الصفحة 127
صاحبتي(1) ورائي، وانّ أخي مات ضالاًّ وأنّي عليه حزين، قال له أمير المؤمنين عليه السلام: أفتحبّ أن تراه؟ قال: نعم.

فلبس بردة رسول الله صلّى الله عليه وآله وخرج معه حتّى انتهى إلى قبره، فركض(2) برجله القبر فخرج من قبره وهو يقول: ويته ويته(3) سلان، فقال له أخوه المخزومي: أولم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال: كنّا على سنّة أبي بكر وعمر في العربيّة، ونحن اليوم على سنّة الفرس، فليست ألسنتنا على دين الله بالفارسيّة، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ارجع إلى مضجعك، وانصرف المخزومي معه، وكانت هذه من دلائله عليه السلام(4).

[في اخباره عن القائم عليه السلام]

وروي عن الأصبغ بن نباتة قال: خرجنا(5) مع أمير المؤمنين عليه السلام وهو يطوف بالسوق فيأمرهم بوفاء الكيل والميزان حتّى انتصف النهار، فمرّ برجل جالس، فقام إليه وقال: يا أمير المؤمنين مر معي فادخل بيتي وتغدّى عندي، وادع الله لي فإنّك ما تغدّيت اليوم.

فقال عليه السلام: على شرط أشرطه عليك، قال: لك شرطك، قال: على أن لا تدخر ما في بيتك(6) ولا تتكلّف ما وراء بابك، ثمّ دخل ودخلنا معه، فأكلنا خلاًّ

____________

1- في "ج": صاحبي.

2- في "ج": فوكز.

3- في "ج": ويه ويه.

4- الكافي 1: 456 ح7; والبصائر: 293 ح3 باب 4; عنه البحار 41: 195 ح8; والثاقب في المناقب: 228 ح4; ومدينة المعاجز 1: 232 ح146; والخرائج 1: 173 ح5; والهداية: 159.

5- في "ج": كنّا.

6- في "ج": على أن لا تدخلنّ في بيتك.


الصفحة 128
وزيتاً وتمراً، ثمّ خرج يمشي حتّى انتهى إلى باب قصر الامارة بالكوفة، فركض(1)برجله فتزلزلت الأرض.

ثمّ قال: أما والله لو علمتم ما هاهنا، أما والله لو قد قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع، واثني عشر ألف بيضة لها وجهان، ثمّ ألبسها اثني عشر ألف رجل من ولد العجم، ثمّ ليأمرهم أن يقتلوا كلّ من كان على خلاف ما هم عليه، وانّي لأعلم ذلك وأراه كما أعلم هذا اليوم وأراه، وكان هذا من دلائله(2).

[في شفائه عليه السلام للمكفوف والزمن والأبرص]

وروي مرفوعاً إلى مالك الأشتر قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة مظلمة فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام، ما الذي أدخلك عليّ في هذه الساعة يا مالك؟ قلت: حبّك(3)يا أمير المؤمنين وشوقي إليك، فقال: صدقت والله يا مالك، فهل رأيت أحداً ببابي هذه الليلة المظلمة؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين رأيت ثلاثة نفر.

فقام أمير المؤمنين عليه السلام فخرج فخرجنا معه، فإذا بالباب رجل مكفوف ورجل زمن ورجل أبرص، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما تصنعون ببابي في هذا الوقت؟ قالوا: جئناك يا أمير المؤمنين تشفينا ممّا بنا، فمسح عليه السلام عليهم جميعاً، فقاموا من غير عمى ولا زمانة ولا برص، فكان هذا من دلائله عليه السلام(4).

____________

1- في "ج": فوكز رجله.

2- الهداية الكبرى: 31 (الحجرية).

3- في "الف": جئتك.

4- الهداية للحضيني: 159; والثاقب في المناقب: 204 ح181; والخرائج 1: 196 ح34; عنه البحار 41: 195 ح7; ومدينة المعاجز 2: 74 ح407.


