نحن الّذين اقتحموا سجستان | على ابن عتاب وجند الشيطان |
يقدمنا الماجد عبد الرحمن | إنّا وجدنا في منير الفرقان |
وكان ثات يسمى عبد الرحمن... اهـ»(1).
ولمّا وردت الأخبار مبشرة بقتل حسكة (الخارجي) وضبط ربعيّ بن كاس (القائد المظفر) للبلاد، فمن الطبيعي أن يسرّ ابن عباس كثيراً لأنّه تمّ له بفضل اختياره للقائد ورجاله قمع أوّل خارجة على النظام في حكومة الإمام. كما أنّ من الطبيعي خفّف وغر الصدور بينه وبين بني تميم، حين ولى ربعي بن كاس العنبري وهو من بني تميم.
ومن الطبيعي أيضاً إنّه كتب بخبر ذلك الفتح المبين وقطع دابر المفسدين إلى الإمام فسرّه بذلك، ولا شك في انتشار الخبر في الكوفة ففتّ ذلك في عضد المتربصين.
وفي أعقاب هذا الحدث جرت مكاتبات بين الإمام وبين ابن عباس، وذلك في غضون سبعة عشر شهراً الّتي أقامها الإمام في الكوفة قبل حرب صفين كاتب فيها معاوية وعمرو بن العاص، كما في حديث الشعبي حيث قال: «إنّ عليّاً قدم
____________
(1) نفس المصدر /403.
ولمّا كان المعنيّ لنا فعلاً كتب الإمام إلى ابن عباس في مختلف الشؤون خلواً من التاريخ، فلم يسعني تحديد زمان صدورها إلاّ إجمالاً، وأنّها في الفترة الّتي سبقت حرب صفين، فأنا أوردها حسب ورودها في كتاب (وقعة صفين) لنصر بن مزاحم المتوفى 213 هـ فهو أقدم وثيقة تاريخية يمكنني الاعتماد عليها في المقام بعد تصحيح عنوان الأوّل منها لما سيجيء:
1- قال نصر: «وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عامر(؟) والصواب: عباس.
أمّا بعد: فإنّ خير الناس عند الله (عزّ وجلّ) أقومهم لله بالطاعة فيما له وعليه، وأقولهم بالحقّ ولو كان مراً، فإن الحقّ به قامت السموات والأرض، ولتكن سريرتك كعلانيتك، وليكن حكمك واحداً، وطريقتك مستقيمة، فإنّ البصرة مهبط الشيطان، فلا تفتحن على يد أحد منهم باباً لا نطيق سدّه نحن ولا أنت. والسلام».
أقول:?روى نصر ذلك في كتابه(2) باسم (عبد الله بن عامر) وذلك من غلط النسخة إمّا من سهو الرواة أو غلط النساخ، لأنّ الإمام لم يولّ عبد الله بن عامر على البصرة يوماً ما، والصواب: إلى عبد الله بن عباس.
2- قال نصر: «وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس.
____________
(1) وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري ط الاُولى بالقاهرة سنة 1365هـ.
(2) نفس المصدر /119، وط حجرية بايران /57 سنة 1300.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: «وكان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس فيكون هو الّذي يبعث به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)»(2).
3- قال نصر: «وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس أمّا بعد: فإنّ الإنسان قد يسرّه ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوتُ ما لم يكن ليدركه وإن جهد، فليكن سرورك فيما قدّمت من حكم أو منطق أو سيرة، وليكن أسفك على ما فرّطت لله فيه من ذلك، ودع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر به حزناً، وما أصابك فيها فلا تبغ به سروراً، وليكن همّك فيما بعد الموت. والسلام»(3).
أقول: لقد روى الشريف الرضي (رحمه الله) هذا الكتاب مرّتين في نهج البلاغة.
الأولى: قال الشريف الرضي: «ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس وكان ابن عباس يقول: ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله كانتفاعي بهذا الكلام.
أمّا بعد: فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فَرَحاً، وما فاتك فلا تأسَ عليه جزعاً، وليكن همّك فيما بعد الموت»(4).
