وقفة عابرة:
ولنا وقفة عابرة مع استاذ من اساتذة التاريخ الإسلامي هو الدكتور أحمد شلبي فهو إذ يسوق نقاط النقمة على عثمان من قبل الثوّار حتى حاصروه. قال متسائلاً: «ما موقف كبار المسلمين من الدفاع عن عثمان؟ وما موقف بني أمية من ذلك؟ ثمّ أجاب فقال: يروي لنا التاريخ أن بعض كبّار المسلمين هجروا المدينة في الفتنة، وان بعضهم اعتزل الفتنة خوفاً منها ولزم داره، ولكن كثيرين من شباب المسلمين وقفوا بباب عثمان يحرسونه ويذودون عنه، وكان في مقدمة هؤلاء الحسن والحسين وعبد الله بن الزبير.
أمّا بنو أمية فإنّ موقفهم يحيط به بعض الغموض، لقد كان معاوية يدرك ما سوف ينزل بابن عمه الخليفة، فعرض معاوية على عثمان أن يذهب معه للشام فامتنع... فعرض عليه أن يرسل له حرساً فأبى... ثمّ تأزمت الأمور بعد ذلك، ولكن معاوية لم يسرع لنجدة الخليفة وقتل عثمان قبل أن تصل للمدينة القوة الصغيرة الّتي أرسلها معاوية، فعادت أدراجها من منتصف الطريق، ويروى أن عامر بن وائلة الصحابي دخل على معاوية إبّان خلافته فقال له معاوية: ألست من قتلة عثمان؟ فقال عامر: لا ولكني ممّن حضره فلم ينصره... ثمّ سأل عامر معاوية:
____________
(1) سير أعلام النبلاء 4/227 ط دار الفكر، وقارن المعرفة والتاريخ للفسوي 1/254، ومختصر تاريخ دمشق 11/231.
لا ألفينك بعد الموت تندبني | وفي حياتي ما زودتني زادي(1) |
ثمّ ساق الدكتور شلبي، ما سبق أن ذكرته عن أبي أيوب ثمّ قال: وأوضح تعليل أعتقده لموقف بني أمية أنهم ظنوا أن تدخلهم سينقل الخلاف من دائرة إلى دائرة، سينقله من خلاف بين المسلمين وبين خليفة المسلمين إلى خلاف بين المسلمين وبني أمية، ولم يكن بنو أمية بطبيعة الحال يريدون ذلك»(2).
أقول: وهذا تعليل عليل، فإنّ الخلاف الّذي بين المسلمين وبين عثمان إنّما كان من أقوى أسبابه هم بنو أمية واستحواذهم على عثمان ومقدّرات المسلمين.
ولمّا حوصر عثمان لم يتركه مَن كان منهم في المدينة معه، فقد روى التاريخ أنّ مروان كان من المدافعين عنه وأنه أصيب بضربة على رقبته من خلفه. وفي الطبري: «وخرج عليهم - الثوار - مروان بن الحكم من دار عثمان في عصابة، وخرج سعيد بن العاص في عصابة وخرج المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة في عصابة فاقتتلوا قتالاً شديداً، وكان الّذي حداهم على القتال أنّه بلغهم أن مدداً من اهل البصرة قد نزلوا صراراً - وهي من المدينة على ليلة - وأنّ أهل الشام قد توجهوا مقبلين...»(3).
____________
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي /200.
(2) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 1/329 ط الخامسة سنة 1970.
(3) تاريخ الطبري 4/382.
قال طه حسين: «ثمّ جاءه - معاوية - كتاب عثمان يستغيثه كما استغاث غيره من العمّال، فأبطأ عن نصره كما أبطأوا، وظل متربّصاً حتى قتل الشيخ، وهنالك نهض بدمه، وكان خليقاً به لو أراد أن يحقن هذا الدم قبل أن يُراق. ولكنه أقام في الشام مُطرقاً اطراق الشجاع ينتظر الفرصة المواتية، وقد واتته الفرصة فاهتبلها غير مقصّر في اهتبالها...»(1).
وفي نظري أنّ سعيد الأفغاني أكثر صراحة من شلبي، حيث يقول: «وأمّا بنو أمية فقد أصبحوا مغلوبين من حين قوي أمر الثائرين، فلمّا وقعت الواقعة بعثمان ثمّ بويع عليّ وهم أشد مايكونون كراهة لولايته، اختفوا، وجعلوا يتسللون هُرّاباً إلى مكة، استعداداً لإحباط أمر عليّ أو اللحاق بمعاوية في الشام، ومعهم الرجال والأموال، إذ كان أغلبهم ولاة لعثمان، فلمّا تركوا ولاياتهم تحمّلوا بما استطاعوا أخذه من الأموال والظهر والسلاح»(2).
