الصفحة 254
قال: فألحق بحرم الله فأكون فيه؟ قال: لا، قال: فالكوفة أرض بها أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: لا، قال: فلست بمختار غيرهنّ، فأمره بالمسير إلى الربذة. فقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لي أسمع وأطع وأنقد حيث قادوك ولو لعبد حبشي مجدوع، فخرج إلى الربذة، فأقام هناك مدة، ثمّ دخل المدينة فدخل على عثمان والناس عنده سماطين. فقال: يا أمير المؤمنين انّك أخرجتني من أرض ليس لي بها زرع ولا ضرع إلاّ شويهات، وليس لي خادم إلاّ ممررة (كذا) ولا ظل يظلني إلاّ ظل شجرة، فأعطني خادماً وغنيمات (أعِش) فيها، فحوّل وجهه عنه، فتحول إلى السماط الآخر فقال: مثل ذلك.

فقال حبيب بن سلمة: لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخمسمائة شاة، قال أبو ذر: أعط خادمك ألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني، فإني إنما أسأل حقي في كتاب الله.

فجاء عليّ (عليه السلام) فقال له عثمان: ألا تغني عنا سفيهك هذا. قال: أيّ سفيه؟ قال: أبو ذر.

قال عليّ: ليس بسفيه سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على أصدق لهجة من أبي ذر، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون {إِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}(1). قال عثمان: التراب في فيك، قال عليّ (عليه السلام): بل التراب في فيك، أنشد الله من سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول ذلك لأبي ذر؟ فقام أبو هريرة وعشرة فشهدوا بذلك على قول عليّ»(2).

____________

(1) غافر /28.

(2) بحار الأنوار 8/346 ط الكمپاني على الحجر نقلاً عن أمالي الطوسي.


الصفحة 255
4- روى الثقفي في تاريخه بإسناده عن ابن عباس قال: «استأذن أبو ذر على عثمان فأبى أن يأذن له، فقال لي: استأذن لي عليه، قال ابن عباس: فرجعت إلى عثمان فاستأذنت له، قال: إنّه يؤذيني، قلت: عسى أن لا يفعل، فأذن له من أجلي، فلمّا دخل عليه قال له: اتق الله يا عثمان، فجعل يقول: اتق الله وعثمان يتوعده قال أبو ذر: انّه قد حدّثني نبيّ الله انّه يجاء بك وبأصحابك يوم القيامة فتبطحون على وجوهكم فتمر عليكم البهائم فتطأكم كلما مرت أخراها ردّت أولاها حتى يفصل بين الناس»(1).

5- وذكر الثقفي في تاريخه عن ثعلبة بن حكيم قال: «بينا أنا جالس عند عثمان وعنده أناس من أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أهل بدر وغيرهم، فجاء أبو ذر يتوكأ على عصاه فقال: السلام عليكم فقال: اتق الله يا عثمان إنّك تسمع كذا وكذا وتصنع كذا وكذا - وذكر مساويه - فسكت عثمان حتى إذا انصرف قال: مَن يعذرني من هذا الّذي لا يدع مساءة إلاّ ذكرها؟ فسكت القوم فلم يجيبوه، فأرسل إلى عليّ فجاء فقام مقام أبي ذر، فقال: يا أبا الحسن ما ترى أبا ذر لا يدع لي مساءة إلاّ ذكرها.

فقال: يا عثمان أنّي أنهاك عن أبي ذر، يا عثمان أنهاك عن أبي ذر ثلاث مرات، أتركه كما قال الله تعالى لمؤمن آل فرعون {إِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}(2) قال له عثمان: بفيك التراب، قال له عليّ: بل بفيك التراب ثمّ انصرف»(3).

____________

(1) نفس المصدر /316.

(2) غافر /28.

(3) بحار الأنوار 8/346 ط الكمپاني.


