الصفحة 409
وإلى القارئ تلكم الأحاديث الّتي وردت فيها جملة: (لن تضلوا)، وهي دالة على انّ التمسك بعليّ وأهل بيته أمان من الضلالة، ولم ترد في حقّ أيّ إنسان سواهم:

أوّلاً: حديث الثقلين وهو من الأحاديث المتواترة رواه أكثر من أربعين صحابياً في ستة مواطن، وأخرجت أحاديثهم المصادر الكثيرة وقد نافت على المائة (1). ولفظه كما في أكثر من موطن قاله رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه ذلك: (أيّها الناس إنّي تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما - الأكبر كتاب الله، والأصغر عترتي أهل بيتي - وإنّ اللطيف الخبير عهد إليَّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين - أشار بالسبابتين - ولا أنّ أحدهما أقدم من الآخر، فتمسكوا بهما، لن تضلوا ولا تقدّموا منهما ولا تخلفوا عنهما، ولا تعلمّوهم فإنّهم أعلم منكم).

وهذا ما قاله في حجة الوداع في يوم عرفة وفي مسجد الخيف بمنى وفي غدير خم، سوى ما قاله قبل ذلك في يوم فتح الطائف عام ثمان من الهجرة، وسوى ما قاله بعد حجة الوداع وآخر مرة في هجرته وعلى منبره يوم قبض (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وقد كان أبو بكر يقول: «عليّ عترة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) » كما أخرج ذلك عنه السيوطي في جمع الجوامع وعنه المتقي الهندي في كنز العمال(2).

ثانياً: ما رواه الحسن بن عليّ وعائشة وأنس وجابر مرفوعاً قال: «ادعوا إليَّ سيّد العرب - يعني عليّ بن أبي طالب - فقالت عائشة: ألستَ سيّد العرب؟ فقال: (أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيّد العرب)، فلمّا جاء أرسل إلى الأنصار فأتوه فقال

____________

(1) اُنظر كتاب عليّ إمام البررة 1/292 - 318 ط دار الهادي.

(2) كنز العمال 15/101 ط الثانية حيدر آباد.


الصفحة 410
لهم: (يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به (لن تضلوا) بعده أبداً)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: {هذا عليّ فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي، فان جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم من الله (عزّ وجل) } »(1).

ثالثاً: ما روته أم سلمة قالت: «خرج رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إلى صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته فقال: (ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلوا) »(2).

رابعاً: ما رواه زيد بن أرقم قال: «كنا جلوساً عند رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: (ألا أدلكم على من لو أسترشدتموه (لن تضلوا) ولن تهلكوا)؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: (هو هذا وأشار إلى عليّ بن أبي طالب) ثمّ قال: (وآخوه ووازروه وصدّقوه وانصحوه فإنّ جبرئيل أخبرني بما قلت لكم) »(3).

خامساً: وثمة حديث - رواه ابن حجر في الصواعق(4) - جاء فيه التصريح باسم عليّ عقب ذكر حديث الثقلين فاقرأ ذلك: «إنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال - في مرض موته - (أيّها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي وقد قدّمت إليكم القول

____________

(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/63 وقال رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة، نحوه في السؤدد مختصراً، والطبراني في معجمه الكبير 3/88، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/131، والمحب الطبراني في الرياض النضرة 2/177، وفي الذخائر /70، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه، كنز العمال 2/216 و 5/126، وغيرهم وكلهم عن عائشة.

(2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7/65، والسيوطي في اللئالي المصنوعة 1/183 ط مصر الاُولى نقلاً عن سنن البيهقي ـ وعلى القارئ المقارنة ليجد كيف تلاعبت الأهواء بالسيوطي فحرّّّف وغيّّر.

(3) أخرجه ابن المغازلي المالكي في المناقب /245.

(4) الصواعق المحرقة /75 ط الميمنية 1312.


