بدأت بعد ذلك بقراءتها حتى تبيّنت لي الحقائق التي كان علماء الجمهور يحاول إخفاءها، وفهمت بعد ذلك التمحّلات اللاّمنصفة التي كان يعتمد عليها علماؤنا في تأويل النصوص وصرفها عن معناها الحقيقي ـ لا سيّما الأمور المرتبطة بأهل البيت(عليهم السلام) ومناقبهم ـ كما عرفت أنّنا كنّا نقوم بأعمال نعتبرها من سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في حين لم يكن منشأوها من الدين، بل كانت بدعٌ قد سنّها الحكّام الذين استولوا على الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من تلقاء أنفسهم، كصلاة التراويح! إذ تبيّن لي بعد البحث أنّها كانت من اجتهادات عمر بن الخطاب مقابل النصّ القرآني والسنّة النبويّة ".
بدعة صلاة التراويح:
إنّ من الواضح لكلّ متتبع في الشريعة الإسلامية أنّ صلاة التراويح(1) صلاة مبتدعة ما جاء بها الكتاب ولا السنّة، وإنها لم تصلّ جماعةً في عهد الخليفة الأوّل، بل ابتدعها عمر بن الخطّاب في السنة الرابعة عشرة للهجرة.
فقد ورد عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنّه قال: " خرجت مع عمر بن الخطّاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرّقون... إلى أن قال: فقال عمر: أنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قاريء واحد لكان أمثل، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب، ثمّ خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلّون بصلاة
____________
1- التراويح: هي النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان، وسمّيت بذلك للاستراحة فيها بعد كلّ أربع ركعات، ثمّ سميت كلّ أربع ركعات ترويحة، وعددها مختلف فيه عند أهل السنّة، إلاّ أنّ المشهور بينهم انّها عشرون ركعة.
والبدعة لغة كما يقول الراغب الإصفهاني: " الإبداع: هو إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء "(2)، وأمّا اصطلاحاً فهي: " إيراد قول أو فعل لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدّمة وأصولها المتقنة "(3)، بمعنى إدخال ماليس من الدين في الدين.
وقد ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وأنّ أفضل الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة "(4).
وعن حذيفة أنّه قال: " يا رسول الله! فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: نعم... قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي... "(5).
ولكنّ عمر لم يرقه أن يرى الناس في مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بين قائم وقاعد وراكع وساجد، فرأى أن يسنّ لهم سنّة جديدة ويجمعهم عليها، فافتخر ببدعته!!، حتى أنّه نصّب للناس في المدينة إمامان يصليان بهم صلاة التراويح، أحدهم للرجال والآخر للنساء! وفي هذا الأمر أخبار متواترة(6).
ودعماً لما ابتدعه عمر زعم بعض منهم بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أقامها جماعةً! مستنداً إلى رواية(7) ضعّفها كبار أئمتهم في الجرح والتعديل(8)، وهي معارضه
____________
1- أنظر: صحيح البخاري، كتاب التراويح: 2 / 707 (1906)، موطأ مالك: 1 / 73.
2- المفردات في غريب القرآن: 38.
3- المصدر نفسه: 39.
4- أنظر: مسند أحمد بن حنبل: 3 / 310 (14373)، سنن ابن ماجة: 1 / 30 (45)، صحيح البخاري: 6 / 5655 (6849)، صحيح مسلم: 2 / 592 (867).
5- أنظر: صحيح مسلم، كتاب الامارة: 3 / 1475 (1847).
6- أنظر: الطبقات الكبرى لابن سعد: 3 / 213، موطأ مالك: 1 / 73، كنز العمال: 8 / 409 (23471).
7- الرواية رواها أحمد عن أبي هريرة: (خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال: ما هذا؟! فقيل: ناس يصلى بهم أُبي بن كعب، فقال: اصابوا ونعم ما صنعوا)، كما ذكرها ابن عبد البر (أنظر: فتح المالك: 2 / 284).
