الصفحة 150

ذلك فتقٌ لم يكن بالبالكيد النساء موهن الجبال
وإنّ أم المؤمنين لامرأةوإن تك الطاهرة المبرأة
أخرجها من كنّها وسنّهاما لم يُزل طول المدى من ضغنها
وشرّ من عداك من تقيهومُلقي السلاح تلتقيه
جهّزها طلحة والزبيرثلاثة فيهم هدى وخير
صاحبة الهادي وصاحباهفكيف يمضون لما يأباه
يا ليت شعري هل تعدوا وبغوا؟أم دم ذي النورين بالحقّ بغوا؟(1)
جاءت إلى العراق بالبنيناقاضي حق الأم محسنينا
فانصدعت طائفتين البصرهفريقُ خَذلٍ وفريقٌ نُصره
أو ذادة البيعة والذماموقادة الفتنة والزمام
وانتهك الحيّ دماء الحيّمن أجل ميت غابرٍ وحيّ
وجاء في الأسُد أبو تراب(2)على متون الضمّر العِراب(3)
يرجو لصدع المؤمنين رأباوأمّهم تدفعه وتأبى
وعجز الرأي وأعيا الحِلمُوخُطبت بالمرهفات السِلمُ
من كلّ يوم سافك الدِماءتعوذ منه الأرض بالسماءِ
تجرّ ذات الطهر فيه عسكرا(4)وتذمُر الخيلَ وتغري العسكرا(5)

____________

(1) لقد مر ذكر مواقف الثلاثة من عثمان وأنهم من أبرز المحرضين على قتله.

(2) كانت احب الكنى الى أمير المؤمنين عليه السلام لأن رسول الله رسول (ص) كناه بها.

(3) الخيل المضمّرة هي الضامرة وهو مدح فيها، والعراب: الخالصة من الهجنة وتلك كرائم الخيل.

(4) كان اسم جمل عائشة (عسكر).

(5) تذمّر الخيل أي تحثها كناية عن تحريض عائشة لأصحابها.


الصفحة 151

ظل الخِطام من يدٍ إلى يدٍكالتاج للأصيد بعد الأصيد(1) مستلَماً توهى الغيوث دونهوبالدماء أنهراً يفدونه حتى أراد اللّه إمساك الدمفي كرم لسيفه المقدّم(2) وظفرت ألوية الإماموألقت البصرة بالزمام فرُدّت الأم إلى مقرّهامبالَغاً في نقلِها وبرِّها

فأمير الشعراء أجمل الحادثة، فلم يعرّج على مقتل الزبير، ولا مقتل طلحة، ولا على سيرة الإمام (عليه السلام) في الأسرى ومنهم عائشة، إلى غير ذلك ممّا لم يذكره!

فينبغي لنا أن نذكر شيئاً عن ذلك على نحو الإجمال تنويراً للقارئ:

مقتل الزبير:

أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد في (الفتن) وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن الزبير (رضي الله عنه) قال: «لقد قرأنا زماناً وما نرى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيّون بها: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}(3)»(4).

____________

(1) تعاقبت الأيدي على الخطام حتى كلها قطعت وقالوا انها سبعون يداً.

(2) روى المحب الطبري في ذخائر العقبى /92 عن أنس بن مالك قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه (وآله) سلم المنبر فذكر قولاً كثيراً ثمّ قال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فوثب إليه فقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فضمه إلى صدره وقبّل بين عينيه، وقال بأعلى صوته: معاشر المسلمين هذا أخي وابن عمي وختني، هذا لحمي ودمي وشعري، هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، هذا مفرّج الكروب عني هذا أسد الله وسيفه في أرضه على أعدائه، على مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين، والله منه بريء، فمن أحب أن يبرأ من الله ومني فليبرأ من عليّ، وليبلّغ الشاهدَ والغائبَ ثمّ قال: أجلس يا عليّ قد عرف الله لك ذلك. ثمّ قال المحب الطبري: أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة.

(3) الدر المنثور 3/177 ط افست الإسلامية.

(4) الانفال /25.


