كما أنّ إحياء المناسبات التي تمثل منعطفاً بارزاً وتحوّلاً نوعياً في حياة الأُمم أمر طبيعي ومتعارف بين الناس، لأنّه نابع من ذات الطبيعة البشرية وفطرتها، فيقوم به الناس من دون تكلّف، وذلك لأنّه يمثل تعبيراً عن أحاسيسهم وعواطفهم الجيّاشة.
وأيّ حادثة أعظم فداحة وأسى من يوم عاشوراء؟! حيث بقيت معلماً شاخصاً في التاريخ، لما فيها من مآسي وفجائع من جهة، ومواقف مشرّفة من جهة أخرى.
أسباب إقامة المجالس الحسينية:
إنّما يقيم الشيعة هذه المآتم وذلك تعبيراً عن حزنهم السرمدي لهذه الكارثة، التي أبقت جرحاً في قلب كلّ مؤمن لا يندمل إلاّ أن ينتقم الباري ويأخذ بهذا الثأر من الظلمة، كما أنّ هذه المجالس تعتبر تخليداً لهذه الذكرى وتأسّياً بأهل البيت(عليهم السلام)، فقد إحتضن الأئمة(عليهم السلام) هذه المجالس ورعوها بعناية فائقة وحثوا على إقامتها والمشاركة فيها.
فقد ذكر الأزدي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال للفضيل: " تجلسون وتحدّثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إنّ تلك المجالس احبّها، فأحيوا أمرنا، يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل، من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر "(1).
____________
1- أنظر: السرائر لابن أدريس الحلّي: 3 / 626، ثواب الأعمال للصدوق: 223، وسائل الشيعة للحر العاملي: 12 / 20 (15532).
ولذلك نجد لهذه المجالس حضوراً فعالا في كلّ زمان ومكان، وأثراً بالغاً في النفوس، فهي بالإضافة إلى عرض الجانب المأساوي تتميز بالبعد التربوي ورفع المستوى الفكري الذي يحدّد معالم شخصيّة الإنسان المسلم.
الفوائد المتوخاة في أحياء المجالس الحسينية:
إنّ المجالس الحسينيّة التي يعقدها الشيعة تعتبر إمتداداً لمنهجية مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) الزاخرة بالفوائد الكثيرة على الصعيدين الدنيوي والأُخروي، فإنّها:
1 ـ إمتثال لأمر الله تعالى، حيث أمر بمودّة العترة الطاهرة(عليهم السلام) بقوله عزّوجلّ: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(1)، فمواساة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في هذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة.
وقد روى عروة عن عائشة أنّها قالت: "... خرج ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إلى أصحابه ـ والتربة في يده ـ وفيهم عليّ وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمّار وأبو ذر وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟! فقال: أخبرني جبرئيل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أنّ فيها
____________
1- الشورى: 23.
فالحضور في هذه المآتم فيه ثواب المودّة وأجر المواساة للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وآله(عليهم السلام)وناهيك بها من فائدة.
2 ـ نصرة الحقّ والدعوة إليه، وخذلان الباطل وإماتته، وهي الفائدة التي من أجلها أوجب الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3 ـ ومن الفوائد المهمة الأخرى، الحثّ على وجوب معرفة الفضل والسمات السامية لأهلها، للإقتداء بهم، كما أنّ فيها إدانة للظلم والجور، وكشف قبح صورتهما، والحث على تجنّبهما والتباعد عنهما.
4 ـ إنّ عقد مثل هذه المجالس المأساوية هو حفظ لها من الضياع، وصيانة لمبادئها وآثارها وثمارها ونتائجها التي إستهدفها الإمام الحسين(عليه السلام) لإحياء الدين والحفاظ عليه من التزييف والتحريف، ولولا ذلك لاضمحلت هذه الواقعة وسلك المخالفون شتى السبل لإنكارها ـ كما أنكروا غيرها! ـ أو أنّهم كانوا يقلّلون من شأنها ومن فضاعة ما جرى فيها من تعدي وانتهاك لحرمة آل الرسول(عليهم السلام).
5 ـ رقة القلوب وبعث النفوس على الرأفة والرحمة، وفيها عزاء عن كلّ مصيبة، وسلوة عن كلّ رزيّة، لأنّ هذه الفضائع جرت على سادة الخلق وأكرم الناس عند الله تعالى! فما وزن وقيمة ما يجري على غيرهم من مصائب.
