والأمر الذي قرّبني للتشيع، هو أنني وجدت الشيعة وحدهم هم الذين اتبعوا الثقلين، بينما اتّبع أبناء العامه قول عمر: " حسبنا كتاب الله "! فدفعني ذلك للتعمّق في مباني وآراء مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
وقد ناظرت جملة من الأخوة أهل العامة في هذا المجال، فقابلني بعضهم بأسلوب حاد ومنفعل مما جعلني أتجنب الحوار معهم، وواصلت البحث بنفسي حتى اكتملت عندي صورة التشيع، فاقتنعت بها وتشيّعت عام 1991م في العاصمة كوناكري، وقد استبصر على يدي العديد من الأخوة الذين عرضت عليهم أدلتي في اعتناقي لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، لأنّني بعد الاستبصار لفتُّ إنتباه من يحيط بي، وهذه الحالة دفعت الكثير للاستفسار مني، فكانت ذلك سبباً لوقوع مناظرات عديدة بيني وبينهم، وكانت الثمرة استبصار الكثير من أخواني وأصدقائي الذين سلكوا درب البحث والتتبع للوصول إلى العقيدة الصحيحة ".
(12) بشـير سـليم
(شافعي / موزمبيق)
ولد عام 1976م بجزيرة الموزمبيق، ونشأ في بيئة تعتنق المذهب الشافعي، فسار على نهج الآباء منتمياً لهذا المذهب، واصل دراسته إلى حدّ الثانوية، ودرس القرآن والتفسير، ثم بادر بعد ذلك إلى سلك التعليم، فحمل على عاتقه مهمة تدريس الأطفال في منطقته.
شاءت الأقدار الإلهية التي رعته بألطافها منذ صغره أن ينبثق نور المعرفه في قلبه لينتمي إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)عن بصيرة وفهم وإدراك في " موبوتو " ببلده موزمبيق(1) عام 1994م.
زيارة القبور وآثارها التربوية:
تبدأ رحلة الأخ بشير العقائدية من زيارته في أحد الأيام للقبور، حيث
____________
1- موزمبيق: تقع في جنوب شرق افريقية وتطلّ على المحيط الهندي، يحدّها من الغرب مالاوي وزامبيا وزيمبابوي، يبلغ عدد سكانها قرابة (19) مليون نسمة، تتجاوز نسبة المسلمين فيها 30%، أمّا الباقي فمن المسيح والديانات الأخرى، وأكثر المسلمين من المالكية والشوافع، أمّا الشيعة فيشكلون نسبة 10% من المسلمين.
وفي ذلك الموقف وفي مثل تلك الأجواء المليئة بالعبر والموعظة شاءت، العناية الربانية بألطافها أن تفتح له نافذة النور.
فيقول الأخ بشير: " عندما كنت في المقبرة أقبل جمعٌ يحملون على أكتافهم جنازة، تحيطهم هالة من اللوعة والأسى والحزن، حتى جاؤوا بها إلى حفيرة قد أُعدّت من قبل، فوقفت عند ذلك القبر منكسراً باكياً، حتى اعترتني حالة من الكآبة لما شاهدت من منظر إنزال الجنازة في القبر وتسوية التراب عليها، فراجعت في تلك اللحظة نفسي وفكرت في أمري فشعرت بالندم على كل لحظة أضعتها فيما سبق من عمري، وتسويلي لنفسي وعدم اهتمامي بآخرتي، فبكيت على نفسي واستغفرت ربّي من سوء فعلي، وعزمت على إصلاح أمري وتطهير سريرتي ".
ويواصل بشير حديثه قائلاً: " وبينما أنا في تلك الحالة إذ طلب أحد المرافقين للجنازة من الحضور مراعاة الهدوء ليشرع بتلقين الميّت، فانتبهت إليه وبدأت أُصغي إلى كلامه بوعي وتدبّر، فبدأ الشخص ينادي الميت باسمه وكأنّه يخاطب ضميري: يا فلان بن فلان! يرحمك الله اُذكر ما خرجت من الدنيا شهادة أنّ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّد عبده ورسوله، وأنّك رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد نبيّاً، وبالقرآن إماما(1)....
____________
1- الجدير بالذكر أن جميع أبناء العامة ـ إلاّ الشوافع ـ لم يستنّوا بسنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسألة تلقين الميت، وقد ذكر الشوكاني في نيل الأوطار كتاب الجنائز باب الدعاء للميت بعد دفنه: ما ذكره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المجال (4 / 97 ح 1480)، وأنظر في هذا المجال: المعجم الكبير للطبراني: 8 / 298 ـ 299 (7979)، ومجمع الزوائد للهيثمي الجزء الأول والثاني.