8- حكم أبو داود بضعفها في السنن: 1 / 521 (1377)، وضعفها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: 4 / 317 (2013) وذكر لضعفها سببين:
الأوّل: ان في السند مسلم بن خالد وقد ضعفه البخاري والنسائي وأبو حاتم وعلي بن المديني وغيرهم، فراجع.
الثاني: ان الحديث يذكر ان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد جمع الناس على أُبي بن كعب، بينما المشهور من الروايات ان عمر هو الذي صنع ذلك.
وقد نهى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك بصراحة وحث على إقامة الصلاة فرادى في نوافل شهر رمضان، كما روي في الصحاح:
" عن زيد بن ثابت قال: احتجز رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حجيرة مخصفة أو حصيرة، فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاؤوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عنهم فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مغضباً، فقال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنّه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإنّ خير صلاة المرء في بيته الاّ الصلاة المكتوبة "(1).
وأقرّ بذلك جمع من علماء العامة، منهم القسطلاني إذ ذكر في (ارشاد الساري): " سماها بدعة ـ يعني عمر ـ لأنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يسن لهم الاجتماع لها، ولا كانت في زمن الصدّيق، ولا أوّل الليل، ولا كل ليلة، ولا هذا العدد "(2).
____________
1- أنظر: صحيح البخاري (كتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله): 5 / 2266 (5762)، صحيح مسلم: 1 / 539 (781)، سنن أبي داود: 1 / 537 (1447).
2- ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري كتاب صلاة التراويح: 1 / 656 (2010)، ومثله في تحفة الباري وغيره من شروح صحيح البخاري فراجع.
أوّل من جاء ببدعة صلاة التراويح:
قال السيوطي في ذكر عمر: " هو أوّل من سمي أمير المؤمنين، وأوّل من سنّ قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ وأوّل من حرّم المتعة، وأوّل من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات "(1).
وقال ابن سعد في الطبقات: " وهو أوّل من سنّ قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة "(2).
وقال ابن شحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 23هـ: " هو أوّل من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، وأوّل من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح ".
وذكر ذلك غير هؤلاء، وكأنّهم رأوا أنّ عمر قد استدرك بتراويحه على الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) تشريعاً كانا ـ معاذ الله ـ عنهما غافلين!.
ولقد حثّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) على أداء النوافل في البيوت لتزداد شرفاً وبركة، حيث ورد عن أنس بن مالك أنّه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم "(3).
وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لايذكر الله فيه، مثل الحيّ والميت "(4).
وعن جابر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده
____________
1- أنظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي: 136.
2- الطبقات الكبرى: 3 / 213.
3- أنظر: صحيح ابن خزيمة: 2 / 213 (1207)، المستدرك للحاكم: 1 / 457 (1178).
4- أنظر: صحيح مسلم: 1 / 539 (779)، صحيح ابن حبان: 3 / 135 (854).
كما أنّ هناك بعداً آخر للصلاة في البيوت، وهو تربية الأجيال الناشئة على التعلق بهذه العبادة المستحبة، وترسيخها في أذهانهم وتجسيدها في أفعالهم.
والواقع أنّ الحكمة الإلهية أوسع من أن يحدّدها إنسان كالخليفة الثاني الذي يقول عن نفسه: " كلّ الناس أفقه منك يا عمر! حتى ربات الحجال والمخدرات في البيوت "(2).
عدد ركعات صلاة التراويح:
وقع الخلاف في عدد ركعات صلاة التراويح، لأنّه ليس في عددها عند أبناء العامة دليل معتمد عليه يحكي عن قول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أو فعله أو تقريره، وقد ذهب البعض إلى القول بالعشرين إعتماداً على قول عمر، ومن فقهاء العامة كمالك يرى أنّها ستة وثلاثون ركعة، ودليله فعل أهل المدينة!.
وفعل أهل المدينة جاء بسبب زيادة عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي في صلاة التراويح، وكان قصده من هذا أن يساوى أهل المدينة مع أهل مكة في الفضل، لأنّهم كانوا يطوفون بالبيت بعد كلّ أربع ركعات مرّة، فرأى أن يصلى بدل كلّ طواف أربع ركعات(3).
