8- ومن مخالفته للشريعة في مسائل الحج أيضاً:
أخرج أحمد في مسنده: «انّ عثمان نزل قُديداً فأتي بالحَجَل في الجفان شائلة بأرجلها، فأرسل إلى عليّ وهو يضفز(2) بعيراً له فجاء والخبط يتحاتّ من يديه، فأمسك عليّ وأمسك الناس فقال عليّ: من هنا من أشجع؟ هل تعلمون أن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاءه أعرابي ببيضات نعام وتتمير(3) وحش فقال: أطعمهن أهلك فإنا حُرَم؟ فقالوا بلى فتورّك عثمان عن سريره فقال: خبثت علينا»(4).
وفي حديث ذكره ابن حزم في المحلى عن سعيد بن منصور: «انّ عثمان ابن عفان كان يصاد له الوحش على المنازل ثمّ يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته، ثمّ أن الزبير كلّمه فقال: ما أدري ما هذا يُصاد لنا ومن أجلنا»(5).
وأخرج عبد الرزاق في المصنف بسنده عن معمر وابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد قال: «سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل يقول: كنت مع عثمان بين مكة والمدينة ونحن محرمون، فأصطيدت له، فأمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل
____________
(1) نفس المصدر 2/266 ح 1146.
(2) أي يعلفه الضفائز وهي اللقم الكبار ومن الضفيز وهو الشعير المجروش تعلفه الأبل (راجع النهاية ضفز)، ووقع مصحفاً في مجمع الزوائد (يصفن)، وفي تفسير الطبري (يضفر) والصواب ما قدمناه.
(3) التتمير: اللحم المقطّع صغاراً وتتمير اللحم تقطيعه وتجفيفه.
(4) مسند أحمد 2/139ح 814، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 3/229 وقال: رواه أحمد وفيه عليّ بن زيد وفيه كلام وقد وثـّق وبقية رجاله رجال الصحيح.
(5) المحلى 7/254 محقق.
أقول: هكذا روى عبد الرزاق، وأحسب أنّ كلمة (ولم يأكل هو) إقحام لحفظ ماء الوجه، كما أن كلمة عمرو أحسبها كذلك والصواب: عثمان، فهو صاحب الأمر منه بدء المشادّة حين أرسل إلى عليّ... ومرّ في حديث ابن حزم أنّه أكل من الصيد وهو محرم... إلى غير ذلك من مخالفات الأحكام.
ومن مفارقات عثمان العجيبة الغريبة انّه سُمع وهو يخطب الناس فيقول: «أجتنبوا الخمر فإنّها أم الخبائث - ثمّ ضرب لهم مثلاً برجل عابد عشقته إمرأة فاحتالت عليه حتى أحضرته في بيتها ودعته إلى نفسها أو يشرب الخمر أو يقتل غلاماً كان عندها وإلاّ فضحته فشرب الخمر فقتل الغلام ووقع على المرأة - ثمّ قال: فاجتنبوا الخمر، فوالله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في قلب رجل إلاّ أوشك أن يخرج صاحبه الّذي كان يشرب الخمر».
فهو مع هذا التحذير الشديد للناس، لم يردع تحذيره ابنه الوليد بن عثمان فكان ينادم الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو الّذي جاء إليه بابن سيحان حليف بني صرب فشربوا حتى أصاب الوليد بن عتبة خمار فقال لابن سيحان أشرب فأتي بأداوة فيها فضلة شراب فشربها ثمّ أنشده شعراً(3).
فهؤلاء ثلاثة كلّ اسمه الوليد شربوا الخمر أيام عثمان: ابنه الوليد ينادم ابن عمه الوليد بن عتبة، أضف إليهم أخاه الوليد بن عقبة الّذي هو أخو عثمان لأمه،
____________
(1) المائدة /96.
(2) المصنف لعبد الرزاق 4/434.
(3) أنظر أنساب الأشراف 1ق4/613 تح ـ إحسان عباس.
