وأعطيت مروان خمس العبا | د هيهات شأوك ممن شأى(1) |
3- أبو سعيد بن يونس المتوفى سنة 347 هـ له (تاريخ مصر) أختصره الذهبي وعلق منه أحاديث كما في تذكرة الحفاظ(2) وحكى عنه في سير أعلام النبلاء في ترجمة ابن عباس فقال: «وقال أبو سعيد بن يونس: غزا ابن عباس أفريقية مع ابن أبي سرح، وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفساً»(3).
4- محمّد بن أحمد بن تميم (أبو العرب) المتوفى سنة 333 هـ له كتاب (طبقات أهل أفريقية) وعنه حكى الأسيدي الدباغ في معالم الإيمان - كما سيأتي -: أنّ ابن عباس كان فيمن دخل أفريقية من الصحابة.
المرتبة الثالثة:
وهي المصادر المتأخرة زماناً عما سبق، وهي اجترار لما كتب فيما سبقها، وهي بحاجة إلى تمحيص يقوّم أودّها ويقوي عمدها، وان تكثـّر عددها فالغالب على أخبارها الإرسال، والمسند فيها قليل. لذلك أذكر منها لإطلاع القارئ عليها وله رأيه فيها:
1- كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر ابن عبد البر المتوفى سنة 463هـ في ترجمة معبد بن العباس قال: «قتل بأفريقية شهيداً سنة 35 هـ(4) في زمن عثمان وكان غزاها مع ابن أبي سرح...»(5).
____________
(1) العقد الفريد 2/283 ط تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.
(2) تذكرة الحفاظ /898 ط أفست حيدر آباد.
(3) سير أعلام النبلاء 4/442.
(4) قال ابن نغري بردي في النجوم الزاهرة 1/80: ثمّ غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح المذكور افريقية ثانية في سنة 33 حين نقض أهلها العهد... وأستشهد معه في هذه المرة بافريقية جماعة منهم: معبد بن العباس بن عبد المطلب وغيره.
(5) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/275 ط حيدر آباد.
وقال في ترجمة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وذكر فتح أفريقية: «وشهد معه هذا الفتح عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص...»(1).
3- وقال في تاريخه الكامل حوادث سنة 26هـ وهو يذكر فتح أفريقية: «فجهز - عثمان - إليه - ابن أبي سرح - العساكر من المدينة وفيهم جماعة من أعيان الصحابة منهم عبد الله بن عباس وغيره...»(2).
4- كتاب الحلة السيراء لابن الأبّار المتوفى سنة 658 هـ قال في ذكر الصحابة الذين دخلوا أفريقية: «عبد الله بن عباس أبو العباس. غزا أفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان سنة 27هـ وشهد فتحها، ذكر ذلك أبو سعيد بن يونس في تاريخه»(3).
5- كتاب معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان لأبي زيد الأسيدي الدبّاغ المتوفى سنة 696 هـ قال: «غزا ابن عباس (رضي الله عنهما) أفريقية مع عبد الله بن أبي سرح، وهو الّذي تولى قسم الفيء بها بين المسلمين، قاله أبو سعيد ابن يونس ومحمّد ابن أحمد بن تميم»(4). (وأشار المحقق في الهامش: طبقات علماء أفريقية ج17 مقتصراً على تسميته فيمن دخل أفريقية من الصحابة).
____________
(1) اُسد الغابة ط أفست ايران.
(2) الكامل في التاريخ 3/36 ط بولاق.
(3) الحلة السيراء 1/20 تح ـ د. حسين مؤنس ط الأُولى بالقاهرة سنة 1963 م.
(4) معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان 1/111 تح ـ. إبراهيم شبوح ط الخانجي بمصر سنة 1968.
فعلينا الآن أن نعود إلى الأخبار الموفقيات:
لنقرأ ما رواه الزبير بن بكار قال: «حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، حدثني عبد الله بن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر عن أبيه أبي عبيدة قال قال عبد الله بن عباس: خرجت مع عبد الله بن أبي سرح في غزوة أفريقية فلمّا دنا من جرجير - ملك المغرب - وهو رجل من الروم نصراني، وكان يذكر بعقل، قلت لعبد الله بن سعد: لو بعثت إليه من يكلّمه، فبعثني وبعث عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر بن ربيعة.
____________
(1) لقد كانت ولادة ابن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين كما مر ذلك فهو يومئذ ابن ثلاثين سنة أمّا ولادة عبد الله بن الزبير فهي بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة وقيل سنة أحدى كما في سير أعلام النبلاء للذهبي 4/460 ط دار الفكر، فهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة.
