____________
(1) سيأتي عن بعض المصادر أنها كتبت كتاباً إلى عائشة كان فيه ذلك. وعلى هذا فقد ارتأى أحمد زكي صفوت فأدرجه في كتابه جهرة رسائل العرب 1/353 ط الأولى سنة 1356هـ.
(2) السُدّة: الباب، قال ابن قتيبة: وأرادت انك باب بين النبيّ وبين الناس، فمتى أصيب ذلك الباب بشيء فقد دخل على رسول الله في حريمه وحوزته، واستبيح ما حماه. تقول: فلا تكوني أنت سبب ذلك بالخروج الّذي لا يجب عليك، فتحوجي الناس إلى أن يفعلوا ذلك...
(3) فلا تندحيه: أي لا تفتحيه وتوسّعيه بالحركة والخروج، يقال: ندحت الشيء إذا وسّعته، ومنه يقال: أنا في مندوحة عن كذا، أي في سعة، تريد قول الله (عزّ وجلّ) {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}.
(4) فلا تبدحيه: فانه من البداح وهو المتسع من الأرض، وهو بمعنى الأوّل.
(5) وقولها: وسكّن عُقيراكِ، من عُقر الدار وهو أصلها، يقال: أخرج فلان من عقر داره أي من أصلها فكأن عُقيرى اسم مبنيٌ من ذاك على التصغير قال ابن قتيبة: ولم أسمع بعُقيرى إلاّ في هذا الحديث.
(6) فلا تُصحريها: أي فلا تُبرزيها وتباعديها وتجعليها بالصحراء.
(7) عُلتِ عُلتِ من العول والعول: الميل والجور... قال الله تعالى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاّ تَعُولُوا}.
قال ابن قتيبية: وسمعتُ من يرويه: عِلتِ عِلتِ، بكسر العين، فان كان ذلك هو المحفوظ، فإنّ عِلتِ بمعنى: غَرتِ، يقال عال في البلاد إذا ذهبت فهو يعيل، ومنه قيل للذئب عيّال.
(8) والفُرطة في البلاد، من الفَرط وهو السبق والتقدم، يقال فرطتهم إلى الماء إذا سبقتهم، ويقال: فرط مني كلام لم أحببه، أي سبق مني. والفُرطة اسم للخروج والتقدم.
(9) أي لا يرجع ولا يرد بهنّ إلى استوائه من قولك: ثُبتُ إلى كذا أي عدت إليه.
(10) أي لا يُشدّ بهنّ يقال: رأبت الصدع ولأمته، إذا شددته فانضمّ.
____________
(1) حُماديات النساء جمع حُمادي يقال: قصاراك إن تفعل ذاك وحماداك كأنه تقول جهدك وغايتك.
(2) غضّ الاطراف يعني جمع طَرف العين.
(3) وخَفر الإعراض. والخَفر: الحياء، والإعراض عن كلّ ما كَُرِه لهنّ أن ينظرن إليه أي لا يلتفتن نحوه وقال ابن قتيبة: وإن كانت الرواية: الأعراض بفتح الهمزة، فانه جمع عِرض وهو الجسد، أرادت إنهنّ للخَفَر ينشرن.
(4) وقولها: وقصر الوهازة أي الخطو.
(5) وقولها ناصّة قلوصاً من منهل. أي رافعة لها في السير، والنصّ سير مرفوع، والمنهل الماء المورود.
(6) والسِّدافة والسُدافة: الحجاب والستر، وقولها: وجهت سدافته تريد أخذت وجهها أي هتكت الستر قال ابن قتيبة: يدلك على ذلك قولها: لو قيل لي ادخلي ادخلي الفردوس لاستحييت أن القى محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هاتكةً حجاباً قد ضربه عليّ.
(7) والسجافة مثل السدافة.
(8) ووقاعة الستر: موقعه على الأرض إذا أرسلته.
(9) الرقِشاء: الأفعى سميت بذلك للترقيش في ظهرها وهو النقط، وهي توصف بالإطراق.
(10) أخذت ما تقدم من تفسير باقتضاب من كلام ابن قتيبة في غريب الحديث /487 ـ 494.