ومن المحزن أن نقرأ ما رواه مصعب الزبيري في نسب قريش(2) عن أبي الزنّاد، والبلاذري في الأنساب بسنده عن محمّد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزنّاد عن أبيه: أنّ رجلاً كان آنس بعثمان، وكان الرجل من ثقيف، فحدّ في الشراب. فقال له عثمان لن تعود والله إلى مجلسي والخلوة معي (؟) ما لم يكن معنا ثالث(3).
فشرّيبو الخمر أحبابه ومن جلاّسه فبعد أيّ موعظة منه للناس تنفعهم؟
وقد يفاجأ القارئ إذا ما قرأ عن الوليد بن عثمان: وكان صاحب شراب وفتوة. وقتل أبوه عثمان وهو مخلّق في حَجلـَته(4).
وقال المسعودي: «وكان الوليد صاحب شراب وفتوة ومجون، وقتل أبوه وهو مخلّق الوجه سكران عليه مصبّغات واسعة»(5).
مخالفاته للشريعة في الأموال والمحاباة بالولايات:
أمّا مخالفته للشريعة في الأموال ومخالفته في المحاباة بالولايات فتلك هي الّتي أثارت عليه الزوابع من هنا وهناك، فتعالى النكير وكثر النفير، حتى انتهى به إلى سوء المصير. وكانت عمدة الحجة عليه مخالفته للشريعة في تلك الهبات
____________
(1) البقرة /44.
(2) نسب قريش /102-103ط دار المعارف.
(3) أنساب الأشراف 1ق4/493.
(4) المعارف لابن قتيبة /208ط دار الكتب سنة 1960.
(5) مروج الذهب 2/341ط الثالثة سنة 1377هــ 1958م ط السعادة تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد.
ولابدّ لنا من عرض نصوص تدل على ما قلناه:
1- قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: «لمّا بنى عثمان قصره طمار الزوراء وضع طعاماً كثيراً ودعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن، فلمّا نظر إلى البناء والطعام قال: يابن عفـّان لقد صدّقنا عليك ما كنا نكذّب فيك، وإني أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان وقال: أخرجه عني يا غلام، فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه فلم يكن يأتيه أحد إلاّ ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض(1) ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلـّمه فلم يكلـّمه حتى مات»(2).
2- قال ابن عبد ربه في العقد الفريد: «لمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمّد قيل لعبد الرحمن هذا عملك قال: ما ظننت هذا، ثمّ مضى ودخل عليه وعاتبه وقال إنّما قدّمتك على ان تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال: انّ عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرحمن: لله عليَّ أن لا أكلمك أبداً، فلم يكلّمه حتى مات وهو مهاجر لعثمان، ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه»(3).
____________
(1) لقد مرّ بنا في ذكر حديث الفلتة، ان ابن عباس كان يقريء جماعة من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فراجع.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 1/66ط مصر الاُولى.
(3) العقد الفريد 2/280ط محققة لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.
4- روى البلاذري في كتابه أنساب الأشراف بإسناده عن محمّد بن سهل ابن سعد الساعدي قال: «تنازع عليّ وطلحة في شِرب(2) فكان عليّ يحب إقرارَه، وكان طلحة يُحبّ إبطاله، فاختصما إلى عثمان، فركب معهما إلى الشِرب، ووافاهم معاوية قادماً من الشام فأدركته المنافية فقال: إن كان هذا الشِرب مُقرّاً في خلافة عمر فمن ذا يغيّر شيئاً أقرّه عمر؟ فلقنها عثمان فقال: هذا شِرب لم يغيّره عمر ولسنا بمغيّري ما أقره عمر.
فقال طلحة: وما الّذي أنت عليه من أمر عمر؟ ا هـ...»(3).
فماذا تعني كلمة طلحة: «وما الّذي أنت عليه من أمر عمر»؟ إن هي إلاّ نقد لاذع لعثمان في وجهه بأنّه تخلّف عما اشترطه عليه عبد الرحمن بن عوف من السير بسيرة الشيخين فأنعم له فبايعه وتابعه الناس على ذلك، ومقارنة بسيطة بين السيرتين نجد البـون شاسعاً وحسبنا عرضاً عابراً فـي موضوع الإدارة والمال فحسب.
