وفي نهاية المطاف اندفعت مخلصاً في محبتي ومودتي لأهل البيت(عليهم السلام)، فتمسكت بحبلهم واعتصمت بهم باعتناقي لمذهبهم عام 1997م في النيجر ".
(15) تيرنو بو بكر بارو
(مالكي / مالي)
ولد عام 1973م بإقليم " كاي " في جمهورية مالي(1)، تلقى الدروس الدينيّة للمذهب المالكي على يد والده مدّة عشر سنوات.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1990م في مدينته " كاي ".
الخطوة الأولى للهداية:
يقول الأخ تيرنو: " إنّ أوّل من لفت إنتباهي نحو مذهب الشيعة الإماميّة هو جدّي، وذلك عندما أهداني كتاب (المراجعات)، ووجود مثل هذا الكتاب في مكتبة جدّي أمر غير مستبعد، لأنّه كان قد استبصر قبل أكثر من عشرين عاماً على يد أحد السادة العلماء في موسم الحجّ، وقام بعدها بجمع الكتب المحتوية على مثل هذه الأبحاث، ليستفيد منها في مناظراته ومحاوراته مع أبناء المذاهب الأخرى.
فشرعت بعدها بمطالعة الكتاب، وإذا بي أنجذب إليه وأتفاعل مع ما أورده
____________
1- جمهورية مالي: أنظر ترجمة رقم (2).
وكنت خلال هذه الفترة أيضاً متحمساً للالتحاق بجامعة الأزهر بمصر لأجل مواصلة الدراسة، إلاّ أنّ جدّي حثّني على الانتساب لأحّد المعاهد أو المدارس الشيعيّة لأتعرف على التشيّع، لأميّز بعدها صحّة معتقدهم أو بطلانه، فاستحسنت ذلك خصوصاً بعد مواجهة صعوبات منعتني من السفر إلى " مصر "، فسافرت إلى " غانا " لا واصل دراستي في المعهد العالمي للعلوم الدينيّة.
مواجهة الحقائق المرّة:
قضيت في المعهد المذكور ثلاثة أشهر، ثمّ عدت بعدها إلى بلدي لعدم ثبوتي فيه بشكل رسمي، ولكن كانت هذه المدّة القليلة سبباً لإطّلاعي على عدد من المسائل العقائديّة والفقهية والتاريخية الشيعية، مما جعلني أقارن بين الفريقين، إلاّ أنّني لم أصل إلى نتيجة حاسمة، فصمّمت على البحث لأدرك الحقّ فأتبعه.
وبالفعل عكفت على مطالعة الكتب الموجودة في مكتبة والدي، وأخذت أقرؤها بدقّة وإمعان، فتكشّفت لي أموراً لم تخطر على بالي من قبل، إذ لم أكن أتصوّر أنّ هناك من يناقش في خلافة أبي بكر، ولم أتوقّع أنّ هناك عدداً من الصحابة وفي مقدّمتهم بني هاشم ـ بالخصوص أهل بيت النبوّة(عليهم السلام) ـ إمتنعوا عن بيعته، بل أنكروا على أبي بكر تولّيه لهذا المنصب! فجعلتني هذه الأمور أتأمّل في إنتمائي للمذهب المالكي.
الجمع بين الصلاتين:
بعد ذلك قرّرت الشروع بالبحث في القضايا الفقهية، وأوّل مالفت انتباهي في هذا المجال هو اختلافنا مع الشيعة في الجمع بين صلاتي الظهرين والعشائين.
فقلت في نفسي: لعلّي أجد فجوة يمكن من خلالها الحصول على مستمسك لإبطال أدلّة الشيعة.
فرجعت إلى الصحاح وإذا بي أجد مسلم والبخاري وغيرهما يوردان عدّة أحاديث صحيحة حول جمع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) للصلاة بدون عذر ".
ومن هنا يستغرب الباحث حينما يجد أغلبية أبناء العامة يشنّعون على الشيعة في هذه المسألة، وذلك لأنّهم إنفردوا تطبيقيّاً في الجمع بين الصلاتين، وذهبوا إلى جوازه مطلقاً بلا خلاف بينهم، بل الجمع عندهم من البديهيات! فلا تجد لهذه المسألة عنواناً منفرداً في فقههم، وهم يعملون به في جميع الآفاق وفق منهج أئمّتهم(عليهم السلام)، الذي ساروا عليه إتباعاً لمنهج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
في حين جوّز غيرهم الجمع في حالات خاصّة، فنلاحظ أنّ (مالك والشافعي وأحمد) قد جوّزوا الجمع في السفر والمطر و... على تفصيل عندهم(1)، في حين منع أبو حنيفة ذلك.