الصفحة 129

[في اخباره عليه السلام بقتل عمر، وحوادث آخر الزمان]

وباسناده إلى هارون بن سعيد قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول لعمر: من علّمك الجهالة يا مغرور؟ أما والله لو كنت بصيراً، وكنت بما أمرك به رسول الله صلّى الله عليه وآله خبيراً، وكنت في دينك تاجراً نحريراً لركبت العقر، ولفرشت القصب، ولما أحببت أن تتمثّل لك الرجال قياماً، ولما ظلمت عترة النبي صلّى الله عليه وآله بفعل القبيح(1)، غير أنّي أراك في الدنيا قتيلا بجراحة من عبد اُمّ معمر، تحكم عليه جوراًفيقتلك، وذلك توفيقاً يدخل والله به الجنان على الرغم منك.

ولو كنت من رسول الله صلّى الله عليه وآله سامعاً مطيعاً لما وضعت سيفك على عاتقك ولما خطبت على المنبر، وكأنّي أراك وقد دعيت فأجبت ونودي باسمك فأحجمت، وانّ لك [بعد القتل](2) لهتك ستر وصلباً، ولصاحبك الذي اختارك وقمت مقامه من بعده.

فقال له عمر: يا أبا الحسن أما تستحي لنفسك من هذا [التهكّن](3)؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما قلت إلاّ ما سمعت، ولا نطقت إلاّ بما علمت، قال: فمتى يكون هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا خرجت جيفتكما عن رسول الله صلّى الله عليه وآله من قبريكما الذين لم ترقدا فيهما نهاراً، كيلا يشك أحد فيكما إذ نبشتما، ولو دفنتما بين المسلمين لشك شاك وارتاب مرتاب.

وصلبتما على أغصان دوحات شجرة يابسة، فتورق تلك الدوحات بكما وتفرع وتخضر، فتكون فتنة لمن أحبّكما ورضى بفعالكما، ليميز الله الخبيث من الطيب، وكأنّي أنظر إليكما والناس يسألون العافية ممّا قد بُليتما به، فقال: فمن يفعل

____________

1- في "ج": بقبيح الفعل.

2- أثبتناه من "ج".

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 130
ذلك يا أبا الحسن؟

قال: عصابة قد فرقت بين السيوف وأغمادها، وارتضاهم الله لنصرة دينه، فما تأخذهم في الله لومة لائم، ولكأنّي أنظر إليكما وقد اُخرجتما من قبريكما، غضّين طريّين رطبين حتّى تصلبا على الدوحات، فيكون ذلك فتنة لمن أحبّكما، ثمّ يؤتى بالنار التي اُضرمت لابراهيم عليه السلام، ويجيء جرجيس ودانيال وكلّ نبيّ وصدّيق ومؤمن، ثمّ يؤمر بالنار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وابني الحسن والحسين، وابنتي زينب واُمّ كلثوم، فتحرقا بها.

ويرسل الله عليكما ريحاً مرّة فتنسفكما في اليمّ نسفاً بعد أن يأخذ السيف ما كان منكما، ويصير مصيركما جميعاً إلى النار، وتخرجان إلى البيداء إلى موضع الخسف الذي قال الله عزوجل: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب}(1) يعني من تحت أقدامكم.

قال: يا أبا الحسن يفرق بيننا وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ قال: نعم، قال: يا أبا الحسن انّك سمعت هذا وانّه حق؟ قال: فحلف أمير المؤمنين عليه السلام انّه سمعه من النبي صلّى الله عليه وآله، فبكى عمر وقال: إنّي أعوذ بالله ممّا تقول، فهل لذلك علامة؟ قال: نعم، قتل فضيع، وموت سريع، وطاعون شنيع.

ولا يبقى من الناس في ذلك الوقت إلاّ ثلثهم، وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي، وتكثر الآيات حتّى تتمنّى الأحياء الموت ممّا يرون من الآيات، فمن هلك استراح ومن كان له عند الله خير نجا.

ثمّ يظهر رجل من ولدي يملأ الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً،

____________

1- سبأ: 51.


