الصفحة 370
قيد أربع أصابع، وأنّ له أطيطاً كأطيط الرحل إذا رُكب "، وزاد ابن خزيمة: " من ثقله "(1).

منشأ التجسيم والرؤية في التراث الإسلامي:

في الحقيقة إنّ ما نراه في كتب الحديث ـ قديماً وحديثاً ـ من الأخبار الكثيرة حول التجسيم والتشبيه والرؤية و...، هي من الإسرائيليات وأفكار النصارى التي دخلت إلى التراث الإسلامي فأصبحت بعد ذلك حقائق يذعن بها المسلمون.

والجدير بالذكر إنّ أهم عامل من العوامل التي فسحت المجال للأحبار والرهبان لبث هذه العقائد المشوهة ونشرها بين أوساط المسلمين، هو نهي عمر ابن الخطاب عن تدوين سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ونشرها ونقلها قرابة قرن من الزمان!، مما أوجد أرضية مناسبة لظهور بدع اليهود والنصارى بين المسلمين، الذين طرحوا العقل جانباً في أدق وأخطر القضايا الاعتقادية، والتجأوا إلى روايات موضوعة أو مدسوسة، فجعلوها حاكمة حتى على القرآن الكريم!.

كما تمسكوا بأخبار ـ مختلف في أمرها عند بعضهم ـ تجوّز رؤية الله تعالى، فقال إمام الحرمين: " روى حديث الرؤية عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قريب من ثلاثين رجلا من كبار الصحابة والطرق إليهم صحيحة، قال: وأقوى متمسك لأصحابنا في جواز رؤية الله تعالى اختلاف الصحابة في أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) هل رأى ربّه ليلة المعراج؟ واختلافهم في الوقوع دليل على اتفاقهم على الجواز، فإنّ ما يستحيل

____________

1- أنظر: كتاب العظمة للإصبهاني: 79 (195)، تاريخ بغداد للخطيب: 1 / 295 (159)، عون المعبود لمحمد شمس الحق: 13 / 24، السنة لابن أبي عاصم: 1 / 252.


الصفحة 371
كونه لا يتصوّر الاختلاف في وقوعه "(1).

وهذه المقالة مردودة من خلال النظر إلى المحاورة التي دارت بين الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) والمحدث أبي قرّة.

محاورة الإمام الرضا(عليه السلام) وأبي قرّة حول الرؤية:

" قال أبو قرّة: فإنّا روينا: أنّ الله قسّم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسّم لموسى(عليه السلام) الكلام، ولمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) الرؤية!.

فقال أبو الحسن(عليه السلام): فمن المبلّغ عن الله إلى الثقلين الجنّ والإنس أنّه لا تدركه الأبصار،ولايحيطون به علماً، وليس كمثله شيء، أليس محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال: بلى.

قال أبو الحسن(عليه السلام): فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله، وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول: أنّه لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء، ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علماً، وهو على صورة البشر، أما تستحيون!!!

أما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا، أن يكون أتى عن الله بأمر ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر!

فقال أبو قرّة: إنّه يقول: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)(2).

فقال أبو الحسن(عليه السلام): إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى، حيث قال: (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(3)، يقول: ماكذب فؤاد محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ما رأت عيناه، ثمّ

____________

1- أنظر: ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة الشافعي: 99 ـ 100.

2- النجم: 13.

3- النجم: 11.


الصفحة 372
أخبر بما رأت عيناه، فقال: (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(1)، فآيات الله غير الله، وقال: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(2)، فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة.

فقال أبو قرّة: فتكذب بالرواية؟

فقال أبو الحسن(عليه السلام): إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذّبتها، وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شئ "(3).

مناقشة الأشعري في مسألة الرؤية:

قد حكم أبناء العامة ـ مع شديد الأسف ـ بالضلال والزندقة على من يخالف الرؤية والتجسيم! وساقوا لذلك أدلّة عقلية ـ حسب زعمهم ـ تؤكد رأيهم، كقول الأشعري: " ومما يدلّ على رؤية الله سبحانه بالأبصار: أنّ الله عزّوجلّ يرى الأشياء، وإذا كان للأشياء رائياً فلا يرى الأشياء إلاّ من لا يرى نفسه "(4).