بداية رحلة البحث:
وبدأت أبحث عن المسائل الدينية التي جاءت في التلقين، وهي مسألة التوحيد والنبوّة والإمامة، وذلك للمأخذ الذي أخذه ذلك الموقف من نفسي، فشرعت بالبحث والاستقصاء العلمي، وكان لكل مسألة منها وقفة متأنية، حتى وصلت إلى مسألة القرآن وإتخاذه إماماً لنفسي، فراجعت العديدة من التفاسير، وكانت هذه المرحلة من أصعب المراحل في البحث، وذلك لأنّي واجهت فيها استفسارات وأسئلة كثيرة طفحت في ذهني، وكان من أهمها مسألة التأويلات والتفاسير المتعدّده للآيات.
مسألة تأويل القرآن:
ووجدت معظم الفرق تسعى لتطبيق الآيات وفق آرائها وأفكارها، وكل منها يحاول إخضاع القرآن لما يتلائم مع متبنياته ومعتقداته الخاصة، كما تسعى لتطبيق الآيات ومقاصد القرآن وفقاً لآرائه وميوله.
في الحقيقة أنّ مسألة فهم القرآن وتفسيره وتأويله، قضية أساسية يتوقف عليها سلامة الفكر الإسلامي وصحة العقيدة، وذلك لأنّ أي إنحراف أو قصور أو تقصير في فهم القرآن وإكتشاف الحقائق التشريعية والعقائدية المختزنة فيه وإستنباط أحكامه ومفاهيمه، يؤدي إلى الإنحراف والتفرّق وضياع الأصالة والنقاء الإسلامي.
مهمّة تأويل القرآن بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم):
إنّ تفسير القرآن وتأويله هي من المسائل التي كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يقوم بها في زمانه، لأنّه لم يكن مجرد تال للقرآن، بل كان يبيّن للناس ما أُنزل إليهم كما قال تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(1)، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم)يدرك كنه أهمية هذه المسالة ومدى ضرورتها للمجتمع من بعده، كان يحرص على أن لا يترك أُمته من دون قاعدة ترتكز عليها.
ولذا نجده(صلى الله عليه وآله وسلم)قد أكدّ في مواقف عديدة على مسألة التمسّك بالعترة وملازمتها للقرآن، كما قال(صلى الله عليه وآله وسلم)في حديث الثقلين: " تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى
____________
1- النحل: 44.
وهذا الحديث مشهور وصحيح وثابت قد بلغ حدّ التواتر، وأخرجه المحدثون من الفريقين الشيعة والسنّة، ورواه أبناء العامة في صحاحهم ومسانيدهم عن ما يزيد من ثلاثين صحابياً(2).
ومسألة تلازم القرآن مع العترة من المسائل التي حاول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)أن يحافظ عليها صيانة للشريعة الإسلامية من الإختلاف والتمزّق، ولكن المنهجية التي إتخذها الحكام الذين استولوا على زمام الحكم من رفع شعار " حسبنا كتاب الله "(3) وعزل العترة عن مواقعهم التي عيّنها الله لهم، جعلت المجتمع عرضة للإختلافات، تتلاعب به أمواج الفتن والضلالة، نتيجة ترك السفينة المنجية التي عينها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " ألا إنّ مَثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق "(4).
____________
1- أنظر: مسند أحمد: 3 / 17 (11147)، سنن الترمذي: 6 / 125 (3788)، مشكاة المصابيح للتبريزي: 3 / 371 (6153)، وقد مرّ سابقاً.
2- للمزيد من الاحاطة في هذا البحث راجع: كتاب " مع الصادقين " للدكتور محمّد التيجاني السماوي ص 115، وهو من الكتب التي تأثر بها الأخ بشير في اعتناقه لمذهب أهل البيت عليهم السلام.
3- هذه المقولة أوّل من طرحها هو عمر بن الخطاب في مرض وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)حينما طلب ممن في حجرته أن يأتوا له بكتف ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فرد عليه عمر قائلاً: حسبنا كتاب الله.
4- أنظر: المستدرك للحاكم: 3 / 163 (4720)، فرائد السمطين: 2 / 246 (519)، ينابيع المودّة للقندوزي: 1 / 94، أمالي الطوسي: 60 (88)، 733 (1532)، كمال الدين: 239 (59)، الإحتجاج للطبرسي: 1 / 361، كتاب سليم بن قيس: 2 / 937، المناقب لابن المغازلي: 132 ـ 134، حلية الأولياء لأبي نعيم: 4 / 306، المعجم الأوسط للطبراني: 4 / 153 (5536).