الصفحة 131
يأتيه الله ببقايا(1) قوم موسى ويحيى، له أصحاب الكهف، ويؤيّده الله بالملائكة والجنّ وشيعتنا المخلصين، وينزل من السماء قطرها، وتخرج الأرض نباتها، فقال له: يا أبا الحسن امّا إنّي أعلم انّك لا تحلف إلاّ على الحقّ، فوالله لا تذوق أنت ولا أحد من ولدك حلاوة الخلافة أبداً.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إنّكم لا تزدادون لي ولولدي إلاّ عداوة، فلمّا حضرت عمر الوفاة أرسل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أبا الحسن اعلم انّ أصحابي هؤلاء قد أحلّوني ممّا وليت من اُمورهم فإن رأيت أن تحلّني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أرأيت لو أحللتك أنا فهل لك بتحليل من قد مضى، رسول الله صلّى الله عليه وآله وابنته، ثمّ ولّى وهو يقول: {وأسرّوا الندامة لمّا رأوا العذاب}(2) فهذا كان من دلائله عليه السلام(3).

[في حديث الجام]

وباسناده مرفوعاً إلى الصادق عليه السلام قال: جلس رسول الله صلّى الله عليه وآله في رحبة مسجده بالمدينة، وطائفة من المهاجرين والأنصار حوله، وأمير المؤمنين عن يمينه، وأبو بكر وعمر عن يساره إذ أظلّته غمامة لها زجل وحفيف، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا أبا الحسن قد اُوتينا بهدية من عند الله.

ثمّ مدّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يده إلى الغمامة، فنزلت(4) ودنت من يده، فبدا منها جام يلمع حتّى غشى أبصار من في المسجد، وله روائح زالت من طيبها

____________

1- في "ج": ببقيا.

2- يونس: 54.

3- عنه مدينة المعاجز 2: 243 ح528; ونحوه الهداية الكبرى: 162.

4- في "ج": فتدلّت.


الصفحة 132
عقول الناس، والجام يسبّح لله تعالى ويقدّسه ويمجّده بلسان عربى مبين، حتّى نزل في بطن راحة رسول الله صلّى الله عليه وآله اليمنى وهو يقول:

"السلام عليك يا حبيب الله وصفوته ورسوله المختار من ربّ العالمين، والمفضل على أهل ملك الله أجمعين من الأوّلين والآخرين، وعلى وصيّك خير الوصيّين، وأخيك خير المؤاخين، وخليفتك خير المستخلفين، وإمام المتّقين، وأمير المؤمنين، ونور المستنيرين، وسراج المقتدين، وعلى زوجته ابنتك فاطمة خير نساء العالمين، الزهراء في الزاهرين، البتول اُمّ الأئمّة الراشدين المعصومين، وعلى سبطيك، ونوريك، وريحانتيك، وقرّتي عينيك الحسن والحسين".

فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وجميع من حضر يسمعون ما يقول الجام، ويغضّون أبصارهم عن تلألؤ نوره، ورسول الله صلّى الله عليه وآله يكثر من حمد الله وشكره حتّى قال الجام وهو في كفّه: يا رسول الله انّ الله بعثني إليك وإلى أخيك عليّ وابنتك فاطمة وإلى الحسن والحسين، فردني يا رسول الله إلى كفّ عليّ.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: خذه يا أبا الحسن تحفة الله إليك، فمدّ يده اليمنى وصار في بطن راحته، فقبّله(1) واشتمّه وقال: مرحباً بزلفة الله لرسوله وأهل بيته، وأكثر من حمد الله والثناء عليه، والجام يكبّر الله ويهلّله ويقول لرسول الله: قل لعليّ يردني إلى فاطمة والحسن والحسين كما أمرني الله عزوجل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: قم يا أبا الحسن فاردده في كفّ فاطمة وكفّ حبيبيّ الحسن والحسين.

فقام أمير المؤمنين عليه السلام فحمل الجام ونوره يزيد على نور الشمس، ورائحته قد أذهبت العقول طيباً حتّى دخل على فاطمة والحسن والحسين عليهم

____________

1- في "الف": فقلّبه.


