الصفحة 162
قال عبد الله عفيفي: «وإن يك عثمان قد مات مظلوماً، فقد عاش من بعده عليّ مظلوماً، ومن أشد مظلمته أن تؤلب أم المؤمنين عليه المسلمين، وأن تقود الجنود إلى قتاله في وقعة الجمل»(1).

جانب من عملياتها القيادية:

لقد كانت بارعة في ادارة العمليات من داخل هودجها، فصارت تحرّض المقاتلين حولها بما توزّعه عليهم من أوسمة الفخار الكلامية لتشدّ من عزائمهم وقد استحر القتل فيهم. فاستقطبت القبائل بمهارة لم يسبق أن رأوها أو سمعوها من قبل.

1- فقد روى المؤرخون أنها أمرت الناس أن يلعنوا قتلة عثمان فلعنوا، وضجوا بذلك ضجيجاً صكّ مسامع الجيش، فسمع الإمام الضجة فسأل عنها، فقالوا له: عائشة تدعو ويدعون معها بلعن قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل هو يدعو ودعا من معه ويقول:

فلعن الله قتلة عثمان، فوالله ما قتله غيرهم، وما يلعنون إلاّ أنفسهم ولا يدعون إلاّ عليها(2).

2- وروى المؤرخون أيضاً أنّها قالت: ناولوني كفاً من الحصاة، فأخذت وحصبت وجوه أصحاب الإمام وصاحت بأعلى صوتها: شاهت الوجوه - كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم حنين مع المشركين - فناداها رجل

____________

(1) المرأة العربية في جاهليتها واسلامها 2/117.

(2) أنساب الأشراف (ترجمة الإمام) 2/241 تح ـ المحمودي، وقارن الطبري 4/514 ط دار المعارف.


الصفحة 163
من أصحاب الإمام: وما رميتِ إذ رميتِ ولكن الشيطان رمى(1) ثمّ جعل يقول شعراً:


قد جئت يا عيش لتعلمناوتنشري البرد لتهزمينا
وتفذفي الحصباء جهلاً فينافعن قليل سوف تعلمنا(2)

3- وروى المؤرخون أيضاً: أنّها كانت تمنح أوسمة الفخار للمقاتلين لتبث فيهم روح الحماس والتضحية. فقد نظرت من يسارها فقالت: مَن القوم؟ قال صبرة بن شيمان: بنوك الأزد، فقالت: يا آل غسّان حافظوا اليوم، فجلادكم الّذي كنّا نسمع به وتمثّلت:


وجالد من غسان أهل حفاظهاوكعب وأوس جالدت وشبيب

فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمّونه ويقولون: بعر جمل أمّنا ريحه ريح المسك(3).

وقالت لمن عن يمينها: مَن القوم عن يميني؟ قالوا: بكر بن وائل، قالت: لكم يقول القائل:


وجاؤا الينا في الحديد كأنهممن العزة القعساء بكر بن وائل

إنّما بأزائكم عبد القيس، فاقتتلوا أشد من قتالهم قبل ذلك.

____________

(1) لقد حرّفت الكلمة في بعض المصادر فذكرت بدلها الآية الكريمة قوله تعالى {وَمَا رَمَيْتَ إذ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} الأنفال /17، راجع شرح النهج لابن أبي الحديد 1/85.

(2) الفتوح لابن أعثم 2/ 325 ـ 326 ط دار المسيرة، وقارن كتاب الجمل للشيخ المفيد /170 ط الحيدرية سنة 1368 هـ، وشرح النهج لابن أبي الحديد 1/85.

(3) تاريخ ابن الأثير 3/105 ـ 106 ط بولاق، وشرح النهج لابن أبي الحديد 2/81 ط مصر الأولى.


الصفحة 164
وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: مَن القوم؟ قالوا: بنو ناجية، قالت: بخٍ بخٍ سيوف أبطحية قرشية، صبراً يا بني ناجية، فإني أعرف فيكم شمائل قريش، فجالدوا جلاداً يتفادى منه حتى قتلوا حولها جميعاً. (وبنو ناجية مطعون في نسبهم في قريش) ثمّ أطافت بها بنو ضبّة فقالت: ويهاً جمرة الجمرات، وكانت تقول: ما زال جملي معتدلاً حتى فقدت أصوات ضبّة.