الصفحة 411
معذرة إليكم، ألا وإني مخلّف فيكم كتاب ربي (عزّ وجل) وعترتي أهل بيتي ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها فقال: هذا عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض، فاسألوهما ما خلّفت فيهما) ».

سادساً: ما رواه ابن عباس (رضي الله عنه) قال: «قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لن تضلوا ولن تهلكوا وأنتم في موالاة عليّ، وإن خالفتموه فقد ضلّت بكم الطرق والأهواء في الغيّ فاتقوا الله، فإنّ ذمة الله عليّ بن أبي طالب) »(1).

وأحسب انّ هذا هو تتمة ما مرّ قبله، ومهما يكن فهذه جملة أحاديث وردت فيها صيغة (لن تضلوا) (أن لا تضلوا) وكلها في أهل البيت (عليهم السلام) منها ما يخصّ عليّاً بمفرده، ومنها ما يعمّه وبقية أهل بيته، فهل من المعقول والمقبول دعوى انّ عمر لم يسمعها؟ ليس من الممكن أن لا يكون عمر سمعها من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو ممّن سمعها منه كلّها أو بعضها، وحيث لم يرد في مورد جملة (لن تضلوا) إلاّ وهي توحي بذكر عليّ وأهل بيته (عليهم السلام)، فلذلك لمّا قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا)، أستشعر عمر من ذلك ما هو إلاّ التصريح باسم عليّ في ذلك الكتاب، فتلك حجة مكتوبة ليس من السهل عليه ولا على غيره إنكارها. وذلك هو ما اعترف به لابن عباس بعد ذلك، فلم يجد سلاحاً أقوى عنده يشهره في وجه الشرعية في ذلك الوقت غير كلمة «انّ النبيّ ليهجر» وبذلك نسفٌ للمحاولة الفعلية ولجميع المحاولات اللاحقة الّتي ربّما يفاجأ بها. وهذا معنى كلماته الّتي مرّت على القارئ في تعترافاته الخطيرة، فراجع.

____________

(1) أنظر ينابيع المودة للقندوزي 2/280.


الصفحة 412
فنسبة الهجر إلى النبيّ المعصوم إقدامٌ جريء، مع إساءة أدب مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومساس بشخصه الكريم، وأجرأ من ذلك دعواه في كلمته الأخرى «وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله»، ولنستذكر ما مرّ من أقوال علماء التبرير الّذين رأوا في هذه الكلمة دليلاً على فقاهة عمر بل وأفقهيته على ابن عباس، حيث اكتفى بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به (؟!) وهذا ما مرّ عن ابن بطال والنووي وغيرهما فراجع. فقد بيّنا هناك من هو الأفقه منهما بحجج لا يقوى زوامل الأسفار على حملها فضلاً عن ردّها.

والآن فلنعد إلى تفسير كلمته «حسبنا كتاب الله» وما تعنيه من دلالة ظاهرة وما تخفي من معنى أشتملت عليه، وماذا أراد عمر بقوله: «وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله»:

ماذا أراد عمر بقوله: «حسبنا كتاب الله»؟

ليس في قوله: «حسبنا» أيّ غموض لغوي، ولا أشتراك لفظي، ومعناه كفانا، و(حَسبَ) اسم معنى لا اسم فعل، بدليل زيادة الباء عليه في قولهم بحسبك درهم، وهكذا قول الداعي حسبي الله، أي كفاني دون غيره، كما يصح أن يقول (بحسبي) أي كفاني، هذا من ناحية المعنى في اللغة العربية. إذن ماذا أراد عمر غير ذلك؟ وهل وراء ذلك مراد لعمر؟ نعم إنّه الكناية عن الاستغناء بالقرآن دون عديله، وما عسى ذلك الرفض إلاّ لمن عيّنه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث الثقلين، وهم العترة، الّذين هم الثقل الأصغر، وهو الآخر الّذي يأباه عمر فاستبعده جاهداً، وفرض الاستغناء بالقرآن وحده فقال: «وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله». وذلك ما دلّ عليه معنى (حسبنا) أي كفانا، وإن قيل ما الدليل على انّ ذلك مراد عمر؟


الصفحة 413
فإنّا نقول: دليلنا على ذلك اعترافاته السابقة بأنّه فهم ذلك فقال: «حسبنا... الخ».