وممّا اتّفق عليه الفريقان هو الجمع بين الظهر والعصر في عرفة، وبين المغرب والعشاء في المزدلفة.
مواقيت الصلاة في القرآن:
أوّلاً: قوله تعالى: ( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الليْلِ وَقِرَآنَ الفَجْرِ
____________
1- أنظر: الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري: 2 / 483.
يقول الفخر الرازي وهو أحّد أعلام المفسّرين من أبناء العامة: "... فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات: وقت الزوال، ووقت أوّل المغرب، ووقت الفجر، وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين الصلاتين، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقاً.
إلاّ أنّه دلّ الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز، فوجب أن يكون الجمع جائزاً بعذر السفر وعذر المطر وغيره "(2).
وعلى عادة الفخر الرازي في عدم استثمار النتائج، وتنكره لصحتها، مع كامل اعترافه الصريح بدلالة الآية على جواز الجمع، يفضّل التشبّث ببعض الروايات الملائمة لهواه على النصّ القرآني الصريح!.
أمّا البغوي فيقول: " والحمل ـ أي الدلوك ـ على الزوال أولى القولين، لكثرة القائلين به، ولأنّا إذا حملنا عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر، وإلى غسق اللّيل يتناول المغرب والعشاء، وقرآن الفجر هو صلاة الصبح... "(3).
وأخرج أبو بكر أحمد بن عبد الله الكنّدي في موسوعته الفقهيّة عن
____________
1- الإسراء: 78.
2- أنظر: التفسير الكبير: 7 / 384.
3- أنظر: معالم التنزيل (تفسير البغوي): 3 / 128.
ثانياً: قوله تعالى: ( وَزُلَفاً مِّنَ الليْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يَذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ )(2).
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: " لم يختلف أحّد من أهل التأويل في أنّ الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة... قوله تعالى (طَرَفَيِ النَّهَارَ )، قال مجاهد: الطرف الأوّل صلاة الصبح، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر، واختاره ابن عطيّة... وقيل: الطرفان الظهر والعصر، والزلف المغرب والعشاء "(3).
وفي تفسير ابن كثير، عن مجاهد في قوله تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارَ...): " قال: هي الصبح في أوّل النهار، والظهر والعصر مرةً أخرى... وقال الحسن في رواية ابن المبارك، عن مبارك بن فضاله، عنه: ( وَزُلَفاً مِنَ الَّليْلِ )يعني المغرب والعشاء، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " هما زلفا الليل، المغرب والعشاء "، وكذا قال مجاهد، ومحمد بن كعب، وقتادة، والضحاك: انّها صلاة المغرب والعشاء "(4).
فهذه الآيات وأقوال المفسّرين قد دلّت بصراحة على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة، وهذا يعني أنّ جمع الصلاة عند الشيعة الإماميّة موافق لكتاب الله عزّوجلّ!
____________
1- أنظر: المصنّف للكندي: 5 / 325.
2- هود: 114.
3- أنظر: الجامع لأحكام القرآن: 9 / 109.
4- تفسير القرآن العظيم: 2 / 458.
جمع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) للصلاة:
قد جمع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة ـ أي أنّه كان حاضر وغير مسافر ـ ولم يكن هناك عارض من مطر أو مرض أو غيرها، وهو مرويٌ في المتون لا سيّما الصحيحين، ومنها:
1 ـ أخرج مسلم: عن ابن عباس قال: " صلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر "(1).
2 ـ وعنه، قال: " أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى بالمدينة سبعاً وثمانيا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء "(2).
3 ـ وعنه، قال: " صلّيت مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً ـ قال عمرو بن دينار ـ قلت: ياأبا الشعثاء أظنّة أخّر الظهر وعجّل العصروأخّر المغرب وعجّل العشاء، قال: وأنا أظنّ ذلك "(3).
4 ـ وعن عبد الله بن شقيق، قال: " خطبنا ابن عبّاس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون الصلاة.. الصلاة.. قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني، الصلاة.. الصلاة، قال: فقال ابن عباس أتعلمني بالسنّة لا أمّ لك؟! ثمّ قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال عبد الله ابن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شئ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدّق مقالته "(4).