وكان رجال منهم - كما مرّ عن الأزد - يأخذون بعر الجمل فيشمّونه ويقول بعضهم لبعض: ألا ترون إلى بعر جمل أمّنا كأنّه المسك الأذفر(1).

فلمّا رقّوا خالطهم بنو عدي بن عبد مناة وكثروا حولها فقالت: من أنتم؟ قالوا: بـنـي عـدي خـالـطنا إخـواننا، فأقاموا رأس الجمل وضربوا ضرباً شديداً ليس بالتعذير ولا يعدلون التطريف(2)، وقتل بنو ضبة حول الجمل فلم يبق منهم إلاّ من لا نفع عنده(3).

4- وروى المؤرخون أيضاً عنها موقفاً خسرت فيه رجلاً من بني ضبّة كان آخذاً بزمام جملها ثمّ سرعان ما تركه وتحوّل إلى جيش الإمام. وذلك الموقف تفجّر من عمق لا وعيها، إذ لم تستطع أن تخفي ما في نفسها من ضغن على الإمام حتى أفقدها صوابها.

فقد روى البيهقي بسنده عن الزهري فقال - بعد أن ذكر حديث نبح كلاب الحوأب لعائشة -: «فلمّا كان حرب الجمل أقبلت في هودج من حديد، وهي تنظر من منظر قد صُيّر لها في هودجها.

____________

(1) نفس المصدر.

(2) تاريخ ابن الاثير 3/106، وتاريخ الطبري 4/516 ط دار المعارف.

(3) شرح النهج لابن أبي الحديد 2/81.


الصفحة 165
فقالت لرجل من ضبّة وهو آخذ بخطام جملها - أو بعيرها -: أين عليّ بن أبي طالب؟ قال: ها هو ذا واقف رافع يده إلى السماء، فنظرت فقالت: ما أشبهه بأخيه.

قال الضبي: ومن أخوه؟ قالت: رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم.

قال: فلا أراني أقاتل رجلاً هو أخو رسول الله عليه الصلاة والسلام، فنبذ خطام راحلتها من يده وتحوّل إليه»(1).

اعقروا الجمل:

حمى الوطيس وتصادمت المجنبتان، ولاذ الناس بجمل عائشة، وانّ الميمنتين والميسرتين تضربان، في احداهما عمّار وفي الأخرى عبد الله بن عباس ومحمّد بن أبي بكر(2).

فلمّا رأى عليّ (عليه السلام) أن الموت عند الجمل، وأنّه ما دام قائماً فالحرب لا تُطفأ، وضع سيفه على عاتقه وعطف نحوه، وأمر أصحابه بذلك ومشى نحوه، والخطام مع بني ضبّة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، واستحر القتل في بني ضبّة، فقتل مقتلة عظيمة، وخلص عليّ (عليه السلام) في جماعة من النخع وهمدان إلى الجمل فقال لرجل من النخع اسمه بجير: دونك الجمل يا بجير، فضرب عجز الجمل بسيفه، فوقع لجنبه، وضرب بجرانه الأرض وعج عجيجاً لم يسمع بأشد منه، فما هو إلاّ أن صُرع الجمل حتى فرّت الرجال كما تطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب، فنادى عليّ: أقطعوا أنساع الهودج، واحتملت عائشة بهودجها، وأمر بالجمل أن يحرق ثمّ يذرى في الريح وقال: لعنه الله من دابة، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل

____________

(1) المحاسن والمساوي 1/35 ط السعادة.

(2) الإمامة والسياسة 1/68 ط سنة 1328 هـ.


الصفحة 166
ثمّ قرأ {وَانظُرْ إلى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}(1)»(2).

قال المسعودي: «ولمّا سقط الجمل ووقع الهودج جاء محمّد بن أبي بكر فأدخل يده فقالت: من أنت؟ قال: أقرب الناس منك قرابة، وأبغضهم إليك، أنا محمّد أخوك، يقول لكِ أمير المؤمنين هل أصابك شيء؟ قالت: ما أصابني إلاّ سهم لم يضرني»(3).

