الخامسة: غزاة [ذات] السلسلة.
وخبر هذه الغزاة انّه جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله انّ جماعة من العرب اجتمعوا بوادي الرمل على أن يبيّتوك بالمدينة، فأمر بالصلاة جامعة فاجتمعوا وعرّفهم وقال: من لهم؟ فابتدرت جماعة من أهل الصفة وغيرهم عدّتهم ثمانون وقالوا: نحن، فَوَلِّ(1) علينا من شئت.
فاستدعى أبا بكر [وقال: امض](2) فمضى وتبعه القوم، فهزموه وقتلوا جمعاً كثيراً من المسلمين، وانهزم أبو بكر وجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فبعث عمر فهزموه أيضاً، فساء النبي صلّى الله عليه وآله ذلك، فقال عمرو بن العاص: ابعثني يا رسول الله فإنّ الحرب خدعة ولعلّي أخدعهم، فأنفذه مع جماعة فلمّا صاروا(3) إلى الوادي خرجوا إليه، فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة.
ثمّ دعا أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ بعثه إليهم ودعا له وخرج معه مشيّعاً له إلى مسجد الأحزاب، وأنفذ معه جماعة منهم أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص، فسار بهم نحو العراق منكبّاً عن الطريق حتّى ظنّوا انّه يريد بهم غير ذلك الوجه، ثمّ أخذهم(4) على طريق غامضة، واستقبل الوادي من فمه.
وكان عليه السلام يسير الليل ويكمن النهار، فلمّا قرب من الوادي أمر أصحابه أن يخفوا حسّهم(5)، وأوقفهم مكاناً وتقدّم أمامهم ناحية، فلمّا رأى عمرو بن العاص فعله لم يشك في كون الفتح له، فخوّف أبا بكر وقال: إنّ هذه أرض ذات ضباع وذئاب، كثيرة الحجارة، وهي أشد علينا من بني سليم، والمصلحة أن نعلوا
____________
1- في "ج": أمّر.
2- أثبتناه من "ج".
3- في "ب": صعدوا.
4- في "ج": اتّجه بهم.
5- في "ج": يخفوا أصواتهم.
فقال له أبو بكر فلم يجبه أمير المؤمنين عليه السلام بحرف واحد، فرجع أبوبكر وقال: والله ما أجابني بحرف واحد، فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب: امض أنت إليه فخاطبه، ففعل فلم يجبه أمير المؤمنين عليه السلام، فقال عمرو: أنضيّع أنفسنا؟! انطلقوا بنا نعلوا الوادي، فقال المسلمون: إنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمرنا أن لا نخالف علياً، فكيف نخالفه ونسمع قولك؟.
فما زالوا حتّى طلع الصبح(1)، فكبس القوم وهم غافلون، فأمكنه الله منهم ونزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلّى الله عليه وآله بسورة {والعاديات ضبحاً * فالموريات قدحاً * فالمغيرات صبحاً}(2) السورة، قسماً منه تعالى بخيل أمير المؤمنين عليه السلام، وعرّفه الحال.
ففرح النبي صلّى الله عليه وآله وبشّر أصحابه بالفتح وأمرهم باستقبال أمير المؤمنين عليه السلام، فخرجوا والنبي صلّى الله عليه وآله يقدمهم، فلمّا رأى أمير المؤمنين عليه السلام النبي صلّى الله عليه وآله ترجّل عن فرسه، فوقف بين يديه وقال النبي صلّى الله عليه وآله: لولا انّني أشفق أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالا لا تمرّ بملأ منهم إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك [للبركة](3)، اركب فإنّ الله ورسوله عنك راضيان(4).
وسمّيت هذه الغزاة ذات السلاسل لأنّه أسّر منهم وقتل منهم، وأتى بالاُسارى منهم مكتفين بالحبال كأنّهم في السلاسل.
____________
1- في "ج": الفجر.
2- سورة العاديات.
3- أثبتناه من "ج".
4- ارشاد المفيد: 86; عنه البحار 21: 77 و79 ح5; وكشف الغمة 1: 230.
وبيان هذه الحروب على سبيل الاختصار انّه بعد أن آل الأمر إليه صلوات الله عليه وبايعه المسلمون، نهض طلحة والزبير ونكثا بيعته وانحازا(2) إلى عائشة، واجتمعوا إلى قتاله وتوجّهوا إلى البصرة، وانضمّ إليهم منها خلق كثير وخرجوا ليحاربوه.