فالمسألة أذن كما نرى خاضعة لآراء الحكام وعلماءهم، فأحدهم يحدّد عدداً معيناً يتلاءم وذوقه ليساوي أهل المدينة بالفضل مع أهل مكة حسب رأيه!،
____________
1- أنظر: صحيح مسلم: 1 / 539 (778)، صحيح ابن حبان: 6 / 237 (2490)، سنن ابن ماجة: 1 / 433 (1376).
2- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 2 / 133.
3- أنظر: الفقه على المذاهب الأربعة: 1 / 251 (مبحث صلاة التراويح).
وقد حذّر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك بقوله: " لا يذهب من السنة شيء حتى يظهر من البدعة مثله، حتى تذهب السنة وتظهر البدعة، حتى يستوفي البدعة من لا يعرف السنة، فمن أحيا ميتاً من سنتي قد أميتت كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن أبدع بدعة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً "(1).
ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد بيّن أحكام الله تعالى، وأكّد أنّها ثابتة إلى قيام الساعة، فلا يضيف عليها أو ينقص منها إلاّ مبتدع مخالف لحكم الله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(2).
وقد أكّد الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) على هذا الأمر بقوله: " وأمّا أهل السنة فالمتمسكون بما سنّه الله لهم ورسوله، وإن قلّوا! وأمّا أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله تعالى وكتابه ولرسوله، والعاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا! وقد مضى منهم الفوج الأوّل، وبقيت أفواج، وعلى الله فضها واستيصالها عن جدبة الأرض "(3).
نهي الإمام عليّ(عليه السلام) لصلاة التراويح:
إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) الذي قال في حقّه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب "(4) قد نهى عن صلاة التراويح، ونهر
____________
1- أنظر: كنز العمال: 1 / 222 (1119).
2- المائدة: 44.
3- أنظر: كنز العمال: 16 / 184 (44216).
4- أنظر: الفردوسي للديلمي: 1 / 370 (1491)، ينابيع المودة للقندوزي: 2 / 301، مناقب الخوارزمي: 82 (67).
حيث ورد أنّه: " لمّا اجتمع الناس على أمير المؤمنين(عليه السلام) بالكوفة سألوه أن ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان، فزجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنة، فتركوه واجتمعوا وقدّموا بعضهم، فبعث إليهم الحسن(عليه السلام) فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا واعمراه "(1)!، وصرّح(عليه السلام) في كلام آخر: " أن اجتماعهم في النوافل بدعة "(2).
موقف بعض الصحابة من صلاة التراويح:
إنّ موقف بعض الصحابة لم يختلف عن موقف الإمام عليّ(عليه السلام)، فقد ورد عن أبي أمامة الباهلي أنّه قال: " أحدثتم قيام شهر رمضان ولم يكتب عليكم "(3).
وعن نافع مولى عبد الله بن عمر: " أنّ ابن عمر كان لا يصلي خلف الإمام في شهر رمضان "(4) ـ يعني صلاة التراويح ـ.
وهذه دلالات واضحة وصريحة على أنّ الجماعة لم تسن في النافلة إلاّ في صلاة الاستسقاء والعيدين.
مرحلة رفع اللبس والغموض:
يقول الأخ عبد العزيز: " بقيت متحيّراً بعد معرفتي بهذه الاجتهادات من عمر وغيره مقابل النصّ القرآني والسنة، فاصطدمت بالواقع صدمة جعلتني
____________
1- أنظر: شرح النهج لابن أبي الحديد: 12 / 283، التهذيب للطوسي: 3 / 70 (227)، وسائل الشيعة للحر العاملي: 8 / 46 (10063).
2- أنظر: وسائل الشيعة للحر العاملي: 8 / 46 (10065)، الكافي للكليني: 8 / 63.
3- أنظر: الاعتصام للشاطبي: 1 / 269 الباب الخامس.
4- أنظر: نصب الراية للزيلعي: 2 / 154.