الطريق الصحيح لسدّ باب الاختلاف:
إذا كان لابد للمسلمين أن يتحرّزوا من الضلال، كان عليهم أنّ يتمسكوا بأهل البيت(عليهم السلام) والقرآن معاً، فإنّ الأمة الإسلامية لايمكنها البلوغ إلى العزّ والسؤدد والوصول إلى المنازل الرفيعة التي توخاها الإسلام إلاّ بالتمسك بكلا الثقلين.
ومن هنا كان أهل البيت(عليهم السلام) يحاولون دوماً إتمام الحجّة على الناس بتذكيرهم بهذا الأمر، ومثال ذلك كلام الإمام الصادق(عليه السلام) في المناظرة التي جرت عنده بين هشام بن الحكم والرجل الشامي، حيث سأل هشام الرجل الشامي قائلاً:
" أخبرني يا هذا! أربّك أنظر لخلقه، أم خلقه أنظر لأنفسهم؟
فقال الشامي: بل ربّي أنظر لخلقه.
قال: ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟
قال: كلّفهم وأقام لهم حجّة ودليلاً على ما كلّفهم به، وأزاح في ذلك عللهم.
فقال له هشام: فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟
قال الشامي: هو رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
قال هشام: فبعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من؟
قال: الكتاب والسنة.
فقال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما إختلفنا فيه، حتى رفع عنا الاختلاف، ومكّننا من الإتفاق؟
قال هشام: فلم اختلفنا نحن وأنت، جئتنا من الشام تخالفنا، وتزعم أنّ الرأي طريق الدين، وأنت مقرّ بأنَّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين؟
فسكت الشامي كالمفكّر.
فقال أبو عبد الله(عليه السلام): مالك لا تتكلّم؟
قال: إن قلت: إنّا ما إختلفنا كابرت، وإن قلت: إنّ الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت، لأنهمها يحتملان الوجوه، ولكن لي عليه مثل ذلك.
فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): سله تجده مليّاً!
فقال الشامي لهشام: من أنظر الخلق، ربّهم أم أنفسهم؟
فقال: بل ربّهم أنظر لهم.
فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبيّن لهم حقّهم من باطلهم؟
فقال هشام: نعم.
قال الشامي: من هو؟
قال هشام: أمّا في ابتداء الشريعة فرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمّا بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله)فعترته.
قال الشامي: من هو عترة النبيّ القائم مقامه في حجته؟
قال هشام: في وقتنا هذا أم قبله؟
قال الشامي: بل في وقتنا هذا.
قال هشام: هذا الجالس ـ يعني أبا عبد الله(عليه السلام)ـ الذي تشدّ إليه الرِّحال، ويخبرنا بأخبار السماء، وراثة عن أبيه عن جدّه.
فقال هشام: سله عمّا بدا لك.
قال الشامي: قطعت عذري، فعلىَّ السؤال.
فقال أبو عبد الله(عليه السلام): أنا أكفيك المسألة يا شامي، أخبرك عن مسيرك وسفرك، خرجت يوم كذا، وكان الطريق كذا، ومررت على كذا، ومرّ بك كذا، فأقبل الشامي كلّما وصف له شيئاً من أمره يقول: صدقت والله.
ثم قال الشامي: أسلمت لله السّاعة!
فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): بل آمنت بالله الساعة، إنَّ الإسلام قبل الإيمان عليه يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون.
قال الشامي: صدقت، فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّد رسول الله، وأنّك وصيّ الأنبياء "(1).
من هذا يتجلّي لنا أنّ التمسك بالعترة هو الحلّ الوحيد لسدّ أبواب الاختلاف، ومنه الاختلاف في تفسير القرآن و تأويله.
ولو أخذ علماء الأمة الإسلامية بمنهج أهل البيت(عليهم السلام)في التفسير، والتزموا بالأسس والقواعد والضوابط التي جاء بها أهل البيت(عليهم السلام) في تفسير كتاب الله عزّوجلّ، لقدروا أن يؤدّوا التفسير بدقة وسلامة ولأغنوا بذلك دنيا الإنسانية بالمعاني والأفكار والأحكام، ولم يقعوا في الضياع والتخرّص والقول بالرأي والخضوع لهوى النفس.
حجّية ظواهر القرآن:
لايخفى أنّ تفسير الكتاب العزيز وشرح مقاصده وأهدافه، وكشف رموزه
____________
1- أنظر: الإحتجاج للطبرسي: 2 / 279 ـ 282.
