الصفحة 300
ومرّ بنا حضور حبر الاُمة عبد الله بن عباس في أكثر من موقف مع عثمان، حيث أطلّ علينا باسمه عاتباً ومستعتباً، ورسولا وعاذلا، ولم نجد لعثمان عنده يداً تذكر له فتشكر، وكان نصيبه - كسائر بني هاشم - الحرمان حتى ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لهم فيه الحقّ. وبقيت له مشاركات يمكن أن نتعرّف فيها المزيد من أخباره، مع عثمان في محنته بإختباره، سيأتي الحديث عنها.

كما مرت بنا مواقف الصحابة مع عثمان خصوصاً أولئك الذين أغدق عليهم العطاء فكان الجزاء منهم له شر جزاء. وهي الّتي سميتها بمواقف سنّمارية، ولم تقصر عنها مواقف بني أمية الذين قتل عثمان من أجلهم، فقد كانوا معه يوم قتله ولم يدافعوا عنه فلمّا قتل لجأوا إلى أم حبيبة وتركوه جثة هامدة بين زوجتيه نائلة وأم البنين، فجعلت أم حبيبة آل العاص والحرب وآل أبي العاص وآل أسيد في كندوج - مخزن الغِلال - وجعلت سائرهم في مكان آخر(1).

قال المسعودي: «فإذا كان بنو أمية لم يغنوا عنه شيئاً فما الّذي يرجى من غيرهم إذا كان مثل عمرو بن العاص وهو من الساخطين فكان يقول: أسخط عثمان قوماً وآثرهم فأنكر ذلك أهل السخط فغلبوا أهل الأثرة فقتل، ولمّا بلغه مقتل عثمان وهو بفلسطين فقال: أنا أبو عبد الله إنّي إذا حككت قرحة أدميتها ونكأتها»(2).

وهذا حذيفة بن اليمان قال لمّا بلغه قتل عثمان: «إنّ عثمان استأثر فأساء الأثرة، وجزعنا فأسأنا الجزع، رأوا منه أشياء أنكروها، وليرونّ أنكرَ منها فلا ينكرونها»(3).

____________

(1) نظر معاوية يوماً إلى عمرو بن سعيد يختال في مشيته فقال: بأبي وأمي أم حبيبة ما كان أعلمها بهذا الحيّ حين جعلتك في كندوج، أنساب الأشراف 1 ق4/571.

(2) مروج الذهب 2/355، واُنظر أنساب الأشراف 1 ق 4/579.

(3) أنساب الأشراف 1 ق 4/579.


الصفحة 301
ولم تقف نتائج السخط عند القتل والشماتة، بل بلغت أسوأ ما ارتكبوه منه.

فقد روى البلاذري عن أبي مخنف: «إنّ عثمان قتل يوم الجمعة فترك في داره قتيلاً، فجاء جبير بن مطعم وعبد الرحمن بن أبي بكر ومسور بن مخرمة الزهري وأبو الجهم بن حذيفة العدوي ليصلّوا عليه ويُجنّوه، فجاء رجال من الأنصار فقالوا لا ندعكم تصلون عليه، فقال أبو الجهم: إلاّ تدعونا نصلّي عليه فقد صلت عليه الملائكة، فقال الحجاج بن غزيّة: إن كنت كاذباً فأدخلك الله مدخله قال نعم حشرني الله معه، قال ابن غزية: ان الله حاشرك معه ومع الشيطان والله إنّ تركي الحاقك به لخطأ وعجز، فسكت أبو الجهم»(1).

وفي حديث المدائني عن الوقاصي عن الزهري قال: «إمتنعوا من دفن عثمان فوقفت أم حبيبة بباب المسجد ثمّ قالت: لتخلّن بيننا وبين دفن هذا الرجل أو لأكشفنّ ستر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخلوا بينه وبين دفنه»(2).