والوهم الذي وقع فيه الأشعري هو أنّه أجرى على الله تعالى ما يجري على الإنسان، فحتّم الرؤية عليه سبحانه! لأنّه قدّر حصول المقابلة بين العين والمرئي أو حكم المقابلة ـ كما في رؤية الصور بالمرآة ـ وهذا أمر تحكم به الضرورة، فإذا كانت ماهية الرؤية هكذا فلا يمكن تحققها فيما إذا تنزّه الشيء عن المقابلة أو الحلول في المقابل.

ومن الواضح أنّ الله تعالى ليس بجسم حتى تتحقّق فيه المقابلة!

____________

1- النجم: 18.

2- طه: 110.

3- أنظر: الاحتجاج للطبرسي: 2 / 375 ـ 376.

4- أنظر: الإبانة لابن الحسن الأشعري: 26.


الصفحة 373
وقال الأشعري أيضاً: " ومما يدل على رؤية الله عزّوجلّ بالأبصار: أنّه ليس موجود إلاّ وجائز أن يريناه الله عزّوجلّ، وإنّما لا يجوز أن يرى المعدوم، فلمّا كان الله عزّوجلّ موجوداً مثبتاً، كان غير مستحيل أن يرينا نفسه عزّوجلّ "(1).

وهذا الاستدلال أوضح في البطلان من سابقه! لأنّ هناك أموراً موجودة ومثبتة في نفس الإنسان ولا يراها الإنسان، كالألم والوجع، وهي غير معدومة حال حصولها، فهل سمعنا بأحد رأى ألماً أو شاهد وجعاً؟! بل يحس بهما ويدركهما من خلال ذلك.

فالله تعالى تدركه القلوب بحقائق الإيمان كما ورد عن الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) عندما سأله ذعلب اليماني قائلاً:

" هل رأيت ربك يا أميرالمؤمنين؟

فقال(عليه السلام): أفأعبد ما لا أرى!.

فقال: وكيف تراه؟

فقال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد عنها، غير مباين "(2).

تمحّلات أبناء العامة في تجويز الرؤية:

حاول قسم من مفكري العامة الخروج من هذا المأز ق الحقيقي الذي دخلوا فيه، فأجروا محاولات يائسة توفق بين تجويز الرؤية وبين تنزيه الله سبحانه وتعالى!

____________

1- المصدر نفسه.

2- أنظر: نهج البلاغة: خطبة 174.


الصفحة 374
فطرح الأشاعرة مبدأ (الرؤية بلا كيف) الذي يعني: أنّ المؤمنين يرون الله تعالى في الآخرة بلا كيف!، وقولهم هذا أشبه برسم نخلة بلا جذع وسعف!.

ثم أدرك متأخروا العامة مهزلة (البلكفة) لأنّ الرؤية لا تنفك بأي حال من الأحوال عن الجهة والمقابلة، فلجأ هؤلاء المتأخّرون إلى القول: بأنّ كلّ شئ في الآخرة يختلف عمّا في الدنيا، وعلى هذا تتحقق الرؤية للمؤمنين في الآخرة.

وهذا الكلام مجرد تمحّل لا أكثر! لأنّهم إن أرادوا من الاختلاف عمّا في الدنيا بمعنى التكامل، فهذا أمر مفروغ منه، إذ يقول تعالى: (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَة رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً)(1)، وإن أرادوا بأنّ القضايا العقلية البديهيّة تتبدل في الآخرة ـ كالواحد نصف الاثنين ـ فهذا يوجب انهيار النظم وزوال الأساليب العقلية التي يعتمد عليها المتشرعة أنفسهم.

والعجيب! أنّ جملة من خريجي الجامعات الإسلامية الحديثة تبنوا إثبات الجهة لله سبحانه، ومنهم الدكتور أحمد بن محمّد خريج جامعة أمّ القرى السعودية، حيث يقول:

"إنّ إثبات رؤية حقيقية بالعيان من غير مقابلة أو جهة، مكابرة عقلية، لأنّ الجهة من لوازم الرؤية، وإثبات اللزوم ونفي اللازم مغالطة ظاهرة "(2).