الصفحة 256
6- وذكر الثقفي في تاريخه عن عبد الملك ابن أخي أبي ذر - وذكر حديث أبي ذر بالشام ثمّ جلبه إلى المدينة وما لاقاه من عنف المسير -: «ثمّ حجبه عثمان جمعة وجمعة حتى مضت عشرون ليلة أو نحوها وأفاق أبو ذر ثمّ أرسل إليه وهو معتمد على يدي، فدخلنا عليه وهو متكيء فاستوى قاعداً، فلمّا دنا أبو ذر منه قال عثمان:


تحية السخط إذا ألتقينالا أنعم الله بعمرو عيناً

فقال له أبو ذر: فوالله ما سمّاني الله عمروا، ولا سماني أبواي عمروا، وإني على العهد الّذي فارقت عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما غيّرت ولا بدّلت، فقال له عثمان: كذبت، لقد كذبت على نبيّنا، وطعنت في ديننا، وفارقت رأينا، وضغنت قلوب المسلمين علينا ثمّ قال لبعض غلمانه: ادع لي قريشاً، فانطلق رسوله، فما لبثنا أن امتلأ البيت من رجال قريش فقال لهم عثمان: إنا أرسلنا اليكم في هذا الشيخ الكذاب الّذي يكذب على نبينا وطعن في ديننا وضغن قلوب المسلمين علينا. وإنّي قد رأيت أن أقتله وأصلبه أو أنفيه من الأرض. فقال بعضهم: رأينا لرأيك تبع وقال بعضهم: لا تفعل فإنّه صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وله حقّ، فما منهم أحدٌ أدّى الّذي عليه، فبينا هم كذلك اذ جاء عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يتوكأ على عصاً سراً، فسلّم عليه ونظر ولم يجد مقعداً، فأعتمد على عصاه. فما أدري أتخلّف عمداً؟ أم يظن به غير ذلك. قال عليّ: فيم أرسلتم إلينا، فقال عثمان: أرسلنا إليكم في هذا الشيخ الّذي قد كذب على نبيّنا وطعن في ديننا وخالف رأينا، وضغن قلوب المسلمين علينا، وقد رأينا أن نقتله أو نصلبه أو ننفيه من الأرض.


الصفحة 257
قال عليّ: أفلا أدلكم على خير من ذلكم وأقرب رشداً؟ تتركونه بمنزلة مؤمن آل فرعون {إِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}(1).

قال له عثمان: بفيك التراب، فقال له عليّ: بل بفيك التراب، وسيكون، فأمر بالناس فاخرجوا»(2).

7- وذكر الثقفي في تاريخه عن المعرور بن سويد قال: «كان عثمان يخطب، فأخذ أبو ذر بحلقة الباب فقال: أنا أبو ذر من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: (إنّما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه من تخلّف عنها هلك، ومن ركبها نجا).

قال له عثمان: كذبت.

فقال له عليّ (عليه السلام): إنما كان عليك أن تقول كما قال العبد الصالح {إِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}(3) فما أتمّ حتى قال عثمان: بفيك التراب.

فقال عليّ (عليه السلام): بل بفيك التراب»(4).

أقول: يبدو أن شتم عثمان للإمام «بفيك التراب» وردّ الإمام عليه بمثلها، كانت في مواطن عديدة، فقد مرّت آنفاً في مخالفات شرعية في مسائل الحج في أكل المحرم الصيد فراجع. وجاءت أيضاً قريباً ففي المسجد وفـي بيت عثمان مكرراً.

____________

(1) غافر /28.

(2) بحار الأنوار 8/317 ط الكمپاني على الحجر نقلاً عن تاريخ الثقفي.

(3) غافر /28.

(4) بحار الأنوار 8/317 ط الكمپاني.


الصفحة 258
8- أخرج عبد الرزاق في المصنف بسنده إلى أبي كعب الحارثي وهو ذو الأداوة - وقد مرّ بعض حديثه في حفصة وسعد بن أبي وقاص - قال: «فلقي - عثمان - عليّاً بباب المسجد فقال له عليّ أين تريد؟

قال: أريد هذا الّذي كذا وكذا. يعني سعد بن أبي وقاص فشتمه. فقال له عليّ: أيها الرجل دع هذا عنك.

قال: فلم يزل بهما الكلام حتى غضب عثمان فقال: ألست المتخلـّف عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم تبوك (؟!).

قال عليّ: ألستَ الفارّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم أحد قال: ثمّ حجز بينهما الناس»(1).

أقول: إنّ من السخرية بمكان، أن يقول ذلك عثمان، وهو يعلم أن ذلك كان من قول المنافقين في يوم تبوك(2) كما يعلم هو وغيره أن ذلك كان سبب قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ يومئذ: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي) فعرف ذلك بحديث المنزلة، وقد أستوفى ابن عساكر طرقه في تاريخه.

