اللّهم صل على محمّد وآل محمّد
بدءاً نرى لزاماً علينا الإشارة لحقيقة واضحة ناصعة إلى أنّ النجف الأشرف مدينة أمير المؤمنين (عليه السلام) ما زالت تزهو بعلمائها وفضلائها، الذين ما فتئوا يرفدون المكتبة الإسلامية بإبداعاتهم ونتاجاتهم مشمرين سواعدهم في الدفاع عن الإسلام الأصيل والمذهب الحق. وكيف لا وقد جاوروا باب علم النبيين وحام حمى الدين عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام). وما هذه الموسوعة (موسوعة عبد الله بن عباس) التي خطتها أنامل علم من أعلام النجف الأشرف فضيلة العلامة الحجة السيد محمّد مهدي الخرسان إلاّ دليل واضح وبرهان ساطع على ذلك.
ونظراً لمتبنيات مركز الأبحاث العقائدية المنصبة على درء الشبهات، والدفاع عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومن ينتسب إليهم، فقد بادرنا - ضمن مشروع سلسلة رد الشبهات - بالعمل في إخراج هذه الموسوعة لتعم الفائدة على الجميع.
وفي الختام يـُبدي مركز الأبحاث العقائدية شكره وامتنانه لسماحة العلامة الحجة السيد محمّد مهدي السيد حسن الخرسان لـِما أولاه من ثقةٍ وتخويل للمركز في إعداد وإخراج الحلقة الأولى من هذه الموسوعة العظيمة، راجين المولى عز وجل أن يوفق الجميع لاخراج جميع حلقاتها لتعم الفائدة.
والحمد لله رب العالمين.
مركز الأبحاث العقائدية
النجف الاشرف
كان من حق هذا الكتاب أن يصدر منذ خمسين عاماً، إلاّ أنّ العوائق حالت دون ذلك والأمور مرهونة بأوقاتها، وقد كثر السؤال عنه، والمطالبة به من العلماء وأرباب الفضيلة وكنت أعدهم، وأتحين الفرصة للوفاء بالوعد، ولكن كلمّا هممت صرفني صارف من اشتغالي بتأليف أو تحقيق كتاب أو تقديم مؤلف لأعلام الطائفة، ممّا أراه في تقديري ربما كان أجدى وأجدر، وهكذا بقي كتاب (ابن عباس) رهين الخزانة، وذمتي رهينة للمطالبين به بالوفاء يسر الله سبحانه أسباب طبعه ونشره انّه سميع مجيب.
المؤلف
(من ورّخ مؤمناً فكأنما أحياه، ومن قرأ تأريخه فكأنما زاره)
(ومن زاره استوجب رضوان الله، وحق على المزور أن يكرم زائره)
(خاتمة ذخيرة المآل للحفظي)
جاء في أبجد العلوم: في رسالة الشيخ المسند حسن العجيمي ما معناه:
(من ورّخ أحداً من أهل الفضل والكمال فهو في شفاعته)
(أبجد العلوم للقنوجي 3/4)
وفي كتاب تحقيق الصفا لمحب الدين الطبري:
(أنّ من ورّخ مؤمناً فضلاً عن عالم عامل فكأنما أحياه، ومن أحيى مؤمناً فكأنما أحيى الناس جميعاً)
الإهداء
السلام عليك يا باب مدينة علم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيها الإمام المجاهد. ويا مربي المسلمين بنهجه الخالد
سيدي أبا الحسنين:
أرفع بكل خضوع وخشوع بكلتا يديّ نحو جنابكم العالي ما ضمّته هذه الأوراق عن حياة تلميذك الوفيّ وابن عمك الصفيّ (عبد الله بن عباس) حبر الاُمة وترجمان القرآن الذي توسمت فيه الخير حين حدبت على تربيته وتهذيبه حتى صفت نفسه، وزكا حسه بفضل ما أودعته من فيض علومك ونمير أخلاقك فصار كما قلت عنه: ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق.