6 ـ غرس حبّ الفضيلة والإباء، والمقاومة في النفوس، وحث المؤمنين لاستهداف غايات سامية تشدّهم نحو الآخرة.
7 ـ إنّها مدرسة لجميع الفئات ومختلف الطبقات، إذ فيها يُعرض التفسير والتاريخ والأخلاق والفقه والشعر و...، فهي بمثابة مؤتمرات دينيّة ترفع المستوى
____________
1- أنظر: المعجم الكبير للطبراني: 3 / 107 (2814)، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 188.
8 ـ إنّها أفضل وأيسر وأنجح وسيلة إعلام لنشر الإسلام الأصيل، لأنّها تطرح بصورة حيّة، ولذلك كانت ومازالت أشدّ تأثيراً في النفوس.
9 ـ تعتبر هذه المجالس أماكن للوعظ والإرشاد، وحلقات لذكر الله تعالى وذكر أوليائه، فهي ترفع المستوى الديني وتصرف الناس عن تضييع أوقاتهم بما لا ينفعهم، وتجمعهم على الخير والصلاح، فهي بنّاءة للمجتمع وهدّامة للآفات التي قد تستشري فيه.
10 ـ إنّها مضان للبرّ والتواصل والتآزر، ففيها يتسنى للمجتمعين تقصّي أحوال بعضهم للبعض الآخر، من دون كلفة أو مشقة.
11 ـ إنّها خير ميدان لبروز الطاقات الكامنة وظهور الكفاءات القادرة على توظيف مواهبها لخدمة الدين الحنيف.
فمآتم سيّد الشهداء(عليه السلام) ومجالس ذكره فيض لا ينضب، لأنّها مدرسة متنوعة المناهج وواسعة البحث وسامية الهدف، وهي محكمة عادلة وسليمة تدين الباطل وأهله، وتُعضد الحقّ وأهله، وهي ميدان يؤوب فيه الإنسان إلى ربّه، فكم من ضال قد اهتدى ومنحرف قد استقام فيها، كما أنّ هذه المآتم توجب عزّ المسلمين لأنّها ترفع مستوى الإنسان في كافة الأصعدة الدينيّة والعلمية والثقافية، وتغرس الفضائل في النفس لتطفح في السلوك، وإضافة إلى ذلك أنّها ترسم أنجح السبل وأيسرها لنيل سعادة الدارين.
تأثير المجالس الحسينية على الجمهور:
لقد أدرك الكثير من العلماء فاعليّة هذه المجالس وسرعة تأثيرها في النفوس، فحرصوا على عزل جمهورهم ومنعهم من ارتيادها، وخافوا على افتقاد
وفي هذا الصدّد يقول الفيلسوف الألماني " ماربين "(1):
" كلّما إزدادت قوّة أتباع عليّ(عليه السلام) إزداد إعلانهم بذكر مصائب الحسين(عليه السلام)، وكلّما سعوا وراء هذا الأمر إزدادت قوتهم وترقيهم، وجعل العارفون بمقتضيات الوقت يغيّرون شكل مصائب الحسين قليلا قليلا، فجعلت تزداد كلّ يوم بسبب تحسينهم وتنميقهم لها حتى آل الأمر إلى أن صار لها اليوم مظهر عظيم في كلّ مكان يوجد فيه مسلمون، حتى أنّها سرت شيئاً فشيئاً بين الأقوام وأهل الملل الأخرى...
[ إنّ ] الحسّ السياسي والثوران والهيجان المذهبي الذي ظهر في هذه الفرقة من إقامة هذه المآتم لم ير مثلها في قوم من الأقوام. إنّ من يسبر غور الترقيات التي حصلت في مدة مائة سنة لأتباع عليّ(عليه السلام) في الهند، الذين اتخذوا إقامة هذه المآتم شعاراً لهم، يجزم بأنّهم متبعون أعظم وسيلة للترقي.
كان أتباع عليّ والحسين في جميع بلاد الهند يعدّون على الأصابع، واليوم هم في الدرجة الثالثة بين أهل الهند من حيث العدد...
إنّ هذا القسم من الدماغ السياسي والحسّ الثوري ـ الذي هو عدم الاستسلام للضيم والظلم، وهو عند حكماء السياسة أشرف شعار وأعظم سعادة وأفضل صفة ممدوحة لكل إنسان ـ قد ظهر في هؤلاء القوم بواسطة إقامتهم مآتم
____________
1- في رسالته المسماة (السياسة الإسلاميّة المبنيّة على فلسفة الاسلام) وتحت عنوان: الثورة الكبرى أو السياسة الحسينيّة.
