الصفحة 132
منطق له من بهائمنا وأنعامنا شفعّنا في أنفسنا وأهالينا، اللّهم إنا لا ندعو إلاّّ إياك، ولا نرغب إلاّّ إليك، اللّهم اسقنا سقيا وادعاً نافعاً طبقاً مجلجلاًً، اللّهم إنا نشكو إليك جوع كل جائع، وعري كل عارٍ، وخوف كل خائف، وسغب كل ساغب يدعو الله»(1).

وقد ذكره الطبري الإمامي في كتابه المسترشد: «انّ العباس قال في ذلك الموقف: يستسقون بنا ويتقدمونا»(2).

وكان من دعاء العباس في ذلك الموقف: اللّهم انه لم ينزل بلاء من السماء إلاّّ بذنب، ولا يكشف إلاّّ بتوبة وقد توّجه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك، وهذه أيدينا إليك (بالرغبة فاسقنا الغيث) بالذنوب ونواصينا بالتوبة، وانت الراعي لا تهمل الضالّة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، ورقّ الكبير وارتفعت الشكوى وانت تعلم السرّ وأخفى، اللّهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من رحمتك إلاّّ الكافرون.

فما تم كلامه حتى أرخت السماء مثل الحبال فنشأت السحاب وهطـّلت المطر، فطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين والقصة مشهورة مذكورة في كتب السنّة والسيرة(3).

____________

(1) من لا يحضره الفقيه 1/340 ط النجف.

(2) المسترشد /211 ط الحيدرية.

(3) أخرجها البخاري في باب الاستسقاء من صحيحه، ومسلم في كتاب الصلاة من صحيحه، وابن حجر في فتح الباري 2/398، والعيني في عمدة القاري 3/438، والحاكم في المستدرك 3/334، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/504، والزمخشري في ربيع الأبرار 1/134 ط بغداد، والماوردي في أعلام النبوة /79 ط البهية بمصر سنة 1319، والخفاجي في شرح الشفاء 3/323، وابن عساكر كما في تهذيب تاريخه 7/248- 251، والطبري في

=>


الصفحة 133
وفيها يقول العباس بن عتبة بن أبي لهب:


بعمي سـقى الله الحجـاز وأهلهعشيّة يستسقي بشيبتـه عمـر
توجّه بالعباس في الجدب راغباًفما كرّ حتى جاء بالديمة المطر
ومنـا رسـول الله فيـنا تراثهفهل فوق هذا للمفاخـر مفـتخر

وقال: الزبير بن بكار: قال شاعر بني هاشم:


رسول الله والشهداء مناوعباس الذي بعج الغماما

وقال الزبير: ويروى لأبن عفيف النصري في الاستسقاء بالعباس:

____________

<=

تاريخه حوادث سنة 17، وابن الاثير في الكامل حوادث سنة 17، وابن كثير في البداية والنهاية 7/92، واليافعي في مرآة الجنان 1/72، والاصبهاني في الاغانـي 12/81، والمقدسي في البدء والتاريخ 5/187، والبلوي في كتابه الألف باء 1/366، والذهبي في سير أعلام النبلاء 2/68، وثمة مصادر نسبت الأبيات إلى غير العباس بن عتبة، فصاحب الاستيعاب ونكت الهميان /177 ذكرا في ترجمة العباس نسبة الأبيات إلى الفضل بن عباس بن عتبة، وفي شواهد الكشاف /76 ذكر البيتين الأولين ونسبهما لعليّ بن عليّ؟ وفي شرح المواهب اللدنية للزرقاني 1/349 وارشاد الساري للقسطلاني 6/116 نسبهما لعقيل والله أعلم.

ومن مليح المعاني الغريبة ما ورد أن العماد الأصفهاني الكاتب حبس بعد وفاة الوزير عون الدين ابن هبيرة لأنه كان ينوب عنه في واسط، فكتب من الحبس إلى استاذ الدار المستنجدية من قصيدة:


قل للامام: علام حبس وليكمأولوا جميلكم جميل وَلائه
أوليس اذ حبـس الغمام وليّهخلّى أبوك سـبيله بدعائه

قال ابن خلكان في الوفيات 5/151: وهذا معنى مليح غريب وفيه اشارة إلى قضية العباس بن عبد المطلب عم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع عمر بن الخطاب وذكر قصة الاستسقاء المشار اليها.

كما اشار أبو تمام إلى ذلك بقوله: كما في ديوانه بشرح الخطيب التبريزي 4/646 ط ذخائر العرب:


فكأنما هي دعوة العباس فيعام الرمادة وهو غير مجود


الصفحة 134

ما زال عباس بن شيبة غايةللناس عند تنكـّر الأيـام
رجل تفتحت السماء لصوتهلما دعا بدعاوة الإسـلام
فتحت له أبوابها لمـا دعـافيها بجند مطعمين كرام(1)

وفي ذلك يقول حسان بن ثابت أيضاً:


سأل الإمام وقـد تتابع جدبنافَسُـقي الغمام بغرة العباس
عـم النبيّ وصنو والده الذيورث النبيّ بذاك دون الناس
أحيا البلاد به الإله فأصبحتمهـتزة الأجناب بعد اليأس

أدب العباس:

قال المرزباني: كان العباس من معدودي خطباء قريش وبلغائهم وذوي الفضل منهم(2) وقال ابن رشيق: أمّا العباس فكان شاعراً مفلقا حسن التهدي(3).