وإليك مزيد بيان عن مواقف الأمويين مع المتآمرين:
____________
(1) عليّ وبنوه /62.
(2) عائشة والسياسة /71 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر.
تآمر الناكثين مع الحاقدين:
ذكر ابن أبي الحديد: «قال روى شيخنا أبو عثمان قال أرسل طلحة والزبير إلى عليّ (عليه السلام) قبل خروجهما إلى مكة مع محمّد بن طلحة وقالا: لا تقل له يا أمير المؤمنين، ولكن قل يا أبا الحسن لقد فال(1) فيك رأينا، وخاب ظننّا، أصلحنا لك الأمر، ووطّدنا لك الإمرة، وأجلبنا على عثمان حتى قتل، فلمّا طلبك الناس لأمرهم جئناك وأسرعنا إليك وبايعناك، وقدنا إليك أعناق العرب، ووطىء المهاجرون والأنصار أعقابنا في بيعتك، حتى إذا ملكت عنانك استبددتَ برأيك عنا، ورفضتنا رفض التريكة، وأذللتنا إذالة الإماء، وملكت أمرك الاشتر وحكيم ابن جبلة وغيرهما من الأعراب ونُزّاع الأمصار، فكنّا فيما رجوناه منك، وأمّلناه من ناحيتك كما قال الأوّل:
فكنت كمهريق الّذي في سقائه | لرقراق آلٍ فوق رابية صلدِ |
فلمّا جاء محمّد بن طلحة أبلغه ذاك، فقال: إذهب إليهما فقل لهما فما الّذي يرضيكما؟ فذهب وجاءه فقال: إنّهما يقولان: ولّ أحدنا البصرة والآخر الكوفة. فقال: لاها الله، إذن يحلم الأديم ويستشري الفساد وتنتقض عليَّ البلاد من أقطارها، والله إنّي لا آمنهما وهما عندي بالمدينة فكيف آمنهما وقد وليتهما العراقين، اذهب إليهما فقل: أيها الشيخان احذرا من سطوة الله ونقمته، ولا تبغيا للمسلمين غائلة وكيدا، وقد سمعتما قول الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(2).
____________
(1) فال الرأي خاب وأخطأ ولم يصب.
(2) القصص /83.
ثمّ خرجا ففعلا ما فعلا»(1). هذا ما ذكره ابن أبي الحديد عن شيخه أبي عثمان وقد كشف حديثه عن سريرة الشيخين وطمعهما في الولاية.
وسبق بنا كلمة طلحة: «ما لنا من هذا الأمر إلاّ كحسّة أنف الكلب»(2)! ولا عجب في ذلك، ولكن الأعجب!! محاولة اغتيال الإمام من قبل الزبير، روى الطبري بسنده عن أبي حبيبة مولى الزبير قال: «لمّا قتل الناس عثمان وبايعوا عليّاً جاء عليّ إلى الزبير فاستأذن عليه، فأعلمته به، فسلّ السيف ووضعه تحت فراشه ثمّ قال: ائذن له، فأذنت له، فدخل فسلّم على الزبير وهو واقف ثمّ خرج، فقال الزبير: لقد دخل لأمر ما قضاه، قم مقامه وانظر هل ترى من السيف شيئاً فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته... فقال: ذاك أعجل الرجل»(3).
قالت أم راشد: «سمعت طلحة والزبير يقول أحدهما لصاحبه: بايعته أيدينا ولم تبايعه قلوبنا، فقلت لعليّ فقال عليّ (عليه السلام): {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}(4)»(5).
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3/6 ط دار الكتب.
(2) تاريخ الطبري 4/429.
(3) تاريخ الطبري 4/432 ط دار المعارف، وشرح النهج لابن أبي الحديد 3/7.
(4) الفتح /10.
(5) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 5/441.
فبلغ ذلك عليّاً فقال: أخذهما إلى أقصى دار وأحرّ نار»(1).
قال الشيخ المفيد في كتاب الجمل: «فلمّا خرجا من عنده لقيهما ابن عباس فقال لهما: أذن لكما أمير المؤمنين؟ قالا: نعم.