ولنا أن نسأل الدكتور: لو تحققت الرؤية، فهل يرى جزءه أو كلّه؟

فإن قلت: جزئه، فهذا يعني أنّ ذاته مركبة، أي محتاج إلى أجزائه، وتعالى الله عن الاحتياج.

وإن قلت: تقع الرؤية على كلّه، فهذا يعني أنّ ذاته محاطة لا محيطة! وهذا لايقول به مسلم.

____________

1- البقرة: 25.

2- أنظر: رؤية الله تعالى لأحمد بن ناصر: نشر معهد البحوث العلمية في مكة المكرمة: 61.


الصفحة 375

تنزيه الباري عزّوجلّ لنفسه:

إنّ المتأمّل في آيات الذكر الحكيم يجد مدى التنزيه الذي يصف به الله عزّوجلّ نفسه، كما يرى من هذه الآيات الكريمة:

1 ـ قوله تعالى: (فاطِرُ السَّماواتِ وَاْلأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ اْلأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(1).

2 ـ قوله تعالى: (لا تُدْرِكُهُ اْلأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ اْلأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(2).

3 ـ قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(3).

4 ـ قوله تعالى: ( يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ...)(4).

5 ـ قوله تعالى: (وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي... )(5).

فالمتدبّر في هذه الآيات يتبيّن له أنّ الله سبحانه فوق أن يحيطه خيال أو وهم الإنسان، وإنّ ما ورد من الروايات التي تتعارض ـ شكلا ومضموناً ـ مع القرآن الكريم، لا يعبأ بها وليس لها وزن، فهذه الروايات الموضوعة والمقتبسة

____________

1- الشورى: 11.

2- الأنعام: 103.

3- البقرة: 55.

4- النساء: 153.

5- الأعراف: 143.


الصفحة 376
من عقائد اليهود والنصارى تعقّد الشريعة الاسلامية، وتجعلها مرموزة ومليئة بالألغاز!.

معرفة الحقّ بين ركام الباطل:

يقول الأخ عبد الجليل: " استطعت من خلال معرفتي لعقائد الإمامية أن أفتح الطلاسم التي كانت تعج بها الكتب العقائدية لأبناء العامة في مجال التوحيد، فرأيت الشيعة ينزهون الله جلّ وعلا بأبهى صور التنزيه، وعرفت أنّ السبب في ذلك هو أنّ أئمتهم حاولوا صيانة المفاهيم الإسلامية من التلاعب والتحريف، ولم يفسحوا المجال للأفكار الدخيلة أن تترك أثرها في تراثهم، كما أنّ أئمتهم حاولوا أن يبيّنوا المسائل التوحيديّة للمسلمين بكلمات وعبارات واضحة لا يكتنفها الغموض(1).

ومن هنا استنارت بصيرتي بخصوص مسائل التوحيد، فطرحت عقائد المجسمة والحشوية جانباً، وبدأت أعتقد بعقائد أهل التنزيه والتقديس، وبدأت بعد ذلك بمطالعة كتب الإماميّة، فتبيّن لي أنّهم أطول باعاً وأرسخ قدماً، بل وأعرق نشأة من غيرهم، وأنّ تفاسيرهم وفقههم وحديثهم و... سمتها وقوامها التمسك بكتاب الله وسنّة نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم).

فحسمت الأمر بعد ذلك، حتى سلكت طريق الهدى، وأعلنت انتمائي وولائي للأئمة الاثنى عشر(عليهم السلام)".

____________

1- كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) يسأله عن الرؤية ومافيه الناس، فكتب (عليه السلام):

" لا تجوز الرؤية مالم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فاذا انقطع الهواء وعدم الضياء بين الرائي والمرئي لم تصح الرؤية وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي من ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان في ذلك التشبيه، لأنّ الأسباب لابدّ من اتصالها بالمسببات " أنظر: التوحيد للصدوق باب ما جاء في الرؤية: 106 (7).


الصفحة 377

(34) عبد الرحمن وترى
(مالكي / ساحل العاج)




ولد عام 1975م بمدينة " بندوكو " في ساحل العاج(1)، أكمل دراسته الإعدادية في المدارس الدينية المالكية، تولّى منصب نائب رئيس الجمعية الخطابية في ساحل العاج.