وقد نشرت هذه الرسالة في صحيفة الحبل المتين الإيرانية (العدد 28 / السنة الثامنة / 7 محرم 1329 هـ ـ 1911 م). أنظر: كتاب (إقناع اللائم على إقامة المآتم) لمحمد حسين الأمين: 329 ـ 347.
ويضيف ماربين بعد أن حضر عدداً من مجالس العزاء في إسلامبول مع مترجم خاص: "... إنّهم في الحقيقة يعلّم بعضهم بعضاً علناً... هذه هي نكتة التمدّن الحقيقي للأمم اليوم، هذا هو تعليم معرفة الحقوق، هذا هو معنى تدريس أصول السياسة...
وليس لواحدة من الروابط الروحانية التي بين المسلمين اليوم تأثيراً في نفوسهم كتأثير إقامة مأتم الحسين(عليه السلام)، فإذا دام انتشار وتعميم إقامة هذه المآتم بين المسلمين مدة قرنين، لابدّ أن تظهر فيهم حياة سياسيّة جديدة... "(1).
وهذه حقيقة لا تنكر، ولذلك سجّل المؤرخ الفرنسي " جوزيف " في كتابه (الإسلام والمسلمين) شهادة مماثلة لا تقلّ من حيث الأهميّة التاريخيّة والتحليلة والواقعيّة عن شهادة الفيلسوف " ماربين "، حيث قال:
" لا يمضي قرن أو قرنان حتى يزيد عددها [ أي الشيعة ] على عدد سائر فرق المسلمين، والعلّة في ذلك: هي إقامة هذه المآتم التي جعلت كلّ فرد من أفرادها داعية إلى مذهبه.
اليوم لا توجد نقطة من نقاط العالم يكون فيها شخصان من الشيعة إلاّ ويقيمان فيها المآتم، ويبذلان المال والطعام... ويمكن القول: بأن جميع فرق المسلمين منضمة بعضها إلى بعض لا تبذل في سبيل مذهبها ما تبذله هذه الطائفةوموقوفات هذه الفرقة هي ضعف أوقاف سائر المسلمين أو ثلاثة أضعافها.
كلّ واحد من هذه الفرقة بلا استثناء سائر في طريق الدعوة إلى مذهبه وهذه النكتة مستورة عن جميع المسلمين ـ حتى الشيعة أنفسهم ـ فإنّهم لا يتصورون
____________
1- أنظر: كتاب (إقناع اللائم على إقامة المآتم) لمحمد حسين الأمين: 345 ـ 347.
وبسبب هذه المشاق التي اختارتها هذه الجماعة في هذا الفنّ تفوقت خطباء هذه الفرقة على جميع الطوائف الإسلاميّة، وحيث أنّ تكرار المطلب الواحد يورث اشمئزاز القلوب وعدم التأثير، فهؤلاء الجماعة يتحمّلون المشاق فيذكرون جميع المسائل الإسلاميّة العائدة لمذهبهم في هذه الطريقة على المنابر، حتى آل الأمر إلى أن أصبح الأميّون من الشيعة أعرف في مسائل مذهبهم ممن يقرأون ويفهمون من الفرق الإسلاميّة الأخرى من كثرة ما سمعوا من عرفائهم.
اليوم إذا نظرنا في كلّ نقطة من نقاط العالم من حيث العدد والنفوس، نرى أنّ أليق المسلمين بالمعرفة والعلم والحرفة والثروة هي فرقة الشيعة!
دعوة هذه الفرقة غير محصورة في أهل مذهبهم أو في سائر الفرق الإسلامية، بل أي قوم وضع أفراد هذه الطائفة أقدامهم بينهم يسري في قلوب أهل تلك الملّة هذا الأثر...
وقفت هذه الفرقة على مقتضيات العصر أكثر من سائر الفرق الاسلاميّة...