الصفحة 133
السلام وردّه في أيديهم، فحيوا به وقبّلوه وأكثروا من ذكر الله وحمده وشكره والثناء عليه، ثمّ ردّوه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله.

فلمّا صار في كفّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قام عمر على قدميه وقال: يا رسول الله ما بالك تستأثر بكلّ ما أتاك من عند الله من تحيّة وهديّة أنت وعليّ وفاطمة والحسن والحسين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ويحك يا عمر ما أجرأك! أما سمعت ما قال الجام؟ تسألني أن أعطيك ما ليس لك، فقال: يا رسول الله أفتأذن بأخذه واشتمامه وتقبيله؟

فقال: ويحك يا عمر، والله ما ذاك لك ولا لغيرك من الناس أجمعين غيرنا، فقال: يا رسول الله أفتأذن لي أن أمسّه بيدي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما أشدّ إلحاحك، قم فإن نلته فما محمد(1) رسول الله حقّ ولا جاء بحقّ من عند الله، فمدّ عمر يده نحو الجام فلم تصل إليه، فانصاع الجام وارتفع نحو الغمام وهو يقول: يا رسول الله هكذا يفعل المزور بالزائر؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ويلك يا عمر من جرأتك(2) على الله ورسوله، قم يا أبا الحسن على قدميك وامدد يدك إلى الغمام فخذ الجام وقل له: ماذا أمرك الله أن تؤدّيه، فقام إلى الجام فأخذه وقال له: رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لك ماذا أمرك الله أن تقوله فأنسيته(3).

قال الجام: نعم يا أخا رسول الله، أمرني أن أقول لكم: انّي قد أوقفني الله على نفس كلّ مؤمن ومؤمنة من شيعتكم، وأمرني بحضور وفاته حتّى لا يستوحش بالموت فيستأنس بالنظر إليّ، وأن أنزل على صدره وأسكره بروائح طيبي، فتفيض

____________

1- في "ب": فما أنا محمد.

2- في "ج": ما أجرأك.

3- في "ج": فنسيته.


الصفحة 134
نفسه وهو لا يشعر.

فقال عمر لأبي بكر: يا ليت مضى الجام بالحديث الأوّل ولم يذكر شيئاً، فكان هذا من فضل الله على رسوله وعلى أمير المؤمنين عليهما السلام ودلائلهما(1).

[خبر حبابة الوالبيّة]

روي مرفوعاً إلى رشيد الهجري قال: كنت وأبو عبد الله سلمان، وأبو عبد الرحمن قيس بن ورقاء، وأبو القاسم مالك بن التيهان، وسهل بن حنيف بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة إذ دخلت حبابة الوالبيّة وعلى رأسها كوز(2)شبه المنسف وعليها أسمار(3) سابغة، وهي متقلّدة بمصحف وبين أناملها سبحة من حصى ونوى.

فسلّمت وبكت كثيراً وقالت: يا أمير المؤمنين آه من فقدك، ووا أسفاه من غيبتك، وواحسرتاه على ما يفوت من الغنيمة منك، لا نلهو ولا نرغب عنك(4)، وانّني من أمري لعلى يقين وبيان حقيقة، وانّي لقيتك وأنت تعلم ما اُريد، فمدّ يده اليـُمنى وأخذ منها حصاة بيضاء تلمع من صفائها، وأخذ خاتمه من يده وطبع به الحصاة وقال لها: يا حبابة هذا كان مرادك منّي؟

فقالت: اي والله يا أمير المؤمنين، هذا اُريد لما سمعناه من تفرّق شيعتك واختلافهم من بعدك، فأردت هذا البرهان ليكون معي إن عمّرت بعدك ـ ولا عمّرت ـ ويا ليتني وأهلي وقومي لك الفداء، وإذا وقعت الاشارة وأرسلت(5)

____________

1- الهداية للحضيني: 164; عنه مدينة المعاجز 1: 155 ح92.

2- في "ج": مجمرة.

3- في "ج": أثمار.

4- في "الف": لا تلهو ولا ترغب عنك.

5- في "ج": أو شكّت.


