2 ـ ذكر مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قوله: " دخلت مع أبي على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعته يقول: " إنّ هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة "، قال: ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش "(1).
وفي لفظ: " لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا... كلّهم من قريش "(2).
وفي لفظ: " لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش "(3).
وفي لفظ: " لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة... كلهم من قريش "(4).
3 ـ ذكر الترمذي بسندين عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " يكون من بعدي اثنا عشر أميراً... كلّهم من قريش "(5).
4 ـ أخرج أحمد بن حنّبل في مسنده عن جابر بن سمرة أيضاً، قال: " سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش "(6)، كما أخرجه بألفاظ متعددة في نفس الكتاب.
5 ـ أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين، عن طريق عبد الله بن مسعود عندما سأله رجل وقال: " هل سألتم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كم يملك هذه الأمة
____________
1- صحيح مسلم: 3 / 1452 (1821).
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.
5- أنظر: سنن الترمذي: 4 / 80 (2223).
6- مسند أحمد: 5 / 92.
6 ـ ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وأضاف هذا اللفظ: "... لا يضرهم عداوة من عاداهم، فإلتفت خلفي فإذا أنا بعمر بن الخطاب في أناس فأثبتوا لي الحديث كما سمعت "(2).
مصاديق الأئمة الاثني عشر:
لقد ذكر العديد من أعلام أهل العامة عند تعداده للخلفاء بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّ الأئمة الذين أشار إليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) والأئمة من ولده(عليه السلام)، ومن هؤلاء:
1 ـ الخوارزمي في المناقب: حيث روى عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " من أحبّ أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي، فليتول عليّ ابن أبي طالب، وذريته أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده "(3).
2 ـ أبو نعيم في حلية الأولياء: حيث روى عن ابن عباس أنّه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " من سره أنّ يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربّي، فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أُمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي "(4).
3 ـ القندوزي في ينابيع المودة: حيث روى بسنده عن سلمان الفارسي(رضي الله عنه)
____________
1- المستدرك: 4 / 546 (8529).
2- مجمع الزوائد: 5 / 191.
3- مناقب الخوارزمي: 75 (55).
4- حلية الأولياء: 1 / 128 (268).
فهذه الأحاديث روتها مصادر أهل العامة، وروتها مصادر الإمامية بتفصيل أكثر، من حيث التعيين بالأسماء والكنى والصفات(2).
والناظر لهذه الأحاديث يجد أنّ هناك حدّاً مشتركاً بين الفريقين، وهو أنّهم اثنا عشر خليفة أو أميراً أو إماماً وأنّهم من قريش أيضاً، وأنّهم يعزّون الإسلام ويرفعونه لأنّهم هداة مهديون، لايضرهم عداوة من عاداهم!.
كما أنّ جملة من هذه الأحاديث التي رواها أهل العامة تنطبق تماماً مع ما يعتقده أتباع أهل البيت(عليهم السلام).
ولا تحتمل هذه الروايات التأويل الذي ذكره بعض أهل العامة من أنّ المقصود من الأمراء والأئمة، هم الخلفاء الراشدون الأربعة بانضمام الإمام الحسن بن عليّ(عليه السلام)ومعاوية وعدداً من بني أُمية!.
وهذا الأمر لا يستقيم بحال من الأحوال لمّا عرف عن الأمويين من فسق وفجور وجور وإنحراف، بالخصوص عندّ النظر لبعض ألفاظ الحديث: " اثنا عشر كل منهم هاد مهدي " الذي ذكره البخاري، وكذلك لا يصحّ إنطباقه على بني العباس لزيادتهم على العدد المذكور أوّلا، ولشهرتهم بالفتك والتهتك والتلاعب بمقدرات المسلمين ثانياً.
____________
1- ينابيع المودة: 2 / 44.
2- أنظر: كمال الدين للصدوق: 3 / 258، الصراط المستقيم للعاملي: 2 / 123 ـ 135، الكافي للكليني: 1 / 447، أعلام الورى للطبرسي: 2 / 166.
ولو تؤمّل قليلاً في حديث الثقلين الوارد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي، لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض "(2)، لتبيّن بوضوح أنّ مصداق الخلفاء الذين أشار إليهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، هم عليّ وبنوه(عليهم السلام)، لأنّ دلالة هذا الحديث واضحة في كونهم حجج على البرية لاقترانهم بالقرآن الذي لا يشكّ مسلم في حجيته.