ولولا أن يكون ذلك مراد عمر لما كان معنى لقوله: «حسبنا كتاب الله» ولا معنى لقوله: «وعندكم القرآن»، واحتمال أنّه أراد الاستغناء بالقرآن وحده لأنّه فيه تبيان كلّ شيء، لقوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}(1) كما قاله علماء التبرير فليس ذلك بصحيح ولا يمكن أن يُصحَح له، لأن القرآن وحده لا يغني ما لم يكن معه مَن يعلم تأويله قال تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}(2)، والله سبحانه يقول:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(3)، وقد ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام) قوله في تفسير هذه الآية فقال: (نحن أهل الذكر) ولا شك أنّ عليّاً (عليه السلام) كان منهم بل ومن أفاضلهم، كيف لا وهو الّذي دعا له الرسول بأن يكون الأذن الواعية، وفيه نزل قوله تعالى:{وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}(4)، وهذا هو الّذي أدركه عمر وفهمه، لذلك استبعد الضميمة عن القرآن، فرفضها ومنع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كتابة الكتاب الّذي لن تضل أمته من بعده ما إن تمسكوا به.

وفي حديث الثقلين دلالة واضحة أنّ التمسك بهما معاً - القرآن والعترة - هو السبيل العاصم من الضلالة. وليس التمسك بأحدهما دون الآخر بعاصم وحده.

____________

(1) الأنعام /38.

(2) آل عمران /7.

(3) النحل /43.

(4) شواهد التنزيل للحسكاني 2/272، وحلية الأولياء 1/67، وفرائد السمطين للحمويني، وكنز العمال 15/157 ط الثانية، ومناقب ابن المغازلي الحديث /366، وسمط النجوم العوالي 2/504، وتفسير الطبري 29/55، وتفسير الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية نقلاً عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.


الصفحة 414
ونحن إذا استذكرنا ما مرّ آنفاً من انّ عمر كان جاداً في دفع عليّ عما أراده الله تعالى له على لسان نبيّه، ولمّا كان عليّ (عليه السلام) هو واحد من العترة بل هو سيدهم، أدركنا المعنى الحقيقي لكلمة عمر: «حسبنا كتاب الله» وهي تعني التفكيك بين القرآن والعترة عند التمسك بهما. والرد الحاسم على استبعاد العترة من أهلية التمسك بها، لذلك ارتكب ما ارتكب ممّا لا يجوز لمثله أن يفعله، وقال ما قال ممّا ليس من حقّه أن يقوله. ولكنه اليقظ الحذر والمتمرّس على الخلاف على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وشواهد ذلك يكفي منها يوم صلح الحديبية، ويوم الصلاة على ابن أبيّ. وغير ذلك.

فأي مانع له الآن أن يعلن الخلاف، ويقول ما لا يحل له ولأي مسلم أن يقوله فينسب الهجر إلى النبيّ المعصوم. ما دام هو بذلك يرفض قرناء الكتاب، وكان من الطبيعي لمثله، وهو يريد ذلك أن يقول للحاضرين: «وعندكم القرآن»- يعني لا حاجة لنا بالعترة الّتي يدعونا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى التمسك بالكتاب وبها كما في حديث الثقلين -.