فخرج عليه السلام وردعهم فلم يرتدعوا، ووعظهم فلم ينزجروا(3) بل أصرّوا على القتال، فقاتلهم حينئذ حتّى قتل منهم ستة عشر ألف وسبعمائة وتسعين وكانوا ثلاثين ألفاً، وقُتل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ألف وسبعون رجلا وكانوا عشرين ألفاً، وهذه الواقعة تُسمّى واقعة الجمل، وهي حربه للناكثين، وبعد ذلك اشتغل بوقعة صفين وحربه مع معاوية، وهي جهاد القاسطين.
وهذه الحروب من الوقائع العظام التي لا يكاد أن يضطرب لها فؤاد الجليد(4)، ويشيب منها رأس اللبيب(5)، وبقي عليه السلام يكابد هذه الواقعة ثمانية عشر شهراً، وقتل فيها من الفريقين على أقلّ الروايات مائة ألف وخمسة وسبعون ألفاً من أهل الشام، وعشرون ألفاً(6) من أهل العراق.
وفي ليلة الهرير من هذه الوقعة ـ وهي أشدّ أوقاتها ـ قُتل من الفريقين ستّة وثلاثون ألفاً، وقتل عليه السلام بانفراده خمسمائة وثلاثة وعشرون فارساً(7)، لأنّه
____________
1- في "ج": أخبره.
2- في "ب": صارا.
3- في "ب" و "ج": فلم يتّعظوا.
4- في "ج": الجنين.
5- في "ج": الوليد.
6- في "ج": خمسة وعشرون ألفاً.
7- في "ب": قتيلا.
وروي أنّه عليه السلام في تلك الليلة فتق درعه لثقل ما كان يسيل من الدم على ذراعه(1)، وفي صبيحة هذه الليلة انتظم أمر أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ولاحت لهم امارات الظفر ولاحت لهم علامات النصر، وزحف مالك الأشتر حتّى ألجأهم إلى معسكرهم، ولم يبق إلاّ أخذهم وقبض معاوية.
فلما رأى عمرو بن العاص الحال على هذه قال لمعاوية: نرفع المصاحف وندعوهم إلى كتاب الله، فقال: أصبت، فرفعوها فرجع القرّاء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام عن القتال، وأقبلوا إليه وهم أربعة آلاف فارس كأنّهم السد من الحديد، وقالوا: ابعث ردّ الأشتر عن قتال هؤلاء.
فقال لهم: إنّها خديعة ابن العاص وشيطنته وهؤلاء ليسوا من رجال القرآن، فلم يقبلواوقالوا: لابدّ أن تردّالأشتر وإلاّقتلناك أو سلّمناك إليهم، فأنفذ عليه السلام يطلب الأشتر، فقال: قد أشرفت على الفتح وليس هذا وقت طلبي، فعرّفه اختلال أصحابه، فرجع وعنّف القرّاء وسبّهم وسبّوه، وضرب وجه دوابهم فلم يرجعوا.
ووضعت الحرب أوزارها، فبعث إليهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال لهم: لماذا رفعتم المصاحف؟ قالوا: للدعاء إلى العمل بمضمونها، وأن نقيم حَكَماً وتقيموا حَكَماً ينظران في هذا الأمر، ويقرّان الحق مقرّه، فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام تعجباً وقال: يا ابن أبي سفيان أنت تدعوني إلى العمل بكتاب الله، وأنا كتاب الله(2)
____________
1- لاحظ كشف الغمة 1: 255.
2- في "ج": كتابه.
ثمّ قال لاُولئك القرّاء: إنّها حيلة وخديعة فعلها ابن العاص لمعاوية، فلم يسمعوا وألزموه بالتحكيم، فعيّن معاوية عمرو بن العاص وعيّن أمير المؤمنين عبد الله بن العباس، فلم يوافقوا، قال: فالأشتر، فأبوا واختاروا أبا موسى الأشعري، فقال عليه السلام: أبو موسى ضعيف العقل وهواه مع غيرنا، فقالوا: لابدّ منه وحكّموه.