إليك يا أبا السـبطيـن أهدي ما جمعته في هـذه الأوراق.
فما أحدٌ أولى بها منك، راجياً من الله المثوبة ومنك القبول.
والسلام عليك وعليه ورحمة الله وبركاته.
خادمك
محمّد مهدي الموسوي الخرسان
عـفـي عـنـه
13 ربيع الثاني سنة 1368 هـ
تقريض
سماحة المغفور له الحجة: السيد هبة الدين الحسيني
أمّا بعد الحمد والصلاة فإني مبتهج بالفرحة السعيدة التي أطلعني فيها ولدي المهذب الفاضل والحبر البحاث الكامل فخر الزمان السيد مهدي الخرسان دامت افاضاته وفيوضاته على كتابه القيم الذي عانى في سبيل اتمامه المشاق فذلل له الصعاب وخاض الغمرة وكشف الغبرة وسدد الثغرة ولا غرو فهو ابن جلاها وطلاع ثناياها فاسفرت جهوده عن سفره النفيس في حياة حبر الأمة عبد الله بن عباس ابن عبد المطلب (رضي الله عنه) عالج مؤلفه الفاضل عامة القضايا الخاصة بهذا الإمام من ازاحة الأوهام عن صفحة حبر الأمة والإسلام بحر العلم وترجمان القرآن الزعيم السياسي في آرائه وحنكته ومواقفه، والفقيه الورع الزاهد في علمه وتقواه وعمله، والأديب الأريب اللوذعي الألمعي، والخطيب المصقع في خطبه وكتبه واحتجاجه وحواره، إمام المفسرين وشيخ المحدثين، ونادرة الصحابة والتابعين رضى الله تعالى عنه، فالمؤلف هو بحاثة النجف وبقية السلف وعنوان
هبة الدين الحسيني
مكتبة الجوادين العامة
بغداد / تلفون 2030
التاريخ: 12شعبان سنة 1374
عدد: 124 / سجل: 4
تقريض
سماحة المغفور له المرجع الديني آية الله العظمى: السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي
الحمد لله وسـلام عـلى عبـاده الذين اصطـفى ان خير ما تصوّره ريشة الكاتب وتخـطّه براعـة الباحـث هـو ما يثبت حقيقة راهنة أو يبث برهنة صادقـة، وإنّ ما جاء بـه ولـدنـا الأعـز الفاضـل البـاحث الناقـد الشريـف محمّد المهـدي الخـرسان دام فضـله أخذ بمجامع المهتمين فطفـق يفيض بحراً عن حبـر الأمة، وعـقوداً ذهبيـة من حيـاته المفعمة بالفضائل والفواضـل فحقيق له أن يعـدّ في علية الكتب وحسنة العصر الحاضر ومأثرة خالدة لمؤلفه البـارع فحيـّاه الله علـماً للأدب وموئلاً للفضيلة والسلام عـليه ورحمـة الله وبركاته في ذي الحجة الحرام 1374هـ.
الأقل عبد الهادي الحسيني الشيرازي
مقدّمة المؤلف
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيدنا محمّد بن عبد الله رسول الله خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين الميامين حجج الله على الخلق أجمعين.
ورضي الله عن الصحابة المهتدين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فهذه سطور بين يدي كتابي (موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن) الذي أرجو أن يثيبني الله سبحانه عليه أجزل الثواب، فقد أخلصت فبذلت فيه جهداً، وآمنت فنصرت له عبداً:
دافعت عن حقٍ يحاول ذو هوىً | إظهاره للناس شيئاً منكرا |
فكرة الكتاب من أين؟ والـى أين؟
قبل أكثر من نصف قرن، وأنا يومئذٍ في أواخر العقد الثاني وأوائل الثالث من عمري وفي متوسط مراحل التحصيل الدراسي على النهج المعروف المألوف في محيطي، كنت أشعر حين قراءتي للتأريخ الإسلامي في عصوره الأولى، براحة نفسية أتخيل فيها الحضور والمعايشة لرجالنا الذين وطّدوا الدعائم وأقاموا السلالم، ليرقى عليها من يأتي بعدهم ويهتدي بهديهم، إلى أوج السعادة والكمال.