الصفحة 135
الشيعة إلى من يقوم مقامك أتيته بهذه الحصاة، فإذا فعل بها ما فعلتَ علمتُ انّه الخلف من بعدك، وأرجو أن لا اُؤجّل لذلك.

فقال لها: بلى والله يا حبابة، لتلقين بهذه الحصاة الحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمد بن عليّ وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى الرضا، وكلّ إذا أتيتيه استدعى الحصاة منك وطبعها بهذا الخاتم لك، فعند عليّ بن موسى ترين في نفسك برهاناً عظيماً منه، وتختارين الموت، فتموتين ويتولّى أمرك ويقوم على حفرتك ويصلّي عليك، وأنا مبشّرك بأنّك مع المكرورات [من المؤمنات](1)مع المهدي من ذرّيتي إذا أظهر الله أمره.

فبكت حبابة وقالت: يا أمير المؤمنين من أين هذا لأمتك الضعيفة اليقين، القليلة العمل لولا فضل الله وفضل رسوله وفضلك يا أمير المؤمنين، فبكم نلت هذه المنزلة وأنا والله بما قلته موقنة كيقيني انّك أمير المؤمنين حقّاً لا سواك، فادعُ لي يا أمير المؤمنين بالثبات على ما هداني الله عليه، لا اُسلبه ولا اُفتن فيه ولا أضلّ عنه، فدعا لها أمير المؤمنين عليه السلام وأصحبها خيراً.

قالت حبابة: فلمّا قبض أمير المؤمنين عليه السلام بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله في مسجد الكوفة أتيت مولاي الحسن عليه السلام، فقال لي: أهلا وسهلا يا حبابة هاتي الحصاة، وطبعها كما طبعها أمير المؤمنين عليه السلام وأخرج الخاتم بعينه، فلمّا مضى الحسن عليه السلام بالسمّ أتيت الحسين عليه السلام، فلمّا رآني قال: مرحباً يا حبابة هاتي الحصاة، فأخذها وختمها بذلك الخاتم.

فلمّا استشهد عليه السلام مضيت إلى عليّ بن الحسين عليه السلام وقد شكّ الناس فيه، ومالت شيعة الحجاز إلى محمد بن الحنفية، وصار إليّ من كبارهم جمع

____________

1- أثبتناه من "ج".


الصفحة 136
فقالوا: يا حبابة الله الله فينا، اقصدي عليّ بن الحسين بالحصاة حتّى يتبيّن الحق، فصرت إليه فلمّا رآني رحّب بي وقرّبني ومدّ يده وقال: هاتي الحصاة، فأخذها وطبعها بذلك الخاتم.

ثمّ صرت بعده إلى محمد بن عليّ، وإلى جعفر بن محمد، وإلى موسى بن جعفر، وإلى عليّ بن موسى الرضا، فكلّ يفعل مثل أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، ثمّ علت سنّي، ورقّ جلدي، ودقّ عظمي، وحال سواد شعري، وكنت بكثرة نظري إليهم صحيحة البصر والعقل والفهم والسمع.

فلمّا صرت بحال استولى الكبر فيه قلت لمولاي عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: لا تغفل عنّي، تحضر جنازتي وتصلّي عليّ كما وعدني جدّك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: نعم أبشري(1) فإنّك معنا.

فكان من أمرها انّها ذات ليلة نائمة على فراشها إذ نزل بها الحمام المحتوم، فأيقضوها فإذا هي قد سلّمت، فلمّا كان من الغد وإذا برسول عليّ بن موسى الرضا عليه السلام عندهم وعنده كفن وحنوط، ثمّ قاموا في جهازها، فصلّى عليها الرضا عليه السلام ولقّنها ثمّ قام على قبرها يبكي [عليها](2) ثمّ قال: أبلغي آبائي عنّي السلام(3).

[خبر اللوح الذي كان عند جابر]

وفي حديث [جابر بن عبد الله](4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبي

____________

1- في "ج": إلتزمي.

2- أثبتناه من "ب".

3- هداية الحضيني: 167; عنه مدينة المعاجز 3: 190 ح824.

4- أثبتناه من "ج".