وقال: وقد رواه جمع كثير من الصحابة والأنصار والتابعين، وذكر من رواته عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص بطرق عنه كثيرة، ثمّ ذكر أسماء ما يزيد على عشرين صحابياً ممّن روى الحديث المذكور(3).

____________

(1) المصنف لعبد الرزاق 11/356.

(2) جاء في كلام الإمام الحسن الزكي (عليه السلام) قال لمعاوية وأصحابه: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أستخلفه على المدينة في غزوة تبوك ولاسخطه ذلك ولا كرهه، وتكلّم فيه المنافقون... (بحار الأنوار 44/78 ط الإسلامية، وراجع الاحتجاج للطبرسي).

(3) تاريخ مدينة دمشق دمشق (ترجمة الإمام) 1/281 - 364 ط بيروت.


الصفحة 259
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في أوائل ترجمة الإمام بعد أن ذكر الحديث: «هو من أثبت الآثار وأصحها رواه عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سعد بن أبي وقاص، وطرق حديث سعد فيه كثيرة جداً، وقد ذكرها ابن أبي خثيمة وغيره، ورواه ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة يطول ذكرهم»(1).

?هذا الحديث أخرجه جميع أصحاب الصحاح الستة كما أخرجه الكثيرون من المحدّثين والمؤرخين وأرباب السير، ومنهم ابن سعد في الطبقات بسنده عن البرّاء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: «لمّا كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ بن أبي طالب: إنّه لا بدّ من أن أقيم أو تقيم فخلّفه، فلمّا نَصَل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غازياً قال ناس: ما خلّف عليّاً إلاّ لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك عليّاً فاتـّبع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى انتهى إليه فقال له: ما جاء بك يا عليّ؟ قال: لا يا رسول الله إلاّ إنّي سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيء كرهته مني! فتضاحك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: (يا عليّ أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنّك لستَ بنبي ّ؟ قال: بلى يا رسول الله قال: فإنّه كذلك)»(2).

وذكر ابن سعد الحديث برواية سعد بن أبي وقاص وفيه: «فأدبر عليّ مسرعاً كأنّي أنظر إلى غبار قدميه يسطح»(3).

ولا يبعد من مناوئي الإمام من العثمانية أنهم أختلقوا لعثمان تجهيز جيش العسرة في مقابل حديث المنزلة يومئذ. هذا عن تعيير عثمان للإمام بتخلّفه يوم

____________

(1) الاستيعاب 2/459 ط حيدر آباد.

(2) طبقات ابن سعد 3ق1/15.

(3) نفس المصدر.


الصفحة 260
تبوك. أمّا عن جواب الإمام وتعييره لعثمان بفراره يوم أحد فهو ممّا ثبت عنه وكان يعيّر به دائماً ولم يستطع إنكاره مرة واحدة بل كان يقول لمن عيّره به كعبد الرحمن بن عوف: أتعيّرني بذنب قد عفا الله لي عنه. فهو من المنهزمين في يوم أحد ولم يعد إلاّ بعد ثلاثة أيام ذكر الرازي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}(1): «إنّ من المنهزمين عمر... ومنهم عثمان أنهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة، انهزموا حتى بلغوا موضعاً بعيداً ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيام»(2).

9- وروى البلاذري في الأنساب قال: «حدثني عباس بن هشام عن أبيه عمّن حدثه عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس: ان عثمان شكا عليّاً إلى العباس فقال له: يا خال إنّ عليّاً قد قطع رحمي وألّب الناس عليّ، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيم وعدي فبنو عبد مناف أحق أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه.

قال عبد الله بن العباس: فأطرق أبي طويلاً ثمّ قال: يا ابن أخت لئن كنت لا تحمدُ عليّاً فما نحمدك له، وإن حقّك في القرابة والإمامة لـَلحقّ الّذي لا يُدفع ولا يُجحد، فلو رقيت فيما نطأطأ، أو تطأطأت فيما رقى تقاربتما، وكان ذلك أوصل وأجمل.

قال: قد صيّرت الأمر عن ذلك إليك فقرّب الأمر بيننا.

____________

(1) آل عمران /155.

(2) راجع أيضاً الإصابة لابن حجر في ترجمة رافع بن المعلّى الأنصاري وسعيد بن عثمان الأنصاري فقد ذكر نزول الآية في الرجلين ومعهما عثمان بن عفان.