الصفحة 152
قال طه حسين: «ورجع - الزبير إلى أم المؤمنين فقال لها: إني لا أرى في هذا الأمر بصيرة، قالت: فتريد ماذا؟ قال: أريد أن اعتزل الناس. وهنا يختلف المؤرخون، فقوم يرون أنه مضى لوجهه حتى أدركه ابن جرموز فقتله في وادي السباع بأمر من الأحنف بن قيس أو عن غير أمر منه. وقوم يقولون: إن ابنه عبد الله عيّره بالجبن وقال له: رأيت رايات ابن أبي طالب وعلمت أن تحتها الموت فجبُنت. وما زال به حتى أحفظه فقال له الزبير ويلك إني قد حلفت لا أقاتل عليّاً. فقال عبد الله: ما اكثر ما يكفّر الناس عن أيمانهم فأعتق غلامك سرجيس وقاتل عدوك، ففعل وانهزم مع الناس».

ثمّ قال طه حسين: «ونحن إلى الرواية الأولى أميل، فقد كان الزبير رقيق القلب شديد الخوف من الله شديد الحرص على مكانته من رسول الله، وكانت حيرة شديدة منذ وصل إلى البصرة ورأى ما رأى من افتتان الناس واختلافهم، وازدادت حيرته حين عرف أن عمّار بن ياسر قد أقبل في أصحاب عليّ، وكان المسلمون يتسامعون بقول النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم لعمار: ويحك يا بن سميّة! تقتلك الفئة الباغية، فلمّا عرف أن عمّاراً في جيش عليّ أصابته رعدة شديدة إشفاقاً من أن يكون من هذه الفئة الباغية، وقد تماسك مع ذلك حتى لقي عليّاً وسمع منه ما سمع، وهنالك استبانت له بصيرته، فانصرف عن القوم ولم يقاتل، حتى قتل غيلة بوادي السباع»(1).

ولا تعقيب لنا على ما قاله طه حسين سوى ما ختم به كلامه من قوله: «وهنالك استبانت به بصيرته فانصرف عن القوم ولم يقاتل» فأي بصيرة تلك الّتي استبانت له فانصرف عن القوم ولم يقاتل؟ فإن انصرافه وحده كافٍ في إدانته!

____________

(1) الفتنة الكبرى (عليّ وبنوه) /49 ط دار المعارف.


الصفحة 153
ولو أنّ الدكتور طه حسين استحضر بعض أقوال ابن عباس لابن الزبير في ذلك الموقف لما قال ذلك. فان ابن عباس قال لابن الزبير في ملاحاة بينهما في المسجد الحرام بعد مضي أكثر من ربع قرن على مرور واقعة الجمل: «فقد لقيتُ أباك في الزحف وأنا مع إمام هدى، فإن يكن على ما أقول فقد كفر بقتالنا، وإن يكن على ما تقول فقد كفر بهربه عنا»(1) فكان على الزبير - لو استبانت له بصيرته أن يتحول مع الإمام لا أن يفرّ بنفسه من القتال.

ومهما يكن فقد قتله ابن جرموز بوادي السباع فأخذ سلاحه وفرسه وخاتمه كما في فتوح ابن اعثم(2) ونحوه في رواية الطبري(3) وابن الأثير(4).

وقال المسعودي: «وأتى عمرو - ابن جرموز - بسيف الزبير وخاتمه ورأسه، وقيل: إنّه لم يأت برأسه فقال عليّ: سيف طالما جلا الكرب عن وجه رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، لكنه الحَين ومصارع السوء»(5).

قال ابن كثير الشامي: «ثمّ دخلت ست وثمانين وثلثمائة في محرّمها كشف أهل البصرة عن قبر عتيق فإذا هم بميت طري عليه ثيابه وسيفه، فظنّوه الزبير بن العوام، فأخرجوه وكفنوه ودفنوه واتخذوا عند قبره مسجداً، ووقف عليه أوقاف كثيرة. وجعل عنده خدام وقوام وفرش وتنوير... اهـ»(6).

أقول: فبناءً على ذلك فقد أخطأهم الظن، فإنّ الزبير كما مر عن الطبري وابن اعثم والمسعودي وغيرهم أيضاً قد سلبه ابن جرموز سيفه وسلاحه وخاتمه.

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4/490 ومحاضرات الراغب 2/94، والدرجات الرفيعة 1/142.

(2) الفتوح لابن أعثم 2/313.

(3) تاريخ الطبري 4/535.

(4) تاريخ ابن الاثير 3/104 ط بولاق.

(5) مروج الذهب 2/373 تح عبد الحميد.

(6) البداية والنهاية 11/319، ورواه ابن الجوزي في مرآة الزمان في حوادث سنة 386.