وروى ابن أعثم في الفتوح قال: «ثمّ أمر عليّ بدفن عثمان فحمل، وقد كان مطروحاً على مزبلة ثلاثة أيام حتى ذهبت الكلاب بفرد رجليه، فقال رجل من المصريين وأمه: لا ندفنه إلاّ في مقابر اليهود. قال حكيم بن حزام: كذبت أيها المتكلم لا يكون ذلك أبداً ما بقي رجل من ولد قصي.

قال: فحمل عثمان رحمة الله عليه على باب صغير قد جازت رجلاه من الباب وانّ رأسه ليتقعقع وأوتى به إلى حفرته»(3).

____________

(1) نفس المصدر /575.

(2) نفس المصدر /577.

(3) الفتوح 2/247.


الصفحة 302
وقال أبو مخنف في حديثه: «ثمّ أنّ القوم أغفلوا أمر عثمان وشغلوا عنه، فعاد هؤلاء النفر فصلوا عليه... وحمل على باب صغير من جريد قد خرجت منه رجلاه»(1). وفي ذلك قال أحمد شوقي بك في دول العرب وعظماء الإسلام(2):


من كقتيل بالسَفا مكفّنِمرّت به ثلاثةٌ لم يدفن
تعرضُه نوادبا أراملهويشفق النعش ويأبى حامله
قد حيل بين الأرض وابن آدماونوزعت دار البقاء قادما
مُثّلَ بالمهاجر المُثنّيعلى علوّ شأنه والسنّ
تنبوا العيون اليوم عنه جيفةوأمس كانَ نورها خليفة

مواقف محنة واختبار لابن عباس:

لقد قرأنا الكثير - فيما مرّ - من نصائح للإمام وللعباس ولابنه عبد الله نصحوا بها عثمان في الإقلاع عن سياسته الّتي أثارت عليه سخط المسلمين، لكنهم لم يجدوا عنده أذناً صاغية، بل كان يتهمهم في نصحهم، وبعد أن أعجزهم صاروا يقلـّلون من تحمّل المسؤولية أزاءه ما وسعهم ذلك. وقد مرّت بنا في مواقف عثمان من بني هاشم في الفقرتين (3، 4) آخر محاولات العباس في نصح عثمان، ولما لم يجد منه قبولاً تاماً ودائماً دعا ربّه أن لا يبقيه لأيام الفتن، فما دارت عليه الجمعة حتى مات.

____________

(1) أنساب الأشراف 1 ق 4/575.

(2) دول العرب وعظماء الإسلام /48.


الصفحة 303
ولعل آخر ما ورد عنه في ذلك وصيته لعثمان تلك الوصية الّتي تبارى لها جماعة فنظموها شعراً لنفاستها وما تضمنته من نصائح قيّمة(1).

وله وصية مماثلة ومتزامنة مع سابقتها أوصى بها الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام):

قال الجاحظ: «إنّ العباس بن عبد المطلب أوصى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في علته الّتي مات فيها، فقال: أي بُني إنّي مشفٍ على الظعن عن الدنيا إلى الله الّذي فاقتي إلى عفوه وتجاوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه، وأشير عليك به، ولكن العرق يبوض(2) والرحم عروض، وإذا قضيت حقّ العمومة فلا أبالي بعد، إنّ هذا الرجل - يعني عثمان - قد جاءني مراراً بحديثك وناظرني ملايناً ومخاشناً في أمرك، ولم أجد عليك إلاّ مثل ما أجد منك عليه، ولا رأيت منه إلاّ مثل ما أجد منك له...

إلى أن قال: لا تشار هذا الرجل ولا تماره، ولا يبلغنّه عنك ما يحنقه عليك، فإنه إن كاشفك أصاب أنصاراً، وإن كاشفته لم تر إلاّ ضراراً، ولم تستلج إلاّ عثاراً، واعرف مَن هو بالشام له، ومَن ههنا حوله ممن يطيع أمره ويمتثل قوله...