اعتنق المذهب الجعفري عام 1991م في غانا، وأسّس جمعية (الاعتصام بحبل الله) في مسقط رأسه، وكان نشطاً في التدريس والتبليغ لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) في " أبيدجان ".

فتح آفاق الحوار العلمي البنّاء:

يقول الأخ عبد الرحمن: " كان سبب تعرفي على الشيعة ومذهبهم التحاقي بمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في غانا، بعد إنهائي للمرحلة الإعدادية.

كنت في بادئ الأمر متخوفاً من دخولي في هذه المدرسة لكثرة ما سمعت من الاشاعات ضد الشيعة، وكان دخولي إليها أثر نصيحة أستاذي وقوله لي: إنّ

____________

1- ساحل العاج: أنظر الترجمة رقم (3).


الصفحة 378
طالب العلم ينبغي أن لايكون متعصباً في معتقده، بل عليه أن يكون شجاعاً في تتبعه وأبحاثه، وأن لا يخشى مايرد عليه من شبهات، وعليه أن يحاول بجهده وسعيه التعرف على الحقيقة وطلبها حيث ما كانت.

وبهذا الهدف دخلت المدرسة الخاضعة لإشراف علماء الشيعة، وكان أغلب الطلبة من معتنقي مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وكنت أؤدي تكاليفي العبادية في المدرسة وفق المذهب المالكي، ولم أجد منهم أيّ ردود فعلٌ سلبية، بل كانوا يحترمونني ويكنّون لي كل التقدير، لعتقادهم أنّ الحوار الهادىء هو الحلّ الوحيد الذي لابدّ أن يتّبع لتصحيح أفكار الآخرين، وأنّ الاستهزاء والتشنيع سبلٌ فاشلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كما أنّهم كانوا يلاحظون الأجواء لفتح الحوار مع من يخالفهم في الفكر أو المعتقد، والحوار يتطلّب أجواء هادئة ونفسيّة مستعدّة من قبل الطرفين، فلهذا ينبغي اجتناب الحوار في الأجواء التي لا تتناسب مع هذا الأمر.

وكان الملاحظ فيهم أيضاً مراعاتهم لجميع الضوابط المطلوبة في الحوار، فكانوا يحاولون تعيين الموضوع وتحديد نطاق البحث قبل الحوار، وذلك للوصول قدر الإمكان إلى النتيجة، حتى لا يتشعّب البحث في مواضيع متعدّدة فيعرقل الحوار ويجعله عقيماً من دون ثمرة.

ومن هنا جرى بيني وبينهم العديد من النقاشات العقائدية المختلفة، وكان أحد محاورها كيفية الوضوء والقول بالمسح أو الغسل للأرجل.

كيفية الوضوء عند الإمامية:

كان احتجاج زملائي الشيعة على أنّ كلمة (وأَرجلَكُم)وردت بحالة النصب في قوله تعالى: (... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى

الصفحة 379
الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ...)(1)، وفي هذا دلالة على عدم عطفها على الأيدي حتى يجب فيها الغسل، وأنّ الذين قرؤوا بالنصب من القرّاء السبعة متساون مع الذين قرؤوا بالجرّ، وأنّ الأصل في العطف عند علماء العربية أن يكون على أقرب المذكورات دون أبعدها.

فعلى هذا توجب القراءة بالنصب أن لايكون العطف على الأيدي، بل العطف على الرؤوس في المعنى دون اللفظ، لأنّ الرؤوس في محلّ النصب لفعل (امْسَحُواْ)، وإنّما جرّت بعارض وهو الباء، والعطف على الموضع دون اللفظ جائز ومستعمل في لغة العرب، وهذا لا يخفى على كلّ من درس قسطاً من النحو.

فاقتنعت باستدلالهم وصرت أعمل وفق مذهب الإمامية في هذه المسألة.

وهكذا توالت المناظرات بيني وبينهم حول مسائل عديدة، وكنت أجد نفسي في كل مرّة أمام أدلّة قوّية ومتينة لا مجال لمعارضتها وعدم التسليم لها، حتى آل بي الأمر أن أندفع إلى البحث بصورة موضوعية ومعمقة حول التشيع.