موقف الإمام مع صاحبة الهودج:

ثمّ جاء الإمام حتى وقف عليها فضرب الهودج بقضيب وقال: (يا حميراء، رسول الله أمركِ بهذا؟ ألم يأمركِ أن تقرّي في بيتك؟ والله ما أنصفكِ الذين أخرجوكِ إذ صانوا عقائلهم وأبرزوك؟)(4). قال السبط ابن الجوزي في التذكرة: «فلم تتكلم بكلمة»(5).

وفي رواية الطبري عن حديث الزهري: «فقال لها: (استفززت الناس وقد فزّوا، وألّبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضاً) في كلام كثير؟»(6).

فيا ترى ما هو ذلك الكلام الكثير الّذي غصّ الطبري ورواته بذكره فابتلعه؟! وأظن أنّ من ذلك الكلام الكثير ما جاء في رواية لدى البلاذري قال:

____________

(1) طه /97.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 1/89.

(3) مروج الذهب 2/376 تح ـ محي الدين.

(4) مروج الذهب 2/376، وفي الجمل للمفيد: قال لها يا شقيراء بهذا وصّاك رسول الله، وقارن طبقات ابن سعد 8/50 تجد وصف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لها أيضاً بالشقيراء، فهي تسمى حميراء وشقيراء.

(5) تذكرة الخواص /43.

(6) تاريخ الطبري 4/519 ط دار المعارف.


الصفحة 167
«وانتهى عليّ إلى الهودج فضربه برمحه وقال: (كيف رأيتِ صنيع الله بكِ يا أخت إرم)؟ فقالت: ملكت فاسحج»(1).

وفي رواية أخرى عنده رواها بسنده عن ابن حاطب قال: «أقبلت مع عليّ يوم الجمل إلى الهودج وكأنّه شوك قنفذ من النبل، فضرب الهودج ثمّ قال: (إنّ حميراء إرم أرادت أن تقتلني كما قتلت عثمان بن عفان)»(2).

والآن فقد حصحص الحقّ فتبين أن ما رواه البلاذري هو من بعض ذلك الكلام الكثير الّذي غصت به ألسنة الرواة - ومنهم الطبري - فلم تبح به، حفاظاً على مقام أم المؤمنين لديهم، وتعتيماً على ما جرى منها على أمير المؤمنين وعلى أبنائها المؤمنين.

ولم أقف على وصف الإمام لعائشة بأخت إرم وحميراء إرم... في المصادر القديمة إلاّ في رواية البلاذري، وربما تجاهله الآخرون لما عرفوا من معناه، فإنّ إرم كعلم وزناً ومعنى، اسم موضع قريب من النباج بين البصرة والحجاز، كانت فيه حرب أشعلتها امرأة اسمها الكلبة ماتت ودفنت هناك فنسب اليها الإرم وهو العَلَم، ويوم إرم الكلبة من أيام العرب(3) فشبّهها الإمام بتلك المرأة.

ولم أقف على ذكر لكلمة الإمام (عليه السلام) عند مَن ذكرها من الكتّاب المحدّثين سوى طه حسين فقد ذكرها في الفتنة الكبرى وزاد في آخرها تبادل الدعاء بالمغفرة بين الإمام وعائشة، ولم يذكر لنا مصدره في ذلك، وأحسب أنّ

____________

(1) أنساب الأشراف 2/249 (ترجمة الإمام) تح ـ المحمودي.

(2) نفس المصدر 2/250.

(3) معجم البلدان 1/157 ط صادر.


الصفحة 168
التزيّد بالدعاء كان منه تخفيفاً لوقع ضرب الهودج بالرمح، وشدّة التوبيخ بتلك الكلمة فقد قال: «ويأتي عليّ مغضباً، ولكنه على ذلك متماسك يملك نفسه ويضبطها أشد الضبط، فيضرب الهودج برمحه ويقول: (كيف رأيت صنيع الله يا أخت إرم)؟ فتقول: يا بن أبي طالب ملكت فأسحج، فيقول عليّ: غفر الله لك، وتجيب عائشة: وغفر لك»(1).