ولقد شك سعيد الأفغاني في كتابه (عائشة والسياسة) في صحة ما سبق ذكره أوّلاً نقلاً عن ابن أبي الحديد. وما شكه إلاّ صيانة لمقام عائشة عن مخالفة أمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو
=>
____________
<=
دفعٌ بالصدرَ ومع ذلك فهو ينقل ذلك ثمّ يقول: ان بعض هذا ـ لو صحّ وقوعه ـ كافٍ في إقلاع السيدة عن خروجها، وفي حملها على الرجوع إلى بيتها. وسنتكلم على حديث الحوأب هذا. ثمّ قال: أمّّا الرواية الّتي لا تحمل من الشك مثل ما تحمل الرواية المتقدمة، فهي النصيحة المشهورة الّتي تذكرها كتب الأخبار وكتب الأدب وكتب اللغة معاً وإليك إياها: ثمّ نقلها ومع ذلك فقد عقّب عليها بقوله:
وهذا كلام ـ على تكلّفه وتصنعه ـ يجوز أن يدور بين أم سلمة وعائشة، وهو أشبه بالواقع وأقل حظاً من الشك، ووجود كثير من مفرداته في معاجم اللغة: تشرح ويشار اليها أنها في كلام أم سلمة لعائشة... باعث على بعض الإطمئنان، وإن كنت لا أمنع جواز الزيادة في الرواية، وإني من الجملة الأخيرة في قول أم سلمة ـ خاصة ـ لفي بعض الشك. ثمّ أشار في الهامش فقال: أورد كلام أم سلمة هذا ابن أبي طاهر في كتابه (بلاغات النساء) عقب كلامها أيضاً في نصيحتها لعثمان وجوابه لها ثمّ قال: ((زعم لي ابن أبي سعد: أنه صح عنده أن العتّابي كلثوم بن عمرو صنع هذين الحديثين، وقد كتبتهما على ما فيهما)) أنظر ص11 وما قبلها في (بلاغات النساء) ـ فتأمل.
أقول: لئن أوحى الأفغاني بالشك إلى نفوس قرّائه بما ذكره من تعقيب ابن أبي طاهر في كتاب (بلاغات النساء) فأنا أذكر للقارئ أن ما سبقت روايته أوّلاً كان برواية أبي مخنف المتوفى سنة 157 وهو قبل أن يخلق العتابي المتوفى سنة 220 الّذي زعم ابن أبي سعد أنه الّذي صنع ذلك. ثمّ ما رواه ابن أبي طاهر ثانياً لم يكن متفرداً بروايته، بل رواه ابن قتيبة المتوفى سنة 276 في كتابيه الإمامة والسياسة وساقه بقوله: وكتبت أم سلمة إلى عائشة، وغريب الحديث إلاّ انه فيه قال في حديث أم سلمة انها أتت عائشة... فقالت لها... ثمّ عقب على ذلك بقوله في غريب الحديث 2/487: حدثنيه شيخ بالري من أهل الأدب، ورأيته عند بعض المحدثين، غير أنه كان لا يقيم ألفاظه ثمّ أخذ يشرح ألفاظ ذلك الحديث من ص 487 ـ إلى ص 494 كما مرّ نقله عنه. وعنه نقل ابن أبي الحديد ذلك في شرح النهج 2/79. وهذا كله ليس من طريق ابن أبي طاهر، وأيضاً رواه ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد 4/316 وجعله كتاباً من أم سلمة إلى عائشة، وكذلك ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج 2/78 وليس ثمة ما يشير إلى انه من رواية ابن أبي طاهر.
ومهما كان تشكيك سعيد الأفغاني فهو ليس بفيء بعد رواية أصحاب الحديث واللغة والأدب لذلك فراجع مضافاً إلى ما تقدم الجمل للمفيد /110 ط الحيدرية، الفائق للزمخشري 1/290 و 2/ 168 ـ 171، ولسان العرب (عقر) 4/597 و 2/407 و 4/434 و 7/ 368 و 1/247، والنهاية لابن الأثير 3/326 و 353 و 374، وراجع هوامش غريب الحديث تجد مصادر غيرها.
قال ابن قتيبة: حدثنيه شيخ بالريّ من أهل الأدب، ورأيته عند بعض المحدّّّثين، غير أنّه كان لا يقيم ألفاظه(1).
وروى الواقدي(2) بسنده عن أم سلمة وذكرت طلب طلحة والزبير منها الخروج معهما كعائشة فردّتهما ووعظتهما.