____________
1- صحيح مسلم (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 489 (705).
2- صحيح مسلم (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 491 (705).
3- صحيح مسلم (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 491 (705)، وأنظر: مسند أحمد: 1 / 221 (1918)، المصنّف لابن أبي شيبة: 2 / 209 (8227).
4- صحيح مسلم (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 491 (705)، وأنظر: مسند أحمد: 1 / 251 (3293).
6 ـ وعن ابن عبّاس، قال: " صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر جميعاً بالمدينة من غير خوف أو سفر. قال أبو الزبير: فسألت سعيد لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أُمته "(2).
7 ـ وعن معاذ بن جبل، قال: " جمع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟ فقال: أراد أن لا يحرج أمّته "(3).
8 ـ وفي حديث أبي معاوية: " قيل لابن عبّاس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أُمّته "(4).
9 ـ وذكر البخاري عن ابن عبّاس: " صلّى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) سبعاً جميعاً، وثمانياً جميعاً "(5).
10 ـ وأخرج أيضاً بسنده عن أبي أمامة قوله: " صلّينا مع عمر بن عبد
____________
1- صحيح مسلم (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 492 (705)، وأنظر: المصنّف لابن أبي شيبة: 2 / 210 (8231).
2- صحيح مسلم (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 490 (705)، وأنظر: المصنّف لابن أبي شيبة: 2 / 210 (8230).
3- صحيح مسلم (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 490 (706)، وأنظر: المصنّف لابن أبي شيبة: 2 / 209 (8228).
4- صحيح مسلم (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 1 / 490 (705).
5- صحيح البخاري (باب وقت المغرب): 1 / 206 (537).
11 ـ وأخرج مالك في موطئه عن ابن عباس: " صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، في غير خوف ولا سفر "(2).
12 ـ وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس أنّه قال: " صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً "(3).
13 ـ وفي رواية قيس، قال: " حدّثني صالح مولى التوأمة عن ابن عبّاس قال جمع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في غير مطر ولا سفر، قالوا: ياأبا عباس ما أراد بذلك؟ قال: التوسّع على أمّته "(4).
وغير ذلك من الروايات التي ذكرت جمع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لصلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء من غير اضطرار(5).
وبالجملة، إنّ علماء العامة ـ القائلين بجواز الجمع وعدمه ـ متّفقون على صحّة هذه الأحاديث وظهورها، وتعليقاتهم خير دليل على ذلك! وحسبك ما نقله النووي في (شرحه لصحيح مسلم)، والزرقاني في (شرحه لموطأ مالك)، والعسقلاني والقسطلاني وزكريا الأنصاري في شروحهم لصحيح البخاري،
____________
1- صحيح البخاري (باب وقت العصر): 1 / 202 (524).
2- موطأ مالك (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر): 1 / 93 (4).
3- مسند أحمد: 1 / 221 (1929).
4- المصدر نفسه: 1 / 223 (1953).
5- أنظر: سنن أبي داود (كتاب الصلاة): 1 / 450 (1211)، سنن النسائي (المواقيت): 1 / 6، صحيح مسلم بشرح النووي (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر): 5 / 221.
أسباب الجمع بين الصلاتين:
إنّ الأحاديث التي روتها الصحاح، كحديث ابن عبّاس: "... أراد أن لا يحرج أحداً من أمّته "، وحديث معاذ بن جبل: "... أراد أن لا يحرج أمّته " صريحة في بيان العلّة، فجمع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بين صلاتي الظهرين وصلاتي العشائين، هو للتوسعة على الأُمّة وعدم إحراجها بإلتزام التفريق، رأفة بأهل المشاغل ـ وهم أغلب الناس ـ لأنّ التفريق لا يتيسر لكلّ واحد، وإنّ التزام التفريق بين الصلوات قد يجعل البعض متوجهاً للصلاة على مضض.
ولقد جرت حكمة الله تعالى بتشريع الجمع على لسان نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن خلال فعله المبارك، فلماذا ينكر المخالفون أمر الله وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟! ولماذا يتأوّلون هذا التشريع ويتركون غيره؟!، فالجمع ميسور لكلّ إنسان، ولا يتنافى مع الشرع الصحيح، ويقبله العقل والذوق السليم، فهو يتماشى مع القرآن، ويهتدي بالسنّة.