فأستشعر لهم الحشمة والإكبار لمواقفهم الجهادية في ميادين العلم والعمل.
كما كنت أشعر بالحيرة وأُصاب بالدهشة حين أقرأ عن بعض أولئك الرجال ممّا يزرى به، فيما يتناقله المؤرخون بتناقض جاوز حدّ الغرابة، فتتملكني الحيرة - ولا أقول الخيبة - كيف يكون ذلك؟ وما أكثر الشواهد على التناقض في مدوّنات المؤرخين، وما أكثر المظلومين من ضحايا ذلك التناقض، وكان من جملة هؤلاء الضحايا عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن صاحب هذه الموسوعة.
فحين أقرأ أي كتاب تاريخ عن عصره ومصره، أجده حاضراً وناظراً فأنّا أقرأ عنه: حبر الأمة، وترجمان القرآن، وهو البحر في علمه، والذي ينظر إلى الغيب من وراء سترٍ رقيق و. و. و. فلا يثير ذلك في نفسي تساؤلاً لأن الرجل له حضور مكثف في التفسير والحديث والفقه والأدب فلا غرابة في وصفه بذلك، ولكن حين أقرأ عنه في سلوكه ما يرويه عنه بعض المؤرخين ما يزدريه فيهبط به
فأنا حين أقرأ هذا تعتريني الحيرة، فهل هذا يتفق مع ما مرّ عنه من وصفهم له بكل جميل وثناء جليل.
إنّّها هي الحيرة التي انبثقت منها الفكرة. ألا يستحق هذا الرجل أن أعرفه - أنا على الأقل - على حقيقته لأبعد نفسي عن الحيرة؟ فتفاعلتُ مع الفكرة التي صارت لا تبارحني، وبدأت أتحرك في أطارها، وصرت أقرأ وأكتب ما وصلت إليه يدي من مصادر حياته وما يمتّ اليها وهي كمٌّ كبير وكثير.
وقد رأيت فيها من طغيان العاطفة - سلباً وايجاباً - كما رأيت فيها كثيراً من التقليد، يتبع الآخر للأول، وربّما على غير هدى ولا كتابٍ منير. وفي خضمّ ذلك الكم الهائل تنبثق ومضات نورٌ على الدرب تعين الباحث لو أفرغ وسعه فاستخلص - ولو لنفسه - من بين تلك الشوائب بعض الحقائق التي آمن بصحتها فسجّلها لتكون له حصيلة نافعة في دينه حين نصر مؤمناً، وفي دنياه حين هدى غيره إليها.
فمن هنا بدأت الفكرة وتنامت، حين القيت بذرتها وراعيتُ نبتتها، فلمّا ربت وأنبتت قطفتُ ثمارها، فكانت هذه الموسوعة، وهي أربعة أجزاء، انتهيت منها - أولاً- في 13 ربيع الثاني سنة 1368 هـ وبقيت أتابع مسيرتي مع الكتاب طيلة هذه السنين، أضيف كل ما استجد لدي من معلومة أجدها في مصادر لم تكن مَيسرة لي من قبل، أو دراسات حديثة يستدعي الرجوع إليها غرضَ
وأرجو أن أكون قد وُفقت في نفع القارئ ولو بنبذة صالحة يستفيدها منه فيذكرني بخير، فقد جمعت له ما تناثر في مئات المصادر، من بطون الكتب والدفاتر، والله سبحانه وليّ التوفيق وهو خير ناصر.