____________
(1) نفس المصدر.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 1/270 ط مصر الاُولى.
(3) وقعة صفين /119 ط 1 بمصر بتحقيق هارون.
(4) شرح النهج البلاغة لمحمد عبده3/23 ط الاستقامة.
ورواه غير الشريف الرضي مَن كان قبله، ومَن كان بعده بتفاوت يوحي بتعدد الروايات عند أصحاب المصادر، ولما كان جوّ الكتاب وفحوى الخطاب يوحي بوقوع حَدَث استوجب حزن ابن عباس، فكان الكتاب تسلية له عمّا فاته، وموعظة له في شأن تقلّبات الحياة بأنّ عظة الإنسان واعتباره فيما بعد الموت. وفي بعض مصادر الكتاب ما يؤكد ذلك.
فاليعقوبي في تاريخه ذكر سبب ذلك فقال: «وكتب أبو الأسود الدؤلي - وكان خليفة عبد الله بن عباس بالبصرة - إلى عليّ (عليه السلام) يعلمه أن عبد الله أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتب إليه يأمره بردّها فامتنع، فكتب يقسم له بالله لتردّنها، فلمّا ردّها عبد الله بن عباس أو ردّ أكثرها كتب إليه عليّ (عليه السلام): أمّا بعد فان المرء يسرّه ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعاً، واجعل همك لما بعد الموت والسلام. فكان ابن عباس يقول: ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام أمير المؤمنين»(2).
____________
(1) نفس المصدر 3/139.
(2) تاريخ اليعقوبي 2/181 ط النجف.
ولمّا كان الأمر يتعلق بمسألة أخذه من بيت مال البصرة من دون إذن الإمام، وهي إحدى الطعون الموجّهة إليه، وكانت محل النقض والإبرام بين الأعلام، فالكلام في بحثها يأتي محققاً في الحلقة الرابعة (عبد الله بن عباس في الميزان) ضمن مسائل الطعون الأخرى، ونكتفي في المقام بذكر مصادر هذا الكتاب إجمالاً على اختلاف رواية أصحابها ويأتي التفصيل في محله إن شاء الله وهي:
1- أدب الدنيا والدين للماوردي /64.
2- إعجاز القرآن للباقلاني1/121 ط السلفية سنة 1349هـ.
3- أمالي القالي2/94.
4- بحار الأنوار 8/475 ط الكمپاني.
5- البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي/353.
6- تاريخ دمشق لابن عساكر (ترجمة الإمام) 3/220.
7- تاريخ اليعقوبي 2/181 ط النجف.
8- تحف العقول /197 ط كتابفروشي اسلامية.
9- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي /160.
10- الحكمة الخالدة لابن مسكويه /179.
11- دستور معالم الحكم للقضاعي /96.
____________
(1) تذكرة الخواص /160 ط حجرية سنة 1285.
13- الرياض النضرة للمحب الطبري 2/222.
14- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/430 و 4/222.
15- شرح نهج البلاغة لابن ميثم 5/215.
16- شرح نهج البلاغة للخوئي 18/344.
17- شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده 3/23 و139.
18- الطراز في دلائل الاعجاز للسيد الزيدي 2/370.
19- العقد الفريد لابن عبد ربه 3/142 تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.
20- عين الادب والسياسة لابن هذيل /210.
21- قوت القلوب لأبي طالب المكي 1/158.
22- الكشكول للبهائي 284 ط نجم الدولة.
23- المثل السائر لابن الأثير 1/104 ط سنة 1354 وألحق في آخره: «ولا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل ويؤخر التوبة بطول الأمل وكأن قد والسلام».
24- مجالس ثعلب /186.
25- محاضرات الراغب 2/173.
26- مرآة العقول للمجلسي 4/354 ط الحجرية.
27- مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي /55 ط حجرية في أوّل النوع الرابع في الحكم والأمثال.
28- مناقب الخوارزمي /270 ط النجف.
29- الوافي للفيض الكاشاني 14/63.