وأمّا ولادة مروان بن الحكم فهي بمكة وهو أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر فيما رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته 5/3. وقال ابن حجر في الإصابة: يقال: ولد بعد الهجرة بسنتين، وقيل بأربع وقال ابن شاهين مات النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو ابن ثمان سنين فيكون مولده بعد الهجرة بسنتين، وقد ذكره ابن حجر في الإصابة ضمن تراجم من له رؤية، لكن النووي نفى أن تكون له رؤية قال في تهذيب الأسماء واللغات 1/87 ط المنيرية بمصر في ترجمته: لم يسمع من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا رآه، لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل حين نفى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أباه الحكم، فكان مع أبيه بالطائف حتى أستخلف عثمان (رضي الله عنه) فردّهما. وقد حكى عن مالك أنّه قال: ولد يوم أحد. وقيل يوم الخندق... وبناءً على قول مالك تكون ولادته في السنة الثالثة من الهجرة لأن يوم أحد كان بعد وقعة بدر بسنة وهي كانت في السنة الثانية من الهجرة. وأمّا إذا كانت ولادته في يوم الخندق فهي في السنة السادسة من الهجرة فهو يومئذ ابن احدى وعشرين سنة.
وأمّا ولادة عبد الله بن عامر بن ربيعة فهي عام الحديبية كما في سير أعلام النبلاء في ترجمته، وقيل ولد سنة ست وتوفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو ابن أربع سنين وقال ابو نعيم: كان ابن خمس سنين كما في أسد الغابة في ترجمته، فهو يومئذ في سنّ مروان تقريباً أو يزيد قليلاً.
فكل هؤلاء الثلاثة دون حبر الأمة سناً كما هم دونه شأناً.
فلمّا فرغ ابن الزبير تكلم مروان بن الحكم. ثمّ أقبل عليّ عبد الله بن عامر فقال: أأتكلم؟ فقلت: تكلـّم ما بدا لك. فتكلم.
ثمّ أقبل عليَّ الترجمان فقال: ما تقول أنت يا عربيّ؟
قلت: ما أقول إلاّ ما قالوا، فليجب صاحبك ما بدا له، وقد دعوه.
فقال: أخبروني عن هذا الرجل الّذي أراه أسنّكم وأجملكم، وأراكم تقدّمونه (تتقدمونه) أمولاكم هو؟
قالوا: لا والله بل هو منّا ومن أنفسنا.
قال: فضعيف هو فلا تثقون بعقله؟ فلم أرسله ملككم؟
قالوا: لا والله بل هو عاقل.
قال: فما أنتم بحلماء، هو أحدكم، وله عقل مثل عقولكم، وهو أجملكم وأسنّكم، وملككم الّذي أرسلكم أضعف منكم وهو يعرف هذا منكم.
فسكتوا، فقلت للترجمان: قل لصاحبك: أجبنا بما تريد فنحن أعلم بأمرنا وبما نصنع بيننا.
قال: يقول الملك: حلمك هذا يزيدني بصيرة في حُمق أصحابك.
فرطن الملك، فأقبل علينا الترجمان فقال الملك يقول: ما يمنعني من جوابكم إلاّ أنا لا نضع جوابنا إلاّ في موضعه، أخبروني أيّكم أقرب بالملك الأكبر؟
قالوا: هذا لمروان.
قال: ثمّ من؟
قال: فأيكم أقرب بنبيكم؟
قالوا: هذا.
قال: يقول الملك: هو أقربكم بنبيكم وأسنكم وأجملكم وجلستم فوقه، وتقدمتم قبله!! لا تلبثون إلاّ قليلاً حتى يتفرّق أمركم، لا أراجعكم بشيء حتى يتقدّم إليّ وتتكلمون بعده.
فقال القوم: تقدم يا أبا العباس وتكلـّم حتى ننظر ما يُرجع الينا ويقول لنا.
فقلت للترجمان: أجب صاحبك إنّي لا أقوم من مجلسي، ولا أعيه بكلامي، ولا أبتديء أصحابي.
فقال: فلا أكلمكم كلمة، قد قلت: لا أفعل، فهل أنت يا رجل معتزلي حتى ألقاكم، فإنّي لا أحب أصيبك.
قال: قلت: ما يحلّ لي أن أعتزلك.
قال: أتقبل كرامتي من بينهم؟
قال: قلت: لا، إلاّ أن تكرمهم مثلي.
قال: هل أحد أقرب بنبيك منك؟
قلت: نعم، ففرح بذلك وقال: من؟
قلت: أبي، قال: وحيّ هو أبوك؟ قلت: نعم، قال: ما هو من نبيكم؟
قلت: عمّه، ففسّر له الترجمان كيف العم ومن ابنه.