وقد ذم الله سبحانه من يعطّل تفكيره ومن لا يتدبّر القرآن، بقوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوب أَقْفالُها)(1)، وقال تعالى: (هذا بَيانٌ لِلنّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)(2)، وقال تعالى: (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(3)، وإلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب العمل بما في القرآن ولزوم الأخذ بما يفهم من ظواهره.
والمهم في هذه المسألة هو معرفة المحكم والمتشابه، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، وقد خصّ الله عزّوجلّ الإحاطة بها حججه وسفرائه في الأرض، وهم عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الذين اصطفاهم تعالى ليكونوا ورثة الكتاب وحملة علم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعناهم بقوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(4).
فالمشكلة في الأمر هي مسألة المتشابة، التي يتخذها الذين في قلوبهم مرض فرصة لابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، حيث يقول الإمام الصادق(عليه السلام)في هذا
____________
1- محمّد: 24.
2- آل عمران: 138.
3- الدخان: 58.
4- آل عمران: 7.
التحرّر من الانقياد الأعمى:
يقول الأخ بشير سليم بعد خوضه هذه الأبحاث: " إنّ هذه المسألة وفّرت لي بداية إنطلاقة في البحث الذي منه غيّرت مسير إتجاهي العقائدي، ولذلك سافرت إلى العاصمة " موبوتو "، ودخلت مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) لأتعّرف بصورة كاملة على مذهب الإمامية، فتتلمذت على يد أحد المبلغين العراقيين المقيمين في " موزمبيق " لأجل التبليغ، وبعد مضي سنة واحدة من البحث والتحرّي والتتبع تبلورت صورة الفكر الشيعي في ذهني، بشكل نشأت منها القناعة في نفسي لدقتها ووضوحها وصدقها، ولم تمض مدّة حتى وجدت قلبي ينبض بمحبّة أهل البيت(عليهم السلام)، ووجدت لساني يلهج بذكرهم وفضائلهم ".
ويضيف الأخ بشير: " بدأت حياتي الجديدة بعد ذلك برؤية ومنهجية سلوكية أُخرى تلقيتها من أهل بيت رسول الله(عليهم السلام)، الذين هم خزنة علم الله، وتراجمة وحيه، وحججه على أرضه.
وهكذا اجتزت عقبات هذه الرحلة الشاقة بعون الله، لأصل في نهاية المطاف إلى العقيدة الراسخة التي لم أرثها من الآباء ".
____________
1- أنظر: وسائل الشيعة للحر العاملي: 27 / 201 باب 13 (33593).
(13) تانيا بولينغ
(مسيحية / ألمانيا)
الأخت تانيا المانية الأصل(1)، تشرّفت عام 1999م باعتناق الدين الإسلامي الحنيف المتمثّل بخط أهل البيت(عليهم السلام)، متحوّلة من الديانة المسيحية في عمر ناهز الإثنين وعشرين عاماً، بعد مدّة طوتها ـ حسب قولها ـ في الضياع وجهل الذات إلى أنّ أخذ الله بيدها وانتشلها من قعر الظلمات ليرفعها إلى حيث سناء النور.
مرحلة الضياع الفكري:
كانت الأخت تعيش في أجواء تصفها بنفسها: " كنّا يومئذ نعيش سوية بعضنا إلى جنب بعض، لكن بحالة لايبالي فيها أحدنا بالآخر، وكان الكل يحيا لنفسه ومن أجل نفسه، إذ كنا نتقاسم سوية الوحدة والعزلة، ولعلّي لا أغالي إن
____________
1- المانيا: تقع على بحر البلطيق محاطة بتسع دول أوربية، يتجاوز عدد السكّان فيها (100) مليون نسمة، أغلبهم يعتنقون الديانة المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية، أمّا المسلمون فنسبتهم 4% أغلبهم من المهاجرين الأتراك والمغاربة واللبنانيين والإيرانيين، وللشيعة تواجد ملحوظ، حيث يبلغ عدد الشيعة أكثر من مليون شخص.
فكان الكل يهيم على وجهه في طرقات ومنعطفات مظلمة لايلوي على شئ، وكنّا جميعاً نتسكّع في أزقة الحياة الغوغائية، ولانفكر في مأوى أو دار هنيئة.
و هكذا أمضينا حياتنا في ضياع الغايات، وضياع الأخلاق والعقيدة والمعنويات ".
أسباب ترك الدين في الغرب:
كان هذا الأمر في أوائل ردّة الفعل التي حدثت في الغرب ازاء الدين، نتيجة لتصرفات رجال الكنيسة، ونتيجة وقوع التحريف في الديانة المسيحية التي فشلت في أداء مهامها ودورها في حياة الفرد والمجتمع المسيحي، فإنّ رجال الكنيسة وضعوا لمجتمعاتهم قوانين وتشريعات جعلت ديانة المسيح أكثر الأديان السماوية والوضعية تعقيداً، وعلى خلاف ما جاء به عيسى(عليه السلام) الذي قدمها ببساطة.