الصفحة 261
قال: فلمّا خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه، فما لبثنا أن جاء أبي رسول عثمان بالرجوع إليه فلمّا رجع قال: يا خال أحبّ أن تؤخر النظر في الأمر الّذي ألقيت إليك حتى أرى من رأيي.

فخرج أبي من عنده ثمّ التفت إليّ فقال: يا بُني ليس إلى هذا الرجل من أمره شيء. ثمّ قال: اللّهمّ أسبق بي الفتن ولا تبقني إلى ما لا خير لي في البقاء إليه. فما كانت جمعة حتى هلك»(1).

10- وروى الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات عن عبد الله بن عباس قال: «ما سمعت من أبي شيئاً قط في أمر عثمان يلومه فيه ولا يعذره، ولا سألته عن شيء من ذلك مخافة أن أهجم منه على ما لا يوافقه، فأنا عنده ليلة ونحن نتعشى إذ قيل هذا أمير المؤمنين عثمان بالباب، فقال أئذنوا له، فدخل فأوسع له على فراشه وأصاب من العشاء معه، فلمّا رفع قام من كان هناك وثبتّ أنا، فحمد الله عثمان وأثنى عليه ثمّ قال:

أمّا بعد يا خال فإني قد جئتك أستعذرك من ابن أخيك عليّ سبّني وشهر أمري وقطع رحمي وطعن في ديني، وإني أعوذ بالله منكم يا بني عبد المطلب إن كان لكم حقّ تزعمون أنكم غُلبتم عليه فقد تركتموه في يدي مَن فعل ذلك بكم، وأنا أقرب إليكم رحماً منه، وما لمت منكم أحداً إلاّ عليّاً، ولقد دعيت أن أبسط عليه فتركته لله والرحم وأنا أخاف أن لا يتركني فلا أتركه.

قال ابن عباس: فحمد أبي الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد يا بن أختي فإن كنت لا تحمد عليّاً لنفسك فإنّي لأحمدك لعليّ وما عليّ وحده قال فيك بل

____________

(1) أنساب الأشراف 1ق4/498.


الصفحة 262
غيره، فلو أنّك أتهمت نفسك للناس أتهم الناس أنفسهم لك، ولو أنّك نزلت ممّا رقيت وأرتقوا ممّا نزلوا فأخذت منهم وأخذوا منك ما كان بذلك بأس.

قال عثمان: فذلك إليك يا خال وأنت بيني وبينهم. قال: أفأذكر لهم ذلك عنك؟ قال: نعم، وأنصرف. فما لبثنا أن قيل: هذا أمير المؤمنين قد رجع بالباب، قال أبي: أئذنوا له فدخل فقام قائماً ولم يجلس وقال: لا تعجل يا خال حتى أوذنك. فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان جالساً بالباب ينتظره حتى خرج فهو الّذي ثناه عن رأيه الأوّل.

فأقبل عليَّ أبي وقال: يا بني ما إلى هذا من أمره شيء، ثمّ قال: يا بني أملك عليك لسانك حتى ترى ما لابدّ منه. ثمّ رفع يديه فقال: اللّهمّ اسبق بي ما لا خير لي في إدراكه، فما مرّت جمعة حتى مات (رحمه الله)»(1).

11- وروى البلاذري في أنساب الأشراف بإسناده عن صهيب مولى العباس: «ان العباس قال لعثمان: أذكّرك الله في أمر ابن عمك وابن خالك وصهرك وصاحبك مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد بلغني أنّك تريد أن تقوم به وبأصحابه. فقال: أوّل ما أجيبك به أنّي قد شفـّعتك، إنّ عليّاً لو شاء لم يكن أحد عندي إلاّ دونه ولكن أبى إلاّ رأيه.

ثمّ قال لعليّ: مثل قوله لعثمان فقال عليّ: لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت»(2).

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2/397. وهذه الواقعة غير الّتي سبقتها وان عاصرتها زماناً ففي الاُولى كانت الشكوى في دار عثمان والعباس حاضر عنده. أمّا هذه فهي في دار العباس وعثمان حاضر عنده، ولا مانع من تعدّدهما إذا عرفنا تخبّط السياسة يومئذ في معالجة مشاكل الناس وأستحواذ مروان على عثمان في تدبير أُموره.

(2) أنساب الأشراف 1ق 4/498 و 499.


