وأحسب أنّ المبرّد المتوفى سنة 285هـ هو أقدم من وصلت روايته في ذلك إلينا مستوفية للزمان والمكان، وإلى القارئ ما ذكره في كتابه الكامل:
قال: «يروى عن عليّ بن أبي طالب رحمة الله عليه انّه افتقد عبد الله بن العباس (رحمه الله) في وقت صلاة الظهر فقال لأصحابه: ما بال أبي العباس لم يحضر؟ فقالوا: ولد له مولود، فلمّا صلّى عليّ (رحمه الله) قال: أمضوا بنا إليه، فأتاه فهنأه فقال: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ما سميته؟ قال: أو يجوز لي أن أسمّيه حتى تسمّيه! فأمر به فأخرج إليه فأخذه وحنّكه ودعا له، ثمّ ردّه إليه وقال: خذه إليك أبا الأملاك، قد سميته عليّاً وكنيته أبا الحسن.
قال المبرّد: فلمّا قام معاوية قال لابن عباس: ليس لكم اسمه وكنيته، وقد كنّيته أبا محمّد فجرت عليه»(2).
قال ابن أبي الحديد: «فإنّ عليّ بن عبد الله لمّا ولد أخرجه أبوه عبد الله إلى عليّ (عليه السلام) فأخذه وتفل في فيه وحنّكه بتمرة قد لاكها ودفعه إليه وقال خذ اليك أبا الأملاك»(3).
هكذا الرواية الصحيحة وهي الّتي ذكرها أبو العباس المبرّد في كتاب الكامل...
____________
(1) طبقات ابن سعد 5/229 ط أفست ليدن.
(2) الكامل 2/217 مطبعة نهضة مصر.
(3) شرح النهج لابن أبي الحديد 2/176 ط مصر الأولى.
ورحم الله المعري حيث يقول:
وقد سمّاه سيده عليّاً | وذلك من علوّ القدر فال(1) |
مأساة الشهادة:
لقد كان الإمام (عليه السلام) منتظراً للشهادة، بل ومنتجزاً لها فيقول: (متى يبعث أشقاها) لشدة ما كان يجده من خلافات مجتمعة، وما يجده في نفسه من ظلم لحقه من بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحتى يومه، فهو لئن جاهد الكفار والمشركين أيام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على تنزيل القرآن حتى دخلوا في دين الله، فقد صار يجاهد المسلمين من بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على تأويل القرآن، حيث ذهبت بهم منازعُهم إلى مُنازعته، حتى تفلّتوا من أحكام الدين على غير هدى، فصار يدعو لنفسه وعليهم فيقول: (ما يحبس أشقاكم أن يجيء فيقتلني، اللّهمّ إني قد سئمتهم وسئموني، فأرحني منهم وأرحهم مني)(2). وقد مرّت بنا شواهد على ذلك في حديثه مع ابن عباس في الشقشقية وفي صنوها.
واستجيبت دعوته فقتل غيلة بضربة غادرة آثمة من سيف آثم كفور، فأورث قتلُه (عليه السلام) المسلمين ذلاً شاملاً، كما أورث آله وذويه حزناً دائماً.
يقول جورج جرداق: «وقال القدر كلمته الغادرة فأتاه ابن ملجم بسيف مسموم يضرب رأسه الضربة الّتي قال فيها الخبيث إنّها لو كانت بأهل مصر جميعاً لأتت عليهم...
____________
(1) الغيث المسجم 1/120.
(2) أنساب الأشراف 24/501 تح ـ المحمودي بيروت.
نعم لقد قضى الإمام شهيد عظمته والصلاة بين شفتيه كما يقول ذلك مسيحي آخر. حتى قالت من كانت أشد الناس شماتة بشهادته وهي عائشة الّتي لمّا بلغها الخبر وتمثلت بقول البارقي:
فألقت عصاها واستقر بها النوي | كما قرّ عيناً بالإياب المسافر |
فقد روى عنها أبو عمر انّها قالت: «فلتصنع العرب ما شاءت فليس أحدٌ ينهاها»(2).
وهذه كلمة لها مغزاها، أيان مرساها، وقد صدقت في مأتاها.
أمّا عظم المأساة في جنبات الصدور فقد فجّرت مصيبته البكاء والرثاء في ذويه ومواليه.
وكان ابن عباس أحد أولئك الذين أشعلهم الحزن أواراً فأرسل دمعه مدراراً، وأشفع دمعه بكلماته الّتي سالت مع دموعه وهي على وجازتها معربة عن مدى حزنه، وبأبيات من نظمه، وهي على قلتها تفيض بعاطفته، ويشعر القارئ لها بأنّ صاحبها لمتاعٌ أشدّ التياع، لما فيها من حرارة وافتجاع.