31- كتاب الكتّاب وصفة الدواة والقلم وتعريفها تصنيف أبي القاسم عبد الله عبد العزيز مؤدب المهتدي بن الواثق العباس، سنة 218هـ المتوفى سنة 256هـ (مجلة المورد العدد الثاني المجلد الثاني /61 ط بغداد).
فهذه أكثر من ثلاثين مصدراً للكتاب وهو وثيقة مهمة تنفي حديث الخيانة جملة وتفصيلاً، وتبدد كثيراً من الشكوك والأوهام. كما سيأتي تفصيل ذلك في الحلقة الرابعة إن شاء الله.
ونعود إلى ذكر كتب الإمام إلى ابن عباس وهو على ولاية البصرة فمن ذلك:
4- ما رواه الحسن بن شعبة ـ من أعلام القرن الرابع الهجري ـ في كتابه تحف العقول قال: «وكتب إلى عبد الله بن العباس: أمّا بعد فاطلب ما يعنيك، واترك ما لا يعنيك، فإنّ في ترك ما لا يعنيك درك ما يعنيك، وإنّما تقدم على ما أسلفت لا على ما خلّفت، وابن ما تَلقاه على ما تُلقّاه والسلام»(1).
5- ومن كتبه (عليه السلام) إلى ابن عباس ما ذكره الشريف الرضي في نهج البلاغة قال: «ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس: أمّا بعد: فانّك لست بسابق أجلَك، ولا مرزوق ما ليس لك، واعلم بأن الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، وأن الدنيا دار دول، فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك»(2).
____________
(1) تحف العقول، قصار المعاني رقم 122/209.
(2) نهج البلاغة المختار /72.
ولنقف نحن عند هذا الكتاب ولنستعرض الشواهد في سيرة ابن عباس أيام ولايته فكم أمات باطلاً وأحيى حقاً.
فمن ذلك ما رواه أبو عبيد في كتاب الأموال عن الحسن البصري، قال: «جاء رجل إلى ابن عباس فقال أتقبّل منك الأبلّة بمائة ألف، قال: فضربه ابن عباس مائة وصلبه حياً»(2).
فكان هذا منه بعضاً من إماتة الباطل الّتي أمره الإمام (عليه السلام) بأخذها حظاً من ولايته. فإنّ ابن عباس لمّا كان يقول: «القبالات حرام»(3)? فأي طلب يتقدم به إليه إنسان يعتبره مخالفة شرعية لابدّ من تأديبه بما يقتضيه نظره، ولمّا كانت العقوبة التأديبية شديدة فلابدّ أن تكون الجناية كبيرة، ولا نعرف عظم الجناية إلاّ إذا عرفنا ما هي الأبلّة.
يقول ياقوت في معجم البلدان: «الأبلّة بلدة على شاطيء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الّذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة، لأنّ البصرة مصّرت أيام عمر، وكانت الأبلّة حينئذٍ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى وقائد.
____________
(1) مناقب آل أبي طالب 1/370 ط الحيدرية.
(2) كتاب الأموال /99 ط الكليات الأزهرية تح ـ محمّد خليل هراس سنة 1388هـ.
(3) نفس المصدر /100.
وقال الأصمعي: «جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق ونهر بلخ، ونهر الأبلّة، وحشوش الدنيا خمسة: الأبلّة، وسيراف، وعُمان، وأردبيل، وهيت»(2).
فإذا عرفنا أنّ الأبلة بما تقدم من وصفها وعرفنا أنّها تابعة في شؤونها الإدارية لحكومة البصرة، ولمّا كان ابن عباس هو أمير البصرة، وهو يرى حرمة القبالات كما مرّ، فربّما اعتبر هذا الطلب تحدياً لأمر الشريعة بحرمة القبالات، لذلك عاقبه ليكون عبرة لغيره فلا يجرأ على مخالفة أحكام الشرع.
ومن ذلك ما سنقرؤه في التوجيه العلمي والديني من شواهد على إحياء حق وإماتة باطل.