الصفحة 263
12- روى الواقدي في كتاب الشورى عن ابن عباس (رحمه الله) قال: «شهدت عتاب عثمان لعليّ (عليه السلام) يوماً فقال له في بعض ما قاله: نشدتك الله أن تفتح للفرقة بأباً فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقاً وابن الخطاب طاعتك لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولستُ بدون واحد منهما، وأنا أمسّ بك رحماً وأقرب إليك صهراً، فإن كنت تزعم أنّ هذا الأمر جعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لك، فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت، فإن كانا لم يركبا من الأمر جَداً فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة، وإن كانا أحسنا فيما وليا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما.

فقال عليّ (عليه السلام): أمّا الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها بأباً وأسهّل إليها سبيلاً، ولكني أنهاك عمّا ينهاك الله ورسوله عنه، وأهديك إلى رشدك. وأمّا عتيق وابن الخطاب فان كانا أخذا ما جعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين.

فأمّا أن لا يكون حقي بل المسلمون فيه شرع فقد أصاب السهم الثغرة، وأمّا أن يكون حقي دونهم، فقد تركته لهم طبت به نفساً، ونفضت يدي عنه استصلاحاً.

وأمّا التسوية بينك وبينهما فلست كأحدهما، إنّهما وليا هذا الأمر فطلقا أنفسهما وأهلهما عنه. وعُمتَ فيه وقومك عوم السابح في اللجة، فارجع إلى الله أبا عمرو وانظر هل بقي من عمرك إلاّ كظم الحمار فحتى متى وإلى متى؟ ألا تنهى سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان أثمه مشتركاً بينه وبينك.


الصفحة 264
قال ابن عباس: فقال عثمان: لك العتبى، وافعل وأعزل من عمالي كلّ من تكرهه ويكرهه المسلمون. ثمّ أفترقا فصدّه مروان بن الحكم عن ذلك، وقال يجتريء عليك الناس فلا تعزل أحداً منهم»(1).

13- وروى الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات بسنده عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «أرسل إليَّ عثمان في الهاجرة فتقنعت بثوبي وأتيته، فدخلت عليه وهو على سريره وفي يده قضيب وبين يديه مال دثر، صُبرتان من وَرِق وذهب. فقال: دونك خذ من هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني، فقلت: وصلتك رحم إن كان هذا المال ورثته أو اعطاكه معطِ أو أكتسبته من تجارة. كنتُ أحد رجلين إما آخذ وأشكر، أو أوفر وأجهد، وإن كان من مال الله وفيه حقّ المسلمين واليتيم وابن السبيل، فوالله ما لك أن تعطينيه، ولا لي أن آخذه. فقال أبيت والله إلاّ ما أبيت، ثمّ قام إليَّ بالقضيب فضربني، والله ما رددت يده حتى قضى حاجته، فتقنعت بثوبي ورجعت إلى منزلي، وقلت: الله بيني وبينك إن كنت أمرتك بمعروف ونهيت عن منكر»(2).

14- وروى الزبير بن بكار في كتاب الموفقيات عن ابن عباس (رحمه الله) قال: «صليت العصر يوماً ثمّ خرجت فإذا أنا بعثمان في أيام خلافته في بعض أزقة المدينة وحده، فأتيته إجلالاً وتوقيراً لمكانه، فقال لي: هل رأيت عليّاً؟ قلت: خلّفته في المسجد، فإن لم يكن الآن فيه فهو في منزله. قال: أمّا منزله فليس فيه فابغه لنا في المسجد، فتوجهنا إلى المسجد، وإذا عليّ (عليه السلام) يخرج منه.

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2/398 ط مصر الأولى.

(2) نفس المصدر.


الصفحة 265
- قال ابن عباس: وقد كنت أمس ذلك اليوم عند عليّ فذكر عثمان وتجرّمه عليه، وقال: أما والله يا بن عباس أن من دوائه لقطع كلامه وترك لقائه، فقلت له يرحمك الله كيف لك بهذا، فإن تركته ثمّ أرسل إليك فما أنت صانع؟ قال: أعتلّ واعتلّ فمن يضرّني؟ قال: لا أحد - قال ابن عباس: فلمّا تراء يناله وهو خارج من المسجد ظهر منه من التفات والطلب للأنصراف ما أستبان لعثمان، فنظر إليّ عثمان وقال: يا بن عباس أما ترى ابن خالنا يكره لقاءنا؟ فقلت: ولِمَ وحقك ألزم وهو بالفضل أعلم. فلمّا تقاربا رماه عثمان بالسلام فردّ عليه، فقال عثمان: إن تدخل فإياك أردنا، وإن تمض فإياك طلبنا. فقال عليّ: أيّ ذلك أحببت قال: تدخل، فدخلا وأخذ عثمان بيده فأهوى به إلى القبلة فقصر عنها وجلس قبالتها، فجلس عثمان إلى جانبه، فنكصت عنهما، فدعواني جميعاً فأتيتهما.