وعلاوة على ذلك، أنّهم بواسطة الأعمال يحتاج الناس إليهم، ومحبّتهم ومعاشرتهم لسائر الفرق موجبة لاختلاط الآخرين معهم عند مشاركتهم لهم في مجالسهم ومحافلهم، وحينما يصغي المباشرون لهم إلى سماع أصول مذهبهم
بداية التحول:
يقول حافظ سيف الله: " عندما كثرت خطاباتي ومحاضراتي حول أهل البيت(عليهم السلام) ولا سيما الإمام الحسين(عليه السلام)، بدأ أهل العامة يشيرون إليّ بأصابع الإتهام، فرموني بالتشيّع! مع أنني كنت منهم ومعهم في كلّ المعتقدات، لكني كنت أنقل الأحاديث الواردة في فضل أهل البيت(عليهم السلام) ـ وفق قناعاتي الحاصلة من كتب علماء العامة ـ كي لا يحضر أهل مذهبي في مجالس الشيعة ولا يشاركوهم في مثل هذه الاجتماعات ".
نتائج محبّة أهل البيت(عليهم السلام):
ويضيف الأستاذ حافظ: " في عام 1949م دعيت إلى بلدة " نوشهره وركان " لتولي مهام الإمامة في جامعها المحلي، وكانت هذه المدينة أحّد مراكز الوهابيين، وكانوا قد سمعوا من قبل أنّني أقرأ مجالس التعزية وأقيم المآتم على النمط الشيعي.
فبدأت أمارس عملي التبليغي بالإضافة إلى التدريس وإقامة الجمعة والجماعة، ولكن أسلوبي الخاص في تعريف أهل البيت (عليهم السلام) سبب نشوء حساسية بيني وبين الوهابية، وأدّى ذلك إلى وقوع مناظرات ونقاشات عديدة فيما بيننا، وفي أحدى المناظرات اشتد الحوار حتى انحصر في واقعة كربلاء وما جرى فيها
____________
1- أنظر: كتاب (إقناع اللائم على إقامة المآتم) لمحمد حسين الأمين: 351 ـ 356.
فقلت لهم: من نصبّ يزيد للخلافة؟
قالوا: معاوية.
قلت: من الذي جعل معاوية والياً على الشام؟ فسكتوا!
فقلت لهم: إنّ ما وقع في كربلاء هو نتيجة عدم وقوع الخلافة بيد أهلها، وأنّ العترة هم أولى بالأمر من غيرهم، ولو كانت الخلافة بأيديهم ماكانت الساحة الإسلامية تشهد هذه الفتن والانحرافات، فدار الحوار حول السقيفة وماجرى فيها وبعدها من احتجاجات بين الإمام عليّ(عليه السلام) وبين أبي بكر وعمر ومن والاهم.
فأخذت أسرد فضائله(عليه السلام) ومناقبه التي امتاز بها عن غيره، وكنت أرويها لهم من كتبهم لا من كتب الشيعة، فلم يقتنعوا بكلامي، بل زاد غضبهم عليَّ!.
جلاء الحقّ ووضوحه:
وبعد تلك المناظرة الحادّة دعيت إلى بلدة " سركودها " الباكستانيّة لألقي محاضرة دينيّة، وكانت المحاضرة التي ألقيتها على الحاضرين متعلّقة بألقاب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، فرويت أحاديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) المتعلّقة بكلّ لقب من هذه الألقاب، وكانت مصادر أهل العامّة بمعيتي أستشهد بها أثناء ذلك.
وهكذا كان دأبي في بقيّة المحاضرات حتى وجدت نفسي أمام حقائق لايسعني إنكارها، وعرفت أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) هو أوّل القوم إسلاماً، وأغزرهم علماً، وأكثرهم جهاداً، لا يسبق في رحم ولا يلحق في إيمان... وأنّ أهل البيت(عليهم السلام) هم الذين طهّرهم الله تعالى وأذهب عنهم الرجس، واصطفاهم للخلافة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد جاء ذلك في أحاديث ومواقف عديدة له (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعلمت أنّ هنالك أسباباً انتهزها البعض فأزاح العترة(عليهم السلام) عن مواقعها،
وبهذا كانت إقامة المآتم على الحسين(عليه السلام) شعلة الهداية التي أنارت لي الطريق الحقيقي الموصل إلى رضوان الله تعالى.
وببركة الحسين(عليه السلام) أعلنت تشيعي في الجامع الذي كنت أؤم المصلين فيه في مدينة " نوشهره وركان " عام 1952م، وقدّمت استقالتي وتركت جميع المهام الموكلة إليّ من قبل أهل العامة ".
(18) حافظ محمّد سعيد
(مالكي / نيجيريا)
ولد عام 1972م بمدينة " كانو " في نيجيريا(1)، درس في المدرسة الدينيّة لأبناء العامة على المذهب المالكي.
اعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1990م في مسقط رأسه على اثر مطارحات عقائديّة وتاريخيّة ودراسة متأنية لمذهب الشيعة الإماميّة.
التعرّف على الشيعة:
يقول الأخ حافظ: " لم نكن نعرف الكثير عن الشيعة والتشيّع في بلدنا بالرغم من أنّه يعج بالعديد من الطوائف والفرق الإسلاميّة، والأمر الذي جعلنا نلتفت إلى هذه الطائفة، هو قيام الثورة الإسلامة في " إيران " ـ بجهود وسعي علماء الشيعة ـ فتوجهت الأنظار نحو هذا البلد، وأخذ الناس يتحدّثون عن الشيعة وعن تاريخ نشأتهم ودورهم في مسار الأمة الإسلاميّة، ولكن بشكل ضبابي وغير دقيق، ومن ذلك الحين بدأ التشيّع يتّسع في الساحة الافريقية عموماً وفي
____________
1- نيجيريا: أنظر ترجمة رقم (7).
فأخذتُ أتردّد على بعض أماكن الشيعة اللبنانيين، إذ كانت لهم مراسيم إضافة إلى صلاة الجماعة والمحاضرات التوجيهيّة، متمثّلة بالدعاء ـ وهو مانفقده ـ فكنت أحضر معهم في ليالي الجمع لقراءة دعاء كميل، فوجدته دعاء عالي المضامين، يتجلّى فيه التوحيد الخالص، ويحصل فيه للمؤمن الانقطاع التام إلى الله، والتوكّل الحقيقي عليه، والتعلّق العجيب به سبحانه، فراق لي الأمر فأكثرت من التردّد عليهم، حتى نشأت علاقة طيبة بيني وبينهم، فأهدوني بعض الكتب الشيعيّة.
مشكلة الفراغ العقائدي:
وبالرغم من انتمائي لإحدى المدارس الدينيّة وجدت نفسي غير قادر على استيعاب محتويات هذه الكتب ـ رغم بساطة طرحها ـ لأنّنا في الحقيقة لم ندرس سوى الفقه، ولم يكن لنا إلمام بالعقائد أو التاريخ أو...
فازدحمت في ذهني الأسئلة والاستفسارات، وقلت في نفسي: أين نحن من هذا التراث الضخم لهذه الطائفة؟! ثمّ لماذا نحن مبعدون عما في بعض كتبنا؟! ولم يكن أمامي سوى الشيعة لأسألهم عمّا في هذه الكتب.
ولحسن الحظّ كانت علاقتي بأحّد الأخوة اللبنانيين وطيدة، وكنت معجباً به لسعة ثقافته وحسن أخلاقه، فطلبت منه العون فيما كان غامضاً عليَّ، وبدأت أبحث معه في الأمور الخلافية بين الفريقين والتي يقرّ بها أبناء العامة أنفسهم.
وقد كانت كتب الفخر الرازي والسيوطي لا سيّما تفسيره الدرّ المنثور، وينابيع المودّة للقندوزي الحنفي، والإمامة والسياسة لابن قتيبة و... فضلا عن
أضواء على غدير خم:
يضيف الأخ حافظ: " وبمرور الزمان تجلّت لي الحقائق لا سيما عند خوضنا لقضيّة الغدير، وكيف أنّ الصحابة وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وكذا نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد هنّؤوا الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين! ".
فقضيّة غدير خم من الأمور المسلّمة والمتواترة عند عامة المسلمين، ومفادها: أنّ الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قضى مناسك الحجّ في العام العاشر من الهجرة وانصرف راجعاً إلى المدينة تصحبه الجموع ـ المكوّنة من عشرات الألوف ـ وعامة المهاجرين والأنصار ونساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)، وصل إلى غدير ماء في الجحفة يقال له خم، فأمر المسلمين بحطّ رحالهم والإقامة حتى نودي بالصلاة جامعة ـ صلاة الظهر ـ وكان ذلك في الثامن عشر من ذي الحجّة، حيث الحرّ شديد حتّى أنّ الرجل يضع بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه، وما إن إنتهى (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلاة قام خطيباً على منبر صنع من حدوج الإبل، رافعاً صوته... إلى أنّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ورفعها ـ فرؤي بياض ابطيهما ـ وقد عرفه الحاضرون بأجمعهم، فقال: "... إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، ثمّ قال: اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره وأخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.
ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزل الأمين جبريل بقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)(1)، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): الله أكبر على إكمال
____________
1- المائدة: 3.
رواة حديث الغدير:
إنّ هذه الحادثة يرويها جمع من الصحابة: كأبي هريرة الدوسي، واُبي بن كعب الأنصاري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي ذر الغفاري، وحسان بن ثابت، وخالد بن الوليد، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقّاص وغيرهم كثير(1).
وروته زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عائشة وأمّ سلمة.
ومن التابعين (84) شخصاً، منهم: الزهري المدني، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي، وغيرهم(2).
ومن الرواة العلماء والحفّاظ (360) عالماً من علماء القرون المختلفة، كأبي عبد الرحيم خالد بن يزيد الجمحي المصري، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التميمي، والحافظ سفيان بن سعيد الثوري، وإمام الشافعيّة أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي، وإمام الحنابلة أبو عبد الله أحمد بن حنبل، وعبد الله ابن مسلم بن قتيبة الدينوري وغيرهم(3).
وفوق هذا وذاك فإنّ من رواة حديث الغدير الشيخان نفسهما(4)!!
____________
1- لقد أحصى العلاّمة الأميني في كتابه (110) صحابي رووا هذا الحديث، أنظر: الغدير: 1 / 41 ـ 144.
2- أنظر: الغدير للأميني: 1 / 145 ـ 165.
3- أنظر: الغدير للأميني: 1 / 167 ـ 311.
4- أنظر: كتاب الولاية لابن عقدة: ح 1، رسالة طرق حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه للحافظ الذهبي، أسنى المطالب للجزري: 48، مناقب عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)لابن المغازلي: 27 (39).
وورد في (مودة القربى) لشهاب الدين الهمداني ـ الذي يقول في حقّة القندوزي الحنفي: "... الولي الكامل وصاحب الكشف والكرامات، زبدة السادات، وقدوة العارفين، مولانا ومقتدانا مير سيّد عليّ بن شهاب الهمداني قدّس الله أسراره ووهب لنا بركاته وأنواره "(2) ـ عن عمر بن الخطّاب، قال: "نصب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً علماً، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وأخذل من خذله وأنصر من نصره، اللهمّ أنت شهيدي عليهم.
قال عمر: يا رسول الله! وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيّب الريح، قال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله عقداً لا يحلّه إلاّ منافق! فأخذ رسول الله بيدي فقال: يا عمر انّه ليس من ولد آدم، لكنّه جبرائيل أراد أن يؤكّد عليكم ما قلته في عليّ "(3).
هذا بالاضافة إلى مصادر أخرى ذكرت رواية عمر لحديث الغدير(4).
تهنئة الشيخين للإمام عليّ(عليه السلام) في غدير خمّ:
قد ذكر أئمة الحديث والتفسير والتاريخ من أبناء العامة تهنئة الشيخين
____________
1- مناقب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): 22 (31).
2- أنظر: ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: 2 / 255.
3- مودّة القربى للهمداني: المودّة الخامسة.
4- أنظر الرياض النضرة للطبري: 2 / 109 (339)، مسند أحمد بن حنبل: 4 / 281، ذخائر العقبى للطبري: 67، مقتل الحسين (عليه السلام)للخوارزمي: 1 / 48، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 152.
فقد أخرج ابن جرير الطبري في كتاب (الولاية) حديثاً بإسناده عن زيد ابن أرقم، في آخره أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " معاشر النّاس قولوا: أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا، وميثاقاً بألسنتنا، وصفقة بأيدينا، نؤديه إلى أولادنا وأهالينا لانبغي بذلك بدلا، وأنت شهيد علينا، وكفى بالله شهيداً.
قولوا: ما قلت لكم، وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ)(1)، فانّ الله يعلم كلّ صوت وخائنة كلّ نفس (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(2)، قولوا ما يرضي الله عنكم فـ (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ)(3).
قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا، على أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أوّل من صافق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّاً: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزّبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي النّاس إلى أن صلّى الظهرين في وقت واحد، وامتدّ ذلك إلى أن صلّى العشاءين في وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً "(4).
وقال المؤرّخ ابن خاوند شاه في (روضة الصفا) ما ترجمته: " ثمّ جلس
____________
1- الأعراف: 43.
2- الفتح: 10.
3- الزمر: 7.