ماذا نقرأ في هذا الكتاب؟
لا أكتم القارئ إني يوم صمّمت العزم على تأليف كتاب يتضمن حياة ابن عباس (رضي الله عنه)، لم أكن أحسب أنّ ذلك سوف يتسع إلى قدر ما وصل إليه اليوم - بل ولا إلى هيكله الأول - كما لم تكن لديّ خطة مدروسة على منهجية محددة على أنماط الدراسات الحديثة، بل كنت يومئذٍ انحو النهج التقليدي المألوف لدينا يومئذٍ، كما هو واضح الأثر بدءاً من أول الكتاب إلى حياته في عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ولكن بعد أن استمرت المسيرة مع الكتاب وبعد الإنتهاء من هيكله الأول في أجزائه الأربعة، فقد دعت الحاجة إلى إعادة النظر في دراسة بعض النقاط من تاريخ المترجم له، ممّا يستوجب الفاضة في دراسة ذلك، دراسة محررة ومستوعبة لجوانب ينبغي البحث حولها، خصوصاً والحاجة ملحة لكشف حقائق خفيت على كثير من الباحثين ممن أُخذوا بسورة التقليد، وبُهروا بطنطنة الأسماء والألقاب، وخُدعوا بتطويل الإسناد.
(الحلقة الاُولى): في تأريخه وسيرته، وقد أصبحت في خمسة أجزاء:
يضم الجزء الأول منها: أحداث ما يقرب من ربع قرن، بدءاً من ولادته وحتى وفاة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وابن عباس يومئذٍ في أول شبابه.
ويضم الجزء الثاني منها: أحداث ما عاشه ما بعد وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إلى نهاية عهد عثمان.
ويضم الجزء الثالث منها: من أول خلافة الإمام أمير المومنين (عليه السلام) وحتى شهادته سنة 40هـ ويضم الجزء الرابع منها: مايتعلق بسيرته عند ولايته على البصرة وما رافقها من أحداث.
ويضم الجزء الخامس منها: من بداية حكومة بني أمية وحتى وفاة حبر الاُمة سنة 68 هـ (الحلقة الثانية): في تاريخه العلمي. تتضمن دراسته وعطاءه بدءاً من ينابيع العلم والمعرفة وانتهاءً بمظاهر العطاء من مدارسه وتلاميذه ونماذج من خطبه ومحاوراته وكتبه ومسائله والمأثور عنه من حِكَم وكلمات قصار.
(الحلقة الثالثة): في تاريخه العلمي أيضاً. وتتضمن آثاره في التفسير والحديث والفقه واللغة وآدابها.
نسأله تعالى أن يمنّ عليّ بإخراج ذلك من ضم الشتات قبل الممات، إنه مجيبُ الدعوات.
نور على الدرب لما فيه:
أوّلاً: إنّ كتابة التاريخ - كل التاريخ - إنّما هو محور تسجيله وهو رهن ذمة الرواة الذين يروون للناس - غالباً - ما يهواه الحاكمون، فللسلطة والأموال بريق - مخادع - على حروف التدوين، يراه الباحث بوضوح حين يجد في مدونات المؤرخين ما يكاد يخطف بالأبصار، من أكداس التراث الحافل بالمناقبيات والمزايدات المحشورة للتفخيم والتعظيم، وحتى الاستعانة بالغيبيات، لإضفاء القداسة على الحاكمين وأتباعهم، وتطويعاً للمحكومين بكّمّ أفواههم، عن تهوين أقدار حكّّامهم، أو تهويل أخطائهم، فإن ذلك من قدر الله فعليهم الرضا والتسليم، والى جانب ذلك يجد الهمز واللمز للأخصام، وهذا ما يجعل الباحث - وهو يدرك الدوافع وراء الرفع والوضع - في دوّامة من الشك والريبة في صحة جميع ما في المدونات سواءاً في تقييم الرجال أو عرض الأحداث، وسواءاً كتب الأقدمين أو المحدثين.