ولندع هذا الجانب التفسيري لكلمته، ولنعد إلى الجانب اللفظي لها. ولنستغفل عقولنا ثانية، وكأننا نبحث عن حاقّ المعنى لقوله. فماذا كان يعني بكلمته: «حسبنا كتاب الله»؟ أو ليس معنى ذلك هو رفض السنّة؟ الّتي هي تلو الكتاب؟ أفهل كان يرى حقاً عدم حجية السنّة؟

نعم كان وكان، ولسنا نحمّله إلاّ تبعة أفعاله، لأنّه ممّن أمر في أيامه بتحريقها ومحوها(1). وما دام ليس من حقنا أن نحمّله خشية الإتهام بأنا لسنا معه

____________

(1) الجامع لأحكام القرآن 17/5 و 14/108، وشواهد التنزيل 1/334 ـ 337.


الصفحة 415
على رأي فلنترك الحديث لأئمّة عمريّين لا يشك في ولائهم لعمر، مثل الإمام الشافعي وابن حزم، والبيهقي، والسيوطي.

فلنقرأ ما يقول كلّ واحد في عدم الإستغناء بالكتاب وحده ولابدّ من السنّة معه، وهم غير متهمين فيما يقولونه في إدانة من قال بالإستغناء بالكتاب وحده حتى ولو كان عمر:

1- ماذا قال الشافعي؟

قال الإمام الشافعي في الرسالة ونقله عنه البيهقي في المدخل(1): «قد وضع الله رسوله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم من دينه وفرضه وكتابه الموضع الّذي أبان جلّ ثناؤه أنّه جعله علماً لدينه بما أفترض من طاعته، وحرّم من معصيته وأبان من فضيلته، بما قرن بين الإيمان به مع الإيمان به فقال تبارك وتعالى:{فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ}(2) وقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ}(3) فجعل كمال ابتداء الإيمان الّذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثمّ برسوله معه.

قال الشافعي: وفرض الله على الناس إتباع وحيه وسنن رسوله فقال في كتابه:{لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(4).

____________

(1) نقل كلامه بنصه السيوطي في رسالته مفتاح الجنة في الأحتجاج بالسنّة /3 ـ 4 ضمن مجموعة الرسائل المنيرية أواخر المجلد الثاني.

(2) الأعراف /158.

(3) النور /62.

(4) آل عمران /164.


الصفحة 416
قال الشافعي: فذكر الله الكتاب والقرآن، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنّة رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم. وقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى الله وَالرَّسُولِ}(1)ـ ثمّ ساق الكلام إلى أن قال: فأعلمهم أنّ طاعة رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم طاعته فقال:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(2).

واحتج أيضاً في فرض اتباع أمره بقوله:{لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(3) وقوله:{وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(4) وغيرها من الآيات الّتي دلت على اتباع أمره ولزوم طاعته فلا يسع أحد رد أمره لفرض الله طاعة نبيه».

2- ماذا قال ابن حزم؟

قال ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: «لاتعارض بين شيء من نصوص القرآن ونصوص كلام النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما نقل من أفعاله فقال سبحانه خبراً عن رسوله:{وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى}(5)، وقوله تعالى:

____________

(1) النساء /59.

(2) النساء /65.

(3) النور /63.

(4) الحشر /7.

(5) النجم /3- 4.


الصفحة 417
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(1)، وقوله:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}(2). فأخبر (عزّ وجل) انّ كلام نبيّه وحي من عنده كالقرآن في أنّه وحي...اهـ»(3).

3- ماذا قال البيهقي؟

وقال البيهقي بعد احكامه هذا الفصل: «ولولا ثبوت الحجة بالسنّة لما قال صلّى الله عليه (وآله) وسلّم في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم (ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب فربّ حامل مبلّغ أوعى من سامع) ثمّ أورد حديث: (نضّر الله امرؤاً سمع منا حديثاً فأدّاه كما سمعه، فربّ مبلّغ أوعى من سامع) ». وهذا الحديث متواتر كما سأبينه.

قال الشافعي: «فلمّا ندب رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها، دلّ على أنّه لا يأمر أن يؤدّى عنه إلاّ ما تقوم به الحجة على من أدي إليه، لأنّه إنّما يؤديَ عنه حلال يؤتى، وحرام يجتنب، وحدّ يقام، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا».