____________

(1) ذكر السخاوي في ذيل التبر المسبوك /372 ط مصر ان العباس أوصى عثمان نقلا عن ابن سعد، ثمّ ذكر أربعة ممن نظموا تلك النصائح باختصار. منهم شيخه أبو نعيم العقبي بقوله:


واظب على الخمس الّتي أوصى بها الــــعباس عم المصطفى عثمانا
أصــفـح ودار أكـــتــم تــحبـّب واصــبــرنّتـــزدد بــهــا يــا مــؤمنـا إيمانا

وقول ابن حسان الموصلي الشافعي:


أصفح تحبّب ودار أصبرن تجد شرفاوأكـتـم لسرٍّ فـهذي الخمس قد أوصَى
بـهــن عـثــمـانَ عـبـاس فدع جدلاوأنظر إلى قدر من أوصى وما الموصَى

(2) يبوض الرجل حسن وجهه بعد كَلَفٍ، وبالمكان أقام به ولزمه.


الصفحة 304
فعليك الآن بالعزوف عن شيء عرضّك له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يتم، وتصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم، ومن ساور الدهر غُلب، ومن حرص على ممنوع تعب، فعلى ذلك أوصيت عبد الله بطاعتك، وبعثته على متابعتك، وأوجرته محبتك، ووجدت عنده من ذلك ظنّي به لك، لا توتر قوسك إلاّ بعد الثقة بها، وإذا أعجبتك، فانظر إلى سيتها ثمّ لا تفوّق إلاّ بعد العلم، ولا تغرق في النزع إلاّ لتصيب الرميّة، وأنظر لا تطرف يمينُك عينك، ولا تجن شمالك شينَك، ودّعني بآيات من آخر سورة الكهف وقم إذا بدا لك(1).

والآن إلى مزيد من مواقف حبر الأمة مع عثمان، وما قام به من خدمات لمصلحة الإسلام في أيامه سوى ما تقدم:

أوّلاً: مواقف جهادية بحدّ السنان واللسان

ولمّا كان ابن عباس يشعر بواجبه الديني كمسلم تام الإسلام، وكهاشمي من سدنة الشريعة وحماة الإسلام، فهو يرى من واجبه إسداء النصح لعامة المسلمين، ولولاة أمورهم خاصة، وقد مرت بنا شواهد على ذلك أيام عمر، حين كان يستشيره فيشير عليه، وينصح له فيقبل منه نصيحته، أمّا في أيام عثمان وقد تغيّر الحال معه، إذ لم يكن أثيراً عنده كما كان عند عمر، فلا هو مستشار لديه فيشر عليه. بل كان عثمان - كما مر - يتهم بني هاشم - ومنهم ابن عباس طبعاً - بالوقيعة فيه، والتحريض عليه، وقد مرّت بعض الشواهد على ذلك، فراجع مواقف عثمان مع بني هاشم.

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3/282 - 283.


الصفحة 305
ولكن كلّ ذلك لم يصدّ ابن عباس عن القيام بواجبه ما وسعه، فكانت له مواقف مذكورة وخدمات مشكورة، منها مشاركة جهادية مع المجاهدين، ووساطة إصلاحية شأن المصلحين، وإمامة في الولاية للمصلين، وإمامة الحج في الموسم للمسلمين، وغير ذلك ممّا قام به في أيام عثمان ولمصلحته.