لذلك كانت مهمة الباحث المحايد. ولنسميه بالموضوعي النزيه. صعبة جداً، حيث عليه أن يكون حذراً ويقظاً، مستعملاً عقله وفطنته ليستشفّ ما وراء النص، ويتبيّن وجه الحق فيأخذ به، ويُصدر أحكامه على ضوئه، ولا ينساق وراء
ثانياً: ومن هنا تعالت صيحات إعادة كتابة التاريخ من جديد، ولا شك كان من بينها أصوات مخلصة وجادة في دعوتها إلى مراجعة التاريخ الإسلامي على ضوء الكتاب والسنّة، فلا يدان بريءٌ، ولا يُبرّأ مذنب، ولا يجامل الرجال على حساب الشرع. فلا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(3) وهذا ما يستدعي رفع الحواجز بين الحاكم والمحكوم في تقويم الأعمال، كما يستدعي رسم الصورة لكل منهما دون تزويق أو تمزيق، وفوق مسار الشبهات التي تحجب العقل عن النظرة الموضوعية.
فإذا وجدنا ابن عساكر - مثلاّ - يروي لنا عن عمرو بن العاص مرفوعاً: (قريش خالصة الله فمن نصب لها حرباً سُلب، ومن أرادها بسوءٍ خُزي في الدنيا والآخرة)(4). ووجدنا أبا لهب وهو عربي وقرشي وابن سيد البطحاء وزوجته أم جميل عربية وقرشية أيضاً ولما كانا كافرين، نزلت سورة كاملة في ذمهما والتنديد بهما. فلم تنفعهما القرشية شيئاً. وفي المقابل نجد سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وهم من السابقين أقوامهم إلى الإسلام كانوا أفضل
____________
(1) الأنعام /164.
(2) المدثر /38.
(3) الحجرات /13.
(4) راموز الأحاديث /334 ط استانبول سنة 1275 هـ.
إذن فلا يجوز أن يستغفل القراء باحثٌ يدعو إلى كفّ الأقلام وتحجيم الإسلام، في اطار ضيّق، ومنظور خاطيء وخانق. بأن الجميع من الصحابة، ولا يجوز أن يقال لصحابي لماذا انجرفت أو انحرفت؟ فالصحابة أناس أمثالنا، فهم بشر يُخطئون كما يَخطئ سائر الناس، ولا غضاضة بعد ما رووا هم لنا قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أحاديث الحوض: (إنّ منكم من لا يراني)، و (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم بعضاً)، و (لتذادنّ عن الحوض فأقول: يا ربّ أصحابي فيقال: ما تدري ماذا أحدثوا بعدك)، وهذه أحاديث وردت في الصحاح مكررة ومنها صحيح البخاري وصحيح مسلم، ولمّا كانت لا مجال لنكرانها، اضطرت علماء التبرير إلى تسلّق جدرانها بالتأويل والتفسير وليس هناك.
ثالثاًً: ولمّا كان عبد الله بن عباس من الصحابة، وللصحابة بريق صورة مرسومة في الكتب محاطة بهالة من التقديس ارتسمت في الأذهان بأنهم - حسب العاطفة الدينية - فوق مسار الشبهات، فلا ينبغي أن يتجاوز الباحث سور الحصانة، الذي دونه سور الصين العظيم، فكيف بابن عباس وهو حبر الأمة، لذا كان لزاماً عليّ وأنا أريد أن أكتب عنه من الرجوع إلى المصادر المعنيّة - وما أكثرها وأكثر ما فيها - لأجمع أشتات أخباره، وأقف على آثاره، ثم الموازنة بينها واستخلاص النتائج منها.
وهذا أمر على ما فيه من جهد ليس بذي بال لأنّبّه عليه. لكن الأهم - والمزعج حقاً - أنّي وجدت تأريخه مليئاً بالمفارقات العجيبة، فهو بين إفراط
قال أبو الفرج: لعن الله خالداً ومن ولاّه وقبحهم وصلوات الله على أمير المؤمنين»(1).
____________
(1) الأغاني 19/59 ط الساسي.