قرّرت بعد ذلك أن أجدد النظر في تاريخ عمر بن الخطاب ولاسيما بعد تولّيه شؤون الخلافة، فواصلت البحث والدراسة حتى تبيّنت لي العديد من مخالفاته الصريحة والعلنية لكتاب الله وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)!.
فعزمت على مواصلة البحث لأصل إلى معتقد أستند إليه بوعي وبصيرة، وجندت قواي للبحث والتتبع، حتى أشرقت لي الحقيقة بكلّ جلاء ووضوح متمثلة بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فاندفعت إليها بقوّة وتمسّكت بها وبدأت أنهل من ينبوع معارفها العذبة.
ولمّا استقرّ بي المطاف انهمرت دموعي خشوعاً ورهبةً، واعترتني حالةٌ ممزوجة بالفرح والرضا والارتياح، أعلنت استبصاري عام 1994م في العاصمة " دار السلام "، وصرت أدعوا من أجده متلهّفاً باحثاً عن الحقيقة يريد إنقاذ نفسه من الضياع والمتاهات والظنون باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) والتمسّك بالثقلين".
(36) عبد المعبود خدايار عطائي
(إسماعيلي / أفغانستان)
ولد عام 1971م بمدينة " بدخشان " في أفغانستان(1)، نشأ في أوساط عائلة تعتنق المذهب الإسماعيلي(2)، أكمل دراسته الابتدائية في بلده، ثم درس لمدّة خمس سنوات في المدارس الحنفية في الباكستان.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1991م في باكستان، بعد دراسة معمقة ومناقشات كثيرة جرت بينه وبين علماء وطلبة الشيعة.
مرحلة التذبذب وفقدان الثبات:
يقول الأخ عبد المعبود: " كنت إسماعيلي المذهب بدء الأمر، وكنت غير
____________
1- أفغانستان: تقع في منتصف قارة آسيا، يحدها من الشمال كل من طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان، ومن الشرق والجنوب باكستان، ومن الغرب ايران، يبلغ عدد السكان فيها (27) مليون نسمة، يدين 99% منهم بالإسلام، وتقدر نسبة الشيعة بـ 25%.
2- الاسماعيليون: هم القائلون بإمامة إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بعد أبيه، وبهذا يختلفون عن الشيعة الإمامية الاثني عشرية الذين يقولون بإمامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)بعد أبيه.
وافترق الاسماعيلية إلى عدّة فرق، أبرزها: الآغاخانية (النزارية)، والبهرة ـ وتعني هذه الكلمة الجد والعمل ـ.
وتأثّرت بسبب ذلك بجملة من الأمور: كعدالة جميع الصحابة، وعدم جواز البحث عن مواقفهم التي أدت إلى إفتراق الأمّة وتمزقها بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، لاسيما عن الأمور التي قام بها " الخلفاء الراشدين "، كما تأثّرت بشخصية معاوية بن أبي سفيان، لتعظيمهم إياه في كتبهم وخطبهم، وأحاطوه بهالة من القداسة باعتباره: كاتب الوحي(2)، وخال المؤمنين(3)، والحليم عند الغضب(4)، والعادل في سيرته(5)!!.
وبقيت مدّة خمس سنوات مع الأحناف في باكستان، ثم عدت إلى
____________
1- أهل بدخشان كما يقول المترجم له: يعتقدون بسقوط التكاليف الدينية كالصلاة و الحج والصوم...! ومنشأ هذا الانحراف كان على يد الحسن الثاني بن محمّد بن بزرك أميد المتقلد لزعامة الطائفة النزارية الإسماعيلية بعد وفاة والده سنة 558 هـ (أنظر: تاريخ وعقائد الإسماعيلية: 441).
2- أنظر: صحيح مسلم، باب فضائل أبي سفيان: 4 / 1945 (2501)، وفيه: (معاوية تجعله كاتباً بين يديك)، ونقل ابن حجر العسقلاني عن المدائني: (كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية يكتب للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بينه وبين العرب)،الإصابة: 6 / 153.
3- باعتبار أن اخته رملة بنت أبي سفيان وكنيتها أُم حبيبة، تزوّجها النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) سنة 6 أو 7 للهجرة، أي قبل فتح مكة.