فحمد الله عثمان وأثنى عليه وصلّى على رسوله ثمّ قال: أمّا بعد يا بني خاليّ وابنيّ عمّي فإذ جمعتكما في النداء فاستجمعكما في الشكاية على رضائي عن أحدكما ووجدي على الآخر، إنّي أستعذركما من أنفسكما وأسألكما فيأتكما وأستوهبكما رجعتكما، فوالله لو غالبني الناس ما أنتصرت إلاّ بكما، ولو تهضّموني ما تعززت إلاّ بعزّكما، ولقد طال هذا الأمر بيننا حتى تخوّفت أن يجوز قدره ويعظم الخطر فيه. ولقد هاجني العدو عليكما وأغراني بكما، فمنحني الله والرحم ممّا أراد، وقد خلونا في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلى جانب قبره، وقد أحببت أن تظهرا لي رأيكما وما تنطويان لي عليه وتصدقا فان الصدق أنجى وأسلم وأستغفر الله لي ولكما.


الصفحة 266
قال ابن عباس: فأطرق عليّ (عليه السلام) وأطرقت معه طويلاً. أمّا أنا فأجللته أن أتكلّم قبله وأمّا هو فأراد أن أجيب عني وعنه، ثمّ قلت له: أتتكلم أم أتكلم أنا عنك؟

قال: بل تكلم عني وعنك.

فحمدت الله وأثنيت عليه، وصليت على رسوله ثمّ قلت: أمّا بعد يا بن عمنا وعمتنا فقد سمعنا كلامك لنا وخلطك في الشكاية بيننا على رضاك - زعمت - عن أحدنا ووجدك على الآخر، وسنفعل في ذلك فنذمّك ونحمدك، اقتداء منك بفعلك فينا، فانا نذمّ مثل تهمتك إيانا على ما أتهمتنا عليه بلا ثقة إلاّ ظناً، ونحمد منك غير ذلك من مخالفتك عشيرتك، ثمّ نستعذرك من نفسك استعذارك إيانا من أنفسنا، ونستوهبك فيأتك استيهابك إيانا فيأتنا، ونسألك رجعتك مسألتك إيانا رجعتنا، فإنا معاً أيّما حمدت وذممت منا كمثلك في أمر نفسك، ليس بيننا فرق ولا اختلاف، بل كلانا شريك صاحبه في رأيه وقوله، فوالله ما تعلمنا غير معذرّين فيما بيننا وبينك، ولا تعرفنا غير قانتين عليك ولا تجدنا غير راجعين اليك، فنحن نسألك من نفسك مثل ما سألتنا من أنفسنا.

وأمّا قولك: لو غالبتني الناس ما أنتصرت إلاّ بكما أو تهضّموني ما تعزّزت إلاّ بعزّكما، فأين بنا وبك عن ذلك ونحن وأنت كما قال أخو كنانة:


بدا بخير ما رام نال وان يرمنخض دونه غمرا من اللغر رائمه
لنا ولهم منا ومنهم على العدىمراتب عـزّ مصعـدات سلالـمه

وأمّا قولك في هيج العدو إياك وإغرائه لك بنا، فوالله ما أتاك العدو من ذلك شيئاً إلاّ وقد أتانا بأعظم منه فمنعناه ما أراد ما منعك من مراقبة الله والرحم،

الصفحة 267
وما أبقيت أنت ونحن إلاّ على أدياننا وأعراضنا ومروآتنا، ولقد لعمري طال بنا وبك هذا الأمر حتى تخوّفنا منه على أنفسنا وراقبنا منه ما راقبت.