4- أنظر: الغدير للأميني: 1 / 508، نقلاً عن كتاب الولاية لابن جرير الطبري، وهذا الكتاب ذكره ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب، وكذا ابن كثير في البداية والنهاية، ونقل عنه الذهبي الكثير من الروايات في رسالته (طرق حديث من كنت مولاه).
ولمّا فرغ الناس عن التهنئة له أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمّهات المؤمنين بأن يسرن إليه ويهنّئنه ففعلن، وممّن هنّأه من الصحابة عمر بن الخطّاب، فقال: هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى جميع المؤمنين والمؤمنات "(1).
كما نقل تهنئة الشيخين الرواة من أئمّة الحديث والتفسير والتاريخ من أهل العامة، بين راو ومرسل له إرسال المسلمات، وبين راو إياه بمسانيد صحاح برجال ثقات تنتهي إلى غير واحد من الصحابة، ومنهم:
1 ـ الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة.
2 ـ إمام الحنابلة أحمد بن حنبل.
3 ـ الحافظ محمّد بن جرير الطبري.
4 ـ الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي.
5 ـ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.
6 ـ نور الدين بن الصبّاغ المالكي.
7 ـ جلال الدين السيوطي.
هذا بالاضافة إلى عشرات الأساطين من أصحاب المصنفات(2).
الاهتداء إلى المحجّة البيضاء:
ومن هذا المنطلق يقول الأخ حافظ: " كان لإحاطتي بواقعة الغدير دور كبير لمعرفة الحقائق المرتبطة بالتاريخ الإسلامي، والمسار الذي سار عليه
____________
1- تاريخ روضة الصفا: 2 / 541، وأنظر: الغدير للأميني: 1 / 509.
2- أنظر: الغدير للأميني: 1 / 510 ـ 527.
ويضيف: " فلم تجعل لي حادثة الغدير ـ التي أقرّ بها أبناء العامة أنفسهم ـ أيّ عذر، بل قطعت عليَّ الطريق، وأوجبت عليَّ اتّباع نهج الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) ونهج الأئمة الهداة من بنيه(عليهم السلام)، فسلكته وأنا على بيّنة من أمري والحمد لله ربّ العالمين، وكان ذلك في عام 1995م في مدينة " كانو " النيجيرية ".
(19) حسـين سـورابي
(مالكي / بوركينافاسو)
ولد عام 1974م في بوركينافاسو(1)، ترعرع في أُسرة تعتنق المذهب المالكي، وقضى مدّة ثمان سنوات في الدراسة الدينية لهذا المذهب، ثم أصبح مدرساً في مجال العقائد والعلوم القرآنية والفقه.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)عام 1994م في مدينة " باسام " بساحل العاج، على اثر مجموعة أبحاث ودراسات أجراها بغية الوصول إلى العقيدة الصحيحة.
اجتياز الحواجر للوصول إلى الحقّ:
من الواضح أنّ الخطوة الأولى التي ترشد الباحث للحقيقة، هي التخلّي عن التعصّب للأفكار والعقائد التي يقدّسها، والالتجاء إلى البحث بروح موضوعية ونفس مجردة عن الموروثات العقائدية التي تحيط بالمرء منذ ولادته وتترسّخ في
____________
1- بوركينافاسو: تقع غرب افريقيا تحيط بها دولة مالي وغانا وساحل العاج والنيجر وبنين وتوغو، يبلغ عدد سكانها حوالي (12) مليون نسمة، يشكّل المسلمون أكثر من 75% منهم أمّا الباقي فمن المسيحيين والوثنيين، وأكثرية المسلمين على المذهب المالكي، أمّا الشيعة فيبلغ عددهم قرابة (150) ألف شخص.
وما لم يتجرّد الباحث عن موروثاته العقائدية، لا تتفتح بصيرته ولا تتجلى له الحقائق بوضوح.
أثر البحث الموضوعي المتماسك:
يقول الأخ حسين: " من هذا المنطلق بدأت أبحث لأشيّد معتقداتي بعيداً عن مناقشة الموضوعات على أساس الأفكار الشائعة والأجواء السطحية التي لاتلامس الأعماق، فتوجهت للبحث بأسلوب عقلاني لأناقش الأفكار على أساس المصادر الأصلية والمبنية على الحجة والبرهان.