وظنّ علماء المسيحيّة أنّهم بذلك قد أسسوا بنياناً فكرياً صالحاً لتنظيم حياة الإنسان الفردية والاجتماعية، لكن بمجرد أنّ وضعت هذه النظريات موضع التنفيذ لم يستقم أمرها فاضطربت وتعثّرت، ولم يكن من الممكن أن تعيش هذه التعاليم والمبادئ في أرض الواقع، وكان ثمرتها حصاد الفشل الذريع والوقوع في الكوارث المريرة، التي أدت إلى نشوء ردود فعل معاكسة ازاءها، بل ازاء الدين بالكامل، مما جعل الغرب يعيش حالات الضياع نتيجة رفضه للدين بصورة عامة.
بدء الرحلة من الظلمات إلى النور:
عاشت الأخت تانيا عشرين عاماً في مثل هذه الأجواء، حتى عثرت بفضل الإسلام الأصيل المتمثل بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) على ذاتها التي فقدتها طيلة هذه المدّة، فتعرّفت على ربّها بعد أن كانت عنه غريبة.
وكان بدء قصة رحلتها من الظلمات إلى النور: أنّها إلتقت صدفة في سوق مدينة " هامبورغ " بفتاة مسلمة محجبة، وكانت يومذاك في رفقة عدد من أصدقائها، وتصف الأخت تانيا هذه الحادثة بقولها: " إنني كنت ذلك الحين طائشة كما هو ديدن أية فتاة شابة ألمانية، فسخرت من حجاب تلك المرأة وحقّرتها لأجل حجابها، فقلت لتلك الفتاة: أيّ مرض ألّم بك فجعلك تغطين جسدك بهذه الصورة؟.
فردت الفتاة المحجبة عليَّ بهدوء وإتزان موحي بالتأمل العميق الذي يدعو إلى الإيمان الواعي المرتكز على الحجة والبرهان، ودخلت معي في حوار أكّدت لي فيه، أنّ الستر وحفظ حياء وعفة المرأة دليل على سلامة نفسها، وأنّ الحجاب يمنح المرأة حرية معنوية يمكنها من صيانة أمنها الاجتماعي، فيما التعري أمر يخالف الفطرة".
المستشرقون وتشويه الإسلام:
كان من حسن حظ الأخت تانيا أنّها تعرّفت على الإسلام بصورة مباشرة، ولم تتعرّف على الإسلام عبر المسيحية التي حاولت اختراق الفكر الإسلامي بإتخاذ نهج التشكيك والمغالطة وتشويه الحقائق والافتراء، لتحريف التاريخ الإسلامي وتشويه مبادئه وثقافته وإعطاء المعلومات المغلوطة عنه تحت عنوان الاستشراق.
فإنّ ما كتبه المستشرقون من دراسات وما قاموا به من رحلات يحتاج إلى قدر كبير من الحيطة والحذر، فأكثر هذه الإنجازات لم تكن تتسم بصفة الموضوعية، حيث جاء المستشرقون بأفكار مسبّقة وانطباعات ذهنية شاذّة عن الإسلام والمسلمين، فطبقوها بشكل لايخلو من التعسف والتعنت، فضلا عن أنّهم لم يعايشوا ما كتبوه عن المسلمين، ولذا غابت عنهم الحقيقة ووقفوا عند ظواهر الأمور.
وإنّ هذا الانطباع الذي حملته ذهنية المستشرقين نابع من التعصب الشديد ضد الإسلام، إذ لايشك المتأمل في الارتباط بين الإستشراق والتنصير هو ارتباط جذري، إلاّ أنّ الفرق بينهما هو أنّ الاستشراق أتخذ صورة البحث والتحقيق العلمي، في حين أنّ التنصير أتخذ المظهر الإنساني المرتبط بالله ـ حسب النظرية المسيحية ـ فمراحل الاستشراق لم تكن خالية من الرهبان والقسس، ولم تكن منفصلة عن رعاية الكنيسة! حيث أنشأوا المراكز والمعاهد لأجل ذلك وفق خطّةٌ منهجية ومبرمجة كان الغرض منها توظيف العقيدة والتاريخ والثقافة و... الإسلامية لخدمة أغراضهم المشبوهة(1).
فماذا ينتظر من أناس يحملون هذه الأفكار، عندما يعرضون ديننا على العالم!!.