ومن ذلك ما سوف نقرؤه أيضاً في السلوك الشخصي بعض ما استفاده في ولايته من إماتة باطل وإحياء حقّ.
أمّا عن موظفي إدارته في البلاد. فقد استكتب زياد بن أبيه فترة ثمّ أرسله الإمام إلى فارس. فكان كاتبه أبو الاسود الدؤلي ـ كما ذكر ذلك أبو الفرج الاصفهاني ـ كما أنّه لمّا أراد الخروج إلى صفين استخلف أبا الأسود على الصلاة وزياداً على الخراج(3).
____________
(1) معجم البلدان 1/77 دار صادر.
(2) باقتضاب من معجم البلدان.
ومن الطريف تعليق محقق كتاب الأموال ـ محمّد خليل هراس ـ على كلمة الأبّلة فقال: لعلها ضيعة لابن عباس كانت على النهر المسمى بهذا الاسم. وهذا منتهى الغفلة منه، والصواب ما ذكرناه أعلاه.
(3) انظر أنساب الاشراف (ترجمة الإمام).
واستقضى لفترة أبا الاسود ثمّ الضحاك بن عبد الله الهلالي(1). وفي رواية: عبد الرحمن بن يزيد(2).
ثمّ لم تخل فترة حياته في البصرة من افتراء وتلبيس شأنها شأن غيرها من بقية أيام عمره، وأهمّ ما كان من تلك الشوائب المفتراة هو حديث خيانة بيت مال البصرة، وقد استوفينا في الحديث عنه جميع ملابسات القضية في الحلقة الرابعة كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
وثمة ثآليل طفحت على السطح في تلك الفترة، ليس لها من سند مقبول، فضلاً عن تناقض متنها لسلوك ابن عباس العملي في البصرة وغيرها.
وإلى القارئ ما وقفت عليه فعلاً في كتاب (تاريخ المدينة) لبصري عاش في القرن الثالث وذلك هو عمر بن شبّة المتوفى سنة 262 هـ..
فقد قال: «حدّثنا محمّد بن عباد بن عباد قال حدّثنا بعض أصحابنا عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: انّ ابن عباس (رضي الله عنه) خطب بالبصرة فذكر عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فعظّم أمره وقال: «لو أنّ الناس لم يطلبوا بدمه لأمطر الله عليهم حجارة من السماء(3)»(4).
____________
(1) أنظر أخبار القضاة لوكيع /281، 284 فما بعد.
(2) نفس المصدر /288.
(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي /63، وأنساب الأشراف 5/101 والرياض النضرة 2/135.
(4) تاريخ المدينة /1254.
وقال أيضاً: «حدّثنا موسى بن إسماعيل قال حدّثنا الصعق ابن حزن قال سمعت قتادة يقول حدّثنا زهدم الجرمي قال قال ابن عباس (رضي الله عنه) لأحدثنكم حديثاً ما هو بسرّ ولا علانية، أمّا أنا فلا أسرّ، دونكم وأمّا أنتم فلا أحب أن تعلنوه، لمّا قتل عثمان (رضي الله عنه) قلت لعليّ (رضي الله عنه) اعتزل هذا الأمر قال: ألاقي استقداماً فيه، وأيم الله ليظهرّن عليه معاوية تصديق قول الله {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}(1) وأيم الله لتحملنكم قريش على فارس والروم، فإن تكونوا قوماً تكفرون وإلاّ تهلكوا وتكونوا كقرن من القرون هلك»(2).
وحسبك في كذب الخبر أوّلاً: أنّ ابن عباس لم يكن حاضراً بالمدينة لمّا قتل عثمان بل كان أمير الموسم يقيم الحج للناس. وثانياً: لم يكن معاوية وليّ دم عثمان، وإنّما أولياء دمه هم بنوه. فهل يجهل ذلك ابن عباس وإذا كان يرى أنّ معاوية ولي دم عثمان فلماذا حاربه في صفين؟
وقال أيضاً: «حدّثنا موسى بن إسماعيل قال حدّثنا حماد بن زيد عن أبي التيّاج عن غالب عن زهدم قال قال ابن عباس (رضي الله عنه)، لأحدثنكم حديثاً ما أدري أحديث سر هو أم حديث علانية، إنّي قلت لعليّ (رضي الله عنه) لمّا قتل عثمان (رضي الله عنه): اركب رواحلك فالحق بمكة، فان الناس سيتبعونك ولا يجدون منك بُدّاً، فعصاني، وأيم الله
____________
(1) الاسراء /33.