الصفحة 154
وأتى بسيفه إلى الإمام كما مر. فليس مَن كشفوا عنه كان هو الزبير قطعاً. ولا يبعد أن يكون هو بعض من استشهد مع الإمام، لأنّه (عليه السلام) قد أمر بدفن أصحابه المستشهدين بثيابهم وسلاحهم. ومهما يكن فقد أخرج الفسوي بسنده عن سنبلة عن مولاتها الوحيدية(1) الّتي كانت تزوجها عليّ بن أبي طالب قالت: «أستأذن ابن جرموز قاتل الزبير على عليّ (رضي الله عنه) فقال عليّ: (إئذنوا له وبشروه بالنار)»(2)، ولقد سأل ابن عباس الإمام فقال: إلى أين قاتل ابن صفية؟ قال: إلى النار(3).

وفي تهذيب ابن عساكر: «وقيل: انّ مروان قال: لمّا انصرف الزبير: إن لم أدرك ثاري اليوم لم أدركه أبداً، فرماه بسهم فقتله(؟)»(4) وهذا على ذمة الرواة، والأشهر الأوّل.

وروى البلاذري بسنده عن أبي نضرة قال: «قال رجل لطلحة والزبير: إنّ لكما صحبة وفضلاً، فأخبراني عن مسيركما هذا وقتالكما أشيء أمركما به رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم؟ أم رأي رأيتماه؟ فأما طلحة فسكت، وأمّا الزبير فقال: حُدّثنا أن ههنا بيضاء وصفراء - يعني دراهم ودنانير - فجئنا لنأخذ منها»(5). وهذا ما رواه الطبري عن عوف الأعرأبي أيضاً بتفاوت يسير(6)، وأخرجه ابن أبي شيبة وفيه: «عن أبي نضرة عن رجل من بني ضبيعة قال: لمّا قدم طلحة والزبير نزلا في بني طاحية، فركبت فرسي فأتيتهما فدخلت عليهما

____________

(1) وهذه الوحيدية الّتي كانت زوجة الإمام هي أم البنين فاطمة بنت حزام أم أولاده الأربعة العباس وأخوته.

(2) المعرفة والتاريخ 2/816.

(3) طبقات ابن سعد 3/ق 1/77.

(4) تهذيب تاريخ ابن عساكر 5/368.

(5) أنساب الأشراف (ترجمة الإمام) 2/270 تح ـ المحمودي.

(6) تاريخ الطبري 4/475 ط المعارف.


الصفحة 155
المسجد، فقلت: إنّكما رجلان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم... فأمّا طلحة فنكس رأسه فلم يتكلم، وأمّا الزبير فقال: حُدّثنا أن ههنا دراهم كثيرة فجئنا نأخذ منها»(1).

وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن أبي الأسود الدؤلي: «أن الزبير بن العوام لمّا قدم البصرة دخل بيت المال فإذا هو بصفراء وبيضاء فقال: يقول الله {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا}(2) فقال: هذا لنا»(3).

فأين إذن صار الطلب بدم عثمان؟! ثمّ ما باله يطلب المال بالبصرة وهو من أغنى الناس، ألم تكن وصيته لابنه يوم الجمل وقد أخرجها ابن أبي شيبة وابن سعد: «قال عبد الله بن الزبير: لمّا وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلاّ ظالم أو مظلوم وإني أراني سأقتل اليوم مظلوماً، وإن من أكبر همي لديني... ثمّ قال: يا بني بع ما لنا واقض ديني وأوص بالثلث... قال: وقتل الزبير ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين فيها الغابة واحدى عشرة داراً بالمدينة،ودارين بالبصرة وداراً بالكوفة وداراً بمصر...»(4).

قال عروة بن الزبير: «كان للزبير بمصر خطط وبالاسكندرية خطط وبالكوفة خطط وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة»(5).

____________

(1) المصنف (كتاب الجمل) 15/283.

(2) الفتح /20- 21.

(3) أخرجه السيوطي في الدر المنثور 6/75 ط أفست إسلامية.

(4) المصنف 15/279، وطبقات ابن سعد 3 ق 1/75 ـ 77.

(5) طبقات ابن سعد 3/110.


الصفحة 156
قال عبد الله: «وكان للزبير أربع نسوة قال: ورُبّع الثمن فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائة ألف، قال: فجميع ماله: خمسة وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف»(1).