لقد ذكر بعض المؤرخين في أخبار الفتوح: أنّه شارك في غزاة افريقية، وشارك في غزاة طبرستان، وشارك في غزو القسطنطينية، وهذه كلّها كانت فيما ذكروا في السنيّ الست الأولى من خلافة عثمان، أمّا الست الأخرى وهي سنيّ إعلان السخط والنقمة، فلم يشارك في أمر خارج الحجاز، بل كان في مواقفه الإصلاحية داخل الحرمين الشريفين - مكة والمدينة-: فلننظر أوّلا إلى ما ذكروه من مشاركته في بعض الغزوات، هل يصح ذلك؟

لا ريب انّه في عهد عمر اتسعت رقعة الفتوحات الإسلامية، فضربت أطنابها في الشرق والغرب، وقوّضت دعائم الامبراطوريتين الفارسية والرومانية، حين داست خيول المسلمين بحوافرها أرضاً لم تطأها من قبل، فجاس المسلمون خلال الديار، وغنموا فيها خيراً كثيراً، ممّا جعل القبائل العربية يتهافتون على الإنضمام إلى الجندية في أيّ من الجناحين، ضمن جرائد فيها أسماؤهم تحت إشراف عرفائهم ورؤساء عشائرهم. وبالتالي يعيّن عمر لهم الجهة الّتي يجاهدون، والقائد الّذي ينضمّون تحت لوائه. فهو الّذي نظم ديوان الجند ورتـّب الأموال لتزويدهم بالسلاح والخيل والميرة.

أمّا عن قريش وخاصة وجوههم، فليس لهم أن يشاركوا إلاّ بعد أن يأذن لهم عمر فقد أخذ بأكظامهم وضيّق الخناق عليهم وهو القائل: وقد استأذن قوم

الصفحة 306
من قريش منه في الخروج للجهاد فقال: قد تقدّم لكم مع رسول الله، ثمّ قال: إنّي آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرّة، لا تخرجوا فتسلـّلوا بالناس يميناً وشمالاً، فقال له عبد الرحمن بن عوف - وكان هذا أحد الثلاثة الغالبين عليه(1) -: نعم يا أمير المؤمنين ولم تمنعنا من الجهاد؟ فقال: لأن أسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن أجيبك، ثمّ أندفع يحدّث عن أبي بكر حتى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها فمن عاد لمثلها فاقتلوه»(2).

قال ابن قتيبة: «وكان عمر رجلاً شديداً، قد ضيّق على قريش أنفاسها، لم يُنِل أحداً معه من الدنيا شيئاً»(3). وفي عهد عمر لم يأذن لبني هاشم بالخروج مع المجاهدين، فلم يذكر التاريخ أحداً منهم كان قائداً أو أميراً أو عريفاً، بل وحتى جندياً كسائر المقاتلين. وقد مرّت بنا في مواقف ثابتة في عهده ما يوضّح ذلك.

نعم ذكر المؤرخون الفضل بن العباس كان مع المجاهدين فقال بعضهم: «استشهد يوم اليرموك»(4)، وقال آخر: «استشهد يوم أجنادين»(5)، وقال ثالث: «استشهد يوم مرج الصفراء»(6)، وقال آخر: «مات بطاعون عمواس زمن عمر بن الخطاب»(7)، فإن صحت الأقوال الثلاثة الأولى فهي في أيام أبي بكر - وهو قد مات سنة ثلاث عشرة - وليس في عهد عمر، وإلاّ فيكون هو الوحيد الّذي

____________

(1) وهم عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن عوف ويرفأ مولاه.

(2) تاريخ اليعقوبي 2/135 ط الغري.

(3) الإمامة والسياسة 1/27 ط مصطفى محمّد.

(4) البدء والتاريخ 5/185.

(5) طبقات خليفة بن خياط /766 تح ـ سهيل زكار ط الشام، وتاريخ خليفة بن خياط 1/87-88 تح ـ أكرم ضياء العمري.

(6) طبقات خليفة بن خياط /766 تح ـ سهيل زكار.

(7) نسب قريش لمصعب الزبيري /25.