____________
(1) الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية ـ عليّ وعصره ـ 4/1003.
(2) الاستيعاب بهامش الاصابة 3/57 و 218.
1- مشاركته في تغسيل الإمام (عليه السلام):
قال أبو الفرج: «حدّثني أحمد بن عيسى حدّثنا الحسن (الحسين خ ل) ابن نصر قال: حدّثنا زيد بن المعدّل عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن فضيل بن خديج عن الأسود الكندي والأجلح قالا: توفي أمير المؤمنين عليّ - (عليه السلام) - وولي غسله ابنه الحسن بن عليّ وعبد الله بن العباس وكفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وصلّى عليه ابنه الحسن، وكبر عليه خمس تكبيرات...»(1).
2- تأبين ورثاء:
أ- روى ابن شهر اشوب قال: «الزعفراني عن المزني عن الشافعي عن مالك عن سمي عن أبي صالح قال: لمّا قتل عليّ بن أبي طالب قال ابن عباس: هذا اليوم نقص الفقه والعلم من أرض المدينة.
ثمّ قال: انّ نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها، إنّ الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤساءَ جهّالاً فيُسألوا فيفتوا بغير علم فيَضِلّوا وأضلوا»(2).
____________
(1) مقاتل الطالبيين /41 ط مصر، ورواه يحيى بن الحسين الهاروني في أمإليه /85 ط بيروت سنة 1395 هـ.
(2) مناقب ابن شهرآشوب 3/92 ط الحيدرية، ورواه المجلسي في البحار 9/743 ط تبريز على الحجر.
وهزّ عليّ بالعراقين لحية | مصيبتها جلّت على كلّ مسلم |
وقال سيأتيها من الله نازل | ويخضبها أشقى البريّة بالدم |
فعاجله بالسيف شلّت يمينُه | لشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم |
فيا ضربة من خاسر ضلّ سعيه | تبوّأ منها مقعداً في جهنم |
ففاز أمير المؤمنين بحظّه | وإن طرقت إحدى الليالي بمعظم |
ألا إنّما الدنيا بلاء وفتنة | حلاوتها شيبت بصاب وعلقم»(1) |
3- حزن وبكاء:
أ- روى فرات بن إبراهيم ـ من علماء القرنين الثالث والرابع ـ في تفسيره قال: «حدّثنا عليّ بن محمّد بن مخلد الجعفي معنعناً عن سليمان بن يسار قال: رأيت ابن عباس لمّا توفي أمير المؤمنين بالكوفة وقد قعد في المسجد محتبياً ووضع مرفقه على ركبته، وأسند به تحت خده وقال:
يا أيها الناس إنّي قائل فأسمعوا من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إذا مات عليّ وأخرج من الدنيا ظهرت في الدنيا خصال لا خير فيها، فقلت وما هي يا رسول الله؟
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2/46 ط مصر الأولى، وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب 2/472 ط حيدر اباد هذه الأبيات منسوبة إلى بكر بن حماد التاهرني، ولعله استشهد بها فظنت أنها له والله أعلم.
وأخيراً ابيضت عيناه من الحزن:
قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن حال نبيّه يعقوب حين فقد ولده {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْن}ِ(3) قال المفسّرون: وإنّما ابيضّت عيناه من البكاء وسبب البكاء هو الحزن. ولا شك أنّ البكاء كما أنّه خير وسيلة لتخفيف الضغط النفسي الّذي يكابده المرء عند ملمّات النوازل، فهو يأتي على بصر الإنسان
____________
(1) تفسير فرات /54 ط الحيدرية و /154 192 ـ 198، ورواه المجلسي في البحار 9/764 ط تبريز على الحجر.
(2) الأنفال /42.
(3) يوسف /84.
خليلي عوجا من صدور الرواحل | بجهور حزوى وابكيا في المنازل |
لعل انحدار الدمع يعقب راحة | من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل |
ولقد ذكر في كتب السيرة أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى عند فقده أحبته، وآخرهم ابنه إبراهيم فقال: (إنّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما لا يرضي الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون)(1).