فتبادل الدعاء بالمغفرة لم يرد في رواية البلاذري وهو الّذي سبق المؤرخين إلى رواية أخت إرم - كما تقدم - فمن أين أتى طه حسين بتلك الزيادة؟

وكيف يتم تبادل الدعاء بالمغفرة ممّن وصفه مغضباً. وأحسبه لفّق بين رواية البلاذري المشعرة بمنتهى الغضب، وبين مرويات علماء التبرير الذين أخذوا روايات سيف اعتماداً على شيخ المؤرخين الطبري فهو الّذي رواها، قال: «فانتهى اليها - عائشة - عليّ فقال: أي أمّه يغفر الله لنا ولكم قالت: غفر الله لنا ولكم»(2). وهذا ما رواه ابن الأثير(3) والنويري(4) وابن كثير(5) وابن خلدون الّذي تزيّد في الرواية فقال: «وجاء إليها عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين مسلّماً فقال: كيف أنتِ يا أمّه؟ قالت: بخير فقال: يغفر الله لك وجاء وجوه...»(6) وسيأتي مزيد بيان عن هذا الخداع والتظليل.

____________

(1) الفتنة الكبرى 2/53.

(2) تاريخ الطبري 4/534.

(3) تاريخ ابن الأثير 3/109 ط بولاق.

(4) نهاية الارب 20/79.

(5) البداية والنهاية 7/244.

(6) تاريخ ابن خلدون 2/1086 ط دار الكتاب اللبناني.


الصفحة 169
ونعود إلى طه حسين لنقول له: ما هكذا تورد يا سعد الإبل. كيف تصدّق أنّ عليّاً دعا لعائشة بالمغفرة وهي دعت له كذلك، وأهدرا معاً تلك الدماء الّتي بلغت عشرات الآلاف حتى قالوا: كانت حصيلة الحرب ثلاثين ألفاً(1)، (وفي حديث) جدة المعلّى أبو حاتم قالت: خرجنا إلى قتلى الجمل فعددناهم بالقصب فكانوا عشرين ألفاً(2)!

فليس المقام مقام (عفا الله عما سلف) وبجرّة من القلم تبادلا الدعاء بالمغفرة، وكأنّهما كانا تلاقيا على الشوق والمحبة بعد سفر نزهة أو حج. فإنّ ذلك كله من تضبيب علماء التبرير، لتضييع معالم الجريمة وليلبسوا الحقّ بالباطل. وكيف يخفى على مسلم آمن بالله وبرسوله ما جاء عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ عليّاً مع الحقّ والحقّ معه(3)، ومن كان على الحقّ ومع الحقّ فلا يتأتى منه إلاّ ما هو الحقّ، وتابع عليّ يكون على الحقّ ومن ناوى عليّاً وحاربه(4) فهو على الضلال قال الله سبحانه: {فَمَاذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاّ الضَّلالُ}(5).

____________

(1) مرآة الجنان لليافعي 1/97/33 ألفاً.

(2) تاريخ خليفة ابن خياط 1/166 تح ـ أكرم ضياء العمري.

(3) حديث (عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (ترجمة الإمام) 3/120، وتاريخ بغداد 14/32، ومجمع الزوائد 9/135.

(4) حديث (حربك حربي وسلمك سلمي) أخرجه ابن المغازلي في المناقب /50 ط المكتبة الإسلامية بتقديم السلم على الحرب. وذكره غير واحد بلفظ الحرب قبل السلم، راجع مناقب الخوارزمي /86 ط حجرية، وميزان الأعتدال للذهبي 1/35، ولسان الميزان لابن حجر 2/483 ط حيدر آباد، وشرح النهج لابن أبي الحديد 4/221 و520 ط مصر الأولى، وينابيع المودة /81 ط اسلامبول وغيرها.

(5) يونس /32.


الصفحة 170
وإلى القارئ شهادات أعلام المسلمين من أئمة المذاهب بأن عليّاً كان على الحقّ في قتاله أهل الجمل ومن حاربه كان باغياً ظالماً له:

من فمك أدينك:

1- قال أبو حنيفة - إمام المذهب -: «ما قاتل أحد عليّاً إلاّ وعليّ أولى بالحقّ منه، ولولا ما سار عليّ فيهم ما علم أحد كيف السيرة في المسلمين، ولا شك أنّ عليّاً إنّما قاتل طلحة والزبير بعد أن بايعاه وخالفاه، وفي يوم الجمل سار عليّ فيهم بالعدل، وهو علّم المسلمين، فكانت السنّة في قتال أهل البغي»(1).

2- قال سفيان الثوري - من أئمة الحديث -: «ما قاتل عليّ أحداً إلاّ كان عليّ أولى بالحقّ منه»(2).