____________
(1) أنساب الأشراف 1ق 4/515 تح ـ إحسان عباس ط بيروت.
(2) الشرِب: الماء المشروب والحوض المورود.
(3) أنساب الأشراف 1ق4/499.
مخالفته للسيرة العمرية:
قال طه حسين في الفتنة الكبرى: «وأنكر المسلمون على عثمان موقفه من ناقديه ومعارضيه فهو قد انحرف عن سيرة عمر في ذلك انحرافاً عظيماً، فعمر لم يَنهَ عمّاله عن شيء كما نهاهم عن أن يستعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، ولم يحذّرهم من شيء كما حذّرهم من العنف بالرعية، والاعتداء على أبشارها وأشعارها، فلم يكن عمر إذن يبيح ضرب الناس إلاّ في الحدود، ولم يكن يعفي عمّاله من القصاص إن تعدّوا على الرعية بالضرب في غير حدّ، او في غير حقّ من الحقوق، فأمّا عثمان فمهما يكن اعتذار أهل السنّة والمعتزلة عنه، فإّنه قد أسرف وترك عمّاله يسرفون في العنف بالرعية ضرباً، ونفياً، وحبساً، وهو نفسه قد ضرب أو أمر بضرب رجلين من أعلام أصحاب النبيّ: ضرب عمّار بن ياسر حتى اصابه الفتق، وأمر من أخرج عبد الله بن مسعود من مسجد النبيّ إخراجاً عنيفاً حتى كسر بعض أضلاعه...»(1).
وقال أيضاً: «فهذه السياسة العنيفة الّتي تسلّط الخليفة وعمّاله على أبشار الناس وأشعارهم وعلى أمنهم وحريتهم، ليست من سيرة النبيّ ولا من سيرة الشيخين في شيء...اهـ»(2).
والآن إلى شيء من سيرة عمر الّتي خالفها عثمان عملاً واحتج بها قولاً كما مرّ في قوله لطلحة: «ولسنا بمغيّري ما أقره عمر»، فقال طلحة: «وما الّذي أنت عليه من أمر عمر». فقد كان لعمر عمالاً على البلاد جلّهم ممّن رضي المسلمون
____________
(1) الفتنة الكبرى 1/198.
(2) نفس المصدر 1/199.
أبـلـغ أمـيـر المـؤمنـين رسالة | فـأنـت أمـين فـي الـنـهي والأمر |
وأنت أمـيـن الله فـيـنا ومـن يكن | أمـيـنـاً لرب العرش يسلم له صدري |
فـلا تـدعـن أهل الرساتيق والقرى | يسـيـغون مال الله فـي الأدم والـوفر |
فأرسل إلى الحجاج(1) فأعرف حسابه | وأرسل الى جزء(2) وأرسل الى بشر(3) |
ولا تـنـسـين النـافعـين(4) كليهما | وَلا ابـن غلاب(5) من سراة بني نصر |
ومـا عـاصم(6) مـنها بصفر عيابه | وذاك الّذي في السوق مولى بني بدر(7) |
وأرسل إلى النعمان(8) اعرف حسابه | وصـهـر بني غزوان(9) إنّي لذو خُبر |
____________
(1) الحجاج بن عتيك وكان على الفرات.
(2) جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرّق.
(3) بشر بن المحتفز كان على جندي سابور.
(4) هما نافع ونفيع ابني الحرث بن كلدة الثقفي.
(5)خالد بن الحرث من دهمان كان على بيت المال باصبهان.
(6) عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر.
(7) سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز.
(8) النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة.
(9) مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على البصرة وصدقاتها.
وشبل(1) فسله المال وابن محرّش(2) | فـقـد كـان في أهل الرساتيق ذا ذكر |
فـقـاسمـهم أهـلي فداؤك إنّهم | سـيـرضون إن قاسمتهم منك بالشطر |
ولا تـدعوني للشـهـادة إنــني | أغـيـب ولكني أرى عـجـب الدهر |
نؤوب إذا آبوا ونغزوا إذا غـزوا | فـأنّى لـهـم وفرٌ ولـسنا أولي وفر |
إذا الـتـاجر الداريّ جـاء بفارة | من المسك راحت في مفارقهم تـجري |
ولمّا وصلت إليه الرسالة، أرسل عليهم وحاققهم محاسبة شديدة ثمّ شاطرهم حتى روى البلاذري أنّه أخذ نعلاً وترك نعلاً(3).