4- أنظر: معاوية بن أبي سفيان لابن تيمية: 87، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 82، تاريخ الإسلام للذهبي (سنة 41 ـ 60): 315.
5- من الذين قالوا بعدالة معاوية: الجاحظ في رسائلة (رسالة الحكمين...): 1 / 344، وابن كثير في البداية والنهاية: 8 / 82، وكذا أبوالحسن الأشعري، والماتريدي، والباقلاني، والنووي، والسبكي، وغيرهم.
وحيث أنني لم أنتفع فيما سبق من مدرسة الأحناف، صممت أن أدخل مدرسة إسلامية أخرى، فراجعت بعض المدارس الدينية حتى تم تسجيلي في مدرسة تنتمي إلى مذهب الإمامية الاثني عشرية.
مشاهدة بصيص النور وسط الظلام الدامس:
بعد تعرّفي على أتباع أهل البيت(عليهم السلام) تفاجأت حينما رأيت معتقداتهم تختلف عما ورثته من الإسماعيلة وعما درسته عنه الأحناف!.
فقرّرت أن أقوم بالمقارنة بين ما حصلت عليه من معلومات ـ طيلة خمس سنوات ـ في مدارس الأحناف وبين ما أدرسه الآن، لأتبع بعد ذلك أحسنه.
ولأجل الدقة في استنتاج المعلومات والحرص للوصول إلى الحقائق بنفسي، كنت أبحث وقتئذ في المصادر المختلفة في مكتبة المدرسة التي كانت حاوية لشتى كتب الطوائف والمذاهب الإسلامية، وقد شددت عزمي أن لا أعود إلى بلدي إلاّ وأنا محملاً بالأدلّة والبراهين، وأن لا أنتمي إلى معتقد إلاّ عن بصيرة.
من هذا المنطلق دخلت في مناقشات ومناظرات عديدة مع الطلاب الشيعة، وكانت معظمها منصبة على مكانة الصحابة لاسيما معاوية بن أبي سفيان.
فكانت النتائج التي توصّلت إليها غير متوقعة لي أبداً، فعرفت بعد المناظرات العديدة التي جرت بيني وبين الشيعة أنّ معاوية قد نسبت إليه مناقب وفضائل ما أنزل الله بها من سلطان! وقد حكم علماء العامة في الجرح والتعديل
فقد ردّ النووي رواية كاتب الوحي، وقال: " واعلم أنّ هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، ووجه الإشكال: إنّ أباسفيان إنّما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور لاخلاف فيه، وكان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد تزوّج بأمّ حبيبة قبل ذلك بزمان طويل... تزوجها سنة ست وقيل سنة سبع "(1).
وقال ابن القيم مع ما نقل من أقوال: " إنّ حديث عكرمة في الثلاث التي طلبها أبو سفيان من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) غلط ظاهر لا خفاء فيه.
قال أبو محمّد بن حزم: هو موضوع بلا شك، كذّبه عكرمة بن عمّار.
قال ابن الجوزي: هذا الحديث وهم من بعض الرواة لاشكّ فيه ولاتردد، وقد إتهموا به عكرمة بن عمار "(2).
والذهبي ـ الذي يعتبر من أئمة العامه في هذا الفنّ ـ قال: " وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلا منكراً عن سمّاك الحنفي، عن ابن عباس، في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان "(3).
تقييم موضوعي لسيرة معاوية بن أبي سفيان:
معاوية وكتابة الوحي:
لو سلّم أنّ معاوية كتب الوحي ـ كما إدعى البعض ـ فلم يشير أحد إلى المدّة التي تصدّى فيها لهذه المهمّة، مع العلم أنّه لم يسلم إلاّ بعد فتح مكّة!، كما لم يذكر
____________
1- أنظر: صحيح مسلم بشرح النووي: 16 / 279 (5963).
2- أنظر: زاد المعاد: 1 / 106.
3- أنظر: ميزان الاعتدال: 5 / 116 (5719).