ثمّ أورد البيهقي من حديث أبي رافع قال: «قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتي الأمر من أمري ممّا أمرتُ به أو نَهيتُ عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) »(4).

____________

(1) الأحزاب /21.

(2) النساء /82.

(3) الإحكام في اُصول الأحكام 1/174.

(4) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والحاكم، والبيهقي في دلائل النبوة، وإسناده صحيح، وقال الترمذي حسن صحيح، مشكاة المصابيح 1/57.


الصفحة 418
وأخرج البيهقي بسنده عن شبيب بن أبى فضالة المكي: «انّ عمران بن حصين (رضي الله عنه) ذكر الشفاعة فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً فى القرآن؟ فغضب عمران وقال لرجل قرأت القرآن؟ قال: نعم، فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً ووجدت المغرب ثلاثاً، والغداة ركعتين، والظهر أربعاً، والعصر أربعاً؟ قال: لا، قال: فعن من أخذتم ذلك؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)!؟

أوجدتم فيه من كلّ أربعين شاة شاة، وفى كلّ كذا بعير كذا، وفى كلّ كذا درهماً كذا؟ قال: لا، قال فعن من أخذتم ذلك؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم.

وقال: أوجدتم في القرأن:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}(1)، أو وجدتم فيه فطوفوا سبعاً، واركعوا خلف المقام؟ أو وجدتم في القرآن: لاجلب ولاجنب ولا شغار في الإسلام؟

أما سمعتم الله يقول في كتابه:{وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(2)؟

قال عمران: فقد أخذنا عن رسول الله صلّى الله عليه وأله وسلّم أشياء ليس لكم بها علم»(3).

وأخرج البيهقي والحاكم عن الحسن قال: «بينما عمران بن الحصين يحدث عن سنّة رسول الله إذ قال له رجل يا أبا نجيد حدّثنا بالقرآن، فقال له

____________

(1) الحج /29.

(2) الحشر /7.

(3) مفتاح الجنّة في الإحتجاج بالسنّّة للسيوطي /5 ضمن مجموعة الرسائل المنيريه المجلد الثاني.


الصفحة 419
عمران أنت وأصحابك تقرؤن القرأن!؟ اكنت تحدّثني عن الصلاة وما فيها وحدودها؟

أكنت تحدّثني عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن قد شهدتُ وغبتَ أنتَ، ثمّ قال: فرضَ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الزكاة كذا وكذا، فقال الرجل: أحييني أحياك الله.

قال الحسن فما ماتَ ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين»(1).

4- ماذا قال السيوطي؟

قال في ديباجة كتابه: «اعلموا يرحمكم الله انّ من العلم كهيئة الدواء، ومن الآراء كهيئة الخلاء، لاتذكر إلاّ عند داعية الضرورة، وان ممّا فاح ريحه في هذا الزمان. وكان دارساً بحمد الله تعالى منذ أزمان، وهو انّ قائلاً رافضياً (؟) زنديقاً أكثر في كلامه: انّ السنّة النبوية والأحاديث المروية - زادها الله علواً وشرفاً - لايحتج بها، وأنّ الحجة في القرآن خاصة، وأورد على ذلك حديث: ماجاءكم عني من حديث فاعرضوه على القرآن، فإن وجدتم له أصلاً فخذوا به وإلاّ فردّوه. هكذا سمعت هذا الكلام بجملة منه وسمعه منه خلائق غيري... فاعلموا رحمكم الله من أنكر كون حديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة...

وأصل هذا الرأي الفاسد أنّ الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنّة والاقتصار على القرآن...»(2) إلى آخر كلامه.

____________

(1) مفتاح الجنة في الإحتجاج بالسنّّة للسيوطي /23 ضمن مجموعة الرسائل المنيريه المجلد الثاني.

(2) نفس المصدر /2.