وروى عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: «كان عمر بن الخطاب إذا استعمل عاملاً كتب عليه كتاباً وأشهد عليه رهطاً من الأنصار: أن لا يركب برذوناً، ولا يأكل نقيّاً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يغلق باباً دون حاجات المسلمين، ثمّ يقول: اللّهمّ اشهد»(4).
وكان يخطب ويقول: «أيّها الناس انّي والله ما أرسل إليكم عمّالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فُعِل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليّ، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه»(5).
ألم يغلظ في حسابه مع عمرو بن العاص وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وخالد بن الوليد وغيرهم من عمّاله؟.
____________
(1) شبل بن معبد البجلي ثمّ الأحمسي كان على قبض المغانم.
(2) أبو مريم ابن محرّش الحنفي كان على رامهرمز.
(3) أنظر فتوح البدان /391-392 ط مصر سنة 1319.
(4) تاريخ عمر لابن الجوزي /85، وقارن تاريخ الطبري 4/207.
(5) تاريخ الطبري 4/204.
ألم يبعث محمّد بن سلمة الأنصاري من المدينة إلى الكوفة ليحرق باب قصر سعد والخص من قصب الّذي حوله(2).
أليس هو القائل: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسّمتها على فقراء المهاجرين؟»(3).
ثمّ هو القائل: «لئن عشت - إن شاء الله - لأسيرنّ في الرعية حولاً، فإنّي أعلم أنّ للناس حوائج تقطع دوني، أمّا عمالهم فلا يرفعونها إليّ، وأمّا هم فلا يصلون إليَّ. فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثمّ أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثمّ أسير إلى مصر فاُقيم بها شهرين، ثمّ أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين، ثمّ أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثمّ أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين. والله لنعم الحول هذا»(4).
هذه نبذه مقتطفة من سيرة عمر مع عماله ومراقبتهم في الشؤون المالية والإدارية. وعلى هذه السيرة كان شرط ابن عوف على عثمان. ولمّا تخلف عن شرطه أدى ذلك إلى قتله. حكى الجاحظ في رسالته العثمانية قول القائل: «ماقتل عثمان غير عمر»(5).
____________
(1) الفتوحات الاسلامية زيني رحلان 2/301.
(2) فتوح البلدان /286.
(3) تاريخ الطبري 4/226 ط دار المعارف.
(4) سيرة عمر لابن الجوزي /90، وقارن تاريخ الطبري 4/201.
(5) الرسالة العثمانية /184.
محاباة عثمانية للقرابة:
لقد كان من سوء التدبير عند عثمان تقديمه بني أمية - الذين لسوء حظهم- كانوا من أواخر المعترفين بالإسلام، ومع ذلك شملهم بعطفه مع أنهم الأوائل الذين قاوموه وحاربوه، والناس على ذُكر ممّا قاله نبي الإسلام فيهم حين قال لهم: (الطلقاء)، وجعلهم من المؤلفة قلوبهم، وحذّر منهم المسلمين، وقال أبو برزة الأسلمي: «كان أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنو اُمية وبنو حنيفة وثقيف»(1)، ولكن عثمان بسوء تقديره وتدبيره خضع لأسباب القرابة حتى أورثه ذلك نقمة الصحابة والمسلمين، فأسمعوه الكلمات الجارحة في وجهه، والنقد المرير في غيبته، لأنهم لم يكونوا قد عرفوا مثل ذلك من قبل أيام عمر.
قال الشيباني: «أوّل من آثر القرابة والأولياء عثمان بن عفان»(2).