قال سفيان بن عيينة: «اقتسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف»(2).

فلا غرابة لو قرأنا عجب الحس البصري منه فقد قال عنه: «يا عجباً للزبير أخذ بحقوي أعرابي من بني مجاشع أجرني أجرني حتى قتل، والله ما كان له بقرين، أما والله لقد كنت في ذمّة منيعة»(3) فمن كان بهذه المثابة من الجاه والمال يستحوذ الهوى والطمع عليه حتى يرديانه بوادي السباع.

إنّه الحَين ومصارع السوء كما قال الإمام.

مقتل طلحة:

روى البلاذري في أنساب الأشراف: «قالوا: أحيط بطلحة عند المساء ومعه مروان بن الحكم يقاتل فيمن يقاتل فلمّا رأى مروان الناس منهزمين قال: والله لا

____________

(1) قال ابن كثير في البداية والنهاية 7/249 ط السعادة: وقد كان الزبير ذا مال جزيل وصدقات كثيرة جداً، لما كان يوم الجمل أوصى إلى ابنه عبد الله فلمّا قتل وجدوا عليه من الدين ألفي ألف ومائة ألف فوفوها عنه، وأخرجوا بعد ذلك ثلث ماله الّذي أوصى به، ثمّ قسّمت التركة بعد ذلك فأصاب كلّ واحدة من الزوجات الأربع من ربع الثمن الف الف ومائتي الف درهم، فعلى هذا يكون مجموع ما قسّم بين الورثة ثمانية وثلاثين الف الف وأربعمائة ألف، والثلث الموصى به تسعة عشر الف الف ومائتا الف فتلك الجملة سبعة وخمسون الف الف وستمائة الف، والدين المخرّج قبل ذلك الفا الف ومائتا الف، فعلى هذا يكون جميع ما تركه من الدين والوصية والميراث تسعة وخمسين ألف ألف وثمانمائة ألف، وإنما نبهنا على هذا لأنه وقع في صحيح البخاري ما فيه نظر ينبغي أن ينبّه له والله أعلم.

(2) طبقات ابن سعد 3 ق 1/77.

(3) نفس المصدر 3 ق 1/79.


الصفحة 157
أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبداً، فانتحى لطلحة بسهم فأصاب ساقه فأثخنه، والتفت إلى ابان بن عثمان فقال له: قد كفيتك أحد قتلة أبيك.

وجاء مولى لطلحة ببغلى له فركبها وجعل يقول لمولاه: أما من موضع نزول؟ فيقول: لا قد رهقك القوم، فيقول: ما رأيت مصرع شيخ أضيع، ما رأيت مقتل شيخ أضيع(1)، اللّهمّ أعط عثمان منّي حتى يرضى، وادخل داراً من دور بني سعد بالبصرة فمات فيها.

- وروى حديث قيس بن أبي حازم - وهو شاهد عيان - قال: قال مروان يوم الجمل لا أطلب ثاري بعد اليوم فرمى طلحة فأصاب ركبته بسهم، فكان الدم يسيل، فإذا أمسكوا ركبته انتفخت، فقال: دعوه فإنّما هو سهم أرسله الله، اللّهمّ خذ لعثمان منّي اليوم حتى يرضى»(2).

وروى ابن سعد بسنده عمن سمع عبد الملك بن مروان يقول: «لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه هو الّذي قتل طلحة، ما تركت من ولد طلحة أحداً إلاّ قتلته بعثمان بن عفان»(3). وهذا رواه ابن حجر أيضاً(4)، وحكى ابن حجر أيضاً عن نوادر الحميدي قال: «دخل موسى بن طلحة على الوليد، فقال له الوليد: ما دخلت عليّ قط إلاّ هممت بقتلك لولا أنّ أبي أخبرني انّ مروان قتل طلحة»(5).

____________

(1) وكان الحسن البصري إذا سمع هذا وحكي له يقول: ذق عقق (شرح النهج لابن أبي الحديد 2/431).

(2) أنساب الأشراف 2/246 (ترجمة الإمام) تح ـ المحمودي، والمعارف لابن قتيبة /101ط الأولى بمصر تح ـ ثروت عكاشة، والبدء والتاريخ 5/214، ومستدرك الحاكم 3/171، وتهذيب ابن عساكر لابن بدران 7/84 ـ 85، وسير أعلام النبلاء 2/640 ط دار الفكر، وتاريخ خليفة /136، والإصابة لابن حجر (ترجمة طلحة)، والأستيعاب (ترجمة طلحة)، وأسد الغابة (ترجمة طلحة) وغيرها.