وكلّما عظمت الرزية وجلت المصيبة عظم الحزن بها، واشتد الوجد بصاحبها، ومهما بلغ في إيمانه مقاماً رفيعاً لتستولي عليه أحزانه، فيفزع إلى البكاء ليخفّف من غلواء المصاب، فان في إفاضة الكئيب لدمعته ما يذهب من لوعته، وفي ارساله لعبرته ما يعينه على سلوته، وهذا ممّا لا شك فيه، لكن ليس انسكاب الدموع يذهب ما في نفس المفجوع، فلئن سكنت النفس آناً ما إلى رشدها، وتأسى صاحبها بالصبر على عظيم فقدها، إلاّ أنّ الذكرى تؤجج جذوة الحزن، فمتى استثيرت ثارت، فتحول الحزن إلى بركان يثور، وعندما يلحّ الواجد الفاقد الحزين بالبكاء وتبيضّ عيناه من الحزن فيفقد بصره، كما مرّ في أمر يعقوب (عليه السلام). وكان ابن عباس مثله في هذا الباب فيما يروي الرواة، قال سفيان ابن عيينة: «كانوا يروون أنّ ابن عباس إنّما ذهب بصره لكثرة البكاء على عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)»(2).
____________
(1) السيرة الحلبية وسيرة زيني دحلان وغيرهما.
(2) تيسير المطالب في امالي الإمام أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني المتوفى سنة 424هـ ط بيروت سنة 1395هـ.
ورواه النبهاني في الشرف المؤبد ونسبه إلى القيل(2)، وذكره البياضي في الصراط المستقيم(3)، وقال المسعودي: «وكان ـ ابن عباس ـ قد ذهب بصره لبكائه على عليّ والحسن والحسين»(4).
ويبدو أنّ بداية ضعف بصره وتقرّح جفونه كانت بعد مقتل الإمام (عليه السلام) ثمّ تزايد ذلك بمرور الزمان، وكثرة ما أصابه من نوازل الحدثان فيفزع إلى البكاء، وكاد أن يكفّ بصره تماماً قبل مقتل الحسين (عليه السلام)، لكنه بعد مقتله وتزايد الحزن عليه فلم ترقأ له دمعة فَكُفّ بصره تماماً، حتى كان أبو رجاء العطاردي يقول: «رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء»(5)، وقد حدّد عليّ بن أبي طلحة زمن العمى بقوله: «وكان أحسن عيناً قبل أن يكفّ بصره، وكفّ قبل موته بست سنين أو نحوها»(6)، وهذا التحديد يتسق تقريباً مع ما مرّ عن المسعودي وقول السبط في تذكرته: «ولمّا قتل الحسين لم يزل ابن عباس
____________
(1) سعد السعود /285.
(2) الشرف المؤبد /64 ط بيروت سنة 1309هـ.
(3) الصراط المستقيم 1/144.
(4) مروج الذهب 3/108 تح ـ عبد الحميد، وحكاه أيضاً السيّد المدني في الدرجات الرفيعة /139 ط الحيدرية.
(5) سير أعلام النبلاء 4/452 ط دار الفكر.
(6) أنساب الأشراف ـ ترجمة ابن عباس ـ برقم 124مخطوطة بقلمي.
ومهما يكن تحديد الزمن إلاّ انّ بعض المناقبيين قد اتخذ من مسألة كفّ بصر ابن عباس ذريعة إلى مبتغاه، فروى أنّ السبب كان رؤيته جبرئيل عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد مرّ في الجزء الأوّل تفنيد ذلك عند الكلام عن حياته في عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فراجع.
ولم يقصّر عن هذا آخر حين قصّر بفهم ابن عباس وفقهه عن إدراك حكم تكليفه حين كفّ بصره وقد أتاه من عرض عليه إجراء عملية جراحية على أن يصلي سبعة أيام مستلقياً يؤمي ايماء، فزعم الراوي أنّه أرسل إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من أصحابه (؟) كلّ يقول: «أرأيت إن متّ في هذه السبع كيف تصنع بالصلاة؟ قال فترك عينه ولم يداوها»(2).
فبهذا الخبر أثبت الراوي جهل ابن عباس بوظيفته الشرعية فهو لا يعلم كيف يعمل وما هو حكم تكليفه؟ فاستفتى عائشة وأبا هريرة، وبعض أصحابه(؟) ممّن لم يكشف الراوي عن هويّتهم المجهولة، فأتته فتاواهم متفقة: «كلّ يقول: أرأيت إن متّ في هذه السبع كيف تصنع بالصلاة؟».
وما أدري كيف استساغ الراوي رواية ذلك وهو يروي بأنّ ابن عباس لو رضي باجراء العملية كان عليه أن يصلي مستلقياً إيماءً، فهل مَن كان حكمه ذلك يقال له: كيف تصنع بالصلاة؟ فهل هو يترك الصلاة كلية؟ أم انّ فرضه وحكمه
____________
(1) تذكرة الخواص /90 ط حجرية سنة 1285هـ.
(2) مستدرك الحاكم 3/545 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه.