3- قال أحمد بن حنبل - إمام الحنابلة -: «لم يزل عليّ بن أبي طالب مع الحقّ والحقّ معه حيث كان»(3).

4- قال أبو منصور الماتريدي البغدادي: «أجمعوا - أهل السنّة - على أن عليّاً كان مصيباً في قتال أهل الجمل طلحة والزبير وعائشة بالبصرة، وأهل صفين معاوية وعسكره»(4).

5- قال النووي في شرح صحيح مسلم: «وكان عليّ هو المحق المصيب في تلك الحروب هذا مذهب أهل السنّة»(5).

____________

(1) مناقب أبي حنيفة للخوارزمي 2/83 ط حيدر اباد، ومناقب أبي حنيفة للكردري بهامش المصدر السابق.

(2) حلية الأولياء 7/31.

(3) تاريخ دمشق (ترجمة الإمام) 3/66 تح ـ المحمودي.

(4) التذكرة للقرطبي /495 ط دار المنار ـ تحذير العبقري من محاضرات الخضري 1/228.

(5) شرح صحيح مسلم 18/11ط 1349 بمصر.


الصفحة 171
وقال في حديث عمّار تقتله الفئة الباغية: «قال العلماء: هذا الحديث حجة ظاهرة في أن عليّاً كان محقاً مصيباً»(1).

6- قال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة: «أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي أهل الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المسلمين والمتكلمين: على أنّ عليّاً مصيب في قتاله لأهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل، وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له، لكن لا يكفرون ببغيهم(؟)»(2).

7- قال ابن العربي المالكي: «فكلّ من خرج على عليّ باغٍ، وقتال الباغي واجب حتى يفيء إلى الحقّ وينقاد إلى الصلح، وأنّ قتاله لأهل الشام الذين أبوا الدخول في البيعة، وأهل الجمل، والنهروان والذين خلعوا بيعته، حق، وكان حق الجميع أن يصلوا بين يديه ويطالبوه بما رأوا، فلمّا تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بغاة، فتناولهم قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ}(3)»(4).

8- قال ابن الهمام الحنفي: «كان عليّ على الحقّ في قتال أهل الجمل وقتال معاوية بصفين»(5).

9- قال ابن حجر العسقلاني: «كان الإمام عليّ بن أبي طالب على الحقّ، والصواب في قتال من قاتله في حروبه الجمل وصفين وغيرهما»(6).

____________

(1) نفس المصدر /252.

(2) التذكرة للقرطبي /494 ط دار المنار، فيض القدير 6/466، وراجع نصب الراية للزيلعي 4/69، وتحذير العبقري 1/228.

(3) الحجرات /9.

(4) أحكام القرآن 2/224.

(5) فتح القدير 5/461.

(6) فتح الباري (كتاب استتابة المرتدين) 15/328 ـ 329 ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.


الصفحة 172
10- قال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي: «وأمّا القول في البغاة عليه فهو على ما أذكره لك:

أمّا أصحاب الجمل فهم عند أصحابنا - يعني المعتزلة - لا يحكم لأحد منهم إلاّ بالنار لإصرارهم على البغي وموتهم عليه، رؤساؤهم والأتباع جميعاً، وأمّا الخوارج فإنهم مرقوا عن الدين بالخبر النبوي المجمع عليه، ولا يختلف أصحابنا في أنهم من أهل النار.

وجملة الأمر أنّ أصحابنا - يعني المعتزلة - يحكمون بالنار لكلّ فاسق مات على فسقه، ولا ريب في أن الباغي على الإمام الحقّ والخارج عليه بشبهة أو بغير شبهة فاسق»(1).

11- وقال ابن تيمية بعد ذكر حديث عمّار تقتله الفئة الباغية: «وهذا أيضاً يدل على صحة إمامة عليّ ووجوب طاعته، وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة، والداعي إلى مقاتله داع إلى النار - وإن كان متأولاً - وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال عليّ، وعلى هذا فمقاتله مخطيء وإن كان متأولاً، أو باغٍ بلا تأويل وهو أصح القولين لأصحابنا. وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليّاً، وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين»(2).

12- قال الذهبي: «لا نرتاب أنّ عليّاً أفضل ممّن حاربه، وأنّه أولى بالحقّ»(3).