الصفحة 420
ونحن لانريد مناقشته في حكمه الكلي على الكبرى فهو عين الصواب، ولكن هلّم الخطب في تطبيق الحكم على الصغرى في المقام.

ويجب أن لايُستغفَل القارئ بما قاله السيوطي الّذي شنّها حرباً شعواء على ذلك الرافضي المجهول الهوية. كما يجب أن لانظلمه مادامت حجته صحيحة كما حكاها عنه السيوطي نفسه.

فإنّ الّذي زعمه السيوطي في حكاية قوله: «هو إهمال السنّة بالمرة فلا يحتج بها». بينما الّذي حكاه من فحوى دليله هو وجوب عرض السنّة على الكتاب، والأخذ بها ما دامت غير مخالفة له. وأين هذا من عدم حجيتها والاكتفاء بالقرآن؟.

وإذا صحّ ماذكره السيوطي عنه من الدليل يكون الرافضي المجهول الهوية على حق في كلامه، لأنّ الحديث الّذي يخالف القرآن زخرف وباطل ويضرب به عرض الجدار. وهذا هو المنطق الصحيح والسليم الّذي يقطع جهيزة كلّ الوضاعين والمدلـّسين الّذين كذبوا في الحديث ونسبوه زوراً إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو منه ومنهم بريء.

وأين هذا ماشهّر به السيوطي بقوله: «إنكار الاحتجاج بالسنّة والاقتصار على القرآن...»؟ وهل من الإنصاف أن يرمي بالزندقة لأنّه يقول إنّ السنّة ليست ناسخة للقرآن ولا قاضية عليه، ولأنّ السنّة الصحيحة هي الّتي لاتخالف القرآن!

ثمّ ما رأي السيوطي في قول عمر: «حسبنا كتاب الله وعندكم القرآن» أليس ذلك نبذه للسنّة نبذ الحصاة وراء ظهره؟


الصفحة 421
ثمّ ما رأي السيوطي في قول عمر في خطبته: «لا يبقين أحد عنده كتاباً إلاّ أتاني به فأرى فيه رأيي»، فظنوا أنّه يريد النظر فيها ليقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار(1). كما بعث إلى الامصار يأمرهم: من كان عنده شيء فليمحه؟(2).

فيا هل ترى من هو الّذي أنكر الاحتجاج بالسنّة؟ ذلك الرافضي المنكود حظه؟ أم هو عمر بن الخطاب المشهود رفضه؟

ثمّ هل من حقّنا ان نسأل السيوطي عن حكمه هل هو مخصوص بذلك الرافضي؟ أم هو عام لكل من أنكر الاحتجاج بالسنّة؟ وهل يرضى أن يحكم به على عمر؟ وهل يرضى بذلك علماء التبرير وهو منهم؟ ثمّ ماباله وهو من أهل السنّة، ومادام غيوراً على السنّة، يستنكر ما قاله الرافضي الّذي حامى عن حريم السنّة بأن لا تشوبها شوائب الكذابين، بل كان الأولى أن يدعو له ويستغفر له، فهو يريد حماية السنّة لاعدم الاحتجاج بها ونبذها كمن قال: «حسبنا كتاب الله وعندكم القرآن»، بالله لقد صحّ المثل السائر: (رمتني بدائها وانسلّت)، وما علينا الآن إلاّ أن نقول للسيوطي رضينا بك حَكَماً بيننا وبينك ورضينا بحكمك على كلّ من قال بعدم الاحتجاج بالسنّة من الأولين والآخرين من أيّ فرق المسلمين.

ويكفينا في إدانة السيوطي كتابه: (اللاليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) لماذا كتبه؟ أليس لتخليص السنّة من الشوائب. إذن فقول الرافضي بعرض السنّة على الكتاب خير ميزان وليس فيه عين، وكتابه المذكور لم يخلّص

____________

(1) طبقات ابن سعد 5/188، وتقييد العلم للخطيب البغدادي.

(2) جامع بيان العلم لابن عبد البر.