وقال سبط ابن الجوزي في حديثه: ولمّا عزمت عائشة على المسير نهتها أم سلمة وقالت لها: يا هذه ان حجاب الله لن يرفع وما أنتِ يا هذه وهذا الأمر وقد تنازعته الأيدي وتهافت فيه الرجال وتسكينه أصلح للمسلمين، فاتقي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الافتضاح في زوجته، واتقي دماً لم يبحه الله لكِ، فلمّا رأتها لا تصغي إلى قولها قالت:
نصحتُ ولكن ليس للنصح قابلٌ | ولو قبلتْ ما عنّفتها العواذل |
كأنّي قد ردت الحرب رحلها | وليس لها إلاّ الترجّل راحل(3) |
وذكر البيهقي في المحاسن: «انّ أم سلمة حلفت أن لا تكلّم عائشة من أجل مسيرها إلى حرب عليّ، فدخلت عائشة عليها يوماً وكلّمتها، فقالت أم سلمة: ألم أنهك؟ ألم أقل لك، قالت: إني أستغفر الله كلّميني، فقالت أم سلمة: يا حائط ألم أنهكَ؟ ألم أقل لكَ، فلم تكلمها أم سلمة حتى ماتت»(4).
____________
(1) غريب الحديث 2/482 تح ـ د. عبد الله الجبوري مط العاني بغداد سنة 1977.
(2) كما في الجمل للشيخ المفيد /108.
(3) التذكرة /38 ط حجرية.
(4) المحاسن والمساوي 1/231.
استنكار البصريين على الناكثين:
روى الطبري: أنّ جارية بن قدامة السعدي أقبل فقال: يا أم المؤمنين لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجكِ من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنّه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكتِِِ سِترَكِ وأبحتِ حرمتكِ، إنّه من رأى قتالكِ فإنّه يرى قتلكِ، وإن كنتِ أتيتنا طائعة فأرجعي إلى منزلكِ، وإن كنتِ أتيتِنا مستكرهة فاستعيني بالناس.
قال: فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال: أمّا أنت يا زبير فحواري رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأمّا أنت يا طلحة فوقيت رسول الله بيدك، وأرى أمّكما معكما فهل جئتما بنسائكما؟ قالا: لا، قال فما أنا منكما في شيء واعتزل، وقال السعدي في ذلك:
صنتم حلائلكم وقدتم أمّكُم | هذا لعمرك قلة الإنصاف |
أمرتْ بجرّ ذيولها في بيتها | فهوت تشقّ البيد بالإيجاف |
غرضاً يُقاتِلُ دونها أبناؤها | بالنبل والخطَي والأسياف |
هُتكتْ بطلحة والزبير ستورها | هذا المخبر عنهم والكافي |
وأقبل غلام من جهينة على محمّد بن طلحة - وكان محمّد رجلاً عابداً - فقال: أخبرني عن قتلة عثمان؟ فقال: نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج - يعني عائشة - وثلث على صاحب الجمل الأحمر - يعني طلحة - وثلث على عليّ بن أبي طالب، وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال! ولحق بعليّ، وقال في ذلك شعراً.
سألت ابن طلحة عن هالك | بجوف المدينة لم يُقبر |
فقال ثلاثة رهطٍ هَمُ | أماتوا ابن عفان واستعبرِ |
فثلث على تلك في خدرها | وثلث على راكب الأحمر |
وثلث على ابن أبي طالبٍ | ونحن بدرّيةٍ قرقر |
فقلت صدقت على الأولَين | وأخطأت في الثالث الأزهر(1) |
مغالطة عائشة لنفسها:
لقد مرّ بنا قولها لأم سلمة: إنّما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر.
فمن كانت تعتقد بذلك لماذا كانت تتم صلاتها في سفرها ذلك؟
فقد ذكر الشوكاني أنّ عائشة كانت تتم صلاتها في السفر، وقال: «وقد أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء أنّ عائشة كانت تصلي في السفر أربعاً، فإذا احتجوا عليها تقول: إنّ النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم كان في حروب وكان يخاف فهل أنتم تخافون؟
ثمّ قال: وقيل في تأويل عائشة: أنّها أتمت في سفرها إلى البصرة لقتال عليّ (عليه السلام)، والقصر عندها إنّما يكون في سفر طاعة...ا هـ»(2).
ولمّا كان هذا التأويل يصدع القوارير فقد انبرى بعض علماء التبرير وهو ابن حجر في فتح الباري فأبطله من دون بيان وجه البطلان، وإنّما كان منه دفعاً بالصدر(3).
____________
(1) تاريخ الطبري 4/467.
(2) نيل الأوطار 3/211 باب من اجتاز في بلد فتزوج فيه صلاة المسافر.
(3) راجع إتمام عثمان الصلاة بمنى.