الصفحة 137
لجابر بن عبد الله الأنصاري: انّ لي إليك حاجة فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر: في أيّ الأوقات أحببت.

فخلا به أبي في بعض الأوقات، فقال له: يا جابر [بحقّي عليك](1) أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وما أخبرك به أبي ما كان في اللوح مكتوباً(2)، فقال جابر: أشهد بالله انّي دخلت على اُمّك فاطمة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله اُهنّئها بولادة الحسين، ورأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت انّه زمردة خضراء، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه(3) نور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت واُمّي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟

فقالت: هذا اللوح أهداه الله إلى رسوله صلّى الله عليه وآله، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسم الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبي ليسرّني بذلك.

قال جابر: فأعطتنيه اُمّك فاطمة فقرأته واستنسخته، فقال: هل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟ قال: نعم، فمشى معه أبي حتّى انتهى إلى منزل جابر، فأخرج إلى أبي صحيفة من رق(4)، [فقال: يا جابر اُنظر في كتابك لأقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً](5).

قال جابر: أشهد بالله هكذا رأيته في اللوح: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عند الله العزيز الحكيم لمحمّد [بن عبد الله نبيّه](6) ونوره وسفيره وحجابه، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمد أسمائي، واشكر

____________

1- أثبتناه من "ب".

2- في "ج": ما أخبرتك اُمّي انّه في ذلك اللوح مكتوب.

3- في "ب" و "ج": شبيه.

4- في "ب" و "ج": ورق.

5- أثبتناه من "ج".

6- أثبتناه من "ج".


الصفحة 138
نعمائي، ولا تجحد آلائي، انّي أنا الله لا إله إلاّ أنا، قاصم الجبّارين، ومذلّ الظالمين، وديّان الدين.

إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذّبته عذاباً لا اُعذّبه أحداً من العالمين، وإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكّل، إنّي لم أبعث نبيّاً وأكملت أيّامه وأنقصت مدّته إلاّ جعلت له وصيّاً، وإنّي فضّلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيّك على الأوصياء(1)، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسناً وحسيناً، فجعلت حسناً معدن [حلمي و](2) علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة.

جعلت كلمتي التامّة معه، والحجّة البالغة عنده، بعترته اُثيب واُعاقِب، أوّلهم عليّ سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد عليَّ، حقّ القول منّي لأكرمنّ مثوى جعفر، ولأبشرنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه.

انتجبت بعده موسى، فتنة عمياء حندس، لأنّ خطط فرضي لا تنقطع وحجّتي لا تخفى، وانّ أوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومَن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ، وويل للمغيّرين(3) الجاحدين عند انقضاء مدّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي.

انّ المكذّب بالباقي(4) مكذّب بكلّ أوليائي، وعلي وليّي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة، وأمنحه القيام بالاطلاع بها(5)، يقتله عفريت مستكبر، يدفن

____________

1- في "الف": الأولياء.

2- أثبتناه من "ج".

3- في "ج": للمفترين.

4- في "ج": بالثامن.

5- في "ج": وامتحنه بالاضطلاع بها.


الصفحة 139
بالمدينة التي بناها عبد صالح إلى جنب شرّ خلقي.

قد حقّ القول منّي لأقرّنّ عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي، وموضع سرّي، وحجّتي على خلقي، جعلت الجنّة مثواه، وشفّعته في سبعة(1) من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه عليّ وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي.

أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن العلمي الحسن، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال وبهاء عيسى وصبر أيّوب، سيد الأولياء في زمانه.

ويتهادون رؤوسهم كما تهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنين في نسائهم، اُولئك أوليائي حقّاً، بهم أرفع(2) كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع الآصار والأغلال، اُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة واُولئك هم المهتدون".

قال عبد الرحمن بن سليم(3): قال أبو بصير: لولم تعرف في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك قصة(4) إلاّ عن أهله(5).

____________

1- في "ج": سبعين.

2- في "ج": أدفع.

3- في "ج": سالم.

4- في "ج": فطنة.