الإمامة عند الشيعة:

بدأت بمطالعة ما وقع بيدي من كتب الشيعة كي تتضح لي صورة هذا المذهب ومعتقداته، فعرفت بعد ذلك أنّ الشيعة تعتبر الإمامة بالنصّ، وترى أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك الأمّة من بعده سداً، بل نصب لهم من قبل الله عزّوجلّ اثنى عشر إماماً قد اصطفاهم الله تعالى لهذا الأمر.

فقرّرت بعدها مطالعة سيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والتمعّن بتاريخ صدر الإسلام، لاسيما فيما يتعلق بالصحابة، لقناعتي أنّ سبيل معرفة الإسلام وعقائده الحقّة هو

____________

1- المائدة: 6.


الصفحة 380
تتبّع سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة الأوائل، وحتى يتمكن المسلم من تشييد بنيان مرصوص لمعتقداته.

ومن خلال البحث استوقفتني بعض أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) التي حدّد فيها مصير الأمّة والخليفة من بعده، والتي بيّن فيها المرجع لحلّ الاختلافات التي قد تحلّ بين المسلمين بعد غيابه ".

من هنا كان لابد للخليفة أن يتحلّى بصفات تؤهله لأنّ يقوم مقام صاحب الرسالة، لأنّ الخلافة نيابة عنها ونهوض بأعبائها، فلابد أن يكون للإمام علم زاخر مستمد من ينبوع علم الله عزّوجلّ، حيث قال تعالى: (أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى)(1)، وقال تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(2)، وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجات)(3).

وعلى هذا الأساس عيّن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبأمر من الله عزّوجلّ الإمام عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) للخلافة من بعده.

أقوال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في أعلميّة عليّ(عليه السلام):

قد بيّن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في مواقف عديدة مدى علم عليّ(عليه السلام) وأعلميّته، وكان ذلك لتمهيد الأرضية لخلافته، فتحدث(صلى الله عليه وآله وسلم) كثيراً في هذا المجال، ونقل أقواله أكابر الصحابة، فكان منها:

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب "(4).

____________

1- يونس: 35.

2- الزمر: 9.

3- المجادلة: 11.

4- أنظر: مناقب الخوارزمي: 82 (67)، الفردوس للديلمي: 1 / 370 (1491)، ينابيع المودّة للقندوزي: 2 / 301.


الصفحة 381
قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فألزموا عليّ بن أبي طالب، فإنه الفاروق بين الحقّ والباطل "(1).

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " أقضاكم عليّ "(2).

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " قسّمت الحكمة على عشرة أجزاء، فاعطي عليّ بن أبي طالب منها تسعة والناس جزءاً واحداً "(3).

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه... فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب "(4).

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة(عليها السلام): " أوما ترضين أنّي زوجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً... "(5).

وكان من أجلى الروايات الواردة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في سعة علمه وأقواها دلالة على ذلك، الحديث المتواتر الوارد بالأسانيد المعتبرة وبالألفاظ

____________

1- أنظر: مناقب الخوارزمي: 104 (108)، الإصابة لابن حجر العسقلاني: 7 / 354 (10478)، ينابيع المودّة للقندوزي: 2 / 289، تاريخ ابن عساكر: 42 / 450.

2- أنظر: مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 114، الرياض النضرة للطبري: 2 / 143 (1471)، حلية الأولياء لأبي نعيم: 1 / 105 (202)، تحفة الأحوذي: 10 / 155 (3971)، تاريخ ابن عساكر: 51 / 300.

3- أنظر: مناقب الخوارزمي: 82 (68)، حلية الأولياء لأبي نعيم: 1 / 104 (198)، الفردوس للديلمي: 3 / 227 (4666)، فيض القدير للمناوي: 3 / 46، تاريخ ابن عساكر: 42 / 384.

4- أنظر: البداية والنهاية لابن كثير: 7 / 392، المناقب لابن المغازلي: 212 (256)، ذخائر العقبى للطبري: 93، مناقب الخوارزمي: 83 (70).

5- أنظر: مسند أحمد: 5 / 26، الرياض النضرة للطبري: 2 / 138 (1442)، الاستيعاب لابن عبد البرّ: 3 / 1099.