وقد وقفت له على مقاطيع من الشعر تدل على أدبه وفضله، كقوله يحرّض أخاه أبا طالب على الطلب بدم عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف(4):

____________

(1) تهذيب تاريخ ابن عساكر 7/250 ط افست دار السيرة.

(2) معجم الشعراء للمرزباني /101 تحـ. عبد الستار أحمد فراج.

(3) العمدة 1/23.

(4) كان عمرو بن علقمة خرج مع خداش بن عبد الله العامري أجيراً له إلى الشام، ففقد خداش حبلاً، فضرب عمراً بعصىً فنزي في ضربته ـ أي نزف ـ فمرض منها فكتب إلى أبي طالب يخبره خبره، فمات منها، وفي ذلك يقول أبو طالب:


أفي فضل حبل لا أباك ضربتهبمنسأة قد جاء حبلٌ بأحبل

فتحاكموا فيه إلى الوليد بن المغيرة، فقضى أن يحلف خمسون رجلاً من بني عامر بن لوي عند البيت ان خداشا ما قتله، فحلفوا إلاّ حويطب بن عبد العزّى، فإن امه افتدت يمينه، فقيل: انه ما حال عليهم الحول حتى ماتوا كلهم إلا حويطب. وهذه أول قسّامة في الجاهلية. أنظر نسب قريش لمصعب /424 - 425، وجمهرة انساب العرب لابن حزم /74.


الصفحة 135

لا ترجوّنا حاصنٌ عند طهرهالئن نحن لم نثأر من القوم علقما
أبا طالب لا تقبل النصف منهموان انصفوا حتى تُعقَ وتُظلما
أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفتقواطع في أيماننا تقطر الدما
تُورثنَ من آباء صدق تقدموابهن إلى يوم الوغى متقدما
إذا خالطت هام الرجال رأيتهاكبيض نعام في الوغى قد تقطما
وزعناهم وزع الحوامس غدوةبكل يمانيّ إذا عضّ صمّما
تركناهم لا يستحلون بعدهالذي رحم يوماًمن الناس محرما
فسائل بني حسل وما الدهر فيهمببقياً ولكن إن سألت ليعلما
أغشماً أباعثمان أنتم قتلتمستعلم حسل أينا كان أغشما
ضربنا بها حتى أفاءت ظباتهاعلينا فلم يبق القتيل المخذّما(1)
ضربنا أبا عمرو خداشاً بعامروملنا على ركنيه حتى تهدّما(2)

____________

(1) اضافة في حماسة الظرفاء 1/34.

(2) معجم الشعراء للمرزباني /101، وتهذيب ابن عساكر 7/228، والحماسة البصرية 1/52، وعيون الاخبار لابن قتيبة 1/78، ومحاضرات الراغب 2/69، وحماسة الظرفاء 1/33، وكامل المبرد 3/309، ورغبة الآمل للمرصفي وغيرها، ورسائل الجاحظ 1/359، وربيع الابرار 3 /69 ط بغداد.


الصفحة 136
وروي عن خُريم بن أوس بن حارثة قال: هاجرت الى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقدمت عليه منصرف من تبول فسمعت العباس قال للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اني أريد أن أمتدحك فقال له: قل لا يفضض الله فاك، فقال:


من قبلها طبت في الظِلال وفيمستودع حيث يُخصفُ الورق
ثم هبطـت البـلاد لا بشـرٌأنت ولا مضـغة ولا علـق
بل نطفة تركب السفـين وقـدألجم نسـراً وأهـله الغـرق
وخضت نـار الخليـل مكتـتماتجـول فـيها وليس تحترق(1)
تنـقل من صالـب إلى رَحـمإذا مضى عالـم بـدا طـبق
حتى احتوى بيتك المهيـمن منخندف علـياء تحـتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقَت الأرض وضـاءت بـنـورك الأفـق
فنحن في ذلك الضياء وفي النوروسبل الرشاد نخترق(2)

____________

(1) وفي حياة الحيوان للدميري 2/35 ورد البيت هكذا:


وردت نار الخليل مكتتمافي صلبه انت كيف يحترق

(2) لقد أخرج الأبيات المذكورة منسوبة للعباس جمعٌ من المؤرخين وأصحاب السير وحتى أصحاب المعاجم اللغوية مستشهدين ببعض أبياتها وإلى القارئ أسماء بعض تلكم المصادر: مستدرك الحاكم 3/327، وتلخيص المستدرك للذهبي 3/327، وحياة الحيوان 2/350، امالي الزجاج /44، وامالي ابن الشجري 2/337، وتهذيب ابن عساكرج 1/349، والبداية والنهاية 2/258 و 5/27، وسير اعلام النبلاء 2/75، وأدب الكاتب /320، والغيث المسجم 1/275، والمناقب لابن شهر اشوب /1، والدرجات الرفيعة /82، وانوار الربيع 5/193، ولسان العرب (صلب، طبق، ظلل، همن، خصف) والقاموس وتاج العروس (ودع) وفي التاج أيضاً(صلب، خصف)، والفائق 2/138، ومجمع الزوائد 8/217، والمقامة

=>


الصفحة 137
وقد شرح الأبيات الزرقاني شرحاً موجزاً تحسن مراجعته وقد ذكر أنّه قالها عند رجوع النبيّ صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك فراجع(1).

وله في حديث قيس بن نشبة وقد أجاره وأخذ له بحقه وقال له: أنا لك جار وكلما دخلت مكة فما ذهب لك فهو عليّ. وقال العباس بن عبد المطلب في ذلك:


حفظت لقيـس حقـه وذمـامهوأسعطت فيه الرغم من كان راغما
سأنصره ما كان حياً وإن أمتأحـضّ عليه للتـناصـر هاشـما

وحديث قيس بن نشبة ذكره محمّد بن حبيب الهاشمي(2) فليراجعه من شاء.

____________

<=

السندسية للسيوطي /86 ط الجوائب /1298 هـ، وتهذيب اللغة للأزهري 5/355 و 6/33 و 9/129 و 197 و 14/335 و 359، وغريب الحديث لابن قتيبة 1/359/365 وتأويل مختلف الحديث له ص88 وغيرها، وغيرها وانما أسهبت في ذكر المصادر لما اطلعت عليه مؤخراً من نفي نسبة الابيات إلى العباس مستبعداً نسبتها إليه، لأنها كما يقول النافي (قاموس الرجال): لم ترد في كتاب آخر أو خبر آخر، ومتى كان العباس يقول الأشعار التصوفية وينظم الأبيات الغلاتية؟‍! وليته حين حاول مصراً دفع النسبة عن العباس تمسك بما جاء في الحماسة البصرية 1/193 من نسبتها لحريم بن أوس بن حارثة بن لام الطائي؟ الذي لم يعرف مَن هو. و أرجع إلى اللئالي المصنوعة /158 ط الهند حيث ذكر ان الجوزقاني اخرج في موضوعاته حديث كنت في صلب آدم في الجنة الخ وقال في ذلك يقول حسان بن ثابت، وذكر الأبيات. ثم تعقبه السيوطي إلى أن قال: والأبيات للعباس بلا خلاف.

وبعد ما تقدم من أطباق المصادر السابقة على نسبتها إلى العباس فلا عبرة بما قيل ويقال من الشواذ.

(1) أنظر شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/83 ـ 85 ط الأزهرية سنة 1326هـ.

(2) المنمق 164 - 165.


الصفحة 138
وله البيتان اللذان يحتج بهما عند الكلام على تبدّل الأرض غير الأرض وهما:


إذا مجلـس الأنصار خفّ بأهلهوفارقـها فـيها غـفار وأسلم
فما الناس بالناس الذين عهدتهمولا الدار بالدار التي كنــت أعلم(1)

وله ممّا يستشهد به من شعره قوله:


ليسوا بهدّين في الحروب إذاتعقد فوق الحراقف النُطـُق(2)

ونسب إليه حسن الجلبي في حواشي المطول البيت الآتي:


طويل النجاد خارج نصف ساقهعلى وجهه يُسقى الغمام ويُسعدُ

والبيت هذا من قصيدة لأبي طالب (عليه السلام) قالها في مدح الذين قاموا بنقض الصحيفة(3)، كما انّ الخوارزمي نسب إليه في مناقبه(4) الابيات المشهورة في مدح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حين بويع أبو بكر بالخلافة وهي:


ما كنت أحسب انّ الأمر منصرفعن هاشم ثم عنها عن أبي حسن
أليـس أول مـن صـلى لقبلـتكمواعلم الـناس بالاثـار والسـنن
وأقرب الناس عـهداً بالنـبي ومنجبريل عون له في الغسل والكفن
مَن فيه ما في جميع النـاس كلهموليس في الناس ما فيه من الحسن

____________

(1) الزمخشري، ربيع الابرار 1/562 ط بغداد والمقدسي، البدء والتاريخ 2/132.

(2) ابن منظور، لسان العرب 4/444، الجوهري الصحاح (هدد)، ومقاييس اللغة 6/7.

(3) حسن فهمي. طلبة الطالب /43 ط اسلامبول، وديوان أبي طالب /93 تحـ آل يس، وسيرة ابن هشام 2/17 ـ 19.

(4) الموفق بن أحمد الخوارزمي، المناقب /23 ط الحيدرية.