ولكن رغم هذا الكم الهائل من التيارات المعاكسة التي واجهها الإسلام، اخترق الكثير من المسيحيين هذا الحاجز، لأنّهم واجهوا في أذهانهم أسئلة حائرة تحتاج إلى جواب مقنع لم تمنحها النصرانية فصل الخطاب، وكان الإسلام هو
____________
1- إنّ إنشاء هذه المراكز عميق في التاريخ، ففي عام 1787 م أنشأ الفرنسيون " جمعية المستشرقين "، ثم أنشأوا جمعية أخرى لها نفس الأغراض عام 1820 م. وفي بريطانيا أنشئت جمعية لتشجيع الدراسات الشرقية عام 1823 م، وفي عام 1842 م أنشأ الأمريكيون جمعية ومجلة باسم " الجمعية الشرقية الاميركية " وغيرها كثير!
القيم الإسلامية الرائعة:
تقول الأخت تانيا: " وممّا استحوذ على إهتمامي في الإسلام، هو العلاقة المعنوية للمسلمين مع ربّهم، وعلاقتهم الصميمية فيما بينهم وأفراد أسرهم وتوادهم، ووجود الهدفية في الحياة عندهم، وتضامنهم الذي لايعرف حدوداً، سواء على الصعيد العنصري أو القومي أو الإنتماء الجغرافي، إضافة إلى تمسكهم بدينهم واعتقادهم الراسخ بالقضايا العقائدية ".
وتضيف الأخت: " إنّ المسلمين أخذوا هذه الأمور من الإسلام نفسه، وهم يمارسون حياتهم اليومية إلى حد ما وفق ذلك، وبالطبع فإنني لو كنت قد إلتقيت بمسلمين غرباء عن دينهم وإسلامهم لما كنت قد ركنت إلى الإسلام ".
دور أهل البيت(عليهم السلام) في صيانة الإسلام:
قد نشأت في نفسية الأُخت تانيا جاذبية فائقة إلى مطالعة الكتب الفكرية والعقائدية للإسلام، فقرأت القرآن أوّلا، ثم أحاديث الرسول وأهل بيته(عليهم السلام)، وكان في مطالعتها لأحاديث أهل البيت(عليهم السلام) دوراً كبيراً لتنمية رصيدها الإيماني، واستيقاظ عقلها وقلبها وإشراق وجهها بنور الإيمان، وذلك لما تمثّل هذه الأحاديث من مدرسة فكرية تعتني بالبناء الفكري الذي طرحه أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بكل صدّق وإخلاص وعمق ودراية، لمعالجة مشاكل الإنسان وتعميق وعيه الديني.
فكان هدف مدرسة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) الفكرية، توعية القاعدة الشعبية بالفكر الإسلامي الأصيل، من أجل تهيئة الفرد المسلم لتحمّل المسؤولية، ومن هنا
ولولا جهود أئمة أهل البيت(عليهم السلام) لضاع الكثير من الأحاديث، واندرست معالم جانب كبير ومهم من الشريعة، نتيجة تلاعب أيدي حكام الجور الذين تولّوا الخلافة، ولكن شاءت الحكمة الإلهية أن تضع حفظة للشريعة لصيانة التراث على مرّ العصور وإيصاله إلى الأجيال القادمة، ولتكون الأمة على بيّنة من دينها، ولهذا نجد أنّ التراث الفكري الذي حافظ عليه أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ساهم في بناء حضارة فكرية إسلامية متكاملة منسجمة مع فطرة الإنسان، بحيث ارتوت منها النفوس المتعطشة التي تبحث عن السعادة والكمال كما حصل مع الأخت تانيا، فإنّها وجدت في ظل هذه التعاليم الأمن والسكينة الروحية التي كانت تفقدها من قبل، وقد وصفت حالتها بعد إعتناقها لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) قائلة:
" إنني اكتسبت من القرآن وأحاديث الرسول وأهل البيت(عليهم السلام) كل ما يتمناه المرء في دينه، ولو أنّني فقدت وخسرت كلّ شيء في حالة إسلامي! لكنني في مقابل ذلك وجدت نفسي وكسبت ذاتي، فقد كنت أجد كل شئ إلاّ الله! ومع ذلك كنت أشعر بالضياع والحيرة.
واليوم وبعد أن عثرت على ذاتي التي فقدتها منذ عشرين عاماً وعرفت ربّي الذي كنت عنه غريبة بالمرّة، حصلت على كل شئ، بل وكل ما أريد بفضل الإسلام.