وحتى لو صحّ أنّه كتب الوحي، فهذا لا يستوجب تنزيهه عن الخطأ، أو عصمته من الضلال بعد ذلك، فقد إرتدّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان كاتباً للوحي! ونزل فيه قوله تعالى: ( قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ... )(1)، فهو بعد أن كتب للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) رجع ناكصاً على عقبيه حتى أحبط عمله(2).
وكذا كان عبد الله بن خطل من قبله كاتباً للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أرتدّ وأصبح يقول: " إن كان محمّد نبيّاً فإنّي لا أكتب له إلاّ ما أريد "، حتى أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بضرب عنقه يوم الفتح ولم تشفع له كتابة الوحي(3).
فهذه المناقب المفتعلة والصفات الوهمية التي حاول البعض تزيين شخصية معاوية بها قد كشفها الواقع، وهي غير خافية على كلّ متتبع باحث في التاريخ الإسلامي.
وصف معاوية بخال المؤمنين:
إنّ وصف معاوية بـ " خال المؤمينن " وجعله متفرداً به لا يعدو عن كونه تمحلا لا أكثر!.
لإنّه إنّما يكون خالاً لو كان كون أمّ حبيبة أمّاً للمؤمنين من طريق النسب لا من طريق تحريم النكاح والتعظيم لحقوق الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو كان قولهم هذا قياساً مقبولاً وتأويلاً معقولاً لكان أبو بكر وعمر أجداداً للمسلمين!، ولو كان أحد أولى
____________
1- النساء: 93.
2- أنظر: أسباب نزول القرآن للواحدي: 223 (442).
3- أنظر: الكامل لابن عديّ: 1 / 405.
وأيضاً لو صحّ ما يقولون، لكان جميع ولد أبي بكر وعمر أخوالاً للمسلمين و...
حقيقة معاوية بن أبي سفيان:
في الواقع أنّ معاوية لم يدفعه الحماس الديني نحو إحداث نقلة نوعية في إيمان المجتمع الشامي ـ رغم الفترة الطويلة التي تسلط فيها على تلك البلاد ـ بل كان أعظم همّه تثبيت دعائم ملكه في تلك المعمورة، وذلك لأنّه لم ينصقل بالإسلام منذ أن دخل فيه مجبراً بعد فتح مكّة، وكان يكنّ العداء لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)! لكونه السبب في زوال المكانة التي كانت لبني أميّة زمن الجاهليّة، ولهذا سعى لإخماد الإسلام عندما وقع الحكم بيده.
ويؤكدّ ذلك ما ورد عن مطرف بن المغيرة بن شعبة، حيث قال: " وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إلي، فيذكر معاوية ويذكر عقله ويعجب مما يرى منه.
إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء! فرأيته مغتماً، فانتظرته ساعة وظننت لشئ حدث فينا أو في عملنا.
____________
1- جدّه لأمه عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، وقتل هذان يوم بدر، كما قتل معهم خال معاوية الوليد بن عتبة، وأخو معاوية حنظلة بن أبي سفيان وغيرهم من بني أمية.
قال: يا بني إنّي قد جئت من عند أخبث الناس!
قلت له: ما ذاك؟
قال: قلت له وقد خلوت به: إنّك قد بلغت منّا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا وبسطت خيراً فإنّك قد كبرت! ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه!
قال لي: هيهات هيهات!! مَلكَ أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فوالله ماعدا أن هلك فهلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فوالله ماعدا أن هلك، فهلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر، ثم ملك أخونا عثمان، فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل ما عمل وعمل به، فوالله ماعدا أن هلك، فهلك ذكره وذكر ما فُعل به، وإنّ أخا هاشم يصرخ به في كلّ يوم خمس مرّات: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فأي عمل يبقى مع هذا؟ لا أم لك، والله إلاّ دفناً دفناً "(1).
وقد أفصح بهذا عن مكنونات نفسه تجاه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو يكاد يموت من الغيظ بسبب هذا النداء، وسعى محموماً لإخماد هذا الصوت، ولكن (يَأْبَى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(2).