فخدع أبو موسى وحمله على خلع أمير المؤمنين عليه السلام وانّه يخلع معاوية، وأمره بالتقدّم حيث هو أكبر سنّاً، فصعد أبو موسى المنبر وخطب ونزع أمير المؤمنين عليه السلام من الخلافة، ثمّ قال: قم يا عمرو فافعل كذلك.
فقام وصعد المنبر وخطب وأقرّ الخلافة في معاوية، فشتمه أبو موسى وتلاعنا، فقال علي عليه السلام لأصحابه القرّاء العبّاد الذين غلبوا على رأيه بالتحكيم: ألم أقل لكم انّها حيلة فلا تنخدعوا بها، فلم تقبلوا؟ قالوا لعنهم الله: ما كان ينبغي لك أن تقبل منّا، فأنت قد عصيت الله بقبولك منّا ولاطاعة لمن عصى الله.
وخرجوا من الكوفة مصرّين على قتاله، وأمّروا عليهم عبد الله بن وهب وذا الثدية وقالوا: ما نريد بقتالك إلاّ وجه الله والدار الآخرة، فقرأ عليه السلام: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انّهم يُحسنون صنعاً}(1).
ثمّ التحم القتال، فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام حملة واحدة، فلم يكن(2) إلاّ ساعة حتّى قتلوا بأجمعهم سوى تسعة أنفس فإنّهم هربوا، وقتل من أصحاب عليّ عليه السلام تسعة، عدد مَنْ سلم من الخوارج، وكان عليه السلام قد
____________
1- الكهف: 103 و 104.
2- في "ج": فلم تمض.
فهذه وقعة النهروان وهو قتاله عليه السلام للخوارج المارقين الذين قال النبي صلّى الله عليه وآله في حقّهم: إنّهم شرّ الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأعظمهم عند الله يوم القيامة وسيلة(2).
[الجمع بين الفضائل المتضادّات]
ومن فضائله صلوات الله عليه التي انفرد بها من المشاركة فيها، انّه جمع بين الفضائل المتضادّات، وألّف بين الكمالات المتباينات(3).
فإنّه كان يصوم النهار ويقوم الليل مع هذه المجاهدات التي ذكرناها، ويفطر على اليسير من جريش الشعير بغير إدام كما قلناه في صفة زهده، ومن يكون بهذه الحال يكون ضعيف القوّة، وأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام كان مع ذلك أشدّ الناس قوّة، وانّه قلع باب خيبر وقد عجز عن حملها سبعون نفراً من المسلمين، ورمى بها(4) أذرعاً كثيرة ثمّ أعادها إلى مكانها بعد أن وضعها على الخندق جسراً.
وكان أكثر الوقت في الحروب يباشر قتل النفوس، ومَنْ هذا حاله يكون شديد اللقاء عبوس الوجه، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مع ذلك رحيماً رقيق القلب، حسن الأخلاق، طلق الوجه، حتّى نسبه بعض المنافقين إلى الدعابة لشرف
____________
1- في "ب": نقاتلهم.
2- راجع البحار 33: 331 ح577; عن كشف الغمة 1: 158.
3- قال صفيّ الدين الحلى المتوفي في المائة الثامنة:
جُمعت في صفاتك الأضداد | ولهذا عزّت لك الأنداد |
زاهد حاكم حليم شجاع | فاتك ناسك فقير جواد |
شيم ما جمعن في بشر قط | ولا حاز مثلهنّ العباد |
خُلُق يخجل النسيم من اللطف | وبأس يذوب منه الجماد |
جلّ معناك أن تحيط به | الشعر ويحصي صفاتك النقاد |
4- في "ب": دحا بها.
وهذه الفضائل قد وردت من طريق الخصم ولم يمكنه اخفاؤها لشهرتها من طريقهم وطريقنا(1)، وجميعها يدلّ على إمامته فكيف من طريق أهل البيت عليهم السلام.
إنّ علماء الشيعة رضوان الله عليهم قد ألّفوا في فضائله والأدلّة على إمامته كتباً كثيرة لا تُحصى، من جملتها كتاب واحد من جملة تصانيف الشيخ الأعظم، والبحر الخضم، ينبوع الفضائل والحكم، جمال الإسلام والمسلمين، الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي قدّس الله نفسه الزكية، سمّاه بكتاب "الألفين" فيه ألف دليل من الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ كما قال سبحانه وتعالى ـ، وألف دليل من سنّة النبي صلّى الله عليه وآله على إمامة عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.