الصفحة 422
السنّة من كلّ شين. {أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(1).

وأخيراً فقد تبين لنا أنّ عمر إنّما قال: «حسبنا كتاب الله، عليكم بالقرآن» ليستفرد بالكتاب وهو الثقل الأكبر ويستبعد الثقل الأصغر وهم العترة، وسيّد العترة عليّ كما هو معلوم عند المسلمين، وكان أبو بكر يقول ذلك أيضاً (2). وليس معنى ذلك الاستبعاد لأهل البيت عن ساحة الخلافة، يعني بالضرورة أن لانجد عمر يتحدّث بفضائلهم كما كان أبو بكر يفعل كذلك، حتى لقد عقد المحب الطبري في الرياض النضرة باباً في ذكر ما رواه أبو بكر في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وباباً (في ذكر مارواه عمر في عليّ)، ووردت عنهما أحاديث كثيرة في فضائل أهل البيت، يقف عليها الطالب في كتب المناقب للخوارزمي الحنفي وابن المغازلي المالكي والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي سوى ما أورده الحاكم في المستدرك وابن عساكر الشافعي في تاريخ دمشق وغيرهم وغيرهم. فالحديث بفضائل أهل البيت ليس بضارّ لهما بل ربّما أصابا منه نفعاً من تطييب النفوس بإظهار المودة بعد ما تمّ استبعادهم عن الخلافة، ثمّ تجريدهم حتى من بعض اختصاصهم.

ألم يروي الطبراني في الأوسط وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد عن عمر قال: «لمّا قبض رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جئت أنا وأبو بكر إلى عليّ فقلنا ما تقول فيما ترك رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: نحن أحقّ الناس برسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)

____________

(1) يونس /35.

(2) كنز العمال 15/10 ط حيدر آباد الثانية.


الصفحة 423
قال: فقلت والّذي بخيبر؟ قال: والّذي بخيبر، قلت: والّذي بفدك؟ قال: والّذي بفدك. فقلت أما والله حتى تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا»(1).

5 - ماذا قال السندي في حاشيتيه على البخاري؟

قال: إنّ الأمر الصادر يفيد أنّه أمن من الضلال، فالكتاب الّذي يريد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يكتبه سبب للأمن من الضلال ودوام الهداية. فكيف يخطر على بال إنسان أنّه سيترتب عليه عقوبة أو فتنة أو عجز.

أمّا قوله: «حسبنا كتاب الله» لأنّه تعالى قال:{ما فرّطنا في الكتاب من شئ}(2)، ويقول:{اليوم أكملت لكم دينكم}(3)، فكلّ من الآيتين لا يفيد الأمن من الضلال ودوام الهداية للناس، ولو كان كذلك لما وقع الضلال، ولكن الضلال والتفريق في الأمة قد وقع بحيث لا يرجى رفعه، كما أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يقل لهم أنّ مراده أن يكتب لهم الأحكام حتى يقال على ذلك: إنّه يكفي فهمها من كتاب الله، ولو فرض أنّ مراد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان كتابة بعض الأحكام، فلعل النص على تلك الأحكام منه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبب للأمن من الضلالة. وعلى هذا لا وجه لقولهم: «حسبنا كتاب الله»، بل لو لم يكن فائدة النص إلاّ الأمن من الضلالة لكان مطلوباًَ جداً، ولا يصح تركه للإعتماد على أنّ الكتاب جامع لكلّ شي، كيف والناس محتاجون إلى السنّة أشد احتياج مع كون الكتاب جامعاًَ، وذلك لأنّ الكتاب وإن كان جامعاًَ إلاّ أنّه لا يقدر كلّ أحد على الإستخراج منه. وما يمكن لهم استخراجه منه لا يقدر كلّ أحد استخراجه منه على وجه الصواب.

____________

(1) مجمع الزوائد 9/39.

(2) الأنعام /38.

(3) المائدة /3.


