيرهم لأخذ السنّة منهم، باعتبارهم أعلم من غيرهم بالسنّة والأحكام الشرعية، وقد أرشد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الأمّة بالرجوع إليهم في مواقف وأحاديث متعدّدة.

____________

1- أنظر: المستدرك للحاكم: 1 / 172 (318)، السنن الكبرى للبيهقي: 10 / 194 (20336 ـ 20337).

2- أنظر: تهذيب التهذيب للعسقلاني: 5 / 280، ترجمة (477).

3- أنظر: ميزان الاعتدال للذهبي: 5 / 116 (5722).

4- أنظر: تهذيب التهذيب للعسقلاني: 4 / 404، ترجمة (690).


الصفحة 137

مصداق عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم):

إنّ عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) هم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم ولد فاطمة البتول، قد اصطفاهم الله كما اصطفى آل إبراهيم(1).

فقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّ لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلاّ ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم، وهم عترتي خلقوا من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله "(2).

وورد في صحيح مسلم ـ وغيره ـ بإسناده عن سعد بن أبي وقاص، قال: دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: " اللهم هؤلاء أهلي"(3).

فهؤلاء العترة هم أحد الثقلين، والثقل كل نفيس خطير مصون، قال النووي: " سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بها "(4)، فالعترة هي أحد الثقلين، لأنّها معدن للعلوم الدينية والأسرار والحكم العليّة، ولهذا حثّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) على الإقتداء والتمسك بها.

وأخيراً تمسّكت بالعترة(عليهم السلام):

يقول الأخ آلفا: " كانت النتائج التي توصلت إليها واضحة ولاغبار عليها، وقد بحثت في هذا المجال كثيراً لمعرفة الحقيقة في أمر خلافة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ وإن

____________

1- أنظر: لسان العرب لابن منظور: 4 / 538.

2- أنظر: كنز العمال: 12 / 98 (34168)، تاريخ ابن عساكر: 36 / 313.

3- صحيح مسلم: 4 / 1871 (2404)، وأنظر: سنن الترمذي: 5 / 103 (2999).

4- أنظر: شرح مسلم للنووي: 15 / 175 (6175)، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عليّ.