ومن هنا أغنيت تجربتي الفكرية في قضايا الصراع، واتّبعت الاسلوب العلمي الرصين لأصل إلى النتائج المطلوبة، وكان أوّل موضوع قد تناولته في بحثي يتعلّق بالخلفاء، فسلكت المنهج العلمي وهو المنهج الذي يعتمد على مجموعة إجراءات يتخذها الباحث بترتيب معيّن ليبلغ هدفه، وكان هدفي من ذلك الوصول إلى حقيقة أمر الخلفاء ".
الخلفاء في الميزان:
إنّ أوّل ما يلفت انتباه الباحث عند دراسته لتاريخ صدر الإسلام هو مخالفة الخلفاء ـ لا سيما الأوّل والثاني ـ لكتاب الله وسنة نبيه!.
وأبرز دليل على ذلك هو قول الإمام عليّ(عليه السلام) في الشورى التي افتعلها عمر ابن الخطاب لتعيين الخليفة من بعده، إذ ورد أنّ عبد الرحمن بن عوف توجّه إلى الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في ذلك الاجتماع قائلاً: " لنا الله عليك، إن وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر "، فرفض
وهذا إن دلّ على شي فهو يدلّ على مخالفة أبي بكر وعمر لكتاب الله وسنة نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، والتاريخ يكشف بوضوح لمن يتتبعه ويمعن النظر فيه برؤية موضوعيّة، أنّ أبابكر وعمر قد إرتكبا الكثير من الاجتهادات في مقابل النصّ وخالفا الكتاب والسنّة.
مخالفات أبي بكر للقرآن والسنّة:
1 ـ منع الزهراء(عليها السلام) إرثها:
من أوضح مخالفات أبي بكر للنصّ القرآني في خصوص الإرث منعه فاطمة الزهراء(عليها السلام) بنت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من الميراث، وقد نسب أبو بكر حديثاً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تفرّد بنقله فزعم أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة "(2).
وقد احتجّت الزهراء(عليها السلام) عليه بقولها: " يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فريا(3) أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)(4)، وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريّا(عليهما السلام) إذ قال: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ
____________
1- أنظر: مجمع الزوائد للهيثمي: 3 / 133، البداية والنهاية لابن كثير: 7 / 106، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 304، تاريخ الطبري: 4 / 238، السقيفة لأبي بكر البغدادي: 85.
2- هذا الحديث منقول عن أبي بكر فقط، وقد إدّعى سماعه من الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد تكلّم به في وقت منازعته لفاطمة (عليها السلام).
3- أي أمراً منكراً قبيحاً والمقطع اقتباس من سورة مريم آيه 27.
4- النمل: 16.
ثم قالت: أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، والموعد القيامة وعند الساعة ما تخسرون ولا ينفعكم إذ تندمون...
ثم رمت بطرفها نحو الأنصار وقالت: يا معشر الفتية وأعضاد الملّة وأنصار الإسلام ما هذه الغميزة(2) في حقّي، والسنِّة عن ظلامتي؟... "(3).
وبذلك خالف أبو بكر سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأغضبهُ لأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني "(4).
2 ـ منع تدوين الحديث:
ومن مخالفات أبي بكر وعمر لسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) منعهم لتدوين سنّته(صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ بها نبذوا سنّة نبيّهم وراء ظهورهم فكانت عندهم نسياً منسيا، أضف إلى إحراق أبو بكر أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) التي جمعت في عهده(5)، لئلا تنتشر عند الصحابة وغيرهم من المسلمين الذين كانوا يتلهّفون لمعرفة سنّة نبيّهم (صلى الله عليه وآله وسلم)! وتابعه عمر متوخياً نفس السياسة باسلوبه المعروف بالشدّة والغلظة، فهدّد وتوّعد
____________
1- مريم: 5 ـ 6.
2- الغمز: أي الضعف.
3- أنظر: شرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 210، نقلاً عن أبي بكر أحمد الجوهري، بحار الأنوار للمجلسي: 29 / 227، كشف الغمّة للأربلي: 2 / 104.
4- أنظر: صحيح البخاري كتاب المناقب: 3 / 1361 (3510) (3556)، المعجم الكبير للطبراني: 22 / 405 (1013)، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 755 (1324).
5- أنظر: تذكرة الحفّاظ للذهبي، عن الحاكم: 1 / 5، الرياض النضرة للطبري: 2 / 144 (612)، سير أعلام النبلاء للذهبي: 2 / 601 ـ 602، وأنظر: حجّية السنّة لعبد الغني عبد الخالق: 394.