وإلى القارئ أسماء بعضهم ممّن حباهم بالمال والولايات، حتى انتكث عليه فتله:
1- الحكم بن أبي العاص وهو عم عثمان، قال الحلبي في سيرته: «كان قال له طريد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولعينه، وقد كان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طرده الى الطائف ومكث به مدة رسول الله ومدة أبي بكر بعد أن سأله عثمان في إدخاله المدينة فأبى فقال له عثمان: عمي. فقال: عمك إلى النار، هيهات هيهات أن أغيّر شيئاً فعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والله لا رددته أبداً. فلمّا توفي أبو بكر وولى عمر كلمه عثمان في ذلك فقال له: ويحك ياعثمان تتكلم في لعين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وطريده وعدو الله وعدو رسوله؟.
____________
(1) مستدرك الحاكم 4/480 وصححه مع الذهبي على شرط الشيخين.
(2) العقد الفريد 2/365 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر.
وروت عائشة: «إنّ قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}(2) الآية نزلت فيه»(3)، وقالت لمروان بن الحكم: «سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لأبيك وجدك - أبي العاص بن أمية - انكم الشجرة الملعونة في القرآن»(4)، وقالت أيضاً لمروان في كلام بينهما: «ولكن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله»(5).
ولمّا رد عثمان عمه الحكم بن أبي العاص طريد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وطريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلم الناس في ذلك فقال عثمان: «ماينقم الناس مني؟ إنّي وصلت رحماً وقرّبت قرابة»(6)، ولقد رآه بعضهم يوم قدم المدينة عليه فزر(7) خلق وهو يسوق تيساً حتى دخل دار عثمان والناس ينظرون إلى سوء حاله وحال من معه، ثمّ خرج وعليه جبة خزّ وطيلسان(8)?ولم يكتف بارجاعه بل ولاه صدقات
____________
(1) السيرة الحلبية 2/85.
(2) القلم/10- 11.
(3) تفسير الدر المنثور 6/41 و 251، وتفسير الشوكاني 5/263، وتفسير الآلوسي 29/28، والسيرة الحلبية 1/337، وسيرة زيني دحلان بهامش الحلبية 1/245.
(4) الدر المنثور 4/191، وتفسير الآلوسي 15/107، وتفسير الشوكاني 3/231 وغيرها.
(5) تفسير القرطبي 16/197، وتفسير ابن كثير 4/159، وتفسير الرازي 7/491، وتفسير الآلوسي 26/20 وغيرها وجاء في الفائق للزمخشري (فضض) قالت لمروان: فأنت فظاظة لعنة الله ولعنة رسوله. وقال الزمخشري: افتظظت الكرش إذا اعتصرت ماءها كأنه عصارة قذرة من اللعنة.
(6) العقد الفريد 4/305 ط محققة.
(7) تفزر الثوب وأنفزر أنشق وتقطّع وبلي. (قطر المحيط ـ فزر).
(8) تاريخ اليعقوبي 2/141.
2- أبو سفيان بن حرب، وهذا هو رأس المنافقين والقائل حين قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «تلقفـّوها الآن تلقـّف الكرة فما من جنة ولا نار»(4).
ولم يزل على تلك المقولة حتى قالها وهو أعمى البصر والبصيرة حين دخل على عثمان يوم بويع بالخلافة فقال: «تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة فو الّذي يحلف به أبو سفيان مازلت ارجوها لكم ولتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة»(5)، وفي لفظ الطبري: «تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار»(6).
وروى ابن عساكر في تاريخه عن أنس أن أبا سفيان دخل على عثمان بعد ماعمي فقال: «هل هنا أحد؟ فقالوا لا: فقال: اللّهمّ اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الارض لبني أمية»(7). وفي رواية ابن عبد البر عن الحسن: أنّه قال لعثمان: «صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني اُمية فإنما هو الملك؟ ولا أدري ما جنة ولا نار»(8)، فهذا شيخ
____________
(1) أنساب الأشراف 1ق4/515.
(2) تاريخ اليعقوبي 2/145.
(3) أنساب الأشراف 1ق4/514.
(4) نفس المصدر 1ق4/13 تح ـ إحسان عباس بيروت.
(5) مروج الذهب 1/440.
(6) تاريخ الطبري 11/357.
(7) تهذيب تاريخ ابن عساكر لابن بدران 6/407.
(8) الاستيعاب 2/690.