وقد اتّفقت مرويّات أهل البيت(عليهم السلام) مع الآيات المباركة التي ذكرت في مورد الاستدلال، والأحاديث الشريفة.
فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنّه قال: " أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظهر والعصر بأذان واقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد واقامتين "(1).
____________
1- أنظر: وسائل الشيعة للحر العاملي: 4 / 220 (4971).
هذا بالإضافة إلى أحاديث كثيرة مرويّة عن أهل البيت(عليهم السلام) في هذا المجال(2).
الهداية إلى سبيل الرشاد:
ومن هذا المنطلق يقول الأخ تيرنو: " بدا لي واضحاً أنّ التشنيع الذي كنّا نسمعه حول الشيعة، لا أساس له من الصحّة، فصلاتهم صلاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ووضوؤهم وضوؤه و....
وكان للحوادث التاريخيّة والمصاعب التي تعرّض لها أهل البيت(عليهم السلام) أكبر الأثر في تغيير مساري الفكري والديني والاتّجاه نحوهم، فوجدت أنّ حقّهم مسلوب، وحرمتهم منتهكة، ولم تراع فيهم وصيّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى سرى الاضطهاد إلى أشياعهم وأتباعهم، وشوّهت صورتهم وصورة نهجهم، لكن الحقّ يعلو ولا يعلى عليه، وعلى هذا الأساس قرّرت اعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)والسير في طريقهم، فأعلنت تشيّعي في بلدي عام 1990م ".
____________
1- أنظر: الكافي للكليني: 3 / 286، وسائل الشيعة للحر العاملي: 5 / 222 (4978).
2- أنظر: وسائل الشيعة للحر العاملي: 4 / 218 ـ 223.
(16) جرنو إبراهيم باه
(مالكي / غينيا)
ولد في غينيا(1)، بمدينة " بوكر " عام 1971م، من عائلة تنتمي للمذهب المالكي، درس في المدارس الأكاديمية حتى نال الشهادة الثانوية، درس على يد والده ـ الذي كان من كبار علماء المالكية في منطقتهم ـ بعض الكتب الدينية، وواصل بعدها دراسته في جامعة " جمال عبد الناصر " في علم الاجتماع، وأُخرج منها قبل إكماله للدراسة بسبب إنتمائه إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)ودفاعه العلني عن مبادي وعقائد الشيعة.
أعلن تشيعه عام 1990م في عاصمة بلده " كوناكري ".
مرحلة التشكيك والاستفسارات:
يقول الأخ جرنو: " كنت أيام الإعدادية أدرس في المدرسة العربية الفرنسية التي توغّل فيها الوهابيين عبر إحتلال مواقع التدريس، وكان لهم نشاط فعال في نشر المذهب الوهابي والتشكيك في المذاهب الإسلامية الأخرى ومن
____________
1- غينيا: أنظر ترجمة رقم (11).
وفي يوم طلبت من أحد الأساتذه أنّ يوضح لنا بصورة مجملة عقائد الشيعة الإمامية؟
فقال الأستاذ: إنّهم يعتقدون بوجود أئمة إثنا عشر أوّلهم الإمام عليّ ثم الحسن والحسين....
فقلت: ونحن أيضاً نحترم هؤلاء ولا نرى بأساً في إتباعهم، فردّ عليَّ الأستاذ بعنف والتجيء إلى التشنيع والتهريج والسبّ محاولاً إسكاتي، لكنني واصلت البحث معه، فأخرجني من الصف وقال: أنت تريد إفساد عقيدة الطلاب.
والواقع كنت في ذلك الحين غير مطلع بتاتاً على عقائد الشيعة وإنتمائهم المذهبي، ولم يحفزني للبحث عنهم سوى هذا التصرف السيء من الأستاذ الوهابي، وكذلك تشنيعه المستمر وغير المنطقي ضدّ المذهب الشيعي، وكنت أقول في نفسي: لماذا كلّ هذه الشدّة والعنف على الشيعة!! وما الذي فعلوه!! وما هي عقائدهم التي تجعل هذا الأستاذ وأمثاله يندفعون إلى سبّهم وشتمهم؟!
ومن هذا المنطلق بدأت بالاستفسار والتحقيق حول الشيعة، وكان معظم الذين أسألهم عن الشيعة لا يعرفون الكثير عنهم، فكانوا إمّا أن يظهروا جهلهم، أو يكرّروا الإشاعات المبثوثة ضد الشيعة من دون أن يكون لديهم أدلّة على ذلك.