ولولم يكن من الدلائل على إمامته سوى العصمة والنص من النبي صلّى الله عليه وآله لكان كافياً، وذلك لأنّ الإمام إذا لم يكن معصوماً لجاز عليه الخطأ، فيحتاج إلى امام آخر يردّه عن خطائه، ويلزم التسلسل وهو محال لأنّ السبب المحوج إلى الإمام جواز الخطأ على الاُمّة، فلا يجوز أن يكون الإمام كذلك وإلاّ لانتفت الفائدة من إمامته.
ولأنّ الإمام حافظ للشرع، فلولم يكن معصوماً لجاز عليه الاخلال بشيء من الشرع والزيادة فيه، فلا يكون الشرع محفوظاً.
____________
1- قال الشاعر:
صفات أمير المؤمنين مَنِ اقْتفى | مدارجها أقنته ثوب ثوابه |
صفات جلال ما اغتدى بلبانها | سواه ولا حلّت بغير جنابه |
تفوّقها طفلا وكهلا فأينعت | معاني المعالي فهي ملئ إهابه |
مناقب من قامت به شهدت له | بازلافه من ربّه واقترابه |
مناقب لطف الله أنزلها له | وشرّف ذكراه بها في كتابه |
وأمّا النصّ فكثير تواترت به الشيعة خلفاً عن سلف انّ النبي صلّى الله عليه وآله نصّ عليه بالخلافة نصّاً جليّاً، كقوله: أنت الخليفة من بعدي، سلّموا عليه بامرة المؤمنين، اسمعوا له وأطيعوا، إلى غير ذلك من الأخبار.
وأمّا الدلائل على إمامته كقوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين}(2) أي المعلوم منهم الصدق، ولا يعلم الصدق إلاّ من المعصوم، ولا معصوم ممّن قيل بإمامته إلاّ هو، فتعيّن للإمامة.
ومنها انّ أبا بكر والعباس كانا كافرين فلا يصلحان للإمامة لقوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين}(3) فتعيّن هو لها.
ومنها انّ غيره ظالماً لكونه كافراً، والركون إلى الظالم منهيّ عنه لقوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا}(4) فتعيّن هو لها.
ومنها قوله تعالى: {إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}(5) والولي هو الأولى بالتصرّف، كقولهم: لا نكاح إلاّ بولي، والسلطان وليّ من لا وليّ له، فلا يخلو امّا أن يكون المراد بالذين
____________
1- المائدة: 2.
2- التوبة: 119.
3- البقرة: 124.
4- هود: 113.
5- المائدة: 55.
لأنّ كلّ من قال المراد بالآية البعض قال انّه عليّ عليه السلام، فلو قيل غيره مع انّ المراد به البعض كان خرقاً للاجماع، ولأنّ علياً عليه السلام مراد بالاجماع، امّا على قول من يقول المراد به الجميع فدخوله ظاهر لأنّه سيّدهم، وأمّا على قول الآخر فظاهر.
ومنها خبر الغدير المشهور وسيأتي، ومنها قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم}(1) وليس المراد بذلك الجميع وإلاّ لكان المطاع والمطيع واحداً، فتعيّن أن يكون البعض وهو المعصوم لاستحالة الترجيح من غير مرجح، ولا معصوم سواه فيكون هو المطاع.
ومن أعجب الأشياء انّ علياً عليه السلام ما زال في زمن النبي صلّى الله عليه وآله أميراً والياً مستخلفاً مطاعاً، وولاّه المدينة، واستقضاه على اليمن، وأخذ(2)الراية واللواء في جميع الحروب، ولم يكن في عسكر غاب النبي صلّى الله عليه وآله عنه إلاّ كان هو الأمير عليه، واستخلفه حين هاجر في مكة في قضاء ديونه، وردّ ودائعه، وحمل نسائه وأهله.