فدخل على أمير المؤمنين فابتدأه (عليه السلام) فقال: يا بن عباس أعندك الخبر؟ قال: قد رأيت طلحة والزبير فقال (عليه السلام): إنّهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يحدثا فساداً، والله يا بن عباس وإنّي أعلم أنّهما ما قصدا إلاّ الفتنة فكأنّي بهما وقد صارا إلى مكة ليسعيا إلى حربي، فان يعلى بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك وسيفسدان هذان الرجلان عليَّ أمري، ويسفكان دماء شيعتي وانصاري.
قال عبد الله بن عباس: إذا كان ذلك عندك يا أمير المؤمنين معلوماً فلم أذنت لهما؟ وهلاّ حبستهما وأوثقتهما بالحديد وكفيت المسلمين شرّهما.
فقال له (عليه السلام): يا بن عباس أتأمرني بالظلم أبدأ وبالسيئة قبل الحسنة، وأعاقب على الظنة والتهمة، وأواخذ بالفعل قبل كونه، كلا والله لا عدلت عما أخذ الله عليَّ من الحكم والعدل، ولا ابتدئ بالفصل. يا بن عباس أنّني أذنت لهما وأعرف ما يكون منهما، ولكني استظهرت بالله عليهما، والله لأقتلنّهما ولأخيبنّ
____________
(1) أنساب الأشراف 2/222 تح ـ المحمودي.
قال طه حسين: «ومهما يكن من شيء فقد خرجا إلى مكة عن رضىً أو عن كره من عليّ: وجعل عليّ يتجهز لحرب أهل الشام يريد أن يغير عليهم قبل أن يغيروا عليه. وانّه لفي ذلك، إذ جاءته من مكة أنباء مقلقة غيّرت رأيه وخطته ومصير أمره كلّه تغييراً تاماً»(2).
وقال: «ومنذ ذلك اليوم أصبحت مكة مثابة لكلّ من كان ينكر إمامة عليّ من غير أهل الشام»(3).
قال الشيخ المفيد: «ولحق إلى مكة جماعة من منافقي قريش، وصار إليها - عائشة - عمال عثمان الذين هربوا من أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولحق بها عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبيد الله أخوه، ومروان بن الحكم بن أبي العاص، وأولاد عثمان وعبيده وخاصته من بني أمية، وانحازوا اليهما وجعلوها الملجأ لهم فيما دبّروه من كيد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجعل يأتيها كلّ من تحيّز عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حسداً له ومقتاً وشنآناً له، أو خوفاً من استيفاء الحقوق عليه، أو لاثارة فتنة او إدغال في الملّة. وهي - عائشة - على ملتها وسُنتّها تنعى إليهم عثمان و... وتحث على فراق أمير المؤمنين (عليه السلام) والإجتماع على خلعه»(4).
____________
(1) كتاب الجمل للشيخ المفيد /73 ط الحيدرية سنة 1368هـ.
(2) عليّ وبنوه /27.
(3) نفس المصدر /30.
(4) كتاب الجمل للشيخ المفيد /228 ط دار المفيد.
قال: وكتب الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط إلى من كان بالمدينة من بني هاشم أبياتاً:
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم | و لا تنهبوه لا تحلّ مناهبه |
فإن لم تردوه عليه فإنه | سواء علينا قاتلوه وسالبه |
بني هاشم انا وما كان بيننا | وسيف ابن أروى عندكم وحرائبه |
غدرتم بعثمان بن عفان ظلةٌ | كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه(1) |
قال ابن أبي الحديد: فأجابه عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب بأبيات طويلة من جملتها:
فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم | أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه |
وشبهته كسرى وقد كان مثله | شبيهاً بكسرى هديه وضرائبه(2) |
قال الزهري: «ثمّ ظهرا - يعني طلحة والزبير - إلى مكة بعد قتل عثمان (رضي الله عنه) بأربعة أشهر وابن عامر بها يجرّ الدنيا، وقدم يعلى بني أمية معه بمال كثير، وزيادة على أربعمائة بعير، فاجتمعوا في بيت عائشة (رضي الله عنها) فأداروا الرأي
____________
(1) الفتوح 2/276 ط دار الندوة.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد /90، وقال ابن أبي الحديد: أي كان كافراً كما كان كسرى كافراً، وكان المنصور إذا أنشد هذا البيت يقول: لعن الله الوليد هو الّذي فرّق بين بني عبد مناف بهذا الشعر، قارن أنساب الأشراف 1ق4/598، والفتوح لابن أعثم 2/276 ـ 277، والأغاني 5/149 ـ 151، والنصرة في حرب البصرة أو الجمل للمفيد/96 ط الثانية بالحيدرية سنة 1368.