قال: فما شأن المُلك في غيره؟
قلت: كان هذا الملك واللذان قبله خرجوا مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين خرج من أرضه، ولم يخرج أبي.
قال: بئسما صنعتم، ولا يصح أمركم أبداً، حتى يخرج إلى أهل بيت النبيّ، قوموا ولا أراجعكم بكلمة ممّا تريدون، إلاّ أن تخبرني ما شأنك جلست بين الصُلب من بين أصحابك وأنت عدوّ لها وأجتنبها أصحابك؟
قلت: لم يسيئوا بما صنعوا، ولم اَسِئ أيضاً، أمّا هم فتأذوا بها، وأمّا أنا فعلمت مجلسي لا يضرّ ديني، ولست منها، وليست مني.
قال: ما ينبغي إلاّ أن تكون حبر العرب. قال. الراوي. فسُمّي عبد الله من ذلك اليوم الحبر»(1).
فهذا الخبر الّذي رواه الزبير قد نميل إلى تصديقه، لأنّ الزبير بن بكار مهما قلنا بتزلـّفه في تأليفه الأخبار الموفقيات للموفق العباسي، فلا نرى فيما رواه من حضور عبد الله بن عباس في الجيش بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وما جرى له مع جُرجير، أيّ زلفى تحملنا على التشكيك فيه وما ذكر فيه من حوار دلّ على مكانة ابن عباس المرموقة يومئذ وقد لفت نظر جُرجير، لم يضف عليه ما يتزلف به إلى الموفق العباسي لأنّه من أحفاده. وكلّ ما ورد في الخبر غير مستبعد وقوعه، خصوصاً إنا قرأنا آنفاً بعض النصوص الّتي ذكرت ان عثمان ندب الناس، وجهّز جيشاً حشر فيه رجالا من المهاجرين والأنصار، فلا بُعد في أنّه أمره أو طلب - على أحسن تقدير - من ابن عباس أن يكون مع الجيش ضمن الصحابة المجاهدين ولعله ولاّه قسمة الفيء. إن صح ما رواه محمّد بن أحمد بن تميم (أبو العرب) فقد كان عمر قبله أرسل السائب بن الأقرع لذلك، فقد ذكر تاريخ الطبري: «ان عمر بن الخطاب بعث السائب بن الأقرع - مولى
____________
(1) الأخبار الموفقيات /116 تح ـ د سامر مكي العاني مط العاني بغداد.
فلعل عثمان هو الّذي أمره بالذهاب لهذا الغرض. ثمّ من يسعه يومئذ التخلف عن أمر عثمان وهو بعدُ في أوّل حكومته وعنفوان سلطته ومن يسعه التخلف عن جهاد الكفار، والجهاد باب من أبواب الجنة، فمن ذا الّذي يرغب عن الدخول في ذلك الباب؟
ولعل ما يقرّبنا إلى التصديق بحضوره ذكر بعض المؤرخين - كما مرّ - وجود بعض أسرته كأخيه معبد وان ذكر ابن خلدون - وقد أبعد - انّ الحسن والحسين وابن جعفر أيضاً كانوا في ذلك الجيش.
قال ابن خلدون في تاريخه: «فجهز - عثمان - العساكر من المدينة وفيهم جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمرو بن العاص وابن جعفر والحسن والحسين وابن الزبير وساروا مع عبد الله بن أبي سرح سنة ست وعشرين»(2).
وإنّي في شك من رواية ابن خلدون لحشره أسماء الحسن والحسين وابن جعفر في قائمة المجاهدين، ولم أجدهم عند غيره(3) على ان الفتح المذكور كان سنة 27هـ كما مرّ عن الطبري في تاريخه وفيها، أو 28هـ أو 29هـ كما مر عن البلاذري في فتوح البلدان. فمن وهم في تحديد التاريخ لا يستبعد عليه الوهم في حشر الأسماء.
____________
(1) تاريخ الطبري 4/116.
(2) تاريخ ابن خلدون 2/1003 ط دار الكتاب اللبناني.
(3) سوى السلاري في كتابه الاستقصا لأخبار الغرب الأقصى 1/39. وهذا الرجل متأخر عصراً عن ابن خلدون بعدة قرون، وقد أعتمد تاريخه من مصادره.
أقول: إن صح ما حكاه من تولي ابن عباس قسمة الفيء، فلا بدّ أن تكون قسمته صحيحة وعادلة، واذا كانت كذلك، فلماذا نقم المسلمون على ابن أبي سرح وامتدت النقمة حتى طالت عثمان بسبب قسمة تلك الغنائم؟ ولو صح ما حكاه كان اللوم على ابن عباس أولى، وكان لعثمان وابن أبي سرح حجة في دفع المعرّة عنهما.