التشنيع ضد الشيعة:
كان من جملة التشنيعات الكثيرة ـ التي ذكرها الأستاذ الوهابي ضمن حديثه عن الشيعة ـ أنّ الشيعة قوم يدينون بدين يختلف عن بقية المسلمين، فهم
وكان من حسن الصدف أن ألتقي بأحد الأصدقاء الذين اعتنق التشيع، فسألته عن الشيعة ومايقال عنهم، فتبسم إبتسامة مشفوعة بالحزن، وقال: إنّ التشنيع ضدّ الشيعة ليس ظاهرة مستجدة، بل هي ظاهرة قديمة قد سنّها خلفاء بني أميّة من قبل، وإجتهد حكّام الجور ومن تبعهم منذ القدم للحط من شأنهم وإبعادهم عن الساحة الإسلامية، حفاظاً على مصالحهم ومآربهم التي كانوا يريدون تنفيذها من دون أي إتجاه يعكر انغماسهم في لذاتهم الزائقة ".
والواقع أنّ هذه التهم هي دليل العاجز الذي لا يسعه أن يقابل الفكر بالفكر والدليل بادليل، فيكون سبيل خلاصة ذكر أمور ما أنزل الله بها من سلطان ـ كتهمة خيانة الأمين التي تضحك الثكلى ـ فهذا الكلام لم يقل به أحد من عوام الشيعة ولا أطفالهم، وهذه كتب الشيعة قد ملأت الآفاق، نعم يقرّون ويعترفون إمامة الإمام عليَّ(عليه السلام) بعد النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه أوّل الأئمة الإثنى عشر ووصي النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وخليفته من بعده.
أضواء على مسح الأرجل في الوضوء:
إنّ مسألة الاختلاف في الوضوء هي من السائل الفقهية الفرعية تتبع الأصل، إلاّ أنّ بعض الأقلام أبت إلاّ أن تُدخل الناس في تشكيكات فرعية لاهين الناس عن الالتفات إلى الاختلاف الأساسي وهو مسألة الإمامة والخلافة، ومع ذلك فإنّ علماء الشيعة لم يتركوا إستفسار الآخرين حول وضوئهم من دون جواب، بل
ومن خلال آية الوضوء نستطيع أن نتعرّف على حكم الأرجل، في قوله تعالى: ( يَأَيُّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلـوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى المَرَافِقِ وَأمْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ )(1).
فالحكم هو وجوب المسح، ولا معنى للقول بالغسل إذ أنّه مخالف للآية الكريمة، اضافة إلى السيرة العملية لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
ويقال في بيان ذلك: إنّ في قوله تعالى: ( وَأَرْجُلَكُمْ) وردت قراءتان مشهورتان:
القراءة الأولى: (وأرجلِكم) بالجر، وهي قراءة ابن كثير وحمزة وأبي عمرو وعاصم (في رواية أبي بكر عنه)، كما ذكر ذلك الرازي في تفسيره(2)، وعلى هذه القراءة تصبح الأرجل معطوفة على الرؤوس فيجب مسحها كما وجب ذلك في الرؤوس.
أمّا القراءة الثانية: وهي قراءة (وأرجلَكم) بالنصب، وهي قراءة نافع وابن عامر وعاصم (في رواية حفص عنه) كما ذكر ذلك الرازي أيضاً(3)، وعلى هذه القراءة يكون حكم الأرجل المسح أيضاً، لأنّ الأرجل تكون معطوفة على الرؤوس المنصوبة محلا المجرورة لفظاً، والعطف على المحل وارد في لغة العرب، فيقال: " ليس فلان بعالم ولا عاملا " بنصب عامل عطفاً لها على محل عالم.
____________
1- المائدة: 6.
2- أنظر: التفسير الكبير: 4 / 305.
3- المصدر نفسه.
أضف إلى كل هذا ورود الأخبار في مصادر أبناء العامة توضح وجوب المسح دون الغسل، منها:
1 ـ أخرج الحاكم في (المستدرك) بسنده إلى رفاعة بن رافع عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: " إنها لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عزّوجلّ، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين "(1)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه بخمسة أسانيد صحيحة.