الصفحة 307
ذكروه مع المجاهدين في أيام عمر، وهذا هو قول ابن سعد والزبير بن بكار وأبي حاتم وابن البرقي حكاه الذهبي في تاريخ الإسلام(1) وقال: وهو الصحيح. ومهما كان نصيب ذلك من الصحة، فإنّي لم أقف على أسماء آخرين غيره، ولو كان عمر قد أذن لأناس من بني هاشم بالخروج لأذن لعبد الله بن عباس الّذي كان أكثرهم اختصاصاً به وتقريباً له منهم، وقد مرّ ذكر ما يوضّح الأسباب في مواقف ثابتة في عهد عمر.

أمّا في عهد عثمان فقد تغيّرت الموازين في نواحي الحياة ومنها الجهاد والمجاهدين، فبعد أن كان الجهاد في العهد النبوي وإلى فترة من بعده معتمداً على الرغبة في نشر الإسلام تحدو المقاتلين عاطفة دينية صادقة، وقل رغبة في الشهادة في سبيل الله. لكن تبدّلت تلك النوايا لدى الكثير من المقاتلين بدءاً من القادة وحتى سائر الناس وغلبة الأطماع في المغانم تحدو الكثيرين. وفيما يخص حديثنا عن ابن عباس وحضوره بعض الغزوات بقيادة المنبوذين في سلوكهم، مع انّه لم يسبق له أن خاض حرباً قبل ذلك، فلابدّ من وقفة تحقيق في صحة ما ذكر.

1- غزاة أفريقية:

إنّ المصادر الّتي ذكرت الفتوحات الإسلامية في عهد عثمان وأشارت إلى حضور عبد الله بن عباس أو أحد أخوته فيها علينا أن نوازن بينها ومؤلفيها زماناً وضبطاً. وتقسيمها إلى ثلاث مراتب حسب تسلسلها الزمني فـي وفيات أصحابها:

____________

(1) تاريخ الإسلام 2/25 ط القدسي.


الصفحة 308

المرتبة الاُولى: وتشمل:

1- جمهرة النسب لابن الكلبي المتوفى سنة 204 هـ، قال: «ومعبد قتل بأفريقية زمن عثمان»(1)، وهو أقدم نص ومصدر وصلت نسخته إلينا يمكن الرجوع إليه في المقام.

2- كتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد المتوفى سنة 231 هـ، قال: «ومعبد بن العباس قتل بأفريقية شهيداً...»(2).

3- نسب قريش لمصعب الزبيري المتوفى سنة 236 هـ، فقد ذكر الفضل بن العباس: «... ومات بطاعون عمواس زمن عمر بن الخطاب»، وذكر أيضاً بعده عبد الله بن عباس - ولم يذكر شيئاً عن مشاركته في أي غزاة -، وذكر أيضاً قثم ابن العباس: «... استشهد بسمرقند، وكان قد خرج مع سعيد بن عثمان زمـن معاوية».

وذكر معبد بن العباس: «ومعبد بن العباس مات بأفريقية شهيداً»(3).

4- تاريخ خليفة بن خياط المتوفى سنة 240 هـ قال: «فغزا ابن أبي سرح أفريقية ومعه العبادلة عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن زبير فلقي جرجير...»(4).

وقال في كتابه الطبقات: «واستشهد قثم بسمرقند ومعبد بأفريقية»(5).

____________

(1) جمهرة النسب 1/137 تح ـ فراج ط الكويت.

(2) طبقات ابن سعد 4ق1/2.

(3) نسب قريش /25- 27 تح ـ بروفنسال.

(4) تاريخ خليفة بن خياط 1/،134، وقارن تاريخ الإسلام للذهبي 2/79 ط القدسي بمصر.

(5) طبقات خليفة /581، وذكره أيضاً في /747 مرة اُخرى. ولقد ورد في كتاب نسب معدّ واليمن الكبير، المنسوب لأبي المنذر هشام بن محمّد الكلبي تح ـ الدكتور ناجي حسن ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية بيروت سنة 1408هـ - 1988م: وأفريقش بن قيس بن صيفي، وهو الّذي أفتتح إفريقية، وسُمّيت به، وقتل ملكها جرجير ويومئذ سُميت البربر، قال لهم: ما أكثر بربرتكم.