الصفحة 424
ولهذا فوّض الله لرسوله البيان مع كون الكتاب جامعاً فقال تعالى لنبيّه:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم}(1)، ولاشك أنّ إستخراجه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الكتاب على وجه الصواب يكفي ويغني في كونه نصاً مطلوباً لنا، لاسيما إذا أمرنا به، ولاسيما إذا وعد على ذلك الأمن من الضلال، فما معنى قول «حسبنا كتاب الله» بعد ذلك(2)؟

6 - ماذا في القراءة الخلدونية (3)؟

ليس من جديد عند ابن خلدون سوى التفافه على حديث الدواة والكتف، بقفزة غير بارعة فطواه وطمس معالم الإدانة فيه في موضع مقدمته فقال: - وهو يذكر أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باحضار الدواة والقرطاس ليكتب صلّى الله عليه (وآله) الوصية -: «وان عمر منع من ذلك»(!). ثمّ قال: «وما تدعيه الشيعة من وصيته لعليّ (رضي الله عنه) وهو أمر لم يصح ولا نقله أحد من أئمة النقل.

والّذي وقع في الصحيح من طلب الدواة والقرطاس ليكتب الوصية وان عمر منع من ذلك، فدليل واضح على أنّه لم يقع»(4).

ثمّ عاد في تاريخه فقال: «في مرضه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ثمّ جمع أصحابه فرحّب بهم وعيناه تدمعان ودعا لهم كثيرأ وقال: (أوصيكم بتقوى الله وأوصي الله بكم واستخلفه

____________

(1) النحل /44.

(2) حاشية السندي علىّ صحيح البخاري 1/33، نقلاً عن معالم الفتن لسعيد أيوب /260.

(3) القراءة الخلدونية اسم لكتاب كان يدرس في الصف الأوّل من المدارس الإبتدائية في العهد الملكي في العراق نسبة لمؤلفها أبن خلدون. وهزءاً بعقلية ابن خلدون في رأيه في المقام شبّهنا ما لديه بما في القراءة الخلدونية.

(4) مقدّمة ابن خلدون /380 ط دار الكتاب اللبناني.


الصفحة 425
عليكم، وأودّعكم إليه إني لكم نذير وبشير ألاّ تعلوا على الله في بلاده وعباده فإنه قال لي ولكم:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(1)، وقال:{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِين َ}(2)).

ثمّ سألوه عن مغسِّله؟ فقال: (الأدنون من أهلي).

وسألوه عن الكفن؟ فقال: (في ثيابي هذه أو بياض مصر أوحلّة يمانية).

وسألوه عن الصلاة عليه؟ فقال: (دعوني على سريري في بيتي على شفير قبري، ثمّ اخرجوا عني ساعة، حتى تصلي عليّ الملائكة، ثمّ ادخلوا فوجاً بعد فوج فصلّوا وليبدأ رجال من أهل بيتي ثمّ نساؤهم).

وسألوه عمّن يدخله القبر؟ فقال: (أهلي).

ثمّ قال: (إئتوني بدواة وقرطاس، اكتب لكم كتاباً لاتضلّون بعده) فتنازعوا وقال بعضهم: إنه يهجر، وقال بعضهم: أهجر؟ يستفهم، ثمّ ذهبوا يعيدون عليه، ثمّ قال: (دعوني فما أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه). وأوصى بثلاث: أن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد كما كان يجيزهم. وسكت عن الثالثة أو نسيها الراوي، وأوصى بالأنصار فقال: (إنّهم كرشي وعيلتي الّتي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، فقد اصبحتم يامعشر المهاجرين تزيدون والأنصار لا يزيدون). ثمّ قال: (سدّوا هذه الأبواب في المسجد إلاّ باب أبي بكر فإنّي لا أعلم أمرءاً أفضل يداً عندي في الصحبة من أبي بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صحبة إخاء وإيمان حتى يجمعنا الله عنده).

____________

(1) القصص /83.

(2) العنكبوت /68.