ألا على العقول العفا تلك الّتي تصدّق بذلك، فأين أثر دعاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له بأن يفقهه في الدين ويعلمه الحكمة وهم يروونه؟ ثمّ ألم تكن عائشة هي الّتي شهدت له في سنة 35هـ حين ولي أمر الموسم بأنّه أعلم الناس بالحج، وهو الّذي كان عمر يستفتيه ويقول له غص يا غواص وقد مرّ ذلك كلّه، وقال عنه طاووس: «رأيت سبعين من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا تدارأوا صاروا إلى قول ابن عباس»(1)، وفي لفظ البغوي عنه: «أدركت خمسين أو سبعين من الصحابة إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس لا يقومون حتى يقولوا هو كما قلت أو صدقت»(2).
وقال عليّ بن المديني: «لم يكن في أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحد له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلاّ ثلاثة وعدّ ابن عباس منهم»(3).
وأخيراً لقد مرّ بنا في أعقاب حرب الجمل في مواقف متشنجة شواهد على ما كان بين عائشة وابن عباس من نفور لم تحتمله الصدور حتى بدا فوق السطور. فكيف نصدّق الرواة في استفتائه منها؟
____________
(1) الإصابة ترجمة ابن عباس.
(2) المصدر السابق نفسه.
(3) تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/274 ط المنيرية.
والآن وقد شارفنا على الإنتهاء من القسم الأوّل من الفصل الأوّل فيما يتعلق بتاريخ ابن عباس حبر الأمة (رحمه الله) في فترة خلافة الإمام (عليه السلام)، أرى لزاماً عليَّ أن أذكر بعض الروايات الّتي تزيّد فيها الرواة، فألحق بها من الهناة والقذاة، ما شوّه صفحة ابن عباس ببعض السيئات.
روايات تافهة:
لقد وردت بعض الروايات الّتي لم تسلم سنداً حتى تستحق الوقوف عندها كثيراً، تدين ابن عباس في إعلانه مخالفته لإمامه في أحكام فقهية، أو إجراءات قضائية، أو آراء سياسية، فكيف يمكن تصديق الرواة في ذلك، وهو الّذي كان يقول: «إذا حدّثنا الثقة بفتيا عن عليّ لم نتجاوزها»(2) وفي لفظ: «إذا حدّثنا ثقة عن عليّ بفتيا لا نعدوها»(3)، ثمّ هو القائل لخارجي سأله عن الإمام فأجابه حتى قال له: «أعليّ أعلم عندك أم أنا؟ فقال: لو كان عليّ أعلم عندي منك لما سألتك فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثمّ قال: ثكلتك أمك، عليّ علّمني، وكان علمه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ورسول الله علّمه الله من فوق عرشه، فعلم النبيّ من الله،
____________
(1) التذكرة /273 ط دار المنار سنة 1418.
(2) طبقات ابن سعد 2ق2/100 ط ليدن، والاستيعاب 3/39.
(3) سير أعلام النبلاء للذهبي 2/628 ط دار الفكر، وتاريخ الخلفاء للسيوطي /171.
لذلك فأنا لا أكاد أصدّق الرواة الذين رووا لنا: «انّ ابن عباس أتي إليه بكتاب فيه قضاء عليّ (عليه السلام) فمحاه إلاّ قدر ذراع»(2).
كيف وهو الّذي كان مجداً في اتباع سنّة الإمام وهديه حتى في أحرج الأوقات الّتي مرّت به في عهد معاوية.
فقد روى النسائي في سننه، والبيهقي في سننه الكبرى عن سعيد بن جبير قال: «كان ابن عباس بعرفة فقال: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبّون؟ فقلت: يخافون معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبّيك اللّهمّ لبّيك وان رغم أنف معاوية، اللّهمّ العنهم فقد تركوا السنّة من بغض عليّ»(3).
وقال السندي في تعليقه على سنن النسائي: «من بغض عليّ» أي لأجل بغضه، أي وهو كان يتقيّد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضاً له.
وسيأتي مزيد بيان وايضاح في آرائه الفقهية.
وقد مرّ بنا في حياته بالبصرة في توجيهه العلمي والديني ما يصلح أن يكون شاهداً على مدى التوافق بين ابن عباس وإمامه فتياً وعملاً، وحسبك مراجعة مسألة تعريفه بالبصرة وقد مرّ بحثها مفصّلاً فراجع.
ومسألة بعث الهدي من مكانه ويبقى محرماً حتى يذبح.
____________
(1) أمالي الطوسي /7 ط حجرية 1/11 مط النعمان، وعنه في بحار الأنوار 8/465 ط حجرية.
(2) مقدمة صحيح مسلم 1/11.
(3) سنن النسائي ـ المجتبى ـ 5/253، والسنن الكبرى 5/113.