الصفحة 309
5- الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري المتوفى سنة 256 وقد كتبه بأسم الموفق العباسي، ومهما ظننا فيه الزلفى فيما يورده من أخبار تتعلق بآباء الموفـّق وأجداده، لكن أخباره تبقى مقبولة إلى حدّ ما مادامت من دون تفخيم الأجداد، وقد وجدت فيه خبراً مسنداً عن ابن عباس يتحدث فيه عن غزاة أفريقية، وما جرى بينه وبين جرجير هناك. وسنأتي على ذكره بتمامه.

6- فتوح البلدان للبلاذري المتوفى سنة 279 هـ فقد ذكر في فتح إفريقية فقال: «وكان عثمان بن عفان (رضي الله عنه) متوقفاً عن غزوها - يعني إفريقية - ثمّ إنّه عزم على ذلك بعد أن استشار فيه بعض الصحابة فنهوه لكنه كتب إلى عبد الله في سنة 27 ويقال: في سنة 28، ويقال: في سنة 29 يأمره بغزوها وأمدّه بجيش عظيم فيه: معبد بن العباس بن عبد المطلب، ومروان بن الحكم... والحارث بن الحكم أخوه، وعبد الله بن الزبير... والمسور بن مخرمة... وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعاصم بن عمر، وعبيد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وبسر بن أرطاة... وأبو ذؤيب... الهذلي... وخـرج في هـذه الغزاة ممن حول المدينة من العرب خلق كثير»(1).

ثمّ قال نقلاً عن الواقدي: «وبإفريقية أستشهد معبد بن العباس (رحمه الله) في غزاة ابن أبي سرح في خلافة عثمان. ويقال: بل مات فـي أيام القتال، واستشهاده أثبت»(2).

____________

(1) فتوح البلدان /234 ط الأولى بالقاهرة المعزّية سنة 1319هـ.

(2) نفس المصدر /236.


الصفحة 310
والآن لدى المقارنة بين ما جاء في المصادر المذكورة، لا نجد اسم عبد الله بن عباس إلاّ في واحد منها، وهو كتاب الأخبار الموفقيات أمّا الخمسة الباقية لم تذكره في إفريقية، وهذا ما يثير الشك في رواية الموفقيات، خصوصاً إذا نظرنا حديث البلاذري الّذي استعرض أسماء جماعة ممن حضروا غزاة أفريقية وعدّ في أوّلهم: معبد بن العباس، ولو كان أخوه عبد الله بن عباس معهم لذكر في مقدمتهم، فمثله لا يجهل مقامه ولا يُنسى أسمه.

المرتبة الثانية: وهي تضم:

1- تاريخ الطبري المتوفى سنة 1310 هـ قال: «لمّا نزع عمرو بن العاص عن مصر غضب عمرو غضباً شديداً وحقد على عثمان، فوجّه عبد الله بن سعد وأمره أن يمضي إلى إفريقية، وندب عثمان الناس إلى إفريقية، فخرج إليها عشرة الآف من قريش والأنصار والمهاجرين»(1).

وهذا النص خلو من ذكر أيّ اسم، ولكنا نعتمده - على إجماله - لتوثيق ما ورد مفصلاً في فتوح ابن أعثم الآتي وهو من معاصري الطبري.

2- كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي المتوفى نحو سنة 314 هـ قال في ذكر فتح أفريقية على يدي عبد الله بن سعد بن أبي سرح - إشارة عثمان للصحابة في ذلك -: «فدعا له عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه وطلحة والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيرهم من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فلمّا علم عثمان أنهم قد أجتمعوا في المسجد خرج إليهم بعد طلوع الشمس، فشاورهم في أمر إفريقية حتى أرتفع النهار، فكأنهم كرهوا ذلك، وأكثر من كره

____________

(1) تاريخ الطبري 4/256 ط دار المعارف.