قال الطبري في تاريخه في حديث الواقدي: «وكان الّذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهب، فأمر بها عثمان لآل الحكم، قلت - والقائل هو الطبري - أو لمروان، لا أدري... اهـ»(1).
فأين الفيء الّذي تولـّى قسمته ابن عباس بين المسلمين، وأحسب أن الّذي حكاه أبو زيد الأسيدي الدباغ غير مستساغ لأنّه دفاع - على استحياء - عن عثمان وآل الحكم ومروان، فقد ذكر الطبري في تاريخه فقال: «وقسم عبد الله ما أفاء الله عليهم على الجند، وأخذ خمس الخمس وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان مع ابن وثيمة النصري... ووفـّد وفداً فشكوا عبد الله فيما أخذ، فقال لهم: أنا نفـّلته. وكذلك كان يصنع وقد أمرت له بذلك، وذاك إليكم الآن، فان رضيتم فقد جاز، وان سخطتم فهو ردّ، قالوا: فإنا نسخطه.
____________
(1) تاريخ الطبري 4/256 ط دار المعارف.
2- غزاة جرجان وطبرستان:
قال الطبري في تاريخه: «غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلاثين يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير...».
ثمّ ذكر انّ عبد الله بن عامر والي عثمان على البصرة سبق إليها فعدل إلى جرجان وطبرستان فقال: «بسنده عن حنش بن مالك التغلبي فأتى جرجان وطبرستان ومعه عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، فحدّثني علج كان يخدمهم قال: كنت آتيهم بالسفرة، فاذا أكلوا امروني فنفضتها وعلـّقتها، فاذا أمسوا أعطوني باقيه...».
ثمّ ذكر مصالحة سعيد أهل البلاد المفتوحة، ثمّ قال: «ثمّ قفل سعيد إلى الكوفة»(2).
ولم يبعد ابن الأثير عما ذكره الطبري في تاريخه الكامل(3). كما لم يشذ عنهما ابن خلدون في تاريخه(4) فقد ذكر أسماء الصحابة الذين كانوا مع سعيد
____________
(1) نفس المصدر 4/254.
(2) نفس المصدر 4/269.
(3) الكامل في التاريخ 3/45 ط بولاق.
(4) تاريخ ابن خلدون 2/1018 ط دار الكتب اللبناني.
هذا كلّ ما وقفت عليه في سطور التاريخ حول مشاركة ابن عباس في غزاة جرجان وطبرستان. فهل يسعنا أن لا نصدّق بذلك لندرة ما ورد عنه في تلك الغزاة الّتي قطع سبيلها المفاوز والفدافد، ثمّ لم يحفظ له وعنه من مقام أو مقال سوى حديث السفرة الّذي رواه الطبري وهو لا يغني ولا يشبع الزاد الّذي كان فيها؟
أكاد أبقى متحيراً في قبول ذلك الخبر إذ بين المدينة المنورة وبين الأقطار المذكورة خراسان أو جرجان وطبرستان مسافات طويلة، والرحلة ليست رحلة نزهة وحتى لو كانت فلابدّ انها استغرقت شهوراً، فكيف لا يحفظ عنه العلج سوى حديث الصحب والسفرة؟ ثمّ تزداد الحيرة، حين أجد سعيد بن العاص - أمير الجيش - لا يعرف حكماً شرعياً هو يكون محل ابتلاء أمثاله من قادة الجيوش غالباً عند المنازلة واشتداد القتال. وذلك حكم صلاة الخوف فهو لا يعرف كيفيتها فيسأل من المسلمين عنها من شهدها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال حذيفة: أنا، فأمرهم حذيفة فلبسوا السلاح، ثمّ قال: إن هاجكم هيج فقد حل لكم
____________
(1) نهاية الأرب 19/418.
(2) الفتوحات الإسلامية 1/175 ط مصطفى محمّد.
وقد أغرب في القول الدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والإجتماعي 1/277 ط الثالثة بمصر سنة 1953 حين قال: ففي عهد عثمان فتحت بلاد طبرستان على يد سعيد بن العاص، وقد قيل: إن جيش المسلمين كان يضم الحسن والحسين ابني عليّ وعبد الله بن العباس وعمرو بن العاص والزبير بن العوام... فذكره لابن العاص وللزبير لم أقف عليه عند غيره وأظنه سها أراد أن يذكر ابنيهما فذكرهما.