وروى الطبري حديث الأئتمار: «قالت عائشة: فائتمروا أمراً ثمّ انهضوا إلى هذه الغوغاء وتمثلت:
ولو أنّ قومي طاوعتني سراتهم | لأنقذتُهم من الحبال أو الخبل(2) |
وقال القوم فيما ائتمروا به: الشام، فقال عبد الله بن عامر: قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته؟
فقال له طلحة والزبير: فأين؟ قال: البصرة فإنّ لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى، قالوا: قبحك الله؟ فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب، هلاّ أقمت كما أقام معاوية فنكتفي بك، ونأتي الكوفة فنسدّ على هؤلاء القوم المذاهبَ، فلم يجدوا عنده جواباً مقبولاً، حتى إذا استقام لهم الرأي على البصرة...
فنادى المنادي: انّ أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلّين والطلب بثأر عثمان ومن لم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز، فهذا جهاز وهذه نفقة، فحملوا ستمائة رجل على
____________
(1) الطبري 4/452، قال ابن قتيبة في غريب الحديث 2/156 في حديث الزبير انه يسأل عائشة (رضي الله عنها) بالخروج إلى البصرة فأبت عليه فما زال يفتل في الذروة والغارب حتى أجابته.
(2) هكذا تمثلت السيدة وهي الّتي قيل عنها وعن معرفتها بالشعر كثيراً، ولكن يبدو غلبة سورة الغضب عليها أنستها عجز البيت فأتمته من عندها، والبيت الشاهد رواه الطبري وابن الأثير وغيرهما أن الإمام سبق أن تمثل به عندما أتاه الثوار فأبى عليهم وقال:
ولو أن قومي طاوعتني سراتهم | أمرتُهم أمراً يديخ الأعاديا |
أنظر تاريخ الطبري 4/433 ط دار المعارف، وتاريخ ابن الأثير 3/83 ط بولاق.
وذكر الطبري في تاريخه: «أنّ حفصة أرادت الخروج مع عائشة فأتاها عبد الله بن عمر فطلب اليها أن تقعد فقعدت.
وبعثت أم الفضل بنت الحارث رجلاً من جُهينة يدعى ظفراً، فاستأجرته على أن يطوي ويأتي عليّاً بكتابها، فقدم على عليّ بكتاب أم الفضل بالخبر»(2).
وروى الطبري بسنده عن علقمة بن وقّاص الليثي قال: «لمّا خرج طلحة والزبير وعائشة عرضوا الناس بذات عرق، واستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فردوهما»(3).
وروى أيضاً عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال: «لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق، فقال: أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل، اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم، قالوا: بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.
فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني، قالا: لأحدنا أيّنا اختاره الناس. قال: بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه، قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟ قال: أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف. فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما رأى سعيد، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع، فرجع»(4).
____________
(1) تاريخ الطبري 4/450 ـ 451.
(2) نفس المصدر 4/451.
(3) نفس المصدر.
(4) تاريخ الطبري 4/453.
ثمّ قال المغيرة بن شعبة. أيّها الناس إن كنتم إنّما خرجتم مع أمكم فارجعوا بها خيراً لكم، وان كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان، وإن كنتم نقمتم على عليّ شيئاً فبيّنوا ما نقمتم عليه، أنشدكم الله فتنتين في عام واحد! وأبوا إلاّ أن يمضوا بالناس، فلحق سعيد بن العاص باليمن ولحق المغيرة بالطائف فلم يشهدا شيئاً من حروب الجمل ولا صفين... ا هـ»(1).
ومضى القوم ومعهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان، فاختلفوا في الطريق فقالوا: من ندعو لهذا الأمر؟ فخلا الزبير بابنه عبد الله وخلا طلحة بعلقمة بن وقّاص الليثي وكان يؤثره على ولده، فقال أحدهما أئت الشام وقال الآخر: ائت العراق وحاور كلّ واحد منهما صاحبه ثمّ اتفقا على البصرة.
كما اختلفا على إمامة الصلاة(2) وقول قائلهم: «والله لو ظفرنا لافتتنّا، ما خلّى الزبير بين طلحة والأمر، ولا خلّى طلحة بين الزبير والأمر».
____________
(1) الإمامة والسياسة 1/57 سنة 1328 بمصر.
(2) أنظر تاريخ الطبري 4/454 ـ 455 ط دار المعارف.