5- كمال الدين: 308 ح1 باب 28; عنه البحار 36: 195 ح3; ونحوه في الاختصاص: 210; والكافي 1: 527 ح3; وأمالي الطوسي: 291 ح566.


الصفحة 140

[أحاديث في فضائل أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم]

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل عليه السلام ومعه لواء الحمد وله سبعون شقة، الشقة منه أوسع من الشمس والقمر، وأنا على كرسي من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس، فآخذه وأدفعه إلى عليّ بن أبي طالب.

قال: فوثب عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله وكيف يطيق عليّ حمل اللواء وقد ذكرت انّه سبعون شقّة؟ فقال النبي صلّى الله عليه وآله: يا عمر إذا كان يوم القيامة يعطي الله عليّاً من القوّة مثل قوّة جبرئيل، ومن النور مثل نور آدم، ومن الحلم مثل حلم رضوان، ومن الجمال مثل جمال يوسف، ومن الصوت ما يداني صوت داود، [ولولا أن يكون](1) داود خطيباً في الجنان لاُعطي مثل صوته.

وانّ علياً أوّل من يشرب من السلسبيل والزنجبيل، لا تزلّ لعليّ عليه السلام قدم على الصراط إلاّ وثبت له مكانها اُخرى، وانّ لعليّ وشيعته من الله مكاناً يغبط به الأوّلون والآخرون(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يخرج يوم القيامة قوم من قبورهم بيضٌ وجوههم(3) كبياض الثلج، عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن، عليهم نعال من ذهب شراكها من زبرجد، فيؤتون بنوق من نور عليها رحائل من ذهب، أزمّتها من زبرجد، فيركبون حتّى ينتهون إلى الرحمن والناس في المحاسبة يغتمّون ويهتمّون، وهؤلاء يأكلون ويشربون.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: من هؤلاء يا رسول الله، فضرب بيده على منكب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثمّ قال: هو لشيعتك(4) وأنت إمامهم، وهو

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- الخصال: 582 ح7 أبواب السبعين; عنه البحار 8: 3 ح3.

3- في "ج": بياض وجوههم.

4- في "ب" و "ج": هؤلاء شيعتك.


الصفحة 141
قول الله عزوجل: {يوم نحشر المتّقين إلى الرحمن وفداً}(1)(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لقد مثّلت لي اُمّتي في الطين حتّى رأيت كبيرهموصغيرهم أرواحاً قبل أن يخلق الأجساد، وانّي مررت بك وشيعتك فاستغفرت لكم.

فقال عليّ عليه السلام: يا نبيّ الله زدني منهم، قال: نعم، تخرج أنت يا عليّ وشيعتك من قبورهم ووجوههم(3) كالقمر ليلة البدر وقد فرجت عنكم الشدائد، وذهبت عنكم الأحزان، تستظلّون تحت العرش، يخاف الناس ولا تخافون، وتوضع لكم مائدة والناس في المحاسبة(4).

وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: انّ للشمس وجهين; وجه يضيء لأهل السماء ووجه يضي لأهل الأرض وعلى الوجهين كتابة، ثمّ قال: أتدرون ما تلك الكتابة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: الكتابة التي تلي أهل السماء: "الله نور السماوات والأرض" وأمّا الكتابة التي تلي أهل الأرض: "عليّ نور الأرضين"(5).

عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: معاشر المسلمين اعلموا انّ لله تعالى باباً مَن دخلها أمن من النار ومن الفزع الأكبر، فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال: يا رسول الله إهدنا إلى هذا الباب حتّى نعرفه.

قال: هو عليّ بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وأمير المؤمنين، وأخو رسول ربّ

____________

1- مريم: 85.

2- المحاسن 1: 286 ح565; عنه البحار 7: 185 ح37.

3- في "ب" و "ج": من قبوركم ووجوهكم.

4- فضائل الشيعة: 32 ح27; عنه البحار 7: 180 ح20; ونحوه بصائر الدرجات: 104 ح5 باب 14.

5- مائة منقبة: 100 ح45; عنه البحار 27: 9 ح21; مدينة المعاجز 2: 406 ح631.