أمّا الجوانب الأخرى من سيرته الشوهاء فهي لاتقل في التعدي على حقوق المسلمين عن سابقتها، فقد استأثر بالأموال واصطفى الذهب والفضة ومنعها من الناس(3)، كما كان يقسّم الأقطاع ويهب الأمصار لأعوانه ـ كعمر وبن
____________
1- أنظر: مروج الذهب للمسعودي: 3 / 404.
2- التوبة: 32.
3- أنظر: المستدرك للحاكم: 3 / 442 ـ 443، أسد الغابة لابن الأثير: 2 / 164.
وكان من الذين دعموا سيرته وأعانوه فيها الصليبي "سرجون" والسفاح "بسر بن أرطاء" والدعي "زياد ابن أبيه" وأشباههم!!
نفاق معاوية:
كان كبار الصحابة، يعرفون بغض معاوية لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)! فقد قال عمّار ابن ياسر(رضي الله عنه) في حرب صفين: "... أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين، فلما رأى الله عزّوجلّ يعزّ دينه ويظهر رسوله، أتى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلم وهو فيما يرى راهب غير راغب، ثم قبض الله عزّوجلّ رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فوالله، إن زال بعده معروفاً بعداوة المسلم وهوادة المجرم... "(3).
فتلبّس معاوية برداء النفاق، وكانت سياسته في عموم بلاد المسلمين قائمة على المكر والخداع، ولذا لم تذق الأمصار الإسلامية ـ وخصوصاً دمشق ـ في عهده حلاوة الإيمان وطعمه الحقيقي، حتى بلغت به الجرأة أن فسح المجال لتجارة الخمر ولم يمنعها!!
فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده من طريق عبد الله بن بريدة، قال: " دخلت أنا وأبي على معاوية، فأجلسنا على الفرش، ثم أوتينا بطعام فأكلنا، ثم أوتينا بالشراب، فشرب معاوية ثم ناول أبي، فأبى، ثم قال: ما شربته منذ حرّمه
____________
1- أنظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 355، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 117.
2- أنظر: البداية والنهاية لابن الكثير: 8 / 87.
3- أنظر: تاريخ الطبري: 5 / 12، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 294.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه، وابن مندة وغيرهما من طريق محمّد بن كعب القرظي، قال: " غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري في زمن عثمان ومعاوية أمير على الشام، فمرت به روايا خمر تحمل ـ لمعاوية ـ فقام إليها عبد الرحمن برمحه فبقر كل راوية منها، فناوشه الغلمان حتى بلغ شأنه معاوية، فقال: دعوه فإنّه شيخ قد ذهب عقله، فقال ـ عبد الرحمن ـ: كذب والله ما ذهب عقلي، ولكن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) نهانا أن ندخل بطوننا وأسقيتنا خمراً، وأحلف بالله لئن بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأبقرن بطنه، أو لأموتن دونه "(2).
كما أنكر الصحابي عبادة بن الصامت على معاوية ذلك إذ رآه يتناول الخمر وتصدى له بقوّة ليردعه عن ذلك، فما كان من معاوية إلاّ أن كتب إلى عثمان بن عفان أن عبادة يفسد الشام! وكان قرار الخليفة ـ كالعادة ـ التبعيد والنفي(3)!.
معاوية وأهل الشام:
إنّ من أجلى مظاهر كيد معاوية للإسلام، عزله الشام عن الروح الإسلامية التي بيّنها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وجسّدها بقوله وفعله، بل أنّه أماتها بتطبيقه لأوامر منع نشر الحديث النبوي لاسيما المتعلّقة بمكانه أهل البيت(عليهم السلام)، فصار أهل الشام لايعرفون رمزاً للإسلام ورحماً للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) غير معاوية!! حتى أنّه قال لعمّار بن
____________
1- مسند أحمد بن حنبل: 5 / 347.
2- تاريخ ابن عساكر: 34 / 420، وذكره ابن حجر في الاصابة: 4 / 312 (5140)، ولخصه في تهذيب التهذيب: 6 / 192، ولخصه ابن عبد البر في الاستيعاب: 2 / 836 (1424)، وابن الاثير في أسد الغابة: 3 / 299.
3- أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2 / 9 ـ 10، تاريخ ابن عساكر: 26 / 198.
فترعرع الشاميون على هذا النهج، بأنّ معاوية عنّدهم عنوانٌ للإيمان، حتى نشؤوا على النصب(2)، فكان شتم الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وسبّه عندهم سنّة!
وقد أورد الجاحظ في رسائله: " إنّ قوماً من بني أميّة قالوا لمعاوية: فلو كففت عن لعن هذا الرجل، فقال لهم: لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولايذكر ذاكر له فضلا "(3)!.
وقال ابن الأثير: دعا معاوية المغيرة بن شعبة وهو يريد أن يستعمله على الكوفة، فقال له في كلام: " وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولست تاركاً إيصاءك بخصلة، لاتترك شتم عليّ وذمّه "(4)!.
وإنّ أدلّ دليل على بغي معاوية وضلاله، خروجه على إمام زمانه ومحاربته إياه، وقتله الآف المسلمين في معركة صفين، من بينهم الصحابي الجليل عمّار بن ياسر(رضي الله عنه)، الذي قال عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار "(5).
ولشهرة الحديث ما أنكره معاوية وما ردّه، بل قال: " قتله من جاء به، فقال
____________
1- أنظر: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 46.
2- أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 3 / 128 (ترجمة معاوية بن أبي سفيان).
3- أنظر: شرح النهج لابن أبي الحديد: 4 / 57، نقلاً عن الجاحظ.
4- أنظر: الكامل في التاريخ الابن الأثير: 3 / 472، تاريخ الطبري: 5 / 253، العقد الفريد لابن عبد ربّه: 4 / 366.
5- أنظر: صحيح البخاري: 1/ 172 (436)، صحيح مسلم: 4 / 2236، صحيح ابن حبان: 15 / 554 (7079)، مسند أحمد: 3 / 90 (11879).
حقد معاوية على الإمام عليّ(عليه السلام) والأنصار:
إنّ السبب الأساسي لحقد معاوية لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)إلى هذا الحدّ، هو أنّه(عليه السلام) قد أرغم أنوف المشركين لاسيما أئمة الكفر كأبي سفيان وأبي جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهم، وحطم كبرياء قريش وخيلاءها في كل ميدان، وكان السابق لها في كل فضل، فهو الأوّل إسلاماً(2)، وهو الوصي و...
ولم يكتف معاوية لعداوته للإمام عليّ(عليه السلام)، بل تعدى عداؤه إلى الأنصار، لإيوائهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والمهاجرين الأوّلين، ووقوفهم المشرف مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)في حروبه ضد المشركين، فكان معاوية يتحين الفرص للإيقاع بهم وإهانتهم والحط من شأنهم، حتى قال شاعر البلاط الأموي:
ذهبت قريش بالمفاخر كلّها | و اللؤم تحت عمائم الأنصار |
ولما جاء وفدهم إلى دمشق، أخبر الحاجب بأنّ وفد الأنصار بالباب، فتضايق معاوية من هذه الكلمة وقال لحاجبه: قل لهم ليدخل أبناء قيلة ـ وهو الإسم الذي عرفوا به في الجاهلية ـ فلم يدخلوا حتى دعاهم بالاسم الذي سماهم به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يعبأ معاوية بما قاله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حقهم: " لو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، والله لولا الهجرة لكنت امرءً من الأنصار، اللهم إرحم الأنصار وأبناء الأنصار "(3).
فكانت كلمة الأنصار تهزّ كيان معاوية، وتذكره بالهزائم المنكرة التي لقيتها
____________
1- أنظر: الطرائف لابن طاووس: 2 / 218.
2- أنظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير: 2 / 55، وقد تقدّم ذكر الأحاديث في هذا الأمر.
3- أنظر: مسند أحمد: 3 / 76 (11748)، (12616)، صحيح البخاري: 4 / 1576 (4082)، صحيح مسلم: 2 / 735 (1059).