الصفحة 382
المختلفة في كتب الفريقين عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة العلم وعليّ بابها "(1).

ودلالة هذا الحديث واضحة في أعلمية الإمام عليّ(عليه السلام) بالنسبة إلى جميع الصحابة، والتي منها يستنتج أفضليّة(عليه السلام) على من سواه، فإنّ العقل السليم يحكم بأنّه لا يكون باباً لمدينة العلم إلاّ من أحاط بجميع علومها، وهذا المعنى يستلزم أعلميّة أمير المؤمنين(عليه السلام) من سائر الأصحاب بل من الخلائق كافّة، لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم من جميع الأنبياء والمرسلين بالإجماع وأفضلهم، وهو ما صرّح به أغلب العلماء الأعلام من أهل العامة، كأبي حامد الغزالي، والقاضي عياض، والأزهري، وشهاب الدين أحمد، والمناوي، وغيرهم(2).

وأمّا استلزام الأعلمية للأفضلية، فهو موضع وفاق بين العلماء، فإنّ العلم والمعرفة أشرف الفضائل وأعلى المناقب وأسنى المراتب، وهي ميزان لتقييم الفضل بين الناس، ولهذا يكون أعلم الناس ـ مع مراعاته للورع والتقوى ـ أفضلهم وأشرفهم مقاماً وأعلاهم درجة.

كما أنّ هذا الحديث يدل على أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) يعتبر بمثابة حلقة وصل بين الناس وبين علم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّ الصحابة غير ملمين بكافة أنحاء الشريعة، فلا يحقّ لهم أن يعتمدوا على ما عندهم في إصدار الحكم الشرعي، بل عليهم أن يراجعوا من له الإحاطة بجميع الأحكام والمسائل الشرعية.

وقد بيّن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحديث أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) له هذه الإحاطة

____________

1- إن مصادر هذا الحديث غير قابلة لحدّ الإحصاء، وطرقه متعددة، فقد أورده الخوارزمي والحاكم والخطيب وابن المغازلي والسمعاني وابن الأثير والذهبي والعسقلاني وابن الجوزي وعلي القاري والثعلبي والسيوطي وابن كثير وغيرهم.

2- أنظر: مجموعة رسائل الغزالي، الرسالة اللدنية فصل البيان وتحصيل العلم، شرح الشفاء للقاضي عياض: 412، فيض القدير للمناوي: 1 / 46 ـ 47.


الصفحة 383
في هذا المجال، ولهذا أضاف(صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً: " فمن أراد العلم فليأتها من بابها "(1)، وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: " كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلاّ من قِبَل الباب " أو " كذب من زعم أنه يدخل المدينة بغير الباب "(2).

التشويش الفكري بين الآراء المتضاربة:

يقول الأخ عبد الرحمن: " لم تذعن نفسي لهذه الحقيقة بسهولة، فحاولت جهد الإمكان أن أجد سبيلاً من كتب الحديث لإثبات معتقدي السابق!

وبالفعل وجدت أحاديث من هذا القبيل تشير إلى فضل من تقدّم على عليّ(عليه السلام) في الخلافة، كحديث: " ما صبّ الله شيئاً في صدري إلاّ وصببته في صدر أبي بكر "، وحديث: " لو كان بعدي نبيّ لكان عمر "، وحديث تناول عمر لسؤر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أوّلها البعض بالعلم.

فاستبشرت لذلك، ولكن بعد البحث والتدقيق وجدّت أنّ معظم علماء الجرح والتعديل، حكموا بوضع هذه الأحاديث، والذي كان منهم ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات)(3)!".

وقد نصّ الطيّبي على وضع الحديث الأوّل في (الخلاصة) كما ذكر الشوكاني في (الفوائد)(4)، وقال ابن القيّم: " هذا مما وضعه جهلة... "، وذكره أيضاً القاري في الموضوعات(5)، وصرّح بوضعه الفتني في (تذكرته)(6).

____________

1- أنظر: كفاية الطالب للكنجي: 221، المناقب لابن المغازلي: 80 (120)، المستدرك للحاكم: 3 / 137 (4637).

2- أنظر: المناقب لابن المغازلي: 85 (126)، ينابيع المودة للقندوزي: 1 / 221.