وأمّا مساءلتك إيانا عن رأينا فيك وما ننطوي عليه لك، فإنا نخبرك ان ذلك إلى ما تحبّ لا يعلم واحد منا من صاحبه إلاّ ذلك، ولا يقبل منه غيره، وكلانا ضامن على صاحبه ذلك وكفيل به، وقد برّأت أحدنا وزكّيته وأنطقت الآخر وأسكته، وليس السقيم منا ممّا كرهت بأنطق من البري فيما ذكرت، ولا البري منا ممّا سخطت بأظهر من السقيم فيما وصفت، فإما جمعتنا في الرضا وإما جمعتنا في السخط، لنجازيك بمثل ما تفعل بنا في ذلك مكايلة الصاع بالصاع، فقد أعلمناك رأينا وأظهرنا لك ذات أنفسنا وصدقناك، والصدق - كما ذكرت - أنجى وأسلم، فأجب إلى ما دعوت إليه، وأجلل عن النقص والعذر مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وموضع قبره، وأصدق تنج وتسلم ونستغفر الله لنا ولك.

قال ابن عباس: فنظر إليّ عليّ (عليه السلام) نظر هيبة، وقال: دعه حتى يبلغ رضاه فيما هو فيه. فوالله لو ظهرت له قلوبنا وبدت له سرائرنا حتى رآها بعينه كما يسمع الخبر عنها بإذنه ما زال متجرّماً منتقماً، والله ما أنا ملقى على وضمة، وإني لمانع ما وراء ظهري، وان هذا الكلام لمخالفة منه وسوء عشرة. فقال عثمان: مهلاً أبا حسن فوالله إنّك لتعلم ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصفني بغير ذلك يوم يقول وأنت عنده: إنّ من أصحابي لقوماً سالمين لهم وانّ عثمان لمنهم انّه لأحسنهم بهم ظناً وأنصحهم لهم حبّاً.

فقال عليّ (عليه السلام): فصدّق قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بفعلك، وخالف ما أنت الآن عليه، فقد قيل لك ما سمعت وهو كاف إن قبلت، قال عثمان: تثق يا أبا الحسن؟ قال: نعم أثق ولا أظنك فاعلاً.


الصفحة 268
قال عثمان: قد وثقت وأنت ممن لا يخفر صاحبه ولا يكذّب لقيله.

قال ابن عباس: فأخذت بأيديهما حتى تصافحا وتصالحا وتمازحا، ونهضت عنهما فتشاورا وتآمرا وتذاكرا، ثمّ افترقا: فوالله ما مرّت ثالثة حتى لقيني كلّ واحد منهما يذكر من صاحبه ما لا تبرك عليه الإبل، فعلمت أن لا سبيل إلى صلحهما بعدها»(1).

15- وروى الزبير بن بكار في كتاب الموفقيات عن عمه عن عيسى بن داود عن رجاله قال: «قال ابن عباس (رحمه الله): لما بنى عثمان داره بالمدينة أكثر الناس عليه في ذلك فبلغه، فخطبنا في يوم جمعة ثمّ صلّى بنا ثمّ عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله ثمّ قال:

أمّا بعد فانّ النعمة إذا حدثت حدث لها حسّاد حسبها وأعداء قدرها، وإنّ الله لم يحدث لنا نعماً ليحدث لها حسّاد عليها ومنافسون فيها، ولكنه قد كان من بناء منزلنا هذا ما كان أرادة جمع المال فيه وضم القاصية إليه. فأتانا عن أناس منكم أنّهم يقولون أخذ فيأنا وأنفق شيأنا واستأثر بأموالنا، يمشون خمراً، وينطقون سراً، كأنا غيّب عنهم، وكأنّهم يهابون مواجهتنا، معرفة منهم بدحوض حجتهم، فاذا غابوا عنا يروح بعضهم إلى بعض يذكرنا، وقد وجدوا على ذلك أعواناً من نظرائهم ومؤازرين من شبهائهم، فبُعداً بُعداً، ورغماً رغماً، ثمّ أنشد بيتين كأنه يوميء فيهما إلى عليّ (عليه السلام):


توقـّد بنار أينما كنت وأشتعـلفلست ترى ممّا تعالج شافـياً
تشط فيقصي الأمر دونك أهلـُهوشيكاً ولا تدعى إذا كنت نائياً

____________

(1) نفس المصدر 2/399.