كما يثبت هذا الحديث عصمتهم لعدم مفارقتهم للقرآن، وهذه العصمة هي التي منحتهم هذا المنصب الإلهى، وجعلتهم أولى بالخلافة ممن قضوا شطراً من حياتهم في الشرك والضلال.
الهدي بهدى الأئمة الاثنى عشر:
يقول الأخ محمّد أحمد إبراهيم: " جعلتني هذه النصوص المذهلة أراجع مرتكزاتي العقائدية من جديد، لأنّني عرفت بعد ذلك أنّ الخلافة ليست إلاّ بالنصّ، وللذين يصطفيهم الله لهذه المهمّة بعد أن يمنحهم الطافة الخاصة التي تجعلهم أن يؤدّوا هذه المهمة بأكمل صورة ومن دون أن يعتريها أيّ شائبة، وحيث
____________
1- أنظر: المناقب للخوارزمي: 147 (171).
2- أنظر: مسند أحمد: 3 / 17 (11147)، سنن للترمذي: 6 / 125 (3788)، الصواعق المحرقة لابن مجر: 2 / 438، 652، مشكاة المصابيح للتبريزي: 3 / 371 (6153).
وثبت عندي أنّ أوصياء النبيّ(عليهم السلام)وخلفاءه اثنا عشر لا أكثر ولا أقل، أوّلهم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)ويليه من بعده ذرية آل محمد الذين أصطفاهم الله كما أصطفى آل عمران وآل إبراهيم ".
ويضيف الأخ محمّد: " بدأت أتوجه صوب مذهب هؤلاء الأوصياء، وبدأت أتعرف على عقائدهم وفقههم وسيرتهم، وقد لمست الفرق الواضح بين مدرستهم والمدارس الأخرى، وكنت بين فترة وأخرى أراجع علماء الإمامية ـ لاسيما المحقق "سيد جعفر مرتضى العاملي" ـ بخصوص المسائل التي تحتاج إلى إيضاح، وإستمر بي البحث ثلاثة أشهر متواصلة إلى أن وفقني الله تعالى للتشرّف باعتناق مذهب العترة الطاهرة، فأعلنت استبصاري عام 1989 م، وأخذت على عاتقي توعية الناس في بلادي وتعريفهم بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وقد تم بفضل الله تعالى استبصار عدد لابأس به، وأوّلهم أفراد عائلتي والحمد لله ".
____________
1- الأحزاب: 36.
(41) محمّد بيلّو باري
(مالكي / غينيا)
ولد عام 1976م بمدينة " بيتا " في جمهوريّة غينيا(1)، من عائلة تعتنق المذهب المالكي، حاصل على شهادة الليسانس في القانون والعلوم السياسية.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1991م في " كوناكري " عاصمة غينيا.
البحث عن أجوبة مقنعة:
يقول الأخ محمّد: " لقد كان والدي من علماء الدين الكبار في مدينة " بيتا " وكان الطابع الديني من السمات البارزة لأسرتنا، فأثّرت تلك الأجواء المفعمة بالالتزام والتدين في نفسي وجعلتني أنشدّ منذ الصغر للدين، حتى تمكنت بحمد الله من حفظ القرآن الكريم في العقد الأوّل من عمري.
ولوجود مكتبة في بيتنا ـ بحكم عمل أبي ـ كنت أجد متعة منقطعة النظير في مطالعة كتب التاريخ والعقائد، ومن هنا صاغت لي هذه العوامل عقلية باحثة تستفسر عما يشكل عليها، وتحبّ التحليل والجواب الدقيق، وهذا ما أوجد لي
____________
1- غينيا: أنظر الترجمة رقم (11).
1 ـ هل من المعقول أن لا يعيّن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) خليفة من بعده تقصده الأمة وترجع اليه؟!.
2 ـ إنّ أفضلية أهل البيت(عليهم السلام) واضحة وجلية، يقرّ بها المخالف لهم والموافق، فلماذا أخّرتهم الأُمّة وقدمت غيرهم؟!.
3 ـ الحديث القائل: " إنّ كلا من القاتل والمقتول في النار "(1)! أليس هذا إجحاف بحقّ المظلوم؟!.
4 ـ الحديث القائل: " خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء "(2) ـ يعني عائشة ـ، أليس فيه دلالة استنقاص لبقية الصحابة المقرّبين؟!.
فصرت أشعر بتزلزل في أركان معتقداتي، فلم أجد بداً من الالتجاء إلى البحث والدراسة بنفسي لأنقذها من الوضعية المتأزمة التي صرت أعاني منها.