وبات على فراشه، وبذل نفسه وقاية له مع انّ غيره لم يستصلح لشيء من ذلك في حياة النبي صلّى الله عليه وآله مع كونه ظهيراً له، وعزل عن تبليغ براءة ولم يستصلح لها، ولما استخلفته عائشة في الصلاة سأل من المصلّي؟ فقيل له: أبو بكر، فخرج متّكئاً على عليّ والفضل بن العباس فزحزحه وصلّى، وكان اُسامة أميراً
____________
1- النساء: 59.
2- في "ج": وأعطاه.
فليت شعري كيف يفوّض إليه أمر الاُمّة مع انّه لم يصلح لتفويض البعض اليسير، ويترك من استصلحه صلّى الله عليه وآله لأكثر الاُمور وشدائد الوقائع؟ انّ هذا لشيء عجاب، أعاذنا الله وإيّاكم من اتّباع الهوى، والاغترار بالأباطيل والمنى بمحمد وآله الطاهرين.
فصل
يذكر فيه طرف من فضائله عليه السلام من طرق أهل البيت عليهم السلام
روي عن ابن عباس قال: سأل رجل رسول الله صلّى الله عليه وآله عن عمل يدخل به الجنّة، قال: صلّ المكتوبات، وصم شهر رمضان، واغتسل من الجنابة، وأحب عليّاً وأولاده، وادخل الجنّة من أيّ باب شئت.
فوالذي بعثني بالحقّ لو صلّيت ألف عام، وصمت ألف عام، وحججت ألف حجة، وغزوت ألف غزوة، وعتقت ألف رقبة، وقرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان، ولقيت الأنبياء كلّهم، وعبدت ا لله مع كلّ نبيّ ألف عام، وجاهدت معهم ألف غزوة، وحججت مع كلّ نبيّ ألف حجّة، ثمّ مت ولم يكن في قلبك حبّ علي وأولاده أدخلك [الله] النار مع المنافقين.
ألا فليبلغ الشاهد الغائب قولي في عليّ عليه السلام، فإنّي لم أقل في عليّ إلاّ بأمر جبرئيل عليه السلام، وجبرئيل لا يخبرني إلاّ عن الله عزوجل، وإنّ جبرئيل عليه السلام لم يتّخذ أخاً في الدنيا إلاّ عليّاً، ألا من شاء فليحبّ ومن شاء فليبغض، فإنّ الله سبحانه اتّخذ(1) على نفسه أن لا يخرج مبغض عليّ بن أبي طالب من النار أبداً.
____________
1- في "ج": حتم.
وعنه عليه السلام: انّ الله تعالى ضمن للمؤمن(2) ضماناً، قال: قلت: وما هو؟قال: ضمن له إن أقرّ لله بالربوبيّة، ولمحمّد صلّى الله عليه وآله بالنبوّة، ولعليّ عليه السلام بالامامة، وأدّى ما افترض الله عليه، أن يسكنه في جواره، قال: قلت: والله هذه الكرامة التي لا تشبهها كرامة الآدميين، ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: اعملوا قليلا تنعموا كثيراً(3).
وباسناده عن الرضا عليّ بن موسى، عن أبيه، عن جدّه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: حبّنا أهل البيت يكفّر الذنوب، ويضاعف الحسنات، والله تعالى ليتحمّل عن محبّينا أهل البيت ما عليهم من مظالم العباد إلاّ من كان منهم على اصرار وظلم للمؤمنين، فيقول للسيّئات: كوني حسنات(4).
وروي عن الحسين بن عليّ عليهما السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ألزموا مودّتنا أهل البيت فإنّه من لقى الله يوم القيامة وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفته حقّنا(5).
وروي باسناده إلى ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله
____________
1- أمالي الطوسي: 156 ح259; عنه البحار 27: 54 ح7.
2- في "ب" و "ج": للمؤمنين.
3- أمالي الطوسي: 150 ح266; عنه البحار 67: 146 ح2.
4- أمالي الطوسي: 164 ح274; عنه البحار 68: 100 ح5.
5- أمالي الطوسي: 186 ح314; عنه البحار 27: 170 ح10; ونحوه في المحاسن 1: 134 ح118.
ثمّ قال: يا ابن عباس من خالف علياً فلا تكوننّ ظهيراً له ولا وليّاً، فوالذي بعثني بالحق ما يخالفه أحد إلاّ غيّر الله ما به من نعمة، وشوّه خلقه قبل إدخاله النار، يا ابن عباس لا تشك في عليّ فإنّ الشك فيه كفر يُخرج عن الايمان، ويوجب الخلود في النار(1).