الصفحة 269
ما لي ولفيئكم وأخذ مالكم، ألست من أكثر قريش مالاً وأظهرهم من الله نعمة؟ ألم أكن على ذلك قبل الإسلام وبعده؟ وهبوني بنيت منزلاً من بيت المال أليس هو لي ولكم؟ ألم أقم أموركم، واني من وراء حاجاتكم؟ فما تفقدون من حقوقكم شيئاً؟ فلم لا أصنع في الفضل ما أحببت؟ فلِمَ كنت إماماً إذاً؟ ألا وإن من أعجب العجب انّه بلغني عنكم أنّكم تقولون: لنفعلن به ولنفعلن، فبمن تفعلون؟ لله آباؤكم، أبنقد البقاع أم بفقع القاع؟ ألست أحراكم إن دعا أن يجاب؟ وأقمنكم إن أمر أن يطاع؟ لهفي على بقائي فيكم بعد أصحابي، وحياتي فيكم بعد أترابي، يا ليتني تقدمت قبل هذا، لكني لا أحبّ خلاف ما أحبّه الله لي (عزّ وجلّ). إذا شئتم، فانّ الصادق المصدّق محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد حدثني بما هو كائن من أمري وأمركم، وهذا بدء ذلك وأوله، فكيف الهرب ممّا حتم وقدّر، أما انّه (عليه السلام) قد بشّرني في آخر حديثه بالجنة دونكم إذا شئتم فلا أفلح من ندم.

قال: ثمّ همّ بالنزول فبصر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومعه عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) وناس من أهل هواه يتناجون فقال: أيهاً أيهاً أسراراً لا جهاراً، أما والذي نفسي بيده ما أحنق على جرة ولا أوتى على ضعف مرة، ولولا النظر لي ولكم والرفق بي وبكم لعاجلتكم فقد أغتررتم، وأقلتم من أنفسكم، ثمّ رفع يديه يدعو ويقول: اللّهمّ قد تعلم حبي للعافية فألبسنيها، وإيثاري للسلامة فاتنيها.

قال: فتفرق القوم عن عليّ (عليه السلام)، وقام عدي بن الخيار فقال: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين النعمة وزادك في الكرامة، والله لأن تـُحسد أفضل من أن تحسد، ولأن تُـنافس أجل من أن تنافِس، أنت والله في حبنا الصميم ومنصبنا الكريم، إن دعوت أُجبت، وأن أمرت أُطعت، فقل نفعل وادع نجب. جُعلت الخيرة والشورى إلى أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليختاروا لهم ولغيرهم، وانّهم ليـرون مكانك

الصفحة 270
ويعرفون مكان غيرك، فاختاروك منيبين طائعين غير مكرهين ولا مجبرين، ما غيّرت ولا فارقت ولا بدّلت ولا خالفت، فعلام يقدمون عليك، وهذا رأيهم فيك، أنت والله كما قال الأوّل:


اذهب إليك فـما للحسودطـلابـك تحت العـثار
حكمتَ فما جُرت في خُلةٍفحكمك بالحقّ بادي المنار
فإن يسبعـوك قـسراً وقدجهرتَ بسيفك كلّ الجهار

قال: ونزل عثمان فاتى منزله، وأتاه الناس وفيهم ابن عباس فلمّا أخذوا مجالسهم أقبل على ابن عباس فقال: مالي ولكم يا بن عباس؟ ما أغراكم بي وأولعكم بتعقـّب أمري؟ أتنقمون عليّ أمر العامة أتيت من وراء حقوقهم أم أمركم، فقد جعلتهم يتمنون منزلتكم، لا والله لكن الحسد والبغي وتثوير الشر وإحياء الفتن والله لقد ألقى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليَّ ذلك، وأخبرني عن أهله واحداً واحداً، والله ما كذبت ولا أنا بمكذوب.

فقال ابن عباس: على رسلك يا أمير المؤمنين، فوالله ما عهدتك جَهِراً بسرّك ولا مظهراً ما في نفسك فما الّذي هيّجك وثوّرك؟ إنا لم يولعنا بك أمر، ولم نتعقب أمرك بشيء، أُتيت بالكذب وتـُسوّق عليك بالباطل، والله ما نقمنا عليك لنا ولا للعامة، قد أوتيت من وراء حقوقنا وحقوقهم، وقضيت ما يلزمك لنا ولهم، فأمّا الحسد والبغي وتثوير الفتن وإحياء الشرّ فمتى رضيت به عترة النبيّ وأهل بيته، كيف وهم منه واليه، على دين الله يثورون الشر؟ أم على الله يحيون الفتن؟ كلا ليس البغي ولا الحسد من طباعهم، فاتئد يا أمير المؤمنين وأبصر أمرك وأمسك عليك، فان حالتك الأولى خير من حالتك الأخرى، لعمري إن كنت