وللأسف أنّ الدراسة والتتبع لم يشف غليلي، وذلك لأنّ أموراً فاجأتني لم تكن تخطر ببالي من قبل! فقد أدركت أنّ السياسة لعبت دوراً أساسياً في إعطاء بعض الشخصيات وزناً كبيراً، حيث جنّدت بعض الأقلام والأفواه لوضع
____________
1- هذه المقولة وردت في أحاديث متعددة نسبت للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وفي موارد مختلفة، وقد تشبث بها المتخلفين عن القتال بين عليّ(عليه السلام) ومناوئيه كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم، وقد غفلوا عن النصوص الواردة على وجوب نصرة المظلوم والدفاع عن الحقّ وقتال الباغين.
2- ذكره عبد العزيز الدهلوي في التحفة: 440، وقال حديث صحيح، وابن الأثير في النهاية: مادة (حمر)، وابن كثير في البداية والنهاية: 3 / 104، والآمدي في الأحكام: 1 / 308، وغيرهم.
بطلان حديث " خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء ":
إنّ الباحث لو أمعن النظر في هذا الحديث الذي تمسّك به البعض واعتمد عليه تمام الاعتماد، يجده حديثاً قد أبطله كبار علماء العامة وحفّاظهم، ومنهم:
1 ـ المزي: حيث قال: " لم أقف له على سند إلى الآن "(1)!.
2 ـ الذهبي: فعن ابن الملقن قال: " قال الذهبي: هو من الأحاديث الواهية التي لايعرف لها أسناد "(2)!.
3 ـ ابن قيم الجوزية: إذ قال في جواب سؤال وجّه إليه: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟ قال: " فصل: ومنها أن يكون الحديث باطلا في نفسه، فيدل بطلانه على أنّه ليس من كلامه، كحديث: المجرة التي في السماء من عرق الأفعى التي تحت العرش... وكلّ حديث فيه (يا حميراء) وذكر (الحميراء) فهو كذب مختلق... وحديث " خذوا شطر دينكم عن الحميراء " "(3)!.
4 ـ ابن كثير: عن السيوطي: " وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في (تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب) هو حديث غريب جداً، بل هو حديث منكر "(4)!.
5 ـ ابن حجر العسقلاني: أيضاً أنكر هذا الحديث، فقال: " لا أعرف له
____________
1- أنظر: كشف الخفاء للعجلوني: 1 / 332 (1196)، وقد نقل كلام المزي، التقرير والتحبير في شرح التحرير: 3 / 99، الدرر المنتثرة للسيوطي: 79.
2- أنظر: كشف الخفاء للعجلوني: 1 / 332 (1196).
3- أنظر: المنار المنيف لابن قيم الجوزية: 59 ـ 61 (91).
4- أنظر: الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي: 77.
6 ـ السيوطي: حيث قال: " حديث: " خذوا شطر دينكم عن الحميراء " لم أقف عليه "(2)!.
7 ـ الفتني: وقد أدرجه في (تذكرة الموضوعات)(3)!.
8 ـ القاري: أورده في كتابه (المصنوع): " حديث: " خذوا شطر دينكم عن الحميراء " لا يعرف له أصل "(4)!.
فهذا حال الحديث باعتراف كبار أئمة العامة في هذا الخصوص(5).
ثمّ لو راجعنا سيرة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عائشة لأدركنا أنّ هذا الحديث لاينطبق مع بعض مواقفها.
ما نقل من سيرة عائشة:
لو يمعن الباحث النظر في سيرة عائشة يرى بوضوح بطلان هذا الحديث وكونه موضوعاً لا حقيقة له، لأنّ أخذ شطر الدين عن الحميراء كما ورد اللفظ، يعني الاستنان بها باعتبارها أحد المؤتمنين على الشريعة، في حين أنّها كانت تتصرّف بأمور لم يرتضيها الشرع أبداً!، وإشارة لذلك نذكر طائفة منها:
____________
1- أنظر: تحفة الأحوذي للمباركفوري: 10 / 259 (4134)، كشف الخفاء للعجلوني: / 332 (1196).
2- أنظر: الدرر المنتثرة للسيوطي: 77.
3- تذكرة الموضوعات: 100.
4- المصنوع: 1 / 98 (121).
5- وللمزيد أنظر كتاب نفحات الأزهار للميلاني، حيث أحصى أسماء الذين وضّعوا وضعّفوا هذا الحديث: 2 / 355 ـ 364.