3- الموضوعات: 1 / 237.

4- الفوائد المجموعة، باب المناقب: 353.

5- أنظر: الأسرار المرفوعة لعليّ القاري.

6- تذكرة الموضوعات: 93.


الصفحة 384
أمّا الحديث الثاني أعتبره أبن الجوزي من الموضوعات كما في كتابه (الموضوعات)(1)، وقد أنكره بلفظ آخر الخطيب(2)، إضافة إلى وجود الضعفاء والمجروحين في أسانيده كمشرح بن هاعان، وبكر بن عمرو، والفضل بن المختار(3).

ولو أُمعن النظر في مفاد الحديث الأوّل، لوجد أنّ دلالته توحي بالمساواة بين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر في جميع العلوم! وهذا لم يقل به أحد، وبطلان الحديث الثاني واضحٌ، لأنّ النبوّة لا تكون لشخص أمضى شطراً كبيراً من حياته في الكفر والشرك!.

أضف إلى ذلك أنّ الباحث يجد خلاف ذلك في أرض الواقع لو تصفّح حياة أبي بكر وعمر، فعدم إلمام أبي بكر بالأحكام وغيرها لا يكاد يخفى على أحد، إذ هو بنفسه قد إعترف بعدم معرفته للأحكام بمواقع عديدة، واستعان بغيره في مواقف كثيرة جهل فيها الحكم الشرعي، وأمّا صاحبه عمر بن الخطاب فكان يجهر علانية بجهلة وقلّة علمه، حتى ورد عنه أنّه قال: " كلّ الناس أفقه منك ياعمر، حتى ربّات الحجال والمخدرات في البيوت "(4).

والجدير بالذكر هنا أنّ القوم عندما عجزوا عن إنكار أو تضعيف الأحاديث الواردة في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام) وبالخصوص حديث مدينة العلم، عملوا على الدسّ والزيادة في هذا الحديث، بأن تقولوا على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة

____________

1- الموضوعات: 1 / 320.

2- أنظر: كنز العمال: 11 / 581 (32762)، تاريخ ابن عساكر: 44 / 116، عن الخطيب.

3- أنظر: الموضوعات لابن الجوزي: 1 / 321، ميزان الإعتدال للذهبي: 4 / 117، 3 / 358، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 1 / 486، المغني في الضعفاء للذهبي: 2 / 513.

4- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 2 / 133.


الصفحة 385
العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعليّ بابها "(1)، و " أنا مدينة العلم وعليّ بابها ومعاوية حلقتها "(2)، وما شاكل هذا من الأحاديث المضحكة في دلالتها.

الوصول إلى الدليل القاطع:

ويضيف الأخ عبد الرحمن: " وأكثر من هذا وذاك رأيت روايات نقلها أهل الحديث، فيها دلالات واضحة بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الناس بالرجوع إلى الإمام عليّ(عليه السلام)، كما أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أمضى قضائه حال حياته، وذلك لتتم الحجّة على الأمّة، كامضاء قضاءه في إبل الصدقة، وردّ من اعترض على حكمه(3)، وقضائه في ثلاثة نفر إشتركوا في ولد(4)، وقضائه في ديّة الذين وقعوا في زريبة أسد(5)، وأمره(صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً بالقضاء بين رجلين من الأنصار إختصما بحضرته(6)".

ويختم عبد الرحمن حديثه قائلاً: لقد فتحت لي مداليل هذه الأحاديث آفاقاً جديدة، بحيث عرّفتني بمكانة الإمام عليّ(عليه السلام) ومنزلته، فتيقنت بصحة أقوال الشيعة وما ذكروه من ضرورة الرجوع إلى الإمام عليّ(عليه السلام)، وكونه الإمام والخليفة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بلا فصل، وتبيّن لي أنّ من أراد الدخول إلى مدينة رسول

____________

1- أنظر: كشف الخفاء للعجلوي: 1 / 184 (618).

2- المصدر نفسه.

3- أنظر: دلائل النبوّة للبيهقي: 5 / 394، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 82.

4- أنظر: مسند أحمد: 4 / 373، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 83، السنن الكبرى للنسائي: 3 / 380 (5683)، سنن أبي داود: 2 / 260 (2269).