ورحم الله حذيفة بن اليمان فقد كان عنده من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعض العلم بأحداث المستقبل، كما كانت له معرفة بالمنافقين، فكان يحدّث ويحذّر، ولكن أين السميع الفهيم.
والآن لنقرأ بعض ما جاء عنه (رحمه الله):
فقد روى أبو البختري قال: «قال حذيفة: أرأيتم لو حدثتكم أن أمّكم تخرج في فئة تقاتلكم أكنتم مصدّقي؟
قال: قلنا: سبحان الله يا أبا عبد الله ولم تفعل؟
قال: أرأيتم لو قلت لكم تأخذون مصاحفكم فتحرقونها وتلقونها في الحشوش أكنتم مصدّقي؟
قالوا: سبحان الله ولم نفعل؟
قال: أرأيتم لو حدثتكم أنكم تكسرون قبلتكم أكنتم مصدّقي؟
قالوا: سبحان الله ولم نفعل؟
قال: أرأيتم لو قلت لكم انه يكون منكم قردة وخنازير أكنتم مصدّقي؟
فقال رجل: يكون فينا قردة وخنازير؟
وأخرج البزار من طريق زيد بن وهب قال: «بينما نحن حول حذيفة إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم فرقتين يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف؟ قلنا: يا أبا عبد الله فكيف نصنع إذا أدركنا ذلك؟ قال: انظروا إلى الفرقة الّتي تدعو إلى أمر عليّ بن أبي طالب فإنها على الهدى»(2).
وأخرج ابن أبي شيبة بسنده عن الزبير بن عدي عن حذيفة أنّه قال لرجل: ما فعلت أمك؟ قال: قد ماتت، قال: أمّا إنك ستقاتلها، قال: فعجب الرجل من ذلك حتى خرجت عائشة(3). وقد أورده المتقي الهندي من طريق ابن أبي شيبة(4).
وأورد ابن قتيبة في كتاب غريب الحديث(5) في حديث حذيفة انه ذكر خروج عائشة فقال: تقاتل معها، معها مضر مضرّها(6) الله في النار، وأزد عُمان سَلَت(7) الله أقدامها، وإنّ قيساً لن تنفكّ تبغي دين الله شراً حتى يُركبها الله بالملائكة، ولا يمنعوا ذَنَب تلعة(8).
____________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 15/103 (كتاب الفتن)، وعنه السيوطي في جمع الجوامع 2/365، والمتقي الهندي في كنز العمال 11/333 وكلاهما من طريق ابن أبي شيبة. وأخرجه ابن أبي داود السجستاني في كتاب المصاحف /17 ط افست المثنى.
(2) فتح الباري لابن حجر 16/165 ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1387هـ.
(3) المصنف 15/256 (كتاب الجمل).
(4) كنز العمال 11/324.
(5) غريب الحديث 2/250.
(6) أي جمعها في النار، قال ابن قتيبة: أشتق لذلك لفظاً من أسمها...
(7) أي قطعها، قال ابن قتيبة: سلت المرأة الخضاب إذا مسحته وألقته، وسلت الحلاق رأس الرجل...
(8) التلعة: سيل ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي.
قال: أرأيتم لو حدثتكم أنّ بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها صدّقتم به؟
قالوا: سبحان الله ومن يصدّق بهذا!
ثمّ قال حذيفة: أتتكم الحميراء في كتيبة يسوقها أعلاجها حيث تسود وجوهكم، ثمّ قام فدخل مخدعاً»(1).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي في تلخيصه.
أقول: وقد روى هذا ابن أبي الحديد ثمّ قال: «قلت: هذا الحديث من أعلام نبوّة سيّدنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّه إخبار عن غيب تلقّاه حذيفة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحذيفة أجمع أهل السيرة على أنّه مات في الأيام الّتي قتل عثمان فيها، أتاه نعيه وهو مريض فمات وعليّ (عليه السلام) لم يتكامل بيعة الناس ولم يدرك الجمل.
وهذا الحديث يؤكد مذهب أصحابنا في فسق أصحاب الجمل إلاّ من ثبتت توبته منهم وهم الثلاثة (؟)»(2).
وذكر المسعودي في مروج الذهب: «أنّه لمّا قتل الأمين دخل إلى زبيدة بعض خدمها فقال لها: ما يجلسك وقد قتل أمير المؤمنين محمّد؟ فقالت: ويلك
____________
(1) مستدرك الحاكم 4/471 ط ـ حلب أفست ط حيدرآباد.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 3/41.