والآن فعودة الى صوب الناصحين المؤمنين، فلنقرأ:
أم سلمة من الناصحين:
لاشك إنّ إعلان التمرّد على خلافة الإمام الشرعية أحدث إرتباكاً عند المسلمين المعتمرين يومئذ بمكة، وكان اختلاف مواقف أمهات المؤمنين اللائي كنّ قد اعتمرن عمرة المحرّم وبقين بمكة قد زاد المسلمين حيرة. فعائشة تجهزّت لتقود جيشاً باسم الطلب بدم عثمان. وراودت حفصة على المشاركة في ذلك فوافقت وكادت أن تخرج مع عائشة لولا منع أخيها عبد الله لها من ذلك كما مرّ. وطمعت عائشة في إغراء أم سلمة أيضاً - وكانت معتمرة بمكة - فلم تفلح في إغرائها وكان لها موقف على خلاف موقف عائشة.
قال أبو مخنف: «جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعُها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا بنت أبي أمية، أنتِ أوّل مهاجرة من أزواج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنتِ كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقسم لنا من بيتكِ، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلكِ. فقالت أم سلمة: لأمر ما قلتِ هذه المقالة، فقالت عائشة: إنّ عبد الله أخبرني أنّ القوم استتابوا عثمان، فلمّا تاب قتلوه صائماً في شهر حرام، وقد عزمتٌ على الخروج إلى البصرة، ومعي الزبير وطلحة، فأخرجي معنا، لعلّ الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا.
فقالت أم سلمة: إنّكِ كنتِ بالأمس تحرّضين على عثمان، وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلاّ نعثلاً، وإنكِ لتعرفين منزلة عليّ بن أبي طالب عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أفأذكركِ؟ قالت: نعم، قالت: أتذكرين يوم أقبل (عليه السلام)
فأقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليَّ وهو غضبان محمرّ الوجه، فقال: ارجعي وراءك، والله لا يبغضه أحدٌ من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الإيمان، فرجعتِ نادمة ساقطة قالت عائشة: نعم أذكر ذلك.
قالت: وأذكّرك أيضاً، كنت أنا وأنتِ مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنتِ تغسلين رأسه، وأنا أحيس له حيساً - وكان الحيس يعجبه - فرفع رأسه وقال: (يا ليت شعري أيتكنّ صاحبة الجمل الأزبب، تنبحها كلاب الحوأب، فتكون ناكبة عن الصراط) فرفعتُ يدي من الحيس، فقلت: أعوذ بالله وبرسوله من ذلك، ثمّ ضرب على ظهركِ وقال: (إياكِ أن تكونيها يا بنت أبي أميةٌ، إياكِ أن تكونيها يا حميراء) أمّا أنا فقد أنذرتكِ.
قالت عائشة: نعم أذكر هذا.
قالت: وأذكّرك أيضاً، كنت أنا وأنتِ مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سفرٍ له، وكان عليّ يتعاهد نعليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيخصفها، ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبت له نعل، فأخذها يومئذ يخصفها، وقعد في ظل سمرة، وجاء أبوكِ ومعه عمر، فاستأذنا عليه، فقمنا إلى الحجاب، ودخلا يحادثانه فيما أراد، ثمّ قالا: يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا مَن يستخلف علينا، ليكون لنا بعدك مفزعا؟ فقال لهما: (أما إنّي قد أرى مكانه، ولو فعلت لتفرّقتم عنه، كما تفرّقت
فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك.
فقالت: فأيّ خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت: إنّما أخرج للإصلاح بين الناس، وأرجو فيه الأجر إن شاء الله، فقالت: أنتِ ورأيكِ.
فانصرفت عائشة عنها، وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى عليّ (عليه السلام)»(1).
فقد روى هشام الكلبي في كتاب الجمل: «انّ أم سلمة كتبت إلى عليّ (عليه السلام) من مكة: أمّا بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة ومعهم ابن الحزان عبد الله بن عامر بن كريز، ويذكرون أنّ عثمان قتل مظلوماً، وأنّهم يطلبون بدمه، والله كافيهم بحوله وقوته، ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج، وأمرنا به من لزوم البيوت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك، ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة، فاستوص به خيراً(2)»(3).
____________
(1) أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 2/77 ـ 78.
(2) قال الكلبي: فلمّا قدم عمر على عليّ (عليه السلام) أكرمه ولم يزل مقيماً معه حتى شهد مشاهده كلها، ووجهه أميراً على البحرين، وقال لابن عم له بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إليَّ من شعره، فبعث إليه بأبيات له أولّها:
جزتك أمير المؤمنين قرابة | رفعتَ بها ذكري جزاءً موفّرا |
فعجب عليّ (عليه السلام) من شعره واستحسنه.
(3) شرح النهج لابن أبي الحديد 2/78.