(3) طبقات ابن سعد 3ق1/159.

(4) تهذيب التهذيب 5/21.

(5) نفس المصدر.


الصفحة 158
وقال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب (ترجمة طلحة): «ولا يختلف العلماء الثقات في أنّ مروان قتل طلحة يومئذ وكان في حزبه»(1).

وقد نظم ذلك السيد الحميري بقوله:


واختلّ من طلحة المزهوّ خبّتهسهم بكف قديم الكفر غدّار
في كفّ مروان مروان اللعينرهط الملوك ملوك غير أخيار(2)

وللحسن البصري كلام ينقد فيه طلحة والزبير في مجيئهما إلى البصرة لطلب الدنيا وعندهما منها ما يغنيهما فقد قال عن طلحة: إنّ طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة: إن رجلاً تتسق هذه عنده وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله (عزّ وجلّ) لغرير بالله سبحانه، فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح، فاصبح وما عنده درهم.

ثمّ قال الحسن: وجاء ههنا يطلب الدينار والدرهم - وفي لفظ: الصفراء والبيضاء -(3).

ولا بدع من الحسن البصري لو قال ذلك! لأنّ طلحة كان من الأثرياء المعدودين بالثراء الفاحش وحسبنا شهادة أبنائه. فهذا عيسى بن طلحة قال: «كان أبو محمّد طلحة يُغلّ كلّ يوم من العراق ألف ألف درهم ودانقين»(4) فانتبه إلى دقة الحساب عند الرجل حتى لم يفته حساب الدانقين!!

____________

(1) الاستيعاب 2/766.

(2) أنظر مناقب ابن شهر آشوب 3/93.

(3) أنساب الأشراف 2/260 (ترجمة الإمام) تح ـ المحمودي وروى المدائني ان طلحة لما أدبر وهو جريح يرتاد مكاناً ينزله وهو يقول لمن يمرّ به من أصحاب عليّ: انا طلحة من يجيرني؟ يكررّها قال: فكان الحسن البصري إذا ذكر ذلك يقول: لقد كان في جوار عريض (شرح النهج لابن أبي الحديد 2/431).

(4) طبقات ابن سعد 3 ق1/157.


الصفحة 159
فمن كانت هذه غلته من العراق فقط فكم كانت من بقية البلاد الّتي له فيها دور وضياع؟

وهذا ما أجاب عليه حفيده محمّد بن إبراهيم (بن طلحة) قال: «كان طلحة بن عبيد الله يُغل بالعراق ما بين اربعمائة إلى خمسمائة الف، ويغلّ بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر، وبالأعراض له غلاّت...»(1).

وقالت سعدى بنت عوف المرّية - وهي احدى زوجات طلحة وأم ابنه يحيى-: «قتل طلحة... وفي يد خازنه ألفا ألف درهم ومائتا الف درهم، وقوّمت أصولُه وعَقارهُ ثلاثون ألف ألف درهم»(2).

ولا يستغرب قول عمرو بن العاص حين قال: «حُدّثت أن طلحة بن عبيد الله ترك مائة بُهار، في كلّ بُهار ثلاث قناطر ذهب، وسمعت أن البُهار جلد ثور»(3).

فمن كان عنده ما ذكروه أما كان الأجدر به أن يقنع بما لديه، ويقبع في بيته، ولا يغرّر بنفسه وبالآخرين فيأتي البصرة يطلب الصفراء والبيضاء كما يقول الحسن البصري، متخذاً شعار الطلب بدم عثمان وسيلة لإغراء الناس وإغواء الرعاع.

ولكنه الحَين ومصارع السوء كما قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

أم المؤمنين تقود المعركة:

ذكر المؤرخون أن عائشة تولّت قيادة الجيش بعد رجوع الزبير ومقتل طلحة، فكانت تحرّض على القتال، وهذا ما أثار السخط والعجب في آن واحد، فهي أم المؤمنين ثمّ هي تحرّض من معها من بنيها المؤمنين على قتل من ليس

____________

(1) نفس المصدر.

(2) نفس المصدر 3 ق1/158.

(3) نفس المصدر.