فحصلت على الحرية المعنوية، كما حصلت على اخوة وأخوات في الله في كل مكان، في هامبورغ والمانيا، بل في العالم قاطبة، والأهم من كل ذلك أنني
أجل لقد طويت ليل العشرين عاماً من عمري عبر طلوع فجر يوم جديد، بحيث منحتني شمس الإسلام الدفء، وبعثت في نفسي النشاط والحيوية بعد سبات شتائي طويل امتد لسنوات طوال ".
ثم تصف الأخت تانيا حالها مع الآخرين ولاسيما مع عائلتها بعد تشرفها بالإسلام قائلة: " أمّا أنا فعلى الرغم ممّا أعيشه من وحدة ظاهرية ومشاكل كثيرة مع عائلتي بسبب تشرّفي بالإسلام، إلاّ أنني لازلت أعيش مع والدي ووالدتي، وبالطبع كانت فيما بيننا طيلة هذه الفترة مساجلات ونقاشات عديدة، لكنهما أدركا أنني جادة في انتمائي للإسلام، وهو ما قلل إلى حدّ كبير شدّة النزاعات فيما بيننا، وأضحى والدي ووالدتي يستحسنان في واقع الأمر أخلاقي وشخصيتي الإسلامية على نحو هو أفضل مما كانت عليه تصرفاتي في السابق ".
وبهذه العزيمة الراسخة والإرادة المتينه تمكّنت تانيا من إجتياز الكثير من العقبات التي اعترت طريقها إلى الإسلام، وذلك بفضل إرتقاء مستواها الفكري الذي اكتسبته من معارف مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، فتمكنت من الصمود أمام التيارات المعاكسه، وتثبت جدارتها في ميدان العمل لتكون نموذجاً لكل إنسان حرّ متمسّكاً بمبادئه لاتأخذه في الله لومة لائم.
(14) التيجاني مالم لغوي
(مالكي / النيجر)
ولد عام 1976م بمدينة " زندر " في النيجر(1)، كان يتمتع منذ صغره بمواهب وقدرات دفعته لأنّ يحتل مكانه مرموقة في البيئة التي كان يعيش فيها، حصل على الديبلوم وتوجه إلى الدارسة الدينية على ضوء المذهب المالكي السائد في منطقته، حتى أصبح بعد ذلك داعية لأصول ومبادئ هذا المذهب.
اعتنق المذهب الجعفري عام 1997م في النيجر بالعاصمة " نيامي "، فازداد نشاطه وتحركه في التبليغ مندفعاً بحماس لرفع المستوى الفكري لأبناء منطقته وانقاذهم من الظلمات إلى النور.
بداية التعرّف على التشيع:
يقول الأخ التيجاني: " تعود بداية قصة استبصاري إلى اليوم الذي ذهبت فيه لزيارة أحد أصدقائي، فوجد عنده بعض الكتب الشيعية، وكان معجباً بالفكر
____________
1- النيجر: تقع وسط افريقيا تحيط بها الجزائر ومالي وليبيا وتشاد ونيجيريا، يبلغ عدد سكانها قرابة (10) ملايين نسمة، يشكل المسلمون نسبة 90% منهم معظمهم من أتباع المذهب المالكي، أمّا الشيعة فيشكلون نسبة 7% من المسلمين.
وبالفعل وبتشجيع منه أخذت معي بعض الكتب الشيعية إلى البيت، وعكفت على مطالعتها وقراءتها بامعان وتأنّي، فكان أكثر ما لفت إنتباهي وهزّ مشاعري وأحاسيسي مكانة أهل بيت رسول الله(عليهم السلام) ومنزلتهم وعلوّ قدرهم وعظمة شأنهم، فأحسست بعدها بشعور مرهف إتجاههم، وشعرت بقلبي ينبض من دون إرادة بحبّهم، ويبدو أنّ هذا الأمر هو الذي كان البذرة الأولى لاعتناقي مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ".
حبّ وموّدة أهل البيت(عليهم السلام):
لايخفى على أحد ماجعل الباري لمودة قربى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ومحبّة أهل البيت(عليهم السلام)، فقد جعل الباري هذه المحبّة تعادل في أهميتها وقدرها ومنزلتها أصل الرسالة، كما في قوله تعالى: ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )(1)، ومن الواضح أنّ الأجر لابد أن يكون معادلاً للعمل في القيمة والاستحقاق، وقال تعالى في موضع آخر: (قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا)(2)، والذي يُفهم من هذا أنّ الله قد جعل مودة أهل البيت(عليهم السلام)سبيلاً إليه تعالى.
سبب اهتمام الباري بمودّة القربى:
إنّ الله عزّوجلّ ما أمر بمودّة عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ لكونهم في محل الإمامة
____________
1- الشورى: 23.
2- الفرقان: 57.