2 ـ أخرج أحمد بسنده عن أبي مالك الأشعري أنّه قال لقومه: " اجتمعوا أصلي لكم صلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا أجتمعوا قال: هل فيكم أحد غيركم؟ قالوا: إلاّ ابن أخت لنا، قال: ابن أخت القوم منهم، فدعا بجفنة فيها ماء فتوضأ وتمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه ثم صلى بهم "(2).
3 ـ وأخرج أحمد عن عليّ(عليه السلام)، قال: " كنت أرى باطن القدمين أحقّ
____________
1- مستدرك الحاكم: 1 / 368 (881).
2- أنظر: مسند أحمد بن حنبل: 5 / 342 (22949).
والجدير ذكره أنّ الله سبحانه وتعالى أبدل الغسل مسحاً في التيمم وأسقط المسح في آية التيمم، وبأدنى تأمّل يتبيّن لنا أنّ حكم الأرجل في الوضوء هو المسح لا الغسل، فقد قال تعالى في نفس آية الوضوء: ( وَإنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الغَآئِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَمُواْ صَعِيداً طَيَّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم )(2).
زواج المتعة:
إنّ الطاعن على مسألة الزواج المؤقت " المتعة " إنّما يطعن في أحكام الله تعالى التي بلّغها نبيّه محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) للناس، ولم يستدل بشيء سوى ادّعاء الشرف والغيرة! ومن هناك كان جزاء تمسك شيعة أهل البيت(عليهم السلام) بها التشنيع والإتهام والإشاعات والإفتراء عليهم، وقد قال الله تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً )(3).
والملاحظ أنّ الرازي ينقل أثناء بحثه حول هذه الآية عن عمران بن حصين، أنّه قال: " إنّ الله أنزل المتعة آية وما نسخها بآية أخرى، وأمرنا بها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ماشاء "(4).
وذكر السيوطي في الدر المنثور، عن الحكم أنّه سئل عن هذه الآية أمنسوخة؟ قال: لا، وقال عليّ[(عليه السلام)]: " لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى
____________
1- المصدر نفسه: 1 / 95 (737).
2- المائدة: 6.
3- النساء: 24.
4- أنظر: التفسير الكبير: 4 / 44.
وقد ورد في الصحاح الكثير من الأخبار عن الزواج المؤقت، منها:
1 ـ عن عبد الله بن مسعود، قال: " كنا نغزو مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي، فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل معين "(2).
2 ـ عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع، قالا: كنا في جيش، فأتانا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " قد أذن لكن أن تستمتعوا فاستمتعوا "(3).
3 ـ عن جابر بن عبد الله، قال: " كنا نتمتع على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر حتى نهانا عمر عنها أخيراً، يعني متعه النساء "(4).
وقد ذكر الرازي في بحث المتعة أنّه روي أنّ عمر قال على المنبر: " متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما متعة الحج ومتعة النكاح "(5).
ومن ينكر المتعة ويتخذها ذريعة للتشنيع ضد التشيع، هو في الحقيقة يشنّع على القرآن الكريم ويطعن في الحكمة الإلهية للتشريع، وكأنّه بذلك يريد أن يفرض على الله شريعة تتلاءم مع عقله الذي لم يستوعب مضامين الرسالة وروحها.
____________
1- الدر المنثور: 2 / 486.
2- أنظر: صحيح مسلم باب نكاح المتعة: 2 / 1022 (1404)، صحيح البخاري: 5 / 1952 (4784).
3- أنظر: صحيح البخاري: 5 / 1967 (3827)، صحيح مسلم: 2 / 1022 (1405).
4- أنظر: مسند أحمد بن حنبل: 3 / 304 (14307).
5- أنظر: التفسير الكبير: 4 / 43.
الوصول إلى الحقّ:
يقول الأخ جرنو: " بمرور الأيام تبيّن لي أنّ الحقّ مع الشيعة في هذه المسائل وأمثالها التي يشنّع أعداؤهم بها عليهم، لكن غفل الذين يحاولون أن يعموا بصائر الآخرين ليبقوهم على التبعية والتقليد لهم، أن الغبار المتراكم على مرآة الحقيقة سيزول في يوم من الأيام، فتعود المرآة ناصعة براقة تعكس حقائق الأشياء في النفوس المستعدة والقلوب السليمة.