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 1/4.

(2) مجموع فتاوي ابن تيمية 4/437.

(3) سير أعلام النبلاء 8/210.


الصفحة 173
13- قال القرطبي المالكي: «فتقرّر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أنّ عليّاً (رضي الله عنه) كان إماماً وإنّ كلّ من خرج عليه باغٍ وأنّ قتاله واجب يفيء إلى الحقّ وينقاد إلى الصلح»(1).

14- قال الآلوسي: «وصرّح بعض الحنابلة بأن قتال الباغين أفضل من الجهاد احتجاجاً بأنّ عليّاً كرّم الله تعالى وجهه اشتغل في زمان خلافته بقتالهم دون الجهاد»(2).

15- قال أبو بكر الجصاص الحنفي في أحكام القرآن: «قاتل عليّ ابن أبي طالب (رضي الله عنه) الفئة الباغية بالسيف ومعه من كبراء الصحابة وأهل بدر من قد علم مكانهم، وكان محقاً في قتاله لهم لم يخالف فيه أحد إلاّ الفئة الباغية الّتي قابلته وأتباعها»(3).

فهذه جملة من أقوال أئمّة أهل السنّة على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، أدانوا مَن حارب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) سواء أهل الجمل أو صفين أو الخوارج، فكلّهم بغاة، وكان الحقّ معه في قتالهم، والضلال معهم في قتاله.

فكان الأحرى بطه حسين ومَن على شاكلته أن يكون متحرراً من رواسب الموروث، وينظر إلى رموز أهل الجمل وإلى عائشة خاصة نظرة جدّ، ولا تأخذه بهرجة التبرير، وتزييف الأعذار فهي خاصة تتحمل من مسؤولية الحرب بقدر نشاطها فيها، ومواقفها لا تخفى.

وقال عبد الوهاب النجار في تاريخه: «أمّا عائشة أم المؤمنين فما كان لها أن تتولى كبر هذا الأمر ولا أن تطالب كما تزعم بدم عثمان، فإنّ أولياء دم

____________

(1) الجامع لأحكام القرآن 16/318 ط دار إحياء التراث العربي بيروت.

(2) روح المعاني 26/137.

(3) أحكام القرآن للجصاص 3/400 افست دار الكتاب العربي بيروت.


الصفحة 174
عثمان كثيرون يفوت عدّهم الاحصاء(؟)وقد علمت أنّ معاوية بالشام غير وانٍ في أمره ولا متخاذل فيه وهو على العمل أقدر منها وأولى بعثمان وأمسّ به رحماً وأقرب قرابة وليست رحمها الله ممّن جعل الله لهم سلطان هذا الأمر، ولولا وجودها في هذا الجيش لما كانت الفتنة في هذه الناحية ولم يكن لهم نظام ولا حميّة، فكانت سبباً لاشتداد البلاء على المسلمين ومثاراً لأمور أنتجت الحزن والأسى»(1).

16- وقال ناصر الدين الألباني - بعد نقله حديث الحوأب -: «إنّ الحديث صحيح الإسناد ولا إشكال في متنه... فإن غاية ما فيه أن عائشة (رضي الله عنها) لما علمت بالحوأب كان عليها أن ترجع، والحديث يدل أنّها لم ترجع، وهذا ممّا لا يليق أن ينسب إلى أم المؤمنين، وجوابنا على ذلك: أنّه ليس كلّ ما يقع من الكُمّل يكون لائقاً بهم، إذ لا عصمة إلاّ لله وحده، والسني لا ينبغي له أن يغال فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصافّ الأئمة الشيعة المعصومين، ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله، ولذلك همّت بالرجوع حين علمت بتحقيق نبوءة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الحوأب، ولكن الزبير (رضي الله عنه) أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى الله أن يصلح بك بين الناس، ولا نشك أنّه كان مخطئاً في ذلك أيضاً، والعقل يقطع بأنّه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى(2) ولا شك أنّ عائشة (رضي الله عنها) هي المخطئة لأسباب كثيرة وأدلة واضحة، ومنها: ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك ممّا يدل على أنّ خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور (؟)(3).

____________

(1) تاريخ الخلفاء الراشدين /410.

(2) سيأتي ان أحصائية القتلى تجاوزت الآلاف.

(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/775.