(2) تاريخ المدينة /1255، وانظر مختصراً في العقد الفريد 4/291.
فهذا الخبر رواه زهدم أيضاً كسابقه وبالمقارنة نجد التفاوت بينهما. والجواب عنه كما تقدم في سابقه وبعده حديث سقط السند وشيئاً من أوّل المتن، وهو مشابه لما مرّ أيضاً.
فهذه هي الأخبار الّتي شبّهتها بالثآليل الطافحة، وقد بيّنت للقارئ ما في أسانيدها ومتونها من عيوبها ما يسقطها عن الاعتبار.
ولعمر بن شبّة كتاب (أخبار البصرة) أورد فيه قصة الجمل مطوّلة، فلخّص منه ابن حجر(3) واقتصر على ما أورده بسند صحيح أو حسن، وترك ما عداه ممّا بيّنه. كما قال ذلك، ولو قدّر لي أن أقف بعد هذا على كتاب أخبار البصرة فسأذكر ما أجده فيه ممّا يتعلق بابن عباس سلباً وايجاباً.
7- قال ابن خلدون في تاريخه: «وأوّل من دعا للخليفة على المنبر ابن عباس، دعا لعليّ (رضي الله عنهما) في خطبته وهو بالبصرة عامل له عليها فقال: اللّهمّ انصر عليّاً على الحقّ»(4).
واتصل العمل على ذلك فيما بعد.
____________
(1) بياض لا يدري مقداره.
(2) تاريخ المدينة /1255.
(3) انظر فتح الباري 16/164 ط مصطفى محمّد.
(4) تاريخ ابن خلدون 1/477 ط دار الكتاب اللبناني سنة 1956.
وحسبنا الآن بما مرّ معرفة جانباً من نشاطه الإداري والسياسي، وسيتبع هذا نماذج أخرى فيما يأتي عند الحديث عن حرب صفين وما تلاها، وفتنة ابن الحضرمي وما أبلاها، وخروج الخريت بن راشد ثمّ فتنة مصقلة بن هبيرة، وحرب النهروان، وما أتى بعدها حتى استشهاد الإمام (عليه السلام) وبعده حتى صلح الإمام الحسن (عليه السلام).
2- التوجيه العلمي والديني:
لقد سبق ابن عباس في ولايته البصرة مَن تقدمه من الولاة في تثقيف أهلها سبقاً بعيداً، فإنّ الذين كانوا قبله وتعاقبوا على الولاية تفاوتت مداركهم لاستيعاب أحكام الإسلام، كما تباينت مسالكهم في إدارة البلاد، ولم يواجهوا ما واجهه ابن عباس من مشاكل اجتماعية أبعدت، وبالاصح شغلت الكثير من الناس عن تعلمهم الأحكام الشرعية، مضافاً إلى مخلّفات حرب الجمل الفكرية، حيث نشأت مسائل لم يكن المجتمع الإسلامي على هدى منها، ومنها مسألة قتال المسلمين بعضهم بعضاً وهم جميعاً من أهل القبلة، ولمّا كان قتل المسلم من الكبائر فهل أنّ مرتكب الكبيرة يُعدّ كافراً أم يظل مسلماً؟ وهذا سؤال ضخم واجه العالم الإسلامي فأنبت الفكرة الّتي صارت ركيزة لما بنت عليها المعتزلة من رأي تجاذبته أصحاب الفرق الكلامية بين الدين والسياسة، والأخذ والردّ.
____________
(1) كما في ذكر أخبار اصبهان 2/229 ط افست /ليدن.