وهكذا وبالتدريج بدأت فكرة التشيع تتبلور في ذهني، حتى أعلنت تشيعي عام 1990م في العاصمة " كوناكري "، ويالها من لحظات حساسة غيرت مسيرة حياتي وهدتني سبيلاً لم يخطر على بالي من قبل.
وكان من حسن حظي أنني التقيت بعد استبصاري ببعض من سبقني في التشيع، وكان جملة منهم قد عاد لتوه إلى البلد من السفر الذي قضاه في إحدى الحوزات العلمية الشيعية، فقرّر هؤلاء تأسيس مدرسة شيعية باسم أهل البيت(عليهم السلام)، فكنت من أوائل الطلبة الذين التحقوا بها ".
(17) حافظ سيف الله حفيظ الله
(ديوبندي / الهند)
ولد حافظ سيف الله ببلدة " لُدهيانة " بولاية البنجاب عام 1925م في الهند(1)، ترعرع في أحضان عائلة علميّة عريقة، وكان والده من أتباع مسلك ديوبند(2) المعروف بالتعصب ضدّ الشيعة.
كان تشرّفه باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1952م في " باكستان ".
حضور أبناء العامة في المجالس الحسينية:
يقول الأخ حافظ: " جعلني والدي في المدارس العالية ـ بعد أن أكملت الدراسة الإبتدائية وحفظت القرآن الكريم ـ فوجدت أنّ الأجواء الدراسيّة هناك لا تلائمني، فشدّدت الرحال إلى باكستان كي أتم دراستي فيها.
ولقد ساعد التاريخ العلمي العريق لأسرتي، وقوّة استعدادي في الدروس
____________
1- الهند: تقع في شبه القارة الهندية وتطل على خليج البنغال وبحر العرب والمحيط الهندي، يبلغ عدد سكانها حوالي الميليار نسمة، أغلبهم من الهندوس مع 2% من المسيح ومثلهم من السيخ، أمّا المسلمون فيشكّلون نسبة تقارب 20% ينتمي معظمهم للمذهب الحنفي، أمّا الشيعة فيشكّلون نسبة 35% من المسلمين.
2- نمى هذا المسلك في أكبر مدارس الوهابيين في مدينة " سهار نبور " الهندية.
كان الملحوظ في أوساط الناس ـ بمختلف إنتماآتهم القوميّة والعقائديّة ـ في شبه القارة الهنديّة عند مباشرتي لعملي التبليغي، أنّهم يتفاعلون مع الشيعة في إحياء ذكرى عاشوراء! فامتعضت من حضور الحشود الضخمة في هذه المجالس، لا لأنّي أبغض الإمام الحسين(عليه السلام)، بل لنفوري من الشيعة وكراهتي لهم.
وممّا زاد في حنقي عليهم حضور أهل العامة ومشاركتهم في هذه المآتم! فكنت أعترض عليهم وأحاول إبعادهم عن ذلك، وأدخل معهم في نقاشات حادّة.
فسألوني مرّة، وقالوا: هل تحرّم محبّة أهل البيت؟! فقلت: لا ; فقالوا: إنّ سبب حضورنا هذه المجالس التي تنهانا عنها هو التعرّف على فضائلهم وسيرتهم ومواساتهم في ما جرى عليهم من مصائب وآلام ; فلم أحر جواباً!.
ومنذ ذلك الحين قرّرت تولّي هذا الأمر لملىء الفراغ الموجود في مجالسنا ـ أبناء العامة ـ من ناحية التعريف بأهل البيت(عليهم السلام) وذكر مصائبهم، فحملت على عاتقي مهمة ذكر مصيبة الحسين(عليه السلام) وقراءة مجلس التعزية في المسجد الذي كنت إماماً فيه، وغيّرت منهج خطب الجمعة، فبدأت أتكلّم عن مزايا أهل بيت النبوّة(عليهم السلام)، وفي أيام عاشوراء كنت أقرأ وقائع كربلاء!
فدفعني ذلك إلى الإكثار من مطالعاتي حول هذه المواضيع، فرأيت في أحداث الطفّ لأهل البيت(عليهم السلام) صبراً وإيثاراً وإيماناً لا نظير له! ".
أسباب خلود المجالس الحسينية:
في الحقيقة أنّ سبب خلود إقامة هذه المجالس في أوساط الشيعة، هو أنّ المُثل العليا والقيم السامية التي جسّدها أهل البيت(عليهم السلام) عموماً والإمام الحسين(عليه السلام)