الصفحة 160
معها من بنيها المؤمنين، ولقد ذكر الجاحظ في كتابه الحيوان فقال: وشبّه السيد ابن محمّد الحميري عائشة (رضي الله عنها) في نصبها الحرب يوم الجمل لقتال بنيها، بالهرّة حين تأكل أولادها فقال:


جاءت مع الأشقين في هودجتزجي إلى البصرة أجنادهـا
كأنهـا في فعلهـا هرّةتريد أن تأكل أولادها(1)

وقد أثارت نقدها من الكتاب المحدثين حتى قال سعيد الأفغاني في كتابه عائشة والسياسة: وكان مقامها فيها - فتنة الجمل - أقوى ما حفّز الجماهير على التطوّع لها، وعلى تهافتهم على الاستماتة بين يدي جمل عائشة، لقد كان في طبعها ولوع عظيم بالبطولة، واعجاب بالشجاعة ومقت للجبن، لذلك لم تنفكّ عن تحريض الناس، وتقوية قلوبهم، وكان لهذا التحريض والتقوية أثرهما البالغ في الاستماتة بين يديها...

هذا وقد أكثر لها الناصحون من أخواتها أمهات المؤمنين وأصحاب رسول الله الإجلاء، وعقلاء أهل المصرين البصرة والكوفة، فلم تستجب لنصح أحد، ونفذ قضاء الله.

____________

(1) الحيوان للجاحظ 1/197 تح ـ عبد السلام هارون. ومن التحريف السخيف ما ذكره القلقشندي في صبح الأعشى 2/51 حيث نقل عن الجاحظ البيتين بتحريف صدر البيت الأوّل فقال: (جاءت مع الأفشين في هودج)... ولم يذكر ما ذكره الجاحظ من اسم الشاعر، ووجه التشبيه ممّن؟ ولمن؟ وهذا بلا ريب من التحريف المتعمد الّذي لا يغتفر، مع العلم ان الأفشين قائد تركي قاد جيوش المعتصم في غزوات بلاد الروم في آسيا الصغرى، حارب بابك الخرّمي، وانتصر في معركة عمورّية، رمي بالكفر ومات في السجن سنة 226هـ (المنجد في الأعلام ط التاسعة). ومع ذلك فلا نبريء محققي الكتاب من الوزر لإهمالهم التعليق على ذلك في تصحيح المعلومة، إذا أحسنا الظن بهم ولم نتهمهم بالتحريف.


الصفحة 161
والله سبحانه أعفى النساء من الدخول فيما هو من شأن الرجال، فلم يكلفهنّ سياسة ولا إدارة، ولا إثارة جماهير، ولا تجييش جيوش، ولا تأليباً على الخلفاء، فإن باشرن شيئاً من هذا كان ذلك هو الفتنة عينها، وكان المجتمع حينئذ يعالج داء دخيلاً في كيانه ينذر بالشر المستطير(1).

وقال عبد الكريم الخطيب: «والسيدة عائشة (رضي الله عنها) ان سخطها على عليّ وبغضها له هو المحرّك الأوّل لموقفها منه ولثورتها عليه.

ولولا أنها كانت تحمل لعليّ هذه الكراهية لما ألقت بنفسها في هذا الموقف الّذي لم يكن من شأن امرأة أن تقفه... ديانة أو عصبية، فما عرف العرب امرأة تقود معركة كتلك المعركة وتدبّر لها، وتتولى توجيه سيرها، ورسم خطوطها، والرجال كثير، والأبطال لم يذهبوا بعد.

وما عرف في الإسلام مكان للنساء في ميدان القتال، ولا صوت مسموع لهنّ في شؤون الحرب... فكيف بازواج الرسول وأمهات المؤمنين؟...»(2).

وقال: «إنّ هذا الموقف الّذي أتخذته أم المؤمنين من عثمان أوّلاً ومن عليّ ثانياً لم يكن مطلوباً، بل ولا مقبولاً»(3).

وقال: «نقول الواقع المؤلم والحقّ المرّ، نقول على مضض وفي أسى وحزن...

وحسبنا أن نروي ما يتحدث به التاريخ، بقيت أم المؤمنين وحدها تخوض المعركة وتقودها. وكان جملها - عسكر - هو الراية الّتي يقاتل الناس تحتها، ويتساقطون حولها...»(4).

____________

(1) أنظر عائشة والسياسة /207.

(2) عليّ بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة /349.

(3) نفس المصدر /351.

(4) نفس المصدر /353.