وروي عن جابر بن عبد الله قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله من وصيّك؟ قال: فأمسك عنّي عشراً لا يجيبني، ثمّ قال: يا جابر ألا اُخبرك عمّا سألتني؟ فقلت: بأبي واُمّي أنت [يا رسول الله](2) والله لقد سكتّ عنّي حتّى ظننت إنّك وجدت عليَّ.
فقال: ما وجدت عليك يا جابر ولكن كنت أنتظر ما يأتيني من السماء، فأتاني جبرئيل فقال: يا محمد ربّك يقول لك: "إنّ عليّ بن أبي طالب وصيّك وخليفتك على أهلك واُمّتك، [وأمينك](3) والذائد عن حوضك، وهو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنّة".
فقلت: يا نبيّ الله أرأيت من لا يؤمن بهذا أقتله؟ قال: نعم يا جابر، ما وضع هذا الموضع إلاّ ليتابع عليه، فمن تابعه كان معي غداً، ومن خالفه لم يرد عليّ الحوض أبداً(4).
____________
1- أمالي الطوسي: 188 ح317; عنه البحار 16: 322 ح12; ونحوه الخصال: 293 ح57 باب الخمسة.
2- أثبتناه من "ج".
3- أثبتناه من "ج".
4- أمالي الطوسي: 190 ح321; عنه البحار 38: 114 ح52; وأمالي المفيد: 108 المجلس الحادي والعشرون.
وروي عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لما اُسري بي إلى السماء وانتهيت إلى سدرة المنتهى، نوديت: يا محمد استوص بعليّ خيراً، فإنّه سيد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين(2).
وعن الباقر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام على منبر الكوفة: أيّها الناس! انّه كان لي من رسول الله صلّى الله عليه وآله عشر خصال احداهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا عليّ أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت أقرب الخلق إليّ يوم القيامة في الموقف بين يدي الجبّار، ومنزلك في الجنّة مواجه منزلي كما يتواجه منزل الاخوان في الله عزوجل.
وأنت الوارث منّي، وأنت الوصيّ من بعدي في عدّتي واُسرتي، وأنت الحافظ لي في أهلي عند غيبتي، وأنت الإمام لاُمّتي، والقائم بالقسط في رعيّتي، وأنت وليّي ووليّي وليّ الله، وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ الله(3).
____________
1- أمالي الطوسي: 190 ح322; عنه البحار 68: 23 ح41; وأمالي المفيد: 108 المجلس الحادي والعشرون.
2- أمالي الطوسي: 193 ح328; عنه البحار 18: 409 ح119; وأمالي المفيد: 111 المجلس الثاني والعشرون.
3- أمالي الطوسي: 193 ح329; عنه البحار 38: 155 ح130; وأمالي المفيد: 111 المجلس الثاني والعشرون.
يا عليّ أنت منّي وأنا منك، يا عليّ لولا أنت ما قاتل أهل النهر أحداً، قال: فقلت له: يا رسول الله ومن أهل النهر؟ قال: قوم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية(2).
وقال الصادق عليه السلام: ما جاء عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام يؤخذ به، وما نهى عنه ينتهى عنه، جرى له من الفضل(3) ما جرى لرسول الله صلّى الله عليه وآله، ولرسوله الفضل على جميع من خلق الله، العائب على أمير المؤمنين عليه السلام في شيء كالعائب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغير أو كبير على حدّ الشرك بالله.
كان أمير المؤمنين عليه السلام باب الله الذي لا يؤتى إلاّ منه، وسبيله الذي من تمسّك بغيره هلك، وكذلك جرى حكم الأئمة عليهم السلام من بعده واحد بعد واحد، جعلهم الله أركان الأرض، وهم الحجة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى.
أما علمت انّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: أنا قسيم بين الجنّة والنار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصى والميسم، ولقد أقرّ لي جميع الملائكة والروح مثل ما أقرّوا لمحمّد صلّى الله عليه وآله، ولقد حملت مثل حمولة
____________
1- أثبتناه من "ب".
2- أمالي الطوسي: 200 ح341; عنه البحار 33: 325 ح570.
3- في "ب" و "ج": الفضائل.