عائشة مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم):
ورد أنّ عائشة واجهت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بقولها: " أنت الذي تزعم أنّك نبيّ الله!! "، وقولها له(صلى الله عليه وآله وسلم) بحضور أبيها: " يا رسول الله أقصد " فلطمها أبوها وجعل الدم يسيل من أنفها(1).
والحال أنّ القرآن الكريم أعطى للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بُعداً آخر يقوم على احترامه وتعظيمه وخفض الصوت أثناء الحديث معه، فقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)(2)، فهل يقول مؤمن بالله وبكتابه وبرسوله أنّ موقفها هذا مرضي عند الله، ليؤخذ شطر الدين عنها؟!.
عائشة مع أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم):
إنّ تعامل عائشة ومواقفها مع باقي نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)دليل آخر على كون حديث " خذوا شطر دينكم عن الحميراء " موضوعاً، لما في هذا التعامل من الفظاظة والغلظة!.
فقد ذكر الزركشي في (الإجابة) نقلاً عن كتاب محمد بن عبد الملك التاريخي: " ـ سمعت عائشة ـ سودة(3) تنشد:
" عدي وتيم تبتغي من تحالف "
____________
1- أنظر: مسند أبى يعلى: 8 / 129 (4670)، مجمع الزوائد للهيثمي: 4 / 322، أحياء علوم الدين للغزّالي، كتاب النكاح: 2 / 65، وغيرها.
2- الحجرات: 2.
3- سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، من بني لؤي، تزوجها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في مكة بعد وفاة خديجة، كانت من قبل زوجة السكران بن عمرو بن عبد شمس الذي توفى بعد رجوعه من هجرة الحبشة.
وروى الترمذي وغيره(2) عنها أنّها قالت: " قلت للنبيّ حسبك من صفية كذا وكذا، فقال لها النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ـ أي يتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها ـ! "(3).
وورد أنّها قالت: " لمّا قدم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة وهو عروس بصفية بنت حيي، جئن نساء الأنصار فأخبرن عنها... فقال ـ رسول الله ـ: كيف رأيت؟
قلت: قلت: أرسل يهودية وسط يهوديات "(4)!.
وأخرج النسائي في صحيحه عن أم سلمة: " أنّها أتت بطعام في قصعة لها إلى رسول الله، فجاءت عائشة مؤتزرة بكساء ومعها فهر(5)، ففلقت به القصعة "(6)، ولها حوادث مشابهة مع حفصة(7) وصفية(8).
وذكر البخاري في صحيحه عن عائشة نفسها قالت: " كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على
____________
1- الإجابة: 27.
2- أنظر: سنن الترمذي: 4 / 275 (2502)، سنن أبي داود: 4 / 291 (4875)، مسند أحمد: 6 / 189 (25601)، وغيرهم.
3- الشرح في الرواية ذكره الزركشي في كتابه الإجابة: 75.
4- أنظر: سنن ابن ماجة، كتاب النكاح: 1 / 620 (1980).
5- الفهر: الحجر ملء الكف، أو الحجر مطلقاً.
6- سنن النسائي: 5 / 285 (8904).
7- أنظر: مسند أحمد: 6 / 111.
8- أنظر: مسند أحمد: 144 و 2776، سنن النسائي: 5 / 286 (8905).
فإذا كان الإنسان رهين إحاسيسه وعواطفه، فهل يعقل أن يؤخذ عنه شطراً من الدين؟!.
قولها في مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم):
قد ذكر البخاري في صحيحة عن عائشة: " لقد دعاني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً على باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم "(2)!.
وأخرج مسلم في صحيحه عنها: " جاء حبش يزفون(3) في يوم عيد في المسجد، فدعاني النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعت رأسي على منكبه "(4)!، وأحاديث أخرى بخصوص هذا المورد(5).
ولا يخفى ما للمساجد من أهمية في الإسلام، حيث نصّ الشارع المقدّس على حرمة تنجيسها، وأعطاها مكانة مرموقة تتناسب مع دورها الحيوي والريادي في بناء الإنسان المسلم، وقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ما ينبيء عن عظيم إحترامه وتقديره لبيوت الله، حيث قال(صلى الله عليه وآله وسلم): " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراركم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ
____________
1- صحيح البخاري: 4 / 1865 (4628).
2- صحيح البخاري، كتاب المساجد: 1 / 173 (443).
3- معنى الزفن: الرقص.
4- صحيح مسلم: 2 / 609 (892).
5- أنظر: صحيح البخاري: باب في العيدين، باب الحراب والدرق، وكذا كتاب الجهاد، باب الدرق، وصحيح مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه.
ولمسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصية، حيث أنّ قداسته وفضيلته وعظمته أشهر من أن تذكر.
فهل يعقل أن يسمح خاتم الرسل(صلى الله عليه وآله وسلم) بانتهاك حرمة مسجده؟! وهل يعقل أن يسمح النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الفعل فيكون سنة من بعده؟!.
كل هذا يدعو للتآمل إمّا في من وردت عنه الرواية، أو في صاحبي الصحيحين الّذين أوردا هذا الكلام!.
عائشة وصلاة المسافر:
ورد عن عائشة: " الصلاة أوّل ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر "، قال الزهري: فقلت لعروة ما بال عائشة تتم؟! قال: تأولت ما تأول عثمان "(2)!.
في حين أنّ كتاب الله يأمر بقصر الصلاة في حال السفر، وذلك في قوله تعالى: (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي اْلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً)(3)، فعلام هذا التأويل وقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقصر صلاته في حال السفر؟!.
فيا ترى هل نأخذ شطر ديننا عن امرأة تتم الصلاة في السفر؟!.
عائشة مع إمام زمانها:
ومن الأدلّة على وضع حديث ـ أخذ شطر الدين عنها ـ خروجها على إمام
____________
1- أنظر: سنن ابن ماجة: 1 / 243 (750).
2- أنظر: صحيح البخاري، كتاب تقصير الصلاة: 1 / 369 (1040).
3- النساء: 101.
وعقيدة العامة عدم جوّاز الخروج على الإمام وإن كان فاسقاً، فكيف بخروجها على سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين! وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فيه وأهل بيته(عليهم السلام): " أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم "(1).
وكان نتيجة خروجها حدوث فتنه عمياء وقعت فيها حرب طاحنة سفك فيها دماء الآلاف من أهل القبلة، فريق باغون على إمامهم ناكثون لبيعته يدّعون دعوى باطلة، وفريق يصدّهم عن الغي ويدعوهم إلى الهدى.
والكتاب الذي وجهه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى طلحة والزبير وعائشة يثبت ذلك، حيث يقول فيه: " وأنت يا عائشة فإنّك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين المسلمين، فخبريني: ما للنساء وقود الجيوش والبروز للرجال والوقوع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحرمة؟!
ثم إنّك طلبت على زعمك دم عثمان، وما أنت وذاك؟ عثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم، ثمّ بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر! ثم تطلبين اليوم بدمه؟ فاتقي الله وأرجعي إلى بيتك، وأسبلي عليك سترك، والسلام "(2).
كما قد حذّر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الفتنة، وأشار إلى مكمنها! فأورد البخاري
____________
1- أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده: 2 / 442 (9696)، الحاكم النيسابوري في المستدرك: 3 / 161 (4713)، الطبراني في المعجم الكبير: 3 / 40 (2619)، الترمذي في سننه: 5 / 174 (3870)، ابن ماجة في سننه: 1 / 52 (12)، ابن حبان في صحيحه: 15 / 434 (6977).2- أنظر: تذكرة الخواص لابن الجوزي: 71، المناقب للخوارزمي: 184، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 90.
وأورد مسلم عن ابن عمر: " خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان "(2)!.
فهذه الأحاديث تفنّد وتهدّ كلّ أساس يقوم عليه حديث " خذوا شطر دينكم عن الحميراء "! لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال عنها: " رأس الكفر " وكفى بها من عبارة...
هذا إضافة إلى شواهد عديدة لأقوال علماء أهل السنّة الدالّة على عدم صدق الحديث، كقول الزهري حول علم عائشة: "ليست عائشة أعلم عندنا من ابن عباس "(3).
هذا ولو سلّم بصحة الحديث ودلالته لوجب على أهل العامة أن يكفّروا عثمان ويجردوه من ألقابه " ذي النورين، والشهيد، والخليفة المظلوم و... " التي منحوها إيّاه! لأنّ زوجة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) التي أمر الرسول بأخذ شطر الدين عنها على قولهم، قالت: " أقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا فقد كفر "(4)!.
والجدير ذكره أنّ أوّل من سمّى عثمان بهذا الإسم عائشة(5)!! حتى عاب عليها جمع من المسلمين ذلك عندما أدّعت طلب ثاره من الإمام عليّ بن أبي
____________
1- أنظر: صحيح البخاري، باب ما جاء في بيوت ازواج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): 3 / 1130 (2937).