ولا نجد لأيّ من العبادلة الذين كانوا يومئذ معه ما يتصل بذلك، بينما نجد لابن عباس روايات في صلاة الخوف(2)، وأنّه صلّى مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلاة الخوف(3).
فأنا - كما قلت مراراً - أذكر ما وجدته مرويّاً على ذمة الرواة. فما وسعني التصديق به ذكرته مؤمناً بصحته. وما لم يسعني ذلك ذكرتُه وناقشتـُه، وهذا منه.
وما ينبغي أن نصدّق كلّ ما يُروى أو نكذّب كلّ ما يروى، وإنّما الرواة أنفسهم ناسٌ يجوز عليهم الخطأ والصواب، ويجوز عليهم الصدق والكذب.
ثانياً: مواقف قرآنية
لقد كان حبر الأمة قد جمع المحكم(4) على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحفظه(5) كما حدّث بذلك عن نفسه - ويعني بالمحكم المفصّل وهو قصار السور لكثرة الفصول الّتي بين السور بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) - قال: «انّ الّذي تدعونه المفصّل هو المحكم، توفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم» وأتمّ تعلمه
____________
(1) أنظر كنز العمال 8/267 ط حيدر آباد الثانية نقلاً عن عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد في مسنده، وأبي داود في سننه، والنسائي في سننه، وابن جرير في تهذيب الآثار، والبيهقي في شعب الإيمان، والحاكم في المستدرك، والبخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه.
(2) نفس المصدر 8/268-269.
(3) نفس المصدر /269.
(4) سير أعلام النبلاء للذهبي 4/441 ط دار الفكر، ومصنف ابن أبي شيبة 10/501، وكنز العمال 2/ 373 ط حيدر آباد والثانية ط باكستان.
(5) مسند أحمد ط محققة برقم /2283.
كما أخذ أيضاً عن أبيّ بن كعب، وقد مرّ بنا في عهد عمر ما تلاه وسمعه عمر فسأله عن ذلك فقال سمعته من أبيّ وذهب إليَّ أبيّ وحاققه.
فلمّا كان في عهد عثمان وقد أصبح من عليّة القراء والمفسّرين، فكان لا يجد في نفسه حرجاً أن يقول لعثمان فيما أحدثه في مسائل القرآن، سواء في كتابته وتعميم نسخته، أو تحريقه مصاحف الآخرين، أو جمع المسلمين على قراءة واحدة.
وربّما كان يجد في نفسه على عثمان حيث تجاهله فلم يذكره ولم يشاوره فيمن ذكر وشاور، وكان خليقاً بعثمان أن يجمع القرآء الذين في المدينة فيشاورهم في الأمر، كما كان خليقاً بعثمان أن يستشير الإمام وابن عباس وهما من يعرف مكانتهما عند المسلمين، لكنه لم يفعل وأحضر أناساً وهم ممّن لم يبلغوا شأوه، لذلك لا يخلو كلامه معه من نقدٍ هاديء وهادف، كما لم يخل من تعبير عما يكنّه الضمير من شعور بالمرارة.
فلنقرأ حديثه حول جمع القرآن:
1- جمع القرآن:
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حيان والحاكم وابن المنذر وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف والنحاس في ناسخه وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه وغيرهم عن ابن عباس قال: «قلت لعثمان بن
____________
(1) مناهل العرفان للزرقاني 1/456.
فقال عثمان: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان ممّا يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات العدد، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: ضعوا هذه في السورة الّتي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوّل ما أنزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنّها منها، وقبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يبيّن لنا أنّها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال»(3).
قال الطبري: «فهذا الخبر ينبيء عن عثمان بن عفان (رحمه الله) انّه لم يكن تبيّن له أنّ الأنفال وبراءة من السبع الطوال ويصرّح عن ابن عباس أنّه لم يكن يرى ذلك منها»(4).
وهذا الخبر من جملة النصوص الّتي استدل بها السيوطي في كتابه الأتقان بعد أن نقل عن الحارث المحاسبي انّ القرآن كان مجموعاً على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
____________
(1) سميت بالمثاني: فإنها ما ثنّى المئين فتلاها، وكان المئون لها أوائل وكان المثاني لها توالي، وقد قيل إن المثاني سُمّيت مثاني، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس (تفسير الطبري 1/103 ط محققة).
(2) ما كان من سور القرآن عدد آيه مئة آية أو تزيد عليها شيئاً أو تنقص منها شيئاً يسيرا ً(تفسير الطبري 1/103 ط محققة).
(3) الاتقان للسيوطي 1/62 النوع /18 ط حجازي بالقاهرة سنة 1368هـ، وكنز العمال 2/367 ط حيدر آباد الثانية.
(4) تفسير الطبري 1/102 ط محققة.