الإمام مع مستشاريه في المدينة:
قال ابن أعثم: «وكتبت أم الفضل بنت الحارث إلى عليّ (رضي الله عنه):
بسم الله الرحمن ا لرحيم لعبد الله عليّ أمير المؤمنين من أم الفضل بنت الحارث: أمّا بعد فإن طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا من مكة يريدون البصرة، وقد استنفروا الناس إلى حربك، ولم يخفّ معهم إلى ذلك إلاّ مَن كان في قلبه مرض، ويد الله فوق أيديهم ـ والسلام.
قال: ثمّ دفعت أم الفضل هذا الكتاب إلى رجل من جهينة له عقل ولسان يقال له ظفر(2)، فقالت: خذ هذا الكتاب وأنظر أن تقتل في كلّ مرحلة بعيراً وعليّ ثمنه، وهذه مائة دينار قد جعلتها لك فجدّ السير حتى تلقى عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) فتدفع إليه كتابي هذا.
قال: فسار الجهني سيراً عنيفاً حتى لحق أصحاب عليّ (رضي الله عنه) وهم على ظهر المسير، فلمّا نظروا إليه نادوه من كلّ جانب: أيها الراكب ما عندك؟
قال: فنادى الجهني بأعلى صوته شعراً يخبر فيه بقدوم عائشة وطلحة والزبير - إلى البصرة -.
____________
(1) مروج الذهب 3/423 تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد.
(2) في تاريخ الطبري 4/455 دار المعارف: وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن. فلا يبعد أن يكون هو ظفر وذلك لقبٌ له. ويكون أختيار أم الفضل له لأنه كان مولىً لأبيها الحارث بن حزن وتفاؤلاً باسمه ظفر والخبر في تاريخ ابن خلدون 2/408.
فقال له محمّد: يا أمير المؤمنين لا عليك، فإن الله معك ولن يخذلك، والناس بعد ذلك ناصروك والله تبارك وتعالى كافيك أمرهم إن شاء الله»(1).
هذا ما رواه ابن أعثم.
ولكن رواية الشيخ المفيد: «فقال: ولمّا... جاءه كتاب يخبره بخبر القوم دعا ابن عباس ومحمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر وسهل بن حنيف وأخبرهم بذلك وبما عليه القوم من المسير.
فقال محمّد بن أبي بكر: ما يريدون يا أمير المؤمنين؟ فتبسّم (عليه السلام) وقال: يطلبون بدم عثمان.
فقال محمّد: والله ما قتله غيرُهم.
ثمّ قال عليّ (عليه السلام): أشيروا عليّ بما أسمع منكم القول فيه.
فقال عمّار: الرأي أن نسير إلى الكوفة فإنّ أهلها لنا شيعة، وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة.
وقال ابن عباس: الرأي عندي يا أمير المؤمنين أن نقدّم رجالاً إلى الكوفة فيبايعوا لك، وتكتب إلى الأشعري أن يبايع لك، ثمّ بعده المسير حتى نلحق بالكوفة فنعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة، وتكتب إلى أم سلمة فتخرج معك، فإنّها لك قوّة.
____________
(1) كتاب الفتوح لابن أعثم 3/285.
وأمّا أم سلمة فإنّي لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان اخراج عائشة.
فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم أسامة بن زيد وقال لأمير المؤمنين: فداك أبي وأمي لا تسر وحدك وانطلق إلى ينبع وخلّف على المدينة رجلاً، وأقم بمالك، فإنّ العرب لهم جولة ثمّ يصيرون إليك.
فقال له ابن عباس: إنّ هذا القول منك يا أسامة على غير غلٍ في صدرك فقد أخطأت وجه الرأي منه ليس هذا برأي بصير، يكون والله كهيئة الضبع في مغارتها.
فقال أسامة: فما الرأي؟ قال: ما أشرت به إليه وما رأى أمير المؤمنين لنفسه»(1).
قال الطبري: «وخرج عليّ يبادرهم في تعبيته الّتي كان تعبّى بها إلى الشام، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل، وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج، وسار حتى انتهى إلى الربذة فبلغه ممرّهم، فأقام حين فاتوه يأتمر بالربذة»(2)، «وكان خروجه من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين»(3).
____________
(1) كتاب الجمل للشيخ المفيد/112 ط الحيدرية سنة 1368 هـ.
(2) تاريخ الطبري 4/455.
(3) نفس المصدر 4/478.