2- أنظر: صحيح مسلم: 4 / 2229 (2905).
3- أنظر: ضوء الساري لشهاب الدين: 183، نقلاً عن تفسير عبد الرزاق، عيون الأثر لابن سيّد الناس: 1 / 195.
4- أنظر: تاريخ الطبري: 4 / 459، النهاية لابن الأثير: 4، كلمة (نعثل). شرح النهج لابن أبي الحديد: 6 / 251، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 72، الفتوح لابن أعثم: 1 / 419.
5- ونعثل: رجل يهودي كان بالمدينة. وقيل شبه به عثمان لانه كان طويل وكثير شعر اللحية.
1 ـ عمّار بن ياسر، الذي قال لها حينما رآها تبكي على عثمان: " أنت بالأمس تحرضين عليه، ثمّ أنت اليوم تبكينه "(1)!.
2 ـ الأحنف بن قيس، عندما قال لها في البصرة قبل حرب الجمل: " يا أمّ المؤمنين ما كبرت السن ولا طال العهد، وأنّ عهدي بك عام أوّل تقولين فيه وتنالين منه "(2)!.
3 ـ أمّ سلمة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، عندما خادعتها عائشة لتخرجها معها ضدّ الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقالت لها: " إنّك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان إسمه عندك إلاّ نعثلا "(3)!.
4 ـ عبيد بن أبي سلمة، الذي قال لها عندما لاقاها قرب المدينة: " إنّ أوّل من طعن عليه وأطمع الناس فيه لأنت، ولقد قلت: اقتلوا نعثلاً فقد كفر (فجر)... "(4)!.
وقال البلاذري: " لمّا اشتدّ الأمر على عثمان، أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فأتيا عائشة وهي تريد الحجّ، فقالا لها: لو أقمت فلعل الله يدفع بك عن هذا الرجل.
فقالت: قد قرّبت ركابي وأوجبت الحجّ على نفسي، ووالله لا أفعل، فنهض مروان وصاحبه، ومروان يقول:
وحرّق قيس عليّ البلادَ | حتى إذا أضطرمت أجذما |
____________
1- أنظر: الغدير للأميني: 9 / 125.
2- أنظر: الإستيعاب لابن عبد البر: 2 / 716 (1209).
3- أنظر: شرح النهج لابن ابي الحديد: 6 / 217.
4- أنظر: الإمامة السياسة لابن قتيبة: 1 / 72، الفتوح لابن عثم: 1 / 419.
ولقد ألّبت عائشة الوضع على عثمان وخذلت عنه الناس وحطّت من قدره، ولم تعدل عن تلك النظرية حتى بعد مقتله، لأنّها كانت تعتقد أنّ الأمر سيؤول إلى ابن عمها طلحة! حتى قالت بعد أن وصلها نبأ مقتل عثمان: " بعداً لنعثل وسحقاً، إيه ذا الأصبع! إيه أبا شبل! إيه يابن عم! لكأني أنظر إلى اصبعه وهو يبايع له "(3).
انقشاع سحب الظلام:
يقول الأخ محمّد بيلو: " جعلتني هذه الحقائق مضطرباً معرضاً عن كلّ معتقداتي السابقة! وللخروج من هذا المأزق عكفت على كتب المناظرات لعلّي أجد فيها مخرجاً، ولم أكن بذاك المستوى القادر على الصمود أمام النقد والتحليل، حتى أنّ شاركني في توجهي هذا مجموعة من الأصدقاء الذين كانت لهم نفس المعاناة.
وخلال هذه الفترة سمعت أنا وأصدقائي بوجود عالم شيعي يقول عنه أهل المنطقة: أنّه ترك الدين، ومرق عن الإسلام، وإلتزم الكفر!، فقرّرنا الذهاب إليه واسمه ـ "الشيخ محمّد حبيب سو" ـ لنرى ما يحمل من أفكار.
والتقينا به فكان على نقيض ما رُمي به وشُنّع عليه، فكان رجلا خلوقاً محيطاً بالدين عالماً فاضلا... وبدأنا نطرح مالدينا عليه، فتأمّل في كلامنا ثم دعانا لعدم التسرع في إتخاذ القرار، وأبدى استعداده التام للتعاون معنا في هذا
____________
1- الغرارة: بكسر الغين من الجوالق، وهو وعاء معروف عند العرب.
2- أنساب الأشراف: 6 / 193.
3- أنظر: شرح النهج لابن أبي الحديد: 6 / 215، أنساب الأشراف للبلاذري: 6 / 213.