الصفحة 311
ذلك سعيد بن زيد عمرو بن نفيل، فقال له عثمان: ما الّذي كرهت من أمر أفريقية؟ فقال سعيد: كرهت ذلك لما سمعت من عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وهو يقول: لا أُقربها أحداً من المسلمين ما حملت عيني الماء، ولا أرى لك مخالفة عمر، فذرهم ولا تغزهم، فإنك لن تخافهم على الإسلام، وإنهم راضون منك أن تقرّهم في أماكنهم. قال: ثمّ قام سعيد بن زيد فخرج.

وألتفت عثمان إلى مولى له يقال له نائل فقال له: يا نائل إذهب فادع لي زيد بن ثابت ومحمّد بن مسلمة.

قال: فخرج نائل فدعاهما، فاستشارهما عثمان بن عفان في بعثة الجيوش إلى أفريقية فأشارا عليه بذلك فقال عثمان بن عفان: الله أكبر قد أبهج لي رأي. ثمّ ندب الناس إلى ذلك فأجابوه سراعاً، فأول من أجابه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) وعبد الله وعاصم ابنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وبسر بن أرطأة، والمسور بن مخرمة وجماعة من أولاد الصحابة.

قال: ثمّ أجتمع الناس إلى عثمان بن عفان بعد ذلك، فعرضهم بالمدينة وعدّهم فكانوا أربعة الآف وثمانمائة من أخلاط القبائل فتجهزوا ما أمكنهم من الجهاز.

قال: وأعانهم عثمان بألف بعير بآلتها، وفتح بيوت السلاح فأعطاهم وقوّاهم، وأمّر على الناس مروان بن الحكم فجعله على الجند، وجعل أخاه الحارث بن الحكم على الرجالة...


الصفحة 312
قال: فسار المسلمون من المدينة حتى قدموا أرض مصر... فسار بهم عبد الله بن سعد في ثلاثة وعشرين ألفاً يريدون إفريقية.

قال: وطاف بإفريقية ملك عظيم يقال له جرجين من قبل ملك الروم، وفي يده من طرابلس المغرب إلى طنجة... قال: وسار المسلمون حتى توسطوا بلاد أفريقية ودنوا من أرضها فنزلوا هناك، وبعث عبد الله بن سعد إلى جرجين ملك أفريقية يدعوه إلى الإسلام... وصالحه على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار... ورجع... بالمسلمين إلى أرض مصر وكتب إلى عثمان يخبره بفتح إفريقية، ووجّه إليه بالخمس من أموال إفريقية فقسمه عثمان في أهل المدينة...»(1).

هذا ما ذكره ابن أعثم على تفصيله لم يرد فيه أي ذكر لهاشمي سوى اسم الإمام عليّ (عليه السلام) في المستشارين الذين كرهوا تلك الغزاة وفي هذا ما يحملنا على التريث في قبول النص على ما فيه. فأين صار معبد الّذي تكاد المصادر تجمع على وجوده في الجيش واستشهاده هناك؟ ثمّ أي خمس قسّمه عثمان في أهل المدينة، وهو قد أعطاه لمروان بن الحكم؟ وكان ذلك أحد أسباب النقمة عليه.

قال ابن عبد ربّه في العقد الفريد: وممّا نقم الناس على عثمان... وأفتتح أفريقية وأخذ خمسه فوهبه لمروان فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحي:


فأحلف بالله ربّ الأنام ما كتب الله شيئاً سدى
ولكن خُلقت لنا فتنةلكي نُبتلى بك أو تُبتلى
فان الأمينين قد بيّنامناراً لحقٍ عليه الهدى
فما أخذا درهماً غيلةوما تركا درهماً في هوى

____________

(1) الفتوح 2/132 ـ 137 ط أفست دار الندوة الجديدة بيروت.