5- أنظر: البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 84، السنن الكبرى للبيهقي: 8 / 192 (16397).

6- أنظر: دعائم الإسلام للقاضي النعمان: 2 / 529 (1881)، مستدرك الوسائل للنوري: 17 / 358 (21579).


الصفحة 386
الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ينبغي له أن يأتيها من الباب، ومن هنا أعلنت تشيعي وانتمائي إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1991م لأنهل قدر وسعي من علوم ومعارف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من الينبوع الذي أمرنا به ".


الصفحة 387

(35) عبد العزيز آتيك موتوند
(مسيحي / كونغو كينشاسا)




ولد عام 1975م بمدينة " لوبومباشي " في كونغو كينشاسا(1) (زائير سابقاً)، من عائلة تدين بالمسيحية، ثم دخل في الدين الإسلامي وعلى المذهب الشافعي.

تشرّف بالانتماء لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1994م في مدينة " دار السلام " عاصمة تنزانيا، اثر دراسات معمّقة ومحاورات جادّة.

غموض عقيدة التثليث عند المسيحية:

يقول الأخ عبد العزيز: " نشأت في أوساط عائلة مسيحيّة متديّنة، ولذلك زجّ بي أهلي في احدى المدارس الدينيّة المختصّة بتخريج الرهبان بعد إتمامي لدراستي الثانويّة.

____________

1- كونغو كينشاسا (زائير): تقع في وسط افريقيا وتحيط بها السودان واوغندا ورواندا وزامبيا وانغولا، يبلغ عدد سكانها قرابة (50) مليون نسمة، يشكل المسلمون وغالبيتهم من الشافعية نسبة 20% منهم بعدما كانوا هم الأكثرية قبل الاستعمار البلجيكي، أما الباقي فمن المسيحيين والوثنيين، ويشكل الشيعة نسبة 20% من المسلمين.


الصفحة 388
وبما أنّ عقيدة التثليث التي ورثتها من آبائي عقيدة غامضة ومبهمة، فكنت آمل أن أصل إلى صورة واضحة لها بعد التمعن فيها، وواصلت البحث حتى ألفت خمسة كتب في هذا المجال، ولكن بعد كل ذلك رأيت نفسي تزداد حيّرة في هذه العقيدة، فقرّرت ترك سلك الرهبنة نهائياً.

بعد ذلك وجدت لنفسي ميول لمطالعة كتب تاريخ الأديان والمذاهب الأخرى، فعكفت على قراءة تاريخ الدين الإسلامي حتى اطلعت على سيرة نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ بصورة إجماليّة ـ فتأثرت بشخصيته النبيلة وسجاياه الحسنة، ودفعني هذا إلى المزيد من التعرّف على الإسلام ونبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى آل بي الأمر إلى اعتناق الدين الإسلامي والانتماء إلى المذهب الشافعي.

في رحاب الإسلام:

قضيت بعد ذلك ثلاث سنوات أدرس فيها عقائد وفقه وتاريخ الإسلام على ضوء المذهب الشافعي، لكن كنت ألمس بعض الثغرات العقائديّة والتناقضات التاريخيّة فيه، ومع بذلي قصارى جهدي لم أجد جواباً مقنعاً وشافياً لحلها، ووجدت نهياً وتحذيراً من قبل معظم علماء أبناء العامّة للخوض في المسائل العقائديّة، إذ كانوا يحددون لنا الكتب ويردعونا من التقرب إلى غيرها! فلمست من منهجهم أنّهم يحاولون إخفاء بعض الحقائق عن أتباعهم.

وشاءت الإرادة الإلهيّة في هذه الفترة أن أسافر إلى تنزانيا والتقي هناك ببعض المسلمين الشيعة، فوجدت بعض أمورهم العباديّة تختلف عمّا عند الشوافع، فدفعني هذا الأمر لأنّ أدخل معهم في مناظرات ومجادلات عديدة.

والحقيقة وجدت نفسي أمامهم عاجزاً عن إثبات ما أنا عليه، فإنّهم كانوا ذو ذهنيّة متفتّحة وعقليّة واعية، يطرحون المسائل على طاولة البحث ويناقشونها