وذلك لأنّهم ذرية قد اصطفاهم الباري فسدّد خطاهم، ووهبهم نفوس متوهجه بالحقائق الإلهية، ومنحهم درجة من الإيمان التي تجعلهم بحالة من الشهود الكامل واليقين القاطع ليروا الأشياء على حقيقتها، فيعصمون بذلك من الخطأ والزلل، فيكونوا السبب المتصل بين الأرض والسماء، والمرشحين من قبل الله لتصدي المرجعية الفكرية والزعامة السياسية والقيادة الدينية بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).
وإنّ الرسالة النبوية تغدوا من دون أهل البيت(عليهم السلام) عرضة لتأويل المغرضين، وتلاعب أصحاب الميول والرغبات، ومن دون وجود الإمام المعصوم يجرؤ الكثير من أصحاب العقد الدفينة لتحقيق كل ما تصبوا إليه نفوسهم باسم الإسلام.
المرء مع من أحبّ:
يقول الأخ التيجاني: " بدأ إتجاهي نحو اعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) من ازدهار محبّتهم في قلبي، فدفعتني تلك المودّة والمحبّة لأتخذ منهجهم سبيلا وأتبع خطاهم وأسير على ضوء سيرتهم ".
وقد يظن البعض أنّ حبّ أهل البيت(عليهم السلام) هو ما اتفقت عليه معظم الطوائف الإسلامية، ولكن شتان بين محبّة الشيعة لأهل البيت(عليهم السلام) ومحبّة الآخرين لهم، وقد قال تعالى: ( مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )(1)، أيّ عدم اجتماع حبّان
____________
1- الأحزاب: 4.
معاناة أهل البيت(عليهم السلام):
الذي يمعن النظر في التاريخ الإسلامي يجد أنّ أهل البيت(عليهم السلام) قد لاقوا أشد المعاناة والأسى! فقد أبعدهم الناس بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن مكانتهم التي جعلها الباري لهم.
وخير شاهد لذلك وصف أمير المؤمنين(عليه السلام)لحالته بعد وفاة رسول الله بقوله: " فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) فخشيت إن لم أنصر الإسلام أهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً "(1).
وأمّا معاناة الزهراء(عليها السلام) التي قال عنها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّما فاطمة بضعة مني، يؤذيني من آذاها وينصبني ما أنصبها "(2)، وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً: " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني "(3)، فمشهورة عند الجميع، حيث هجموا على دارها وهدّدوا باحراقه!! وقيل لابن الخطاب: إنّ فيها فاطمة، فقال: وإن!
فنادت(عليها السلام): " يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟! "، ولم يرعوي عمر ومن معه حتى اقتحموا الدار! فصاحت فاطمة(عليها السلام)وناشدتهم: الله الله، وجعلت تبكي وتصيح، فانّهالوا عليها بالضرب حتى أسقطوا جنينها!!
____________
1- أنظر: نهج البلاغة: الكتاب 62.
2- أنظر: المستدرك للحاكم: 3 / 173 (3751)، 3 / 159، سنن الترمذي: 6 / 173 (3869)، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 756 (1327)، مسند أحمد: 4 / 5.
3- أنظر: صحيح البخاري: 3 / 1374 (3556).
وورد أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) لما فرغ من دفن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: "... وإلى الله أشكو، وستنبئك إبنتك بتضافر أمتك على هضمها، فاحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا... "(3).
ثمرة الإخلاص في محبّة أهل البيت(عليهم السلام):
يقول الأخ التيجاني: " إنّ مسألة التعصب الطائفي من المسائل المؤسفة عند علماء أبناء العامّة، إذ أنهم لا يبيّنون الحقائق بصورة كاملة ويعتّمون الكثير من الحقائق على أتباعهم، ويحاولون أن يصوّروا بقية المذاهب كالتشيع بصورة مشوّهة لينشؤوا الحواجز والموانع أمام الباحث والمستفسر عن هذا المذهب، ولايطرحون المواضيع على طاولة البحث ويناقشوها بروح بناءة وموضوعية، بل يحاولون أن يسلكوا درب التشنيع والتهريج ليحجبوا البصائر عن رؤية الحقائق الموجودة في مذهب أهل البيت(عليه السلام) ".
ويضيف: " ولكنني إندفاعاً من محبّة أهل البيت(عليهم السلام) صرت أبحث عن
____________
1- أنظر: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 30.
2- أنظر: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 31، الإمامة للطبري: 134.
3- أنظر: شرح النهج لابن أبي الحديد: 10 / 265 (195)، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 287، كشف الغمة للاربلي: 2 / 118، نهج البلاغة: الخطبة: 202.